عرض مشاركة واحدة
قديم 31-10-14, 09:15 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
عزتي بديني
اللقب:
عضو
الرتبة


البيانات
التسجيل: Aug 2011
العضوية: 5178
المشاركات: 4,486 [+]
بمعدل : 0.96 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 26
نقاط التقييم: 510
عزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمرعزتي بديني في إبداع مستمر

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
عزتي بديني غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : بيت الكتاب والسنة

الحمد لله الذي نَـزَّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا ، والحمد لله الذي أنـزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا ، حمدًا كثيرًا دائمًا ما تتابع الليل والنهار ، كلما حمد اللهَ – جل وعلا – الحامدون ، وكلما غفل عن حمده – سبحانه – الغافلون . وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا إلى يوم الدين . أما بعد :
فأسأل ربي – جل جلاله – ، وهو المجيب لمن سأل ، والمعطي لمن أقبل أن يجعلنا ممن بارك قولهم وعملهم ، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأن يَقِيَنَا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يلزمنا كلمة التقوى في الحياة والممات ، إنه سبحانه جواد كريم . كما أسأل ربي – جل وعلا – أن ينفعنا بما نقرأ من العلم ، وأن يجعله حجة لنا لا حجة علينا ، وأن يقيمنا على دينه ما أبقانا .
من أنواع البركة فهم القرآن :
إن من أنواع البركة التي يفيضها الله – جل وعلا – على خاصة عباده أن يَمُنَّ عليهم بمحبة العلم ومحبة تدارسه والإقبال على ذلك . وحقيقة العلم : هو العلم بكتاب الله – جل وعلا – ، وبسنة رسوله – مقاصد السور وأثر التفسير – ؛ إذ لا أرفع في الكلام ولا أعظم قدرًا من كلام ربنا – جل جلاله – ، ولا أعظم ولا أرفع بعده من كلام نبينا – مقاصد السور وأثر التفسير – .
فالموفق والمبارك من عَلِم وعلَّم واجتهد في ذلك ، حتى يصيب مما كتب الله له ، « اعملوا فكل ميسر لما خلق له » ([1]) ، ولهذا وصف الله – جل وعلا – كتابه بأنه مبارك ، وجعل من أصناف بركته – سبحانه وتعالى – أن أنـزل هذا الفرقان ، كما قال – سبحانه – : ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَـزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾ ([2]) ، وكما قال – جل وعلا – : ﴿ كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ ([3]) ، وقال أيضًا – جل جلاله – : ﴿ وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْـزَلْنَاهُ ﴾ ([4]) ، ونحو ذلك من الآيات التي فيها وصف القرآن بأنه مبارك ، يعني كثير الخير لمن أقبل عليه .
القرآن فيه الهداية :
فالقرآن فيه شفاء الصدور والقلوب ، وفيه الهداية والتوفيق لمن أراد الله – جل وعلا – أن يوفقه ، وفي الآية التي ذكرنا وصف الله – جل وعلا – كتابه بأنه مبارك ، وأنه أنـزله لأمرين : فقال – سبحانه – في سورة ص : ﴿ كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ ، واللام هنا هي لام كي ، يعني أن العلة من إنـزال القرآن وجعله مباركًا ، أن يتدبر العباد آيات القرآن ، ثم لكي يتذكر أولو الألباب ، وهذا فيه عِظَمُ شأن تدبر القرآن ، وعِظَمُ شأن التذكر حين التلاوة ، وهذا إنما يكون بالتدبر ، فلا تَذَكُّرَ إلا بتدبر القرآن ، ولكن خص الله – جل وعلا – في التذكر أولي الألباب ، فقال : ﴿ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ .
العاقل هو من يتدبر القرآن :
وفي الحقيقة أن الذي يتذكر بعد التدبر ، ويقبل على القرآن هو العاقل ، وهو ذو اللُّبِّ الذي بلغ الغاية في ذلك ، وقد سئل أحد سادات التابعين في الكوفة وهو إبراهيم النخعي ([5]) – فقيل له : من أعقل الناس ؟ فقال : أعقل الناس فلان الزاهد . فذهبوا لينظروا من عقله ولينظروا من أمره ، فما وجدوه إلا مقبلًا على القرآن ، وعلى أمر آخرته . فعلموا أن قصد إبراهيم أن أعقل الناس هو من أقبل على أشرف الكلام ، وأقبل على أشرف مقصود ، وهو الدار الآخرة ، ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾([6]) ، فحض الله – جل وعلا – في هذه الآية على تدبر القرآن .
مقاصد السور وأهميتها :
إن حديثنا هنا عن علم مقاصد سور القرآن ، وأثر هذا العلم بالمقاصد في فهم التفسير ، وهو أثر من آثار تدبر القرآن عند أهل العلم ، ومعلوم أن التفسير إنما هو بتدبر القرآن ، فالذي يعلم التفسير لا شك أنه قد تدبر قبل ذلك ، فعلم إذا كان عنده أهلية بالعلوم التي ينبغي توفرها في المفسر ، والناس بعد ذلك نقلة ، أو يتلقون ما قاله المفسرون ، فلما حض الله – جل وعلا – على تدبر القرآن , وجب حينئذ أن يقبل العباد بعامة وأن يقبل العلماء بخاصة على هذا القرآن ليخرجوا كنوزه .
لأن القرآن حجة الله الباقية إلى قيام الساعة ، ويخرج منه بقدر العلوم ، وبقدر ما فتح الله على عبده ، يخرج منه من الفهوم ومن العلم ما هو تفصيل وبيان لبعض كلمات المتقدمين من الصحابة والتابعين ، مما قد لا يدركه كل أحد ، وهذه الجملة يأتي تفصيلها إن شاء الله تعالى .
العلوم التي يحتاجها المفسر :
علم التفسير من العلوم المهمة ، فهو مما يحتاج إليه طالب العلم بجانب العقيدة ، وعلم الحديث ، والفقه ، لأن القرآن هو أعظم ما يقبل عليه القرآن ، ولهذا قالت طائفة من العلماء : المفسر يحتاج إلى علوم كثيرة منها :
علم اللغة : لأن القرآن أنـزل بلسان عربي مبين : ﴿ حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴾([7]) ، واللغة أقسام : منها النحو ، ومنها علم المفردات ، ومنها البلاغة بأقسامها الثلاثة ، ومنها الاشتقاق إلى آخر علوم اللغة .
علم التوحيد : الذي هو الأساس ، فالقرآن كله في توحيد الله – جل وعلا – من أوله إلى آخره .
فالقرآن إما أن يكون خبرًا عن الله – جل وعلا – وعن صفاته – سبحانه وتعالى – ، وعما يستحقه – جل وعلا – من توحيده بالعبادة ، والبراءة من الشرك وأهله ونحو ذلك ، فهذا واضح في أنه في توحيد الله – جل وعلا – .
وإما أن يكون خبرًا عن أنبياء الله – جل وعلا – ورسله ، وعن قصصهم ، فهذا خبر عن أهل التوحيد وما جعل الله – جل وعلا – لهم في الدنيا من الأحوال ، والعاقبة ﴿ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ ([8]).
وإما أن يكون أمرًا ونهيًا ، أمرًا بأداء الفرائض ، ونهيًا عن ارتكاب المحرمات ، وهذا في حقوق التوحيد ومكملاته ، لأن من وحّد الله – جل وعلا – أطاع الله في أمره وانتهى عن نهيه ، وتخلص من داعي شهوته وهواه .
وإما أن يكون خبرًا عن الأمور الغيبية وما يحصل بعد الممات من النعيم والعذاب، ومن الجنة والنار ، ومن الْحُبُورِ والسرور لطائفة ، ومن العذاب والنكال لطائفة ، فهذا جزاء الموحدين ، وهذا جزاء المشركين .
هذا المعنى العام من العلوم المهمة للمفسر ، لأن سور القرآن لا تخرج من هذه الأحوال الأربعة ؛ فكل سورة إما أن تتناول هذه الأقسام الأربعة ، وإما أن يكون في السورة بعض من هذه الأقسام .
العلم بالسنة : لأن السنة مفسرة للقرآن ومبينة له .
العلم بالفقه ، وأحكام الحلال والحرام ، والعبادات والمعاملات : لأن القرآن فيه آيات كثيرة في هذا الباب .
علم الجزاء يوم القيامة ، وأحوال الناس فيه : وهذا في القرآن منه الشيء الكثير.
علم أصول الفقه والعلوم المساعدة لأصول الفقه : لأن بها فهم كثير من آيات الله البينات .
إذا تبين ذلك ، فإن المفسر الذي تكونت عنده حصيلة راسخة من هذه العلوم يمكنه أن يتدبر القرآن ، وأن يكون مستخرجًا لما فيه من الدلالات والعبر وموضوعات السور ومقاصد السور ، كما سيأتي بيانه مقتفيًا في ذلك بما فسر به الصحابة والتابعون كتاب الله – جل وعلا – .
سبب اختيار هذا الموضوع :
سبب اختيارنا مقاصد السور وأثر ذلك في فهم التفسير ، بل واهتمامنا عموما بعلوم التفسير أن العناية بعلم التفسير قلّت ، فالكثير من طلبة العلم – الآن – يظنون أنهم يعلمون كلام الله – جل وعلا – ، ولا شك أن الذي يعلم كلام الله – جل وعلا – ويعلم معانيه ، ويدرك مراميه وإعجازه وبلاغته وما فيه ، فإنه سيكون ملتذًا بهذا القرآن ، مقبلًا عليه ، يخشع قلبه ، وينشرح صدره حين يقبل على هذا القرآن ، فالوصية الاهتمام بالقرآن حفظًا وتلاوة ، ثم الاهتمام بتدبر القرآن وتفسيره عبر كتب التفسير المعتمدة ، وخاصة كلام الصحابة ، والتابعين ، وتابعيهم ، والمأمونين من أئمة أهل العلم والدين والتفسير .
نشأة علم مقاصد السور والمقصود منه :
العلم بمقاصد السور لم ينص عليه الأوائل ، وإنما اعتبره الصحابة والتابعون بالاستقراء ، ولم ينص على هذا العلم بهذا الاسم إلا عند المتأخرين ، وذلك شأن جميع العلوم ؛ فإن العلوم كانت ممارسة عند السلف , لكن لم تكن التسمية موجودة ، فعلم النحو كان ممارسًا ولم يكن موجودًا ، والبلاغة كانت ممارسة ولم تكن موجودة ، وعلم أصول الفقه كان ممارسًا ، استنباط الأحكام من القواعد الأصولية ، ولم يكن موجودًا بهذا الاسم ، وهكذا في علوم القرآن في أنحاء شتى ، ومصطلح الحديث وعلوم أخرى .
ما المقصود بعلم مقاصد السور ؟
معلوم أن الله – جل جلاله – هو الذي تكلم بهذا القرآن ، وأن القرآن كلامه : ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ([9]) ، فالقرآن كلام الرب – جل جلاله – ، ومقاصد السور يعنى بها عند أهل هذا العلم : الموضوعات التي تدور عليها آيات سورة ما .
يعني أن سورة من السور التي في القرآن ، أو أن معظم السور ، أو كل السور لها موضوع ومقصد تدور عليه الآيات والمعاني التي في هذه السورة ، إذا علم هذا المقصد – يعني هذا الغرض – فإنَّّ فَهْمَ التفسير سيكون سهلًا ، بل سيفهم المرء كلام الأولين ، سيفهم كلام المحققين بأكثر مما إذا أخذ الآيات مجردة عن موضوع السورة ، كما سيأتي في مثال نستعرضه إن شاء الله – تعالى – .
مناسبات الآيات :
والبحث في مقاصد السور لم يكن مبكرًا ، وإنما بُحِثَ قبله بحث يسمى المناسبات، والعلماء اختلفوا في موضوع المناسبات ، ويعنون بها مناسبات بين الآيات المتتالية ، هل بين الآية والتي تليها رابط ؟ هل بين المجموعة من الآيات في نظامها اتصال ؟
أسباب قلة اهتمام العلماء بمقاصد السور :
هذا الموضوع يبحث في علم التفسير وفي إعجاز القرآن ، لهذا عد طائفة من العلماء أن من وجوه إعجاز القرآن أن يكون للسورة موضوع تدور عليه ، وأن يكون بين الآيات ترابط ، هذه القصة بعد تلك لغرض معلوم . لهذا قل من يطرق هذا الموضوع من المفسرين أو من العلماء ، ولعدم كثرة طَرْقِهِ أسباب منها :
أولًا : أن فيه نوعًا من الجرأة على كتاب الله – جل وعلا – ، ولهذا ذهب طائفة من العلماء إلى أن السور ليس لها موضوعات ، وإلى أن الآيات لا تناسب بينها ، وهذا قال به قليلون وغلطوا في ذلك ، فموضوع السورة يحتاج إلى قراءة السورة عدة مرات وتدبر ذلك ، ومعرفة كلام العلماء في التفسير حتى نفهم الموضوع الذي تدور عليه السورة ؟
السبب الثاني : أن كثيرًا من أهل العلم لم يتناولوا التفسير إلا عبر مدرسة تفسير الآيات ، ومدرسة تفسير الآيات منقسمة إلى مدرستين : مدرسة التفسير بالأثر ، ومدرسة التفسير بالاجتهاد ، وكلها راجعة إلى تفسير الآية وتفسير الكلمات في الآيات .
أما الربط بين الآيات فلم يكن من مدارس التفسير المعروفة ، ولذلك لم يكن له قوة عند أهل العلم بالتفسير .
والسبب الثالث : في عدم اشتهار هذا الموضوع : أن من تجرأ وكتب من أهل العلم وقال : إن للآيات تناسبًا ، وإن للسور موضوعات ، رد عليه طائفة من العلماء وغلطوه ، بل رموه إلى القول على الله – جل وعلا – بلا علم ، فهاب كثيرون أن يدخلوا هذا المضمار لأجل براءة الذمة ، وحتى لا يحملوا أنفسهم ما لا يطيقون ، وهذا مقصد صالح .
ولهذا نقول : العلماء في موضوع ترتيب الآيات ، والتناسق بين الآيات ، وأن هذه الآية بعد هذه الآية لغرض ، وأن هذه القصة بعد هذه القصة لغرض ، وأن السورة لها موضوع ومقصد ، اختلفوا على ثلاثة أقوال :
أما القول الأول :
فهو أنه لا تناسب بين الآيات ، بل تنــزل الآية بحسب الوقائع وتوضع في المصحف بحسب ما يأمر الله – جل وعلا – به جبريلَ – مقاصد السور وأثر التفسير – فيأمر به النبي – مقاصد السور وأثر التفسير – أن الآية ضعها في سورة كذا في موضع كذا ، وأن هذا بحسب الوقائع وحسب الأحوال ، ولا يقتضي ذلك تناسبًا بين الآية والآية ، وصلة بين الآية والآية .
القول الثاني :
أن سور القرآن لا تخلو منها سورة إلا ولها موضوع ، وليس ثَمَّ آية بعد آية إلا وبينهما تناسب وصلة ، وأنه بين أول السورة وبين ختام السورة تناسب ، وأنه بين آخر السورة وأول السورة التي تليها تناسب واتساق في الموضوع ، إلى آخر الأسرار واللطائف في علم التفسير . فجعلوا ذلك لا يخرج عنه شيء البتة ، وهذا قول قليلين من أهل العلم منهم : البقاعي فيما صنف في ” نظم الدرر ” ، والسيوطي ، وجماعة ممن قبلهم وبعدهم .
القول الثالث :
وهو القول الوسط وهو أعدل الأقوال ، أن سور القرآن منها سور يظهر للمجتهد والعالم بالتفسير موضوعُها ، ويظهر بين آياتها تناسب ، فهذا إذا ظهر فلا حرج في إبدائه لأن الله – جل وعلا – جعل القرآن محكمًا : ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ ([10]) ، فالقرآن كتاب لو بحثت فيه عن عدم اتساق لن تجد ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ([11]).
فإذا ظهرت المناسبة وظهر الموضوع ، فلا مانع أن يقال هذه السورة موضوعها كذا ، وهذه الآية بينها وبين ما قبلها المناسبة الفلانية ، بحسب ما يظهر للعالم بالتفسير وللمجتهد دون أن يكون الْهَمُّ طلبَ ذلك والتكلفَ فيه ، لأن التكلف في الشيء قد يفضي إلى القول في المسألة بلا علم ، والاجتهاد فيما لا طائل منه . وقد يكون الاختلاف فيه كثيرًا .
وهذا القول الثالث هو القول المعتدل ، الذي سلكه طائفة من العلماء بالتفسير والعلماء بالاجتهاد ، ومنهم : ابن تيمية ، وابن القيم – رحمهما الله – ، وجماعة من المحققين في التفسير ، ويظهر لك صوابه فيما إذا نظرت إلى الكتب المؤلفة في مقاصد السور وتناسب الآيات والسور ونحو ذلك ، فإن فيها أشياء متكلفة وفيها أشياء يتضح حسنها ، بل إذا نظرت إليها ، وتدبرت ما قيل من المناسبات ، والاتصال وموضوعات السور زادك يقينًا بأن هذا القرآن إنما هو كلام الله – جل وعلا – ، وإذا قرأت السورة أحسست بتأثير فيها ليس كتأثير من لم يعلم موضوع السورة ، ولا تناسب الآيات فيما يذكر .
لهذا نقول : إن المختار من هذه الأقوال الثلاثة : هو القول الثالث ، وهو الذي ينبغي أن تعتني به من كلام أهل العلم ؛ لأن فيه الفائدة المرجوة – إن شاء الله تعالى – .
المصنفات في علم مقاصد السور :
المصنفات في هذا الباب كثيرة ، فهذا ابن العربي المالكي – وهو من أهل الأندلس قد اتصل بالمشرق في فترة من عمره وهو صاحب ” أحكام القرآن ” و” عارضة الأحوذي ” ، و” شرح الموطأ ” وكتب كثيرة معروفة – ألف كتابًا في مقاصد السور ، وتناسب الآيات والسور ، وعرضه على الناس في زمانه قال : فرأيت الناس بَطَلَة -لم يقبلوا عليه ولم يهتموا له مع عظيم علمه وشرف معلومه – قال : فلما رأيت ذلك الإعراض منهم أحرقته وجعلته بيني وبين الله – جل وعلا – .
وكتب أيضًا الرازي في تفسيره بعض المناسبات إلى أن وصل الأمر إلى الزركشي فعرض في كتابه علوم القرآن ، الذي هو مسمى بـ” البرهان ” كتب فيه أبوابًا جيدة في التناسب والمقاصد ، وهي قصيرة لكن فيها تأصيل لهذه المسألة .
ثم جمع ذلك مع تأمل البقاعيُّ في كتابه الكبير في التفسير الذي أسماه ” نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ” ، وهو مطبوع في الهند ، وهو كتاب كبير في نحو اثنين وعشرين مجلدًا ، والتزم فيه أن يذكر مقصد السورة ، وأن يذكر التناسب بين كل آية والتي قبلها والتي بعدها ، والتناسب بين آخر السورة وقبلها ، إلى آخر ما ذكره مما جعله متكلفًا في كثير من المواضع ، حتى قال عن نفسه : إنه ربما مكث شهرًا في تأمل آية بعد آية ما المناسبة بينها ؟ ورد عليه بعض علماء عصره لهذا التكلف الذي تكلفه في كتابه .
ثم كتب السيوطي عدة كتب في ذلك . وذكر في كتابه إعجاز القرآن وهو ” معترك الأقران في إعجاز القرآن ” ، أن من وجوه الإعجاز العلمَ بالمقاصد وتناسب الآيات والسور ، إلى آخر ذلك .
اشتمال معظم كتب التفسير على مقاصد السور :
فهذا العلم فيه بحوث عند علماء التفسير ، ولكن الذين كتبوا فيه ما بين مجيد فيه ومقصر في ذلك ، وإذا تأملنا هذا الموضوع وجدنا أن كثيرًا من المفسرين يقولون : هذه السورة فيها الموضوع الفلاني ، مثل ما قال شيخ الاسلام ابن تيمية مثلًا في سورة المائدة بأن هذه السورة كلها مختصة بعلم الأحكام ، الحلال والحرام ، والعقود بخاصة ، حتى قصص الأنبياء التي فيها لها صلة بالأحكام ، وحتى قصة ابني آدم لها صلة بهذا الموضوع .
سورة الفاتحة سميت أم القرآن ، لأن مقاصد القرآن التي فيه هي في سورة الفاتحة ، وهكذا ، فمن أهل العلم بالتفسير من نص على الموضوع والمقصد ، ومنهم من عرض له بدون التنصيص عرضًا عمليًّا .
طرق فهم المتدبر لموضوع السور والآيات :
كيف يمكن أن يفهم المتدبر أو المفسر موضوع السورة ؟
أو ما هي الوسائل التي بها يعرف موضوع السورة ؟
من هذه الوسائل :
أولًا : أن ينص العلماء أو طائفة من العلماء المحققين على أن هذه السورة في الموضوع الفلاني ، مثلًا :
سورة الإخلاص : في توحيد الأسماء والصفات ، أو في التوحيد العلمي الخبري .
سورة الكافرون : في التوحيد الطلبي , توحيد العبادة .
سورة الفاتحة : في بيان محامد الرب – جل وعلا – .
سورة النحل : في النعم .
سورة الكهف : في الابتلاء .
سورة العنكبوت : في الفتنة .
سورة البقرة : في بيان الكليات الخمس ، والضروريات التي تدور عليها أحكام الشريعة ، وبيان عدو من أعداء الإسلام وهم اليهود .
سورة آل عمران : في تكميل ذلك ، مع بيان عدو جديد وهم النصارى والحوار معهم ، ثم مجاهدة المشركين .
سورة النساء : في بيان أحكام النساء والمواريث ، وخصص ذلك بالنساء لأجل هضم الجاهلية لحقوق النساء ، ونحو ذلك ، ثم بيان أحكام العدو الثالث وهم المنافقون ،
سورة المائدة : في بيان أحكام الحلال والحرام والعقود ، إلى آخر ذلك مما هو تفصيل للأحكام الكلية الخمس ، وأحكام الشريعة التفصيلية ، وهكذا في أنحاء شتى .
كذلك المناسبات بين الآي ، بأن ينص بعض أهل العلم المتحققين الراسخين بأن هذه الآية جاءت بعد هذه الآية لأجل كذا لما بينهما من الارتباط ، أو هذه السورة بعد هذه السورة لما بينهما من الارتباط وهكذا .
الوسيلة الثانية لمعرفة موضوع السورة والمقصد الذي تدور عليه السورة :
والوسيلة الثانية هي أن يكون موضوع السورة ظاهرًا من أولها ، فالمفسر يقرأ فيظهر له أن كل السورة مبني على أولها ، مثلًا سورة القيامة ، ﴿ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ﴾ ([12]) ، كل ما فيها ذكر لأحوال القيامة ثم أحوال الموت ، أو وسائل الإيمان بيوم القيامة ، هنا بحث في سورة القيامة ، بحث عند من اعترض على موضوع السورة في قول الله – جل وعلا – : ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ ([13]) ، قال طائفة من العلماء : إن هذه الآيات لا صلة لها بموضوع القيامة ، ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ ([14]) ، ما صلتها بموضوع القيامة ؟ وما صلتها بموضوع الموت والعاقبة ؟ … إلى آخره . ذكر الآخرون مناسبة ذلك وبينوا ما هو ظاهر بَيِّن .
كذلك في سورة الواقعة ، ﴿ إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ﴾ ([15])، سورة الواقعة صار موضعها حول تقسيم الناس يوم القيامة ينقسمون إلى أقسام ثلاثة : السابق ، وأصحاب اليمين ، وأصحاب الشمال ، ثم بعد ذلك أدلة تتعلق بهذا الأصل ، ثم حال الناس عند النــزع ، وأين تذهب أرواحهم ، فتلحظ من السورة أن الموضوع بيّن من أولها إلى آخرها ، وهذا يتضح لك من أول السورة .
الوسيلة الثالثة : الاستقراء ، فالاستقراء للآي من عالم بالتفسير ، إما أن يكون استقراءً كاملًا ، أو استقراءً أغلبيًّا ، وقد ذكر علماء الأصول أن الاستقراء الذي يحتج به على قسمين :
الاستقراء الكامل ، أو الاستقراء الأغلبي لأنه حتى القواعد ما من قاعدة إلا ولها شواذ ، فالاستقراء الأغلبي حجة كالاستقراء الكلي في الاحتجاج ، ولكن في القوة فإن الاستقراء الكلي أعظم من الاستقراء الأغلبي ، فإذا استقرأ الآيات واستخرج المفسر موضوعًا ولو لم يسبق إلى ذلك ، فإن هذه وسيلة ظاهرة من وسائل إدراك المعنى ، لا سيما إذا كان مُصِيبًا فيه غيرَ متكلف في ذلك . وهناك وسائل أخرى .
.. يتبع



كلمات البحث

شبكــة أنصــار آل محمــد ,شبكــة أنصــار ,آل محمــد ,منتدى أنصــار





lrhw] hgs,v ,Hev `g; td til hgjtsdv










عرض البوم صور عزتي بديني   رد مع اقتباس