العودة   شبكــة أنصــار آل محمــد > قســم إسلامنا تاريخٌ ومنهاج > بيت موسوعة طالب العلم

بيت موسوعة طالب العلم كـل مايخص طالب العلم ومنها الفتــاوى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-04-18, 03:52 AM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
الشـــامـــــخ
اللقب:
المـديـــر العـــام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية الشـــامـــــخ


البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 14
المشاركات: 10,161 [+]
بمعدل : 2.05 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 10
نقاط التقييم: 949
الشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدع

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
الشـــامـــــخ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : بيت موسوعة طالب العلم

نشر كامل وحصري وتنسيق خاص بـــ شبكة أنصار آل محمد
لكتاب

إجماع العلماء على الهجر والتحذير من أهل الأهواء
الشيخ خالد بن ضحوي الظفيري حفظه الله

للعلم سبق مقدمة الكتاب ثلاث تقديمات لأصحاب الفضيلة

فضيلة الشيخ العلامة الدكتور: ربيع بن هادي عمير المدخلي ( حفظه الله ).
فضيلة الشيخ العلامة: زيد بن محمد بن هادي المدخلي ( رحمه الله ).
فضيلة الشيخ العلامة: عبيد بن عبدالله الجابري ( حفظه الله ).
وإليكم رابط الكتاب من موقع الشيخ خالد ضحوي حفظه الله هنا


المقـــــــــدمـــــة

إن الحمـد لله، نحمده ونستعينه و نستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهـد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حـق تقاتـه ولا تموتن إلا وأنتـم مسلمون}.
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساءً واتقـوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}.
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخـير الهدي هدي محمد -حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد:
فإن الاعتصام بالكتاب والسنة والتمسك بهما، أعظم أصول الإسلام، ودعائمه العظام، الذي من تركه ضل السبيل، وأدى ذلك به إلى الهلاك
فمن اعتصم بكتاب ربه وسنّة نبيه - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - نجى وفاز وأمن الهلاك والضلال في الدنيا والآخرة.

فالله - جل جلاله - أمر في كتابه الكريم في غير ما موضع بالاعتصام بهما والتمسك بحبله، وحبله هو الكتاب والسنّة، وأمر بطاعته وطاعة رسوله -صلّى الله عليه وسلّم-.
قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا…} ([1]).
وقال تعالى:{ وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون} ([2]).
وقال تعالى:{ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} ([3]).
وقال سبحانه:{ ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائـزون}([4]). وقال تعالى:{ ومـن يـطع الله ورسولـه فقد فاز فوزاً عظيماً}([5]).
وقال جلّ من قائل:{وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون} ([6]).
وقال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} ([7]).
وقــال تعالى:{ إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء...} ([8]).
وقال تعالى:
{ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه...}([9]).
والآيات في الأمر بطاعة الله ورسوله والاعتصام بكتابه وسنّة نبيه كثيرة جداً؛ لأنها سبب الرحمة والفوز العظيم ودخول جنات النعيم المقيم.
وكـذلك جـاء الأمـر من رسوله - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - بذلك: فعن العرباض بن سارية - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - قال: وعظنا رسول الله موعظة ذرفـت منها العيون، ووجلت منها القلوب
فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة موّدع، فماذا تعهد إلينا؟ قال:
(( قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك، من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً
فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنّة الخلفاء الراشديـن المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة، وإن عبداً حبشياً، فإنما المؤمن كالجمل الأنف، حيثما قيد انقاد
))([10])

وعن أبي هريرة - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - عن النبي - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - قال: (( إن الله يرضى لكم ثلاثاً: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)) ([11])
والأحاديث أيضا في هذا الموضوع كثيرة.

فمن وفقه الله اتبع ما جاء عن الله ورسوله، وجعل الدليل نصب عينيه، فإذا عرضت له أي مسألـة أو حادثة ردها إلى الله ورسوله، قال أهل العلم: والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله هو الرد إلى سنته.
وقد امتاز منهج أهل السنة والجماعة بالعمل بالكتاب، وبما صح من السنّة، على فهم السلف الصالح.
فعلى كل مسلم أن يلتزم هذا المنهج وأن يدين الله بما كان عليه سلفه الصالح، قال تعالى:{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الـهدى ويتبـع غـير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً}([12]).
وقد تنكب هذا المنهج السلفي كثير من أهل الأهواء والبدع، فهم في شق ومنهج السلف في الشق الآخر، لا عملوا به ولا دعوا الناس إليه، بل زادوا الطين بلة بأن نسبوا إلى منهج أهل السنّة ما هو منه براء.
فقالوا من منهج أهل السنّة ذكر الحسنات عند نقد أهل البدع.
وقالوا: حذّر من البدعة ولا تحذر من المبتدع.
وقرّروا جواز قراءة كتب أهل البدع مطلقاً، وقالوا: خذ الحق منها واترك الباطل.
وأن هجر أهل البدع ليس عليه دليل.
وغير ذلك من الكذب والبهتان على الله وعلى رسوله وعلى منهج السلف الصالح.
وسأدلي بدلوي - في هذا البحث إن شاء الله - لتوضيح منهج أهل السنّة في معاملة أهل الأهواء والبدع، وقسمت هذا البحث إلى أربعة فصول وهي:
الفصل الأول: تحذير أهل السنة من البدع وأهلها.
الفصل الثاني: الشدة على أهل البدع منقبة وليست مذمّة.
الفصل الثالث: معاملة أهل السنة لكتب أهل البدع.
الفصل الرابع: إجماع العلماء على هجر أهل البدع والأهواء.
ثم ذكرت جواباً لشيخ الإسلام في بيان أنواع الهجر وضوابطه.
ثم خاتمة وفيها أهم نتائج البحث.
والله - عزوجل - أسأل أن ينفع بهذا البحث، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وأن يهدي شباب الإسلام إلى فهم منهج السلف الصالح ووعيه والعمل به، وأن يقينا شر أهل التحزب والفتن
إنه على ذلك قدير، وهو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


وكتبه راجي عفو ربه ومغفرته ورحمته
خالد بن ضحوي الظَّفيري
المدينة النبوية، في 7 من شهر ربيع الأول سنة 1420 هـ

الفصل الأول: تحذير أهل السنة من البدع وأهلها



لقد منّ الله - عزوجل - على الناس أجمعين بأن بعث إليهم رسله مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
فبدأهم الله - تعالى - بنوح حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير، ثم ختمهـم ببعثـة نبي الرحمة والمغفرة، نبي هذه الأمة محمد - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - فأكمل الله به الدين وأتم به النعمة، فلم ينتقل إلى الرفيق الأعلى، إلا وقد أدى الذي عليه أكمل الأداء
وبلغ البلاغ المبين، وأقام الحجة، وأوضح المحجة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

وكـان – حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - حريصاً على هداية أمته، عزيزاً عليه ما يعنتهم ويشـق عليهم، كما قال تعالى:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} ([13])
ومن حرصه على أمتـه؛ أنه لم يتـرك باباً من أبواب الخير إلا دلهم عليه، ولم يترك باباً من أبواب الشر إلا حذرهم منه، وبيّن لهم طرق إتيان الخير، وطرق اجتناب الشر.

ومن أعظم تلك الشرور التي انتشرت في الأمة، وتفاقم أمرها، والتبست على كثير من الناس: البدع المضلة وهي: "طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعيّة"([14])
ففيها الاستدراك على الله، وادعـاء عدم كمال الدين، فكـان –
حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - في كل خطبة يحـذر منها فيقـول: (( وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار )).
ومن ذلك ما جاء عن أبي هريرة - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - قال: قال رسول الله – حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير -: ( سيكون في آخر أمتي ناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم )) ([15]).
وعن عائشة – حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذيرا – قالـت: (( تـلا رسول الله – حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - هذه الآية{ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أم الكتاب وأخر متشابهات
فأما الذين في قلوبهم زيغٌ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغـاء تأويلـه وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنـا به كل من عنـد ربنا وما يذكر إلا أولو الألبـاب
}
([16])
قالت: قال رسول الله –
حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير -: ( فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منـه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم ))([17]).
فبين لنا نبينا – حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - أن طريق النجاة من البدع هو الحذر والتحذير منها، واجتنابها واجتناب أهلها وهجرهم.
فهجر أهل البدع ومنابذتهم من أعظم أصول الدين التي تحفظ على المسلم دينه وتقيه شر مهالك البدع والضلالات.
كيف لا، وقد أوضح الله - عزوجل - هذا الأصل العظيم في كتابه حيث قال:
{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعـرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} ([18]).

وقال تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيـات الله يكفر بها ويستهزأ بهـا فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم، إن الله جامـع المنافقـين والكافريـن في جهنم جميعاً} ([19]).
قال ابن عون: كان محمد بن سيرين - رحمه الله تعالى – يرى أن أسرع الناس ردة أهل الأهـواء، وكان يرى أن هذه الآية أنزلـت فيهم:{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم} ([20]).
وعن ليث بن أبي سُليم عن أبي جعفر قال: (( لا تجالسوا أهل الخصومات، فإنهم الذين يخوضون في آيات الله )) ([21]).
وقال الإمام محمد بن جرير الطبري في تفسيره([22]): (( وفي هذه الآية الدلالة الواضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من المبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم )).
ولهذا اهتم السلف بهذا الأصل العظيم وهو هجر أهل البدع أعظم اهتمام، وأولـوه بالغ العناية، فسيرتهم مليئة بهجر أهل البدع، وإخزائهم، وإذلالهم
ولو أردت أن أنقل ما جاء عنهم في ذلك لبلغ مجلداً، بل مجلدات.

وإن الناظر إلى النّاس طيلة حياة النبي - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير -، وطيلة خلافة الشيخين أبي بكر وعمر فسيجد أنهم متّبعون لكتاب ربهم ومقتفون لسنّة نبيهم -حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير- لا تعرف البدع إليهم طريقاً
ولا التكلف والتعمق إلى نفوسهم سبيلاً إلا ما كان من حالات فرديّة يقضى عليها في مهدها من قبل النبي -
حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - وخلفائه فما تلبث أن تخمد وتنطفئ. ([23])
ثم بدأت تظهر بوادر الفتن في آخر عهد عثمان - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير -.
ثم ظهـرت في خلافة علي - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - أول فرقتين مبتدعتين وهما الخوارج والشيعة، ثم تلا ذلك ظهور القدريّة وغيرهم.
فواجه الصحابـة والتابعون هذه الفرق المبتدعة مواجهة حاسمة بالسيف واللسان، فحذروا الناس منهم وتبرؤوا من البدع وأهلها وهجروهم ونهروهم ونابذوهم.
ومـا ذلك إلا اتّباعـاً للطريقة الشرعيّـة التي وضحهـا الله ورسـولـه -حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير-كمـا سبـق بيانـه، فهـم متمسكـون بكتـاب ربهم وبسنـّة نبيّهم - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير -.
فهذا ابن عمر - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير - حين سئل عن القدرية قال: (( فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني )) ([24]).
وقال ابن عباس - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذيرا -: (( لا تجالس أهل الأهواء فإن مجالستهم ممرضة للقلوب )) ([25]).
وعن عطـاء - رحمه الله- قـال: أتيت ابن عباس-حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذيرا- وهو ينـزع في زمزم قد ابتلت أسافل ثيابه فقلت: قد تُكلم في القدر.
قال: أوَ قد فعلوها؟. فقلت: نعم.
قال: (فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم{ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر}،أولئك شرار هذه الأمة، لا تعودوا مرضاهم، ولا تصـلوا على موتاهـم، إن أريتني أحدهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين))([26]).
وكتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- رسالة إلى عدي بن أرطأة يقول فيها:
(( أما بعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.
أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه -
حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير- وترك ما أحدث المحـدِثون مما قد جرت سنته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة
فإن السنة إنما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافذ قد كفوا
ولهم كانوا على كشف الأمور أقوى وبفضل لو كانوا فيه أحرى، فلئن قلتم: أمر حدث بعدهم، ما أحدثه بعدهم إلا من اتبع غير سنتهم، ورغب بنفسه عنهم، إنهم لهم السابقون
فقد تكلموا منه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم مقصر، وما فوقهم محسر، لقد قصر عنهم آخرون فضلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم
))([27])

وعن أبي قلابة قال: (( لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم أو يلبسوا عليكم ما تعرفون )) ([28])
وعـن عمرو بن قيس الملائي قال: (( لا تجالس صاحب زيغ فيزيغ قلبك)) ([29])
وقال إبراهيم النخعي: (( لا تجالسوا أهل الأهواء فإن مجالستهم تذهب بنور الإيمان من القلوب، وتسلب محاسن الوجوه، وتورث البغضة في قلوب المؤمنين )) ([30])
وقـال مجاهـد: (( لا تجالـس أهل الأهواء فإن لهم عرّة كعرة الجرب))([31])
وقال إسماعيل بن عبيد الله: (( لا تجالس ذا بدعة فيمرض قلبك، ولا تجالس مفتوناً فإنه ملقّن حجته )) ([32])
وقال مفضل بن مهلهل:
(( لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته وفررت منه، ولكنه يحدثك بأحاديث السنّة في بدو مجلسه ثم يدخل عليـك بدعته فلعلها تلزم قلبك فمتى تخرج من قلبك))([33])

وعن هشام بن حسان قال: (( كان الحسن ومحمد بن سيرين يقولان: لا تجالسوا أصحاب الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم )) ([34]).
وقال حنبل بن إسحاق: سمعت أبا عبد الله يقول: (( أهل البدع ما ينبغي لأحد أن يجالسهم ولا يخالطهم ولا يأنس بهم )) ([35]).
وعن ثابت بن عجلان قال : (( أدركت أنس بن مالك وابن المسيب والحسن البصري وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وطاووس ومجاهد وعبد الله بن أبي مليكة والزهري
ومكحول والقاسم أبا عبد الرحمن وعطاء الخراساني وثابت البناني والحكم بن عتيبة وأيوب السختياني وحماد ومحمد بن سيرين وأبا عامر - وكان قد أدرك أبا بكر الصديق - ويزيد الرقاشي
وسليمان بن موسى، كلهم يأمروني بالجماعة وينهوني عن أصحاب الأهواء
)) ([36]).

والآثـار عن السلف في معاملة أهل البدع والتحذير من البدع وأهلها كثيرة جداً، فالسلف - رحمهم الله - على هذا مجمعون متفقون في كل الأعصار والأمصار، وقد نقل هذا الإجماع عدد من أهل العلم
وقد أفردت له فصلاً مستقلاً.

وقد سار السلف من المتقدمـين ومن بعدهم من المتأخرين في التحذير من البدع والتحذير من أهلها على حدّ سواء، فلم يقتصروا على التحذير من البدع وتركوا أهلها على طريقتهم سائرين، ولبدعهم مروّجين.
فإن هذه البدع لاتسير وحدها، بل لابد لها من مسيّر ومروّج،فلزم من التحذير من البدعة التحذير من أهلها،فإذا قمع أهلها وزجروا وهجروا مات ما يحملون من بدع وهوى،ولم يتمكنوا من نشرها والدعوة إليها.
وقد ظهر في زماننا هذا أقوام، حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون بقول محدث لم يأت به الأولون، فقالوا حذّر من البدع ولا تحذّر من صاحبها ولا تتكلم فيه.
وما قصدوا بذلك إلا إغلاق باب التحذير من أهل البدع ليسلم لهم أئمتهم وقادتهم، ولينشروا من بدعهم ومناهجهم المحدثة ما يريدون.
فالنبي - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير- هو الذي شرع لأمته التحذير من أهل البـدع بأعيانهم، فقد أشار النبي - حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير- إلى ذي الخويصرة بقوله:
( إنه سيخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، فيقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرميّـة …))الحـديث ([37])، ففي قوله ( هذا ) تعيين له وتحذير منه بعينـه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (( فلا بد من التحذير من تلك البدع وإن اقتضى ذلك ذكرهم وتعيينهم )) ([38]) .
وتحذيـر السلف من أهل البدع بأعيانهم كثير جداً، وما حملهـم على ذلك إلا النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فهذا إمام دار الهجرة مالك بن أنس - رحمه الله - حذّر من أهل البدع بأعيانهم.
(1) كما قال عبد الرحمن بن مهدي: دخلت عند مالك وعنده رجل يسأله عن القرآن، فقال: (( لعلك من أصحاب عمرو بن عبيد، لعن الله عمراً فإنه ابتدع هذه البدعة من الكلام … )) ([39]).
(2) وقال: (( إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنّة )) ([40]).
(3) وقال ابن أبي زيد: قال رجل لمالك: يا أبا عبد الله{ الرَّحمنُ عَلَى العَرْشِ استَوَى} كيف استوى؟
قـال: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب، وأراك صاحب بدعة وأمر بإخراجه ([41]).
وهذا إمام أهل السنّة أحمد بن حنبـل - رحمه الله - جاء عنه التحذير مـن أهل البدع بأسمائهم في كثير من أقواله وما ذلك إلا نصيحة لدين الله، قال ابن الجوزي - رحمه الله -:
(( وقد كان الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل لشدّة تمسكه بالسنّة ونهيه عن البدعة يتكلم في جماعة من الأخيار إذا صدر منهم ما يخالف السنّة، وكلامه محمول على النصيحة للدين )) ([42])، فمن ذلك:
(1) عن أبي مزاحم موسى بن عبيد الله بن خاقان قال: قال لي عمي أبو علي عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان قال: أمر المتوكل بمسألة أحمد بن حنبل عمن يتقلد القضاء؟ فسألته.
قال أبو مزاحم: فسألته أن يخرج إلي جوابه، فوجه إلي بنسخة فكتبها ثم عدت إلى عمي فأقرّ لي بصحة ما بعث به.
وهذه نسخته:
بسم الله الرحمن الرحيم، نسخة الرقعة التي عرضتها على أحمد بن محمد ابن حنبل بعد أن سألته عما فيها فأجابني عن ذلك بما قد كتبته، وأمر ابنه عبد الله أن يوقع بأسفلها بأمره، ما سألته أن يوقع فيها:
سألت أحمد بن حنبل عن أحمد بن رباح، فقال فيه: إنه جهمي معروف بذلك، وإنّه إن قلّد القضاء من أمور المسلمين كان فيه ضرر على المسلمين لما هو عليه من مذهبه وبدعته.
وسألته عن ابن الخلنجي، فقال فيه - أيضاً - مثل ما قــال في أحمــد ابن رباح وذكر أنه جهمي معروف بذلك، وأنّه كان من شرهم وأعظمهم ضرراً على الناس.
وسألته عن شعيب بن سهل، فقال فيه: جهمي معروف بذلك.
وسألته عن عبيد الله بن أحمد، فقال فيه: جهمي معروف بذلك.
وسألته عن المعروف بأبي شعيب، فقال فيه: إنّه جهمي معروف بذلك.
وسألته عن محمد بن منصور قاضي الأهواز، فقال فيه: إنه كان مع ابن أبي دؤاد وفي ناحيته وأعماله، إلا أنه كان من أمثلهم ولا أعرف رأيه.
وسألته عن ابن علي بن الجعد، فقال: كان معروفاً عند الناس بأنه جهمي مشهور بذلك، ثم بلغني عنه الآن أنه رجع عن ذلك.
وسألته عن الفتح بن سهل صاحب مظالم محمد بن عبد الله ببغداد، فقال: جهمي معروف بذلك، من أصحاب بشر المريسي، وليس ينبغي أن يقلّد مثله شيئاً من أمور المسلمين لما في ذلك من الضرر.
وسألته عن ابن الثلجي، فقال: مبتدع صاحب هوى.
وسألته عن إبراهيم بن عتّاب، فقال: لا أعرفه إلا أنه كان من أصحاب بشر المريسي، فينبغي أن يحذر ولا يقرّب، ولا يقلّد شيئاً من أمور المسلمين.
وفي الجملة إن أهل البدع والأهواء لا ينبغي أن يستعان بهم في شيء من أمور المسلمين؛ فإن في ذلك أعظم الضرر على الدين
مع ما عليه رأي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه من التمسك بالسنّة والمخالفة لأهـل البدع))([43]).

(2) وقـال علي بن أبي خالد: قلت لأحمد بن حنبل –رحمه الله -: إنّ هذا الشيخ – لشيـخ حضر معنا – هو جاري، وقد نهيته عن رجل، ويحب أن يسمع قولك فيه:
حارث القصير – يعني حارثاً المحاسبي – وكنت رأيتني معه منذ سنين كثيرة، فقلت لي: لا تـجالسه، فما تقول فيه؟ فرأيت أحمد قد احمرّ لونه، وانتفخـت أوداجه وعيناه، وما رأيتـه هكـذا قط
ثم جعل ينتفض، ويقول: ( ذاك؟ فعل الله به وفعل، ليـس يعـرف ذاك إلا من خَبَره وعرفه، أوّيه، أوّيه، أوّيه، ذاك لا يعرفـه إلا من قد خبره وعرفه، ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان
فأخرجهم إلى رأي جهم، هلكوا بسببه
، فقال له الشيخ: يا أبا عبـد الله، يروي الحديث، ساكنٌ خاشعٌ، من قصته ومن قصته؟ فغضب أبو عبد الله، وجعـل يقول:لا يغرّك خشوعه ولِينه، ويقول:
لا تغتر بتنكيس رأسه، فإنه رجل سـوء ذاك لا يعرفه إلا مـن خبره، لا تكلمـه، ولا كرامة لـه، كل من حدّث بأحاديث رسول الله –
حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير- وكان مبتدعاً تجلـس إليـه؟!
لا، ولا كـرامة ولا نُعْمَى عـين، وجعل يقول: ذاك، ذاك
.))([44])

(3) وقال أبو داود في مسائله للإمام أحمد([45]): (( ورأيت أحمد سلّم عليه رجل من أهـل بغداد – قال أبو داود: بلغـني أنّه أبو بكر المغازلي – ممن وقف فيما بلغني، فقال له:
أُغرب لا أرينّك تجيء إلى بابي – في كلامٍ غليظ – ولم يرد حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير، وقال له: ما أحوجك أن يصنع بك ما صنع عمر بصَبيـغ – أفهمـني ( عمر بصَبيغ ) بعـض أصحابنا – فدخـل بيته وردّ الباب)).

(4) وقال أبو بكر المرّوذي: أظهر يعقوب بن شيبة الوقف في ذلك الجانب من بغداد، فحذّر أبو عبد الله – أحمد بن حنبل - منه، وقد كان المتوكل أَمَرَ عبدالرحمن بن يحيى بن خاقـان
أن يسأل أحمد بن حنبل عمّن يقلّد القضاء.
قـال عبدالرحمن: فسألتُه عـن يعقـوب بن شيبـة، فقال: ((مبتدع صاحب هوى )). قال الخطيـب: وصفه أحمـد بذلك لأجل الوقف([46]).

(5) وقال الحاكم –رحمه الله -: سمعت أبا الحسين محمد بن أحمد الحنظلي ببغداد يقول: سمعت أبا إسماعيل الترمذي يقول: كنت أنا وأحمـد ابن الحسن الترمذي عند أبي عبد الله، فقال له أحمد بن الحسن:
يا أبا عبد الله ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحاب الحديث فقال: أصحاب الحديث قوم سوء، فقام أبو عبد الله وهو ينفض ثوبه فقـال: زنديق ! زنديق ! زنديق! ودخل البيت ([47]).

(6) وقال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق هذا كلام سوء رديء، وهو كلام الجهمية، قلت له: إن الكرابيسـي يقول هذا
فقال: كذب هتكه الله الخبيث، وقال: قد خلف هذا بشراً المريسي.([48])

(7) وقال صالح بن أحمد: جاء الحزامي إلى أبي وقد كان ذهب إلى ابن أبي دؤاد، فلما خرج إليه ورآه، أغلق الباب في وجهه ودخل.([49])
(8) وقدم داود الأصبهاني الظاهري بغداد وكان بينه وبين صالح بن أحمد حسن، فكلم صالحاً أن يتلطف له في الاستئذان على أبيه، فأتى صالح أباه فقال له: رجل سألني أن يأتيك. قال: ما اسمه؟.
قال: داود. قال: من أين؟ قال: من أهل أصبهان، قال: أيّ شيء صنعته؟ قال وكان صالح يروغ عن تعريفه إيَّاه، فما زال أبوعبد الله يفحص عنه حتى فطن فقال:
هذا قد كتب إليّ محمد بن يحيى النيسابوري في أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني. قال: يا أبت ينتفي من هذا وينكره، فقال أبوعبد الله: محمد بن يحيى أصدق منه، لا تأذن له في المصير إليَّ([50]).

وما جاء عن أئمة الإسلام في ذلك كثير، وهو في كتب السنّة والعقائد مسطور
قال عاصم الأحول: جلست إلى قتـادة فذكر عمرو بن عبيد فوقع فيه، فقلت: لا أرى العلماء يقع بعضهم في بعـض، فقال:
يا أحول أولا تدري أن الرجل إذا ابتدع فينبغي أن يُذكر حتى يُحذر.
فجئت مغتمّاً فنمت فرأيت عمرو بن عبيد يحك آية من المصحف، فقلت له: سبحان الله، قال: إني سأعيدها. فقلت: أعدها قال: لا أستطيع. ([51])

وقال الفلاس: عمرو متروك صاحب بدعة.([52])
وقال الذهبي في واصل بن عطاء: كان من أجلاد المعتزلة.([53])
وقال - أيضاً - في ابن أبي دؤاد: جهمي بغيض.([54])
وقـال أحمد: (( كان ثور يرى القدر، وكان أهل حمص نفوه وأخرجوه)).([55])
وقال أبو توبة: حدثنا أصحابنا أن ثوراً لقي الأوزاعي فمد يده إليه، فأبى الأوزاعي أن يمد يده إليه، وقال: ( يا ثور لو كانت الدنيا لكانت المقاربة ولكنه الدين )).([56])
وقال أبو إدريس الخولاني: ( ألا إن أبا جميلة لا يؤمن بالقدر فلا تجالسوه )). ([57])
وقال إسماعيل ابن علية: قال لي سعيد بن جبير غير سائله ولا ذاكـراً ذا كله: لا تجالسوا طلقاً، يعني: لأنّه مرجئ.([58])
وقال أبو صالح الفراء: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئاً من أمر الفتن فقال: ذاك يشبه أستاذه - يعني: الحسن بن حي-، فقلت ليوسف: ما تخاف أن تكون هذه غيبة؟ فقال:
لم يا أحمق أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم ومن أطراهم كان أضر عليهم([59]).

ويبين الإمام ابن بطة أنه لا بد من ذكر الأسماء بل وشيء من الصفات لأهل البدع حتى تُحذر كتبهم ويُسلــم من أفكارهـم، فقـال - رحمه الله - بعد أن ذكر مقالات أهل البدع وطوائفهم قال:
(( هم شعوب وقبائل وصنوف وطوائف أنا أذكر طرفاً من أسمائهم وشيئاً من صفاتهم؛ لأن لهم كتباً قد انتشرت ومقالات قد ظهرت، لا يعرفها الغرّ من الناس ولا النشؤ من الأحداث تخفى معانيها
على أكثر من يقرؤها فلعل الحدث يقع إليه الكتاب لرجل من أهل هذه المقالات قد ابتدأ الكتاب بحمد الله والثناء عليه والإطناب في الصلاة على النبي
حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير ثم أتبع ذلك بدقيق كفره
وخفي اختراعه وشرّه فيظن الحدث الذي لا علم له والأعجمي والغمر من الناس أن الواضع لذلك الكتاب عالم من العلماء أو فقيه من الفقهاء ولعله يعتقد في هذه الأمة ما يراه فيها عبدة الأوثان
ومن بارز الله ووالى الشيطان.

فمن رؤسائهم المتقدمين في الضلال منهم: الجهم بن صفوان الضّال.
وقد قيل له وهو بالشام: أين تريد فقال: أطلب رباً أعبده، فتقلد مقالته طوائف من الضُّلال، وقد قال ابن شوذب: ترك جهم الصلاة أربعين يوماً على وجه الشك.
ومن أتباعه وأشياعه: بشر المريسي والمردار وأبو بكر الأصم وإبراهيم بن إسماعيل ابن علية وابن أبي دؤاد وبرغوث وربالويه والأرمني وجعفر الحذّاء وشعيب الحجام وحسن العطار وسهل الحرار
وأبو لقمان الكافر
في جماعة سواهم من الضلال وكل العلماء يقولون في من سميناهم أنهم أئمة الكفر ورؤساء الضلالة.

ومن رؤسائهم أيضا - وهم أصحاب القدر -: معبد الجهني وغيلان القدري وثمامة بن أشرس وعمرو بن عبيد وأبو الهذيل العلاف وإبراهيم النظام وبشر بن المعتمر في جماعة سواهم أهل كفر وضلال يعمّ.
ومنهم: الحسن بن عبد الوهاب الجبائي وأبو العنبس الصميري.
ومن الرافضة: المغيرة بن سعيد وعبد الله بن سبأ وهشام الفوطي وأبو الكروس وفضيل الرقاشي وأبو مالك الحضرمي وصالح قبة.
بل هم أكثر من أن يحصوا في كتاب أو يحووا بخطاب ذكرت طرفاً من أئمتهم ليتجنب الحدث ومن لا علم له ذكرهم ومجالسة من يستشهد بقولهم ويناظر بكتبهم.
ومن خبثائهم ومن يظهر في كلامه الذّبّ عن السنّة والنصرة لها وقوله أخبث القول: ابن كلاب وحسين النجار وأبو بكر الأصم وابن علية([60])
أعاذنا الله وإياكم من مقالتهم وعافانا وإياك من شرور مذاهبهم
))([61]).

وقال الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني ( ت:444):

أهون بقول جهم الخسيس ........ وواصل وبشر المريسي
ذي السخف والجهل وذي العناد ... معمر وابن أبي دؤاد
وابن عبيد شيخ الإعتزال ......... وشارع البدعة والضلال
والجاحظ القادح في الإسلام ...... وجبت هذي الأمة النظام
والفاسق المعروف بالجبائي .......والنجله السفيه ذي الخناء
واللاحقي وأبي الهذيل ........... مؤيدي الكفر بكل ويل
وذي العمى ضرار المرتاب ........ وشبههم من اهل الإرتياب
جميعهم قد غالط الجهالا ............ وأظهلر البدعة والضلالا
وعد ذاك شرعة ودينا ........ فمنهم لله قد برئنا
وعن قريب منهم سينتقم ....... ومن مضى من صحبهم سيندم .(1)




وقال الإمام الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السِّلَفي السَّلَفي(2):

فلا تصحب سوى السني دينا .......... لتحمد ما نصحتك في المآل فما
وجانب كل مبتدع تراه .................. إن عندهم غير المحال
ودع آراء أهل الزيغ رأسا ........... ولا تغررك حذتقة الرذال
فليس يدوم للبدعي رأي ......... ومن أين القر لذي ارتحال
يوافى حائرا في كل حال .............. وقد خلى طريق الإعتدال
ويترك دائبا رأيا لرأي........... ومنه كذا سريع الإنتقال
وعمدة ما يدين به سفاها ......... فأحداث من أبواب الجدال
وقول أئمة الزيغ الذي لا .............. يشابهه سوى الداء العضال
كمعبد المضلل في هواه ........... وواصل أو كغيلان المحال
وجعد ثم جهم وابن حرب ......... حمير يستحقون المخال
وثور كإسمه أوشئت فاقلب ......... وحفص الفرد قرد ذي افتعال
وبشر لا رأى بشرى فمنه ............ تولد كل شر واختلال
وأتباع بن كلاب كلاب ............ على التحقيق هم من شر آل
كذاك أبو الهذيل وكان مولى .......... لعبد القيس قد شان الموالي
ولا تنسى إبن أشرس المكنى ......... أبا معن ثمامة فهو غالي
ولاابن الحارث البصري ذاك ال ....... مضل على اجتهاد واحتفال
ولا الكوفي اعنيه ضرار ب.............ن عمرو فهو للبصري تالي
كذاك بن الأصم ومن قفاه وعمرو..... من أوباش البهاشم النغال
هكذا اعني ابن بحر.................... وغيرهم من أصحاب الشمال
فرأي أولاء ليس يفيد شيئا .......... سوى الهذيان من قيل وقال
وكل هون ومحدثة ضلال ............ ضعيف في الحقيقة كالخيال
فهذا ما أدين به إلهي ............... تعالى عن شبيه أو مثال
وما نفاه منخدع وزور .............. ومن بدع فلم يخطر ببالي


فهذا هو منهج أهل السنة التحذير من البدع ومن أهلها على السواء من غير تفريق، ولو كان التحذير منهم للبدع وحدها لما أجمعوا على هجر أهل البدع كما سيأتي نقل الإجماع عنهم.
بل إن دواوين الجرح والتعديل والكتب المختصة بالرجال كالضعفاء والتاريخ الكبير للبخاري والضعفاء للنسائي والعقيـلي، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم، والميزان وديوان الضعفاء للذهبي
وغير ذلك من كتب أئمة السنّة، وكذلك كتب العقائد وخاصة الردود منها كرد الدارمي على بشر المريسي، وردود شيخ الإسلام ابن تيميّة كالرد على البكري والأخنائي والرازي وغيرها
ورد ابن عبـد الهادي على السبكي الموسوم بالصارم المنكي، وردود الأئمة على النبهاني كغاية الأماني لمحمود الألوسي، ورد نعمان الألوسي على ابن حجر الهيتمي في كتابه جلاء العينين
وردود أئمة الدعوة في نجد كردودهم على ابن جرجيس وغيره، وكردود الأئمة على الكوثري وأبي غدة، كر
د المعلمي في تنكيله وغيره، وردودهم علـى ضـلالات سيــد قطـب
كرد العلامـة عبد الله الدويش ورد محمود شاكر وردود العلامة ربيع بن هادي المدخلي
، وغير ذلك من كتب الردود السلفية التي قامت على كتاب الله وسنّة نبيه -
حصري:: إجماع العلماء الهجر والتحذير-.
كل هذه الكتب قائمة على نقد الأشخاص بأعيانهم وما يحملون من ضلالات وبدع، ولو أغلقنا هذا الباب كما يريد أهل الفتن والأهواء والسفسطة
لأدى ذلك إلى هدم الإسلام وانتشار الشرك والبدع والخرافات، وهذا هو الذي يريدون.

فاعجب بعد ذلك كل العجب ممن قال: لا تتكلم على أهل البدع، وإنما التحذير من البدعة وحدها، ومن قال بهذا فقد تنكب طريق السلف الصالح وخالف سبيلهم ومنهجهم
وافترى عليهم الكذب وقال بالبهتان.

فليتق الله هؤلاء القوم وليرجعوا إلى منهج أهل السنّة الواضح، الذي ليله كنهاره لا يزيغ عنه إلا هالك. والله أعلم.
يتبع...
------------------------------------------------
([1]) آل عمران : 102
([2]) الأنعام : 153
([3]) النساء : 69
([4]) النور : 52
([5]) الأحزاب : 71
([6]) آل عمران : 132
([7]) النساء : 59
([8]) الأنعام : 159
([9]) الشورى : 13
([10]) رواه أبو داود ( 4607 ) ، والترمذي ( 2676 ) ، وابن ماجة ( 43 ) .
([11]) رواه مسلم ( 1715 ) ، ومالك في الموطأ ( 2/ 990 ) واللفظ له .
([12]) النساء : 115
([13]) سورة التوبة : 128 .
([14]) الاعتصام للشاطبي ( 1/37 ) .
([15]) مقدمة صحيح مسلم ( 1/12 ) .
([16]) آل عمران : 7 .
([17]) رواه البخـاري في صحيحـه ، حـديث (4547 ) ، ومسلــم ، حديث(2665) .
([18]) سورة الأنعام : 68 .
([19]) سورة النساء : 140 .
([20]) الإبانة لابن بطة ( 2/431 ) .
([21]) تفسير الطبري ( 7/229 )، وتفسير القرطبي (7/12).
([22]) ( 5/330 ) .
([23]) انظر موقف أهل السنّة والجماعة من أهل الأهواء والبدع للشيخ إبراهيم الرحيلي(1/9).
([24]) رواه مسلم ( 8 ) .
([25]) الإبانة ( 2/438 )
([26]) شرح السنّة للالكائي ( 4/712 )، والبيهقي في السنن الكبرى (10/205).
([27]) سنن أبي داود (4/203)، والشريعة للآجري (1/443-445)، والحلية لأبي نعيم (5338).
([28]) سنن الدارمي (1/120)، شرح السنة للالكائي (1/134)،والسنة لعبدالله بن أحمد (1/137)، والإبانة لابن بطة ( 2/435 ) .
([29]) الإبانة ( 2/436 ) .
([30]) الإبانة ( 2/439 ) .
([31]) الإبانة ( 2/441 ) .
([32]) الإبانة ( 2/443 ) .
([33]) الإبانة ( 2/444 ) .
([34]) طبقات ابن سعد (7/172)، وسنن الدارمي (1/121)،وشرح السنة للالكائي (1/133)، والإبانة لابن بطة (2/444) .
([35]) الإبانة ( 2/475 ).
([36]) المعرفة والتاريخ للفسوي ( 3/491-492 )، وشرح السنة للالكائي (1/133).
([37]) رواه البخاري ( 3610 ) ، ومسلم ( 2452 ) .
([38]) مجموع الفتاوى ( 28/233 ) .
([39]) مناقب مالك للزواوي ( ص : 147-148 ) .
([40]) مناقب مالك للزواوي ( ص : 148 ) .
([41]) مناقب مالك للزواوي ( ص : 134 ) .
([42]) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ( ص: 253 ) .
([43]) مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ( ص : 251-252 ) .
([44]) طبقات الحنابلة ( 1/234 ) .
([45]) ( ص : 355 ) برقم ( 1707 ) .
([46]) انظر تاريخ بغداد ( 14 / 350 ) ، والسير للذهـبي ( 12/ 478 ) .
([47]) معرفة علوم الحديث ( ص : 4 ) ، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي ( ص:247)، وطبقات الحنابلة ( 1/38 ) .
([48]) السنّة لعبد الله بن أحمد ( 1/165-166 ) .
([49]) مناقب أحمد لابن الجوزي ( ص : 250 ) .
([50]) تاريخ بغداد ( 8/374 ).
([51]) الميزان للذهبي ( 3/273 ) .
([52]) الميزان ( 3/275 ) .
([53]) الميزان ( 4/329 ) .
([54]) الميزان للذهبي ( 1/97 ) .
([55]) الميزان للذهبي ( 1/374 ) .
([56]) السير للذهبي ( 11/344 ) .
([57]) الإبانة لابن بطة ( 2/449 ) .
([58]) الإبانة ( 2/450 ) .
([59]) السير ( 7/364 )، وتهذيب الكمال ( 6/182 ).
([60]) هو إبراهيم بن الإمام إسماعيل بن علية.
([61]) الشرح والإبانة ( ص : 348-352 ).
(1) الأرجوزة المنبّهة للداني ( ص : 182-184 )، وانظر السير ( 18/82-83).
(2) السير ( 21/34-36 )، وانظر أيضاً في التحذير من أهل البدع بأعيانهم رسالة السجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت ( ص: 220-223 ).



كلمات البحث

شبكــة أنصــار آل محمــد ,شبكــة أنصــار ,آل محمــد ,منتدى أنصــار





pwvd:: Y[lhu hguglhx ugn hgi[v ,hgjp`dv lk Hig hgHi,hx hguglhx hgi[v Y[lhu










توقيع : الشـــامـــــخ

يسرنا متابعتكم وتواصلكم عبر الحسابات التالية

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


التعديل الأخير تم بواسطة الشـــامـــــخ ; 07-04-18 الساعة 12:10 PM
عرض البوم صور الشـــامـــــخ   رد مع اقتباس
قديم 07-04-18, 05:06 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
الشـــامـــــخ
اللقب:
المـديـــر العـــام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية الشـــامـــــخ


البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 14
المشاركات: 10,161 [+]
بمعدل : 2.05 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 10
نقاط التقييم: 949
الشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدع

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
الشـــامـــــخ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشـــامـــــخ المنتدى : بيت موسوعة طالب العلم
افتراضي

الفصـل الثاني :الشدة على أهل البدع منقبة وليست مذمّة

لقد كان السلف الصالح يمتازون بمعاملتهم لأهل البدع بالشدّة والقسوة، وكانوا يعدون هذه الشدة على أهل الأهواء والبدع من المناقب والممادح التي يمدح بها الرجل عند ذكره
فكم من إمام في السنّة قد قيل في ترجمته مدحاً له كان شديداً في السنّة، أو كان شديداً على أهل الأهواء والبدع.
وما كان باعثهم على هذه الشدّة إلا الغيرة والحميّة لهذا الدين، والنصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
كما قال ابن الجوزي عن الإمام أحمد –رحمه الله -:
(( وقد كان الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل لشدة تمسكه بالسنّة ونهيه عن البدعة يتكلم في جماعة من الأخيار إذا صدر منهم ما يخالف السنّة، وكلامه ذلك محمول على النصيحة للدين )) ([1]).
ولكن - والله المستعان - قد انقلبت هذه الموازين، وتغيرت هذه المفاهيم فأصبح اللين والموادعة لأهل البدع هي المطلوبة، بل هي الواجبة والممدوحة.
وأصبحت الشدّة على أهل البدع يمتاز بها أُناس معيّنون قليلون، وأهل زماننا لهم عائبون.
ولو أن أهل العلم وطلابه ابتدروا تلك البدع وأهلها بالشدّة والنهر والنبذ والطرد، لاجتثت تلك البدع من جذورها ولتوقف مدّها، ولبقيت ديارنا طاهرةً تُعمر بالسنّة وأهلها.
قال ابن القيّم – رحمه الله -([2]):
(( ومن تأمل أحوال الرسل مع أممهم؛ وجدهم كانوا قائمين بالإنكار عليهم أشدّ قيام حتى لقوا الله تعالى، وأوصوا من آمن بهم بالإنكار على من خالفهم وأخبر النبي - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة -:
أنّ المتخلّص من مقامات الإنكار الثلاثة ليس معه من الإيمان حبّة خردل، وبالغ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشدّ المبالغة، حتى قال: ( إن الناس إذا تركوه؛ أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده
)).
وأخبر أن تركه يمنع إجابة دعاء الأخيار ويوجب تسلّط الأشرار.
وأخبر أن تركه يوقع المخالفة بين القلوب والوجوه، ويحلّ لعنة الله كما لعن الله بني إسرائيل على تركه
)).
فالصحابة - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - قد واجهوا البدع وأهلها بشدّة، فقمعوها وتبرءوا من أهلها، وذلك واضح جلي لمن تدبّر سيرتهم، وعرف أخبارهم.
قال ابن القيم – رحمه الله –: (( وقد كان ابن عباس شديداً على القدريّة، وكذلك الصحابة )) ([3]).
فهذا عمر بن الخطاب قد شجّ رأس صبيغ بن عسل لما كان يسأل عن المتشابه في القرآن، فعن سليمان بن يسار أنّ رجلاً من بني غنيم يقال له: صَبيغ بن عِسْل قدم المدينة، وكانت عنده كتب
فجعل يسأل عن متشابه القرآن فبلغ ذلك عمر فبعث إليه وقد أعدّ له عراجين النخيل
.
فلما دخل عليه جلس، قال: من أنت؟
قال: أنا عبد الله صَبيغ.
قال عمر: وأنا عبد الله عمر وأومأ عليه فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجّه وجعل الدم يسيل على وجهه.
فقـال: حسبك يا أمير المؤمنين فقد والله ذهب الذي أجد في رأسـي
))([4]).
وعن يحيى بن يعمر، قال: كان أول من قال بالقدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة -
فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوُفّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أنّ صاحبي سَيَكِلُ الكـلام إليّ
فقلـت: أبـا عبدالرحمن، إنّه قد ظهر قبلنا ناسٌ يقرءون القرآن ويتقفّرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنّهم يزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أُنُف، قال:
( فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أنّي بريءٌ منهم، وأنّهم برآء منّي، والذي يحلف به عبد الله بن عمر! لو أنّ لأحدهم مثل أُحُدٍ ذهباً فأنفقه، ما قَبل الله منه حتى يؤمن بالقدر )) ([5]).
وكان سمرة بن جندب - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - شديداً على الخوارج فكانوا يطعنون عليه([6]).
والآثار عن الصحابة في معاملتهم لأهل البدع كثيرة، ومـا هذا إلا غيض من فيض.
وهذا – أيضاً - الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو سلمة حماد بن سلمة البصري (ت: 167 )، قـال الذهـبي في ترجمته: قال شيخ الإسلام (أبو إسماعيل الأنصاري ) في الفاروق له:
(( قال أحمد بن حنبل:إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام؛ فإنّه كان شديداً على المبتدعة))([7])
وقال ابن حبان: (( ولم يكن يثلبه إلا معتزلي أو جهمي؛ لما كان يظهر من السنن الصحيحة )).
وقال الذهبي - أيضاً -: (( وكان مع إمامته في الحديث، إماماً كبيراً في العربيّة فصيحاً، رأساً في السنّة، صاحب تصانيف )) ([8]).
وكذلك الإمام بلال بن أبي بردة ( ت: 120 ونيّف ) فقد روى ابن عساكر بسنده عن مجاهد قال: (( ثم ولي العراق خالد بن عبد الله القسري، فكان على شرطته بواسط عمر بن عبد الأعلى الحكمي...
واستعمل بلال بن أبي بردة فكان على الأحداث والصلاة والقضاء، وكـان بلال بن أبي بردة شديداً على أهل البدع، فأورث ذلك عقبه فكان أبو الحسن وقافاً منهم على الأدواء
)).([9])
والقاضي شريك بن عبد الله النخعي الكوفي ( ت: 177 )،قال معاوية ابن صالح الأشعري:سألت أحمد بن حنبل عن شريك، فقال: (( كان عاقلاً صدوقاً محدثاً، وكان شديداً على أهل الريب والبدع ))([10])
وقال عنه الحـافظ ابن حجر: (( وكـان عادلاً فاضلاً شديداً على أهل البدع)) ([11]).
ومن أقواله - رحمه الله -: (( لئن يكون في كل قبيلة حمار أحب إلي مـن أن يكـون فيهـا رجـل مـن أصحــاب أبـي فــلان رجل كان مبتدعاً))([12]).
وكذلك الإمام عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ( ت: 117 ) والإمـام عبد الرحمن بن القاسم ( ت: 126 ) – رحمهما الله -، قال عنهما الإمام مالك:
(( كان ابن هرمز قليل الكلام، وكان يشدّ على أهل البدع، وكان أعلم الناس بما اختلفوا فيه مــن ذلك، وكــذا كان عبد الرحمن بن القاسم))([13]).
وقال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي في ترجمة إبراهيم بن طهمان ( ت: 163 ) : ( كان شديداً على الجهميّة )) ([14]).
وهذا إمام دار الهجرة مالك بن أنس ( ت: 179 ) - رحمه الله - يقول: (( لا تسلم على أهل الأهواء ولا تجالسهم إلا أن تغلظ عليهم، ولا يعاد مريضهم، ولا تحـدث عنهم الأحاديث )).([15])
وقال أيضاً:
(( لا تجالس القدري، ولا تكلمه إلا أن تجلس إليه، فتغلظ عليه، لقوله{لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله} فلا توادّوهم )).([16])
وهذا الإمام محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - ( ت:204 ) قال عنه البيهقي:
" وكان الشافعي - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - شديداً على أهل الإلحاد وأهل البدع مجاهراً ببغضهم وهجرهم " ([17]).
وهذا الشيخ عمر بن هارون البلخي ( ت: 194 )، فقد قال أبو بكر أحمد بن حسين: أنا أبو عبد الله الحافظ قال:
" عمر بن هارون البلخي أبو حفص الثقفي مولاهم كان من أهل السنّة، ومن الذابين عن أهلها ".
وقال أبو رجاء قتيبة بن سعيد:
" كان عمر بن هارون شديداً على المرجئة، وكان يذكر مساوئهم وبلاياهم "([18]).
وهذا الإمام أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي - رحمه الله – صاحب الإمام الشافعي ( ت: 231 )، قيل في ترجمته: " إنّه كان شديداً على أهل البدع "([19]).
وهذا الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الفـزاري ( ت: 185 ) – رحمه الله – قال العجلي:
" كان ثقة صاحب سنّة صالحاً هو الذي أدب أهل الثغر وعلمهـم السنّة وكان يأمر وينهى، وإذا دخل الثغر رجل مبتدع أخرجه، وكان كثير الحديث له فقه. "
وقال أبو مسهر: " قدم أبو إسحاق الفزاري دمشق، فاجتمع الناس يسمعون منه، فقال: أُخرج إلى الناس فقل لهم: من كان يرى القدر فلا يحضر مجلسنا، ومن كان يرى رأي فلان
فلا يحضر مجلسنا فخرجت فأخبرتهم
"([20]).
وقال الذهبي – رحمه الله – في ترجمته للعلامة فقيه المغرب أبي سعيد عبد السلام بن حبيب التنوخي القيرواني المالكي، صاحب المدونة، المعروف بسحنون ( ت: 240 ) ([21])، قال:
" قرأت في تاريخ القيروان لأبي بكر عبد الله بن محمد المالكي قال: قال أبو العرب: اجتمعتْ في سحنون خلال قلّما اجتمعتْ في غيره: الفقه البارع، والورع الصادق، والصرامة في الحق، والزهادة في الدنيا
والتخشن في الملبس والمطعم والسماحة، كان ربما وصل إخوانه بالثلاثين ديناراً، وكان لا يقبل من أحد شيئاً، ولم يكن يهاب سلطاناً في الـحق، شديـداً على أهل البدع، انتشرت إمامته، وأجمعوا على فضله
".
وكذلك عبد الله بن أبي حسان اليحصبي( ت:226 )، قال ابن فرحون في ترجمته:
(( وكان جواداً مفوهاً قوياً على المناظرة، ذاباً عن السنّة متبعاً لمذهب مالك، شديداً على أهل البدع )) ([22]) .
وكذلك الإمام عثمان بن سعيد الدارمي ( ت: 280 )، قال ابن حبان: " كان الدارمي من الحفاظ المتقنين، وأهـل الورع في الدين ممن حفظ وجمع، وتفقه وصنّف وحدّث
وأظهر السنّة ببلده ودعا إليها وذبّ عن حريمها وقمع مخالفها
". قال الذهبي: " كان لهجاً بالسنّة، بصيراً بالمناظرة، جذعاً في أعين المبتدعة ".([23])
وهو الذي قام على محمد بن كرّام الذي ينسب إليه الكرّاميّة وطرده عن هراة فيما قيل.([24])
وما جاء في ترجمة إسماعيل بن إسحاق القاضي ( ت :282):
(( وكان شديداً على أهل البدع يرى استتابتهم، حتى إنهم تحاموا بغداد في أيامه... )) ([25]).
وقال القاضي عياض -رحمه الله- في ترجمة الإمام أبي يوسف جبلة بن حمود الصدفي من تلاميذ سحنون (ت:299هـ): (( ذِكر شدته على أهل البدع ومجنبته إياهم وقوته في ذات الله -عز وجل-.
كان -رحمه الله- شديداً في ذلك، لا يداري فيه أحداً، ولم يكن أحد أكثر مجاهدة منه للروافض وشيعهم، فنجاه الله منهم ...
وكان ينكر على من خرج من القيروان إلى سوسة ونحوه من الثغور، ويقول: جهاد هؤلاء أفضل من جهاد الشرك
))([26]).
وأيضاً ما جاء في ترجمة أبي جعفر محمد بن العباس بن أيوب الأخرم (ت : 301 ) : (( وكان متعصباً للسنّة، غليظاً على أهل البدع )) ([27]).
وكذلك إمام أهل السنّة في عصره أبو محمد الحسين بن عـلي بن خلف البربهاري( ت : 329هـ ) ، قال الذهبي: " كان قوالاً بالحق، داعيةً إلى الأثر، لا يخاف في الله لومة لائم "([28]) .
وقال ابن كثير : (( العالم الزاهد الفقيه الحنبلي الواعظ، صاحب المروزي وسهلاً التستري، ... وكان شديداً على أهل البدع والمعاصي، وكان كبير القدر تعظمه الخاصة والعامة )) ([29]) .
وقـال ابن رجب: " شيخ الطائفة في وقته ومتقدّمها في الإنكار على أهل البدع والمباينة لهم باليد أو اللسان "([30]).
وكانت للبربهاري مجاهدات ومقامات في الدين كثيرة وكان المخالفون يغـلّظون قلب السلطان عليه ([31]).
ومن أقواله - رحمه الله - في أهل البدع:
(( مثل أصحاب البدع مثل العقارب، يدفنون رؤوسهم وأبدانهم في التراب ويخرجون أذنابهم، فإذا تمكّنوا لدغوا، وكذلك أهل البدع هم مختفون بين الناس فإذا تمكّنوا بلغوا ما يريدون )) ([32])
وهذه – أيضاً – صورة مشرقة لمعاملة أهل السنّة لأهل البدع تتضح من خلال ترجمة المحدث الإمام أحمد بن عون الله بن حدير أبي جعفر الأندلسي القرطبي (ت:378هـ)،
فقـد قـال أبو عبـد الله محمد بن أحمد بن مفرج:
"كان أبو جعفر أحمد بن عون الله محتسباً على أهل البدع غليظاً عليهم مذّلاً لهم طالباً لمساوئهم مسارعاً في مضارّهم شديد الوطأة عليهم مشرّداً لهم إذا تمكن منهم غير مبقٍ عليهم
وكان كل من كان منهم خافياً منه على نفسـه متوقياً، لا يداهن أحداً منهم على حال ولا يسالمه، وإن عثر على منكر وشهد عليه عنده بانحرافٍ عن السنّة نابذه وفضحه وأعلن بذكره والبراءة منه
وعيّره بذكر السوء في المحافل وأغرى به حتى يهلـكـه أو ينـزع عن قبيح مذهبـه وسـوء معتقده ولم يزل دؤوباً علـى هـذا جـاهـداً فيـه ابتغـاء وجـه الله إلى أن لقي الله - عزوجل-"
([33]).
وكذلك ما جاء في ترجمة بكر بن جعفر بن راهـب أبي عمرو المؤذن (ت:380 )،قال جعفر بن محمد المعتز في "تاريخ نسـف": …وكان – رحمه الله – قارئـاً آنــاء الليـل والنهار، شديداً على أهل البدع"([34]).
وكذلك الإمام أسد بن الفرات – رحمه الله -، فقد جاء في رسالة أسد ابن موسى المعروف بأسد السنّة التي كتبها لأسد بن الفرات فقال:
" اعلم – أي أخي – أن ما حملني على الكتابة إليك ما ذكر أهل بلادك من صالح ما أعطاك الله من إنصافك الناس ([35])، وحسن حالك مما أظهرت من السنّة، وعيبك لأهل البدعة
وكثرة ذكرك لهم، وطعنك عليهم، فقمعهم الله بك، وشدّ بك ظهر أهل السنّة، وقواك عليهم بإظهار عيبهم، والطعن عليهم، فأذلهم الله بذلك، وصاروا ببدعتهم مستترين.
فأبشر – أي أخي – بثواب ذلك، واعتد به أفضل حسناتك من الصلاة والصيام والحج والجهاد.
وأين تقع هذه الأعمال من إقامة كتاب الله وإحياء سنّة رسوله … وذُكر أيضاً أنّ لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام وليّاً لله يذبّ عنها، وينطق بعلاماتها … فاغتنم ذلك
وادع إلى السنّة حتى يكون لك في ذلك أُلفة، وجماعة يقومون مقامك إن حدث بك حدث، فيكونون أئمة بعدك، فيكون لك ثواب ذلك إلى يوم القيامة كما جاء الأثر، فاعمل على بصيرة ونيّة وحسبة
فيرد الله بك المبتدع المفتون الزائغ الحائر، فتكون خلفاً من نبيك - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-، فإنك لن تلقـى الله بعمل يشبهه.
وإياك أن يكون لك من أهل البـدع أخ أو جليس أو صاحب … وقد وقعت اللعنة من رسول الله -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - على أهـل البدع، وأنّ الله لا يقبل منهم صرفاً ولا عدلاً ولا فريضةً ولا تطوعاً
وكلما ازدادوا اجتهاداً وصوماً وصلاةً ازدادوا من الله بعداً، فارفض مجالسهم وأذلّهم وأبعدهم كما أبعدهم الله وأذلّهـم رسول الله -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة وأئمـة الهدى بعده"([36]).
وجاء في ترجمته – رحمه الله – ما قاله يحيى بن سلام: حدّث أسد يوماً بحديث الرؤية، وسليمان الفراء المعتزلي في آخر المجلس فأنكر الرؤية، فسمعه أسد
فقام إليه وجمع بين طوقيه ولحيته، واستقبله بنعله فضربه حتى أدماه، وطرده من مجلسه.([37])
وما جاء في ترجمة أحمد بن عبد الله بن الخضر بن مسرور أبي الحسين المعدّل المعروف بابن السوسنجردي ( ت:402 )، قال الخطيـب: " وكان ثقة مأموناً ديناً مستوراً، حسن الاعتقاد، شديداً في السنة "([38]).
وكذلك محمد بن أحمد بن محمد أبو الحسن البزاز المعروف بابن رزقويه ( ت: 412 )،
قال الخطيب: " وكان ثقة صدوقاً كثير السمـاع والكتـابة، حسن الاعتقـاد جميـل المذهب، مديماً لتلاوة القرآن، شديداً على أهل البدع "([39]).
وقال الخطيب – أيضاً – في ترجمة عبيد الله بن عبد الله بن الحسين أبي القـاسم الخفـاف المعروف بابن النقيب (ت: 415 ): " كتبت عنه وكان شديداً في السنّة "([40]).
وقال الذهبي في ترجمة الإمام أبي عمر أحمد بن محمد المعافري الأندلسي الطلمنكي عالم أهل قرطبة ( ت: 429 ):
" وكان فاضلاً شديداً في السنّة، قال خلف ابن بشكوال: كـان سيفاً مجرداً على أهـل الأهواء والبدع، قامعاً لهم، غيوراً على الشريعة، شديداً في ذات الله "([41]).
وقال الذهبي - أيضاً - في ترجمة الشيخ مسند الأندلس أبي العاص حكم بن محمد بن حكم الجُذامي القرطبي ( ت: 447 ):
" قال الغساني: كان رجلاً صالحاً، ثقة مسنداً، صلباً في السنّة، مشدّداً على أهل البدع عفيفاً ورعاً صبوراً على القلِّ رافضاً للدنيا، مهيناً لأهلها"([42]).
وقال الخطيب في ترجمة أبي منصور عبد الملك بن محمد بن يوسف البغدادي ( ت: 460 ):
" كان أوحد وقته في فعل الخير، ودوام الصدقة، والإفضاء على العلماء، والنصر لأهل السنّة، والقمع لأهل البدع "([43]) .
وقال ابن كثير :
(( كان أوحد زمانه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمبادرة إلى فعل الخيرات واصطناع الأيادي عند أهلها من أهل السنّة، مع شدّة القيام على أهل البدع ولعنهم )) ([44]) .
وقال أبو الحسين الفراء في ترجمة الشريف أبي جعفر عبد الخالق بن أبي موسى الهاشمي الحنبلي ( ت: 470 ):
(( لزمته خمس سنين وكان إذا بلغه منكر عَظُم عليه جداً، وكان شديداً على المبتدعة، لم تزل كلمته عالية عليهم وأصحابه يقمعونهم ولا يردّهم أحد وكان عفيفاً نزهاً )) ([45]) .
وقال -أيضاً- في ترجمة عبد الرحمن بن محمد بن مندة (ت:470):
(( وكان شديداً على أهل البدع، مبايناً لهم)) ([46]).
وقال في ترجمة إبي علي الحسن بن أحمد المعروف بابن البنا (ت:491):
(( وكان أديباً شديداً على أهل الأهواء)) ([47]).
وقال في ترجمة القاضي إبي علي يعقوب بن إبراهيم البرزيني (ت:486):
(( وكان متشدداً في السنة )) ([48]) .
وكذلك ما قيل في شيخ الإسـلام أبي إسماعيـل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي ( ت: 481 )، فقد قال عنه الرهاوي: " وكان شيخ الإسلام مشهوراً في الآفاق بالحنبليّة والشدّة في السنّة "([49]).
وقال ابن رجب: " كان سيّداً عظيماً وإماماً عارفاً وعابداً زاهداً ذا أحوال ومقامات وكرامات ومجاهدات كثير السهر بالليل شديد القيام في نصر السنّة والذبّ عنها والقمع لمن خالفها
وجرى له بسبب ذلك محنٌ عظيمة، وكان شديد الانتصار والتعظيم لمذهب أحمد
"([50]).
وقال الذهبي: " وكان هذا الرجل سيفاً مسلولاً على المتكلمين، له صولة وهيبة واستيلاء على النفوس ببلده، يعظّمونه ويغالون فيه، ويبذلون أرواحهم فيما يأمر به
كان عندهم أطوع وأرفع من السلطان بكثير وكان طوداً راسياً في السنّة لا يتزلزل ولا يلين …
"([51]).
وقال – أيضاً -: " كان سيفاً مسلولاً على المخالفين، وجذعاً في أعين المتكلمين، وطوداً في السنّة لا يتزلزل ".
وقـال – أيضاً –: " كان جذعاً في أعين المبتدعة وسيفاً على الجهميّة"([52]).
وقال ابن الجوزي: " وكان كثير السهر بالليل وحدّث وصنّف وكان شديداً على أهل البدع قوياً في نصرة السنّة "([53]).
وقد جاء في ترجمته أنه قال: عُرضت على السيف خـمس مرّات، لا يقال لي: ارْجع عن مذهبك، لكن اسكتْ عمن خالفك، فأقول: لا أسكت.([54])
وجاء في ترجمة الأستاذ أبي محمد عبد الله بن سهل الأنصاري المقرئ شيخ القرّاء بالأندلس ( ت: 485 )
أنه كان إمام وقته في فنّه، وبعد صيته وكان شديداً على أهل البدع، قوّالاً بالحق مهيباً، امتحن وغرّب ([55]).
وكذلك ما جاء في ترجمة الإمام أبي المظفَّر منصور بن عبد الجبار التميمي السمعاني ( ت: 489 ) – رحمه الله تعالى -، فقد قال الذهبي:
" صنّف كتاب ( الاصطلام )، وكتاب ( البرهان )، وله (الأمالي ) في الحديـث، تعصّب لأهل الحديث والسنّة والجماعة، وكان شوكاً في أعين المخالفين، وحجة لأهل السنّة "([56]).
وما جاء في ترجمة أبي عبد الله محمد بن فرج ( ت:497)، قال ابن فرحون : (( وكان شيخاً فاضلاً فصيحاً، وكان قوالاً بالحق شديداً على أهل البدع )) ([57]) .
وقـال - أيضــاً - في ترجمـة أحمــد بـن إبـراهيـم بـن الزبـير الثقفي (ت:780 ) :
(( صلباً في الحق شديداً على أهل البدع ملازماً للسنّة )) ([58])
واقرأ كذلك ما قيل في ترجمة الإمام المجاهد المحدث الفقيه شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيميّة الحراني (ت:728هـ) رحمه الله تعالى
فقد قال عنه العلامة محمد بن أحمد بن عبد الهادي: (( قامع المبتدعين )) ([59])
وقال: (( وكان رحمه الله سيفاً مسلولاً على المخالفين، وشجىً في حلوق أهل الأهواء المبتدعين )) ([60])
وقال محمد بن إبراهيم بن الواني المؤذن: (( قامع البدعة ناصـر السنّـة))([61]).
وقال الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني: (( ناصر السنّة قامع البدعة حجة الله على عباده في عصـره رادُّ أهلِ الزيـغ والعنـاد ))، وقـال أيضـاً: (( قامع المبتدعين محيي السنّة )).([62])
وقال أحمد بن شيخ الحزاميين: ( محيي السنّة وقامع البدعة ناصر الحديث))([63])
وقال أحمد بن فضل الله العمري: (( وأخْمَد من أهل البدع كل حديث وقديم، ولم يكن منهم إلا من يجفل عنه إجفال الظليم ويتضاءل لديه تضاؤل الغريم )) (‏[64])
ويقول عبد الله بن المحب المقدسي: (( علم الهدى، ناصر السنن، قامع البدع )) ([65])
وقال ابن اللحام البعلي: (( قامع المبتدعين )).([66])
وقال عنه الحافظ ابن حجر: ((ومن أعجب العجب أن هذا الرجل كان أعظم الناس قياماً على أهل البدع من الروافض والحلوليّة والإتحادية وتصانيفه في ذلك كثيرة شهيرة وفتاويه فيهم لا تدخل الحصر))([67])
وقال العلامة التفهني: (( لا يلومه في الحق لومة لائم، قائم على أهل البدع )) ([68])
وقال بدر الدين العيني: (( السيف الصارم على المبتدعة )) ([69])،وقال أيضاً: (( وكان سيفاً صارماً على المبتدعة )) ([70])
واسمع لما يقوله تلميذه شيخ الإسلام المجاهد ابن القيّم(751هـ) – رحمه الله – في نونيّته([71]):

لأجاهدن عداك ما أبقيتني ... ولأجعلن قتالهم ديداني
ولأفضحنهم على رؤوس الملا ... ولأفرين أديمهم بلساني
ولأكشفن سرائر خفيت على ... ضعفاء خلقك منهم ببيان
ولأتبعنهم إلى حيث انتهوا ... حتى يقال أبعد عبادان
ولأرجمنهم بأعلام الهدى ... رجم المريد بثاقب الشهبان
ولأقعدن لهم مراصد كيدهم ... ولأحصرنهم بكل مكان
ولأجعلن لحومهم ودماءهم ... في يوم نصرك أعظم القربان
ولأحملن عليهم بعساكر ... ليست تفر إذا التقى الزحفان
بعساكر الوحيين والفطرات ... بالمعقول والمنقول بالإحسان
حتى يبين لمن له عقل من الأولى ... بحكم العقل والبرهان
ولأنصحن الله ثم رسوله ... وكتابه وشرائع الإيمان
إن شاء ربي ذا يكون بحوله ... إن لم يشأ فالأمر للرحمن
واسمع كذلك إلى ما يقوله الإمام القحطاني في نونيّته([72]):
يا معشر المتكلمين عدوتم ... عدوان أهل السبت في الحيتان
كفرتم أهل الشريعة والهدى ... وطعنتم بالبغي والعدوان
فلأنصرن الحق حتى أنني ... آسطوا على ساداتكم بطعاني
الله صيرني عصا موسى لكم ... حتى تلقف أفككم ثعباني
بأدلة القرآن أبطل سحركم ... وبه ازلزل كل من لاقاني
هو ملجئي هو مدرئي وهو منجني ... من كيد كل منافق خوان
إن حل مذهبكم بأرض أجدبت ... أو أصبحت قفرا بلا عمران
والله صيرني عليكم نقمة ... ولهتك ستر جميعكم أبقاني
أنا في حلوق جميعهم عود الحشا ... اعيى أطبتكم غموض مكاني
أنا حية الوادي أنا أسد الشرى ... أنا مرهف ماضي الغرار يماني

وقال – أيضاً -:

يا أشعرية هل شعرتم أنني ... رمد العيون وحكة الأجفان
أنا في كبود الأشعرية قرحة ... أربو فأقتل كل من يشناني
ولقد برزت إلى كبار شيوخكم ... فصرفت منهم كل من ناواني
وقلبت ارض حجاجهم ونثرتها ... فوجدتها قولا بلا برهان
والله أيدني وثبت حجتي ... والله من شبهاتهم نجاني
والحمد لله المهيمن دائما ... حمدا يلقح فطنتي وجناني
أحسبتم يا أشعرية إنني ... ممن يقعقع خلفه بشنان
أفتستر الشمس المضيئة بالسها ... أم هل يقاس البحر بالخلجان
عمري لقد فتشتكم فوجدتكم ... حمرا بلا عن ولا أرسان
أحضرتكم وحشرتكم وقصدتكم ... وكسرتكم كسرا بلا جبران


إلى أن قال:

أشعرتم يا أشعرية أنني ... طوفان بحر أيما طوفان
أنا همكم أنا غمكم أنا سقمكم ... أنا سمكم في السر والإعلان
أذهبتم نور القرآن وحسنه ... من كل قلب واله لهفان
فوحق جبار على العرش استوى ... من غير تمثيل كقول الجاني
ووحق من ختم الرسالة والهدى ... بمحمد فزها به الحرمان
لأقطعن بمعولي أعراضكم ... ما دام يصحب مهجتي جثماني
ولأهجونكم واثلب حزبكم ... حتى تغيب جثتي أكفاني
ولأهتكن بمنطقي أستاركم ... حتى أبلغ قاصيا أو داني
ولأهجون صغيركم وكبيركم ... غيظا لمن قد سبني وهجاني
ولأنزلن إليكم بصواعقي ... ولتحرقن كبودكم نيراني
ولأقطعن بسيف حقي زوركم ... وليخمدن شواظكم طوفاني
ولأقصدن الله في خذلانكم ... وليمنعن جميعكم خذلاني
ولأحملن على عتاة طغاتكم ... حمل الأسود على قطيع الضان
ولأرمينكم بصخر مجانقي ... حتى يهد عتوكم سلطاني
ولأكبتن إلى البلاد بسبكم ... فيسير سير البزل بالركبان
ولأدحضن بحجتي شبهاتكم ... حتى يغطي جهلكم عرفاني
ولأغضبن لقول ربي فيكم ... غضب النمور وجملة العقبان
ولأضربنكم بصارم مقولي ... ضربا يزعزع أنفس الشجعان
ولأسعطن من الفضول أنوفكم ... سعطا يعطس منه كل جبا
ن

فهل بعد هذه النقول عن أئمة السلف، التي توضح وتبرز طريقة معاملة أهل السنّة لأهل البدع، وأن الشدّة في التعامل معهم ممدوحة، بل ومنقبة حميدة.
فهل بعد هذا يجوز لشخص أن يذم أحداً من أهل السنّة بهذه الخصلة السلفيّة، فإن كان فاعلاً فلا يدري المسكين أنّه يذم بذلك السلف الصالح وعلى رأسهم الصحابة كما أسلفنا النقل عنهم.
ألا فليتق الله أقوام يدّعون السنّة، ويخذلون أهلها والذابين عنها بحق وعلم، ويحامون عن أهل البدع ويوالون ويعادون من أجلهم.
فأفسدوا بذلك شباباً كُثر، وصدوهم عن سبيل الله ومنهج السلف بهذه الأساليب والمواقف التي يبرأ منها الإسلام وأهله من الصحابة والتابعين وأهل السنّة وأئمتهم، فجنـوا على الإسلام بذلك جناية عظيمة.
فسلوك سبيل السلف الصالح في التعامل مع هؤلاء المبتدعة هو الطريق إلى النجاة من هذه الفتن، نسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإسلام والسنّة.
ولكن ينبغي التنبيه على أن هذه الشدة على المخالفين التي كان يمتاز بها هؤلاء الأئمة، لا تعني أنهم كانوا على أخلاق سيئة أو دنيئة بل كانوا يتحلون بالأخلاق الكريمة
والخصال الحميدة من الصبر والحلم والأناة والصدق والورع وغير ذلك
ولكنهم رأوا أن هذا المقام يحتاج لمثل هذه الشدة لقمع هؤلاء المبتدعة لا سيما الدعاة منهم، وصرف بدعهم عن الناس، وما ذلك إلا لعلمهم بخطر تلك البدع
وما تؤدي إليه أحياناً من الكفر والزندقة، وكل ذلك راجع إلى حكمة الداعي وفقهه في المعاملة.
قال ابن القيم – رحمه الله -([73]):
" ومن أنواع مكايده ومكره – أي الشيطان -: أن يدعو العبد بحسن خلقه وطلاقته وبشره إلى أنواع من الآثام والفجور، فيلقاه من لا يخلصه من شرّه إلا تجهمه والتعبيس في وجهه والإعراض عنه
فيحسن له العدو أن يلقاه ببشره، وطلاقة وجهه، وحسن كلامه، فيتعلق به فيروم التخلص منه فيعجز، فلا يزال العدو يسعى بينهما حتى يصيب حاجته
فيدخل على العبد بكيده من باب حسن الخلق، وطلاقة الوجه، ومن ههنا وصّى أطباء القلوب بالإعراض عن أهل البدع وأن لا يسلّم عليهم، ولا يريهم طلاقة وجهه، ولا يلقاهم إلا بالعبوس والإعراض
".
والله تعالى أعلم.
يتبع...
--------------------------
([1]) مناقب الإمام أحمد ( ص : 253 ) .
([2]) مدارج السالكين ( 3/ 123 ) .
([3]) شفاء العليل ( ص : 60 ) .
([4]) شرح السنّة للالكائي ( 3/635-636 ) .
([5]) رواه مسلم ( 8 ) .
([6]) الإصابة لابن حجر ( 3/130 ).
([7]) كان السلف - رحمهم الله - يعدّون الطعن على أهل السنّة والذابين عنها، من علامات أهل البدع والضلال، بل قد يعدّون الرّجل من أهل البدع بمجرد طعنه عليهم
قال أبو زرعة - رحمه الله - : (( إذا رأيت الكوفي يطعن على سفيان الثوري وزائدة: فلا تشك أنّه رافضي، وإذا رأيت الشامي يطعن على مكحول والأوزاعي:
فلا تشك أنّه ناصبي، وإذا رأيت الخراساني يطعن على عبد الله بن المبارك: فلا تشك أنّه مرجئ، واعلم أنّ هذه الطوائف كلها مجمعة على بغض أحمد بن حنبل؛ لأنّه ما من أحد إلا وفي قلبه منه سهم لا بُرْء له ))
[طبقات الحنابلة ( 1/199-200 ) ].
وقال نعيم بن حمّاد: (( إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد بن حنبل فاتّهمه في دينه، وإذا رأيت البصري يتكلم في وهب بن جرير فاتّهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتّهمه في دينه ))
[ تاريخ بغداد (6/348)، وتاريخ دمشق (8/132) ].
وقال أبو جعفر محمد بن هارون المخرمي الفلاّس: (( إذا رأيت الرجل يقع في أحمد بن حنبل فاعلم أنَّه مبتدع ضالّ )) [ تقدمة الجرح والتعديل ( ص:308-309)، وتاريخ دمشق (5/294)].
وقال أبو حاتم الرازي: (( إذا رأيت الرّازي وغيره يبغض أبا زرعة فاعلـم أنَّـــه مبتدع )) [ تاريخ بغداد (10/329)، وتاريخ دمشق ( 38/31)].
وقال أبو حاتم -أيضاً-: (( علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر ))[السنة للالكائي (1/179)].
وقال الإمام أبو عثمان الصابوني: (( وعلامات البدع على أهلها بادية ظاهرة، وأظهر آياتهم وعلاماتهم: شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي -نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- واحتقارهم واستخفافهم بهم )) [عقيدة السلف (101)].
وقال ابن أبي داود في قصيدته الشهيرة:
ولاتك من قوم تلهوا بدينهم فتطعن في أهل الحديث وتقدح.
قال السفاريني: (( ولسنا بصدد ذكر مناقب أهل الحديث فإنَّ مناقبهم شهيرة ومآثرهم كثيرة وفضائلهم غزيرة، فمن انتقصهم فهو خسيس ناقص، ومن أبغضهم فهو من حزب إبليس ناكص ))
[ لوائح الأنوار (2/355)] .
([8]) انظر سير أعلام النبلاء ( 7/447-452 ) .
([9]) تبيين كذب المفتري ( ص : 89 ) .
([10]) سير أعلام النبلاء ( 8/209 ) .
([11]) التقريب ( ص : 436 ) .
([12]) الإبانة لابن بطة ( 2/469 ) .
([13]) مناقب مالك للزواوي ( ص : 152 ) .
([14]) السير ( 7/380 ) .
([15]) الجامع لابن أبي زيد القيرواني ( ص : 125 ) .
([16]) الاعتصام للشاطبي ( 1/131 ) .
([17]) مناقب الشافعي ( 1/469 ) .
([18]) تاريخ دمشق ( 45/365 ) .
([19]) انظر تبيين كذب المفتري لابن عساكر ( ص : 348 ) .
([20]) انظر السير ( 8/474-475 ) .
([21]) السير ( 12/69 ) .
([22]) الديباج المذهب ( ص:134 ).
([23]) السير ( 13/322 ) .
([24]) انظر السير ( 13/323 ) ، وتذكرة الحفاظ ( 2/622 ) .
([25]) الديباج المذهب لابن فرحون ( ص:94 ) .
([26]) ترتيب المدارك (4/375-376).
([27]) طبقات المحدثين بأصبهان لأبي الشيخ ابن حيان ( 3/447 ) .
([28]) السير ( 15/90 ) .
([29]) البداية والنهاية ( 11/213) .
([30]) طبقات الحنابلة ( 2/18 ) ، والمنهج الأحمد ( 2/26 ) .
([31]) المنهج الأحمد ( 2/37 ) .
([32]) طبقات الحنابلة ( 2/44 ) .
([33]) تاريخ دمشق ( 5/118 ) .
([34]) التقييد لابن نقطة ( 1/264 ) .
([35]) تنبه - أخي في الله - إلى أنه جعل ذكر معائب أهل البدع والطعن عليهم وكثرة ذكر ذلك من الإنصاف للناس
ولم يجعل الإنصاف ذكر الحسنات إلى جانب السيئات كما يقوله أهل منهج الموازنات ، ألا ساء ما يحكمون .
([36]) البدع والنهي عنها لابن وضاح ( ص : 28-32 ) .
([37]) ترتيب المدارك للقاضي عياض ( 3/301-302 ) .
([38]) تاريخ بغداد ( 4/237 ) .
([39]) تاريخ بغداد ( 1/351 ) .
([40]) تاريخ بغداد ( 10/382-383 ) .
([41]) تذكرة الحفاظ ( 3/1098-1099 ) ، والسير (17/568 ) .
([42]) السير ( 17/659-660 ) .
([43]) السير ( 18/333 ) .
([44]) البداية والنهاية ( 12/103 ) .
([45]) طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ( 1/538 )، وانظر السير ( 18/547 ).
([46]) طبقات الحنابلة ( 2/242 ).
([47]) طبقات الحنابلة ( 2/243 ).
([48]) طبقات الحنابلة ( 2/246 ).
([49]) ذيل طبقات الحنابلة ( 3/57 ) .
([50]) ذيل الطبقات ( 3/ 60-61 ) .
([51]) السير ( 18/509 ) .
([52]) العبر ( 2/343 ) .
([53]) المنتظم ( 16/278 ) .
([54]) السير ( 18/509 ) .
([55]) معرفة القراء الكبار للذهبي ( 1/436 )، ولسان الميزان لابن حجر ( 3/298 ) .
([56]) السير ( 19/116 ) .
([57]) الديباج المذهب ( ص:275 ) .
([58]) الديباج المذهب ( ص:42 ) .
([59]) الرد الوافر لابن ناصر ( ص: 65 ) .
([60]) العقود الدرّية ( ص : 7 ) .
([61]) الرد الوافر ( ص : 75 ) .
([62]) الرد الوافر ( ص : 108-109 ) .
([63]) الرد الوافر ( ص : 130 ) .
([64]) الرد الوافر ( ص : 147 ) .
([65]) الرد الوافر ( ص : 181 ) .
([66]) الرد الوافر ( ص : 199 ) .
([67]) الرد الوافر ( ص : 248 ) .
([68]) الرد الوافر ( ص : 254 ) .
([69]) الرد الوافر ( ص : 262 ) .
([70]) الرد الوافر ( ص : 284 ) .
([71]) ( ص : 214 ) .
([72]) ( ص : 49-53 ) .
([73]) إغاثة اللهفان ( 1 / 140 ) .










توقيع : الشـــامـــــخ

يسرنا متابعتكم وتواصلكم عبر الحسابات التالية

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


التعديل الأخير تم بواسطة الشـــامـــــخ ; 07-04-18 الساعة 12:18 PM
عرض البوم صور الشـــامـــــخ   رد مع اقتباس
قديم 07-04-18, 06:41 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
الشـــامـــــخ
اللقب:
المـديـــر العـــام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية الشـــامـــــخ


البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 14
المشاركات: 10,161 [+]
بمعدل : 2.05 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 10
نقاط التقييم: 949
الشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدع

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
الشـــامـــــخ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشـــامـــــخ المنتدى : بيت موسوعة طالب العلم
افتراضي

الفصل الثالث: منهج أهل السنة في معاملة كتب أهل البدع


إنّ من المصـائب التي انتشرت في هذا الزمان، وطار شررها وضررها، تلك الكتب التي امتلأت بالبدع والخرافات، والدعوة إلى مناهج جديدة محدثة
فهذه الكتب البدعيّة كانت سبيلاً قوياً لكل مبتدع أن يبثّ بدعته وضلالته بين الناس، ويزوقها ويزينها بأحسن أسلوب، لكي يسهل رواجها، وتنطلي على جهال المسلمين.

ولكن بقي سؤال يحتاج إلى جواب، وهو: ما السبيل إلى النجاة من هذه الكتب، ووقاية أهل السنّة منها؟
فالسبيل هو اتباع طريقة السلف الصالح في معاملتهم لكتب أهل الأهواء والبدع، فطريقتهم هي التحذير من تلك الكتب، وترك النظر فيها، والتحذير من أصحابها
بل أفتوا بوجوب إتلاف تلك الكتب وإحراقها وإزالة أعيانها.

وليس ذلك أخي في الله من الظلم، بل هو عين العدل، إذ الظلم ترك تلك الكتب المليئة بالبدع والضلالات من غير تحذير أو تبيين لما فيها من باطل
فيضل بسبب ذلك كثير من الناس وينهجون مناهج بدعيّة مخالفة للكتاب والسنّة.

وسأورد لك – أخي في الله – عدداً من النقول عن السلف تبين لك بوضوح تلك الطريقة، وترد على دعاة الضلالة الذين يحثون الشباب على قراءة كتب ساداتهم
حتى يوقعوهم في شباكهم فلا يستطيعوا الخلاص ([1])
وإذا قيل لهـم: تلك الكتب فيها الطعـن في بعض الأنبياء، وتكفير بعض الصحابة، والقول بخلق القرآن، وفيها كذا وكذا، قال - وبكل وقاحة -: خذ الحق واترك الباطل.

فنقول له: نعم الحق يؤخذ من كل من قاله، والسلف الصالح لا يتوقفون عن قبول الحق، مع ذلك لم يقولوا خذ الحق من كتب أهل البدع واترك الباطل، بل نادوا بأعلى أصواتهم بتركها كلياً
بل وأوجبوا إتلافها، وذلك لأنّ الحق الموجود في كتب أهل البدع إنما هو مأخـوذ من الكتاب والسنّة،فوجب أن نأخذ الحق من مصادره الأصلية، التي لا يشوبها كدر ولا بدعة،إذ هي المعين الصافي والماء العذب.

ومثال ذلك: عينا ماءٍ إحداهما صافية نقية، والأخرى عكرة مليئة بالطين والكدر والوسخ والقذر، فهل يقول عاقل: اذهب إلى العين الثانية وخذ منها الماء، لا يقول ذلك عاقل.
فكيف إذا وُجد من يصد الناس عن العيون العذبة الصافية ويدعوهم إلى أن ينهلوا من العيون الكدرة المليئة بالأقذار والأوساخ.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - : (( ومن له نهمة في طلب الأدلة على الحق، ففي كتاب الله، وسنّة رسوله، ما يكفي ويشفي؛ وهما سلاح كل موحد ومثبت
لكن كتب أهل السنّة تزيد الراغب وتعينه على الفهم وعندكم من مصنفات شيخنا - رحمه الله - ما يكفي مع التأمل؛ فيجب عليكم هجر أهل البدع، والإنكار عليهم
))([2])

وقد حذّر رسول الله - r - من قراءة كتب أهل الكتاب مع أنها لا تخلو من حق، فعـن جابـر بن عبد الله - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة -: أنّ عمر بن الخطاب - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - أتى النبي -نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة -
بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فغضب، وقال: " أمتهوكون يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده؛ لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به
أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده؛ لو أنّ موسى نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة كان حياً ما وسعه إلا أن يتّبعني
"([3]).

بل قـد نقل بعض الأئمة الإجماع على ترك النظر في كتب أهل البدع، ولم يقولوا خذ الحق واترك الباطل.
كما قال الإمام ابن خزيمة – رحمه الله – ( ت: 311 ) لما سئل عن الكلام في الأسماء والصفات فقال:
" بدعة ابتدعوها، لم يكن أئمة المسلمين وأرباب المذاهب وأئمة الدين، مثل مالك، وسفيان، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحـاق، ويحيى بن يحيى، وابن المبارك، ومحمد بن يحيى، وأبي حنيفة
ومحمد بن الحسن، وأبي يوسف: يتكلمون في ذلك، وينهون عن الخوض فيه، ويدلّون أصحابهم على الكتاب والسنّة، فإياك والخوض فيه والنظر في كتبهم بحال
"([4]).

وكما في قول الإمام أبي منصور معمر بن أحمد ( ت: 418 ) الذي رواه أبو القاسم الأصفهاني – رحمه الله – في كتابه ( الحجة في بيان المحجة) ([5]) فقال:
أخبرنـا أحمد بن عبد الغفار بن أشتة، أنا أبو منصور معمر بن أحمد قال:
" ولما رأيت غربة السنة، وكثرة الحوادث، واتباع الأهواء، أحببت أن أوصي أصحابي وسائر المسلمين بوصية من السنة وموعظة من الحكمة وأجمع ما كان عليه أهل الحديث والأثر
وأهل المعرفة والتصوف([6]) من السلـف المتقدمين والبقية من المتأخرين.

فأقول - وبالله التوفيق -: "
فذكر من جملة ذلك:
" ثم من السنة ترك الرأي والقياس في الدين وترك الجدال والخصومات وترك مفاتحة القدرية وأصحاب الكلام، وترك النظر في كتب الكلام وكتب النجوم، فهذه السنة التي اجتمعت عليها الأئمة
وهي مأخوذة عن رسول الله -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- بأمر الله تبارك وتعالى."
وإليك - أيضاً - بعض أقوال ومواقف أهل العلم من أهل السنّة، حتى يتبين لك بوضوح صدق ما أقول.
قال الإمام عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول:
" سلام بن أبي مطيـع من الثقات، حدثنا عنه ابن مهدي، ثم قال أبي: كان أبو عوانة وضع كتاباً فيه معايب أصحاب رسول الله - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - وفيه بلايا، فجـاء سلام بن أبي مطيع فقال:
يا أبا عوانة، أعطني ذاك الكتاب فأعطاه، فأخذه سلام فأحرقه. قـال أبي: وكـان سلام من أصحاب أيوب وكان رجلاً صالحاً
"([7]).

وعن الفضل بن زياد أن رجلاً سأله عن فعل سلام بن أبي مطيع، فقال لأبي عبد الله: أرجو أن لا يضرّه ذاك شيئاً إن شاء الله؟ فقال أبو عبد الله: يضره!! بل يؤجر عليه إن شاء الله([8]).
وقال الفضل بن زياد: سألت أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - عن الكرابيسي وما أظهره؟ فكلح وجهه ثم قال :
(( إنما جاء بلاؤهم من هذه الكتب التي وضعوها تركوا آثار رسول الله - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - وأصحابه، وأقبلوا على هذه الكتب )) ([9]) .
وقال المروذي : قلت لأبي عبد الله: استعرت كتاباً فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم. قال المروذي: قال أبو عبد الله: يضعون البدع في كتبهم، إنما أحذر منها أشد التحذير([10]) .
وقال الإمام أحمد -أيضاً-: إياكم أن تكتبوا عن أحد من أصحاب الأهواء قليلاً ولا كثيراً، عليكم بأصحاب الآثار والسنن([11]).
وعن حرب بن إسماعيل قال: سألت إسحاق بن راهوية، قلت: رجل سرق كتاباً من رجل فيه رأي جهم أو رأي القدر؟ قال: يرمي به. قلت: إنّه أخذ قبل أن يحرقه أو يرمي به هل عليه قطع؟
قال: لا قطع عليه، قلت لإسحاق: رجل عنده كتاب فيه رأي الإرجاء أو القدر أو بدعة فاستعرته منه فلما صار في يدي أحرقته أو مزقته؟ قال: ليس عليك شيء([12]).

وقال الإمام مالك – رحمه الله -:
" لا تجوز الإجـارات في شيء من كتـب الأهـواء والبدع والتنجيم"([13]).
وقال أبو محمد ابن أبي حاتم:
" وسمعت أبي وأبا زرعة: يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع، يغلظان في ذلك أشد التغليظ، وينكران وضع الكتب برأي في غير آثـار
وينهيان عن مجالسة أهل الكلام والنظر في كتب المتكلمين، ويقولان لا يفلح صاحب كلام أبداً
"([14]).

وقال أيضاً:
(( ووجدت في كتب أبي حاتم محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي الرازي - رحمه الله - مما سمع منه يقول:
مذهبنا واختيارنا اتباع رسول الله
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة وأصحابه والتابعين ومن بعدهم بإحسان، وترك النظر في موضع بدعهم([15])
والتمسك بمذهب أهل الأثر... وترك رأي الملبّسين المموهين المزخرفين الممخرقين الكذابين.

وتـرك النظـر في كتب الكرابيسي ومجانبة من يناضل عنه من أصحابه))([16]).
وقال نعيم بن حماد :
(( أنفقت على كتبه -يعني إبراهيم بن أبي يحيى- خمسة دنانير ثم أخرج إلينا يوماً كتاباً فيه القدر وكتاباً فيه رأي جهم، فقرأته فعرفت، فقلت: هذا رأيُك؟! قال: نعم. فحرقتُ بعض كتبه فطرحتها ))([17]) .
وقد عقد الإمام أبو نصر عبيد الله بن سعيد السِّجزي في رسالته إلى أهل زبيد في الرد على من أنكر الحرف والصوت فصلاً في ذلك فقال :
(( الفصل الحادي عشر في الحذر من الركون إلى كل أحد، والأخذ من كل كتاب؛ لأن التلبيس قد كثر والكذب على المذاهب قد انتشر .
اعلموا رحمنا وإياكم الله سبحانه، أن هذا الفصل من أولى هذه الفصول بالضبط لعموم البلاء، وما يدخل على الناس بإهماله، وذلك أن أحوال أهل الزمان قد اضطربت، والمعتمد فيهم قد عز
ومن يبيع دينه بعرض يسير، أو تحبباً إلى من يراه قد كثر، والكذب على المذاهب قد انتشر فالواجب على كل مسلم يحب الخلاص أن لا يركن إلى كل أحد ولا يعتمد على كل كتاب
ولا يسلّم عنانه إلى من أظهر له الموافقة ...،
فمن رام النجاة من هؤلاء، والسلامة من الأهواء فليكن ميزانه الكتاب، والأثر - في كل ما يسمع ويرى؛ فإن كان عالماً بهما عرضه عليهما - واتباعه للسلف .
ولا يقبل من أحد قولاً إلا طالبه على صحته بآية محكمة، أو سنة ثابتة، أو قول صحابي من طريق صحيح ... ،وليحذر تصانيف من تغير حالهم فإن فيها العقارب وربما تعذّر الترياق))([18]) .
وقال الحافظ أبو عثمان سعيد بن عمرو البردعي:
" شهدت أبا زرعة ـ وقد سئل عن الحارث المحاسـبي وكتبـه ـ فقال للسائل: إياك وهذه الكتب هذه كتب بدع وضلالات عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب.
قيل له: في هذه الكتب عبرة.
فقال: من لم يكن له في كتاب الله عبرة فليـس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمين صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء؟!
هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم … ثم قال: ما أسرع الناس إلى البـدع
."([19])

قال الذهبي معلقاً:
" وأين مثل الحارث؟ فكيف لو رأى أبو زرعة تصانيف المتأخرين كالقوت لأبي طالب، وأين مثل القوت ! كيف لو رأى بهجة الأسرار لابن جهضم، وحقائق التفسير للسلمي لطار لُبُّه.
كيف لو رأى تصانيف أبي حامد الطوسي في ذلك على كثرة ما في الإحياء من الموضوعات؟!.
كيف لو رأى الغنية للشيخ عبد القادر ! كيف لو رأى فصوص الحكم والفتوحات المكية؟!.
بلى لما كان الحارث لسان القوم في ذلك العصر كان معاصره ألف إمام في الحديث، فيهم مثل أحمد بن حنبـل وابن راهويه، ولما صار أئمة الحديث مثل ابن الدخميس
وابن شحانة كان قطب العارفين كصاحب الفصوص وابن سفيان. نسأل الله العفو والمسامحة آمين
"([20]).

وقال شيخنا الفاضل ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله ورعاه - بعد نقله لكلام الذهبي السابق:
" أقول: رحم الله الإمام الذهبي؛ كيف لو رأى مثل ( الطبقات ) للشعراني، وجواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض أبي العباس التيجاني لعلي ابن حرازم الفاسي؟! كيف لو رأى خزينة الأسرار لمحمد حقي النازلي؟!
كيف لو رأى نور الأبصار للشلنبجي؟! كيف لو رأى شـواهد الحق في جـواز الاستغاثة بسيد الخلق وجامع الكرامات للنبهاني؟! كيف لو رأى تبليغي نصاب وأمثاله من مؤلفات أصحاب الطرق الصوفية؟!
كيف لو رأى مؤلفات غزالي هذا العصر وهي تهاجم السنّة النبويّة وتسخر من حملتها والمتمسكين بها من الشباب السلفي وتقذفهم بأشنع التهم وأفظع الألقاب؟!
كيف لو رأى مؤلفات المودودي وما فيها من انحراف عقدي وعقلي وسلوكي؟! كيف لو رأى مؤلفات القرضاوي وهي تدافع عن أهل البدع وتنتصر لها، بل تشـرح أصولها
والذي ينحـى منحى غزالي هذا العصر، بل هو أخطر؟!
كيف لو رأى دعاة زماننا وقد أقبلوا على هذه الكتب المنحـرفة، وهم يُسيّرون شبابهم وأتباعهم على مناهج الفرق المنحرفة الضالّة، بل وينافحون عنها وعن قادتها المبتدعين؟!
كيف لو رأى مصنفات الكوثري وتلاميذه أبي غدّة وإخوانه من كبار متعصبي الصوفيّة والمذهبية؟! كيف لو رأى مصنفات البوطي وأمثاله من خصوم السنّة وخصوم مدرسة التوحيد ومدرسة ابن تيميّة؟!
كيف لو رأى شباب الأمة بل شباب التوحيد وقد جهلوا منهـج السلـف بل جهلوا الكتاب والسنّة وأقبلوا على هذه الكتب المهلكة؟!
"([21]).

بـل كيف لو رأى مؤلفات سيد قطب وما فيها من سبّ بعض الأنبياء كآدم وموسى، وما فيها من سبّ الصحابة بل وتكفير بعضهم، وما فيها من القول بخلق القرآن، ووحدة الوجود، والاشتراكية الغالية
وتكفير المجتمعـات وغير ذلك من البدع الغليظة، والضلالات العظيمة
([22]).

وإليك مقولة واحدة من مقولاته في الطعن في الصحابة، ثم زن ذلك بميزان الشرع، ميزان الحق والإنصاف لا ميزان الهوى والعصبيّة.
قال سيد قطب في كتابه ( كتب وشخصيات ) ([23]):
"إن معاوية وزميله عمراً لم يغلبا علياً لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب، ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح وهو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع.
وحين يركن معاوية وزميله إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشـوة وشـراء الذمم، لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل. فلا عجب ينجحـان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كـل نجاح ".
وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - عن هذه المقولة، فقـال:
" كلام قبيح هذا، كلام قبيح لسبّه معاوية وسبه عمرو بن العاص، كل هذا كلام قبيح، وكلام منكر ومعاوية وعمرو مجتهدون أخطئوا، مجتهدون أخطئوا. والله يعفو عنهم ".
فقال سائل له: أحسن الله إليك، ما ينهى عن هذه الكتب التي فيها هذا الكلام؟
فقال: " ينبغي أن تمزق " ([24])
وقال ابن قدامة - رحمه الله -:
" ومـن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين، وترك النظر في كتب المبتدعة، والإصغاء إلى كلامهم،وكل محدثة في الدين بدعة "([25]).
وقال – أيضاً – في أثناء ردّه على ابن عقيل([26]):
" أما هو وحزبه من أهل الكلام، فما ذكرهم إلا ذمّهم والتحـذير منهم، والتنفير من مجالستهم، والأمر بمباينتهم وهجرانهم، وترك النظر في كتبهم ".
وقال العلامة ابن مفلح في كتابه " الآداب الشرعية "([27]):
" وذكر الشيخ موفق الدين – رحمه الله – في المنع من النظر في كتب المبتدعة، قال: كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع، والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم )) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - لما ذكر بأن كل ما رغّب في المعصية ونهى عن الطاعة فهو من معصية الله قال:
" ومن هذا الباب سماع كلام أهل البدع، والنظر في كتبهم لمن يضره ذلك ويدعوه إلى سبيلهم وإلى معصية الله "([28]).
وقال شيخ الإسلام ابن القيم – رحمه الله – بعد ذكـره لبعض أقوال أهل البدع:
"يا من يظن بأننا حفنا عليـ ... ـهم كتبهم تنبيك عن ذا الشان
فانظر ترى لكن نرى لك تركها ... حذرا عليك مصايد الشيطان
فشباكها والله لم يعلق بها ... من ذي جناح قاصر الطيران
إلا رأيت الطير في قفص الردى ... يبكي له نوح على الأغصان
ويظل يخبط طالبا لخلاصه ... فيضيق عنه فرجة العيدان
والذنب ذنب الطير أخلى طيب الثمـ ... ـرات في عال من الأفنان
وأتى إلى تلك المزابل يبتغي الفضـ ... ـلات كالحشرات والديدان
يا قوم والله العظيم نصيحة ... من مشفق وأخ لكم معوان
" ([29])

قال الشيخ محمد خليل هراس في شرحه لنونيّة ابن القيم معلقاً على هذه الأبيات([30]):

" ولا يظنن أحد أننا نتجنى على القوم أو نتهمهم بغير الحق، فتلك كتبهم تخبر عنهم كل من ينظر فيها وتشهد عليهم شهادة صدق، فليقرأها من شاء ليتأكد من صحة ما نسبناه إليهم
لكنا مع ذلك ننصح كل أحد أن لا يقرأ هذه الكتب حتى لا يقع في حبائلها ويغرّه ما فيها من تزويق المنطق وتنميق الأفكار، لا سيما إذا لم يكن ممن رسخ في علوم الكتاب والسنة قدمه ولا تمكن منهما فهمه
فهذا لا يلبث أن يقع أسير شباكها، تبكيه نائحة الدوح على غصنها، وهو يجتهد في طلب الخلاص فلا يستطيع، والذنب ذنبه هو، حيث ترك أطيب الثمرات على أغصانها العالية حلوة المجتنى طيبة المأكل
وهبط إلى المزابل وأمكنة القذارة يتقمّم الفضلات كما تفعل الديدان والحشرات.

وما أروع تشبيه الشيخ – رحمه الله – حال من وقع أسير هذه الكتب وما فيها من ضلالات مزوقة قد فتن بها لُبُّه وتأثر بها عقله
بحال طير في قفص قد أحكم غلقه فهو يضرب بجناحيه طالباً للخلاص منه فلا يجد فرجة ينفذ منها لضيق ما بين العيدان من فرج.

وما أجمل – أيضاً – تشبيهه لعقائد الكتاب والسنة بثمرات شهية كريمة المذاق على أغصان عالية، بحيث لا يصل إليها فساد ولا يلحقها تلوث
وتشبيهه لعقائد هؤلاء الزائغين بفضلات قذرة وأطعمة عفنة ألقيت في أحدى المزابل، فلا يأوي إليها إلا أصحاب العقول القذرة والفطرة المنتكسة.
".

وقال الذهبي – رحمه الله – بعد أن ذكر بعض كتب أهل الضلال كرسائل إخوان الصفا وأمثالها:
" فالحذارِ الحذارِ من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شُبَه الأوائل، وإلا وقعتم في الحيرة، فمن رام النجاة والفوز فليلزم العبودية، وليدمن الاستغاثة بالله
وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام وأن يتوفى على إيمان الصحابة، وسادة التابعين، والله الموفق
" ([31]) .

وقال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في أثناء كلامه على الأشاعرة :
(( فصنف المتأخرون من هؤلاء على مذهبهم الفاسد مصنفات، كالأرجوزة التي يسمونها: جوهرة التوحيد؛ وهي إلحاد وتعطيل ، لا يجوز النظر إليها
ولهم مصنفات أخر نفوا فيها علو الرب تعالى، وأكثر صفات كماله نفوها، ونفوا حكمة الرب تعالى
)) ([32]) .

وقال العلامة صديق حسن خان:
" ومن السنة هجران أهل البدع ومباينتهم وترك الجدال والخصومات في الدين والسنة، وكل محدثة في الدين بدعة، وترك النظـر في كتب المبتدعة والإصغاء إلى كلامهم في أصول الدين وفروعه
كالرافضة والخوارج والجهمية والقدرية والمرجئة والكراميّة والمعتزلة، فهذه فرق الضلالة وطرائق البدع
"([33]).

أضف إلى ذلك أن السلف قالوا بوجوب إتلاف كتب أهل البدع وإفسادها كما قال شيخ الإسلام ابن القيم:
" وكذلك لا ضمان في تحريق الكتب المضلة وإتلافها.
قال المرّوذي: قلت لأحمد: استعرت كتاباً فيه أشياء رديئة ترى أني أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم، وقد رأى النبي -نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- بيدي عمر كتاباً اكتتبه من التوراة وأعجبه موافقته للقرآن
فتمعّر وجه النبي -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - حتى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه .

فكيف لو رأى النبي نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة ما صنف بعده من الكتب التي يعارض بعضها ما في القرآن والسنة؟ والله المستعان …
وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة غير مأذون فيها بل مأذون في محقها وإتلافها وما على الأمة أضر منها
."

إلى أن قال:
" والمقصود: أن هذه الكتب المشتملة على الكذب والبدعة، يجب إتلافها وإعدامها، وهي أولى بذلك من إتـلاف آنية الخمر؛ فإن ضررها أعظم من ضرر هذه، ولا ضمـان فيها
كمـا لاضمان في كسـر أواني الخمر وشق زقاقها.
"([34])

وقـال ابن القيم – أيضاً – عند قول كعب بن مالك: " فتيممت بالصحيفة التنور " -:
"فيه المبادرة إلى إتلاف ما يخشى منه الفساد والمضرة في الدين، وأن الحازم لاينتظر به ولايؤخره، وهذا كالعصير إذا تخمّر،وكالكتاب الذي يخشى منه الضرر والشـرّ، فالحـزم المبـادرة إلى إتلافه وإعدامه."([35])
ونقل تقي الدين الفاسي في كتـابه ( العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ) عن الشيخ شرف الدين عيسى الزواوي المالكي ( ت: 743)، ما نصه:
"ويجب على ولي الأمر إذا سمع بمثل هذا التصنيف (أي مؤلفات ابن عربي " كالفصوص والفتوحات المكيّة ") البحث عنه وجمع نسخه حيث وجدها وإحراقها
وأدّب من اتهم بهذا المذهب أو نسب إليه أو عرف به، على قدر قوّة التهمة عليه، إذا لم يثبت عليه، حتى يعرفه الناس ويحذروه، والله ولي الهداية بمنّه وفضله
" ([36]).

ونقل - أيضاً – عن الشيخ أبي يزيد عبد الرحمن بن محمد المعروف بابن خلدون المالكي، مانصه:
"وأما حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلّة، وما يوجد من نُسخها بأيدي الناس، مثل: ( الفصوص )، و( الفتوحات) لابن عربي، و(البُدّ) لابـن سبعين، و ( خلع النعلين ) لابـن قسي
و (عين اليقين ) لابن بَرَّجان، وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض، والعفيف التلمساني، وأمثالهما، أن تُلـحق بهذه الكتب، وكذا شرح ابن الفرغاني للقصيدة التائية من نظم ابن الفارض
فالحكم في هذه الكتب كلها وأمثالها، إذهاب أعيانها متى وُجدت بالتحريق بالنار والغسل بالماء، حتى ينمحي أثر الكتابة، لما في ذلك من المصلحة العامة في الدين، بمحو العقائد المضِلّة.

ثم قال: فيتعيّن على ولي الأمر، إحراق هذه الكتب دفعاً للمفسدة العامة، ويتعيّن على من كانت عنده التمكين منها للإحراق، وإلا فينـزعها وليّ الأمر، ويؤدبه على معارضته على منعها
لأن ولي الأمر لا يعارض في المصالح العامة
"([37]).

وقــال السخــاوي - رحـمه الله - في ترجمة شيخه الحافظ ابن حجر - رحمه الله - :
(( ومن الاتفاقيات الدالة على شدة غضبه لله ولرسوله: أنهم وجدوا في زمن الأشرف برسباي شخصاً من أتباع الشيخ نسيم الدين التبريزي وشيخ الخروفية المقتول على الزندقة سنة عشرين وثمانمائة
ومعه كتاب فيه اعتقادات منكرةٌ فأحضروه، فأحرق صاحب الترجمة الكتاب الذي معه، وأراد تأديبه، فحلف أنه لا يعرف ما فيه، وأنّه وجده مع شخص
فظنّ أنّ فيه شيئاً من الرقائق، فأُطلق بعد أن تبرّأ مما في الكتاب المذكور، وتشهّد والتزم أحكام الإسلام
)) ([38]).

وقـد أحرق علي بن يوسف بن تاشفين كتاب إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، وكان ذلك بإجماع الفقهاء الذين كانوا عنده([39]).
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في رسالته إلى عبد الله بن معيذر([40])، وكان قد بلغ الشيخ أنه يشتغل بكتاب الإحياء للغزالي ويقرأ فيه عند العامة:
" من عبد اللطيف بن عبد الرحمن إلى الأخ عبد الله. سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد.
فقد بلغني عنك ما يشغل كل من له حميّة إسلامية، وغيرة دينية على الملة الحنيفية، وذلك: أنـك اشتغلـت بالقـراءة في كتاب (الإحياء ) للغزالي، وجمعت عليه من لديك من الضعفاء والعامة
الذين لا تمييز لهم بين مسائل الهداية والسعادة ووسائل الكفر والشقاوة، وأسمعتهم ما في الإحياء من التحريفات الجائرة، والتأويلات الضالة الخاسرة، والشقاشق التي اشتملت على الداء الدفين
والفلسفة في أصل الدين.

وقد أمر الله تعالى وأوجب على عباده أن يتّبعوا الرسول، وأن يلتزموا سبيل المؤمنين، وحرم اتخاذ الولائـج من دون الله ورسوله ومن دون عباده المؤمنين، وهذا الأصل المحكم لا قوام للإسلام إلا به
وقد سلك في الإحياء طريق الفلاسفة والمتكلمين، في كثير من مباحث الإلهيات وأصول الدين، وكسا الفلسفة لحاء الشريعة
حتى ظنها الأغمار والجهال بالحقائق من دين الله الذي جاءت به الرسل،ونزلت به الكتب
ودخـل به الناس في الإسلام، وهي في الحقيقة محض فلسفة منتنة يعرفها أولو الأبصار، ويمجّها من سلك سبيل أهل العلم كافة في القرى والأمصار.

قد حذّر أهل العلم والبصيرة عن النظر فيها، ومطالعة خافيها وباديها، بل أفتى بتحريقها علماء المغرب ممن عُرف بالسنّة، وسماها كثير منهم: إماتة علوم الدين
وقام ابن عقيل أعظم قيام في الذم والتشنيع، وزيف ما فيه من التمويه والترقيع، وجزم بأن كثيراً من مباحثه زندقة خالصة لا يقبل لصاحبها صرف ولا عدل
)) .

ما أشبه الليلة بالبارحة، فهل جعل هؤلاء الأئمة ما في كتاب إحياء علوم الدين من الأدبيات والفوائد مسوّغاً لقراءة ذلك الكتاب، كلا ثـم كلا، بل أمروا بحرقه والتحذير منه.
وكتاب إحياء علوم الدين أفضل من كثير من الكتب التي يدعوا إليها دعاة هذه الحزبيات الجديدة، فهذه كتب سيد قطب التي يعظمونها بل ويقدسونها، لم تترك بدعةً لا سيما البدع الغليظة إلا وقررتها وتبنتها
ولو كانت هذه الكتب موجودة في عهد السلف الصالح أو في عهد الخليفة علي ابن يوسف الذي أحرق الإحياء، لأخّر إحراق الإحياء واتجه إلى كتب سيد قطب بالحرق والإتلاف، أو لأحرقهما معاً
وإلى الله نشكوا ضعفنا.

ومن المواقف تجاه أهل البدع التي تسطر بماء الذهب ما حصل من الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم -رحمه الله- من تعزيره لعبدالله الخنيزي مؤلف كتاب (أبو طالب مؤمن قريش) وأصدر فيه حكماً حازماً
حتى أعلن الخنيزي توبته وكتبها، وإليك نص القرار الذي اتخذه الشيخ ابن إبراهيم :

((من محمد بن إبراهيم إلى المكرم مدير شرطة الرياض سلمه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فبالإشارة إلى المعاملة الواردة منكم برقم 944 وتأريخ 10/11/1381 المتعلقة بمحاكمة عبدالله الخنيزي، فإنه جرى الاطلاع على المعاملة الأساسية ووجدنا بها الصك الصادر من القضاة الثلاثة
المقتضي إدانته، والمتضمن تقريرهم عليه، يعزر بأمور أربعة:

(أولاً) : مصادرة نسخ الكتاب وإحراقها، كما صرّح العلماء بذلك في حكم كتب المبتدعة.
(ثانياً) : تعزير جامع الكتاب بسجنه سنة كاملة، وضربه كل شهرين عشرين جلدة في السوق مدّة السنة المشار إليها بحضور مندوب من هيئة الأمر بالمعروف مع مندوب الإمارة والمحكمة.
(ثالثاً) : استتابته؛ فإذا تاب وأعلن توبته وكتب كتابة ضد ما كتبه في كتابه المذكور ونشرت في الصحف وتمت مدّة سجنه خلي سبيله بعد ذلك
ولا يطلق سراحه وإن تمت مدّة سجنه ما لم يقم بما ذكرنا في هذه المادة.

(رابعاً) : فصله من عمله، وعدم توظيفه في جميع الوظائف الحكومية، لأن هذا من التعزير.
هذا ما يتعلق بالتعزير الذي قررته اللجنة، وبعد استكماله يبقى موضوع التوبة يجرى فيه ما يلزم إن شاء الله. والسلام عليكم))([41]).
فلله دره ما أشده على أهل البدع والمخالفين للسنن، وهذه كانت سيرته معهم، وهم كانوا على خوف شديد منه كما أخبرنا بذلك من عاصره
وكم من أهل البدع في عصرنا ممن يحتاجون أن يتخذ معهم مثل هذا القرار، والله المستعان.

وإنصافاً لعبدالله الخنيزي فإنه قد تاب مما خطته يداه في كتابه المذكور وأعلن توبته وكتبها، وهي مدونة بعد القرار المذكور.
ومن أقوال أهل العلم -أيضاً- في طريقة معاملة كتب أهل البدع، ما قاله العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
(( ومن هجران أهل البدع ترك النظر في كتبهم خوفاً من الفتنة بها، أو ترويجها بين الناس، فالابتعاد عن مواطن الضلال واجب؛ لقوله - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - في الدجّال :
(
من سمع به فلينأ عنه، فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنّه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات )) رواه أبو داود([42])، وقال الألباني: وإسناده صحيح .

لكن إذا كان الغرض من النظر في كتبهم معرفة بدعتهم للرد عليها فلا بأس بذلك لمن كان عنده من العقيدة الصحيحة ما يتحصن به، وكان قادراً على الرد عليهم
بل ربما كان واجباً؛ لأن رد البدعة واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
)) ([43]) .

وسئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -: ما هو القول الحق في قراءة كتب المبتدعة، وسماع أشرطتهم؟
فأجاب: (( لا يجوز قراءة كتب المبتدعة ولا سماع أشرطتهم إلا لمن يريد أن يرد عليهم ويبين ضلالهم )) ([44]).
فهكذا كان أهل السنة يعاملون أهل البدع ومؤلفاتهم، فقف حيث وقفوا فإنه يسعك ما وسعهم.
ومن لم يسعه ما وسع رسول الله - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - ووسع السلف والأئمة بعده فلا وسّع الله عليه، ومن لم يكتف بما اكتفوا به ويرضى بما رضوا به ويسلك سبيلهم
فهو من حزب الشيطان و{ إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير }.

ومن لم يرض الصراط المستقيم سلك إلى صراط الجحيم، ومن سلك غير طريق سلفه أفضت به إلى تلفه، ومن مال عن السنّة فقد انحرف عن طـريق الجنّة.
فاتقـوا الله تعـالى وخافوا على أنفسكم، فإن الأمر صعب، وما بعــد الجنّــة إلا النـار وما بعـد الحـق إلا الضلال، ولا بعد السنّة إلا البدعة ([45]).
مع العلم أن السلف كانوا يفرقون بين أهل البدع الدعاة إلى بدعهم وغير الدعاة، فألجأتهم الضرورة للاستفادة من هؤلاء لدينهم وصدقهم وأمانتهم وعدم دعوتهم إلى ما وقعوا فيه من البدع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
(( وسبب الفرق بين أهل العلم وأهل الأهواء – ومع وجود الاختلاف في قول كل منهما -:
أنّ العالم قد فعل ما أمر به من حسن القصد والاجتهاد، وهو مأمور في الظاهر باعتقاد ما قام عنده دليله، وإن لم يكن مطابقاً، لكن اعتقاداً ليس بيقيني، كما يؤمر الحاكم بتصديق الشاهدين ذوي العدل
وإن كانا في الباطن قد أخطآ أو كذبا، وكما يؤمر المفتي بتصديق المخبر العدل الضابط، أو باتباع الظاهر، فيعتقد ما يدل عليه ذلك، وإن لم يكن ذلك الاعتقاد مطابقاً.

فالاعتقاد المطلوب هو الذي يغلب على الظن مما يؤمر به العباد، وإن كان قد يكون غير مطابق، وإن لم يكونوا مأمورين في الباطن باعتقاد غير مطابق قط.
فإذا اعتقد العالم اعتقادين متناقضين في قضية أو قضيتين، مع قصده للحق واتباعه لما أمر باتباعه من الكتاب والحكمة: عذر بما لم يعلمه وهو الخطأ المرفوع عنا.
بخلاف أصحاب الأهواء، فإنهم إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس، ويجزمون بما يقولونه بالظن والهوى جزماً لا يقبل النقيض، مع عدم العلم بجزمه، فيعتقدون ما لم يؤمروا باعتقاده لا باطناً ولا ظاهراً
ويقصدون ما لم يؤمروا بقصده، ويجتهدون اجتهاداً لم يؤمروا به، فلم يصدر عنهم من الاجتهاد والقصد ما يقتضي مغفرة ما لم يعلموه، فكانوا ظالمين، شبيهاً بالمغضوب عليهم، أو جاهلين، شبيها بالضالين.

فالمجتهد الاجتهاد العلمي المحض ليس له غرض سوى الحق، وقد سـلك طريقــه، وأمــا متبـع الـهوى المحض فهو من يعلم الحق ويعاند عنه)) ([46]).
ولذلك كان أهل العلم يفرقون حتى في الرواية بين الدعاة إلى البدع وبين غـير الدعاة فهذه المسألة قد اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال:
القول الأول: المنع مطلقاً، وهو قول ابن سيرين ومالك وابن عيينة والحميدي ويونس بن أبي إسحاق وعلي بن حرب وغيرهم.
ولهؤلاء مأخذان:
أحدهما: تكفير أهل الأهواء أو تفسيقهم وفيه خلاف مشهور.
والثاني: الإهـانة لهم والهجران والعقوبة بترك الرواية عنهم، وإن لم نحكم بكفرهم أو تفسيقهم.
القول الثاني: تجوز الرواية عنهم إذا لم يتهموا بالكذب، وهو قول أبي حنيفة والشافعي ويحيى بن سعيد وعلي بن المديني.
القـول الثالث: وهو التفريق بين الداعية وغيره فمنعوا الرواية عـن الداعية إلى البدعة دون غيره.
وهذا هو الأظهر الأعدل وهو قول الأكثر، كابن المبارك وابن مهدي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وروي عن مالك وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية والحافظ ابـن حجر.
ولكنهم قيدوا قبول غير الداعية بما إذا لم يرو ما يقوي بدعته ([47]).
ومن ذلك ظهر بطلان قول من يساوي بين ابن أبي عروبة وقتادة وغيرهما – رحمهما الله -، وبين سيد قطب أو حسن البنا أو الغزالي المعاصر وغيرهم من أهل البـدع الذين هم على شاكلة هـؤلاء.
ذكرت هذا الكلام ليبين الفرق بين دعاة المنهج السلفي الحق وبين فئة انتمت إلى هذا المنهج ظاهراً واتخذت من بعض من وقع في شيء من البدع كابن حجر والنووي منطلقاً إلى الطعن في أهل السنّة
من مثل ابن أبي العز الذي طعنوا في كتابه شرح الطحاوية، وتشددهم على الشوكاني وأمثاله ممن رفع راية التوحيد والسنّة ووقعوا في بعض الأخطاء .

نسـأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتّباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه. والله تعالى أعلم.


يتبع...
---------------------------
([1]) وقد عرفنا كثيراً من أهل السنّة الذين كانوا على المنهج السلفي لكنهم انهمكوا في قراءة كتب أهل البدع والضلالات بحجة أنها لا تخلو من الحق
فضاعوا وضلوا وأصبحـوا من خصوم الدعوة السلفيّة وأهلها والمحذرين منهم ومن كتبهم، نسأل الله السلامة والعافية والثبات على السنة .

([2]) الدرر السنيّة ( 3/211 ).
([3]) أخرجه الإمـام أحمـد ( 3/387 ) ، والدارمي ( 1/115) ،وهو حديث حسن، انظر الإرواء ( 6/338-340 ).
([4]) الاستقامة لشيخ الإسلام ابن تيمية ( 1/108 ) .
([5]) ( 1/ 231-242 ) .
([6]) كان الصوفية في وقته على طريقة السلف ، وتصوفهم كان الزهد والعبادة والورع ، وهذا واضح في عقيدته التي أوردها صاحب كتاب الحجة في بيان المحجة ، ولو كان على غير هذا لما كان له أي قيمة عند أهل السنّة .
([7]) العلل ومعرفة الرجال ( 1/253-254 ) .
([8]) السنّة للخلال ( 3/511).
([9]) المعرفة والتاريخ للفسوي ( 3/494 ) .
([10]) هداية الأريب الأمجد لسليمان بن حمدان ( ص : 38 ) .
([11]) السير (11/231).
([12]) السنّة ( 3/511 ).
([13]) جامع بيان العلم ( 2/942 ) .
([14]) شرح أصول اعتقاد أهل السنّة للالكائي ( 1/197-202 ) .
([15]) أي أهل البدع والأهواء كتمثيله بكتب الكرابيسي.
([16]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي ( 1/180 ) .
([17]) الميزان ( 1/61 ) .
([18]) (ص : 231-234 ).
([19]) كتاب الضعفـاء لأبي زرعـة ،ضمـن كتـاب ( أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية ) ( 2 / 561-562 ) .
([20]) ميزان الاعتدال ( 1/431 ) .
([21]) منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف(ص:135-136)
([22]) وانظر في بيان ضلالاته وبدعه مؤلفات الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله، ككتاب أضواء إسلامية ، ومطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله، والعواصم مما في كتب سيد قطب من القواصم
والحد الفاصل ، ونظرات في كتاب التصوير الفني، ونظرة سيد قطب إلى أصحاب رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فجزاه الله تعالى خير الجزاء .

([23]) ( ص : 242 ) .
([24]) من شريط بعنوان ( رياض الصالحين ) .
([25]) لمعة الاعتقاد ( ص : 33 ) .
([26]) تحريم النظر في كتب الكلام ( ص : 41 ) .
([27]) ( 1/232 ) .
([28]) الفتاوى ( 15/336 ) .
([29]) نونية ابن القيم ( ص : 180 ) .
([30]) (1/360-361) .
([31]) سير أعلام النبلاء ( 19 / 328-329 ) .
([32]) الدرر السنية ( 3/209-210 ).
([33]) قطف الثمر في عقيدة أهل الأثر ( ص : 157 ) .
([34]) الطرق الحكميّة ( ص : 233-235 ) .
([35]) زاد المعاد ( 3 / 581 ) .
([36]) ( 2 / 176-177 ) .
([37]) العقد الثمين ( 2/ 180-181 ) .
([38]) الجواهر والدرر ( 2/637-638 ) .
([39]) انظر المعيار المعرب ( 12/185 ) .
([40]) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ( 3 / 130-131 ) .
([41]) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (12/187-189).
([42]) سيأتي تخريجه .
([43]) مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ( 5/89 ) .
([44]) الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ( ص : 70 ) .
([45]) مأخوذ من كلام سهـل التستري ، انظر تحريم النظر لابن قـدامة ( ص:70-71 ) .
([46]) القواعد النورانية ( ص : 151-152 ) .
([47]) وانظر تفصيل هذه المسألة في ،نزهة النظر لابن حجر (ص:136)،وتدريب الراوي (1/275)،وشرح علل الترمذي (1/53)،ومنهـاج السنة(3/60-62)،وغيرها .










توقيع : الشـــامـــــخ

يسرنا متابعتكم وتواصلكم عبر الحسابات التالية

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


التعديل الأخير تم بواسطة الشـــامـــــخ ; 07-04-18 الساعة 12:29 PM
عرض البوم صور الشـــامـــــخ   رد مع اقتباس
قديم 07-04-18, 08:48 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
الشـــامـــــخ
اللقب:
المـديـــر العـــام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية الشـــامـــــخ


البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 14
المشاركات: 10,161 [+]
بمعدل : 2.05 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 10
نقاط التقييم: 949
الشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدع

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
الشـــامـــــخ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشـــامـــــخ المنتدى : بيت موسوعة طالب العلم
افتراضي

الفصل الرابع:إجماع العلماء على هجر أهل البدع والأهواء


لقد اهتم السلف الصالح بهذا الأصل العظيم وهو هجر أهل البدع أعظم اهتمام، وأولـوه بالغ العناية، فسيرتهم مليئة بهجر أهل البدع، وإخزائهم، وإذلالهم، وقد سبق نقل شيء من ذلك.
ولكني بحول الله وقوتـه سأورد في هذا الفصل عدداً من أقوال أهل العلـم، وأئمة السلف ممن نقل الإجماع على مباينة أهل البدع وهجرهم، فما علينا إلا أن نتبع ولا نبتدع فقد كفينا.
والإجماع - أخي في الله - حجة شرعيّة قاطعة تحرم مخالفته، قال تعالى: { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولى ونصله جهنّم وساءت مصيراً } .
فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
وقال آخر:
وخير أمور الدين ما كان سنّة وشر الأمــور المحدثات البدائع.

(1) قول عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي.
(ت: 157 هـ )
قال الإمام الأوزاعي – رحمه الله – في كتابٍ له ([1]):
" اتقوا الله معشر المسلمين، واقبلوا نصح الناصحين، وعظة الواعظين، واعلموا أن هذا العلم دين فانظروا ما تصنعون وعمن تأخذون وبمن تقتدون ومن على دينكم تأمنون
فإن أهل البدع كلهم مبطلون أفّاكون آثمون لا يرعوون ولا ينظرون ولا يتقون ولا مع ذلك يؤمنون على تحريف ما تسمعون ويقولون مالا يعلمون في سرد ما ينكرون وتسديد ما يفترون
والله محيـط بما يعملون فكونوا لهمحذرين متهمين رافضين مجانبين، فإن علماءكم الأولين ومن صلح من المتأخرين كذلك كانوا يفعلون ويأمرون، واحذروا أن تكونوا على الله مظاهرين، ولدينه هادمين
ولعراه ناقضين موهنين بتوقير لهم أو تعظيم أشد من أن تأخذوا عنهم الدين وتكونوا بهم مقتدين ولهم مصدّقين موادعين مؤالفين، معينين لهم بما يصنعون على استهواء من يستهون
وتأليف من يتألفون من ضعفاء المسلمين لرأيهم الذي يرون، ودينهم الذي يدينون، وكفى بذلك مشاركة لهم فيما يعملون
".
قلت:
فهذه نصيحة إمام عالم مشفق على المسلمين، عرف أهل البدع وخَبَرَهم، وتنبه لطرائقهم وإفسادهم.
فأخبر بأنهم كلهم أصحاب إفك وإثم وعدم تقوى، وأنهم أهل تحريف وقول على الله بلا علم.
ثم وضّـح كيفية التعامل معهم وذلك بالحذر والتحذير والمجانبة والهجر، وأوضح أن العلماء الأولين، وكذلك من تبعهم من المتأخرين على ذلك كانوا سائرين.
وبيّن أنّ توقير أهل البدع أو تعظيمهم بأخذ العلم والدين عنهم هدمٌ لعرى الدين وإعانة على نقضه.
قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: " من عظّم صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام، ومن تبسم في وجه مبتدع فقد استخف بما أنزل الله - عزوجل - على محمد -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة -
ومن زوّج كريمته من مبتدع فقد قطـع رحمهـا، ومن تبع جنازة مبتدع لم يزل في سخط الله حتى يرجع
"([2])
وقال الشاطبي - رحمه الله -:
" فإن توقير صاحب البدعة مظنّة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم:
إحداهما: التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير، فيعتقدون في المبتدع أنّه أفضل الناس، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنّة على سنّتهم.
والثانية: أنّه إذا وُقِّرَ من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء.
وعلى كل حـال فتحيا البـدع وتموت السنن، وهو هدم الإسلام بعينه.
"([3])
فاعمل - أخي في الله - بنصيحة هذا الإمام الخبير النحرير، تأمن الهلاك واتباع الأهواء.

(2) قول عبد الرحمن بن أبي الزناد.
( ت: 174 هـ )
قال ابن بطة رحمه الله: حدثنا أبو القاسم حفص بن عمر، قال: حدثنا أبو حاتم الرازي، قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد قال:
" أدركنا أهل الفضل والفقه من خيار أوليّة الناس يعيبون أهل الجدل والتنقيـب والأخذ بالرأي أشد العيب، وينهوننا عن لقائهم، ومجالستهم، وحذرونا مقاربتهم أشد التحذير، ويخبرونا أنهم على ضـلال
وتحريـف لكتاب الله وسنـن رسوله –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة -، وما توفي رسول الله – نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - حتى كره المسائل، والتنقيب عن الأمور، وزجر عن ذلك
وحذره المسلمين في غير موضع حتى كان من قول النبي –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - في كراهيـة ذلك أن قال: " ذروني ما تركتكم، فإنما هلك الذين من قبلكم بسؤالهم
واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم
"([4]).
قلت:
فانظر أخي في الله كيف نقل هذا الإمام هجر المبتدعة وعيبهم أشد العيب والنهي عن لقائهم ومجالستهم والتحذير من مقاربتهم، عمن أدركه من أهل الفضل والفقه من خيار أوليّة الناس.
لا سيما وقد أدرك عدداً من كبار التابعين، ومن دونهم من الأئمة، كسهيل بن أبي صالح، وشرحبيل بن سعد، وصالح مولى التوأمة، وأبيه أبي الزناد عبد الله بن ذكـوان، وعبد الرحمن بن الحارث المخزومـي
وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وعبد المجيد بن سهيـل، وعمر بن عبد العزيز، ومعاذ بن معاذ، وموسى بن عقبة، وهشـام بن عروة، وغيرهم([5]) – رحم الله الجميع -.

(3) قول الفضيل بن عياض.
(ت: 187 هـ )
قال – رحمه الله -:
" إن لله – عز وجل - ملائكة يطلبون حلق الذكر، فانظر مع من يكون مجلسك، لا يكون مع صاحب بدعة؛ فإن الله تعالى لا ينظر إليهم، وعلامة النفاق أن يقوم الرجل ويقعد مـع صاحب بدعة
وأدركت خيار الناس كلهم أصحـاب سنـة وهم ينهون عن أصحاب البدعة
"([6])
قلت:
والفضيل بن عياض - رحمه الله - له كلام كثير نفيس في ذم أهل البدع والتحذير منهم، فمن ذلك:
قوله: " من جالس صاحب بدعة لم يعط الحكمة "
وقال: " لا تجلس مع صاحب بدعة، فإني أخاف أن تنـزل عليك اللعنة"
وقال: " من أحب صاحب بدعة أحبط الله عمله وأخرج نور الإسلام من قلبه "
وقال: " آكل مع يهودي ونصراني ولا آكل مع مبتدع وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد " ([7]).

(4) قول الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام.
( ت: 224 هـ )
قال - رحمه الله تعالى - في كتابه (( الإيمان )) ([8]):
(( باب ذكر ما عابت به العلماء من جعل الإيمان قولاً بلا عمل، وما نهوا عنه من مجالِسهم.
وذكر فيه بعض الآثار منها :
قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن مهدي بن ميمون، عن الوليد بن مسلم قال: (( دخل فلان - قد سماه إسماعيل ولكن تركت اسمه أنا - على جندب بن عبد الله البجلي فسأله عن آية من القرآن؟
فقال: أحرج عليك إن كنت مسلماً لما قمت، قال: أو قال: أن تجالسني أو نحو هذا القول)) .
قال أبو عبيد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب، قال لي سعيد بن جبير غير سائله ولا ذاكراً له شيئاً:
(( لا تجالس فلاناً (وسماه أيضاً) فقال: إنه كان يرى هذا الرأي )) .
والحديث في مجانبة الأهواء كثير، ولكنّا إنما قصدنا في كتابنا لهؤلاء خاصةً.
وعلى مثل هذا القول كان سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس، ومن بعدهم من أرباب العلم وأهل السنة الذين كانوا مصابيح الأرض وأئمة العلم في دهرهم،
من أهل العراق والحجاز والشام وغيرها، زارين([9]) على أهل البدع كلها، ويرون الإيمان : قولاً وعملاً
)) .

(5) قول الإمام أحمد بن حنبل.
( ت: 241 هـ )
قال ابن بطة – رحمه الله تعالى -:
" حدثني أبو صالح محمد بن أحمد، قال: حدثنا أبو الحسن على بن عيسى بن الوليد العكبري، قال: حدثني أبو علي حنبل بن إسحاق بن حنبل، قال:
كتب رجل إلى أبي عبد الله – رحمه الله – كتاباً يستأذن فيه أن يضع كتاباً يشرح فيه الرد على أهل البدع، وأن يحضر مع أهل الكلام فيناظرهم ويحتج عليهم، فكتب إليه أبو عبد الله:
" بسم الله الرحمن الرحيم.
أحسن الله عاقبتك، ودفع عنك كل مكروه ومحـذور، الذي كنا نسمع، وأدركنا عليه من أدركنا من أهل العلم، أنهم يكرهون الكلام والجلوس مع أهل الزيغ
وإنما الأمور بالتسليم والانتهاء إلى ما كان في كتاب الله أو سنة رسول الله لا في الجلوس مع أهل البدع والزيغ لترد عليهم، فإنهم يلبسون عليك وهم لا يرجعون.
فالسلامة إن شاء الله في ترك مجالستهم والخوض معهم في بدعتهم وضلالتهم.
فليتق الله امرؤ، وليصر إلى ما يعود عليه نفعه غداً من عمل صالح يقدمـه لنفسه، ولا يكن ممن يحدث أمراً، فإذا هو خرج منه أراد الحجة، فيحمل نفسه على المحال فيه
وطلب الحجة لما خرج منه بحق أو بباطل، ليزين به بدعته وما أحدث، وأشد مـن ذلك أن يكون قد وضعه في كتاب قد حمل عنه فهو يريد أن يزين بالحق والباطل، وإن وضح له الحق في غيره.
ونسأل الله التوفيق لنا ولك والسلام عليك
"([10]).
وقال الإمام أحمد -أيضاً- :
(( عليكم بالسنَّة والحديث وما ينفعكم الله به وإياكم والخوض والجدال والمراء؛ فإنّه لا يفلح من أحب الكلام وكل من أحدث كلاماً لم يكن آخر أمره إلا إلى بدعة؛ لأن الكلام لا يدعو إلى خير
ولا أحب الكلام ولا الخوض ولا الجدال، وعليكم بالسنن والآثار والفقه الذي تنتفعون به، ودعوا الجدال وكلام أهل الزيغ والمراء، أدركنا الناس ولا يعرفون هذا ويجانبون أهل الكلام
وعاقبة الكلام لا تؤول إلى خير أعاذنا الله وإياكم من الفتن وسلمنا وإياكم من كل هلكة
)) ([11]).
وقال -رحمه الله- :
(( تجنبوا أصحاب الجدال والكلام، عليكم بالسنن، وما كان عليه أهل العلم قبلكم؛ فإنّهم كانوا يكرهون الكلام والخوض في أهل البدع والجلوس معهم
وإنما السلامة في ترك هذا، لم نؤمر بالجدال والخصومات مع أهل الضلالة؛ فإنَّه سلامة له منه
)) ([12]).
وقال ابن أبي يعلى -رحمه الله-: ((لا تختلف الرواية في وجوب هجر أهل البدع وفساق الملة))([13]).
قلت:
فبـين – رحمه الله – أن مذهـب أهل العلم ممن سمع عنهم أو أدركهم: هو هجران أهل البدع، وبين ما تؤدي إليه مخالطة أهل البدع من نتائج وخيمة، ولو كانت مخالطتهم للرد عليهم
فإنّ المرء لا يَأمَن على نفسه الفتنة.
ومخالطتهم هلاك بيّن وسمّ قاتل، قال ابن القيم – رحمه الله – في بيان أقسام الناس من حيث المخالطة([14]):
" القسم الرابع: من مخالطته الهلاك كله، ومخالطته بمنـزلة أكل السّم، فإن اتفق لآكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء، وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثّرهم الله:
وهم أهل البدع والضلالة الصّادون عن سنّة رسول الله -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- الداعون إلى خلافها الذين يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً، فيجعلون السنّة بدعة والبدعة سنّة، والمعروف منكراً والمنكر معروفاً …
فالحزم كل الحزم التماس مرضات الله تعالى ورسوله بإغضابهم وأن لا تشتغل بأعتابهم ولا باستعتابهم ولا تبالي بذمهم ولا بغضهم فإنّه عين كمالك ".
وفي قول الإمام أحمد – رحمه الله - أبلغ ردّ على من خالط أهل البدع بحجة إصلاحهم والإنكار عليهم، ويوضح ذلك - أيضاً – الإمام ابن بطة حيث قال بعد أن نقل بسنده حديـث النبي –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-:
" من سمع منكم بخروج الدجال فلينأ عنه ما استطاع؛ فإن الرجل يأتيه وهـو يحسب أنه مؤمن فما يـزال به حتى يتبعه لما يرى من الشبهات
"([15]).
قال – رحمه الله -:
" هذا قول الرسول –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - وهو الصادق المصدوق، فالله، الله معشر المسلمين لا يحملن أحداً منكم حسن ظنه بنفسه وما عهده من معرفته بصحة مذهبه
على المخاطرة بدينه في مجالسة بعض أهل هذه الأهواء، فيقول: أداخله لأناظره أو لأستخرج منه مذهبه، فإنهم أشد فتنة من الدجال وكلامهم ألصق من الجرب، وأحرق للقلوب من اللهب.
ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم، فجالسوهم على سبيل الإنكار والرد عليهم فما زالت بهم المباسطة، وخفي المكر ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم
.
"([16])
وقال الإمام اللالكائي – رحمه الله – مبيناً خطر مناظـرة أهل البدع وما تؤدي إليه:
" فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة، ولم يكن لهم قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة يموتون من الغيظ، كمداً ودرداً، ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً.
حتى جاء المغرورون، ففتحوا لهم إليها طريقاً، وصاروا لهم إلى هلاك الإسـلام دليلاً، حتى كثرت بينهم المشاجرة، وظهرت دعوتهم بالمناظرة، وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة
حتى تقابلت الشبه في الحجج، وبلغوا من التدقيق في اللجج، فصاروا أقراناً وأخداناً، وعلى المداهنة خلاناً وأضداداً، وفي الهجرة في الله أعواناً، يكفرونهم في وجوههم عياناً
ويلعنونهم جهاراً وشتان ما بين المنزلتين، وهيهات ما بين المقامين
"([17]).
وقال الشيـخ العلامة عبيد الله بن عبد السلام المباركفوري عن قول النبي –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة -:
" وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله"([18])، قال:
" وفي هذا التشبيه فوائد منها: التحذير من مقاربـة تلك الأهواء ومقاربة أصحابها، وبيان ذلك أن داء الكَلَب فيه ما يشبه العدوى، فإن أصل الكَلَب واقع في الكَلْب
ثم إذا عضّ ذلك الكلب أحداً صار مثله ولم يقدر على الانفصال منه في الغالب إلا بالهلكة، فكذلك المبتدع إذا أورد على أحد رأيه وإشكاله فقلّما يَسلَم من غائلته، بل إما أن يقع معه في مذهبه ويصير من شيعته
وإما أن يثبت في قلبه شكاً يطمع في الانفصال عنه فلا يقدر، هذا بخلاف المعاصي، فإن صاحبها لا يضارّه ولا يداخله فيها غالباً إلا مع طول الصحبة والأُنس به، والاعتياد لحضور معصيته
وقد أتى في الآثار ما يدل على هذا المعنى، فإن السلـف الصالح نهوا عن مجالستهم، ومكالمتهم، وكلام مكالمهم، وأغلظوا في ذلك
"([19]).
وسيـأتي تقرير ذلك – أيضاً – في كلام الآجري – رحمه الله – وغيره.
أما الكتابة من العلماء أو طلاب العلم المتمكنين في الرد على أهل البدع، وبيان ضلالهم وزيف مذهبهم عند الحاجة إلى ذلك فهو من الأمور الواجبة بل من الجهاد في سبيل الله تعالى .
قال ابن تيمية - رحمه الله - :
" ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل:
الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين
ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسـدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً
وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً
".([20])
وقال أيضاً :
(( الرادّ على أهل البدع مجاهد، حتى كان يحيى بن يحيى يقول: الذب عن السنّة أفضل الجهاد )) ([21]) .
وقال شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله-:
((وأنت إذا تأملت تأويلات القرامطة والملاحدة والفلاسفة والرافضة والقدرية والجهمية، ومن سلك سبيل هؤلاء من المقلدين لهم في الحكم والدليل
ترى الإخبار بمضمونها عن الله ورسوله لا يقصر عن الإخبار عنه بالأحاديث الموضوعة المصنوعة، التي هي مما عملته أيدي الوضاعين وصاغته ألسنة الكذابين، فهؤلاء اختلقوا عليه ألفاظاً وضعوها
وهؤلاء اختلقوا في كلامه معاني ابتدعوها، فيا محنة الكتاب والسنة بين الفريقين، وما نازلة نزلت بالإسلام إلا من الطائفتين فهما عدوان للإسلام كائدان، وعن الصراط المستقيم ناكبان
وعن قصد السبيل جائران -إلى أن قال- فكشف عورات هؤلاء، وبيان فضائحهم، وفساد قواعدهم، من أفضل الجهاد في سبيل الله وقد قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لحسان بن ثابت :
((إن روح القدس معك ما دمت تنافح عن رسوله))، وقال: ((أهجهم أو هاجهم، وجبريل معك))
وقال: ((اللهم أيده بروح القدس ما دام ينافح عن رسولك))، وقال عن هجائه لهم: ((والذي نفسي بيده لهو أشد فيهم من النبل))...
)) إلخ([22]).
وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى - في بيان أنواع الأقلام :
(( القلم الثاني عشر : القلم الجامع، وهو قلم الرد على المبطلين، ورفع سنّة المحقين، وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها، وبيان تناقضهم، وتهافتهم، وخروجهم عن الحق
ودخولهم في الباطل، وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام، وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل، المحاربون لأعدائهم.
وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، المجادلون لمـن خرج عن سبيله بأنواع الجدال.
وأصحاب هذا القلم حرب لكل مبطل، وعدو لكل مخالف للرسل.
فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن
)) ([23]).
وقال واصفاً أهل السنّة :
(( فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، ومن ضال جاهل لا يعلم طريق رشده قد هدوه، ومن مبتدع في دين الله بشهب الحق قد رموه جهاداً في الله، وابتغاء مرضاته ... )) ([24]).
وقال في نونيته([25]) :
(( هذا ونصر الدين فرض لازم * لا للكفاية بل على الأعيان
بيد وإما باللسان فـــإن عجـزت * فبالتوجه والدعا بجنــان))
أما ما نقل عن الإمام أحمد من نهــي عن وضع الكتب فهو كثير، ويوجه ذلك ابن القيم - رحمه الله - فيقول:
(( وإنما كره أحمد ذلك ومنع منه؛ لما فيه من الاشتغال به والإعراض عن القرآن والسنّة والذب عنهما.
أما كتب إبطال الآراء والمذاهب المخالفة لهما فلا بأس بها، وقد تكون واجبة ومستحبة ومباحة، بحسب اقتضاء الحال
)) ([26]).
وكتب السلف في الرد على أهل الباطل والبدع كثيرة جداً، من ذلك ما كتبه الإمام أحمد نفسه في رده على الجهمية والزنادقة، وقد ذكرنا بعضاً منها في الفصل الأول .
فالرد على أهل البدع والمخالفين من أصول الإسلام ، فقد رد الله في كتابه على اليهود والنصارى والمشركين والصابئين وفرعون وهامان وغيرهم، وكذلك رسوله -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - .
وهذه الكتب التي تظهر الحق وتبطل الباطل، اغضت مضاجع أهل الأهواء والبدع، فصرفوا عنها الشباب، وحذروا منها مريديهم؛ لأنها تكشف زيفهم، وتبين ضلالهم.
فالواجب على المسلم أن يحترم دينه وعقله، ولا يضعه تحت أقدام هؤلاء الحزبيين السياسيين، يروحون به ويغدون حيث شاؤوا.
وليطلب الحق، وليدرس الأمور، فأهل السنّة أنصح الناس للناس.
والله أعلم .

(6) قول الإمام إسماعيل بن يحيى المزني.
( ت:264هـ )
قال - رحمه الله تعالى - في رسالته شرح السنَّة:
" والإمساك عن تكفير أهل القبلة، والبراءة منهم فيما أحدثوا، ما لم يبتدعوا ضلالاً؛ فمن ابتدع منهم ضلالاً، كان على أهل القبلة خارجاً، ومن الدين مارقاً
ويتقرب إلى الله - عز وجل - بالبراءة منه، ويهجر ويحتقر، وتجتنب غدّته، فهي أعدى من غدة الجرب
.
ثمّ قال:
هذه مقالات وأفعال اجتمع عليها الماضون الأوّلون من أئمة الهدى، وبتوفيق الله اعتصم بها التابعون قدوةً ورضىً، وجانبوا التّكلف فيما كفوا، فسددوا بعون الله ووفقوا، لم يرغبوا عن الاتباع فيقصّروا
ولم يجاوزوه تزيّداُ فيعتدوا.
فنحــن بالله واثقــون، وعليه متوكلــون، وإليه في اتبـاع آثارهم راغبـون
([27])".


(7،8) قول أبي زرعة
( ت:264 هـ ) وأبي حاتم الرازيــين ( ت:277 هـ ).
قال اللالكـائي – رحمه الله – في كتابه شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة([28]):
" أخبرنا محمد بن المظفر المقري، قال: حدثنا الحسن بن محمد بن حبش المقري قال: حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم قال:
" سألت أبي وأبا زرعة، عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان في ذلك؟
فقالا: أدركنـا العلماء في جميع الأمصار – حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً – فكان من مذهبهم:
ثم ذكرا عدداً من عقائد أهل السنة، ثم قال أبو محمد:
" وسمعت أبي وأبا زرعة: يأمران بهجران أهل الزيغ والبدع، يغلظان في ذلك أشد التغليظ، وينكران وضع الكتب برأي في غير آثـار، وينهيان عن مجالسة أهل الكلام والنظر في كتب المتكلمين
ويقولان لا يفلح صاحب كلام أبداً.
قال أبو محمد: وبه أقول أنا.
وقال أبو علي بن حبيش المقري: وبه أقول.
قـال شيخنا (ابن المظفر): وبه أقول.
وقال شيخنا
يعني المصنفوبه نقول. "
قلت:
وبه يقول كل صاحب سنة، حيث إنه إجماع السلف الصالح ومأخوذ من الكتاب والسنّة، ومن لم يقل به ويعتقده فقد ضل السبيل وماذا بعد الحق إلا الضلال.

(9) قول الإمام أبي بكر محمد بن الحسين الآجري.
( ت:360 هـ )
قال – رحمه الله تعالى -:
" ينبغي لكل من تمسك بما رسمناه في كتابنا هذا، وهو كتـاب الشريعة، أن يهجـر جميع أهل الأهواء من الخوارج، والقدرية، والمرجئة، والجهمية، وكل من ينسب إلى المعتزلة، وجميع الروافض، وجميع النواصب
وكل من نسبه أئمـة المسلمين أنه مبتـدع بدعة ضلالة، وصح عنه ذلك، فلا ينبغي أن يكلم ولا يسلم عليه، ولا يجالس، ولا يصلى خلفه، ولا يزوج، ولا يتزوج إليه من عرفه، ولا يشاركه، ولا يعامله
ولا يناظره، ولا يجادله، بل يُذله بالهوان له، وإذا لقيته في طريق أخذت في غيرها إن أمكنك.

فإن قال: فلم لا أناظره، وأجادله، وأرد عليه قوله؟
قيل له: لا يُؤمَن عليك أن تناظره، وتسمع منه كلاماً يفسد عليك قلبك، ويخدعك بباطله الذي زيّن له الشيطان فتهلك أنت، إلا أن يضطرك الأمر إلى مناظرته
وإثبات الحجة عليه، بحضرة سلطان أو ما أشبهه، لإثبات الحجة عليه، فأما لغير ذلك فلا.
وهذا الذي ذكرته لك، فقول من تقدم من أئمة المسلمين، وموافق لسنة رسول الله –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - "([29]).
قلت:
أشار - رحمه الله - أن كل من تمسك بما عليه أهل السنة والجماعة وهو الذي دونه في كتابه؛ أن يهجر أهل الأهواء والبدع، الذي هو أصل من أصول السنة
فما من كتاب من كتب السلف التي دونوها لبيان أصول السنّة إلا وذكر هذا الأصل العظيم الذي يؤدي إلى الوقاية من خطر البدعة وأهلها.
ثم بيّن - رحمه الله - أن لهجر أهل البدع صوراً كثيرة، فمن ذلك ترك الكلام معهم والسلام عليهم والجلوس إليهم ومناظرتهم ومجادلتهم، بل لا يُصلى خلفهم ولا يتزوج منهم ولا يزوّجون
بل ويعاملهم بالشدّة والذل لهم.
أما عن الدخول والمناظرة معهم للرد عليهم فليس لأحد ذلك؛ لأنّه لا يأمن أحد من أن يقع في نفسه من شبههم شيء فيهلك، ولا تجوز مناظرتهم إلا لإقامة الحجة عليهم أمام سلطـــان أو غــير ذلــك
كمــا فعل الإمـام عبد العزيز الكناني وابن تيمية وغيرهما من السلف.
ثم ختم كلامه -رحمه الله- بنقل الإجماع على ما سبق أن قرره من الهجر وغيره.
وقد سبق نقل أقوال بعض السلف في النهي عن مناظرة أهل البدع، وما تؤدي إليه من المخاطر، وهذا بخلاف الرد عليهم وبيان ضلالهم فإنه واجب كم مر بيانه.
ويفصل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في حكم مناظرة أهل البدع، فيقول:
((وقد ينهون (أي السلف) عن المجادلة والمناظرة، إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة، فيخاف عليه أن يفسده ذلك المُضلّ
كما يُنهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قوياً من علوج الكفار، فإن ذلك يضرّه ويضر المسلمين بلا منفعة.
وقد ينهى عنها إذا كان المناظر معانداً يَظهر له الحق فلا يقبله - وهو السوفسطائي- فإن الأمم كلهم متفقون على أن المناظرة إذا انتهت إلى مقدمات معروفة بينة بنفسها ضرورية
وجحدها الخصم كان سوفسطائيا ولم يؤمر بمناظرته بعد ذلك، بل إن كان فاسد العقل داووه، وإن كان عاجزاً عن معرفة الحق - ولا مضرّة فيه- تركوه، وإن كان مستحقاً للعقاب عاقبوه مع القدرة:
إما بتعزير وإما بالقتل، وغالب الخلق لا ينقادون للحق إلا بالقهر.
والمقصود أنهم نهوا عن المناظرة لمن لا يقوم بواجبها، أو مع من لا يكون في مناظرته مصلحة راجحة، أو فيها مفسدة راجحة، فهذه أمور عارضة تختلف باختلاف الأحوال.
وأما جنس المناظرة بالحق فقد تكون واجبة تارة ومستحبة أخرى، وفي الجملة جنس المناظرة والمجادلة فيها محمود ومذموم، ومفسدة ومصلحة، وحق وباطل
))([30]).

(10) قـول الإمام ابن بـطــــــــــــة.
( ت: 387 هـ )
قال الإمام أبو عبد الله عبيد الله بن بطة العكبري – رحمه الله -:
" ونحن الآن ذاكرون شرح السنة، ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سُمِّيَ بها، واستحق الدخول في جملة أهلها
وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحُذّر منه، من أهل البدع والزيـغ، مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة مذ بعث الله نبيه -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - إلى وقتنا هذا … "
ومما ذكره في هذا الشرح:
" ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك، ولا ترافقه في سفرك، وإن أمكنك أن لا تقربه في جوارك.
ومن السنة مجانبة كل من اعتقد شيئاً مما ذكرناه ( أي: من البدع)، وهجرانه، والمقت له، وهجران من والاه، ونصره، وذب عنه، وصاحبه، وإن كان الفاعل لذلك يظهر السنّة
" ([31]).
قلت:
رحم الله الإمام ابن بطة، فعن علم تكلم، وبحكمة نطق، فبعد أن بين أن هجر أهل الأهواء والبدع ومقتهم من أصول السنة، نبّه على أن من ناصر أهل البدع ووالاهم وذب عنهم، وصاحبهم
وإن كان يظهر السلفيّة، فإنه يلحق بهم، ويأخذ حكمهم، ويعامل معاملتهم في الهجر وغيره.
وقـد بـين ذلك ووضـحه عـدد من الأئمـة – أيضاً -، ومستندهم في ذلك ما جاء في حديث عائشة ـ نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةا –قالت: قـال رسول -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-:
" الأرواح جنود مجنّدة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف "([32]).
قال ابن مسعودنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة -:
" إنما يماشي الرجل، ويصاحب من يحبه ومن هو مثله "([33]).
وقال أبو الدرداء -نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-:
" من فقه الرجل ممشاه ومدخله ومجلسه"([34]).
وعن معاذ بن معاذ قال: قلت ليحيى بن سعيد: يا أبا سعيد الرجل وإن كتم رأيه لم يخف ذاك في ابنه ولا صديقه ولا جليسه([35]).
وقال قتادة: إنا والله ما رأينا الرجل يصاحب من الناس إلا مثله وشكله فصاحبوا الصالحين من عباد الله لعلكم أن تكونوا معهم أو مثلهم([36]).
وعن عقبة بن علقمة قال:
" كنت عند أرطاة بن المنذر فقال بعض أهل المجلس: ما تقولون في الرجل يجالس أهل السنّة ويخالطهم، فإذا ذكر أهل البدع قال: دعونا من ذكرهم لا تذكروهم، قال: يقول أرطأة:
هو منهم لا يلبّس عليكم أمره، قال: فأنكرت ذلك من قول أرطاة قال: فقدمت على الأوزاعي، وكان كشّافاً لهذه الأشياء إذا بلغته فقال: صدق أرطأة والقول ما قال
هذا يَنهى عن ذكرهم، ومتى يحذروا إذا لم يشد بذكرهم
"([37]).
وقال الأوزاعي - رحمه الله -:
" من ستر علينا بدعته لم تَخْفَ علينا أُلفته "([38])
وقال محمد بن عبيد الغلابي:
" يتكاتم أهل الأهواء كل شيء إلا التآلف والصحبة " ([39])
وقال الإمام أحمد – رحمه الله -:
" إذا سلّم الرجل على المبتدع فهو يحبه "([40]).
وقال أبو داود السجستاني – رحمه الله -:
" قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلاً من أهـل البيت مع رجل من أهل البدع، أترك كلامه؟ قال: لا، أو تُعْلِمه أن الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه وإلا فألحقه به
قال ابن مسعود: المرء بخدنه
"([41]).
قال الشيخ حمود التويجري عن هذه الرواية وتطبيقها على أهل البدع كجماعة التبليغ:
" وهذه الرواية عن الإمام أحمد ينبغي تطبيقها على الذين يمدحون التبليغيين ويجادلون عنهم بالباطل، فمن كان منهم عالماً بأن التبليغيين من أهل البدع والضلالات والجهالات
وهو مع هذا يمدحهم ويجادل عنهم، فإنّه يلحق بهم، ويعامل بما يعاملون به، من البغض والهجر والتجنُّب، ومن كان جاهلاً بهم، فإنه ينبغي إعلامه بأنهم من أهل البدع والضلالات والجهالات
فإن لم يترك مدحهم والمجادلة عنهم بعد العلم بهم، فإنه يُلحق بهم ويُعامل بما يُعاملون به
.
"([42])
وقال الفضيل بن عياض – رحمه الله -:
" الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكـر منها اختلف، ولا يمكن أن يكون صاحب سنة يمالئ صاحب بدعة إلا من النفاق".
قال ابن بطة – معلقاً على قول الفضيل -:
" صدق الفضيل - رحمه الله – فإنا نرى ذلك عياناً " ([43]).
ولما قدم سفيان الثوري البصرةَ، جعل ينظر إلى أمر الربيع – يعني ابن صبيح – وقدره عند الناس، سأل أي شيء مذهبه؟
قالوا: ما مذهبه إلا السنة.
قال: من بطانته؟.
قالوا: أهل القدر.
قال: هو قدري. " ([44]).
وقال الإمام البربهاري – رحمه الله - في شرح السنة ([45]):
" وإذا رأيت الرجل جالساً مع رجل من أهل الأهواء فحذّره وعرّفه، فإن جلس معه بعد ما علم فاتقه؛ فإنه صاحب هوى. "
وقال العلامـة شيث بن إبراهيم القفطـي المعروف بابـن الحاج – رحمـه الله- ( ت: 598 هـ ):
" فبين سبحانه بقوله{ وقد نزل عليكم في الكتاب} ما كان أمرهم به من قوله في السورة المكيّة{ فلا تقعد بعد الذكرى مع القـوم الظالمين} ثم بيّن في هذه السورة المدنيّة أن مجالسة من هذه صفته لحوقٌ به
في اعتقاده، وقد ذهب قوم من أئمة هذه الأمة إلى هذا المذهب، وحكم بموجب هذه الآيات في مجالس أهل البدع على المعاشرة والمخالطة منهم أحمد بن حنبل والأوزاعي وابن المبارك
فإنهم قالوا في رجل شأنه مجالسة أهل البدع قالوا: يُنهى عن مجالستهم، فإن انتهى وإلا ألحق بهم يعنون في الحكم.
قيل لهم: فإنه يقول: إني أجالسهم لأباينهم وأرد عليهم.
قالوا: ينهى عن مجالستهم فإن لم ينته ألحق بهم
" ([46]).
وقال شيخ الإسلام ابن تيميّة – رحمه الله – فيمن يوالي الاتحادية وهي قاعدة عامة في جميع أهل البدع:
" ويجب عقوبـة كل من انتسـب إليهم، أو ذب عنهم، أو أثنىعليهم أو عظم كتبهم، أو عرف بمساندتهم ومعاونتهـم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هـو
أو من قال إنه صنف هذا الكتاب
([47])
وأمثال هذه المعاذير، التي لا يقولها إلا جاهل، أو منافق؛ بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات
لأنهم أفسدوا العقول والأديان، على خلق من المشايخ والعلماء، والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً، ويصدون عن سبيل الله.
" ([48])
وقد سئـل سماحـة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في شرحه لكتاب (( فضل الإسلام ))، ما نصّه:
الذي يثني على أهل البدع ويمدحهم، هل يأخذ حكمهم؟
فأجاب – عفا الله عنه -: " نعم ما فيه شكٌّ، من أثنى عليهم ومـدحهم هو داعٍ لهم، يدعو لهم، هذا من دعاتهم، نسأل الله العافيـة".
بل كان السلف الصالح -نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة ورحمهم- إذا رأوا الشاب في أول أمره مع أهل السنة رجوه، وإن رأوه مع أهل البدع في ممشاه ومجلسه وصحبته أيسوا من خيره ولم يرجوه.
قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، وإذا رأيته مع أصحاب البدع فايئس منه؛ فإن الشاب على أول نشوئه ([49]).
وقال عمرو بن قيس الملائي: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه، فإذا رأيته مع أهل البدع فايأس منه؛ فإن الشاب على أول نشوئه.
ويقول: إن الشاب لينشؤ فإن آثر أن يجالس أهل العلم كاد أن يسلم وإن مال إلى غيرهم كاد أن يعطب([50]).

(11) قول الإمام ابن أبي زمنين.
( ت: 399 هـ )
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله الشهير بابن أبي زمنين –رحمه الله-:
" ولم يـزل أهل السنة يعيبون أهل الأهواء المضلة، وينهون عـن مجالستهم، ويخوفون فتنتهم، ويخبرون بخلاقهم، ولا يرون ذلك غيبـة لـهم، ولا طعناً عليهم. " ([51]).
قلت: لقد مضى أهل السنة من الأولين ومن بعدهم من المتأخرين على طريقة واحدة في التعامل مع أهل البدع، وذلك بعيبهم والتحذير منهم وهجرهم والنهي عن مجالستهم
خوفاً على من خالطهم أو جالسهم من فتنتهم.
وكانوا يرون أن ذكر عيوبهم ومساوئهم ليس من باب الغيبة المحرمة، وقد استثنى أهل العلم ستاً من الحالات التي تجوز فيها الغيبة كما قال الناظـم:

القـدح ليس بغيبـة في ستــــة * متظلـم ومعـرف ومـحذّر

ومجاهر فسقاً ومستفتٍ ومـن * طلب الإعانة في إزالة منكر
وقال الإمام أحمد -رحمه الله-:
(( لا غيبة لأصحاب البدع )) ([52]).
بل قد نقل شيخ الإسلام ابن تيميـة - رحمه الله - الاتفـاق على وجوب التحذير من أهل البدع، وأن ذلك من الغيبة الجائزة، قال - رحمه الله -:
" وأما الشخص المعين فيذكر ما فيه من الشر في مواضع.
وذكر منها:
ومنها : أن يكون على وجه النصيحة للمسلمين في دينهـــم ودنيـاهم … وإذا كان النصح واجباً في المصالح الدينية الخاصة والعامة مثل نقلة الحديث الذين يخلطون أو يكذبون كما قال يحيى بن سعيد:
سألت مالكاً والثوري والليث بن سعد أظنه والأوزاعي عن الرجل يُتهم في الحديث ولا يحفظ فقالوا بَيّن أمره، وقال بعضهم لأحمد بن حنبل: أنه يثقل علي أن أقول فلان كذا
وفلان كذا فقال إذا سكت أنت وسكت أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم.
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنّة فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل:
الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع، فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين.
ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسـدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً
وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً
".([53])

(12) قول أبي منصور معمر بن أحمد.
( ت: 418 هـ )
قـال أبو القاسم الأصبهاني – رحمه الله – في كتابه " الحجة في بيان المحجة "([54]):
أخبرنـا أحمد بن عبد الغفار بن أشتة([55])، أنا أبو منصور معمر بن أحمد([56]) قال:
" ولما رأيت غربة السنة، وكثرة الحوادث، واتباع الأهواء، أحببت أن أوصي أصحابي وسائر المسلمين بوصية من السنة وموعظة من الحكمة وأجمع ما كان عليه أهل الحديث والأثر
وأهل المعرفة والتصوف من السلـف المتقدمين والبقية من المتأخرين.
فأقول - وبالله التوفيق -:
"
فذكر من جملة ذلك:
" ثم من السنة ترك الرأي والقياس في الدين وترك الجدال والخصومات وترك مفاتحة القدرية وأصحاب الكلام، وترك النظر في كتب الكلام وكتب النجوم
فهذه السنة التي اجتمعت عليها الأئمة وهي مأخوذة عن رسول الله -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - بأمر الله تبارك وتعالى."
إلى أن قال:
"فأخذ رسول الله -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - السنة عن الله عز وجل، وأخذ الصحابة عن رسول الله - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - وأخذ التابعون عن الصحابة الذين أشار إليهم رسول الله - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - بالإقتداء بهم([57])
ثمّ أشار الصحابة إلى التابعين بعدهم مثل:
سعيد بن المسيّـب، وعلقمة بن وقاص، والأسود، والقاسم، وسالم، وعطاء، ومجاهد، وطاووس، وقتادة، والشعبي، وعمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين.
ثمّ من بعدهم مثل: أيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وسليمان التيمي، وابن عون.
ثمّ سفيان الثـوري، ومالك بن أنس، والزهري، والأوزاعي، وشعبة.
ثمّ يحيى بن سعيد، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وعبد الله بن المبارك، والفضيل بن عياض، وسفيان بن عيينة.
ثمّ مثل: أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وعبد الرحمن بن مهـدي، ووكيع بن الجراح، وابن نمير، وأبي نعيم، والحسن بن الربيع.
ثمّ من بعدهم مثل: أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، وأبي مسعود الرازي، وأبي حاتم الرازي.
ونظرائهم مثل من كان من أهل الشام، والحجاز، ومصر، وخراسان، وأصبهان، والمدينة، مثل: محمد بن عاصم، وأسيد بن عاصم، وعبد الله بن محمد بن النعمان، ومحمد بن النعمان
والنعمان بن عبد السلام رحمـــة الله عليــهم أجمعين.
ثمّ من لقيناهم وكتبنا عنهم العلم والحديث والسنة مثل: أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة، وأبي القاسم الطبراني، وأبي محمد عبد الله بن محمد بن جعفر أبي الشيخ ومن كان في عصرهم من أهل الحديث.
ثمّ بقية الوقت أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مندة الحافظ رحمــه الله.
فكل هؤلاء سرج الدين وأئمة السنة وأولوا الأمر من العلماء فقد اجتمعوا على جملة هذا الفصل من السنة، وجعلوها في كتب السنة ويشهد لهذا الفصل المجموع من السنة،كتب الأئمة فأول ذلك:
كتاب السنة عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، وكتاب السنة لأبي مسعود، وأبي زرعة، وأبي حاتم، وكتاب السنة لعبد الله بن محمد بن النعمان
وكتاب السنة لأبي عبد الله محمد بن يوسف البنا الصوفي رحمهم الله أجمعين.
ثمّ كتب السنن للآخرين مثل أبي أحمد العسال، وأبي إسحاق إبراهيم ابن حمزة، والطبراني، وأبي الشيخ وغيرهم ممن ألفوا كتب السنة فاجتمع هؤلاء كلهم على إثبات هذا الفصل من السنة
وهجران أهل البدعة والضلالة والإنكار على أصحاب الكـلام والقياس والجدال وأن السنة هي إتباع الأثر والحديث والسلامة والتسليم … إلخ
"
قلت:
فأبان رحمه الله أن أهل السنة متفقون ومجمعون على ترك الجدال والخصومات وهجـران أهل البدع والضلال، بل قد نقل الإجماع على ترك النظر في كتب أهل البدع.

(13) قول الإمام أبي عثمان الصابوني.
(ت: 449 هـ )
قال الإمام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمـن الصابوني – رحمه الله - حاكياً مذهب السلف أهل الحديث:
" واتفقـوا مع ذلك على القول بقهر أهل البدع، وإذلالهم، وإخزائهم، وإبعادهم، وإقصائهم، والتباعد منهم، ومن مصاحبتهم، ومعاشرتهم، والتقرب إلى الله عز وجل بمجانبتهم ومهاجرتهم."([58])
وقال أيضاً:
" ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم، ولا يصحبونهم، ولا يسمعون كلامهم، ولا يجالسونهم، ولا يجادلونهم في الدين، ولا يناظرونهم
ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مرت بالآذان وقرت في القلوب ضرّت وجـرّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جرّت، وفيه أنزل الله عز وجل قوله:
{وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره}
"([59])
قلت:
أين دعاة التمييع من الحزبيين ومَن انخدع بهم ممن يدعي السلفيّة من منهج السلف في معاملة أهل البدع.
فهذا الإمام الصابوني - رحمه الله - قد نقل الاتفاق على القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم والتباعد منهم وبغضهم وغير ذلك من أنواع الهجر والقهر والإذلال
والتقرب إلى الله - عزوجل - بهذا التعامل.
فهل كان السلف الصالح يوادعون أهل البدع ويلينون جانبهم لهم كلا، ثم كلا.
بل قد وصل الأمر ببعض المنتسبين إلى السنّة إلى تقديس أئمة البدع والضلال والموالاة والمعادات من أجلهم، مما يدل دلالة واضحة على بُعْدِهم عن السنّة وأهلها.
قال عبد الله بن داود سنديلة: من علامات الحق البغض لمن يدين بالهوى، ومن أحب الحق فقد وجب عليه البغض لأصحاب الهوى، يعني: أهل البدعة([60]).
قال رجل لأيوب بن أبي تميمة السختياني: يا أبا بكر أسألك عن كلمة. قال: فرأيته يشير بيده ويقول: ولا نصف كلمة ولا نصف كلمة.([61])
وعن ابن سيرين أنّه كان إذا سمع كلمة من صاحب بدعة وضع إصبعيه في أذنيه ثم قال: لا يحل لي أن أكلمه حتى يقوم من مجلسه.([62])
وقال معمر: كان ابن طاوس جالساً فجاء رجل من المعتزلة فجعل يتكلم، قال فأدخل ابن طاوس إصبعيه في أذنيه، قال:
وقال لابنه: أي بني أدخل أصبعيك في أذنيك واشدد، ولا تسمع من كلامه شيئاً([63]).
وقال يحيى بن أبي كثير: إذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في طريق آخر.([64])

(14) قول القاضي أبي يعلى.
( ت: 458هـ )
قال -رحمه الله تعالى- في كتابه الأمر بالعروف والنهي عن المنكر([65])، بعد أن تكلم عن هجر أهل المعاصي والبدع:
((ولأنّه إجماع الصحابة، روى أبو بكر الخلال بإسناده عن عطاء أن رجلاً باع ذهباً أو ورقاً بأكثر من وزنها، فقال أبـو الدرداء:
سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ينهى عن مثل هذا إلا مثلاً بمثل فقال الرجل: ما أرى به بأساً فقال أبو الدرداء:
من يعذرني من فلان أحدثه عن رسول الله ويخبرني عن رأيه، لا ساكنتك بأرض أنت ساكنها أبداً.
وروى بإسناده عن سعيد بن جبير: أن قريباً لعبدالله بن المغفل خذف فنهاه وقال: إنّ رسول الله نهى عن الخذف؛ لأنّها لا تصيد صيداً ولا تنكئ عدواً ولكنها تكسر السنّ وتفقأ العين
قال: فعاد، فقال: أحدّثك عن رسول الله ثم تخذف لا أكلمك أبداً ... ثم ذكر عدداً من الآثار عن الصحابة في ذلك ثم قال:
ولأنه إجماع التابعين، فروى أبو بكر بإسناده عن أيوب قال: قال لي سعيد بن جبير: أراك مع طلق -يعني ابن حبيب؟ قال: قلت بلى. قال: لا تجالسه فإنه مرجئ.
وبإسناده عن محل الضبي قال: تكلم رجل عند إبراهيم في الإرجاء، فقال له إبراهيم: إذا قمت من عندنا فلا تعد إلينا
)).

(15) قول الإمام ابن عبد البر.
( ت: 463 هـ )
قال – رحمه الله -:
" أجمع العلماء على أنه لا يجوز للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، إلا أن يكون يخاف من مكالمته وصلته ما يفسد عليه دينه، أو يولد به على نفسه مضرة في دينه أو دنياه
فإن كان كذلك فقد رخّص له مجانبته، ورُبّ صرمٍ جميلٍ خيرٌ من مخالطة مؤذية.
" ([66])
قلت:
لقد جاءت الأحاديث الصحيحة في الوعيد والنهي عن هجر المسلم أخاه فوق ثلاث ليال، كما في الصحيحين عن النبي -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- قال:
" لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " ([67]).
وهذا الهجر المذكور في الحديث هو الذي يكون عن غضب لأمر جائز لا تعلّق له بالدين.
أما هجر أهل البدع فهو غير داخل في هذا الحديث، وذلك للنصوص الواردة في هجر أهل البدع والمعاصي وللإجماع على هجر أهل البدع على التأبيد.
قال الإمام البغوي - رحمه الله -:
" والنهي عن الهجران فوق الثلاث فيما يقع بين الرجلين من التقصير في حقوق الصحبة والعشرة، دون ما كان ذلك في حق الدين، فإن هجرة أهل الأهواء والبدع دائمة إلى أن يتوبوا "([68])
وقال العظيم آبادي صاحب عون المعبود:
" وهذا فيما يكون بين المسلمين من عتب وموجدة أو تقصير يقع في حقوق العشرة والصحبة دون ما كان من ذلك في جانب الدين
فإن هجرة أهل الأهواء والبدع واجبة على مر الأوقات ما لم يظهر منه التوبة والرجوع
"([69])
وسيـأتي بيـان ذلك مـن كـلام أبـي العبـاس القـرطـبي صـاحـب المفهم -رحمه الله -.

(16) قول أبي المظفر السّمعاني.
( ت: 489 هـ )
قال في كتابه " الانتصار لأهل الحديث "([70]):
" واعلم أنك متى تدبرت سيرة الصحابة، ومن بعدهم من السلف الصالح، وجدتهم ينهون عن جدال أهل البدع بأبلغ النهي، ولا يرون رد كلامهم بدلائل العقل
وإنما كانوا إذا سمعوا بواحد من أهل البدعة أظهروا التّبري منه ونهوا الناس عن مجالسته ومحاورته والكلام معه وربما نهوا عن النظر إليه.
وقد قالوا: إذا رأيت مبتدعاً في طريق فخذ في طريق آخر.
ولقد ظهرت هذه الأهـواء الأربع التي هي رأس الأهواء، أعني: القدر، والإرجاء، ورأي الحرورية، والرافضة في آخر زمن الصحابة.
فكان إذا بلغهم أمرهم أمروا بما ذكرنا، ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه جادلهم بدلائل العقل، أو أمر بذلك، وقد كانوا إلى عهد رسول الله –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- أقرب.
وقد شاهدوا الوحي والتنـزيل وعدّلهم الله في القرآن وشهد لهم بالصدق وشهد لهم النبي –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- بالخيريّة في الدين.
وكانت طاعتهم أجل، وقلوبهم أسلم، وصدورهم أطهر، وعلمهم أوفر، وكانوا من الهوى والبدع أبعد.
ولو كان طريق الرد على المبتدعة هو الكلام ودلائل العقل والجدال معهم لاشتغلوا به، وأمروا بذلك وندبوا إليه، وإنما ظهرت المجادلات في الدين والخصومات بعد مضي قرن التابعين ومن يليهم
حين ظهر الكذب وفشت شهادات الزور وشاع الجهل واندرس أمر السنة بعض الاندراس، وأتى على الناس زمان حذّر منه النبي –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- والصحابة من بعده."
ثم ذكر عدداً من الآثار عن السلف في معاملة أهل البدع وهجرهم والتبري منهم، إلى أن قال: " فهذا الذي نقلناه طريقة السلف وما كانوا عليه. ".

(17) قول الإمام البغــــــــــــوي.
( ت: 516 هـ )
قال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي – رحمه الله -:
" وفيه دليل ( أي حديث كعب بن مالك ) على أن هجران أهل البدع على التأبيد، وكان رسول
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة خاف على كعب وأصحابه النفاق حين تخلفوا عن الخروج معه فأمر بهجرانهم
إلى أن أنزل الله توبتهم، وعرف رسول الله
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة براءتهم، وقد مضت الصحابة والتّابعون وأتباعهم وعلماء السنة على هذا مجمعين متفقين على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم. " ([71])

(18) قول موفق الدين ابن قدامة.
( ت: 620 هـ )
قال العلامة ابن مفلح في كتابه " الآداب الشرعية "([72]):
" وذكر الشيخ موفق الدين – رحمه الله – في المنع من النظر في كتب المبتدعة، قال: كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع، والنظر في كتبهم والاستماع لكلامهم. "
إلى أن قال:
" وإذا كان أصحاب النبي ومن اتبع سنتهم في جميع الأمصار والأعصار متفقين على وجوب اتباع الكتاب والسنة وترك علم الكلام، وتبديع أهله، وهجرانهم
والخبر بـزندقتهم وبـدعتهم، فيجب القول ببطلانه وأن لا يلتفت إليه ملتفت ولا يغتر به أحد.
"

(19) قول أبي العباس القرطبي.
( ت: 656 هـ )
قال أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي – بعد أن ذكر تحريم الهجر فوق ثلاث -:
" وهذا الهجران الذي ذكرناه هو الذي يكون عن غضـب لأمر جائز لا تعلق له بالدين.
فأما الهجران لأجل المعاصي والبدعة فواجب استصحابه إلى أن يتوب من ذلك، ولا يختلف في هذا
. "([73])

(20) قول شيخ الإسلام ابن تيمية.
( ت: 728 هـ )
قال رحمه الله:
" صح عنه أنه هجر كعب بن مالك، وصاحبيه -نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةا - لما تخلفوا عن غزوة تبوك وظهرت معصيتهم وخيف عليهم النفاق فهجرهم
وأمر المسلمين بهجرهم حتى أمرهم باعتزال أزواجهم بغير طلاق خمسين ليلة، إلى أن نزلت توبتهم من السماء.
وكذلك أمر عمر نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة المسلمين بهجر صبيغ بن عسل التميمي، لما رآه من الذين يتبعون ما تشابه من الكتاب، إلى أن مضى عليه حول، وتبين صدقه في التوبة، فأمر المسلمين بمراجعته.
فبهذا أو نحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع الداعين إليها والمظهرين للكبائر، فأما من كان مستتراً بمعصيته أو مسراً لبدعة غير مكفرة، فإن هذا لا يهجر
وإنما يهجر الداعي إلى البدعة إذ الهجر نوع من العقوبة وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولاً وعملاً
وأما من أظهر لنا خيراً فإنّا نقبل علانيته، ونكل سريرته إلى الله تعالى، فإن غايته أن يكون بمنـزلة المنافقين الذين كان النبي -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- يقبل علانيتهم
ويكل سرائرهم إلى الله، لما جاءوا إليه عام تبوك يحلفون ويعتذرون.
ولهذا كان الإمام أحمد وأكثر من قبله وبعده من الأئمة كمالك وغيره لا يقبلون رواية الداعي إلى بدعة ولا يجالسونه بخلاف الساكت
وقد أخرج أصحاب الصحيح عن جماعات ممن رمي ببدعة من الساكتين، ولم يخرجوا عن الدعاة إلى البدع.
" ([74])
وقال - رحمه الله -:
" ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة، أو العبارات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل:
الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل.
فبيّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين
ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسـدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً
وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداءً
".([75])
وقال - أيضاً -:
" ومن كان مبتدعاً ظاهر البدعة، وجب الإنكار عليه، ومن الإنكار المشروع امتناع أهل الدين من الصلاة عليه لينـزجر من يتشبـه بطريقته، ويدعو إليه
وقد أمر بمثـل هذا مالك بن أنس، وأحمـد بن حنبل، وغيرهمـا من الأئمة، والله أعلم
. " ([76])
وقـال - بعد أن ذكر أنّ المعصية إذا كانت ظاهرة كانت عقوبتها ظاهرة -:
" ولهذا لم يكن للمعلن بالبدع والفجور غيبة، كما روي ذلك عن الحسن البصري وغيره؛ لأنّه لما أعلن ذلك استحق عقوبة المسلمين له، وأدنى ذلك أن يذم عليه لينـزجر ويكف الناس عنه وعن مخالطته
ولو لم يذم ويذكر بما فيه من الفجور والمعصية أو البدعة لاغترّ به الناس، وربما حمل بعضهم أن يرتكب ما هو عليه، ويزداد أيضاً هو جرأةً وفجوراً ومعاصي، فإذا ذكر بما فيه انكفّ
وانكفّ غيره عن ذلك وعن صحبته ومخالطته
قال الحسن البصري: أترغبون عن ذكر الفاجر؟! أذكروه بما فيه كي يحذره الناس، وقد روي مرفوعاً، و (( الفجور )) اسم جامع لكل متجاهر بمعصية أو كلام قبيح يدل السامع له على فجور قلب قائله.
ولهذا كان مستحقاً للهجر إذا أعلن بدعة أو معصية أو فجوراً أو مخالطة لمن هذا حاله بحيث لا يبالي بطعن الناس فإن هجره نوع تعزير له، فإذا أعلن السيئات أعلن هجره، وإذا أسر أُسر هجره
إذ الهجرة هي الهجرة على السيئات، وهجرة السيئات هجرة ما نهى الله عنه، كما قال تعالى:{ والرجز فاهجر} وقال تعالى:
{ وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنّكم إذاً مثلهم })
)([77]).
وقال -رحمه الله-:
((والكلام الذي ذمّوه (أي السلف) نوعان: أحدهما أن يكون في نفسه باطلاً وكذباً، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو باطل وكذب، فإن أصدق الكلام كلام الله.
والثاني: أن يكون فيه مفسدة، مثلما يوجد في كلام كثير منهم: من النهي عن مجالسة أهل البدع، ومناظرتهم، ومخاطبتهم، والأمر بهجرانهم. وهذا لأن ذلك قد يكون أنفع للمسلمين من مخاطبتهم
فإن الحق إذا كان ظاهراً قد عرفه المسلمون، وأراد بعض المبتدعة أن يدعو إلى بدعته، فإنه يجب منعه من ذلك، فإذا هُجر وعُزِّر، كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- بصبيغ بن عسل التميمي
وكما كان المسلمون يفعلونه، أو قُتل كما قَتل المسلمون الجعد بن درهم وغيلان القدري وغيرهما، كان ذلك هو المصلحة، بخلاف ما إذا تُرك داعياً، وهو لا يقبل الحق: إما لهواه، وإما لفساد إدراكه
فإنه ليس في مخاطبته إلا مفسدة وضرر عليه وعلى المسلمين)
)([78]).

(21) قول شيخ الإسلام ابن القيم.
( ت: 751 هـ)
قال شيخ الإسلام محمد بن أبي بكر بن القيم -رحمه الله- مبيناً تاريخ نشأة الفرق:
(( لما أظلمت الأرض وبعد عهد أهلها بنور الوحي، وتفرقوا في الباطل فرقاً وأحزاباً، لا يجمعهم جامع، ولا يحصيهم إلا الذي خلقهم، فإنِّهم فقدوا نور النبوّة، ورجعوا إلى مجرد العقول ...
فأطلع الله شمس الرسالة في تلك الظلم سراجاً منيراً وأنعم بها على أهل الأرض في عقولهم وقلوبهم ومعاشهم ومعادهم نعمة لا يستطيعون لها شكوراً فأبصروا بنور الوحي ما لم يكونوا بعقولهم يبصرونه
ورأوا في ضوء الرسالة ما لم يكونوا بآرائهم يرونه...
فمضى الرعيل الأول في ضوء ذلك النّور، لم تطفئه عواصف الأهواء، ولم تلتبس به ظلم الآراء، وأوصوا من بعدهم أن لا يفارقوا النّور الذي اقتبسوه منهم، وأن لا يخرجوا عن طريقهم
فلما كان في أواخر عصرهم حدثت الشيعة والخوارج والقدريّة والمرجئة، فبعدوا عن النور الذي كان عليه أوائل الأئمَّة، ومع هذا فلم يفارقوه بالكليَّة، بل كانوا للنصوص معظمين، وبها مستدلين
ولها على العقول والآراء مقدّمين، ولم يدّع أحدٌ منهم أن عنده عقليات تعارض النصوص، وإنّما أتوا من سوء الفهم فيها، والاستبداد بما ظهر لهم منها، دون من قبلهم
ورأوا أنَّهم إن اقتفوا أثرهم كانوا مقلدين لهم، فصاح بهم من أدركهم من الصحابة وكبار التابعين من كل قطر، ورموهم بالعظائم، وتبرّأوا منهم، وحذّروا من سبيلهم أشدّ التحذير
ولا يرون السلام عليهم ولا مجالستهم، وكلامهم فيهم معروف في كتب السنّة، وهو أكثر من أن يذكر ها هنا ...
)) ([79]).
وقال:
((فكل بدعة مضلّة في الدين أساسها القول على الله بلا علم.
ولهذا اشتدّ نكير السلف والأئمة لها، وصاجوا بأهلها من أقطار الأرض، وحذّروا فتنتهم أشدّ التحذير، وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا مثله في إنكار الفواحش والظلم والعدوان
إذ مضرّة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد
))([80]).

(22) قول العلامة محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي.
( ت: 763 هـ)
قال ابن مفلح في كتابه " الآداب الشرعية "([81]):
" قال القاضي: وروى الخلال عن ابن مسعود أنه رأى رجلا يضحك في جنازة. فقال: أتضحك مع الجنازة؟ لا أكلمك أبداً …
وبإسناده عن مجاهد قلت لابن عباس: إن أتيتك برجل يتكلم في القدر؟ فقال: لو أتيتني به لأوجعت رأسك، ثم قال: لا تكلمهم ولا تجالسهم.
وقـال سعيد بن جبير لأيوب: لا تجالس طلق بن حبيب فإنه مرجئٌ.
وقال إبراهيم لرجل تكلم عنده في الإرجاء: إذا قمت من عندنا فلا تعد إلينا.
وقال محمد بن كعب القرظي: لا تجالسوا أصحاب القدر ولا تماروهم.
وكان حماد بن سلمة إذا جلس يقول: من كان قدرياً فليقم.
وعن طاووس، وأيوب، وسليمان التيمي، وأبي السوار، ويونس بن عبيد معنى ذلك.
قال القاضي: هو إجماع الصحابة والتابعين
".

(23) قول العلامة أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي.
( ت: 790 هـ )
قال -رحمه الله تعالى- في بيان الأوجه على أن ذم البدع عامٌ لا يخص محدثة دون غيرها:
(( والثالث: إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمها كذلك، وتقبيحها والهروب عنها، وعمن اتسم بشيء منها، ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا مثنويّة
فهو - بحسب الاستقراء - إجماع ثابت، فدل على أن كل بدعة ليست بحق، بل هي من الباطل
)) ([82]).

(24) قول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.
( ت: 1206 هـ )
قال – رحمه الله تعالى – في رسالته إلى أهل القصيم:
" أُشهد الله ومن حضر من الملائكة وأُشهدكم، أني أعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة. "
ثم ذكر مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة ومن ذلك:
(( وأرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، وأحكم عليهم بالظاهر، وأكل سرائرهم إلى الله، وأعتقـد أنّ كل محدثة في الدين بدعة.))([83])

(25) قول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ
( ت: 1293 هـ )
قال رحمه الله تعالى – ضمن تحذيره من بعض الضالين من أهل البـدع مـن جهـة عمان،كانوا قد كتبوا أوراقاً للتلبيس على عوام المسلمين :
(( ومن السنن المأثورة عن سلف الأمة وأئمتها وعن إمام السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل - قدس الله روحه - التشديد في هجرهم وإهمالهم
وترك جدالهم واطّراح كلامهم، والتباعد عنهم حسب الإمكان، والتقرب إلى الله بمقتهم وذمهم وعيبهم
)) ([84])

(26،27،28) قول الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ والشيخ سليمان بن سحمان النجدي.
( ت: 1329-1339-1349 هـ )

قالوا -رحمهم الله تعالى- في جواب لهم:
((وأما ما ذكرته من استدلال المخالف بقوله -صلّى الله عليه وسلّم- : (من صلى صلاتنا)) وأشباه هذه الأحاديث، فهذا استدلال جاهل بنصوص الكتاب والسنة، لا يدري ولا يدري أنه لا يدري
فإن هذا فرضه ومحلّه في أهل الأهواء من هذه الأمة ومن لا تخرجه بدعته من الإسلام، كالخوارج ونحوهم، فهؤلاء لا يكفرون؛ لأن أصل الإيمان الثابت لا يحكم بزواله إلا بحصول مناف لحقيقته
مناقض لأصله، والعمدة استصحاب الأصل وجوداً وعدماً، لكنهم يُبَدّعون ويضللون، ويجب هجرهم، وتضليلهم، والتحذير عن مجالستهم ومجامعتهم، كما هو طريقة السلف في هذا الصنف
))([85]).
وقال الشيخ سليمان بن سحمان - رحمه الله تعالى - في كتابه ((كشف الشبهتين ))([86]):
(( واعلم رحمك الله أن كلامه وما يأتي من أمثاله من السلف في معاداة أهل البدع والضلالة ضلالة لا تخرج من الملّة، لكنهم شددوا في ذلك وحذّروا منه لأمرين:
الأول: غلظ البدعة في الدين في نفسها، فهي عندهم أجلّ من الكبائر ويعاملون أهلها بأغلظ مما يعاملون أهل الكبائر كما تجد في قلوب النّاس اليوم أن الرافضي عندهم ولو كان عالماً عابداً
أبغض وأشدّ ذنباً من السنيّ المجاهر بالكبائر.
والأمر الثاني: أنّ البدعة تجر إلى الردّة الصريحة كما وجد في كثير من أهل البدع
)).
ثمّ ذكر عدداً من أقوال أهل العلم ومواقفهم في معاملة أهل البدع من الهجر والتحذير والمباينة.
ثمّ قال:
(( ولو ذهبنا نذكر أقوال العلماء لطال الكلام والمقصود التنبيه على أنّ هذا هدي رسول الله -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-، وهدي أصحابه والتابعين لهم بإحسان هجر أهل المعاصي والبدع
ودرج على ذلك أفاضل العلماء من الأئمة الأعلام فمن أخذ بهديهم وسار بسيرهم، فقد سار على الصراط المستقيم
)).

(29) قول الشيخ محمد بن عبداللطيف آل الشيخ
(ت:1367هـ)
قال - رحمه الله تعالى- بعد نقله لكلام لشيخ الإسلام في الهجر ومراعاة المصلحة فيه:
((فانظر: أيها المنصف بعين الإنصاف، واحذر التعصب والاعتساف إلى ما قاله شيخ الإسلام: من أن في هجرهم عزّاً للدين، وهذا إذا كانوا مسلمين، ولكنهم أصحاب معاص واقتراف لبعض الأوزار
فيجب هجرهم واعتزالهم حتى يقلعوا، أما المشرك والمبتدع: فلا نزاع في هجرهما ولا خلاف فيه، إلا عند من قلّ حظّه ونصيبه من العلم الموروث عن صفوة الرسل - صلوات الله وسلامه عليه-
))([87]).

(30) قول الشيخ حمود بن عبد الله التويجري.
( ت: 1413 هـ )
قال - رحمه الله تعالى - في كتابه (( القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ )) ([88]):
(( وقد كان السلف الصالح يحذرون من أهل البـدع، ويبالغون في التحذير منهم، وينهون عن مجالستهم ومصاحبتهم وسماع كلامهم، ويأمرون بمجانبتهم ومعاداتهم وبغضهم وهجرهم.
ثم نقل قول الإمام الصابوني الذي ذكرناه عنه سابقاً وذكر بعض الآثار منها:
عن الأوزاعي أنه قال:
(( كانت أسلافكم تشتد عليهم ألسنتهم، وتشمئز منهم قلوبهم، ويحذرون الناس بدعتهم ))
إلى أن قال:
(( وكلام السلف ومن بعدهم من أئمة الخلف في التحذير من أهل البدع والأمر بمجانبتهم ومجانبة من يميل إليهم كثير جداً )).
قلت:
انظر أخي في الله هل ترى في أقوال هؤلاء الأئمة أثرًا للمنهج المبتدع المحدث وهو ما يسمى ( بمنهج الموازنات )([89])؟
وهل ألزموا الناس بذكر حسنات أهـل البدع؟
ما ذكروا – رحمهم الله – إلا المعاداة والإذلال والإخزاء والإبعاد والهجران، بل لم يزل أهل السنة يعيبون أهل البدع كما سبق عن الإمام ابن أبي زمنين.
فإن المبتدع إذا ذكرتَ محاسنه، فقد زخرفتَ وبهرجتَ مذهبَه، بل ودعوتَ إلى مذهبِه.
فاقتفِ آثار السلف الصالح، إذ منهجهم أسلم وأعلم وأحكم.

يتبع...
------------------------------
([1]) تاريخ دمشق ( 6/362 ) .

([2]) شرح السنّة للبربهاري ( ص : 139 ) .

([3]) الاعتصام للشاطبي ( 1/114 ) .

([4]) الإبانة لابن بطة ( 2/532 ) .

([5]) انظر تهذيب الكمال للمزي ( 17/95 – 96 ) .

([6]) حلية الأولياء ( 8/104 ) .

([7]) انظر شرح السنة للبربهاري ( ص : 138-139 ) ، والإبانة لابن بطة (2/460 ).

([8]) ( ص : 34-35 ) .

([9]) أي عائبين .

([10]) مسائل الإمام أحمد لابنه صالح (2/166-167)، والإبانة لابن بطة ( 2/472 ) .

([11]) الإبانة ( 2/539 ).

([12]) الإبانة ( 2/539 ).

([13]) كتاب التمام (2/259).

([14]) بدائع الفوائد ( 2 / 275 ) .

([15]) أخرجه أحمد ( 4/431 ) ، وأبو داود ( 4319 ) ، من حديث عمران بن حصين – t - بإسناد صحيح .

([16]) الإبانة لابن بطة ( 2/470 ) .

([17]) شرح أصول اعتقاد أهل السنة ( 1/19 ) .

([18]) رواه أحمد ( 4 / 102 ) ، وأبو داود ( 4597 ) ، وصححه الألباني كما في السنة لابن أبي عاصم ( 1 / 7 ) .

([19]) مرعاة المفاتيح ( 1 / 278 ) .

([20]) الفتاوى ( 28 / 231 – 232 ) .

([21]) نقض المنطق ( ص :12)، وله كلام جميل في أن الرد على أهل البدع جهاد في سبيل الله يُرجع إليه في كتابه التسعينية ( 1/231 ).

([22]) الصواعق المرسلة (1/301-302).

([23]) التبيان في أقسام القرآن ( ص:132 ).

([24]) مفتاح دار السعادة ( 1/103 ) .

([25]) ( ص:408 ).

([26]) الطرق الحكمية ( ص: 235)، وانظـر هدايـة الأريب الأمجد للشيخ سليمان بن حمدان ( ص:39 )، فقد علّق على هذا الكلام بقوله :
(( قلت: مسألة وضع الكتب فيها تفصيل تجري فيها الأحكام الخمسة: الوجوب والندب والإباحة والتحريم والكراهة.
فالوجوب في الرد على الملحدين الطاغين على الشريعة، الملبسين على الناس أمر دينهم)).

([27]) (ص:85) .

([28]) ( 1/197 ـ 202 ) .

([29]) الشريعة ( 3/574 ) .

([30]) درء التعارض (7/173-174).

([31]) الشرح والإبانة ( ص 282 ) .

([32]) رواه البخاري حديث ( 3336 ) ، ومسلم ( 2638 ) .

([33]) الإبانة لابن بطة ( 2/476 ) .

([34]) الإبانة لابن بطة ( 2/464 ).

([35]) الإبانة ( 2/479).

([36]) الإبانة ( 2/480 ).

([37]) تاريخ دمشق ( 8/15 ) .

([38]) الإبانة لابن بطة ( 2/479 )، وشرح السنة للالكائي (1/137).

([39]) المرجع السابق .

([40]) طبقات الحنابلة ( 1/196 ) .

([41]) طبقات الحنابلة ( 1/160 ) ، ومناقب أحمد لابن الجوزي ( ص : 250 ) .

([42]) القول البليغ ( ص : 230-231 ) .

([43]) الإبانة لابن بطة ( 2/456 ) .

([44]) الإبانة لابن بطة ( 2/453 ) .

([45]) (ص : 121 ) .

([46]) حز الغلاصم في إفحام المخاصم ( ص : 110-111 ) .

([47]) كذا ، ولعل هناك سقطاً .

([48]) مجموع الفتاوى ( 2/132 ) .

([49]) الآداب الشرعية ( 3/77).

([50]) الإبانة ( 2/481-482 ).

([51]) أصول السنة ( ص : 293 ) .

([52]) طبقات الحنابلة ( 2/274 ).

([53]) مجموع الفتاوى ( 28 / 230 – 232 ) .

([54]) ( 1/ 231-242 ) .

([55]) قال الذهبي في السير ( 19/183 ) " : الشيخ الثقة أبو العباس أحمد بن عبد الغفار بن علي ابن أشتة الأصبهاني الكاتب " .

([56]) أبو منصور معمر بن زياد الأصبهاني الزاهد شيخ الصوفية في زمانه بأصبهان ، روى عن الطبراني وأبي الشيخ ، ومات في رمضان ستة ( 418هـ ) . انظر شذرات الذهب ( 2/211 ) .
وكان الصوفية في وقته على طريقة السلف ، وتصوفُهم كان الزهد والعبادة ، ولو كان على غير هذا لما كان له أي قيمة عند أهل السنّة ،
وقد أثنى على اعتقاده شيخ الإسلام ابن تيمية ، كما في الاستقامة ( 1/83 )، وهذا واضح من عقيدته التي أوردها صاحب الحجة في بيان المحجة والتي نحن بصدد النقل منها .

([57]) يشير إلى حديث عبد الله بن مسعود نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة عن النبي نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة قال : (( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينُه شهادته )) .
رواه البخاري ( 2652)، ومسلم ( 2533) .

([58]) عقيدة السلف وأصحاب الحديث ( ص : 123 )

([59]) عقيدة السلف وأصحاب الحديث ( ص : 114-115 ) .

([60]) سير السلف الصالحين للتيمي (3/1154)، والحلية لأبي نعيم ( 10/392 ).

([61]) الإبانة لابن بطة ( 2/472 ) .

([62]) الإبانة لابن بطة ( 2/473 ) .

([63]) الإبانة لابن بطة ( 2/446 ).

([64]) الإبانة لابن بطة ( 2/475 ) .

([65]) (ص: 189-200).

([66]) التمهيد ( 6/127 ) .

([67]) رواه البخاري ( 6077 ) ، ومسلم ( 2560 ) .

([68]) شرح السنة ( 1/224 ) .

([69]) ( 13/174 ) .

([70]) نقلاً عن كتاب صون المنطق والكلام للسيوطي ( ص : 153-155 ) .

([71]) شرح السنة ( 1/ 226-227 ) .

([72]) ( 1/232 ) .

([73]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم ( 6/534 ) .

([74]) الفتاوى ( 24 / 174 - 175 ) .

([75]) الفتاوى ( 28 / 231 – 232 ) .

([76]) الفتاوى ( 24 / 292 ) .

([77]) الفتاوى ( 15 / 286-287 ) .

([78]) درء التعارض (7/172-173).

([79]) الصواعق المرسلة ( 3/1068-1070).

([80]) مدارج السالكين (1/372).

([81]) ( 1/231–232 ) .

([82]) الاعتصام (1/142 ).

([83]) مجموعة مؤلفات ، القسم الخامس ، الرسائل الشخصية ( ص : 11 ) .

([84]) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية ( 3 / 111 ) .

([85]) إجماع أهل السنة النبوية على تكفير المعطلة والجهمية (ص:157).

([86]) ( ص : 37-48 ) .

([87]) الدرر السنيّة (8/443).

([88]) ( ص : 31 -33 ) .

([89]) وانظر في بيان بطلان هذا المنهج ( الموازنات ) ما كتبه شيخنا الفاضل ربيع بن هادي المدخلي – حفظه الله –والذي بعنوان ( منهج أهل السنة والجماعة في نقد الرجال والكتب والطوائف )
وكتاب ( المحجة البيضاء ) .










توقيع : الشـــامـــــخ

يسرنا متابعتكم وتواصلكم عبر الحسابات التالية

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


التعديل الأخير تم بواسطة الشـــامـــــخ ; 07-04-18 الساعة 12:51 PM
عرض البوم صور الشـــامـــــخ   رد مع اقتباس
قديم 07-04-18, 09:46 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
الشـــامـــــخ
اللقب:
المـديـــر العـــام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية الشـــامـــــخ


البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 14
المشاركات: 10,161 [+]
بمعدل : 2.05 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 10
نقاط التقييم: 949
الشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدع

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
الشـــامـــــخ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشـــامـــــخ المنتدى : بيت موسوعة طالب العلم
افتراضي

جواب لشيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – يبيّن فيه أنواع الهجر وضوابطه


فقد سئل - رحمه الله -:
" عمن يجب أو يجوز بغضه أو هجره، أوكلاهما لله – تعالى –؟
وماذا يشترط على الذي يبغضه أو يهجره لله – تعالى – من الشروط؟
وهل يدخل ترك السلام في الهجران أم لا؟
وإذا بدأ المهجور الهاجر بالسلام هل يجب الردّ عليه أم لا؟
وهل يستمر البغض والهجران لله – عزوجل - حتى يتحقق زوال الصفة المذكورة التي أبغضه وهجـره عليها؟
أم يكون لذلك مدة معلومة؟ فإن كان لها مدة معلومة، فمـا حدّها؟ أفتونا مأجورين."
فأجاب – رحمه الله -:
" الهجر الشرعي نوعان:
أحدهما: بمعنى الترك للمنكرات.
والثاني: بمعنى العقوبة عليها.
فالأول: هو المذكور في قوله – تعالى -:{ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} ([1])
وقوله – تعالى:{ وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بهـا فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم}([2]).
فهذا يراد به أنه لا يشهد المنكرات لغير حاجة، مثل قوم يشربون الخمر، يجلس عندهم.وقوم دعوا إلى وليمة فيها خمر وزمر لا يجيب دعوتهم،وأمثال ذلك. بخلاف من حضر عندهم للإنكار عليهم
أو حضر بغير اختياره.
ولهذا يقال: حاضر المنكر كفاعله، وفي الحديث: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يشرب عليها الخمر "([3]).
وهـذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات، كما قـال نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة: " المهاجر من هجر ما نهى الله عنه "([4]).
ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان. فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به، ومن هذا قوله تعالى:{ والرجز فاهجر }([5]).
النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب، وهو هجر من يظهر المنكرات، يهجر حتى يتوب منها. كما هجر النبي نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة والمسلمون: الثلاثة الذين خلفوا، حتى أنزل الله توبتهم
حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر، ولم يهجر من أظهر الخير، وإن كان منافقاً فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير.
والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات، وفعل المحرمات، كتارك الصلاة والزكاة والتظاهر بالمظالم والفواحش، والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع.
وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة: إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم، ولا يصلى خلفهم، ولا يؤخذ عنهم العلم، ولا يناكحون.
فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا؛ ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية؛ لأن الداعيـة أظهر المنكرات، فاستحق العقوبة، بخلاف الكاتم، فإنه ليس شراً من المنافقين الذين كان النبي -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - يقبل علانيتهم
ويكل سرائرهم إلى الله، مع علمه بحال كثير منهم. ولهذا جاء في الحديث: " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه "([6]).
فالمنكرات الظاهرة يجب إنكارها؛ بخلاف الباطنة؛ لأن عقوبتها على صاحبها خاصة.
وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله([7])
فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعاً.
وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر.
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ([8])؛ ولهذا كان النبي -
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - يتألف قوماً ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيراً من أكثر المؤلفة قلوبهم، ولما كان أولئك كانوا سادة مطاعون([9])
في عشائرهم، فكانت المصلحة الدينيّة في تأليف قلوبهم ([10])، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عز الدين([11])، وتطهيرهم من ذنوبهم
وهذا كما أن المشروع في العدو القتال تارة، والمهـادنة تارة، وأخذ الجزية تارة، كل ذلك بحسب الأحـوال والمصالح.
وجواب الأئمة كأحمد وغيره في هذا الباب مبني على هذا الأصل، ولهذا كان يفرق بين الأماكن([12]) التي كثرت فيها البدع، كما كثر القدر في البصرة، والتنجيم([13]) بخراسان، والتشيع بالكوفة
وبين ما ليس كذلك، ويفرق بين الأئمة المطاعين وغيرهم([14])، وإذا عرف مقصود الشريعة سلك في حصوله أوصل الطرق إليه([15]).
وإذا عرف هذا: فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسـوله، فالطاعة لابد أن تكون خالصة لله، وأن تكون موافقة لأمره، فتكون خالصة لله صواباً، فمن هجر لهوى نفسـه
أو هجـر هجـراً غـير مـأمور بـه:
كان خارجاً عن هذا، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه، ظانة أنها تفعله طاعة لله([16]).
والهجر لأجل حظ الإنسان لا يجوز أكثر من ثلاث، كما جاء في الصحيحين عن النبي –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - أنه قال:
" لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام "([17])
فلم يرخص في هذا الهجر أكثر من ثلاث، كما لم يرخص في إحداد غير الزوجة أكثر من ثلاث، وفي الصحيحين عنه –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- أنّه قال:
" تفتح أبواب الجنة كل اثنين وخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً؛ إلا رجـلاً كان بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا"([18])، فهذا الهجر لحق الإنسان حرام
وإنما رخّص في بعضه، كما رخّص للزوج أن يهجر امرأته في المضجع إذا نشزت، وكما رخّص في الثلاث.
فينبغـي أن يفـرق بـين الهجـر لـحق الله، وبــين الهجـر لحق نفســه فـ (الأول ) مأمور به، و ( الثاني ) منهي عنه، لأن المؤمنين إخوة، وقد قال النبي –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - في الحديث الصحيح:
" لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عبـاد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم"([19])، وقال –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - في الحديث الذي في السنن:
"ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة،والصيام،والصدقة،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قالوا:بلى يا رسول الله!، قال:إصلاح ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر،ولكن تحلق الدين "([20]).
وقال في الحديث الصحيح: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر "([21]).
وهذا لأن الهجر من " باب العقوبات الشرعية " فهو من جنس الجهاد في سبيل الله، وهذا يفعل لأن تكون كلمة الله هي العليا، ويكون الدين كله لله([22])
والمؤمن عليه أن يعادي في الله، ويوالي في الله، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وإن ظلمه؛ فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانيّة، قال تعالى:{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما
فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين. إنما المؤمنون إخوة
} ([23])
فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي والأمر بالإصلاح بينهم.
فليتدبر المؤمن الفرق بين هذين النوعين، فما أكثر ما يلتبس أحدهما بالآخر، وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك
فإن الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه، والإكرام لأوليائه والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه.
وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصيـة وسنة وبدعة: استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر
فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا([24])، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيـت المال ما يكفيه لحاجته.
هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم عليه، فلم يجعلوا الناس إلا مستحقاً للثواب فقط
وأهل السنة يقولون: إن الله يعذب بالنار من أهل الكبائر من يعذبه، ثم يخرجهم منها بشفاعة من يأذن له في الشفاعة بفضل رحمته، كما استفاضت بذلك السنة عن النبي –
نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة -.
والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين."([25])

الخاتمة

وفي ختام هذا البحث يتبين للقارئ الكريم إجماع أهل السنة والسلف الصالح من عصر الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يومنا هذا على وجوب التحذير من أهل البدع
وهجرهم ومعاداتهم وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم وترك مناظرتهم والنظر في كتبهم ومجادلتهم، والتقرب إلى الله - عز وجل - بذلك.
وكذلك هجران من والى أهل البدع ونصرهم وذب عنهم وصاحبهم وإن كان يظهر أنه من أهل السنة فبهم يلحق وبمعاملتهم يعامل وبحكمهم يحكم عليه.
فالحذر كل الحذر - أخي في الله - من أهل البدع والسلامة كل السلامة والفوز كل الفوز باجتنابهم وهجرهم، فلك في سلفك الصالح قدوة وأسوة، ولك بمن خالطهم وغوى عبرة.
- دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر
- وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف
جعلنا الله وإياكم ممن تحيا بهم السنن، وتموت بهم البدع، وتقوى بهم قلوب أهل الحق، وتنقمع بهم نفوس أهل الأهواء بمنّه وكرمه.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

-----------------------------------
([1]) سورة الأنعام : 68 .
([2]) سورة النساء : 140 .
([3]) رواه أحمد ( 1/20 ) ، ( 3/339 ) ، والترمذي ( 2965 ) ، وصححه الألباني في الإرواء ( 1949 ) .
([4]) رواه البخاري ( 10 ) ، وأبو داود ( 2481 ) ، والنسائي ( 5011 ) .
([5]) المدثر : 5 .
([6]) رواه أحمد ( 1/1،4،6،8 ) ، وأبو داود ( 4338 ) ، والترمذي ( 2168 ) ، وابن ماجه ( 4005 ) ، وصححه الألباني في الصحيحة ( 1564 ) .
([7]) وكذلك من الضوابط المهمة التي ينبغي الاهتمام بها: مراعاة حال الهاجر، وهو ما يسمى بالهجر الوقائي، فإن المسلم مأمور بالابتعاد عن أهل البدع والشبه والأهواء حتى لا يقع في شراكهم
فينهج منهجهم، وما سبق من أقوال أهل العلم في وجوب الهجر وأن القلب ضعيف وكذلك الأمر بإغلاق الآذان عن سماع كلامهم وسلوك غير الطريق الذي يجتازون منه كله يدل على ذلك أوضح دلالة.
([8]) كثير من أنصار أهل البدع والمحامين عنهم قد أساؤا فهم هذا الكلام وتطبيقه مما أدى بهم إلى محاربة أهل السنة وتولي أهل البدع فمع وضوح رجحان المفاسد على المصالح بما لايقاس لايقتصرون على
التلاحم مع أهل البدع الأمر الذي أدى إلى ضياع كثير وكثير من الشباب وارتمائهم في أحضان البدع وأهلها، و والله لو كان شيخ الإسلام حياً وشاهد كيف يُستغل كلامه لهاجم هؤلاء ونكّل بهم أكثر من
أهل البدع الصريحة لما ترتب على هذا الاستغلال الفظيع من المفاسد المدمرة التي لا يستطيع أهل البدع تحقيقها مهما كادوا ومهما مكروا ، فهل ضعف الشر أو خف أو أنّه استفحل واتسع؟ .
([9]) كذا ، والصواب مطاعين .
([10]) فهل هؤلاء يسلكون في التأليف مسلك رسول الله -r -؟ أفهرع أتباع أهل البدع إلى السنة والحق وتخلوا عن بدعهم ، كما تخلى أتباع من تألفهم رسول – نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة - عن كفرهم وشركهم؟
أو أن الأمر بالعكس فنرى أهل السنة يتسرّبون أفواجاً أفواجاً بسبب غش من يتصيد الشباب بكلام شيخ الإسلام وأمثاله أو بسبب جهلهم بمعرفة المصالح والمفاسد
وعدم مبالاتهم بانحراف من أشرنا إليهم عن منهج الله الحق.
إن هؤلاء لم يضعوا في اعتبارهم حال المخالط لأهل البدع والقارئ لكتبهم، هل يلحقه ضرر في دينه؟ وإذا كان ذلك وارداً - وهو الغالب -
فهل يجب عليه الابتعاد عن أهل البدع حفاظاً على دينه وعقيدته أو يجوز لــه مخالطتهـم وتكثــير سوادهــم والتعاون معهم في نشر باطلهم، وإن أدى الأمر إلى كل هذه المقاسد.
إن المسلم العاقل الناصح ليجزم بتحريم مخالطة أهل البدع إذا أدّت إلى ماذكر وتحـتّم على المتعرض للفتنة في دينه الابتعاد عنهم كما بينا ذلك سابقاً.
([11]) فهل حصل عز الدين في موالاة أهل البدع ومحاربة أهل السنة من أجلهم؟! .
([12]) فهل يفرق دعاة التمييع هذا التفريق؟! كلا ثم كلا !! بل هم ينادون بعدم الهجران في مواضع عز السنة وقوتها . وهل يفرقون بين الدعاة إلى البدع وغير الدعاة منهم؟!
وهل يفرقون بين من تضره مخالطة أهل البدع وبين غيره؟! .
([13]) لعلها ( والتجهم ) .
([14]) وهل يفرق من ذكرناهم بين المطاعين وغيرهم؟ .
([15]) وهل يعرف هؤلاء مقصود الشريعة ويسعون في تحقيقــــه بصدق ونصح وإخـــلاص = فظهرت نتائج نصحهم وفقههم وإخلاصهم؟ .
([16]) هذا الكلام مهم جداً وحق يجب مراعاته في الهجران وعدمه .
([17]) رواه البخاري ( 6077 ) ، ومسلم ( 2560 ) .
([18]) رواه مسلم ( 2565 ) .
([19]) رواه مسلم ( 2563 ) .
([20]) رواه أحمد ( 6/64 ) ، وأبو داود ( 4919 ) ، والترمذي ( 2508 ) ، وصححه الألباني كما في صحيح أبي داود ( 4111 ) .
([21]) رواه البخاري ( 6011 ) ، ومسلم ( 2586 ) .
([22]) صدق والله شيخ الإسلام وقال الحق ، فهل ينظر إليه دعاة الفتن وموالاة أهل البدع بمنظار شيخ الإسلام ومنظار السلف أو أصبح سيفاً مسلولاً على أهل السنة ووسيلة للتشويه؟
وهل يدركون أنه يكون وسيلة لإعلاء كلمة الله؟ .
([23]) الحجرات : 8-9 .
([24]) رحم الله شيخ الإسلام فإن كلامه هذا قد استدل به بعض أهل الفتن على وجوب الموازنات بين الحسنات والسيئات
وهذا أمر لم يقله ولم يفعله السلف الصالح ومنهم شيخ الإسلام نفسه في ردوده على أهل البدع .
بل يخالف ما يقرره هو - كما في مجموع الفتاوى ( 4/483 ) ، و مختصـر الفتـاوى المصرية ( ص : 210 ) – وقبله الإمام أحمد في يزيد بن معاوية وأمثاله : ( لا نسبه ولا نحبه ) .
ويخالف ما تقدم من إجماع السلف .
وواضح من كلام شيخ الإسلام الآتي أنه يقصد به الرد على الخوارج والمعتزلة الذين يرون أن ارتكاب الكبيرة والإصرار عليها يوجب خروج العبد من دائرة الإسلام وخلوده في النار
أي : أن الكبيرة تسقط إيمان العبد وعمله الصالح
بل قد صرح بذلك في موضـع آخـر من الفتاوى (28/228-229 ) .فقال : ومن كان فيه إيمان وفيه فجور أُعطي من الموالاة بحسب إيمانه ، ومن البغض بحسب فجوره
ولا يخرج من الإيمان بالكلية بمجرد الذنوب والمعاصي ، كما يقوله الخوارج والمعتزلة . "
ومنهـج السلف في النقد وفي الجرح والتعديل بريء من إفراط الخوارج والمعتزلة، ومن تفريط أهل الموازنات الذي أدى بمن ينادي به إلى تمييع الإسلام عقيدةً ومنهجاً
وأدى بمن ينادي به إلى الوقوع في الإرجاء الغالي .
([25]) مجموع الفتاوى ( 28/ 203-210 ) .










توقيع : الشـــامـــــخ

يسرنا متابعتكم وتواصلكم عبر الحسابات التالية

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


التعديل الأخير تم بواسطة الشـــامـــــخ ; 07-04-18 الساعة 12:59 PM
عرض البوم صور الشـــامـــــخ   رد مع اقتباس
قديم 07-04-18, 11:51 AM   المشاركة رقم: 6
المعلومات
الكاتب:
الشـــامـــــخ
اللقب:
المـديـــر العـــام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية الشـــامـــــخ


البيانات
التسجيل: Oct 2010
العضوية: 14
المشاركات: 10,161 [+]
بمعدل : 2.05 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 10
نقاط التقييم: 949
الشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدعالشـــامـــــخ مبدع

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
الشـــامـــــخ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشـــامـــــخ المنتدى : بيت موسوعة طالب العلم
افتراضي










توقيع : الشـــامـــــخ

يسرنا متابعتكم وتواصلكم عبر الحسابات التالية

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة- نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة-نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عرض البوم صور الشـــامـــــخ   رد مع اقتباس
قديم 08-04-18, 01:44 AM   المشاركة رقم: 7
المعلومات
الكاتب:
خواطر موحدة
اللقب:
مــراقــب عـــام
الرتبة


البيانات
التسجيل: Jan 2012
العضوية: 3393
المشاركات: 7,546 [+]
بمعدل : 1.68 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 29
نقاط التقييم: 106
خواطر موحدة سيصبح متميزا في وقت قريبخواطر موحدة سيصبح متميزا في وقت قريب

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
خواطر موحدة غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشـــامـــــخ المنتدى : بيت موسوعة طالب العلم
افتراضي

نفع الله بك ..










توقيع : خواطر موحدة

ربي اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم

عرض البوم صور خواطر موحدة   رد مع اقتباس
قديم 09-04-18, 02:16 AM   المشاركة رقم: 8
المعلومات
الكاتب:
عقيدتي نجاتي
اللقب:
مجلــس إدارة
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية عقيدتي نجاتي


البيانات
التسجيل: Jun 2012
العضوية: 8290
المشاركات: 1,600 [+]
بمعدل : 0.37 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 16
نقاط التقييم: 188
عقيدتي نجاتي مدهشعقيدتي نجاتي مدهش

التوقيت
الإتصالات
الحالة:
عقيدتي نجاتي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشـــامـــــخ المنتدى : بيت موسوعة طالب العلم
افتراضي

جمع طيب وقيم..
جزاكم الله خيرا ورفع قدركم










توقيع : عقيدتي نجاتي

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة ((اللَّهمَّ اْغفرْ لِواْلدَيَّ واْرْحمْهُماَ وَأسْكنْهُماَ الْفِرْدوْسَ اْلأَعْلَىْ)) نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عرض البوم صور عقيدتي نجاتي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

(مشاهدة الكل عدد الذين شاهدوا هذا الموضوع : 5 :
أبـو عـبـد الـرحـمـن, الشـــامـــــخ, خواطر موحدة, عزتي بديني, عقيدتي نجاتي

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Bookmark and Share


الساعة الآن 10:18 AM

أقسام المنتدى

قســم إسلامنا تاريخٌ ومنهاج | بيت الكتاب والسنة | قســم موسوعة الصوتيات والمرئيات والبرامج | بيت الشكـاوي والإقتراحــات | بيت الآل والأصحاب من منظور أهل السنة والجماعة | قســم الموسوعـة الحواريـة | بيت الحــوار العقـائــدي | بيت الطـب البـديـل وطـب العـائلـة | بيت الأسـرة السعيــدة | قســم الدعم الخاص لقناة وصــال | بيت شبهات وردود | بيت التـاريـخ الإسلامي | بيت المهتدون إلى الإسلام ومنهج الحق | قســم موسوعة الأسرة المسلمـــة | وحــدة الرصــد والمتـابعــة | بيت الصوتيـات والمرئيـات العــام | بيت الصــــور | بيت الأرشيــف والمواضيــع المكــررة | بيت الترحيب بالأعضاء الجدد والمناسبات | بيت الجـوال والحـاسـب والبـرامـج المعـربـة | بيت المكتبـة الإسلاميـة | بيت الأحبـة فــي اللــه الطاقــم الإشـرافــي | بيت موسوعة طالب العلم | قســم الموسوعة الثقافية | البيــت العـــام | قســم دليل وتوثيق | بيت وثائق وبراهين | بيت القصـص والعبـــــــر | بيت الإدارة | بيت الصوتيـات والمرئيـات الخــاص | بيت المعتقد الإسماعيلي الباطني | بيت مختارات من غرف البالتوك لأهل السنة والجماعة | بيت الأحبـة فــي اللــه المراقبيـــــــن | بيت أهل السنه في إيران وفضح النشاط الصفوي | بيت المحــذوفــات | بيت ســؤال وجــواب | بيت أحداث العالم الإسلامي والحوار السياسـي | بيت فـرق وأديـان | باب علــم الحــديـث وشرحــه | بيت الحـــوار الحــــــــّر | وصــال للتواصل | بيت الشعـــر وأصنافـــه | باب أبـداعـات أعضـاء أنصـار الشعـريـة | باب المطبــخ | بيت الداعيـــات | بيت لمســــــــــــات | بيت الفـلاش وعـالـم التصميــم | قســم التـواصـي والتـواصـل | قســم الطــاقــــــــم الإداري | العضويات | بـاب الحــــج | بيـت المــواســم | بـاب التعليمـي | أخبــار قناة وصــال المعتمدة | بيت فـريـق الإنتـاج الإعـلامـي | بيت الـلـغـة العــربـيـة | مطبخ عمل شامل يخص سورية الحبيبة | باب تصاميم من إبداع أعضاء أنصـار آل محمد | بـاب البـرودكــاسـت | بيت تفسير وتعبير الرؤى والأحلام | ســؤال وجــواب بمــا يخــص شبهات الحديث وأهله | كلية اللغة العربية | باب نصح الإسماعيلية | باب غرفـة أبنـاء عائشـة أنصـار آل محمـد | بـيــت المـؤسـســيـــن | بـاب السيـرة النبـويـة | بـاب شهـــر رمضــان | تـراجــم علمـائـنـا |



Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant