فصل
في اسْتِوَاءِ الحكمِ في الصَّلاةِ عِنْدَ قبْرٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكثرَ ،
وَأَنهَا صَلاة ٌ بَاطِلة ٌ عَلى كلِّ حَال
قدْ فرَّقَ بَعْضُ أَهْل ِ العِلمِ ، المحَرِّمِيْنَ لِلصَّلاةِ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ ، بَيْنَ صَلاةِ مَنْ صَلى عِنْدَ قبْرٍ وَاحِدٍ أَوْ قبْرَيْن ِ، وَبَيْنَ مَنْ صَلى عِنْدَ أَكثرَ مِنْ ذلِك َ، فخصُّوْا التَّحْرِيْمَ بثلاثةٍ فصَاعِدًا !
وَهَذَا قوْلٌ مُطرَحٌ ، وَالصَّوَابُ خِلافهُ ، وَأَنهُ لا فرْقَ بَيْنَ الصَّلاةِ في مَوْضِعٍ فِيْهِ قبْرٌ أَوْ قبْرَان ِ، وَبَيْنَ أَكثرَ مِنْ ذلك .
وَعِلة ُ النَّهْيِّ وَالتَّحْرِيْمِ - كمَا عَلِمْتَ - مُتَحَققة ٌ وَمُعَلقة ٌ بوُجُوْدِ القبْرِ، وَلا تعَلقَ لهَا باِلعَدَد .
وَليْسَ في الأَحَادِيْثِ النبَوِيةِ النّاهِيَةِ عَنْ ذلِك َ، هَذَا الفرْقُ ، وَالأَصْلُ بَقاءُ عُمُوْمِهَا مَا لمْ يأْتِ مُقيِّدٌ أَوْ مُخصِّص . وَمَنْ قيَّدَهَا أَوْ خَصَّصَهَا دُوْنَ ذلِك َ: لزِمَهُ الدَّلِيْلُ ، وَقدْ عَلِمْتَ أَنْ لا دَلِيْل .
كمَا أَنهُ ليْسَ في كلامِ الإمَامِ أَحْمَدَ وَعَامَّةِ أَصْحَابهِ : هَذَا الفرْقُ . بَلْ عُمُوْمُ كلامِهمْ وَتَعْلِيْلِهمْ وَاسْتِدْلالِهمْ : يُوْجِبُ مَنْعَ الصَّلاةِ عِنْدَ كلِّ قبْرٍ ، وَاحِدًا كانَ أَوْ أَكثر .
وَالمفسَدَة ُ المخوْفة ُ في الصَّلاةِ عِنْدَ قبوْرٍ كثِيْرَةٍ : مُتَحَققة ٌ في الصَّلاةِ عِنْدَ قبْرٍ فرْدٍ مُنْفرِد . بَلْ رُبمَا كانتْ فِيْهِ أَعْظمَ وَأَشَدَّ ، لِشُبْهَةِ اخْتِصَاص ِ ذلِك َ القبْرِ بمَزِيدِ فضْل ٍ وَنفعٍ ، ليْسَ في عَامَّةِ القبوْرِ غيْرِه .
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ في«شَرْحِ العُمْدَةِ»(2/461) فمَنْ صَلى عِنْدَ شَيْءٍ مِنَ القبوْرِ ، فقدِ اتخذَ ذلك القبْرَ مَسْجِدًا ، إذِ المسْجدُ في هَذَا البابِ المرَادُ بهِ : مَوْضِعُ السُّجُوْدِ مُطلقا .
لا سِيَّمَا وَمُقابلة ُ الجمْعِ باِلجمْعِ ، يَقتضِي توْزِيْعَ الأَفرَادِ عَلى الأَفرَادِ ، فيكوْنُ المقصُوْدُ : لا يُتخذُ قبْرٌ مِنَ القبوْرِ مَسْجِدًا مِنَ المسَاجِدِ ، وَلأَنهُ لوِ اتخِذَ قبْرُ نبيٍّ ، أَوْ قبْرُ رَجُل ٍ صَالِحٍ مَسْجِدًا : لكانَ حَرَامًا باِلاتفاق ِ، كمَا نهَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فعُلِمَ أَنَّ العَدَدَ لا أَثرَ له)اه.