{ لوثــات شيعيـة /36/ بين نارين }
سمعنا صراخاً .. وشخصاً يطلب النجــــدة ...!!! إنـه صوت جـارنا أبو مهنــّد ... الذي
لايفصل منزلـه عن منزلنــا سوى حائـط ..وشجــرة التين ...... كان أبو مهنـّد يصرخ
ويحث أطفاله الأربعة وزوجتــه على تسلّق الحائط إلى منزلنــا .. وكانت زوجته تقرأ
وتردّد آية الكرسي باستمـرار و بلا توقّف ....
اعتقدنــا لأول وهلــة أن مكروهــاً أصابهم .. أو سقطت عليهم قذيفة .. ولم يكن شيء
من ذلك أبداً إنمــا الخوف والهلع ورعب الأطفال ..... اجتمعنــا كلنا في إحدى الغرف
وكانت زوجة أبو مهنــّد لاتفتـر و لا تترك قراءة آية الكرسي ...
بـدأ القصف منذ الساعات الأولى للفجر .. وعنـــد الساعة العاشرة صباحاً تقريبـاً بـدأ
القصف يهدأ رويداً رويداً .. وفجأة أخــذت مكبّرات الصوت تعلــو على القصف وهي
تدعــوا الناس للخروج وإخلاء منازلهم خلال نصف ساعة فقــط ... لأن قوات الحرس
الجمهوري سوف تقوم بتطهير المنطقة ومن يتأخّــر سوف يـُعــدُّ خائناً ومتعاونــاً مع
المتمرّدين الشيعــة ..
كانت الأوامر تقتضي أن يخرج الجميع بأعمارهم فقط وسيراً على الأقدام ..لاأمتعة ولا
سيّارات ولا أي شيء وأن يرفعوا أيديهم إلى الأعلى على هيئة الإستسلام .. وكان من
أكثر المناظر شفقة هو رؤية النساء كبيرات السن وهن يرفعن أيديهُن للأعلى ..!!
خرج الآلاف من منازلهم مذعورين .. النساء والأطفال وكبار السن والعجزة ..متماسكي
الأيدي ... وبعضهم يحمل أطفالاً .. والبعض الآخر على غير هدى ....... وكان هناك
بعض الجنود يوجهونهم إلى إتجاهات معيّنة للإخلاء .... وللمرور إجباراً على الحواجز
الأمنية المليئة برجال المخابرات ... وخلال دقائق كان الجميع عند هذه الحواجز وكان
الزحام شديداً ولا يُسمح لأحــد بالمرور إلاّ بعد تفتيش دقيق وكان العسكريون يحملون
بعض الأوراق التي تعجّ بأسماء وصُـور المشتبه بهم ....
الإشتباه الخطأ كان هو الهاجس الأكبر لدى الجميع لأنّ تنفيــذ الحكم سيكون سريعاً وفي
نفس المكان .. إنــه (( الإعدام )) مباشرةً بطلقة من مسدّس .... كان أحد الأشخاص
يحمل والدته المقعــدة على ظهره ويسيـر مــع الناس ... وعند الحاجز الأمني وبعد أن
نظـر العسكريون في أحد الكشوفات .. أمروه بأن ينزل العجوز على الأرض ... رفض
في البداية وحاول الكلام والتفاهم معهم ولكــــن صرخ أحـد العسكريين من ذوي الرتب
العاليه عليه بصوت عالٍ وسحب الأقسام من سلاحه وصوّبه على رأس العجوز قائلاً :
.. (( تنزلّها لو أقتلها )) ..!!! فاضطرّ الولـد أن ينزل العجــوز على الأرض .. ووسط
توسّلاتها اقتـاده العسكر خلف أحد الباصات ثمّ ....... دوّى صوت الرصاص ..!!!!!!!
قيل لنا لاحقاً بأنه كان متعاوناً مع المتمردين وآخرين قالوا بأنه كان مجرّد تشابه أسماء
.. والله وحده هــو العالم بأمره ... خلال التمرد الشيعي وجد بعض ضعاف النفوس
واللصوص فرصتهم في السرقات التــى انتشرت بشكل رهيب ... وعندما جاء الجيش
وسيطر على المنطقة كانوا يعاملون الجميع بقسـوة .... وكانوا ينفذون حكم القتل على
الشبهة .. فالمتمرّد يُقتل والسارق يُقتل والمخالف لحظر التجوّل يُقتل ... وقع الناس
بين نارين فلايوجد شفقة ولا رحمة وكان القتل يطال الجميع ..
بعد خروج الجميع دخل الجيش إلى المنطقة واشتدّت المعركة مرّة أخرى .. كان هناك
قصف جوّي في هذه المرّة حيث دخلت طائرات الهليوكبتر (( السّمتيّة )) ثم دخلت
الدبابات ... وكان الجنود القريبين منّا يقصفون بــ (( الهاون )) ..
آلاف العوائل كانوا يفترشون الأرض خلف الجيش في المنطقة التي سمحوا لهم بالبقاء
فيها .. وكنا يراقبون المعركــة التي تدور بين منازلهم من بعيــد .. استمـرّت المعركة
طوال نهار ذلك اليوم وعنــد الغروب جاءت الأوامر بأن المنطقة تم تطهيرها وبإمكان
الجميع العودة إلى منازلهم .... ولمّا عادوا كان منظــراً رهيباً ...