فخشْيَة ُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العُظمَى كانتْ عَلى أُمَّتِهِ بَعْدَ وَفاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا في حَيَاتِه . مَعَ أَنَّ الدَّجّالَ يدَّعِي الإلهِيَّة َ! وَدَعْوَاهُ ظاهِرَة ُ البطلان ِ عِنْدَ المؤْمِنِينَ لا رَيْبَ فِي فسَادِهَا عِنْدَهُمْ وَلا شَك ّ.
فإذا كانتْ فِتْنتهُ عَظِيْمَة ً مَعَ ظهُوْرِ فسَادِهَا ، فكيْفَ بمَثيْلتِهَا شَرًّا وَخُبْثا ، مَعَ خفائِهَا عَلى كثِيرٍ مِنَ المسْلِمِينَ ، وَرَوَاجِهَا عِنْدَ طوَائِفَ مِنْهُمْ ؟!
وَقدْ خَشِيَ فِتْنَة َ الشِّرْكِ أَنبيَاءُ اللهِ وَرُسُلهُ – صَلوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليْهمْ- عَلى أَنفسِهمْ ، فكيْفَ بمَنْ دُوْنهُمْ؟! قالَ خَلِيْلُ الرَّحْمَن ِ إبْرَاهِيْمُ:{ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ }.
لِهَذَا كانَ يَقوْلُ إبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ رَحِمَهُ الله ُ:«مَنْ يَأْمَنُ مِنَ البَلاءِ بَعْدَ خَلِيْل ِاللهِ إبْرَاهِيْمَ حِيْنَ يَقوْلُ: رَبِّ { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ } » رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ جَرِيْرٍ الطبَرِيُّ في«تفسِيْرِه» عِنْدَهَا .
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ في«شَرْحِ العُمْدَةِ»(2/452) وَلعَلَّ بَعْضُ النّاس ِ يُخيَّلُ إليْهِ : أَنَّ ذلِك َ كانَ أَوَّلَ الأَمْرِ ، لِقرْبِ العَهْدِ بعِبَادَةِ الأَوْثان ِ، وَأَنَّ هَذِهِ المفسَدَة َ قدْ أُمِنَتِ اليَوْمَ ! وَليْسَ الأَمْرُ كمَا تخيَّله .
فإنَّ الشِّرْك َ وَتعَلقَ القلوْبِ بغيرِ اللهِ عِبَادَة ً وَاسْتغاثة ً، غالِبٌ عَلى قلوْبِ النّاس ِ في كلِّ وَقتٍ ، إلا َّ مَنْ عَصَمَ الله .
وَالشَّيْطانُ سَرِيْعٌ إلىَ دُعَاءِ النّاس ِ إلىَ ذلِك َ، وَقدْ قالَ الحكِيْمُ الخبيْرُ:{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ }.
وَقالَ إمَامُ الحنفاءِ : { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } ... وَسَيَعُوْدُ الدِّينُ غرِيبا كمَا بدَأَ ، وَيَصِيْرُ الصَّغِيْرُ كبيْرًا ، فكيْفَ تؤْمَنُ الفِتْنَة؟! بَلْ هِيَ وَاقِعة ٌ كثِيْرَة .
فهَذِهِ هِيَ العِلة ُ المقصُوْدَة ُ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ في النَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ ، وَاتخاذِ القبوْرِ مَسَاجِدَ لِمَنْ تأَمَّلَ الأَحَادِيْثَ وَنظرَ فِيْهَا ،
وَقدْ نصَّ الشّارِعُ عَلى هَذِهِ العِلةِ كمَا تقدَّم)اه كلامُهُ رَحِمَهُ الله .
وَكمَا أَبطلتِ الأَدِلة ُ ظنَّ أُوْلئِك َ الظانيْنَ –لِجَهْلِهمْ- أَمْنَ الفِتْنَةِ : فقدْ أَبطلَ ظنَّهُمْ أَيضًا ، حَالُ المسْلِمِيْنَ بَعْدَ وَفاةِ نبيِّهمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتأَخُّرِ سِنِيِّهمْ .
فوَقعَ كثِيْرٌ مِنْهُمْ فِيْمَا حَذَّرَ مِنْهُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَشِيَهُ ، حَتَّى عَمَّ ذلِك َ كثِيْرًا مِنْ بلادِ المسْلِمِيْنَ ، فبُنِيَتِ المشاهِدُ عَلى القبوْرِ ، وَعُظمَ مَنْ فِيْهَا مِنْ مَقبُوْرٍ ، وَصُرِفتْ لهُ أَنوَاعٌ مِنَ العِبَادَاتِ ، فهُمْ يَدْعُوْنهُ ! وَيَسْتَغِيْثوْنَ وَيَسْتَشْفِعُوْنَ ، وَيتوَسَّلوْنَ إلىَ اللهِ بهِ ! وَيطوْفوْنَ حَوْلهُ ! وَيَذْبَحُوْنَ وَينْذُرُوْنَ لهُ ! وَيَحْلِفوْنَ بهِ ! يَرْجُوْنَ رَحْمَتَهُ وَيَخافوْنَ عِقابهُ ! حَتَّى أَصْبَحَ الرَّجُلُ لا يكادُ يجدُ في بلادٍ كثِيْرَةٍ مِنْ بلادِ المسْلِمِيْنَ ، مَسْجِدًا خالِيًا مِنْ قبْر .
بَلْ بَلغَ الحالُ بكثِيْرٍ مِنْ أَصْحَابهَا : أَنْ حَجُّوْا إليْهَا ، وَعَظمُوْا تُرْبتهَا ، وَتبرَّكوْا بجَنَبَاتِهَا ، وَفضلوْا الصَّلاة َ فِيْهَا عَلى كثِيْرٍ مِنْ بيوْتِ اللهِ الخالِيَةِ مِنْ ذلك .
بَلْ إنَّ حَالَ جَمَاعَاتٍ مِنْهُمْ ، يَقتضِي تفضِيْلهَا عَلى المسَاجِدِ الثلاثةِ التِي لا تشَدُّ الرِّحَالُ إلا َّ إليْهَا ، فمِنْهُمْ مَنْ يَحُجُّ إليْهَا كلَّ عَامٍ ، وَلمْ يَحُجَّ حَجَّة َ الإسْلامِ ! أَوْ حَجَّ مَرَّة ً وَكفته . أَمّا مَشَاهِدُ المشْرِكِيْنَ وَمَعَابدُهُمْ حَوْلَ القبوْرِ وَفِيْهَا : فلا تكفِيْهِ فِيْهَا مَرَّة ٌ، عِيَاذاً باِللهِ مِنَ الخذْلان .
وَمِمّا زَادَ مِنْ ضَلال ِهَؤُلاءِ وَإغوَائِهمْ ، وَتحَكمِ أَدْوَائِهمْ
بأِبدَانِهمْ : عُلمَاءُ السُّوْءِ ، وَشُيُوْخُ الضَّلالةِ ، نوّابُ إبْلِيْسَ ، وَأَئِمَّة ُ كلِّ مُفلِس ٍ بَئِيْس ٍ، الذِيْنَ زَينوْا لهمْ سُوْءَ أَعْمَالِهمْ ، وَقبيْحَ أَفعَالِهمْ .
إمّا تعَبُّدًا مِنْهُمْ للهِ تَعَالىَ بهَذِهِ الأَعْمَال ِ الشِّرْكِيَّةِ ، مِنْ جِنْس ِ تعَبُّدِ مُشْرِكِي الجاهِلِيَّة .
وَإمّا تكسُّبًا ، وَأَكلا ً لأَمْوَال ِ النّاس ِ باِلبَاطِل ِ، حِيْنَ يبْذُلوْنهَا لِتِلك َ الأَجْدَاثِ ، فإذا انصَرَفوْا – مُفلِسِيْنَ مِنْ دِيْنِهمْ وَمِنْ كرَائِمِ أَمْوَالهِمْ – خلصَ أُوْلئِكَ اللصُوْصُ المبْطِلوْنَ إليْهَا ، فأَخذُوْهَا وَاسْتَأْثرُوْا بهَا .
* * *