![]() |
ومن ذلك ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: إذا عمل العبد عملاً من أعمال الخير – وخصوصاً الآثار الصالحة والمشاريع الخيرية العامة النفع، وترتب على ذلك محبة الناس له، وثناؤهم عليه، ودعاؤهم له - كان هذا من البشرى أن هذا العمل من الأعمال المقبولة، التي جعل الله فيها خيراً وبركة. ومن البشرى في الحياة الدنيا، محبة المؤمنين للعبد: لقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } (1) أي محبة منه لهم، وتحبيباً لهم في قلوب العباد. ****************** (1) سورة مريم – آية 96 . |
ومن ذلك الثناء الحسن؛ فإن كثرة ثناء المؤمنين على العبد شهادة منهم له. والمؤمنون شهداء الله في أرضه. ومن ذلك الرؤيا الصالحة يراها المؤمن، أو تُرى له؛ فإن الرؤيا الصالحة من المبشرات. ومن البشرى أن يقدر الله على العبد تقديراً يحبه أو يكرهه. ويجعل ذلك التقدير وسيلة إلى إصلاح دينه، وسلامته من الشر. وأنواع ألطاف الباري سبحانه وتعالى لا تُعدّ ولا تُحصى، ولا تخطر بالبال، ولا تدور في الخيال. والله أعلم. |
الحديث السادس والتسعون عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رضى الله في رضى الوالدين . وسخط الله في سخط الوالدين " أخرجه الترمذي. وصححه ابن حبان والحاكم. هذا الحديث دليل على فضل برّ الوالدين ووجوبه، وأنه سبب لرضى الله تعالى. وعلى التحذير عن عقوق الوالدين وتحريمه، وأنه سبب لسخط الله. ولا شك أن هذا من رحمة الله بالوالدين والأولاد؛ إذ بين الوالدين وأولادهم من الاتصال ما لا يشبهه شيء من الصلات والارتباط الوثيق، والإحسان من الوالدين الذي لا يساويه إحسان أحد من الخلق. والتربية المتنوعة وحاجة الأولاد، الدينية والدنيوية إلى القيام بهذا الحق المتأكد؛ وفاء بالحق، واكتساباً للثواب، وتعليماً لذريتهم أن يعاملوهم بما عاملوا به والديهم. هذه الأسباب وما يتفرع عنها موجب لجعل رضاهم مقروناً برضا الله، وضده بضده. |
وإذا قيل: فما هو البر الذي أمر الله به ورسوله ؟ قيل: قد حَدَّه الله ورسوله بحد معروف، وتفسير يفهمه كل أحد. فالله تعالى أطلق الأمر بالإحسان إليهما. وذكر بعض الأمثلة التي هي أنموذج من الإحسان. فكل إحسان قولي أو فعلي أو بدني، بحسب أحوال الوالدين والأولاد والوقت والمكان، فإن هذا هو البِر. وفي هذا الحديث: ذكر غاية البر ونهايته التي هي رضي الوالدين؛ فالإحسان موجب وسبب، والرضى أثر ومسبب. فكل ما أرضى الوالدين من جميع أنواع المعاملات العرفية، وسلوك كل طريق ووسيلة ترضيهما، فإنه داخل في البر، كما أن العقوق، كل ما يسخطهما من قول أو فعل. ولكن ذلك مقيد بالطاعة لا بالمعصية. فمتى تعذر على الولد إرضاء والديه إلا بإسخاط الله، وجب تقديم محبة الله على محبة الوالدين. وكان اللوم والجناية من الوالدين، فلا يلومان إلا أنفسهما. |
وفي هذا الحديث : إثبات صفة الرضى والسخط لله، وأن ذلك متعلق بمحابه ومراضيه. فالله تعالى يحبُّ أولياءه وأصفياءه. ويحبُّ من قام بطاعته وطاعة رسوله. وهذا من كماله وحكمته وحمده، ورحمته ورضاه وسخطه، من صفاته المتعلقة بمشيئته وقدرته. والعصمة في ذلك : أنه يجب على المؤمن أن يثبت ما أثبته الله لنفسه، وأثبته له رسوله من صفات الكمال الذاتية والفعلية، على وجه يليق بعظمة الله وكبريائه ومجده. ويعلم أن الله ليس له نِدٌّ، ولا كفو، ولا مثيل في ذاته وأسمائه، وصفاته وأفعاله. والله أعلم. |
الحديث السابع والتسعون عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاث لا يَغُلُّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم" رواه مسلم. قال الشيخ شمس الدين ابن القيم رحمه الله: أي لا يبقى في القلب غل ولا يحمل الغل مع هذه الثلاثة، بل تنفي عنه غله، وتنقيه منه، وتخرجه منه؛ فإن القلب يغل على الشرك أعظم غل. وكذلك يغل على الغش، وعلى خروجه عن جماعة المسلمين بالبدعة والضلال. فهذه الثلاثة تملؤه غلاً ودغلاً. ودواء هذا الغل واستخراج أخلاطه، بتجريد الإخلاص والنصح، ومتابعة السنة. انتهى. |
أي فمن أخلص أعماله كلها لله، ونصح في أموره كلها لعباد الله، ولزم الجماعة بالائتلاف، وعدم الاختلاف. وصار قلبه صافياً نقياً، صار لله ولياً. ومن كان بخلاف ذلك امتلأ قلبه من كل آفة وشر. والله أعلم. |
الحديث الثامن والتسعون عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما الناس كالإبل المائة. لا تكاد تجد فيها راحلة " متفق عليه. هذا الحديث مشتمل على خبر صادق، وإرشاد نافع. وأما الإرشاد ، فإن مضمون هذا الخبر، إرشاد منه صلى الله عليه وسلم إلى أنه ينبغي لمجموع الأمة، أن يسعوا، ويجتهدوا في تأهيل الرجال الذين يصلحون للقيام بالمهمات، والأمور الكلية العامة النفع. |
وقد أرشد الله إلى هذا المعنى في قوله: { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ } (1). فأمر بالجهاد، وأن يقوم به طائفة كافية، وأن يتصدى للعلم طائفة أخرى؛ ليعين هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء. وأمره تعالى بالولايات والتولية أمر بها، وبما لا تتم إلا به، من الشروط والمكملات. ****************** (1) سورة التوبة – 122 . |
فالوظائف الدينية والدنيوية، والأعمال الكلية، لابد للناس منها. ولا تتم مصلحتهم إلا بها، وهي لا تتم إلا بأن يتولاها الأكفاء والأُمناء. وذلك يستدعي السعي في تحصيل هذه الأوصاف، بحسب الاستطاعة. قال الله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } (1) والله أعلم. ****************** (1) سورة التغابن – آية 16 . |
الحديث التاسع والتسعون عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يأتي على الناس زمان القابض على دينه كالقابض على الجَمْر" رواه الترمذي. وهذا الحديث أيضاً يقتضي خبراً وإرشاداً. أما الخبر ، فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر، أنه في آخر الزمان يقل الخير وأسبابه، ويكثر الشر وأسبابه، وأنه عند ذلك يكون المتمسك بالدين من الناس أقل القليل. وهذا القليل في حالة شدة ومشقة عظيمة، كحالة القابض على الجمر، من قوة المعارضين، وكثرة الفتن المضلة، فتن الشبهات والشكوك والإلحاد، وفتن الشهوات وانصراف الخلق إلى الدنيا وانهماكهم فيها، ظاهراً وباطناً، وضعف الإيمان، وشدة التفرد ؛ لقلة المعين والمساعد . |
ولكن المتمسك بدينه، القائم بدفع هذه المعارضات والعوائق التي لا يصمد لها إلا أهل البصيرة واليقين، وأهل الإيمان المتين، من أفضل الخلق، وأرفعهم عند الله درجة، وأعظمهم عنده قدراً. وأما الإرشاد ، فإنه إرشاد لأمته، أن يوطنوا أنفسهم على هذه الحالة، وأن يعرفوا أنه لا بد منها، وأن من اقتحم هذه العقبات، وصبر على دينه وإيمانه – مع هذه المعارضات – فإن له عند الله أعلى الدرجات. وسيعينه مولاه على ما يحبه ويرضاه ؛ فإن المعونة على قدر المؤونة. |
وما أشبه زماننا هذا بهذا الوصف، الذي ذكره صلى الله عليه وسلم ، فإنه ما بقي من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، إيمان ضعيف، وقلوب متفرقة، وحكومات متشتتة، وعداوات وبغضاء باعدت بين المسلمين، وأعداء ظاهرون وباطنون، يعملون سراً وعلناً للقضاء على الدين، وإلحاد وماديات، جرفت بخبيث تيارها وأمواجها المتلاطمة الشيوخ والشبان، ودعايات إلى فساد الأخلاق، والقضاء على بقية الرمق. |
ثم إقبال الناس على زخارف الدنيا، بحيث أصبحت هي مبلغ علمهم، وأكبر همهم، ولها يرضون ويغضبون، ودعاية خبيثة للتزهيد في الآخرة، والإقبال بالكلية على تعمير الدنيا، وتدمير الدين، واحتقاره والاستهزاء بأهله، وبكل ما ينسب إليه، وفخر وفخفخة، واستكبار بالمدنيات المبنية على الإلحاد التي آثارها وشررها وشرورها قد شاهده العباد. فمع هذه الشرور المتراكمة، والأمواج المتلاطمة، والمزعجات الملمة، والفتن الحاضرة والمستقبلة المدلهمة – مع هذه الأمور وغيرها – تجد مصداق هذا الحديث. |
ولكن مع ذلك ، فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله، ولا يـيأس من روح الله، ولا يكون نظره مقصوراً على الأسباب الظاهرة. بل يكون ملتفتاً في قلبه كل وقت إلى مسبب الأسباب، الكريم الوهاب، ويكون الفرَج بين عينيه، ووعده الذي لا يخلفه، بأنه سيجعل له بعد عسر يُسراً، وأن الفرَج مع الكرب، وأن تفريج الكربات مع شدة الكربات، وحلول المنغصات. |
فالمؤمن من يقول في هذه الأحوال: " لا حول ولا قوة إلا بالله " و " حسبنا الله ونعم الوكيل . على الله توكلنا. اللهم لك الحمد، وإليك المشتكى. وأنت المستعان. وبك المستغاث. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" ويقوم بما يقدر عليه من الإيمان والنصح والدعوة. ويقنع باليسير، إذا لم يمكن الكثير. وبزوال بعض الشر وتخفيفه، إذا تعذر غير ذلك { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا - وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ - وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } (1) . والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. ****************** (1) سورة الطلاق – الآيات 2 ، 3 ، 4 . |
تمت هذه الرسالة المشتملة على شرح تسع وتسعين حديثاً، من الأحاديث النبوية الجوامع، في أصناف العلوم، والمواضيع النافعة، والعقائد الصحيحة، والأخلاق الكريمة، والفقه والآداب، والإصلاحات الشاملة، والفوائد العامة. قال ذلك معلقها : عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله آل سعدي. غفر الله له ولوالديه ووالديهم، وجميع المسلمين. وفرغ منه في العاشر من شعبان سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وألف من الهجرة. وقد وقع الفراغ من نقلها بعون الله تعالى وتيسيره من خط المؤلف 27 رمضان سنة 1371هـ بقلم الفقير إلى ربه المنان عبد الله بن سليمان العبد الله السلمان. غفر الله له ولوالديه ووالديهم وجميع المسلمين. ا . ه باختصار وتصرف ============ للحصول على نسخة من الكتاب تفضل يا رعاك الله بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى ورفع درجته في عليين المجلد التاسع http://www.waqfeya.com/book.php?bid=7082 وورد http://www.saaid.net/book/open.php?cat=3&book=24 { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } |
جزاك الله خيرا
|
وإياكم .... |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
الساعة الآن 04:59 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir