شبكــة أنصــار آل محمــد

شبكــة أنصــار آل محمــد (https://ansaaar.com/index.php)
-   بيت الآل والأصحاب من منظور أهل السنة والجماعة (https://ansaaar.com/forumdisplay.php?f=7)
-   -   واجبنا تجاه الصحابة رضي الله عنهم جزء من واجبنا تجاه ديننا (https://ansaaar.com/showthread.php?t=28183)

تألق 16-11-12 10:37 PM

واجبنا تجاه الصحابة رضي الله عنهم جزء من واجبنا تجاه ديننا
 

واجبنا تجاه الصحابة رضي الله عنهم
محاضرة نفيسة جدا للشيخ عبدالرزاق البدر وفقه الله
للاستماع هنا

التفريغ كاملا هنا


تألق 16-11-12 10:38 PM

وَاجِبُنَا تِجَاهَ الصَّحَابَة


إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستَعينُه ونستَغفره ، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسِنا وسيِّئات أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلَّا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلَّم تسليمًا كثيرًا ؛ أمَّا بعد:
أيها الإخوة المؤمنون : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يكتب لنا في جمعنا هذا الخير والنفع والبركة ، وأن يمنَّ علينا بالعلم النافع وأن ينفعنا بما علّمنا وأن يزيدنا علما .
أيها الإخوة الأكارم موضوع هذا اللقاء عن :

« واجبُنا نحو الصَّحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم »

وهُو واجبٌ عظيمٌ ومطلَبٌ جليلٌ يجدُر بنا جميعًا أن نُرعيه اهتمامَنا وأن نعتنيَ به غايةَ العناية ؛ واجبُنا نحو أصحاب النبي الكريم عليه الصلاة والسلام .
ولنعلَم أيها الإخوة : أنَّ واجبنا نحو الصَّحابة هو جزءٌ من واجبنا نحو دينِنا دينِ الإسلام دين الله تبارك وتعالى الَّذي رضيَه الله لعباده ولا يقبل منهُم دينًا سواه ، كما قال الله جلَّ وعلا : ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19] ، وكما قال جلَّ وعلا : ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85]، وكما قال الله تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة:3] .
هذا الدِّين القَويم والصِّراط المستَقيم دينُ الله عز وجل قد اختَار الله له مبَلِّغًا أمينًا وناصحًا حكيمًا ورسولًا كريمًا ألا وهُو محمَّد صلى الله عليه وسلم ، فبلَّغ هذا الدِّين أتمَّ البلاغ ، وبيَّنه أكمَل البيان ، وقام بما أمرَهُ به ربُّه تبارك وتعالى على أتمِّ وجهٍ وأكمَل حالٍ ، قال الله له: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: 67] ، فبلَّغ الرِّسالة ، وأدَّى الأمانةَ ، ونصحَ الأمَّة ، وجاهد في الله حقَّ جهادِه حتَّى أتاه اليقين ، وما تركَ خيرًا إلَّا دلَّ الأمَّة عليه ، ولا شرًّا إلَّا حذَّرها منه ، قال الله تعالى ممتنًّا على عباده: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة:2] ؛ بلَّغ رسولُنا صلى الله عليه وسلم دينَ الله على التَّمام والكَمال ، ونصحَ للأمَّة غايةَ النُّصح ، وأوضَح لهم المحجَّة وأبانَ لهم السَّبيل - صلواتُ الله وسلامُه عليه - .
وقد اختَار الله جلَّ وعلا لهذا الرَّسول الكريم صحابةً كرامًا ، وأنصارًا عدولًا ، وأئمَّةً ثقاتًا ؛ نصروه وعزَّروه وأيَّدوه، ونصروا دينَ الله تبارك وتعالى ، فكانوا رضي الله عنهم وأرضاهم خيرَ صَحْبٍ لخيرِ مَن مشى على وجهِ الأرضِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، كانوا صحابةً بَرَرَةً ، وإخوَةً كِرامًا ، وأعوانًا أقوياءَ أشدَّاءَ ، نصروا دينَ الله عز وجل وأيَّدوه، وكانوا خيرَ أعوانٍ لنشره ونصره ؛ فأَنْعِمْ بِهِمْ وأَكْرِمْ ؛ أنعِم بهم ما أعلى قدرَهم ! وما أجلَّ مكانتَهم ! وما أشرَفَ الجُهدَ الَّذي قاموا به لنُصرة دين الله تبارك وتعالى !
واللهُ عز وجل اختار هَؤلاء الصَّحابة لنبيِّه صلى الله عليه وسلم عن علمٍ وحكمةٍ ، اختار له خيارًا عدولًا ، كانوا بشهادة ربِّ العالمينَ وشهادةِ الرَّسولِ الكريم صلى الله عليه وسلم خيرَ النَّاس بعدَ الأنبياءِ ، كما قال الله تعالى : ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:110] ، وأوَّل مَن يدخُل في ذلك صحابةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فهُم يدخُلونَ في هذا الثَّناء دخولًا أوَّليًّا ، وجاء في الصَّحيحيْن عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ؛ فهذه خيريَّة للصَّحابة شهِد لهم بها ربُّ العالمين ، وشهِد لهم بها رسولُه الكريمُ صلى الله عليه وسلم ، وكانوا حقًّا خيارًا عدولًا ثقاتًا أثباتًا أئمَّةً هداةً - رضي الله عنهم وأرضاهم - .
ولهذا – أيها الإخوة - يجبُ علينَا أن نعيَ أنَّ الحديثَ عن الصَّحابة وأن الواجب نحو الصحابة هُو جزءٌ من الدِّينِ، جزءٌ من العقيدة الإسلاميَّة ، جزءٌ من الإيمان الَّذي تعبَّدَنا الله تبارك وتعالى به؛ لماذا الحديث عن الصحابة وعن واجبنا نحو الصحابة جزء من الإسلام ؟ وإذا طالعتَ كُتُبَ العقيدةِ الَّتي كتبَها أئمَّةُ السَّلف في القَديم والحديثِ لا تجد كتابًا منها يخلو من بيانِ العقيدةِ نحو الصَّحابة . لماذا هذا الاهتمام بالصحابة ؟ ولماذا كان واجبُنا نحوَ الصَّحابَة جُزءًا من واجبِنا نحوَ دِينِنا ؟!
إنَّ الصَّحابة - أيها الإخوة - هُم حملَةُ هذا الدِّين ونقلتُه للأمَّة ؛ منَّ الله عليهم وشرَّفهم وأكرمَهُم بسماع دينِ الله من رسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، شرَّفهم الله برؤيةِ طَلْعَته ومشاهَدتِه صلى الله عليه وسلم ، وشرَّفَهُم بسَماع حديثِه صلى الله عليه وسلم منه بدُون واسطة ، رَأوه وسَمِعوا حديثَه وحفظُوه ووَعَوْه ونقَلُوه لأمَّة الإسلام.
أيها الإخوة : أيوجَد حديثٌ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم - سواءً القوليَّة أو الفعليَّة - وصَل إلينَا من غير طريقِ الصَّحابة ؟! إذا فتَحت كُتُب السُّنَّة ؛ «صحيح البُخاري» ، «صحيح مسلم» ، «السُّنَن» ، «المسانيد» ، «المجَاميع» ، الأجزَاء الحديثيَّة تجدُ الإسناد يبدأ من المؤلِّف : حدَّثنا فلانٌ عن فلانٍ عن فلانٍ إلى أن يصِلَ إلى الصَّحابي ثمَّ الصَّحابيُّ يَروي عن النَّبيِّ ؛ جميع الأحاديثِ الَّتي صَحَّت وثَبتَت عن رسولِ الله في طريقِنا إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم صحابيٌّ جليلٌ.
والصَّحابة عُدولٌ ، عدَّلهم الله جلَّ وعلا ووثَّقهم في كتابه ، ووثَّقهم نبيُّه عليه الصَّلاة والسَّلام ، ولهذا جرت طريقة أئمَّة السَّلف وعلماء السُّنَّة في الأحاديث الَّتي تُروى عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يبحثوا في عدالة رُواتِها ومنزلتِهم منَ الثِّقة والضَّعف ، كل رجلٍ من رجال الإسناد يبحثُون في حاله ؛ هل هو ثقةٌ أو ضعيفٌ ؛ هل هو عدلٌ أو ليس بعَدلٍ ؛ وإذا وصل الإسناد إلى الصَّحابي لا يبحَث في هذه المسألة ؛ لأنَّ الصَّحابة كلهم عُدولٌ كلهم ثقاتٌ ، الذي وثقهم هو رب العالمين ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام ؛ ولهذا إذا نظرتَ في كُتُب العِلل وكُتُب الرِّجال بدءًا من زمن التَّابعين فمَن بعدَهُم تجد كلَّ واحد منهُم يتكلَّمون عن حاله ، يقولون: فلانٌ ثقةٌ ، فلانٌ ثبتٌ، فلانٌ حافظٌ، فلانٌ ضعيفٌ، فلانٌ كذَا .. إلَّا الصَّحابة ، الصحابة لا يتكلَّم أحدٌ ، هَل هُم عدول أو ليسوا بعدول ؛ هل هُم ثقاتٌ أو ليسوا بثقات؟ لأنهم كلُّهم معدَّلين ، والذي عدَّلهم هو ربُّ العالمين جلَّ وعلا ورسُوله صلى الله عليه وسلم ، وذلكَ في آياتٍ كثيرةٍ من القُرآن ، وفي أحاديثَ عديدةٍ عن الرَّسول الكريمِ عليه الصَّلاة والسَّلام.
الصَّحابة نقَلَةُ هذا الدِّين ؛ سمعُوا الدين من رسولِ الله عليه الصلاة والسلام ، وحفظُوه كما سَمعوه، وبلَّغوه للأمَّة بكلِّ أمانةٍ وثقةٍ ، ولسانُ حال كلِّ واحدٍ منهُم يقول : هذَا ما سَمعناه من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وها نحنُ نبلِّغُه لكُم وافيًا تامًّا كاملًا كما سمعنَاه . ولهم الحظَّ الوافر والنَّصيب الكامل من دعوةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حينَ قال: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ» ؛ أتعلمون أحدًا من هذه الأمَّة ظفر بهذه الدَّعوة العظيمة مثلمَا ظفر بها الصَّحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ؟ حفظوا الدِّينَ وحفظوا أحاديثَ الرَّسولِ الكريمِ عليه الصَّلاة والسَّلام وبلَّغوها للأمَّة صافيةً نقيَّةً ، تامَّةً كاملةً ، بكلِّ أمانةٍ وبكل ثقةٍ ، وبكلِّ دقَّةٍ وعنايةٍ ، هكذا كان شأنُهم رضي الله عنهم .
وكانوا معَ النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام يحرصُون على مجالسه، ويتَنافسون على حضُورِ دروسه وسماع أحاديثِه ، ويحفظونها وتَعيَها قلوبُهم، وينقلُونها لأمَّة الإسلام ؛ إذا كان الصَّحابة بهذه الرُّتبة وبهذه المكانة ؛ أليس الحديثُ عنهم جزءًا من الحديثِ عن الدِّين ؛ وهُم نقَلتُه وحملته للأمَّة ؟ كلُّ حَديثٍ يبلغُنا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يتَوسَّط في إبلاغِ الحديث إلينَا أحدُ الصَّحابة ؛ واسطة بيننا وبين النبي عليه الصلاة والسلام في إبلاغ الدين ، ولهذا الحديث عنهم جزءٌ منَ الحديثِ في هذا الدِّين.
وبالمقابل ؛ فإنَّ الطَّعن فيهم رضي الله عنهم طعنٌ في الدِّين نفسِه ؛ كما قال العلماء: «الطَّعنُ في النَّاقل طعنٌ في المنقُول» ، إذا كان مَن نقَل لنا الدِّينَ وهُم الصَّحابة مطعونٌ فيهم متكَلَّمٌ في عدالتِهم، متكلَّمٌ في ثقتِهم وأمانتِهم؛ فالدين ما شأنُه إذا كانَ مَن نقَل لنا الدِّين مطعونٌ فيه ؟ يكون الدِّينُ ذاتُه مطعونًا فيه ، ولهذا قال العلماء «الطَّعنُ في النَّاقل طعنٌ في المنقُول» ، إذا طُعن في الصحابة وشُكك في قدر الصحابة ومكانتهم فهذا طعن في الدين ذاته ، ولهذا قال الإمام الجليل والحافظ النَّبيل أبو زُرْعَة الرَّازي رحمه الله : «إذا رأيتُم الرَّجُلَ ينتقصُ أحدًا من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فاعلموا أنَّه زنديق؛ وذلك أنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عندنَا حقٌّ، والقُرآن حقٌّ، وإنَّما أدَّى إلينَا هَذا القُرآنَ والسُّنَن أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ؛ وإنَّما يُريدون أنْ يجرَحُوا شهُودَنا ليُبطِلُوا الكتابَ والسُّنَّة، والجَرْحُ بهم أوْلَى، وهُم زنادقةٌ» ؛ يعني هؤلاء الذين يطعنون في الصحابة ويتكلمون فيهم أرادوا أن يجرحوا شهودنا الذين نقلوا لنا الدين وبلغوه فإذا طُعن فيهم طُعن في الدين الذي بلغوه ، إذا كان الصَّحابة ليسو ثقات وليسو عدول ، أين الدِّين الَّذي نعبدُ اللهَ به؟ أين الدِّين الَّذي نطيع الله عز وجل ونمتثله به إذا كان الناقل مطعون فيه ومُتكلمٌ فيه !!
ويُوغل فئامٌ من النَّاس في الضَّلال فيَطعن في الصَّحابة كلِّهم إلَّا نفرًا قليلًا منهم يُعَدُّون على رؤوس الأصابع ؛ إذا كان الأمر بهذا الحال؛ فأينَ الدِّين؟! كيفَ يُعلَم دينُ الله؟! كيف يُعبَد الله؟! كيف يصلَّى له ويُسجَد؟! كيف تؤدَّى فرائضه؟! كيف يحجُّ إلى بيته؟! كيف يُقام بطاعته؟! كيف ينتهي عن نهيه ؟! إذا طُعن في حملتِه ونقلتِه صحابة النَّبيِّ الكريمِ عليه الصَّلاة والسَّلام.
ولهذا يجب أن نعي أنَّ الطَّعن في نقلةِ الدِّين وهم الصَّحابة طعنٌ في الدِّين نفسِه ، ونعِي تمامًا أنَّ واجبَنا نحو الصَّحابة جزءٌ من واجبِنا نحو دينِنا ؛لماذا ؟ لأنَّهم هُم الَّذين نقلُوه ، هُم الَّذين بلغوه ، هُم الَّذين سمعوه من النبي عليه الصلاة والسلام ، سمعته آذانهم ووعته قلوبهم وبلغوه للأمة وافياً تاماً صافياً نقياً ، فإذا طُعِنَ فِيهم طُعِنَ في الدِّين نفسه .
وكيف يُطعن فيهم !! والَّذي عدَّلهم ربُّ العالمين في كتابه المبين في آي كثيرة منه ، بل أخبر جلَّ وعلا أنَّه رضي عنهم وأنهم رضوا عنه ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة:100] ، أخبر جلَّ وعلا أنَّه رضي عنهُم ، أيرضى عمَّن لا يكونُ ثقةً في نقل الدِّين ؟! أَيَرضى جلَّ وعلا عمَّن يكونُ خائنًا في إبلاغ كلام الرَّسول الكَريم عليه الصَّلاة والسَّلام ؟! هيهاتَ وهيهاتَ! وحاشا وكلَّا ؛ رضيَ الله عنهم ؛ لأنَّهم ثقاتٌ لأنهم عدولٌ، لأنَّهم أئمَّةٌ خيارٌ، لأنَّهم مبلِّغون لدِينِه على أتَمِّ وجهٍ وأحسنِ حالٍ، ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾. في الآية الأخرى قال جل وعلا : ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: 18] ، وكان عدَدُهم يتجاوز الألفَ بكثير ، وكلُّهم قد رضيَ الله عنهم. وقال عليه الصَّلاة والسَّلام في شأنِ أهلِ بدرٍ : «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ؛ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» .
تزكِيةٌ من وَراءِ تزكية، وثَناءٌ من وراءِ ثَناءٍ، ومدحٌ عظيمٌ في القرآن الكريم وفي سنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ولا تَكادُ الآيات والأحاديث الَّتي في الثَّناءِ على الصَّحابة تحُصَى . بل – أيها الإخوة - لم يأت الثَّناءُ على الصَّحابة في القرآن فقط، بل إنَّ الثَّناءَ على الصحابة سَبَقَ الصحابة وسبق وجودَهم على الأرض ؛ جاء الثَّناء عليهم في التَّوراة وفي الإنجيلِ من قبلِ أن يُخلَقُوا ومِن قبلِ أن يوجَدُوا، أثنى الله عليهم في التوراة وأثنى الله عليهم في الإنجيل ، واقرأوا ذلك في آخر آية من سورة الفتح ماذا قال الله عن الصَّحابة ؟ ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ } من هم ؟ الصحابة { وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ } الرب عز وجل يثني على الصحابة {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ أين هذا المثل ؟ في أيِّ كتاب؟ ﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ } هذا الثناء على الصحابة في التوراة ، ذُكِروا هذا الذكر في التوراة ، وأيضا في الإنجيل قال { وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ } من هم ؟ الصحابة { وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح:29] ، هذه الآية الكريمة تبيِّنُ لك - أخي المسلم - أنَّ الرَّبَّ العظيمَ والخالق الجليل تبارك وتعالى أثنى على الصَّحابةِ وزَكَّاهم وعدَّلهم أين ؟ في التَّوراة ، وفي الإنجيل ، وفي القرآن؛ ثناءٌ عظيمٌ ، مدحٌ جليلٌ ، تزكية عالية لهؤلاء الخيار لهؤلاء الأئمَّةِ العدولِ، أثنى جل وعلا عليهم من قبل أن يوجَدوا ، ومدَحَهم مِن قبل أن يُخلَقوا حينما أنزَلَ كتابَه التَّوراة على موسى ، وحينَما أنزَل كتابَه الإنجيلَ على عيسى ، ثمَّ أثنى عليهم وهُم على وجهِ الأرضِ في كتابِه القُرْآنِ الكريمِ الَّذي أنزَلَه على محمَّد صلى الله عليه وسلم .
واسمع أيضًا إلى ثناء آخَر على الصَّحابةِ مِن ربِّ العالمين في سورَة الحشر ، قال الله جلَّ وعلا: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحشر:8] ، هكذا وصفهم الله : ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ من هم ؟ المهاجرين ، ثمَّ قال عن الأنصار: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ }يعني المدينة { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } يحبون المهاجرين{ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر:9] ؛ هذا ثناءٌ على من ومن ؟ على المهاجرين والأنصار من الصحابة ، والصَّحابة - كما تعلمون – قسمين : مهاجرين وأنصار ؛ المهاجرون : أهل مكَّة الَّذين تركُوا أموالَهم وتركوا ديارَهم وتركوا بيوتهم وهاجروا لله ، ماذا يبتغون بهجرتهم ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾، البيت تركوه، المال تركوه ، كلَّ شيء تركُوه ، جاء بجسمه إلى المدينة وترك كل شيء يبتغي فضلاً من الله ورضواناً ، وماذا ؟ {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} لأجل هذا جاءوا ، قال ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ في إيمانهم ، في صُحبتهم ، في طاعتهم ، في اتِّباعهم لدين الله تبارك وتعالى ؛ صدق ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ } هكذا يصفهم الله { رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23] ؛ هؤلاء هُم الصَّحابة ، يُثني الرَّبُّ جلَّ وعلا عليهم هذا الثَّناء المبارك الثناء العاطر.
أثنى الله تعالى على المهاجرين وأثنى على الأنصار ، قال في الأنصار : ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ ﴾ المراد بالدَّار أي المدينة ، ومن أسماء المدينة الدار ، والأنصار تبوَّءوا الدار أي تبوءوا المدينة مِن قبلِ المهاجرين ، لَكِن مَاذا فَعَلَ الأنصارُ عندما جاءَهم المهاجِرون ؟ قسموا لهم في أملاكهِم ؛ يُعطي الأنصارِيُّ المهاجِرَ نصفَ بَيْتِهِ، نصفَ مالِه، وهذا الإيثارُ الَّذي مدَحَهم الله به: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ واجتمع الأنصارُ والمهاجِرين على نُصرةِ دينِ الله تبارك وتعالى ؛ كلُّهم أنصارٌ لدِينِ الله، وكُلُّهم أعوانٌ لدين الله، ﴿ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ هذا شأنهم .
ثم ما شأن الَّذين جاءوا مِن بعدِهم ؟ ما شأن المؤمنين الَّذين اتَّبعُوهم بإِحسَان ؟ لابدَّ أَنْ نَنْتَبِهَ هُنا ؛ لأنَّ الله عز وجل سيُبَيِّنُ لنا المنهجَ الَّذي عليه المؤمن بعد المهاجِرينَ والأنصارِ بعدَ زمنِ الصحابة ، ماذا يفعل المؤمن ؟ ما شأنه مع هؤلاء ؟ ماذا قال الله ؟ ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ مِن بعدِ المهاجِرين والأنصارِ ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر:10] ؛ هذه الآية تُبَيِّنُ لكم المنهجَ الَّذي يكونَ عليه كلُّ مؤمِنٍ تُجَاهَ الصَّحابة رضي الله عنهم .

تألق 16-11-12 10:44 PM

ماذا ينبغي علينا ؟ ما يجب علينا تجاه الصحابة على ضوء هذه الآية الكريمة ؟
يتلخَّص الواجبُ علينا تجاه الصحابة على ضوء هذه الآية الكريمة في أمريْن اثنَيْن - تَنَبَّه لهما جيِّدًا ينفعك الله عز وجل بهما :
v الأمر الأوَّل : سَلامة الصَّدر تجاه الصَّحابة ؛ أن تكونَ قلوبُنا سليمةً تُجاه الصحابة ، ليس فيها غِلٌّ ، ليس فيها حِقدٌ ، ليس فيها ضَغِينَةٌ، ليس فيها بَغْضَاء ليس فيها عَدَاوةٌ، وإنَّما فيها المحبَّةُ ، فيها الإحسان ، فيها الرِّفق ، فيها المودَّة ، فيها اللين ، هذا نأخذه من قوله: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾ يعني اجعلْ قلوبَنا سليمةً تجاه مَن سَبَقنا بالإيمان ، وهُم إخوانُنا ، بل هُم خيرُ إخوانِنا رضيَ الله عنهُم وأرضاهُم ؛ ولهذا قال: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ فهم إخوانُنا ، وإضافةً إلى أخوَّتهم لنا مُيِّزوا عنا بميزةٍ عظيمةٍ وشُرِّفوا بتشريفٍ كبيرٍ ما هو ؟ ﴿الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾، وفي الآية الأخرى قال: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ ، سبقونا بالإيمان هذا خصَّهم اللهُ عز وجل به.
نحنُ الآن في القَرن الرَّابع عشر من القرون الهجرية ، بينَنا وبينَهُم قرون ، وهُم كانُوا معَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من حين بُعِثَ ، ونَصَرُوه وعزَّروه وأيَّدوه، وكانُوا معه جنبًا إلى جنبٍ، أينَ نحنُ منهم؟! سبقونا بالإيمان، سبقونا بنصر الدِّين، سبقُونا بأن شرَّفهم الله عز وجل بصُحبة النَّبيِّ الكريمِ عليه الصَّلاة والسَّلام ، ولهذا ؛ وأنتَ تدعو للصَّحابة تذكَّر سابقة الصحابة ، وهذه لفتَةٌ في الآية عظيمةٌ لما قال: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ لهُم حقٌّ عليكَ في هذا السَّبقِ العظيمِ ؛ سبقوك بالإيمان ولهذا حتى تعرفَ قدرَهُم استحضِرْ سابقتَهم الَّتي مَدَحَهم الله عز وجل وأثنَى عليهم بها: ﴿الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾.
الشاهد ؛ الخصلة الأُولى: سَلامةُ القَلب تُجاه الصَّحابة ، وهذا نأخُذُه من قوله : ﴿ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ﴾ .
v والخصلة الثَّانية : سَلامة اللِّسان تجاه الصحابة ؛ فاللِّسان تجاه الصحابة ليس فيه سبَّ ، ليس فيه فُحشَ ، ليس فيه لَعنَ ، ليس فيه طَعنَ، ليس فيه بذاء ، ليس فيه إلا الدُّعاء ؛ من أين نأخُذ سَلامة اللِّسان ؟ ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ﴾ ، هل يسبُّون الَّذين سبَقُوهم بالإيمان ؟! هَل يشتُمونهم؟! هل يطعنون فيهم؟! هل يقعون في أعراضِهم ؟! حاشَا وكلَّا ؛ ليسَ هذا مِنْ شأنِ المؤمنين ، شأنُ المؤمنين كما قال الله: ﴿ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ ﴾ يعني من أهل الإيمان ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ .
ولهذا يتلَخَّص منهجُ أهل الإيمان تُجاه الصَّحابة رضي الله عنهم في نُقطتَين:
% النقطة الأولى: سلامة القَلب ؛ القلب ليس فيه غل ، ليس فيه حقد ، ليس فيه ضغينة ، ليس فيه عداوة .
% والخصلة الثَّانية: سلامة اللِّسان ؛ ليس فيه سب ، ليس فيه طعن ، ليس فيه بذاء ، ليس فيه فحش ، وإنما قلبٌ نظيفٌ، ولسانٌ نقيٌّ تُجاه الصَّحابة الكرامِ رضي الله عنهم وأرضاهم.
ولهذا اسمع ما جاء في الصَّحيحين عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يحذِّر الأمَّة وفي الوقتِ نفسِه يبيِّن لهم مكانَة الصحابة ، قال عليه الصَّلاة والسَّلام : «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا – اذهب إلى جبل أحد وانظر ما أكبره وما أكبر حجمه - مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» ؛ لو أحدَ الصَّحابةِ رضي الله عنه جاء بمُدٍّ من الذهب وتصدَّقَ به على مسكين ، وجئتَ أنتَ بمِثْلِ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهبًا - ولا يستَطيعُه أحدٌ منَّا مهما بلغَ مالُه أن يأتي بذهب مثل جَبل أُحُد يتصدَّق به - وربَّما لو جاءه من الذَّهب مثل جَبل أُحُدٍ لفَتَنَهُ وأقبَل عليه وأصبح شَحِيحًا به بخيلًا ، لكن لَو فُرِض أنَّ أحدَنا عنده منَ الذَّهب مثلُ جبلِ أُحُدٍ وتصدَّق به ما بلَغَ مثل مُدَّ أحد الصَّحابة ، يقول احذروا يحذِّر عليه الصلاة والسلام احذروا تنبَّهوا اعرِفُوا قدرَ هؤلاء اعرفوا مكانتهم «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي» اعرفوا مكانة الصَّحابةَ رضي الله عنهم وأرضاهم. «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي» ؛ هذا كلامُ النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام ليسَ كلامَ أَحَدٍ مِنَ النَّاس أو أَحَدِ العلماء ، وإنَّما كلامُ الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام ينصَح الأمَّة «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» .
والأحاديث عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كثيرةٌ جدًّا ؛ يبيِّنُ للأمَّة شأنَ الصَّحابةِ ، ومكانَة الصَّحابةِ ، وقدرَ الصَّحابةِ ، ومناقِبَ الصَّحابةِ ، حتَّى إنَّ بعضَ العلماءِ عندما أرادَ أن يُفرِد مناقبَ الصَّحابةِ في كتابٍ مَا استطاعَ أن يجمع مناقبهم في مجلَّد واحد ، بل احتاجوا إلى مجلَّدات ومجلَّدات ومطوَّلات من الأحاديث الثَّابتة عن النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام في الثَّناء على الصَّحابة أفرادًا وجماعاتٍ ؛ لا إله إلَّا الله! ما أعلى قدرَهم ، وما أجلَّ مكانَتَهم ، وما أرفعَ شأنَهم ، وما أعظمَ واجبَ المسلمين نحوَهم؛ رضي الله عنهم وأرضاهم.
أُمِرَ أهلَ الإيمان بالدُّعاء للصَّحابة والاستغفارِ لهم ، ولكن بعضَ النَّاسِ عكسُوا الأمرَ وقلَبوه رأسًا على عقبٍ ، ففعلوا عكسَ ما طُلِبَ منهُم في القُرآن وعكسَ ما طُلِبَ منهُم في سنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا جاء في صحيح مسلم أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قيل لها إنه يوجد ناس سُمع منهم سب للصحابة قالت : « أُمِرُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لأصحَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فسَبُّوهُمْ» ؛ أمِروا أن يستغفروا لهم لأن الله قال في القرآن : ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا ﴾ أمرنا بالاستغفار لهم ، تقول « أُمِرُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لأصحَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فسَبُّوهُمْ» ، لكنَّ الله له حكمة في وجود من يسب الصحابة ، ما هي ؟
تَقُولُ عَائِشَةُ رضي الله عنها - كَمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ ابْنُ الأَثِيرِ فِي كِتَابِهِ «جَامِعِ الأُصُولِ» - : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قيل لعائشةَ: «إِنَّ ناسا يَتَنَاوَلون أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، حتَّى أبا بكر وعمر، فقالتْ: وما تَعْجَبون من هذا؟ انقطع عنهم العملُ، فأحبَّ الله أن لا يقطعَ عنهم الأجْرَ» ؛ كَيْفَ هَذَا؟
أنتم تعلمون عِلْمًا وَاضِحًا مِنَ السُّنَّةِ أَنَّ مَنْ يَطْعَنُ فِي غَيْرِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ماذا يحدث يوم القيامة ؟ يُؤْخَذُ مِنْ حسنَاتِ هذا الطَّاعن وَتُعْطَى لِلمَطْعُونِ فِيهِ بغِيْرِ حَقٍّ ، واقرؤوا في ذلك حَدِيثُ المفْلِسِ حتَّى تعرفوا من خلالِ حَدِيثُ المفْلِسِ ماذا سيَحْدُث يومَ القيامة لمن يطعَنُون في الصَّحابة ؛ ما هو حديث المفلس ؟ قَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام لِلصَّحَابَةِ يَوْمًا : «أَتَدْرُونَ مَا المفْلِسُ؟» قَالُوا: يا رسولَ الله! المفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ؛ فَقَالَ: «إِنَّ المفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ»؛ نسألُ الله العافيةَ والسَّلامةَ ؛ هذا فيمن يسبُّ آحادَ المسلمين ، فكيفَ بمَن يسبُّ أصحابَ النَّبيِّ الكريمِ عليه الصَّلاة والسَّلام ؟! ما أعظمَ مصيبته وما أشدَّ رَّزِيَّته يومَ القيامةِ ، تؤخَذُ من حسناتِه وتُعطى للصَّحابة الكِرام، فإنْ فنِيَت حسناتُه أُخِذ من سيِّئات مَن طَعنَ فيه إن كانت له سيئات فطُرحت عليه فطُرح في نَار جهنَّمَ ، لا إلهَ إلَّا اللهُ ! ما أعظمَ مصيبةَ مَن يَطعنُ في الصَّحابة ؟! وما أشدَّ بليَّته يومَ القيامةِ عندَما يأتي يومَ القيامةِ مفلسًا ؟! يأخذُ أبو بكر رضي الله عنه من حسناتِه، ويأخذُ عمَرُ رضي الله عنه من حسناتِه، ويأخذُ عثمانُ رضي الله عنه من حسناتِه ، وزوجاتُ النَّبيِّ رضيَ الله عنهُنَّ وأرضاهُنَّ يأخذُنَ من حسناتِه ، الكل يأخذُ من حسناتِه .

أمَّ الُمؤمنين عائشةَ رضي الله عنها لم تسلَمْ !! طُعن فيها معَ أنَّ اللهَ برَّأَها في القُرآن وأنزَل فيها في سورة النُّور ثمانية عشر آية تُتْلى في محارِيب المسلمين إلى يَوم القِيامة ، برأها ممَّا رماهَا به أهلُ الإفكِ ومَع ذلكَ لا يزال يوجَد مَن يطعنُ فيها !! إذاً هذا ماذَا سيكونُ لعائشةَ رضي الله عنها يوم القيامة ؟ رصيد عظيمٌ في الحسناتِ ، أبو بكر رضي الله عنه رصيد عظيمٌ في الحسناتِ ، عمر رضي الله عنه رصيد عظيمٌ في الحسناتِ ، ثمَّ يأتي الطَّاعنُ من المفاليس يومَ القيامةِ ، لماذا يأتي مفلسًا ؟ لأنَّه انتدبَ نفسَه طعَّانًا لعَّانًا في أصحابِ النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام ، حتَّى إنَّ بعضَ النَّاس يصبِّحُ ويُمْسِي - عياذًا بالله - طَعْنًا ولعنًا في صَحابة رسُول الله ؛ هذا ماذا سيكون يوم القيامة ؟ كيفَ يكونُ شأنه يوم القيامة عندمَا يلقَى اللهَ جلَّ وعلا وهو يصبح ويمسي لعنا في الصحابة ! حتَّى إنَّ بعضَهم ليقول: " اللَّهُمَّ الْعَنْ جِبْتَي قُريش وطاغوتَيْهمَا وأقبَاطَيْهمَا وابنتَيْهمَا أبَا بكر وعُمَر" أعوذ بالله استجرنا بالله العظيم ، ماذا سيأتي هذا يوم القيامة ؟ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في شأنِ المؤمنِ عُمومًا : «لَيْسَ المؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلا اللَّعَّانِ، وَلَا الفَاحِشِ، وَلَا البَذِيءِ» ؛ بَل لما قيل للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : يَا رَسُولَ الله! ادْعُ عَلَى المشْرِكِينَ؛ قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا» ؛ ثمَّ يأتِي فِئَامٌ مِنَ الناس فيَخْتَارُون صَفْوَةَ الأمَّةِ وخيارَها فيلعنونَهم ! أعوذُ بالله .
جَاء عن النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام حديثٌ صحيحٌ رواه غيرُ واحدٍ من الصَّحابةِ منهم عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : قال عليه الصَّلاة والسَّلام : «أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الجَنَّةِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ إِلَّا النَّبِيِّينَ وَالمرْسَلِينَ» ، ولهذا أفضلَ النَّاس في الجنَّة بعدَ الأنبياءِ والمرسلين أبو بكرٍ وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما .
وجاء في صحيح البخاري عن ابن عُمَر رضي الله عنهما قال: «كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ – يعني نفاضل بينهم - فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بنَ عَفَّانَ رضي الله عنهم »، وفي زيادةٍ عند غيره: «فَيَبْلُغُ ذَلِكَ النَّبِيَّ ح فَلا يُنْكِرُهُ».
بل جاء في صحيح البخاري عن محمَّد بن الحنفيَّة قال: قُلْتُ لَأَبِي – أبوه عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه - : «أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ؛ قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ؛ وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ؛ قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ! قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ المسْلِمِينَ» ، هذا عليٌّ رضي الله عنه.
بَلْ جَاءَ عَنْه كَمَا فِي السُّنَّةِ لابْنِ أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ قَالَ : «لَا يَبْلُغنِي عَنْ أَحَدٍ يُفَضِّلُنِي عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِلَّا جَلَدْتُهُ حَدَّ المفْتَرِي» ؛ هذا افتراء ! يقول علي كيف أُفَضَّل على أبي بكر وعمر ! هذا كلام أميرِ المؤمنين الخليفةِ الرَّاشد عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه .
ولهذا يا إخوان ؛ ينبَغي أن نعلمَ أنَّ من واجبِنا نحوَ الصَّحابة أن نعرفَ التَّفاضُلَ الَّذي بينهُم ، ومن هو أفضلهم ؟ وما التَّرتيب بينهم في الأفضليَّة ؟ لنعطيَ كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه ، أليسَ اللهُ قال في القُرآن: ﴿ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد:10] أي الجنَّة ، الفَتْح : أي فتح مكَّة ، وقيل المراد به صُلْح الحُدَيبيَّة ؛ فالَّذين بايَعُوا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تحتَ الشَّجرة يومَ صُلح الحُديبية، لا يستَوُون في الإيمان وفي المكانة وفي الشَّأن والقَدْرِ مع الصَّحابة الَّذين أسلَموا من بعد الفَتح وقاتَلوا ، فَرْقٌ بين هؤلاء وهؤلاء ، وكلُّهم صحَابةٌ ، وكلُّهم أهلُ إيمانٍ ، وكلُّهم في الجنَّة .
فالصَّحابة بينهم تفاضل:
أفضَلُ الصَّحابة : الَّذين بايعوا تحتَ الشَّجرة ، وأفضلُ مِن هؤلاء: الَّذين شهِدوا بَدْرًا ، وأفضلُ هؤلاء كلِّهم: العَشرة المبشَّرون بالجنَّةِ ؛ من هم العَشرة المبشَّرون بالجنَّةِ ؟ هؤلاء عَشْرةٌ من أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم شهِد لهم عليه الصَّلاة والسَّلام في مجلسٍ واحدٍ بأنَّهم في الجنَّة ، نصَّ عليه الصَّلاة والسَّلام نصًّا زادَهُم شرفًا أنَّهم في جنَّة الخُلد في مجلسٍ واحدٍ ؛ والحديث رواه التِّرمذيِّ ورواه الإمام أحمد ورواه غيرهما عن عبد الرَّحمن بن عَوف رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَبُو بَكْرٍ فِي الجَنَّةِ، وَعُمَرُ فِي الجَنَّةِ، وَعُثْمَانُ فِي الجَنَّةِ، وَعَلِيٌّ فِي الجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الجَنَّةِ، وَالزُّبَيْرُ فِي الجَنَّةِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ عَوْفٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الجَنَّةِ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ ابْنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ فِي الجَنَّةِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فِي الجَنَّةِ» ، فهؤلاء عشرةٌ في مجلس واحد شهِد لهمُ النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام بأنَّهم في الجنَّة ، لهذا - يا إخوان - أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وبقية هؤلاء العشرة كانوا يمشُون على الأرضِ وهُم يعلمُونَ أنَّهم في الجنَّة ، شهِد لهم الصَّادق الأمينُ عليه الصَّلاة والسَّلام ، وأَعْظِمْ بها وأَكْرِمْ بها من شهادةٍ ؛ يمشي على وجهِ الأرض وهو يعلَمُ أنَّه في جنة الخلد يومَ القيامة مِن أهل الجنَّة شهِد له النبي عليه الصَّلاة والسَّلام بذلك .

وأفضَلُ هؤلاء العَشْرة: الخلفاء الأربعة ، وأفضَل الخلفاء الأربعة : أبو بكر وعمر ، وأفضل الصَّحابة على الإطلاق: أبو بكر الصِّدِّيق ، صدِّيق الأمَّة ؛ حتى إن أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه خُصَّ من بين الصَّحابةِ كلِّهم بأنْ نُصَّ على صحبتِه في القرآن: ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ﴾ [التوبة:40] لا يوجَد أحدٌ من الصَّحابة نُصَّ على صُحبَتِه في القُرآن إلَّا أبا بكرٍ رضي الله عنه صدِّيقَ الأمَّة ﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ ﴾ ، وهو أوَّل من أسلمَ من الرِّجال ، وكان صِدِّيقًا ، ما يبلُغه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يقول – رأساً – صَدَق ، حتَّى إنَّ المشركين لما جاء النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام وأخبرهم أنَّه أُسرِي به إلى بيت المقدس، وعُرِجَ به إلى السَّماء، وركب البُراق، سمعوا أخبارًا ما استطاعوا أن يصدِّقوها ، فجاءوا إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: أما علمتَ ماذا يقولُ صاحبُك؟ يقول كذا وكذا وكذا، قال: «إنْ كانَ قالَ ذلكَ فقَد صَدَق» ؛ فهو صدِّيق الأمَّة رضي الله عنه ما يبلغُ أحدٌ منزلتَه في الصِّدِّيقيَّة ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ [الحديد:19] ، أوَّل الأمَّة – أمة محمد صلى الله عليه وسلم - دخولًا في هذا الشَّرف وهذا اللَّقب : أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه .


تألق 16-11-12 10:46 PM

وانظروا هذه الصِّفة البَليغَة له : كانَ مرَّةً عليه الصَّلاة والسَّلام يحدِّثُ أصحابَه ، وما كان ثَمَّ أبو بكرٍ وعُمَر - ما كانا موجودَيْن - ، قال أبو هريرة رضي الله عنه: «صَلَّى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَقَالَ: « بَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ، فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي ؛ فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي ، فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللهِ! ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ!! قَالَ عليه الصلاة والسلام - أبو بكر وعمر ما كانا موجودين - : فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ » ؛ انظروا الصِّدِّيق ، وانظروا الإيمان ، وانظروا كمالَ هديِ الصَّحابةِ .

ولو أخذنا نتحدَّث عن فضَائلِ أبي بكر وعمر خاصَّةً من خلالِ القرآن ومن خلالِ سنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ لما كفتْنَا محاضرةٌ واحدةٌ ولا محاضرات، وما كفانا درسٌ واحدٌ ولا دروسٌ ؛ لكثرَة الفضَائل وكثرة المناقب الَّتي خُصَّ بها هَذين الصَّاحبين .
ولهذا نتوجَّه إلى الله عزَّ وجلَّ ونسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا ، وبأنَّه الله الَّذي لا إله إلَّا هو ألَّا يجعل في قلوبنا غِلًّا لأحدٍ من أصحاب النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام ولا لأحدٍ من المؤمنين ، وأن يغفرَ لنا ولإخواننا الَّذين سبقونا بالإيمان، ونسأله جلَّ وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يحشرَنا يومَ القيامة مع نبيِّه الكريم ، ومع صحابتِه الميامين، نسأله جلَّ وعلا أن يحشرنا يوم القيامة مع أبي بكر، ومع عُمَر، ومع عثمان، ومع عليٍّ، ومع زوجاتِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهنَّ وأرضاهنَّ ، وأن يحشرَنا يوم القيامة مع الصَّحابة أجمعين ؛ أهل الدَّرجات العُلى والمنازل الرَّفيعة والأماكن العليَّة.

وينبغي علينا - إخوة الإسلام - أن نعتنيَ بدراسة أحوال الصَّحابة ومناقبِ الصَّحابة وفضائلِ الصَّحابة بدءًا بما جاء في القرآن الكريم ، ثمَّ ما جاء في سنَّة النَّبيِّ الكريمِ عليه الصَّلاة والسَّلام ، ثمَّ أيضًا ما جاء من الآثار المباركة والنُّقول العظيمَة الَّتي دوَّنها أئمَّة الإسلام وعلماء الدِّين في كُتُب الحديث ، مثل ما جاء في «صحيح البخاري»، وفي «صحيح مسلم»، وفي «السُّنن الأربعة»، وفي «المسانيد»، و«المعاجم»، و«الأجزاء» ، والكتب الخاصَّة الَّتي أُفرِدَت في فضائل الصَّحابة، نقرأ ، لماذا نقرأ ؟ ما الذي نستفيده من القراءة ؟ نستفيد أمورًا كثيرة ألخصها لكم في نقاط :
§ النُّقطة الأولى: أنَّك إذا قرأتَ عن الصَّحابة وأخبارِهم وسيرِهم وأحادِيثهم العطرة فإنَّك تزداد حبًّا لهم ، وثناءً عليهم ، وترضِّيًّا عليهم، واستغفارًا لهم ، وذكرًا لهم بالخَير ؛ وكفى بهذه فائدة.
§ والفائدة الثَّانية: أنك تحرصَ عندما تقرأ أخبارهم وسيَرهم أن تتشبَّه بهم ، وأنت كلَّما كنتَ بالصَّحابة أشبهَ كُنْتَ إلى الخيرِ أَقْرَبَ ، كُلَّما ازدَدتَّ تشبُّهًا بالصَّحابة وسلوكًا لنَهجهم وترسماً لخُطاهم كنتَ أقربَ النَّاس إلى الخَير ؛ لماذا؟ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ قال: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:110] ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي» ؛ هؤلاء شَهد اللهُ لهم بالخيريَّة وشَهد لهم رسُولُه صلى الله عليه وسلم بها كلَّما ازددت تشبُّها بهم كلَّما كنتَ إلى الخير أقربَ.
§ والفائدة الثَّالثة : أنَّك ستكونُ بعيدًا أشدَّ البُعد من النَّيل منهم أو الوَقيعة فيهم أو الطَّعن أو نحو ذلك ؛ أنت أُمِرتَ بالاستغفار والثَّناءِ والمدحِ والإكرامِ والإحسانِ والمحبَّةِ والتَّوقيرِ تجاه أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، فقراءةُ سِير هؤلاء تَزيدك حبًّا للصحابة وثناءً عليهم وتمجيدًا لهم وترضِّيًا عنهم وبُعدًا من الكلام فيهم بغير حقٍّ.
ثم تأتي أيها الإخوة مسألةٌ أخيرةٌ أختم بها حديثنا عن الصحابة رضي الله عنهم :
ماذا علينا نحو الصحابة في الأمور التي شجرت بين الصَّحابة ، والخلاف الذي وجد بين بعض الصحابة ؟ ماذا علينا في هذا المقام ؟ ونحن نعلم أنه وُجد بين بعض الصحابة شيء من الخلاف فماذا يجب علينا نحن تجاه هذا الذي شجر بين الصحابة ؟
v أحد السَّلف سُئِل عن هذا الأمر فقال: «تلك فتنة طهَّرَ الله منها سيوفَنا، فَلْنُطَّهِّر منها ألسنَتَنا» هذه واحدة .
v وأحدُ السَّلف سُئلَ عن هذا الذي شجر بين الصحابة ماذا علينا نحوه ؟ قال: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة:134] .
§ لنَفْرِض أنَّ أحدَ الصَّحابة أخطَأ فهل الله عزَّ وجلَّ يحاسبك يوم القيامة أنتَ على هَذا الخطأ ؟ ﴿ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ فلماذَا تُقحِم نفسَك في هذا الَّذي شجَر بين الصَّحابة وأنتَ لستَ حسيبًا عليهم ولا رقيبًا ، ﴿ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾. هذا أمر .
§ وأمرٌ آخَر وهُو في غاية الأهمِّيَّة : هذَا الخَطأ الَّذي لنفرضُ أنَّه وُجِدَ عند بعض الصَّحابة ما شأنه في ميزان الإسلام؟ يقول عليه الصَّلاة والسَّلام : « إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ » .
ولهذا الأمور الَّتي تُنقَل عن الصَّحابة من خلاف أو خطَأ لا تخلو من حالَيْن :
1- إمَّا أنَّها كذبٌ عليهم رضي الله عنهم وأرضاهم ، وهذا أكثَر ما يُنقَل .
2- وما صَحَّ عنهُم من ذلكَ فهُم مجتَهدون فيه ؛ إما بين مجتهد مصيبٍ له أجران ، أو مجتهد مخطئ له أجرٌ واحدٌ وذنبُه مغفور ؛ ولا ينبَغي للإنسان أن يخوضَ في شيء ممَّا شَجَر بين الصَّحَابة ؛ إلَّا إذا أرادَ أن يُدافعَ عنهُم ويَذُبَّ عن حِماهُم، ويُبَيِّن مكانَتَهُم وقدرَهم وشأنَهم رضي الله عنهم وأرضاهم .
ثمَّ إنِّي أختمُ هذا الحديث بهذا الدُّعاء ، فأقول لكم أيها الإخوة إني داعٍ فأمّنوا ، وبقلوبكم إلى الله عز وجل توجهوا :
اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ، كَمَا صلَّيتَ على إِبْرَاِهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيدٌ ، وبارِكْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ، كما بارَكت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيدٌ ، وارض اللَّهمَّ عن الخلفاء الرَّاشدين الأئمَّةِ المهديِّين ؛ أبي بكرٍ الصِّدِّيق ، وعمرَ الفاروق ، وعثمانَ ذي النُّورين ، وأبي الحَسَنَيْنِ عليٍّ ، وارض اللَّهمَّ عن بقيَّة العشرة المبشَّرين بالجنَّة ، وارض اللَّهمَّ عن زوجاتِ نبيِّك صلى الله عليه وسلم ، وارض اللَّهمَّ عن صحابة نبيِّك الَّذين شهدوا بَدرًا ، وعن صحابة نبيِّك الَّذين شَهِدُوا بيعةَ الرِّضوان ، وارض اللَّهمَّ عن صحابة نبيِّك أجمعين ، وارض اللَّهمَّ عمَّن تبعهم بإحسان .
ربَّنا اغفر لنا ولإخوانِنَا الَّذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غِلًّا للَّذين آمنوا، ربَّنا إنَّك رءوف رحيم ، اللَّهمَّ إنَّا نبرأ إليك ونعوذُ بك يا ذا الجلالِ والإكرام من طريقةِ من يقعُ في أحدٍ مِن أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، اللَّهمَّ إنَّا نبرأ إليك من طريقةِ هؤلاء، ونعوذ بك يا ذا الجلال والإكرام مِن مَسلكِهِم ، ونسألك يا ذا الجلال والإكرام أن تعمُرَ قُلوبَنا بمحبَّة أصحاب نبيِّك أجمعين ، وأن تحشرَنا معهم يوم القيامة يا ذا الجلال والإكرام .
اللَّهمَّ واغفر لنا أجمعين ، اللَّهمَّ وفِّقنا لما تحبُّ وترضى ، وأعنَّا على البرِّ والتَّقوى. اللَّهمَّ إنَّا نسألك موجباتِ رحمتِك، وعزائمَ مغفرتِك ، والغنيمةَ من كل برٍّ ، والسَّلامةَ من كلِّ إثم ، والفوزَ بالجنَّة ، والنَّجاة من النَّار. اللَّهمَّ أصلح لنا ديننا الَّذي هو عصمة أمرِنا ، وأصلح لنا دنيانا الَّتي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا الَّتي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كلِّ خير ، والموت راحةً لنا من كلِّ شرٍّ. اللَّهمَّ أصلح ذات بينِنا ، وألِّف بين قلوبِنا ، واهدِنا سبلَ السَّلام، وأخرجْنا من الظُّلماتِ إلى النُّور ، وبارِك لنا في أسماعِنا وأبصارِنا وقُوَّاتِنا أبدًا ما أحيَيْتَنا.
اللَّهمَّ اجعل جمعنا هذا جمعاً على طاعتِك يا ذا الجلال والإكرام وما يقرِّب إليك ، وثقِّل به موازينَنا يا حيُّ يا قيومُّ يا ذا الجلال والإكرام . اللَّهمَّ اجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتَّبعون أحسنه أولئك الَّذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك وأنعم على عبده ورسوله نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين .






علي السلفي 16-11-12 11:00 PM

رضي الله عنهم وارضاهم

جزاك الله خيرا ونفع بك

خواطر موحدة 18-11-12 05:34 AM

رضي الله عنهم وأرضاهم. .
رفع الله قدرك وجزاك خيرآ. .

أم الشهيد السلفية 18-11-12 10:28 AM

رضي الله عن الصحابة أجمعين،وجمعنا بهم في جنات النعيم

جزاكِ الله أختي خير الجزاء في الدارين

عزتي بديني 19-11-12 10:50 AM

رضي الله عن أصحاب محمد صلوات ربي وسلامه عليه
جزاك الله خيرا وأحسن إليك .

إبداع بلا حدود 20-11-12 11:03 AM

رضي الله عنهم
وجزالك الله خير على الموضوع

جارة المصطفى 21-11-12 12:47 AM

رضي الله عنهم وارضاهم

جزاك الله خيرا وبارك فيك

خواطر موحدة 13-04-18 07:59 AM

جعلها الله بميزان حسناتك ..

السليماني 23-03-24 11:29 PM

جزاك الله خيراً



ورضي الله عن الصحابة وأرضاهم


الساعة الآن 07:08 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant