شبكــة أنصــار آل محمــد

شبكــة أنصــار آل محمــد (https://ansaaar.com/index.php)
-   بيت موسوعة طالب العلم (https://ansaaar.com/forumdisplay.php?f=27)
-   -   [ مُجَانَبَة ُ أَهْل ِ الثُّبُوْر ، المُصَلِّيْنَ في المَشَاهِدِ وَعِنْدَ القُبُوْر ] (https://ansaaar.com/showthread.php?t=18485)

دآنـة وصآل 28-12-11 02:08 PM

وَكذَلِك َ القِبَابُ التي عَلى القبوْرِ : يَجِبُ هَدْمُهَا كلهَا ، لأَنهَا أُسِّسَتْ عَلى مَعْصِيَةِ الرَّسُوْل ِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لأَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ نهَى عَن ِ البنَاءِ عَلى القبوْرِ كمَا تقدَّم .

فبنَاءٌ أُسِّسَ عَلى مَعْصِيَتِهِ وَمُخالفتِهِ : بناءٌ غيْرُ مُحْتَرَمٍ ، وَهُوَ أَوْلىَ باِلهدْمِ مِنْ بناءِ الغاصِبِ قطعًا .

وَقدْ أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهَدْمِ القبوْرِ المشْرِفةِ كمَا تقدَّم .

فهَدْمُ القِبَابِ وَالبناءِ وَالمسَاجِدِ التي بُنِيَتْ عَليْهَا أَوْلىَ وَأَحْرَى ، لأَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَنَ مُتَّخِذِي المسَاجِدِ عَليْهَا ، وَنهَى عَن ِ البناءِ عَليْهَا .

فيَجِبُ المبادَرَة ُ وَالمسَاعَدَة ُ إلىَ هَدْمِ مَا لعَنَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاعِلهُ ، وَنهَى عَنْه.

وَالله ُ عَزَّ وَجَلَّ يُقِيْمُ لِدِينِهِ وَسُنةِ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَنْصُرُهُمَا ، وَيَذُبُّ عَنْهُمَا ، فهُوَ أَشدُّ غيْرَة ً ، وَأَسْرَعُ تَغْييْرًا .

وَكذَلِك َ يَجِبُ إزَالة ُ كلِّ قِنْدِيْل ٍ، أَوْ سِرَاجٍ عَلى قبْرٍ وَطفيه . فإنَّ فاعِلَ ذلِك َ مَلعُوْنٌ بلعْنَةِ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا يَصِحُّ هَذَا الوَقفُ ، وَلا يَحِلُّ إثباتهُ وَتنْفِيْذُه).

وَقالَ ابْنُ القيِّمِ رَحِمَهُ الله ُ أَيْضًا في«زَادِ المعَادِ» عِنْدَ ذِكرِهِ وَتعْدَادِهِ فوَائِدَ غزْوَةِ تبوْكٍ وَشَيْئًا مِنْ فِقههَا(3/571-572) قالَ: (وَمِنْهَا: تَحْرِيْقُ أَمْكِنَةِ المعْصِيَةِ التي يُعْصَى الله ُ وَرَسُوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْهَا وَهَدْمُهَا ، كمَا حَرَقَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ ، وَأَمَرَ بهَدْمِهِ . وَهُوَ مَسْجِدٌ يُصَلى فِيْهِ ، وَيُذْكرُ اسْمُ اللهِ فِيْهِ ، لمّا كانَ بناؤُهُ ضِرَارًا ، وَتفرِيْقا بَيْنَ المؤْمِنِيْنَ ، وَمَأْوَىً لِلمُنَافِقِيْن .

وَكلُّ مَكان ٍ هَذَا شَأْنهُ : فوَاجِبٌ عَلى الإمَامِ تعْطِيْلهُ :

· إمّا بهَدْمٍ وَتَحْرِيْق ٍ ،
· وَإمّا بتغْييْرِ صُوْرَتِهِ ، وَإخْرَاجِهِ عَمّا وُضِعَ له .

وَإذا كانَ هَذَا شَأْنُ مَسْجِدِ الضِّرَارِ : فمَشَاهِدُ الشِّرْكِ التي تدْعُوْ سَدَنتُهَا إلىَ اتخاذِ مَنْ فِيْهَا أَندَادًا مِنْ دُوْن ِ اللهِ : أَحَقُّ باِلهدْمِ ، وَأَوْجَب)اه كلامُه .

إذا عَلِمْتَ ذلِك َ كلهُ : فوَاجِبُ المسْلِمِيْنَ تِجَاهَ هَذِهِ المسَاجِدِ المبنِيَّةِ عَلى قبوْرِ الأَنْبيَاءِ وَالعُلمَاءِ وَالشُّيُوْخِ وَالملوْكِ وَغيْرِهِمْ : أَنْ لا تتخذَ مَسَاجِدَ ، بَلْ يُقطعُ ذلِك َ عَنْهَا ، إمّا بهَدْمِهَا ، أَوْ سَدِّهَا ، أَوْ نحْوِ ذلك مِمّا يَمْنَعُ أَنْ تتخذَ مَسْجِدًا .

دآنـة وصآل 28-12-11 02:11 PM

فصل

في بيان ِ تَحْرِيْمِ الوَقفِ لِلمَشاهِدِ وَالنذْرِ لها وَإسْرَاجِهَا


وَكمَا لا تَصِحُّ الصَّلاة ُ مُطلقا في شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ المسَاجِدِ المبْنِيَّةِ عَلى القبوْرِ، أَوْ فِيْهَا شَيْءٌ مِنْهَا : فلا يجُوْزُ الوَقفُ عَليْهَا ، وَلا يَصِحُّ ، فإنْ أَوْقفَ : لمْ يُعْمَلْ بهِ ، وَكانَ الوَاقِفُ آثِمًا .

وَلا يجُوْزُ إسْرَاجُ ضَوْءٍ فِيْهَا ، لأَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَنَ مَنْ يتَّخِذُ القبوْرَ مَسَاجِدَ ، وَلعَنَ مَنْ يتَّخِذُ عَليْهَا السُّرُج .

وَقدْ عَدَّ ابنُ حَجَرٍ الهيْتَمِيُّ في«الزَّوَاجِرِ ، عَن ِ اقتِرَافِ الكبَائِر»(1/320): إيْقادَ السُّرُجِ عَلى القبوْرِ مِنَ الكبَائِرِ العِظامِ ، وَجَعَلهَا كبيْرَة ً في مَوْضِعَيْن ِ مِنْ كِتَابهِ ، فجَعَلهَا الكبيْرَة َ الرَّابعَة َ وَالتِّسْعِيْنَ ، ثمَّ أَعَادَهَا(1/361) وَجَعَلهَا الكبيْرَة َ الثّانِيَة َ وَالعِشْرِيْنَ بَعْدَ المِئَة .

وَلا يَصِحُّ النذْرُ لها ، بَلْ هُوَ نذْرُ مَعْصِيَةٍ ، تجبُ فِيْهِ التوْبة ُ وَالكفارَة ُ، وَكفارَتهُ كفارَة ُ يَمِيْن ٍ، كمَا ثبتَ فِي «صَحِيْحِ البُخارِيِّ»(6696) عَنْ عَائِشَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«مَنْ نذَرَ أَنْ يُطِيْعَ الله َ فليطِعْهُ ، وَمَنْ نذَرَ أَنْ يَعْصِيَ الله َ فلا يَعْصِه».

وَذكرَ هَذَا شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ في«شَرْحِ العُمْدَةِ» وَرَجَّحَهُ ، وَلا يَسَعُ أَحَدًا خِلافه (2/450).

وَقالَ العَلامَة ُ أَبوْ عَبْدِ اللهِ ابْنُ قيِّمِ الجوْزِيةِ في كِتَابهِ«زَادِ المعادِ»(3/572) في ذِكرِ فوَائِدِ غزْوَةِ تبوْكٍ وَمِنْهَا: أَنَّ الوَقفَ لا يَصِحُّ عَلى غيْرِ برٍّ وَلا قرْبةٍ ، كمَا لمْ يَصِحَّ وَقفُ هَذَا المسْجِدِ [يَعْني مَسْجِدَ الضِّرَار] .

وَعَلى هَذَا : فيُهْدَمُ المسْجِدُ إذا بُني عَلى قبْرٍ ، كمَا يُنْبَشُ الميِّتُ إذا دُفِنَ في المسْجِدِ ، نصَّ عَلى ذلِك َ الإمَامُ أَحْمَدُ وَغيْرُه .

فلا يَجْتَمِعُ في دِيْن ِالإسْلامِ مَسْجِدٌ وَقبْرٌ ، بَلْ أَيهُمَا طرَأَ عَلى الآخَرِ : مُنِعَ مِنْهُ ، وَكانَ الحكمُ لِلسّابق .

وَلوْ وُضِعَا مَعًا : لمْ يَجُزْ .

وَلا يَصِحُّ هَذَا الوَقفُ وَلا يَجُوْز .

وَلا تَصِحُّ الصَّلاة ُ في هَذَا المسْجِدِ ، لِنَهْيِّ رَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذلِك َ، وَلعْنِهِ مَن ِ اتخذَ القبْرَ مَسْجِدًا ، أَوْ أَوْقدَ عَليْهِ سِرَاجًا .

فهَذَا دِيْنُ الإسْلامِ الذِي بعَثَ الله ُ بهِ رَسُوْلهُ وَنبيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَغرْبتهُ بيْنَ النّاس ِ كمَا ترَى).

وَقالَ رَحِمَهُ الله ُ أَيْضًا في«إغاثةِ اللهْفان»(1/210) وَكذَلِك َ يجبُ إزَالة ُ كلِّ قِنْدِيْل ٍ، أَوْ سِرَاجٍ عَلى قبْرٍ وَطفيه . فإنَّ فاعِلَ ذلِك َ مَلعُوْنٌ بلعْنَةِ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا يَصِحُّ هَذَا الوَقفُ ، وَلا يحِلُّ إثباتهُ وَتنْفِيْذُه)اه.

وَقالَ الحافِظ ُ العِرَاقِيُّ رَحِمَهُ الله ُ وَالظاهِرُ أَنهُ لا فرْقَ ([1]): فلوْ بَنى مَسْجِدًا يَقصِدُ أَنْ يُدْفنَ في بَعْضِهِ : دَخَلَ في اللعْنَةِ ، بَلْ يَحْرُمُ الدَّفنُ في المسْجِد .

وَإنْ شَرَط َ أَنْ يُدْفنَ فِيْهِ : لمْ يَصِحَّ الشَّرْط ُ، لِمُخالفتِهِ وَقفهُ مَسْجِدًا)اه نقلهُ عَنْهُ المنَاوِيُّ في«فيْض ِ القدِيْر»(5/274).



[1] - أَي لا فرْقَ بَيْنَ اتّخَاذِ المسْجِدِ عَلى القبْرِ بَعْدَ الدَّفن ِ، وَبَيْنَ بنَاءِ مَسْجِدٍ ثمَّ إدْخَالُ قبْرٍ فِيْه .

دآنـة وصآل 28-12-11 02:14 PM

فصل

في بيان ِ ضَلال ِ مَنْ شَدَّ رَحْلهُ إلىَ مَشْهَدٍ أَوْ قبْرٍ ، وَتَحْرِيْمِ شَدِّ الرِّحَال ِ إلىَ كلِّ مَسْجِدٍ غيْرِ المسَاجِدِ الثلاثةِ ، وَالتَّنْبيْهِ عَلى عِلةِ النَّهْيِّ التي غابَتْ عَنْ كثِيْرٍ مِنْ قاصِرِي العِلمِ وَالمعْرِفة


رَوَى الإمَامُ أَحْمَدُ في«مُسْنَدِه»(2/234)،(3/34) وَالبُخارِيُّ في«صَحِيْحِهِ»(1189)،(1864)،(1996) وَمُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ» أَيْضًا (397)، (827) وَجَمَاعَة ٌ، مِنْ حَدِيْثِ أَبي سَعِيْدٍ الخدْرِيِّ وَأَبي هُرَيْرَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«لا تشَدُّ الرِّحَالُ إلا َّ إلىَ ثلاثةِ مَسَاجِدَ : المسْجِدِ الحرَامِ ، وَمَسْجِدِ الرَّسُوْل ِ، وَالمسْجِدِ الأَقصَى».

وَفي هَذَا الحدِيْثِ : تَحْرِيْمُ شَدِّ الرِّحَال ِ إلىَ كلِّ مَسْجِدٍ أَوْ بُقعَةٍ يُظنُّ فضْلهَا بعَيْنِهَا ، سِوَى هَذِهِ المسَاجِدِ الثلاثةِ ، سَوَاءٌ كانتْ تِلك َ البقاعُ مَذْكوْرَة ً بفضْل ٍ أَوْ بَرَكةٍ كالطوْرِ ، أَوْ لمْ تذْكرْ ، وَسَوَاءٌ كانتْ قبْرَ نبيٍّ مِنَ الأَنبيَاءِ ، أَوْ أَثرًا مِنْ آثارِهِ ، وَلوْ كانَ قبْرَ نبيِّنَا محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

وَلا شَك َّ أَنَّ زِيَارَة َ القبوْرِ الزِّيارَة َ الشَّرْعِيَّة َ، خَاصة ً قبْرَ نبيِّنَا محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قرْبة ٌ مِنَ القرَبِ ، وَطاعَة ٌمِنَ الطاعَات .
إلا َّ أَنَّ ذلِك َ مَشْرُوْط ٌ بعَدَمِ شَدِّ رَحْل ٍ، وَلا إعْمَال ِ مُطِيٍّ، لِلحدِيْثِ السّابق.

فمَنْ شَدَّ رِحَالهُ قاصِدًا المسْجِدَ النَّبَوِيَّ لِلصَّلاةِ فِيْهِ : شُرِعَ لهُ بَعْدَ وُصُوْلِهِ وَسُنَّ ، زِيَارَة ُ قبْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالسَّلامُ عَليْهِ ، وَعَلى صَاحِبَيْهِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا .

أَمّا إنْ كانَ شَدُّهُ لِرَحْلِهِ قاصِدًا القبْرَ الشَّرِيْفَ : فهَذَا آثِمٌ ، مُخالِفٌ لِقوْل ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مُرْتكِبًا لِنَهْيه .

وَمِنَ المعْلوْمِ : أَنَّ كلَّ مَنْ زَارَ المسْجِدَ النَّبَوِيَّ : زَارَ قبْرَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَوَاءٌ كانَ بَاعِثهُ عَلى السَّفرِ المسْجِدُ أَوِ القبْرُ ، إلا َّ أَنَّ الأَوَّلَ مُثابٌ لِمُوَافقتِهِ السُّنَّة َ، وَامْتِثالِهِ أَمْرَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالآخرَ آثِمٌ لِمُخالفتِهَا .

وَقدْ سُئِلَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ عَمَّنْ شَدَّ رَحْلهُ لِزِيَارَةِ شَيْءٍ مِنْ قبوْرِ الأَنبيَاءِ وَالصّالِحِيْنَ ، أَيَجُوْزُ لهُ ذلك؟ وَهَلْ لهُ التَّرَخُّصُ برُخص ِ المسَافِرِيْنَ أَوْ لا؟ وَمَاصِحَّة ُ مَا جَاءَ في ذلِك َ مِنْ أَحَادِيْثَ بالمنْعِ أَوِ الإبَاحَة؟

فأَجَابَ رَحِمَهُ الله ُ جَوَابًا وَافِيًا شَافِيًا ، هَذَا نصُّهُ :

(الحمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ ، أَمّا مَنْ سَافرَ لِمُجَرَّدِ زِيَارَةِ قبوْرِ الأَنبيَاءِ وَالصّالِحِينَ ، فهَلْ يجُوْزُ لهُ قصْرُ الصَّلاةِ؟ عَلى قوْليْن ِ مَعْرُوْفيْن ِ:
أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قوْلُ مُتَقدِّمِي العُلمَاءِ الذِيْنَ لا يُجَوِّزُوْنَ القصْرَ فِي سَفرِ المعْصِيَةِ ، كأَبي عَبْدِ اللهِ ابْن ِ بَطة َ، وَأَبي الوَفاءِ ابْن ِ عَقِيْل ٍ، وَطوَائِفَ كثِيْرَةٍ مِنَ العُلمَاءِ المتقدِّمِيْنَ-: أَنهُ لا يَجُوْزُ القصْرُ فِي مِثْل ِ هَذَا السَّفرِ ، لأَنهُ سَفرٌ مَنْهيٌّ عَنْه .

وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ : أَنَّ السَّفرَ المنْهيَّ عَنْهُ فِي الشَّرِيْعَةِ لا يُقصَرُ فِيْه .

وَالقوْلُ الثانِي : أَنهُ يَقصِرُ ، وَهَذَا يَقوْلهُ مَنْ يُجَوِّزُ القصْرَ فِي السَّفرِ المحَرَّمِ ، كأَبي حَنِيْفة .

وَيقوْلهُ بَعْضُ المتأَخِّرِيْنَ مِنْ أَصْحَابِ الشّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ، مِمَّنْ يُجَوِّزُ السَّفرَ لِزِيَارَةِ قبوْرِ الأَنبياءِ وَالصّالِحِيْنَ ، كأَبي حَامِدٍ الغزّالِيِّ ، وَأَبي الحسَن ِ ابْن ِعَبْدُوْس ٍ الحرّانِيِّ ، وَأَبي مُحَمَّدٍ ابْن ِ قدَامة َالمقدِسِيّ .

وَهَؤُلاءِ يَقوْلوْنَ : إنَّ هَذَا السَّفرَ ليْسَ بمُحَرَّمٍ ، لِعُمُوْمِ قوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زُوْرُوْا القبوْر»([1]).

[1] - رَوَاهُ مُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ»(976) مِنْ حَدِيْثِ أَبي هُرَيْرَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْه.

دآنـة وصآل 28-12-11 02:16 PM

وَقدْ يَحْتَجُّ بَعْضُ مَنْ لا يَعْرِفُ الحدِيْثَ باِلأَحَادِيْثِ المرْوِيةِ فِي زِيارَةِ قبْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كقوْلِهِ«مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَمَاتِي : فكأَنمَا زَارَنِي فِي حَيَاتِي» رَوَاهُ الدّارَقطنِيّ(2/278).

وَأَمّا مَا ذكرَهُ بَعْضُ النّاس ِ مِنْ قوْلِهِ:«مَنْ حَجَّ وَلمْ يَزُرْنِي : فقدْ جَفانِي»: فهَذَا لمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِن العُلمَاء .

وَهُوَ مِثْلُ قوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبي إبْرَاهِيْمَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ : ضَمِنْتُ لهُ عَلى اللهِ الجنة».

فإنَّ هَذَا أَيضًا باتفاق ِ العُلمَاءِ : لمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ ، وَلمْ يَحْتَجَّ بهِ أَحَدٌ ، وَإنمَا يَحْتَجُّ بَعْضُهُمْ بحدِيْثِ الدّارَقطنِيِّ وَنَحْوِه .

وَقدِ احْتَجَّ أَبوْ مُحَمَّدٍ المقدِسِيُّ ([1]) عَلى جَوَازِ السَّفرِ لِزِيارَةِ القبورِ ، بأَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ يَزُوْرُ مَسْجِدَ قباء([2]).
وَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ» بأَنَّ ذلك مَحْمُوْلٌ عَلى نفي الاسْتِحْبَاب .

وَأَمّا الأَوَّلوْنَ فإنهُمْ يَحْتَجُّوْنَ بمَا فِي«الصَّحِيحَيْن»ِ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنهُ قالَ:«لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا َّ إلىَ ثلاثةِ مَسَاجِدَ : المسْجدِ الحرَامِ ، وَمَسْجِدِي هَذَا ، وَالمسْجدِ الأَقصَى».

وَهَذَا الحدِيْثُ مِمَّا اتفقَ الأَئِمَّة ُ عَلى صِحَّتِهِ وَالعَمَل ِ به .

فلوْ نذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يَشُدَّ الرَّحْلَ ، لِيُصَليَ بمَسْجدٍ ، أَوْ مَشْهَدٍ ، أَوْ يَعْتَكِفَ فِيْهِ ، أَوْ يُسَافِرَ إليْهِ غيْرَ هَذِهِ الثلاثةِ : لمْ يَجِبْ عَليْهِ ذلِك َ باتفاق ِ الأَئِمَّة .

وَلوْ نذَرَ أَنْ يُسَافِرَ وَيَأْتِيَ المسْجدَ الحرَامَ ، لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ : وَجَبَ عَليْهِ ذلِك َ باتفاق ِ العُلمَاء .

وَلوْ نذَرَ أَنْ يَأْتِيَ مَسْجِدَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ المسْجِدَ الأَقصَى ، لِصَلاةٍ أَوِ اعْتِكافٍ : وَجَبَ عَليْهِ الوَفاءُ بهَذَا النَّذْرِ عِنْد مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قوْليْهِ وَأَحْمَدَ . وَلمْ يَجِبْ عَليْهِ عِنْدَ أَبي حَنِيْفة َ، لأَنهُ لا يَجِبُ عِنْدَهُ بالنَّذْرِ إلا َّ مَا كانَ جِنْسُهُ وَاجِبًا باِلشَّرْع .

[1]- «المغني» لابْن ِ قدَامَة (3/117-118).

[2]- رَوَاهُ البُخَارِيُّ في«صَحِيْحِهِ»(1192)،(1193)،(1194) وَمُسْلِمٌ(1399) مِنْ حَدِيْثِ نافِعٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ:«كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قباءَ كلَّ سَبْتٍ ، مَاشِيًا وَرَاكِبا»، قالَ نافِعٌ :«وَكانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يَفعَله».

قلتُ : وَلا وَجْهَ لاسْتِدْلال ِأَبي محمَّدٍ بهِ ، فإنَّ زِيَارَة َمَسْجِدِ قباءَ لأَهْل ِ المدِيْنةِ ، خَالِيَة ٌ مِنْ شَدِّ الرِّحَال ِ لِقرْبه . وَهِيَ مُسْتَحَبَّة ٌ مَسْنُوْنة ٌ لهمْ ، اقتِدَاءًا بفِعْل ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقدْ كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيْهِ –لِقرْبهِ- مَاشِيًا وَرَاكِبًا . بَلْ قالَ أَنسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ:«كنّا نصَلي العَصْرَ، ثمَّ يَذْهَبُ الذّاهِبُ مِنّا إلىَ قباءَ ، فيَأْتِيْهمْ وَالشَّمْسُ مُرْتفِعَة ٌ» رَوَاهُ البُخارِيُّ في«صَحِيْحِهِ»(551) وَمُسْلِمٌ(621)، وَمَحَلُّ النِّزَاعِ في شَدِّ الرَّحْل ِ لِزِيَارَةِ مَسْجِدٍ غيْرِ المسَاجِدِ الثلاثة .

أَمّا جَوَابُ أَبي مُحَمَّدٍ ابْن ِ قدَامَة َ عَلى حَدِيْثِ «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا َّ إلىَ ثلاثةِ مَسَاجِدَ»، عَلى نفي اسْتِحْبَابِ شَدِّها لِغيْرِهَا ، ثمَّ تَجْوِيْزُهُ شَدَّ الرِّحَال ِ لِلمَسَاجِدِ عَامَّة ً غيرَ المسَاجِدِ الثلاثةِ ، بزِيَارَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمِسَجْدِ قباء : غيْرُ مُسَلمٍ ، وَفِيْهِ تعَارُضٌ وَتنَاقض :

* فإنهُ إمّا أَنْ يَنْفِيَ اسْتِحْبَابَ زِيَارَةِ مَسْجِدِ قباءَ ، لِيَسْتَقِيْمَ تَأْوِيْلهُ لِحَدِيْثِ «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ»: فيُخالِفَ بذَلِك َ السُّنَّة َ الصَّحِيْحَة َ الصَّرِيْحَة . بَلْ يُخالِفُ مَا وَرَدَ مِنْ عَظِيْمِ فضْل ِ زِيَارَتِهِ ، كقوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحدِيْثِ الصَّحِيْحِ:«مَنْ تطهَّرَ فِي بَيْتهِ ، ثمَّ أَتى مَسْجِدَ قباءَ ، لا يُرِيْدُ إلا َّ الصَّلاة َ فِيْهِ : كانَ كعُمْرَة» رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في«مُسْنَدِهِ»(3/487) وَالنَّسَائِيُّ (699) وَابنُ مَاجَهْ (1412) مِنْ حَدِيْثِ سَهْل ِ بْن ِ حُنَيْفٍ رَضِيَ الله ُ عَنْه . وَأَقطعُ بعَدَمِ قوْل ِ ابن ِ قدَامَة َ بذَلِك َ، لِعِلمِهِ بمَا وَرَدَ في سُنِّيَّةِ ذلِك َ، وَبنَاءًا عَلى أُصُوْلِه .

* وَإمّا أَنْ يَسْتَحِبَّ زِيَارَة َ مَسْجِدِ قباءَ ، كمَا جَاءَتْ بهِ السُّنَّة ُ: فيَسْقط ُ تأْوِيْلهُ لحدِيْثِ«لا تُشَدُّ الرِّحَال».
وَعَلى كلا الحاليْن ِ، فكلامُ أَبي محمَّدٍ غيْرُ مَقبُوْل . وَمَعْنَى الحدِيْثِ الذِي لا رَيْبَ فِيْهِ : هُوَ مَا قرَّرَهُ شَيْخُ الإسْلامِ كمَا سَبَق .

دآنـة وصآل 28-12-11 02:18 PM

أَمّا الجمْهُورُ فيوجِبُوْنَ الوَفاءَ بكلِّ طاعَةٍ ، كمَا ثبتَ فِي «صَحِيْحِ البُخارِيِّ»(6696) عَنْ عَائِشَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«مَنْ نذَرَ أَنْ يُطِيْعَ الله َ فليطِعْهُ ، وَمَنْ نذَرَ أَنْ يَعْصِيَ الله َ فلا يَعْصِه». وَالسَّفرُ إلىَ المسْجِدَيْن ِ طاعَة ٌ : فلِهَذَا وَجَبَ الوَفاءُ به .

وَأَمّا السَّفرُ إلىَ بُقعَةٍ غيْرَ المسَاجِدِ الثلاثةِ : فلمْ يُوْجِبْ أَحَدٌ مِنَ العُلمَاءِ السَّفرَ إليْهِ إذا نذَرَهُ ، حَتَّى نصَّ العُلمَاءُ عَلى أَنهُ لا يُسَافرُ إلىَ مَسْجِدِ
قباءَ ، لأَنهُ ليْسَ مِنَ المسَاجِدِ الثلاثةِ .

مَعَ أَنّ مَسْجِدَ قباءَ يُسْتحَبُّ زِيارَتهُ لِمَنْ كانَ فِي المدِيْنَةِ ; لأَنَّ ذلِك َ ليْسَ بشَدِّ رَحْل ٍ كمَا فِي الحدِيْثِ الصَّحِيْحِ:«مَنْ تطهَّرَ فِي بَيْتهِ ، ثمَّ أَتى مَسْجِدَ قباءَ ، لا يرِيدُ إلا َّ الصَّلاة َ فِيْهِ ، كانَ كعُمْرَة»([1]).

قالوْا : وَلأَنَّ السَّفرَ إلىَ زِيَارَةِ قبوْرِ الأَنبياءِ وَالصّالِحِيْنَ بدْعَة ٌ ، لمْ يَفعَلهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابةِ وَلا التّابعِيْنَ ، وَلا أَمَرَ بهَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا اسْتَحَبَّ ذلِك َ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ المسْلِمِيْن .

فمَن ِ اعْتَقدَ ذلِك َ عِبَادَة ً وَفعَلهُ : فهُوَ مُخالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَلإجْمَاعِ الأَئِمَّة .

وَهَذَا مِمَّا ذكرَهُ أَبوْ عَبْدِ اللهِ ابْنُ بَطة َ فِي«الإبانةِ الصُّغْرَى»(ص89) مِنَ البدَعِ المخالِفةِ لِلسُّنَّةِ وَالإجْمَاع .

وَبهَذَا يَظهَرُ بُطلانُ حُجَّةِ أَبي مُحَمَّدٍ المقدِسِيِّ ، لأَنَّ زِيَارَة َ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَسْجِدِ قباءَ ، لمْ تَكنْ بشَدِّ رَحْل ٍ، وَهُوَ يُسَلمُ لهُمْ أَنَّ السَّفرَ إليْهِ لا يَجِبُ بالنذْر .

وَقوْلهُ بأَنَّ الحدِيْثَ الذِي مَضْمُونهُ «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ» ، مَحْمُوْلٌ عَلى نفي الاسْتِحْبَابِ : يجَابُ عَنْهُ بوَجْهَيْن ِ:

أَحَدُهُمَا : أَنَّ هَذَا تَسْلِيْمٌ مِنْهُ أَنَّ هَذَا السَّفرَ ليْسَ بعَمَل ٍ صَالِحٍ ، وَلا قرْبةٍ ، وَلا طاعَةٍ ، وَلا هُوَ مِنَ الحسَنات .

فإذنْ مَن ِ اعْتَقدَ أَنَّ السَّفرَ لِزِيَارَةِ قبوْرِ الأَنبياءِ وَالصّالِحِينَ قرْبة ٌ ، وَعِبَادَة ٌ ، وَطاعَة ٌ : فقدْ خَالفَ الإجْمَاع .

وَإِذا سَافرَ لاعْتِقادِ أَنَّ ذلِك َ طاعَة ٌ: كانَ ذلك مُحَرَّمًا بإجْمَاعِ المسْلِمِين .

فصَارَ التَّحْرِيْمُ مِنْ جهةِ اتخاذِهِ قرْبة ً ، وَمَعْلومٌ أَنَّ أَحَدًا لا يُسَافِرُ إليْهَا إلا َّ لِذَلِك .

وَأَمّا إذا نذَرَ الرَّجُلُ أَنْ يُسَافِرَ إليْهَا لِغرَض ٍ مُبَاحٍ : فهَذَا جَائِزٌ ، وَليْسَ مِنْ هَذَا الباب .

الوَجْهُ الثانِي: أَنَّ هَذَا الحدِيْثَ يَقتضِي النَّهْيَ ، وَالنَّهْيُ يَقتضِي التَّحْرِيْم .

وَمَا ذكرُوْهُ مِنَ الأَحَادِيْثِ فِي زِيارَةِ قبْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فكلهَا ضَعِيْفة ٌ، باِتفاق ِ أَهْل ِ العِلمِ باِلأَحَادِيْث .

بَلْ هِيَ مَوْضُوْعَة ٌ، لمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْ أَهْل ِ السُّنَن ِ المعْتَمَدَةِ شَيْئًا مِنْهَا ، وَلمْ يَحْتَجَّ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ بشَيْءٍ مِنْهَا .

بَلْ مَالِك ٌ- إمَامُ أَهْل ِ المدِيْنَةِ النبَوِيةِ ، الذِيْنَ هُمْ أَعْلمُ النّاس ِ بحُكمِ هَذِهِ المسْأَلةِ -: كرِهَ أَنْ يَقوْلَ الرَّجُلُ :«زُرْتُ قبْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » .

وَلوْ كانَ هَذَا اللفظ ُ مَعْرُوْفا عِنْدَهُمْ ، أَوْ مَشْرُوْعًا ، أَوْ مَأْثوْرًا عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لمْ يَكرَهْهُ عَالِمُ أَهْل ِ المدِينة .

وَالإمَامُ أَحْمَدُ أَعْلمُ النّاس ِ فِي زَمَانِهِ باِلسُّنَّةِ : لمَّا سُئِلَ عَنْ ذلِك َ، لمْ يَكنْ عِنْدَهُ مَا يَعْتَمِدُ عَليْهِ فِي ذلِك َ مِنَ الأَحَادِيْثِ إلا َّ حَدِيْثُ أَبي هُرَيرَة َ
رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :«مَا مِنْ رَجُل ٍ يُسَلمُ عَليَّ إلا َّ رَدَّ الله ُ عَليَّ رُوْحِي حَتَّى أَرُدَّ عَليْهِ السَّلام»، وَعَلى هَذَا اعْتَمَدَ أَبوْ دَاوُوْدَ في«سُنَنِه»(2041).

[1]- رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في«مُسْنَدِهِ»(3/487) وَالنَّسَائِيُّ(699) وَابْنُ مَاجَهْ(1412) مِنْ حَدِيْثِ سَهْل ِ بْن ِ حُنَيْف.

دآنـة وصآل 28-12-11 02:20 PM

وَكذَلِك َ مَالِك ٌ فِي«الموَطإ»: رَوَى عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا: أَنهُ كانَ إذا دَخَلَ المسْجِدَ قالَ:«السَّلامُ عَليْك َ يَا رَسُوْلَ اللهِ ، السَّلامُ عَليْك َ يَا أَبا بَكرٍ، السَّلامُ عَليْك َ يا أَبةِ» ثمَّ يَنْصَرِف .

وَفي«سُنَن ِ أَبي دَاوُوْدَ»(2041) عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنهُ قالَ:«لا تتخِذُوْا قبْرِي عِيْدًا ، وَصَلوْا عَليَّ فإنَّ صَلاتكمْ تبْلغنِي حَيْثمَا كنتمْ».

وَفِي«سُنَن ِسَعِيْدِ بْن ِ مَنْصُوْرٍ»: أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ حَسَن ِ بْن ِ حَسَن ِ بْن ِ عَلِيِّ بْن ِ أَبي طالِبٍ رَأَى رَجُلا ً يَخْتَلِفُ إلىَ قبْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَيَدْعُوْ عِنْدَهُ فقالَ:(يَا هَذَا ! إنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«لا تَتَّخِذُوْا قبْرِي عِيْدًا ، وَصَلوْا عَليَّ، فإنَّ صَلاتَكمْ حَيْثمَا كنتمْ تبْلغنِي» فمَا أَنتَ وَرَجُلٌ باِلأَندَلس ِ مِنْهُ إلا َّ سَوَاء).

وَفِي«الصَّحِيْحَيْنِ» عَنْ عَائِشَة َرَضِيَ الله ُ عَنْهَا : عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنهُ قالَ فِي مَرَض ِ مَوْتِهِ:«لعَنَ الله ُ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى ، اتخذُوْا قبوْرَ أَنبيائِهمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا فعَلوْا ، وَلوْلا ذلِك َ لأُبرِزَ قبْرُهُ ، وَلكِنْ كرِهَ أَنْ يُتَّخذَ مَسْجِدًا [خ(435) م(531)].

وَهُمْ دَفنوْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُجْرَةِ عَائِشَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهَا خِلافَ مَا اعْتَادُوْهُ مِنَ الدَّفن ِ فِي الصَّحْرَاءِ ، لِئَلا ّ يصَليَ أَحَدٌ عِنْدَ قبْرِهِ وَيتخِذَهُ مَسْجِدًا ، فيتخذَ قبْرُهُ وَثنًا .

وَكانَ الصَّحَابة ُ وَالتّابعُوْنَ – لمّا كانتِ الحجْرَة ُ النَّبَوِيَّة ُ مُنْفصِلة ً عَن ِ المسْجِدِ إلىَ زَمَن ِ الوَلِيْدِ بْن ِعَبْدِ الملِكِ (ت96ه) -: لا يَدْخُلُ أَحَدٌ إليْهِ ، لا لِصَلاةٍ هُنَاك َ، وَلا تمَسُّحٍ باِلقبرِ ، وَلا دُعَاءٍ هُنَاك َ، بَلْ هَذَا جَمِيْعُهُ إنمَا كانوْا يَفعَلوْنهُ فِي المسْجد .

وَكانَ السَّلفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتّابعِينَ إذا سَلمُوْا عَلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَرَادُوْا الدُّعَاءَ:دَعَوْا مُسْتَقبلِي القِبْلةِ ، وَلمْ يَسْتَقبلوْا القبْر .

وَأَمّا الوُقوْفُ لِلسَّلامِ عَليْهِ صَلوَاتُ اللهِ عَليْهِ وَسَلامُهُ : فقالَ أَبوْ حَنِيْفة َ: «يَسْتَقبلُ القِبْلة َ أَيضًا ، وَلا يَسْتَقبلُ القبرَ».

وَقالَ أَكثرُ الأَئِمَّةِ:«بَلْ يَسْتَقبلُ القبْرَ عِنْدَ السَّلامِ خَاصَّة».

وَلمْ يَقلْ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ :«إنهُ يَسْتَقبلُ القبْرَ عِنْدَ الدُّعَاء».

وَليْسَ فِي ذلِك َ إلا َّ حِكاية ٌ مَكذُوبة ٌ، ترْوَى عَنْ مَالِكٍ ، وَمَذْهَبُهُ بخِلافِهَا .

وَاتفقَ الأَئِمَّة ُ عَلى أَنهُ لا يَتَمَسَّحُ بقبْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا يُقبله .

وَهَذَا كلهُ مُحَافظة ٌ عَلى التَّوْحِيْدِ ، فإنَّ مِنْ أُصُوْل ِ الشِّرْكِ باِللهِ : اتخاذَ القبوْرِ مَسَاجِدَ ، كمَا قالَ طائِفة ٌ مِنَ السَّلفِ فِي قوْلِهِ تَعَالىَ:{ وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً }.

قالوْا :«هَؤُلاءِ كانوْا قوْمًا صَالِحِينَ فِي قوْمِ نوْحٍ ، فلمّا مَاتوْا عَكفوْا عَلى قبوْرِهِمْ ، ثمَّ صَوَّرُوْا عَلى صُوَرِهِمْ تمَاثِيْلَ ، ثمَّ طالَ عَليْهمُ الأَمَدُ فعَبَدُوْهَا».

وَقدْ ذكرَ البُخارِيُّ فِي«صَحِيْحِهِ»(4920) هَذَا المعْنَى عَن ِ ابْن ِ عَبّاس .

وَذكرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطبَرِيُّ وَغيْرُهُ فِي«التَّفسِيرِ» عَنْ غيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلف .

وَذكرَهُ وَثِيْمَة ُ وَغيْرُهُ فِي«قصَص ِ الأَنبياءِ» مِنْ عِدَّةِ طرُق .

وَقدْ بَسَطتُ الكلامَ عَلى أُصُوْل ِ هَذِهِ المسَائِل ِ فِي غيْرِ هَذَا الموْضِع .

وَأَوَّلُ مَنْ وَضَعَ هَذِهِ الأَحَادِيْثَ فِي السَّفرِ لِزِيَارَةِ المشَاهِدِ التي عَلى القبوْرِ : أَهْلُ البدَعِ مِنَ الرّافِضَةِ وَنحْوِهِمْ ، الذِيْنَ يُعَطلوْنَ المسَاجِدَ ، وَيُعَظمُوْنَ المشَاهِدَ ، يَدَعُوْنَ بيوْتَ اللهِ التي أَمَرَ أَنْ يُذْكرَ فِيْهَا اسْمُهُ ، وَيُعْبَدَ وَحْدَهُ لا شَرِيْك َ لهُ ، وَيُعَظمُوْنَ المشَاهِدَ التي يُشْرَك ُ فِيْهَا ، وَيُكذَبُ ، وَيُبْتَدَعُ فِيْهَا دِيْنٌ لمْ يُنَزِّل ِ الله ُ بهِ سُلطانا .

فإنَّ الكِتَابَ وَالسُّنَّة َ، إنمَا فِيْهمَا ذِكرُ المسَاجِدِ دُوْنَ المشَاهِدِ ، كمَا قالَ تَعَالىَ:{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ }.

وَقالَ تَعَالىَ:{ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }.

وَقالَ تَعَالىَ: { وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ }.

وَقالَ تَعَالىَ:{ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }.

وَقالَ تَعَالىَ: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا }.

وَقدْ ثبتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في«الصَّحِيْحِ»:أَنهُ كانَ يَقوْلُ :«إنَّ مَنْ كانَ قبْلكمْ ، كانوْا يَتَّخِذُوْنَ القبوْرَ مَسَاجِدَ ، أَلا فلا تَتَّخِذُوْا القبوْرَ مَسَاجِدَ ، فإني أَنهَاكمْ عَنْ ذلك» ، وَالله ُ أَعْلم)اه كلامُ شَيْخِ الإسْلامِ رَحِمَهُ الله .

دآنـة وصآل 28-12-11 02:22 PM

فصل


وَكانتْ فتْوَاهُ هَذِهِ نَحْوَ سَنَةِ(709ه) وَبَعْدَ سِنِينَ : أَنكرَ فتيَاهُ هَذِهِ جَمَاعَة ٌ مِنْ أَهْل ِ البدَعِ سَنَة َ(726ه) ، وَحَصَلَ لهُ رَحِمَهُ الله ُ بسَببهَا ، مِحَنٌ عَظِيْمَة ٌ، وَضَجَّ المبطِلوْنَ مِنْهَا ، وَشَرِقوْا بهَا ، وَلمْ يَسْتَطِيْعُوْا دَفعَهَا ، فكذَبوْا عَليْهِ ، وَحَرَّفوْا مُرَادَهُ ، لِينفرُوْا النّاسَ مِنْهُ ، وَيَحْمِلوْا بذَلِك َ عَليْهِ ، وَزَعَمُوْا أَنهُ يُحَرِّمُ زِيَارَة َ قبْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطلقا ، وَمَزَاعِمَ أُخْرَى كاذِبة ً، وَكتبُوْا إلىَ السُّلطان ِ بذَلِك َ، فحَبسَهُ سُلطانُ مِصْرَ بقلعَةِ دِمَشْقَ ، بكتَابٍ وَرَدَ مِنْهُ في شَهْرِ شَعْبَانَ سنة (726ه).

قالَ الحافِظُ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدِ بْن ِعَبْدِ الهادِي المقدِسِيُّ(ت744ه) في«العُقوْدِ الدُّرِّيةِ» بَعْدَ أَنْ سَاقَ هَذِهِ الفتْيَا كامِلة ً(ص330-341): (هَذَا آخِرُ مَا أَجَابَ بهِ شَيْخُ الإسْلامِ ، وَالله ُ سُبْحَانهُ وَتعَالىَ أَعْلم .

وَلهُ مِنَ الكلامِ في مِثْل ِ هَذَا كثِيرٌ كمَا أَشَارَ إليْهِ في الجوَاب .

وَلمّا ظفِرُوْا في دِمَشْقَ بهَذَا الجوَابِ : كتبوْهُ وَبعَثوْا بهِ إلىَ الدِّيارِ المِصْرِيةِ ، وَكتبَ عَليْهِ قاضِي الشّافِعِيَّةِ :«قابلتُ الجوَابَ عَنْ
هَذَا السُّؤَال ِ المكتوْبِ عَلى خَط ِّ ابْن ِ تَيْمية َ فصَحَّ».

إلىَ أَنْ قالَ :«وَإنمَا المخزِي جَعْلهُ : زِيَارَة َ قبْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقبوْرِ الأَنْبيَاءِ رِضْوَانُ اللهِ تَعَالىَ عَليْهمْ أَجْمَعِيْنَ مَعْصِيَة ً باِلإجْمَاعِ، مَقطوْعًا بهَا» هَذَا كلامُه .

فانْظرْ إلىَ هَذَا التَّحْرِيْفِ عَلى شَيْخِ الإسْلامِ ، وَالجوَابُ ليْسَ فِيْهِ المنْعُ مِنْ زِيَارَةِ قبوْرِ الأَنْبيَاءِ وَالصّالِحِينَ ، وَإنمَا ذكرَ فِيْهِ قوْليْن ِ: في شَدِّ الرَّحْل ِ، وَالسَّفرِ إلىَ مُجَرَّدِ زِيَارَةِ القبُوْر .

دآنـة وصآل 28-12-11 03:09 PM

وَزِيَارَة ُ القبُوْرِ مِنْ غيْرِ شَدِّ رَحْل ٍ إليْهَا مَسْأَلة ٌ، وَشَدُّ الرَّحْل ِ لِمُجَرَّدِ الزِّيارَةِ مَسْأَلة ٌ أُخْرَى .

وَالشَّيْخُ لا يَمْنَعُ الزِّيارَة َ الخالِية َ عَنْ شَدِّ رَحْل ٍ، بَلْ يَسْتَحِبُّهَا وَيَنْدُبُ إليْهَا . وَكتبُهُ وَمَنَاسِكهُ تَشْهَدُ بذَلِك َ، وَلمْ يَتَعَرَّض ِ الشَّيْخُ إلىَ هَذِهِ الزِّيارَةِ فِي الفتْيَا ، وَلا قالَ:«إنهَا مَعْصِيَة ٌ» ، وَلا حَكى الإجْمَاعَ عَلى المنْعِ مِنْهَا ، وَالله ُسُبْحَانهُ وَتعَالىَ لا تَخْفى عَليْهِ خَافِيَة .

وَلمّا وَصَلَ خَط ُّ القاضِي المذْكوْرِ إلىَ الدِّيارِ المِصْرِيَّةِ : كثرَ الكلامُ ، وَعَظمَتِ الفِتْنَة ُ، وَطلِبَ القضَاة ُ بهَا ، فاجْتَمَعُوْا وَتكلمُوْا ، وَأَشارَ بَعْضُهُمْ بحَبْس ِ الشَّيْخِ ، فرَسَمَ السُّلطانُ بهِ ، وَجَرَى مَا تقدَّمَ ذِكرُه .

ثمَّ جَرَى بَعْدَ ذلِك َ أُمُوْرٌ عَلى القائِمِيْنَ في هَذِهِ القضِيَّةِ ، لا يُمْكِنُ ذِكرُهَا في هَذَا الموْضِع .

وَقدْ وَصَلَ مَا أَجَابَ بهِ الشَّيْخُ فِي هَذِهِ المسْأَلةِ إلىَ عُلمَاءِ بَغْدَادَ ، فقامُوْا في الانْتِصَارِ لهُ ، وَكتبُوْا بمُوَافقتِهِ ، وَرَأَيتُ خُطوْطهُمْ بذَلِك َ، وَهَذَا صُوْرَة ُ مَا كتبوْا) ثمَّ أَوْرَدَهَا ابنُ عَبْدِ الهادِي رَحِمَهُ الله ُ ، وَرَحِمَهُمْ .

وَذكرَ الحافِظ ُ عَلمُ الدِّيْن ِ أَبوْ مُحَمَّدٍ القاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بن ِ يُوْسُفَ البرْزَالِيُّ(ت739 ه) في«تارِيْخِهِ»: أَنَّ شَيْخَ الإسْلامِ اعْتقِلَ بقلعَةِ دِمَشْقَ ، عَصْرَ الاثنيْن ِ سَادِسَ عَشْرَ شَعْبَانَ سَنَة َ (726ه).

ثمَّ قالَ : وَفي يَوْمِ الجمْعَةِ عَاشِرِ الشَّهْرِ المذْكوْرِ: قرِئَ بجَامِعِ دِمَشْقَ الكِتَابُ السُّلطانِيُّ ، الوَارِدُ باِعْتِقالِهِ وَمَنْعِهِ مِنَ الفتيا .

وَهَذِهِ الوَاقِعَة ُ سَببهَا : فتيا وُجِدَتْ بخطهِ في السَّفرِ وَإعْمَال ِ المطِيِّ إلىَ زِيارَةِ قبوْرِ الأَنبيَاءِ عَليْهمُ الصَّلاة ُ وَالسَّلامُ ، وَقبوْرِ الصّالحِيْن)اه مِنَ«البدَايَةِ وَالنِّهَايَة»(14/107).

دآنـة وصآل 28-12-11 03:12 PM

وَقالَ الحافِظ ُ العِمَادُ ابْنُ كثِيْرٍ في«البدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ»(14/108) في حَوَادِثِ سَنَةِ (726ه) : ثمَّ يَوْمَ الخمِيْس ِ[11/11/726ه] دَخَلَ القاضِي جَمَالُ الدِّين ِابنُ جملة َ، وَناصِرُ الدِّين ِ مَشَدُّ الأَوْقافِ ، وَسَأَلاهُ عَنْ مَضْمُوْن ِ قوْلِهِ في مَسْأَلةِ الزِّيارَة . فكتَبَ ذلِك َ في دَرْجٍ ، وَكتبَ تَحْتَهُ قاضِي الشّافِعِيَّةِ بدِمَشْقَ:«قابَلتُ الجوَابَ عَنْ هَذَا السُّؤَال ِ المكتوْبِ عَلى خَطِّ ابْن ِ تَيْمية َ» إلىَ أَنْ قالَ:«وَإنمَا المخزِي جَعْلهُ زِيارَة َ قبْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقبوْرِ الأَنبيَاءِ صَلوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليْهمْ مَعْصِيَة ً باِلإجْمَاعِ ، مَقطوْعًا بهَا».

قالَ ابْنُ كثِيْرٍ بَعْدَهُ :فانظرْ الآنَ هَذَا التَّحْرِيْفَ عَلى شَيْخِ الإسْلامِ ، فإنَّ جَوَابهُ عَلى هَذِهِ المسْأَلةِ ، ليْسَ فِيْهِ مَنْعُ زِيَارَةِ قبوْرِ الأَنبيَاءِ وَالصّالحِيْنَ ، وَإنمَا فِيْهِ ذِكرُ قوْليْن ِ في شَدِّ الرَّحْل ِ، وَالسَّفرِ إلىَ مُجَرَّدِ زِيارَةِ القبوْر . وَزِيارَة ُ القبوْرِ مِنْ غيْرِ شَدِّ رَحْل ٍ إليْهَا مَسْأَلة ٌ، وَشَدُّ الرَّحْل ِ لِمُجَرَّدِ الزِّيارَةِ ، مَسْأَلة ٌ أُخْرَى .

وَالشَّيْخُ لمْ يَمْنَعِ الزِّيارَة َ الخالِيَة َ عَنْ شَدِّ رَحْل ٍ، بَلْ يَسْتَحِبُّهَا وَيَنْدُبُ إليْهَا ، وَكتبهُ وَمَنَاسِكهُ تَشْهَدُ بذَلِك َ، وَلمْ يتعَرَّضْ إلىَ هَذِهِ الزِّيارَةِ في هَذَا الوَجْهِ مِنَ الفتْيَا ، وَلا قالَ «إنهَا مَعْصِيَة ٌ»، وَلا حَكى الإجْمَاعَ عَلى المنْعِ مِنْهَا ، وَلا هُوَ جَاهِلٌ قوْلَ الرَّسُوْل ِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زُوْرُوْا القبوْرَ فإنهَا تذَكرُكمُ الآخِرَة» ، وَالله ُ سُبْحَانهُ لا يَخْفى عَليْهِ شَيْءٌ ، وَلا يَخْفى عَليْهِ خَافِيَة ٌ، { وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ })اه.

دآنـة وصآل 28-12-11 04:06 PM

فصل


وَقدِ انْتَصَرَ لِشَيْخِ الإسْلامِ رَحِمَهُ الله ُ، وَذبَّ عَنْهُ ، وَبَيَّنَ مُرَادَهُ ، وَرَجَّحَهُ وَأَظهَرَهُ : جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْل ِ العِلمِ مِنْ أَرْبابِ المذَاهِبِ كافة ً، وَعَلى رَأْسِهمْ عُلمَاءُ بَغْدَاد .

وَضَلَّ آخَرُوْنَ عَنْ عِلةِ نهْيِّ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَابطِهِ في شَدِّ الرِّحَال ِ إلىَ غيْرِ المسَاجِدِ الثلاثةِ : فعَارَضُوْهُ – مَعَ أَنهُ في«الصَّحِيْحَيْن»- بإجْمَاعِ العُلمَاءِ عَلى جَوَازِ شَدِّ الرِّحَال ِ إلىَ الثغوْرِ ، وَطلبِ العِلمِ ، وَالتِّجارَةِ ، وَزِيارَةِ الأَرْحَامِ ، وَغيْرِ ذلِك َ مِمّا هُوَ مَشْرُوْعٌ ، أَوْ صَرَفوْا مَعْنَاهُ عَنْ حَقِيْقتِهِ بصَوَارِفَ غيْرَ صَحِيْحَةٍ ، وَعَمُوْا عَنْ سَببِ الحكمِ وَعِلتِه .

قالَ شَيْخُ الإسْلامِ مُبَيِّنًا العِلة َ الصَّحِيْحَة َ المعْتَبرَة َ في ذلِك َ، وَرَادًّا عَلى أُوْلئِك َ المتوَهِّمِيْنَ - كمَا في«مَجْمُوْعِ الفتاوَى»-(27/249-250) فالمسَافِرُ إلىَ الثغوْرِ، أَوْ طلبِ العِلمِ ، أَوِ التجَارَةِ ، أَوْ زِيَارَةِ قرِيبهِ : ليْسَ مَقصُوْدُهُ مَكانا مُعَيَّنًا إلا َّ باِلعَرَض ِ، إذا عَرَفَ أَنَّ مَقصُوْدَهُ فِيْهِ ، وَلوْ كانَ مَقصُوْدُهُ في غيْرِهِ لذَهَبَ إليْه .

فالسَّفرُ إلىَ مِثْل ِ هَذَا ، لمْ يَدْخُلْ في الحدِيْثِ باِتفاق ِ العُلمَاءِ ، وَإنمَا دَخَلَ فِيْهِ مَنْ يُسَافِرُ لِمَكان ٍ مُعَيَّن ٍ، لِفضِيْلةِ ذلِك َ بعَيْنِهِ ، كالذِي يُسَافِرُ إلىَ المسَاجِدِ وَآثارِ الأَنْبيَاءِ ، كالطوْرِ الذِي كلمَ الله ُ عَليْهِ مُوْسَى ، وَغارِ حِرَاءَ ... وَمَا هُوَ دُوْنَ ذلِك َ مِنَ الغارَاتِ وَالجِبَال)اه كلامُهُ رَحِمَهُ الله .

وَقالَ آخَرُوْنَ قوْلُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إلا َّ إلىَ ثلاثةِ مَسَاجِدَ»: اسْتثناءٌ مُفرَّغٌ ، وَالتَّقدِيْرُ فِيْهِ:«إلىَ مَسْجِدٍ» أَي : لا تشدُّ الرِّحَالُ إلىَ مَسْجِدٍ إلا َّ إلىَ المسَاجِدِ الثلاثة .

فأَجَازُوْا كلَّ سَفرٍ - وَإنْ كانَ سَفرًا لِبُقعَةٍ فاضِلةٍ ، أَوْ يُزْعَمُ فضْلهَا ، أَوْ قبْرٍ وَغيْرِهِ – وَلمْ يَمْنَعُوْا إلا َّ مَنْ سَافرَ لِمَسْجِدٍ غيْرَ هَذِهِ الثلاثةِ ، وَجَعَلوْا ذلِك َ هُوَ الضّابط َ! وَهَذَا غيْرُ صَحِيْح .

وَلوْ سَلمْنَا لهمْ ذلِك َ، وَجَعَلنَا التَّقدِيْرَ في ذلِك َ الاسْتِثْنَاءِ المفرَّغِإلىَ مَسْجِدٍ»: لكانَ النَّهْيُ عَن ِ السَّفرِ إلىَ مَسْجِدٍ غيْرِ الثلاثةِ باِللفظِ ، وَعَنْ سَائِرِ البقاعِ وَالأَمَاكِن ِ التي يعْتقدُ فضْلهَا باِلتَّنْبيْه وَالفحْوَى ، وَطرِيْق ِ الأَوْلىَ .

فإنَّ المسَاجِدَ وَالعِبَادَة َ فِيْهَا ، أَحَبُّ إلىَ اللهِ مِنَ العِبَادَةِ في تِلك َ البقاعِ باِلنَّصِّ وَالإجْمَاع .

فإذا كانَ السَّفرُ إلىَ البقاعِ الفاضِلة - باِلنَّصِّ وَالإجْمَاعِ-: قدْ نهيَ عَنْهُ : فالسَّفرُ إلىَ المفضُوْلةِ أَوْلىَ باِلتَّحْرِيْمِ وَأَحْرَى .

وَالصَّوَابُ : أَنَّ التَّقدِيْرَ في هَذَا الاسْتِثْنَاءِ هُوَ:«إلىَ بُقعَةٍ وَمَكان ٍ يُظنُّ فضْلهُ» أَي : لا تشدُّ الرِّحَالُ إلىَ بُقعَةٍ يُظنُّ فضْلهَا ، إلا َّ إلىَ ثلاثةِ مَسَاجِد .

وَعَلى كِلا التقدِيْرَيْن ِ في هَذَا الاسْتِثْنَاءِ : يَحْرُمُ شَدُّ الرِّحَال ِ، إلا َّ إلىَ ثلاثةِ مَسَاجِد .

إذا تقرَّرَ هَذَا الحكمُ وَاسْتقرَّ : عَلِمْتَ أَنَّ شَدَّ الرِّحَال ِ إلىَ قبوْرِ الأَوْلِيَاءِ وَالصّالِحِيْنَ : مُنْكرٌ عَظِيْمٌ ، وَإثمٌ جَسِيْمٌ ، وَضَلالة ٌ عَمْيَاءُ ، وَجَهَالة ٌ جَهْلاء .

وَأَنَّ ذلِك َ المسَافرَ قدْ سَافرَ مَأْزُوْرًا في سَفرِ مَعْصِيَةٍ ، لا يَجُوْزُ لهُ فِيْهِ الجمْعُ وَلا القصْرُ ، وَلا التَّرَخُّصُ برُخص ِ المسَافِرِيْن .

فإنْ كانَ صَائِمًا : لمْ يَجُزْ لهُ الإفطارُ ، وَإنْ كانَ مُصَليًا : لمْ تصِحَّ صَلاتهُ إلا َّ باِلإتمَام .

ثمَّ إذا عَلِمْتَ أَنَّ كلَّ شَادِّ رَحْل ٍ وَمُسَافِرٍ إلىَ تِلك َ المشَاهِدِ وَالقبوْرِ : لمْ يُسَافرْ لها ، إلا َّ لأَجْل ِ الصَّلاةِ عِنْدَهَا ، رَجَاءَ بَرَكةِ بقعَتِهَا : عَلِمْتَ أَنَّ أُوْلئِك َ المسَافِرِيْنَ ، قدْ بَلغوْا في الضَّلال ِ مَبْلغا عَظِيْمًا .

بَلْ لا يَخْلو أُوْلئِك َ المسَافِرُوْنَ المرْتحِلوْنَ إلىَ القبوْرِ ، مِنْ دُعَاءِ أُوْلئِك َ المقبُوْرِيْنَ ، وَالاسْتِغاثةِ بهمْ ، وَرَجَاءِ نفعِهمْ ، وَغيْرِ ذلِك َ مِمّا هُوَ شِرْك ٌ وَكفرٌ باِللهِ مُخْرِجٌ مِنَ المِلةِ ، لا يَقبَلُ الله ُ مِنْ فاعِلهِ عَدْلا ً وَلا صَرْفا .

فهَذَا البابُ الذِي خَشِيَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى أُمَّتِهِ مِنْهُ قدْ فتِحَ ، وَهَذَا نهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ِ اتخاذِهَا مَسَاجِدَ قدْ أُوْتِيَ : فكانَ ذرِيْعَة ً إلىَ إشْرَاكِهمْ باِللهِ وَكفرِهِمْ ، كمَا كانَ ذرِيْعَة ً لِشِرْكِ الأُمَمِ قبْلهُمْ .

دآنـة وصآل 28-12-11 04:08 PM

فصل

في بيان ِحَال ِالأَحَادِيْثِ المرْوِيَّةِ في فضْل ِ زِيَارَةِ قبْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنهَا مَوْضُوْعَة ٌ، مَعَ كوْن ِ زِيَارَةِ قبْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرْبَة ً مِنَ القرَبِ ، وَطاعَة ً مِنَ الطاعَاتِ ، بشَرْطِ أَنْ لا يَكوْنَ ذلِك َ بشَدِّ رَحْل ٍ إليْه


أَمّا مَا يَحْتَجُّ بهِ بَعْضُ المبْطِليْنَ ، مِمّا يُرْوَى في هَذَا البابِ مِنْ أَحَادِيْثَ ، كحَدِيْثِ «مَنْ حَجَّ وَلمْ يَزُرْنِي: فقدْ جَفانِي» ، وَحَدِيْثِ «مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبي فِي عَامٍ وَاحِدٍ : ضَمِنْتُ لهُ عَلى اللهِ الجنة»: فليْسَ لهمْ حُجَّة ٌ في شَيْءٍ مِنْهُ ، وَكلُّ مَا في هَذَا البابِ ، مَوْضُوْعٌ لا يَصِحُّ ، ولا يُحْتَجُّ بمِثلِه .
وَقدْ جَمَعَهَا الحافِظ ُ محمَّدُ بْنُ أَحْمَدِ بْن ِعَبْدِ الهادِي المقدِسِيُّ رَحِمَهُ الله ُ في كِتَابهِ«الصّارِمِ المنْكِي ، في الرَّدِّ عَلى السُّبْكِيّ» ، وَتكلمَ فِيْهِ عَلى كلِّ حَدِيْثٍ بمَا يَشْفِي وَيَكفِي ، وَبَيَّنَ أَنهَا جَمِيْعًا بَاطِلة ٌ لا تَصِحّ .
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ(27/216) :
(وَقدْ يَحْتَجُّ بَعْضُ مَنْ لا يَعْرِفُ الحدِيْثَ ، باِلأَحَادِيْثِ المرْوِيَّةِ في زِيَارَةِ قبْرِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كقوْلِهِ:«مَنْ زَارَنِي بَعْدَ مَمَاتِي : فكأَنما زَارَنِي فِي حَيَاتِي» رَوَاهُ الدَّارَقطنيّ (2/278).
وَأَمّا مَا ذكرَهُ بَعْضُ النّاس ِ مِنْ قوْلِهِ:«مَنْ حَجَّ وَلمْ يَزُرْنِي: فقدْ جَفانِي»: فهَذَا لمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ العُلمَاء .
وَهُوَ مِثْلُ قوْلِهِ:«مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبي فِي عَامٍ وَاحِدٍ : ضَمِنْتُ لهُ عَلى اللهِ الجنة».
فإنَّ هَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ باِتفاق ِ العُلمَاءِ ، وَلمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ ، وَلمْ يَحْتَجَّ بهِ أَحَدٌ ، وَإنمَا يَحْتَجُّ بَعْضُهُمْ بحدِيثِ الدَّارَقطنيّ.
ثمَّ قالَ رَحِمَهُ الله ُ(27/216-219) :
(وَلكِنَّ هَذَا وَإنْ كانَ لمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنَ العُلمَاءِ فِي كتبِ الفِقهِ وَالحدِيْثِ ، لا مُحْتَجًّا وَلا مُعْتَضِدًا بهِ ، وَإنْ ذكرَهُ بَعْضُ المتأَخِّرِيْنَ : فقدْ رَوَاهُ أَبوْ أَحْمَدَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي«كِتَابِ الضُّعَفاءِ»(8/248) لِيبيِّنَ ضَعْفَ رِوَايتِه .
فذَكرَهُ بحدِيْثِ النُّعْمَان ِ بْن ِشِبْل ٍ البَاهِلِيِّ البَصْرِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نافِعٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«مَنْ حَجَّ وَلمْ يَزُرْنِي: فقدْ جَفانِي» قالَ ابْنُ عَدِيٍّ(8/249):«لمْ يَرْوِهِ عَنْ مَالِكٍ غيْرُ هَذَا !».
يَعْنِي : وَقدْ عُلِمَ أَنهُ ليْسَ مِنْ حَدِيْثِ مَالِكٍ ، فعُلِمَ أَنَّ الآفة َ مِنْ جِهَتِه .
قالَ يُوْنسُ بْنُ هَارُوْنَ:«كانَ النُّعْمَانُ هَذَا مُتَّهَمًا».
وَقالَ أَبوْ حَاتِمٍ ابْنُ حِبّانَ:«يأْتِي مِنَ الثقاتِ باِلطامّات».
وَقدْ ذكرَ أَبوْ الفرَجِ ابْنُ الجوْزِيُّ هَذَا الحدِيْثَ في «الموْضُوْعَاتِ»(2/217) ، وَرَوَاهُ مِنْ طرِيْق ِ أَبي حَاتِمٍ ابْن ِ حِبّانَ: «حَدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عُبيْدٍ حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن ِ النُّعْمَان ِ بْن ِ شِبْل ٍ حَدَّثنا جَدِّي عَنْ مَالِك».
ثمَّ قالَ أَبو الفرَجِ(2/217):«قالَ أَبوْ حَاتِمٍ : النُّعْمَانُ يَأْتِي عَن ِ الثقاتِ باِلطامّات . وَقالَ الدَّارَقطنيُّ : الطعْنُ في هَذَا الحدِيْثِ مِنْ مُحَمَّدِ بْن ِ مُحَمَّدٍ ، لا مِنْ نُعْمَان»اه .
وَأَمّا الحدِيْثُ الآخَرُ:«مَنْ زَارَنِي وَزَارَ أَبي في عَامٍ وَاحِدٍ : ضَمِنْتُ لهُ عَلى اللهِ الجنَّة»: فهَذَا ليْسَ في شَيْءٍ مِن الكتبِ ، لا بإسْنَادٍ مَوْضُوْعٍ ، وَلا غيْرِ مَوْضُوْع .
وَقدْ قِيْلَ : إنَّ هَذَا لمْ يُسْمَعْ في الإسْلامِ ، حَتَّى فتحَ المسْلِمُوْنَ بَيْتَ المقدِس ِ، فِي زَمَن ِ صَلاحِ الدِّين(ت589ه).

دآنـة وصآل 29-12-11 01:49 AM

فلِهَذَا لمْ يَذْكرْ أَحَدٌ مِنَ العُلمَاءِ لا هَذَا وَلا هَذَا ، لا عَلى سَبيْل ِ الاعْتِضَادِ ، وَلا عَلى سَبيْل ِ الاعْتِمَاد .

بخِلافِ الحدِيْثِ الذِي قدْ تقدَّمَ : فإنهُ قدْ ذكرَهُ جَمَاعَة ٌ وَرَوَوْهُ ، وَهُوَ مَعْرُوْفٌ مِنْ حَدِيْثِ حَفص ِ بْن ِ سُليْمَانَ الغاضِرِيِّ - صَاحِبِ عَاصِمٍ - عَنْ ليْثِ بْن ِ أَبي سُليْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ قالَ : قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ حَجَّ فزَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي : كانَ كمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي»([1]).

وَقدِ اتفقَ أَهْلُ العِلمِ باِلحدِيْثِ عَلى الطعْن ِ في حَدِيْثِ حَفص ٍ هَذَا دُوْنَ قِرَاءَتِه .

قالَ البَيْهَقِيُّ فِي«شُعَبِ الإيْمَان»(3/489):«رَوَى حَفصُ بْنُ أَبي دَاوُوْدَ - وَهُوَ ضَعِيْفٌ - عَنْ ليْثِ بْن ِ أَبي سُليْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«مَنْ حَجَّ فزَارَنِي بَعْدَ مَوْتِي : كانَ كمَنْ زَارَنِي فِي حَيَاتِي».

قالَ يَحْيَى بْنُ مَعِيْن ٍ عَنْ حَفص ٍ هَذَا :«ليْسَ بثقةٍ ، وَهُوَ أَصَحُّ قِرَاءَة ً مِنْ أَبي بَكرٍ ابْن ِ عَيّاش ٍ ، وَأَبوْ بَكرٍ أَوْثقُ مِنْه».

وَفي رِوَايةٍ عَنْهُ:«كانَ حَفصٌ أَقرَأَ مِنْ أَبي بَكرٍ ، وَكانَ أَبوْ بَكرٍ صَدُوْقا ، وَكانَ حَفصٌ كذّابا».

وَقالَ البُخارِيُّ :«ترَكوْه».

وَقالَ مُسْلِمُ بْنُ الحجّاجِ :«مترُوْك».

وَقالَ عَلِيُّ بْنُ المدِيْنِيِّ :«ضَعِيْفُ الحدِيْثِ ، ترَكتهُ عَلى عَمْد».

وَقالَ النَّسَائِيُّ :«ليْسَ بثقةٍ ، وَلا يُكتَبُ حَدِيْثه» وَقالَ مَرَّة ً: «مَتْرُوْك».

وَقالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ البَغدَادِيُّ :«لا يُكتَبُ حَدِيْثهُ ، وَأَحَادِيْثهُ كلهَا مَنَاكِيْر».

وَقالَ أَبوْ زُرْعَة َ:«ضَعِيْفُ الحدِيْث».

وَقالَ أَبوْ حَاتِمٍ الرّازِيُّ:«لا يُكتَبُ حَدِيْثهُ ، وَهُوَ ضَعِيْفُ الحدِيْثِ لا يَصْدُقُ ، مترُوْك ُ الحدِيْث».

وَقالَ عَبْدُ الرَّحْمَن ِ ابْنُ خِرَاش ٍ:«هُوَ كذّابٌ مترُوْك ٌ يَضَعُ الحدِيْث».

وَقالَ الحاكِمُ أَبوْ أَحْمَدَ :«ذاهِبُ الحدِيْث».

وَقالَ ابْنُ عَدِيٍّ(3/276):«عَامَّة ُ أَحَادِيْثِهِ عَمَّنْ رَوَى عَنْهُ ، غيْرُ مَحْفوْظة».

وَفي البَابِ حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ البزّارُ وَالدّارَقطنيُّ(2/278) وَغيْرُهُمَا ، مِنْ حَدِيْثِ مُوْسَى بْن ِ هِلال ٍ: حَدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نافِعٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«مَنْ زَارَ قبْرِي : وَجَبَتْ لهُ شَفاعَتِي»([2]).

قالَ البَيْهَقِيُّ (3/490) - وَقدْ رَوَى هَذَا الحدِيْثَ ، ثمَّ قالَ-: «وَقدْ قِيْلَ:«عَنْ مُوْسَى عَنْ عُبَيْدِ اللهِ» وَسَوَاءٌ «عَبْدُ اللهِ» أَوْ«عُبَيْدُ اللهِ» فهُوَ مُنْكرٌ عَنْ نافِعٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ ، لمْ يَأْتِ بهِ غيْرُه»اه.

وَقالَ العُقيْلِيُّ(4/170) في مُوْسَى بْن ِ هِلال ٍ هَذَا:«لا يتابعُ عَلى حَدِيثِه».

وَقالَ أَبوْ حَاتِمٍ الرّازِيُّ :«هُوَ مَجْهُوْل».

وَقالَ أَبوْ زَكرِيّا النَّوَاوِيُّ في«شَرْحِ المهَذِّبِ»(8/252) لمّا ذكرَ قوْلَ أَبي إسْحَاقَ «وَتسْتَحَبُّ زِيَارَة ُ قبْرِ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لِمَا رُوِيَ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنهُ قالَ:«مَنْ زَارَ قبْرِي : وَجَبتْ لهُ شفاعَتِي»» قالَ النَّوَاوِيُّ:«أَمّا حَدِيْثُ ابْن ِ عُمَرَ : فرَوَاهُ أَبوْ بَكرٍ الرّازِيُّ وَالدّارَقطنيُّ وَالبَيْهَقِيُّ بإسْنَادَيْن ِ ضَعِيْفيْن ِ جِدًّا»اه)اه كلامُ شَيْخِ الإسْلامِ رَحِمَهُ الله .

وَخُلاصَة ُ أَحَادِيْثِ البابِ : مَا قالهُ شَيْخُ الإسْلامِ في مَوْضِعٍ آخرَ-كمَا في«مَجْمُوْعِ فتَاوَاهُ»(1/356) وَالأَحَادِيْثُ المرْوِية ُ في زِيارَةِ قبرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كلهَا ضَعِيْفة ٌ، بلْ كذِبٌ)اه.

* * *


[1] - رَوَاهُ الطبَرَانِيُّ في«المعْجَمِ الكبير»(12/406) وَ«الأَوْسَطِ»(1/201) وَابْنُ عَدِيٍّ في«الكامِل» (3/272) وَالدّارَقطنيُّ في«سُننِه»(2/278) وَالبَيْهَقِيُّ في«شُعَبِ الإيْمَان»(3/489).


[2] - رَوَاهُ الدُّوْلابيُّ في«الكنَى وَالأَسْمَاءِ»(2/64) وَالبَيْهَقِيُّ في«شُعَبِ الإيْمَان»(3/490) وَالعُقيْلِيُّ في«الضُّعفاء»(4/170).

دآنـة وصآل 29-12-11 01:51 AM

فصل

فِي نقض ِشُبُهَاتِ المعْتَرِض ِعَلى تَحْرِيْمِ الصَّلاةِ مُطلقا في المقابرِ وَعِنْدَ القبور


أَمّا مَا ظنهُ هَذَا المعْتَرِضُ حُجَّة ً وَدَلِيْلا ً فِي مَقالِهِ فاسْتَدَلَّ بهِ ، فليْسَ كذلك .

وَقدْ ذكرَ خَمْسَة َ أَدِلةٍ أَجَازَ بهَا الصَّلاة َ فِي المقبرَةِ بزَعْمِهِ وَليْسَ فِي شَيْءٍ مِمّا ذكرَهُ حُجَّة ٌ، وَهَذَا بيانُ رَدِّهَا :

أَمّا دَلِيْلهُ الأَوَّلُ :

فقوْلهُ: قوْلُ رَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا» [خ(335)، (438) م(521)] ، وَهَذَا يَعُمُّ الأَرْضَ كلهَا) انتهَى كلامُه .

وَهَذَا بَاطِلٌ ، فإنَّ الأُمَّة َ مُجْمِعَة ٌ عَلى تَخْصِيْص ِ هَذَا العُمُوْمِ ، وَأَنَّ مِنَ الأَرْض ِمَا ليْسَ بطهُوْرٍ ، وَلا مَسْجِدٍ تَصِحُّ فِيْهِ الصَّلاة .

ثمَّ اخْتَلفوْا في مُخَصِّصَاتِ ذلِك َ العُمُوْمِ ، مَعَ إجْمَاعِهمْ عَلى بَعْضِهَا . وَمِنْ ذلِك َ: إجْمَاعُهُمْ عَلى تَحْرِيْمِ الصَّلاةِ عَلى الأَرْض ِ النَّجِسَةِ وَبطلانِهَا لِغيْرِ المضْطرِّ ، وَاخْتَلفوْا في المضْطرّ .

وَهُوَ عُمُوْمٌ مُقيَّدٌ أَيْضًا بأَحَادِيْثِ النَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ فِي المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ ، وَقدْ تقدَّمَ طرَفٌ مِنْهَا . وَمُقيَّدٌ بأَحَادِيْثَ أُخْرَى عَنْ مَوَاضِعَ أُخْرَى كذَلك .

قالَ القاضِي أَبوْ بكرٍ ابنُ العَرَبيِّ فِي«عَارِضَةِ الأَحْوَذِيِّ»(2/114-115) بَعْدَ حَدِيْثِ أَبي سَعِيْدٍ الخدْرِيِّ «الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ إلا َّ المقبَرَة َوَالحمّامَ» قالَ: الحدِيْثُ الصَّحِيْحُ «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا».

وَهِيَ خَصِيْصَة ٌفضِّلتْ بهَا هَذِهِ الأُمَّة ُ عَلى سَائِرِ الأُمَمِ ، في حُرْمَةِ سَيِّدِ البَشرِ ، لا يُسْتَثْنى مِنْهَا إلا َّ البقاعُ النَّجسَة ُ وَالمغْصُوْبة ُ، التي يَتَعَلقُ بهَا حَقُّ الغير .

وَكلُّ حَدِيْثٍ سِوَى هَذَا : ضَعِيْفٌ ، حَتَّى حَدِيث السَّبْعَةِ مَوَاطِنَ ، التي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهَا : لا يَصِحُّ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقدْ ذكرَهُ التِّرْمِذِيّ (346) .

وَالموَاضِعُ التِي لا يُصَلى بهَا ، ثلاثة َ عَشرَ مَوْضِعًا : الأَوَّلُ المزْبَلة ُ، وَالمجْزَرَة ُ، وَالمقبرَة ُ، وَالحمّامُ ، وَالطرِيْقُ ، وَأَعْطانُ الإبل ِ، وَظهْرُ الكعْبَةِ ، وَأَمَامَك َ جدَارُ مِرْحَاض ٍ عَليْهِ نَجَاسَة ٌ، وَالكنِيْسَة ُ، وَالبيْعَة ُ، وَفي قِبْلتِك َ تمَاثِيلُ ، وَفي دَارِ العَذَاب)اه.

وَقدْ ذكرَ ابْنُ العَرَبيِّ هُنَا اثنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا ، وَلمْ يَذْكرِ الثالِثَ عَشَرَ ! وَلعَلهُ الحشُّ ، أَوِ الأَرْضُ المغْصُوْبة .

أَمّا الحنابلة ُ: فقدْ ذكرُوْا عَشَرَة َ مَوَاضِعَ ، هِيَ : المقبَرَة ُ، وَالمجْزَرَة ُ، وَالمزْبلة ُ، وَالحشُّ ، وَالحمّامُ ، وَقارِعَة ُالطرِيْق ِ، وَأَعْطانُ الإبل ِ، وَظهْرُ الكعْبَةِ ، وَالموْضِعُ المغْصُوْبُ ، وَالموْضِعُ النَّجِس .

دآنـة وصآل 29-12-11 01:54 AM

وَقدْ ذكرَهَا شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ في«شَرْحِ العُمْدَةِ» (2/425) ، ثمَّ قالَ وَأَمّا ثلاثة ٌمِنْهَا : فقدْ تَوَاطأَتِ الأَحَادِيْثُ وَاسْتَفاضَتْ باِلنَّهْيِّ عَن ِالصَّلاةِفِيْهَا ، وَهِيَ : المقبرَة ُ، وَأَعْطانُ الإبل ِ، وَالحمّامُ . وَسَائِرُهَا جَاءَ فِيْهَا مِنَ الحدِيْثِ مَا هُوَ دُوْنَ ذلك)اه. وَالمسْأَلة ُمَبْسُوْطة ٌ فِي كتبِ الفِقهِ ، وَلا تخْفى .

وَلمّا ذكرَ أَبوْ محمَّدٍ ابْنُ قدَامَة َ فِي«المغنِي»(2/468-469) قوْلَ مَن ِاسْتَدَلَّ بعُمُوْمِ قوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا» وَنَحْوِهِ : خَصَّصَهُ أَبوْ محمَّدٍ بقوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ إلا َّ الحمّامَ وَالمقبَرَة».

ثمَّ قالَ وَهَذَا خَاصٌّ مُقدَّمٌ عَلى عُمُوْمِ مَا رَوَوْه).

وَقالَ (2/480) فِي الحدِيْثِ الأَوَّل ِ- أَي حَدِيْثَ «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا»- وَهُوَ صَحِيْحٌ مُتَّفقٌ عَليْهِ ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْهُ المقبَرَة ُ، وَالحمّامُ ، وَمَعَاطِنُ الإبل ِ بأَحَادِيْثَ صَحِيْحَةٍ خَاصَّةٍ ، ففِيْمَا عَدَا ذلِك َ يبقى عَلى العُمُوْم).

وَكذَلِك َ أَبوْ حَاتِمٍ ابْنُ حِبّانَ في«صَحِيْحِهِ» لمّا رَوَى(4/595) (1697): حَدِيثَ حُذيفة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «فضِّلنَا عَلى النّاس ِ بثلاثٍ : جُعِلتِ الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدًا ، وَجُعِلَ تُرْبتهَا لنا طهُوْرًا ، وَجُعِلتْ صُفوْفنَا كصُفوْفِ الملائِكة» وَهُوَ عِنْدَ الإمَامِ أَحْمَدَ فِي«مُسْندِهِ»(5/383) ومُسْلِمٍ فِي«صَحِيْحِه»(522): خَصَّصَ ابنُ حِبّانَ هَذَا العُمُوْمَ وَالإطلاقَ بثلاثةِ أَبوَابٍ :

· أَوَّلها (4/596):«ذِكرُ وَصْفِ التَّخْصِيْص ِالأَوَّل ِالذِي يَخصُّ عُمُوْمَ تِلك َ اللفظةِ التِي تقدَّمَ ذِكرُنا لهَا».

· وَالثّانِي (4/598):«ذِكرُ التَّخْصِيْص ِالثّانِي الذِي يَخُصُّ عُمُوْمَ اللفظةِ التِي ذكرْناهُ قبْلُ».

· وَالثّالِثُ (4/599):«ذِكرُ التَّخْصِيْص ِ الثّالِثِ الذِي يَخُصُّ عُمُوْمَ قوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدًا».

وَأَوْرَدَ تحْتهَا ثلاثة َأَحَادِيْثَ :

· أَوَّلها(1698): حَدِيْثُ أَنس ِ بْن ِمَالِكٍ رَضِيَ الله ُعَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهَى أَنْ يُصَلى بَيْنَ القبوْرِ . وَهَذَا صَحَّحَهُ الضِّيَاءُ المقدِسِيُّ فِي «الأَحَادِيْثِ المخْتَارَة».

· وَالثّانِي(1699):حَدِيْثُ أَبي سَعِيْدٍ الخدْرِيِّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ مَرْفوْعًا:«الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ إلا َّ الحمّامَ وَالمقبَرَة».

· وَالثّالِثُ(1700):حَدِيْثُ أَبي هُرَيْرَة َرَضِيَ الله ُ عَنْهُ مَرْفوْعًا:«إذا لمْ تَجِدُوْا إلا َّ مَرَابضَ الغنمِ ، وَمَعَاطِنَ الإبل ِ: فصَلوْا فِي مَرَابض ِ الغنمِ ، وَلا تصَلوْا فِي أَعْطان ِ الإبل» وَهُوَ عِنْدَ الإمَامِ أَحْمَدَ فِي «مُسْنَدِهِ»(2/491) وَابْن ِمَاجَهْ(768).

وَبوَّبَ ابْنُ حِبّانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ(6/88) عَلى حَدِيْثِ أَبي هُرَيْرَة َ هَذا السّابق ِ ذِكرُ الخبَرِ المصَرِّحِ بأَنَّ قوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ طهُوْرًا وَمَسْجِدًا» أَرَادَ بهِ بَعْضَ الأَرْض ِلا الكلّ).

وَبوَّبَ قبْلهُ(6/87) ذِكرُ خَبَرٍ قدْ يُوْهِمُ غيْرَ المتَبَحِّرِ فِي صِناعَةِ العِلمِ أَنَّ الأَرْضَ كلهَا طاهِرَة ٌ، يَجُوْزُ لِلمَرْءِ الصَّلاة ُ عَليْهَا).

ثمَّ سَاقَ حَدِيْثَ أَبي هُرَيْرَة َ رَضِيَ الله ُعَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«فضِّلتُ عَلى الأَنبيَاءِ بسِتٍّ : أُعْطِيْتُ جَوَامِعَ الكلِمِ ، وَنصِرْتُ بالرُّعْبِ ، وَأُحِلتْ لِيَ الغنائِمُ ، وَجُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ طهُوْرًا وَمَسْجِدًا ، وَأُرْسِلتُ إلىَ الخلق ِ كافة ً، وَخُتِمَ بيَ النبيوْن».
وَهَذَا الحدِيْثُ عِنْدَ الإمَامِ أَحْمَدَ فِي«مُسْنَدِهِ»(2/411-412) وَمُسْلِمٍ في«صَحِيْحِه»(523).

وَبوَّبَ ابْنُ حِبّانَ بَعْدَهُ أَبوَابا عِدَّة ً، أَوْرَدَ تَحْتَهَا جُمْلة َ أَحَادِيْثَ فِي الأَمَاكِن ِ المخْصُوْصَةِ وَالمسْتثناةِ مِنْ ذلِك َ العُمُوْمِ ، كالمقبَرَةِ ، وَالحمّامِ ، وَأَعْطان ِ الإبل ِ، وَقدْ تقدَّمَ ذِكرُهَا .

دآنـة وصآل 29-12-11 01:58 AM

وَكذَلِك َ الحافِظ ُ أَبوْ بكرٍ ابنُ المنذِرِ في«الأَوْسَطِ»(2/180-182): ذكرَ في«جِمَاعِ أَبوَابِ الموَاضِعِ التِي تَجُوْزُ الصَّلاة ُ عَليْهَا ، وَالموَاضِعِ المنْهيِّ عَن ِ الصَّلاةِ فِيْهَا»: أَرْبعَة َ أَبوَابٍ :

· أَوَّلها : ذِكرُ الأَخْبَارِ التِي يدُلُّ ظاهِرُهَا ، عَلى أَنَّ الأَرْضَ كلهَا مَسْجِدٌ وَطهُوْر .

· وَالثاني : ذِكرُ الخبرِ الدّالِّ عَلى أَنَّ المرَادَ مِنْ قوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جُعِلتِ الأَرْضُ لِي مَسْجِدًا» كلُّ أَرْض ٍ طيِّبَةٍ دُوْنَ النَّجِس ِ مِنْهَا .

· وَالثالِثُ : ذِكرُ النَّهْيِّ عَن ِ اتخاذِ القبوْرِ مَسَاجِد .

· وَالرّابعُ : ذِكرُ النَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ وَالحمّام .

قالَ البَغوِيُّ فِي«شَرْحِ السُّنَّةِ» أَرَادَ أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ لمْ تُبَحْ لهمُ الصَّلاة ُ إلا َّ فِي بيعِهمْ وَكنَائِسِهمْ ، فأَباحَ الله ُ لهِذِهِ الأُمَّةِ ، الصَّلاة َ حَيْثُ كانوْا ، تَخْفِيْفا عَليْهمْ وَتيْسِيرًا ، ثمَّ خَصَّ مِنْ جَمِيْعِ الموَاضِعِ : الحمّامَ ، وَالمقبرَة َ، وَالمكانَ النَّجِس) نقلهُ عَنْهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَن ِ بْنُ حَسَن ِ بْن ِ محمَّدِ بْن ِ عَبْدِ الوَهّابِ آل الشَّيْخِ رَحِمَهُمُ الله ُ في«فتحِ المجيْد»(ص206).

وَقالَ شَيْخُ الإسْلامِ في«شَرْحِ العُمْدَةِ»(2/439-440) وَأَمّا الأَحَادِيْثُ المشْهُوْرَة ُ في جَعْل ِ الأَرْض ِ مَسْجِدًا : فهيَ عَامَّة ٌ، وَهَذِهِ الأَحَادِيْثُ خَاصَّة ٌ، وَهِيَ تفسِّرُ تِلك َ الأَحَادِيْثَ ، وَتبينُ أَنَّ هَذِهِ الأَمْكِنَةِ ، لمْ تقصَدْ بذَلِك َ القوْل ِ العَامِّ ، وَيُوَضِّحُ ذلك أَرْبعة ُ أَشْيَاءَ :

أَحَدُهَا : أَنَّ الخاصَّ يَقضِي عَلى العَامِّ ، وَالمقيدُ يُفسِّرُ المطلقَ ، إذا كانَ الحكمُ وَالسَّبَبُ وَاحِدًا ، وَالأَمْرُ هُنَا كذَلك .

الثاني: أَنَّ قوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا»: بيانٌ لِكوْن ِ جِنْس ِ الأَرْض ِ مَسْجِدًا لهُ ، وَأَنَّ السُّجُوْدَ عَليْهَا لا يَخْتَصُّ بأَنْ تكوْنَ عَلى صِفةٍ مَخْصُوْصَةٍ ، كمَا كانَ فِي شَرْعِ مَنْ قبْلنَا . لكِنَّ ذلِك َ لا يَمْنَعُ أَنْ تَعْرِضَ للأَرْض ِ صِفة ٌ تَمْنَعُ السُّجُوْدَ عَليْهَا .

فالأَرْضُ التِي هِيَ عَطنٌ ، أَوْ مَقبَرَة ٌ، أَوْ حَمّامٌ ، هِيَ مَسْجِدٌ ، لكِنَّ اتخاذهَا لمّا وُجِدَ لهُ مَانِعٌ عَرَضَ لها : أَخْرَجَهَا عَنْ حُكمِهَا . وَلوْ خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تكوْنَ حَمّامًا ، أَوْ مَقبَرَة ً : لكانتْ عَلى حَالِهَا.

وَذلِك َ أَنَّ اللفظ َ العَامَّ ، لا يُقصَدُ بهِ بيانُ تفاصِيْل ِ الموَانِعِ ، كقوْلِهِ تعَالىَ:{ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ }.

وَقدْ عُلِمَ أَنَّ العَقدَ لا بُدَّ فِيْهِ مِنْ عَدَمِ الإحْرَامِ ، وَعَدَمِ العِدَّةِ ، وَلا بُدَّ لهُ مِنْ شُرُوْطٍ وَأَرْكان .

الثالِثُ : أَنَّ هَذَا اللفظ َ العَامَّ ، قدْ خُصَّ مِنْهُ الموْضِعُ النَّجِسُ ، اعْتِمَادًا عَلى تَقييْدِهِ باِلطهَارَةِ ، فِي قوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كلُّ أَرْض ٍ طيِّبَةٍ» ، وَتَخْصِيْصُهُ باِلاسْتِثْنَاءِ المحَقق ِ، وَالنَّهْيِّ الصَّرِيْحِ أَوْلىَ وَأَحْرَى .

الرّابعُ : أَنَّ تِلك َ الأَحَادِيْثَ إنمَا قصِدَ بهَا بيانُ اخْتِصَاص ِ نبيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتِهِ باِلتَّوْسِعَةِ عَليْهمْ فِي الصَّلاةِ دُوْنَ مَنْ قبْلنا مِنَ الأَنبيَاءِ وَأُمَمِهمْ ، حَيْثُ حُظِرَتْ عَليْهمُ الصَّلاة ُ إلا َّ في المسَاجدِ المبْنِيَّةِ للصَّلاة . فذَكرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلَ الخصِيْصَةِ وَالمزِيةِ ، وَلمْ يَقصِدْ تفصِيْلَ الحكم .

وَاعْتَضَدَ ذلِك َ بأَنَّ هَذِهِ الأَمَاكِنَ قلِيْلة ٌ باِلنِّسْبَةِ إلىَ سَائِرِ الأَرْض ِ، فلمّا اتفقَ قِلتهَا ، وَأَنهُ لمْ يَتَمَحَّض ِ المقصُوْدُ لِبيان ِ أَعْيَان ِ أَمَاكِن ِ الصَّلاةِ ، ترَك َ اسْتِثْنَاءَهَا .

أَمّا أَحَادِيْثُ النَّهْيِّ : فقصِدَ بهَا بيانُ حُكمِ الصَّلاةِ في أَعْيَان ِ هَذِهِ الأَمَاكِن ِ، وَهَذَا بيِّنٌ لِمَنْ تأَمله .

وَهَذَا المعْتَرِضُ مُتناقِضٌ ، فإنهُ لا يُنَازِعُ فِي حُرْمَةِ اتخاذِ قبوْرِ الأَنبيَاءِ مَسَاجِدَ ، وَالصَّلاةِ فِيْهَا ، فلمَ لمْ يَسْتَثْنهَا مِنَ العُمُوْمِ فِي الحدِيْثِ السّابق ِ؟! أَمْ يَرَاهَا دَاخِلة ً فِيْه؟!

* * *

دآنـة وصآل 29-12-11 02:00 AM

فصل

فِي نقض ِدَلِيْلِهِ الثانِي ، وَهُوَ بنَاءُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُ في مَقبَرَةٍ للمُشْرِكِيْن


أَمّا دَلِيْلهُ الثانِي: فقالَ بناءُ رَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُ فِي مَقبَرَةٍ لِلمُشْرِكِيْنَ ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُوْرٌ وَهُوَ فِي«الصَّحِيْحَيْن ِ»([1])) انتهَى كلامُه .

وَهَذَا فِيْهِ تَلبيْسٌ وَتَدْلِيْسٌ ، فإنَّ بناءَ الرَّسُوْل ِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَسْجِدِهِ فِي مَقبَرَةٍ لِلمُشْرِكِيْنَ ، كانَ بَعْدَ نبْش ِ قبوْرِهِمْ وَإزَالتِها . وَهذَا ليْسَ مَحَلَّ النِّزَاعِ ، وَإنمَا النِّزَاعُ فِي جَوَازِ الصَّلاةِ فِي المقبرَةِ قبْلَ النَّبْش .

لِهَذَا لمْ يَذْكرِ المعْتَرِضُ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الصَّحَابة َ بنَبْش ِ قبوْرِ المشْرِكِيْنَ وَإزَالتِهَا ، لِيسْلمَ لهُ اعْتِرَاضُه !

قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ-كمَا فِي«مَجْمُوْعِ الفتاوَى»(21/321)- ومَسْجِدُ رَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ كانَ مَقبَرَة ً لِلمُشْرِكِيْنَ ، وَفِيْهِ نخلٌ وَخِرَبٌ ، فأَمَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باِلنَّخل ِ فقطِعَتْ ، وجُعِلتْ قِبلة َ المسْجدِ ، وَأَمَرَ باِلخِرَبِ فسُوِّيتْ ، وأَمَرَ باِلقبوْرِ فنبشتْ ، فهَذِهِ مَقبَرَة ٌ مَنْبُوْشَة ٌ، كانَ فِيْهَا المشْرِكوْن) انتهَى ، وَهَذَا فِي«الصَّحِيْحَيْن»(1) وَتقدَّم .

كمَا أَنَّ دَلِيْلَ المعْترِض ِ هَذَا : دَلِيْلٌ عَليْهِ لا لهُ ، وَبَيَانهُ : أَنهُ لوْ كانتِ الصَّلاة ُفِي المقبَرَةِ جَائِزَة ً تصحُّ ، لمَا نبشَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبوْرَ المشْرِكِيْنَ وَأَخْرَجَهَا ، وَلصَلوْا عَليْهَا دُوْنَ نبْش .

وَلكِنْ لمّا أَمَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنَبْشِهَا : دَلَّ ذلِك َ عَلى حُرْمَةِ الصَّلاةِ فِيْهَا قبْلَ النَّبش ِ، وَعَدَمِ صِحَّتِهَا .

يُضَافُ إلىَ ذلك :

أَنَّ اخْتِيَارَ تِلك َ الأَرْض ِ لِتَكوْنَ مَسْجِدًا للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالمسْلِمِيْنَ ، كانَ بوَحْيٍ مِنَ اللهِ سُبْحَانهُ ، كمَا فِي قِصَّةِ ناقةِ رَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وبرُوْكِهَا فِي ذلِك َ المكان .

فوَجَبَ عِنْدَ اخْتِيَارِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لهَا : إصْلاحُهَا وتهْيئَتُهَا للمُصَلينَ ، وَإزَالة ُ مَا يُفسِدُ ذلك .

فلا يجُوْزُ لِغيْرِهِمْ مِنَ المسْلِمِيْنَ أَنْ يَعْمَدُوْا إلىَ مَقبَرَةِ مُشْرِكِيْنَ أَوْ مُسْلِمِيْنَ ، فينبشُوْهَا دُوْنَ حَاجَةٍ ، لِيصَلوْا فِيْهَا لِما سَبَق .




[1]- رَوَاهُ البُخارِيُّ في«صَحِيْحِهِ» (3932) وَمُسْلِم(524).

دآنـة وصآل 30-12-11 08:05 PM

فصل

فِي نقض ِدَلِيْلِهِ الثالِثِ ، وَهُوَ صَلاة ُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابهِ ، عَلى قبْرِ امْرَأَةٍ كانتْ تقمُّ المسْجد


أَمّا دَلِيْلُ المعْتَرِض ِالثالِثِ : فقوْلهُ صَلاة ُ رَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى المِسْكِيْنَةِ التِي كانتْ تقمُّ المسْجدَ ، فِي المقبَرَةِ مَعَ أَصْحَابهِ رَضِيَ الله ُعَنْهُمْ) انتهَى كلامُه .
وَهَذَا فِيْهِ خَلط ٌوخَبْط ٌ، فإنَّ نِزَاعَ أَهْل ِالعِلمِ فِي جَوَازِ الصَّلاةِ المطلقةِ ، ذاتِ الرُّكوْعِ وَالسُّجُوْدِ ، لا فِي صَلاةِ الجنازَة !
وَقِياسُ صَلاةِ الجنازَةِ باِلصَّلاةِ المطلقةِ : قِياسٌ مَعَ الفارِق ِ، وَهُوَ فاسِد .
فإنْ كانتِ الصَّلاة ُ المطلقة ُوَصَلاة ُ الجنازَةِ ، اتفقتا فِي اسْمِ الصَّلاةِ : فقدِ اخْتَلفتا فِي الشُّرُوْطِ وَالصِّفة .
وَصَلاة ُالجنازَةِ فِيْهَا إظهَارُ ضَعْفِ الميِّتِ وَعَجْزِهِ ، وَحَاجَتِهِ هُوَ إلىَ إخْوَانِهِ الأَحْيَاءِ مِنَ المسْلِمِيْنَ لِيدْعُوْا الله َ لهُ ، وَيصَلوْا عَليْهِ ، عَلَّ الله ُ أَنْ يَرْحَمَهُ ويَنفعَهُ بدُعَائِهمْ . وَليْسَ فِي هَذَا مَظِنة ٌ لِشرْكٍ ، وَلا ذرِيْعَة ٌ لهُ وَلا فتْحٌ لِبابه .
بخلافِ الصَّلاةِ المطلقةِ ، ذاتِ الرُّكوْعِ وَالسُّجُوْدِ ، وَهِيَ التِي خَصَّهَا الشّارِعُ باِلتَّحْرِيْمِ باِلأَحَادِيْثِ السّابقةِ جَمِيْعًا ، وَلعَنَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى ، لاتخاذِهِمْ قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِدَ ، يصَلوْنَ فِيْهَا الصَّلاة َ المطلقة َ، لا صَلاة َ الجنازَة !
فاسْتِدْلالهُ بهَذَا الدَّلِيْل ِ: اسْتِدْلالٌ في غيْرِ مَحَلهِ ، في مَسْأَلةٍ نقوْلُ بهَا ، وَلا ننازِعُ فِيْهَا ، وَلا تعَلقَ لهِذَا الدَّلِيْل ِ بمَسْأَلةِ النِّزَاع .
وَباعِثهُ عَلى الاسْتِدْلال ِ بهِ أَحَدُ أَمْرَيْن ِ: إمّا جَهْلهُ باِلفرْق ِ بَيْنَ الأَمْرَين ِ، أَوْ إرَادُتهُ التَّلبيْس . وَعَلى كِلا الحاليْن ِ: لا يُعْتَدُّ بصَاحِبِ هَذَيْن .

دآنـة وصآل 30-12-11 08:08 PM

فصل

فِي نقض ِدَلِيْلِهِ الرّابعِ ، وَهُوَ زَعْمُهُ صَلاة َ الصَّحَابةِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمْ في المقبَرَةِ مِنْ غيْرِ نكِيْر


أَمّا دَلِيْلهُ الرّابعُ : فقوْلهُ صَلاة ُ الصَّحَابةِ فِي المقبَرَةِ مِنْ غيْرِ نكِيْرٍ) انتهَى كلامُه .
وَهَذَا إنْ قصَدَ بهِ : صَلاتهُمْ صَلاة َ الجنازَةِ : فتقدَّمَ جَوَابه .
وَإنْ كانَ قصْدُهُ الصَّلاة َ المطلقة َ: فعَليْهِ البيَانُ وَالدَّلِيْلُ ، وَعَدَمُ الإجْمَال . وَحَدِيْثُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّة ٌ عَلى مَنْ خَالف .
كمَا أَنَّ المعْلوْمَ مِنْ حَالهِمْ رَضِيَ الله ُعَنْهُمْ ، خِلافُ مَا ذكرَ : فقدْ رَأَى عُمَرُ بْنُ الخطابِ أَنسَ بْنَ مالكٍ رَضِيَ الله ُعَنْهُما يُصَلي عِنْدَ قبرٍ فقالَ عُمَرُ منبهًا لهُ وَمُحَذِّرًا إياهُ:«القبْرَ القبْرَ!» وَهَذَا فِي «صَحِيْحِ البخارِيِّ» مُعَلقا(1/437) ، وَوَصَلهُ ابْنُ أَبي شَيْبَة َ في«مُصَنَّفِهِ»(2/379) مِنْ طرِيْقيْن ِ:
أَحَدِهِمَا : حَدَّثنا حَفصٌ عَنْ حُجَيَّة َ عَنْ أَنس ٍ،
وَالآخَرِ : حَدَّثنا وَكِيْعٌ حَدَّثنا سُفيَانُ حَدَّثنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنس ٍ ، بنَحْوِه .
وَرَوَاهُ مَوْصُوْلا ً أَيْضًا :
· عَبْدُ الرَّزّاق ِالصَّنْعَانِيُّ في«مُصَنَّفِهِ»(1/404-405) عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثابتٍ البُنَانِيِّ عَنْ أَنس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْه).
· وَمِنْ طرِيقِهِ : أَبو بكرٍ ابْنُ المنذِرِ في«الأَوْسَطِ» (2/186) : (حَدَّثنا إسْحَاقُ عَنْ عَبْدِ الرَّزّاق).
· وَالبَيْهَقِيُّ في«سُننِهِ الكبْرَى»(2/435) أَخْبَرَنا محمَّدُ بْنُ مُوْسَى بْن ِ الفضْل ِحَدَّثنا أَبوْ العَبّاس ِ محمَّدُ بْنُ يَعْقوْبَ حَدَّثنا محمَّدُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثنا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَة َ حَدَّثنا حُمَيْدٌ عَنْ أَنس) بنَحْوِه .
وَقدْ ذكرَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ حَدِيْثَ عُمَرَ هَذَا ، وَقالَ عَقِبَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلى أَنهُ كانَ مِنَ المسْتقِرِّ عِنْدَ الصَّحَابةِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمْ : مَا نهَاهُمْ عَنْهُ نبيهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّلاةِ عِنْدَ القبوْر .
وَفِعْلُ أَنس ٍ رَضِيَ الله ُعَنْهُ : لا يدُلُّ عَلى اعْتِقادِهِ جَوَازَهُ ، فإنهُ لعَلهُ لمْ يرَهُ ، أَوْ لمْ يَعْلمْ أَنهُ قبْرٌ ، أَوْ ذهَلَ عَنْهُ ، فلمّا نبَّهَهُ عُمَرُ رَضِيَ الله ُ تعَالىَ عَنْهُ تنبه)اه، نقلهُ عَنْهُ ابْنُ القيمِ في«إغاثةِ اللهْفان»(1/186).
بَلْ ذكرَ شَيْخُ الإسْلامِ رَحِمَهُ الله ُ فِي«شَرْحِ العُمْدَةِ»(2/437): نوْعَ إجْمَاعٍ لِلصَّحَابةِ فِي تَحْرِيْمِ الصَّلاةِ فِي المقابرِ، فقالَ وَأَصْرَحُ مِنَ النَّهْيِّ الصَّرِيْحِ ، وَالاسْتِثْنَاءِ القاطِعِ ، مَعَ كوْنهِ أَصَحَّ وَأَشْهَرَ ، وَهُوَ عَن ِ السَّلفِ أَظهَرُ وَأَكثرُ ، وَأَوْلىَ أَنْ يُعْتَمَدَ عَليْهِ ، فإنَّ هَذَا كالإجْمَاعِ مِنَ الصَّحَابة).
ثمَّ ذكرَ شَيْخُ الإسْلامِ أَثرَ عُمَرِ بْن ِ الخطابِ في تنْبيْههِ وَنهْيهِ أَنسًا عَن ِ الصَّلاةِ عِنْدَ قبْرٍ ، وَأَثرَ عَلِيِّ بْن ِ أَبي طالِبٍ في النَّهْيِّ عَنْ ذلِك َ وَغيْرِهِمْ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمْ .
ثمَّ قالَ شَيْخُ الإسْلامِ(2/438) بَعْدَ ذِكرِهِ جَمَاعَة ً مِنَ الصَّحَابةِ : (وَكذَلِك َ رُوِيَ عَن ِ ابن ِعُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا ، ذكرَ ذلِك َ ابنُ حَامِدٍ ، وَعَن ِ ابْن ِ عُمَرَ وَابْن ِ عَبّاس ٍ كرَاهَة َ الصَّلاةِ في المقبَرَة .
وَهَذَا أَوْلىَ أَنْ يَكوْنَ صَحِيْحًا ، مِمّا ذكرَهُ الخطابيُّ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ «أَنهُ رَخَّصَ في الصَّلاةِ فِي المقابر» ، فلعلَّ ذلِك َ– إنْ صَحَّ – أَرَادَ بهِ صَلاة َ الجنازَة).
ثمَّ قالَ شَيْخُ الإسْلامِ(2/439) وَهَذِهِ مَقالاتٌ انتشرَتْ ، وَلمْ يُعْرَفْ لها مُخالِفٌ ، إلا َّ مَا رُوِيَ عَنْ يَزِيْدِ بْن ِ أَبي مَالِكٍ قالَ:«كانَ وَاثِلة ُ بْنُ الأَسْقعِ يُصَلي بنا صَلاة َ الفرِيْضَةِ فِي المقبَرَةِ ، غيْرَ أَنهُ لا يَسْتَتِرُ بقبْر» رَوَاهُ سَعِيْد .
وَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلى أَنهُ تنحَّى عَنْهَا بَعْضَ التَّنَحِّي ، وَلِذَلِك َ قالَ:«لا يَسْتَتِرُ بقبْرٍ» . أَوْ لمْ يَبْلغْهُ نهْيُ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ِ الصَّلاةِ فِيْهَا ، فلمّا سَمِعَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَن ِ الصَّلاةِ إليْهَا ، تنَحَّى عَنْهَا ، لأَنهُ هُوَ رَاوِي هَذَا الحدِيْثِ ، وَلمْ يَبْلغْهُ النَّهْيُ عَن ِ الصَّلاةِ فِيْهَا ، عَمِلَ بمَا بَلغهُ
دُوْنَ مَا لمْ يَبْلغْه)([1])اه.
وَقالَ العَلامَة ُ الشَّرِيْفُ الحسَنُ بْنُ خَالِدٍ الحازِمِيُّ الحسَنيُّ رَحِمَهُ الله ُ(ت1234ه) في«قوْتِ القلوْبِ ، في تَوْحِيْدِ عَلامِ الغيوْب»(ص131-132) وَاعْلمْ أَنَّ المنْعَ مِنَ الصَّلاةِ عِنْدَ القبْرِ: هُوَ مِمّا اسْتقرَّ عِنْدَ الصَّحَابةِ ، سَوَاءٌ كانَ مِنْ قبوْرِ الأَنبيَاءِ وَالصّالحِيْنَ أَوْ غيْرِهِمْ ، وَعَلِمُوْهُ مِنْ نهْيِّ رَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ِ الصَّلاةِ عِنْدَ القبوْر)اه.
وَذكرَ أَبوْ محمَّدٍ ابْنُ قدَامَة َ فِي«المغني»(2/468): أَنَّ مِمَّنْ كرِهَ الصَّلاة َفِي المقبَرَةِ : عَلِيُّ بنُ أَبي طالِبٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبّاس ٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ . وَهَؤُلاءِ كلهُمْ صَحَابَة ٌ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمْ ، وَزَادَ مِنْ غيْرِهِمْ : عَطاءًا وَالنَّخعِيَّ وَابْنَ المنْذِرِ رَحِمَهُمُ الله .


[1] - وَهَذَا عَلى التَّسْلِيْمِ بصِحَّةِ أَثرِ وَاثِلة َرَضِيَ الله ُ عَنْهُ ، وَإلا َّ فالأَصْلُ عَدَمُ صِحَّتِهِ ، لِمُخالفتِهِ أَمْرَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإتيانِهِ نهْيَهُ ، وَمُخالفتِهِ المعْلوْمَ مِنْ حَال ِ الصَّحَابةِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمْ كمَا تقدَّم . فإنْ صَحَّ : حُمِلَ عَلى مَا ذكرَهُ شَيْخُ الإسْلامِ رَحِمَهُ الله ُ آنفا .

دآنـة وصآل 30-12-11 08:09 PM

فصل

فِي نقض ِ دَلِيْلِهِ الخامِس ِ، وَهُوَ زَعْمُهُ عَدَمَ وُجُوْدِ دَلِيْل ٍ صَحِيْحٍ صَرِيْحٍ في النَّهْيِّ عَن ِالصَّلاةِ في المقبَرَة


أَمّا دَلِيْلهُ الخامِسُ: فقوْلهُ : عَدَمُ وُجُوْدِ دَلِيْل ٍصَحِيْحٍ صَرِيْحٍ فِي النَّهْيِّ عَن ِالصَّلاةِ فِي المقبَرَة) انتهَى كلامُه .
وَجَوَابُ هَذَا تقدَّمَ بحمْدِ اللهِ ،
وَ ليْسَ يصِحُّ فِي الأَذهَان ِ شَيْءٌ إذا احْتَاجَ النَّهَارُ إلىَ دَلِيل ِ

* * *

دآنـة وصآل 30-12-11 08:10 PM

فصل

في اسْتِدْلال ِ بَعْض ِ عُبّادِ القبوْرِ عَلى جَوَازِ اتخاذِ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ بقوْلِهِ تَعَالىَ { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً } وَنقضِهِ وَبيان ِ بُطلانِه


قدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ عُبّادِ القبوْرِ مِنْ مُشْرِكِي زَمَانِنَا وَغيْرِهِمْ ، عَلى جَوَازِ اتخاذِ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ ، بقوْلِهِ تَعَالىَ { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً }.
بَلْ ذهَبَ بَعْضُ هَؤُلاءِ المرَدَةِ إلىَ القوْل ِ باِستِحْبَابِ اتخاذِهَا عَلى القبوْر.
وَالجوَابُ مِنْ وُجُوْهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ أُوْلئِك َ القائِلِيْنَ كانوْا كفارًا ، وَليْسُوْا بمُؤْمِنِينَ ، قدْ لعنهُمُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى أَفعَالهِمْ تِلك َ، وَحَذَّرَ أُمتهُ مِنْ سُلوْكِ مَسَالِكِهمُ المرْدِية ِفقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«لعَنَ الله ُ اليهُوْدَ وَالنَّصَارَى اتَّخذُوْا قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِدَ» وَفي رِوَايةٍ «وَصَالحِيْهمْ».
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َفي«رَدِّهِ عَلى البكرِيِّ»(2/567-568): (فبيوْتُ الأَوْثان ِ، وَبيوْتُ النيرَان ِ، وَبيوْتُ الكوَاكِبِ ، وَبيوْتُ المقابرِ: لمْ يَمْدَحِ الله ُ شيْئًا مِنْهَا ، وَلمْ يَذْكرْ ذلِك َ إلا َّ في قِصَّةِ مَنْلعنهُمُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قالَ تَعَالىَ:{ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً } .
فهَؤُلاءِ الذِيْنَ اتخذُوْا عَلى أَهْل ِ الكهْفِ مَسْجِدًا : كانوْا مِنَ النَّصَارَى الذِينَ لعنهُمُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَيْثُ قالَ:«لعَنَ الله ُ اليهُوْدَ وَالنَّصَارَى اتخذُوْا قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِدَ» وَفي رِوَايةٍ «وَالصّالحِين»).
وَمِمّا يَدُلُّ عَلى ذلِك َ: مُخالفتهُ لِمَا توَاترَ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لعْنِهِ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى ، لاتخاذِهِمْ قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِد .
وَقدْ حَكى ابْنُ جَرِيْرٍ في«تَفسِيْرِهِ» عَن ِ المفسِّرِيْنَ في أُوْلئِك َ المتغلبيْنَ قوْليْن ِ: أَحَدَهُمَا : أَنهُمْ مُسْلِمُوْنَ . وَالثانِي : أَنهُمْ مُشْرِكوْن .
وَبمَا تقدَّمَ مِنْ بيان ِ لعْن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفاعِلِي ذلِك َ، وَتوَاترِ تَحْذِيْرِهِ، وَعَظِيْمِ وَعِيْدِهِ : لا يَصِحُّ حَمْلهُمْ إلا َّ عَلى أَنهُمْ كانوْا مُشْرِكِيْن .
الوَجْهُ الثانِي : إنْ سَلمْنَا أَنهُمْ كانوْا مُسْلِمِيْنَ : فكانوْا ضَاليْنَ مُنْحَرِفِيْنَ بفِعْلِهمْ ذلِك َ، قدِ اسْتَحَقوْا لعْنَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسَببهِ ، وَهُمْ مِنْ جُمْلةِ الجهّال ِ وَالعَامَّة .
الوَجْهُ الثالِثُ : أَنَّ الله َ عَزَّ وَجَلَّ لمْ يَصِفْ أُوْلئِك َ المتغلبيْنَ ، بوَصْفٍ يُمْدَحُوْنَ لأَجْلِهِ ، وَإنمَا وَصَفهُمْ باِلغلبةِ ! وَإطلاقهَا دُوْنَ قرْنِهَا بعَدْل ٍ أَوْ حَقّ : يدُلُّ عَلى التَّسَلطِ وَالهوَى وَالظلمِ ، وَلا يدُلُّ عَلى عِلمٍ وَلا هُدَى ، وَلا صَلاحٍ وَلا فلاح .
قالَ الحافِظ ُ ابْنُ رَجَبٍ(795ه) فيشَرْحِهِ عَلى صَحِيْحِ البُخارِي(2/397) عَلى حَدِيْثِ «لعَنَ الله ُ اليَهُوْدَ ، اتخذُوْا قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِد» وَقدْ دَلَّ القرْآنُ عَلى مِثْل ِ مَا دَلَّ عَليْهِ هَذَا الحدِيْثُ ، وَهُوَ قوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ في قِصَّةِ أَصْحَابِ الكهْفِ:{ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً }.
فجَعَلَ اتخاذَ القبوْرِ عَلى المسَاجِدِ ، مِنْ فِعْل ِ أَهْل ِ الغلبةِ عَلى الأُمُوْرِ ، وَذلِك َ يشْعِرُ بأَنَّ مُسْتندَهُ : القهْرُ وَالغلبة ُ وَاتباعُ الهوَى ، وَأَنهُ ليْسَ مِنْ فِعْل ِ أَهْل ِ العِلمِ وَالفضْل ِ ، المتبعِينَ لِمَا أَنزَلَ الله ُ عَلى رُسُلِهِ مِنَ الهدَى)اه.
الوَجْهُ الرّابعُ : أَنَّ اسْتِدْلالَ هَؤُلاءِ القبوْرِيِّيْنَ بهَذِهِ الآيةِ عَلى هَذَا الوَجْهِ - مَعَ مُخالفتِهِ لِلأَحَادِيْثِ المتوَاتِرَةِ الناهِيَةِ عَنْ ذلِك َ- مُخالِفٌ لإجْمَاعِ عُلمَاءِ المسْلِمِيْنَ ، عَلى تَحْرِيْمِ اتخاذِ المسَاجِدِ عَلى القبوْر.
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ(27/488) فإنَّ بناءَ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ، ليْسَ مِنْ دِيْن ِ المسْلِمِيْن .
بَلْ هُوَ مَنْهيٌّ عَنْهُ باِلنُّصُوْص ِالثابتَةِ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاتفاق ِ أَئِمَّةِ الدِّين .
بَلْ لا يَجُوْزُ اتِّخاذ ُ القبوْرِ مَسَاجِدَ ، سَوَاءٌ كانَ ذلِك َ ببناءِ المسْجدِ عَليْهَا ، أَوْ بقصْدِ الصَّلاةِ عِنْدَهَا . بَلْ أَئِمَّة ُ الدِّين ِ مُتَّفِقوْنَ عَلى النَّهْيِّ عَنْ ذلك) ، وَقدْ قدَّمْنَا الكلامَ عَنْ هَذَا مُفصَّلا ً.
الوَجْهُ الخامِسُ : أَنَّ هَذِهِ الآية َ ليْسَتْ مُخالفة ً- وَلا تَصْلحْ أَنْ تَكوْنَ مُخالِفة ً– لِلأَحَادِيْثِ المتوَاتِرَةِ النّاهِيَةِ عَنْ ذلِك َ، وَإنمَا هِيَ مُوَافِقة ٌ لهَا ، مُصَدِّقة ٌ بهَا . فقدْ أَخْبَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باِتخاذِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى قبوْرَ أَنبيَائِهمْ وَصَالِحِيْهمْ مَسَاجِدَ ، وَقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«إنَّ أُوْلئِكَِ إذا مَاتَ فِيْهمُ الرَّجُلُ الصّالِحُ ، بنوْا عَلى قبْرِهِ مَسْجدًا ، وَصَوَّرُوْا فِيْهِ تِلك َ التَّصَاوِيْر» رَوَاهُ البخارِيُّ في«صَحِيْحِهِ» (427)، (1341)،(3873) وَمُسْلِم(528).
وَالله ُ أَخْبَرَ كذَلِك َ في كِتَابهِ بذَلِك َ، فقالَ سُبْحَانهُ:{ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً } . فالآية ُ مُصَدِّقة ٌ لِلأَحَادِيْثِ لا مُخالِفة .
تنبيه
قدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ الأَلبانِيُّ - رَحِمَهُ الله ُ ، وَغفرَ لهُ - هَذِهِ الشُّبْهَة َ في كِتَابهِ القيِّمِ «تَحْذِيْرِ السّاجِدِ ، مِنَ اتخاذِ القبوْرِ مَسَاجِد»(ص65-78) وَرَدَّهَا مِنْ وُجُوْهٍ عِدَّةٍ فأَحْسَنَ ، عَدَا أَنَّ وَجْهَيْهِ الأَوَّليْن ِ في رَدِّهَا لا يسَلمَان ِ لهُ ، بَلْ هُمَا مَرْدُوْدَان .
* فإنهُ ذكرَ الوَجْهَ الأَوَّلَ فقالَ : إنَّ الصَّحِيْحَ المتقرِّرَ في عِلمِ الأُصُوْل ِ: أَنَّ شَرِيْعَة َ مَنْ قبْلنا ليْسَتْ شَرِيْعَة ً لنا ، لأَدِلةٍ كثِيْرَة).
* ثمَّ ذكرَ الوَجْهَ الثّانِي فقالَ : هَبْ أَنَّ الصَّوَابَ قوْلُ مَنْ قالَ : «شَرِيْعَة ُ مَنْ قبْلنا شَرِيْعَة ٌ لنا»: فذَلِك َ مَشْرُوْط ٌ عِنْدَهُمْ ، بمَا إذا لمْ يرِدْ في شَرْعِنَا مَا يُخالِفه).
وَهَذَان ِ وَجْهَان ِ باطِلان ِ، فإنَّ اتخاذَ قبوْرِ الأَنبيَاءِ وَالصّالحِيْنَ مَسَاجِدَ ، ليْسَ مِنْ شَرْعِ اللهِ قط ، لا في أُمَّةِ محمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا في الأُمَمِ قبْلهَا .
وَلوْ كانَ ذلِك َ شَرْعًا مِنْ شَرْعِ اللهِ لِمَنْ كانَ قبْلنا : لمْ يسْتَحِقوْا لعْنَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشَيْءٍ فعَلوْهُ قدْ أَتى بهِ شَرْعُهُمُ الذِي بُعِثَتْ بهِ أَنبيَاؤُهُمْ .
لكِنَّ لعْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهمْ ، وَتغْلِيْظهُ عَليْهمْ : دَلِيْلٌ عَلى كبيْرِ ظلمِهمْ ، وَعَظِيْمِ إثمِهمْ ، وَمُخالفتهمْ لأَنبيَائِهمْ ، وَعَدَمِ مَجْيْئِهمْ به ، صَلوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليْهمْ .

دآنـة وصآل 30-12-11 08:14 PM

فصل

في اسْتِدْلال ِ بَعْض ِ القبوْرِيِّيْنَ عَلى صِحَّةِ صَلاتِهمْ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ ، بحدِيْثِ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا مَرْفوْعًا «في مَسْجِدِ الخيْفِ قبْرُ سَبْعِيْنَ نَبيًّا» ، وَقدْ صَلى فِيْهِ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَأَئِمَّة ُ الإسْلام ! وَبيَان ِ بُطلانِهِ وَأَنهُ مُنْكرٌ ، وَرَدِّهِ عَليْهمْ


قدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ القبوْرِيِّيْنَ عَلى جَوَازِ صَلاتِهمْ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ ، بَلْ وَجَوَازِ اتخاذِهَا مَسَاجِدَ ، وَرُبَّمَا جَعَلَ بَعْضُهُمْ ذلِك َ مُسْتَحَبًّا : بمَا رَوَاهُ أَبوْ هَمّامٍ الدَّلالُ عَنْ إبْرَاهِيْمِ بْن ِ طهْمَانَ عَنْ مَنْصُوْرِ بْن ِ المعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ : قالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«في مَسْجِدِ الخيْفِ قبْرُ سَبْعِيْنَ نبيًّا».
قالوْا : وَمَسْجِدُ الخيْفِ ، هُوَ مَسْجِدُ مِنَى ، وَصَلاة ُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْهِ ، وَصَلاة ُ أَصْحَابهِ : ثابتة ٌ مَعْرُوْفة ٌ صَحِيْحَة ٌ لا رَيْبَ فِيْهَا وَلا مِرْية ٌ: فدَلتْ صَلاة ُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلِك َ المسْجِدِ مَعَ مَا فِيْهِ مِنْ قبوْرِ أَنبيَاءٍ ، عَلى جَوَازِ الصَّلاةِ في المسَاجِدِ المبْنِيَّةِ عَلى القبوْرِ، وَفي المقابرِ مِنْ بَابِ أَوْلىَ ! وَقدْ تتابعَ أَئِمَّة ُ الإسْلامِ مِنْ صَدْرِ الإسْلامِ حَتَّى اليوْم ، عَلى الصَّلاةِ فِيْهِ دُوْنَ إنكار)!
وَقدْ رَوَى هَذَا الحدِيْثَ :
- أَبوْ يَعْلى الموْصِلِيُّ([1]) قالَ: أَخْبَرَنا الرَّمَادِيُّ أَبوْ بَكرٍ حَدَّثنَا أَبوْ هَمّامٍ الدَّلالُ به .
- وَالفاكِهيُّ في«أَخْبَارِ مَكة»(4/266)(2594) قالَ: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثنَا أَبوْ هَمّامٍ الدَّلالُ به .
- وَالطبَرَانِيُّ في«مُعْجَمِهِ الكبيْرِ»(12/414)(13525) قالَ: حَدَّثنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثنَا عِيْسَى بْنُ شاذانَ حَدَّثنَا أَبوْ هَمّامٍ الدَّلالُ به .
وَالجوَابُ :
أَنَّ هَذَا الحدِيْثَ الذِي اسْتَدَلوْا بهِ ، عَلى وُجُوْدِ سَبْعِيْنَ قبْرِ نبيٍّ في مَسْجِدِ الخيْفِ : حَدِيْثٌ باطِلٌ مُنْكرٌ، وَإنْ كانَ ظاهِرُ إسْنَادِهِ الصِّحَّة !
وَهُوَ حَدِيْثٌ لمْ يُصَحِّحْهُ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ ، بَلْ وَلمْ يَسْتَدِلَّ بهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْل ِ العِلمِ المعْتبرِيْنَ المتقدِّمِيْنَ عَلى شَيْءٍ مِنْ مَسَائِل ِ الصَّلاةِ في المقابرِ ، لاطرَاحِهِ وَظهُوْرِ نكارَتِهِ . وَبيانُ ذلِك َ مِنْ وُجُوْهٍ :
أَحَدُهَا : أَنهُ مُخالِفٌ لِلأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ بَلْ وَالمتوَاتِرَةِ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لعْنِهِ لِليهُوْدِ وَالنَّصَارَى ، المتخِذِيْنَ قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِدَ ، بَلْ لعْنهُ المتخِذِيْنَ القبوْرَ مَسَاجِدَ مُطلقا .
بَلْ مُخالِفٌ لأَحَادِيْثَ صَحِيْحَةٍ كثِيْرَةٍ أُخْرَى ، فِيْهَا تَحْرِيْمُ الصَّلاةِ إلىَ القبوْرِ ، وَتَحْرِيْمُ وَطئِهَا وَالمشْيُ عَليْهَا ، وَإيْقادُ السُّرُجِ فِيْهَا .

فكيْفَ يتخِذُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الخيْفِ مَسْجِدًا؟! وَيُصَلي فِيْهِ؟! وَيَدَعُ المسْلِمِيْنَ يُصَلوْنَ فِيْهِ؟! ثمَّ يحْذَرُ عَليْهمْ مِنَ اتخاذِ قبْرِهِ مَسْجِدًا وَعِيْدًا ، وَلا يَحْذَرُ عَليْهمُ اتخاذَ قبْرِ سَبْعِيْنَ نبيًّا مَسْجِدًا وَعِيْدًا ؟! { سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ }.
فلا شَك َّ أَنَّ حَدِيْثَ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا هَذَا : حَدِيْثٌ بَاطِلٌ مُنْكر.
الثانِي: أَنهُ مُخالِفٌ لِلإجْمَاعِ ، وَقدْ قدَّمْنَاهُ في «فصْل ِ تَحْرِيْرِ مَحَلِّ النزَاعِ» أَوَّلَ الكِتَابِ (ص13-19) ، وَذكرْنا هُنَاك َ إجْمَاعَ أَهْل ِ العِلمِ كافة ً ، عَلى حُرْمَةِ اتخاذِ القبوْرِ مَسَاجِدَ ، وَالمسَاجِدِ عَلى القبوْر .
الثالِثُ : أَنهُ مُخالِفٌ لإجْمَاعٍ آخَرَ أَيضا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَهُوَ إجْمَاعُ العُلمَاءِ عَلى جَهَالةِ قبوْرِ الأَنبيَاءِ ، وَعَدَمِ قطعِهمْ بقبْرِ أَحَدٍ مِنْهُمْ ، سِوَى قبْرِ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُوْنَ غيْرِه .
أَمّا بَقِيَّة ُ قبوْرِهِمْ ففِيْهَا خِلافٌ كبيْرٌ ، وَالرّاجِحُ المقطوْعُ بهِ : بُطلانُ نِسْبتِهَا إليْهمْ ، سِوَى قبْرِ إبْرَاهِيْمَ عَليْهِ السَّلامُ ، ففِي قبْرِهِ نِزَاعٌ ، وَالجمْهُوْرُ عَلى ثبوْته .
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ- كمَا في«مَجْمُوْعِ الفتَاوَى»(27/141)- وَلِهَذَا كانَ العُلمَاءُ الصّالِحُوْنَ مِنَ المسْلِمِيْنَ لا يُصَلوْنَ في ذلِك َ المكان . هَذَا إذا كانَ القبْرُ صَحِيْحًا فكيْفَ وَعَامَّة ُ القبوْرِ المنْسُوْبةِ إلىَ الأَنبيَاءِ كذِبٌ ، مِثْلُ القبْرِ الذِي يُقالُ : إنهُ «قبْرُ نوْحٍ» فإنهُ كذِبٌ لا رَيْبَ فِيْهِ ، وَإنمَا أَظهَرَهُ الجهّالُ مِنْ مُدَّةٍ قرِيْبَةٍ وَكذَلِك َ قبْرُ غيْرِه).
الرّابعُ : أَنَّ هَذَا الحدِيْثَ لوْ كانَ صَحِيْحًا : لحَرُمَ وَطئُ قبوْرِهِمْ ، وَالجلوْسُ عَليْهَا ، وَالصَّلاة ُ فِيْهَا وَإليْهَا ، وَلوَجَبَ عَلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيَانُ ذلِك َ لأُمَّتِهِ ، فلمَّا لمْ يَكنْ ذلِك َ: ظهَرَ بُطلانهُ ، وَخُلوُّ المسْجِدِ مِنَ القبوْر .

[1]- كمَا في«المطالِبِ العَالِيَةِ» لِلحَافِظِ ابْن ِ حَجَرٍ(3/370)(1425) «كِتَابُ الحجّ»،«بَابُ فضْل ِ مَسْجِدِ الخيْف».

دآنـة وصآل 30-12-11 08:16 PM

الخامِسُ : أَنهُ مُخالِفٌ لِلرِّوَايَاتِ الصَّحِيْحَةِ في بابهِ ، التي فِيْهَا : أَنَّ مَسْجِدَ الخيْفِ صَلى فِيْهِ سَبْعُوْنَ نبيًّا ، وَقدْ رَوَاهُ جَمَاعَة ٌ مِنَ الأَئِمَّةِ مَوْقوْفا وَمَرْفوْعًا ، لا قبْرُ سَبْعِيْنَ نبيًّا ! فصَوَابهُ «صَلى» لا «قبْر».
فالرِّوَاية ُ المرْفوْعَة ُ: رَوَاهَا مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْل ٍ عَنْ عَطاءِ بْن ِ السّائِبِ عَنْ سَعِيْدِ بْن ِ جُبيْرٍ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ : قالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«صَلى في مَسْجِدِ الخيْفِ سَبْعُوْنَ نبيًّا ، مِنْهُمْ مُوْسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كأَني أَنظرُ إليْهِ وَعَليْهِ عَبَاءَتان ِ قِطرَانِيَّتَان ِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلى بَعِيْرٍ مِنْ إبْل ِ شَنُوْءَةٍ ، مَخْطوْمٍ بخِطامٍ مِنْ لِيْفٍ لهُ ضَفِيْرَتان».
أَخْرَجَهُ :
- الفاكِهيُّ في«أَخْبَارِ مَكة»(4/266)(2593) قالَ: حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ المنذِرِ الكوْفيُّ ، وَعَبْدَة ُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ قالا: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْل ٍ به .
- وَالطبَرَانِيُّ في مُعْجَمَيْهِ:«الكبيْرِ»(11/452-453)(12283) وَ«الأَوْسَطِ» (6/193-194)(5403) قالَ: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدِ بْن ِ أَبي خَيْثمَة َ
حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الطوْسِيُّ حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْل ٍ به .
ثمَّ قالَ الطبَرَانِيُّ بَعْدَهُ في«الأَوْسَطِ»(6/194):
(لمْ يَرْوِ هَذَا الحدِيْثَ عَنْ عَطاءِ بْن ِ السّائِبِ إلا َّ مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْل . تفرَّدَ بهِ : عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الطوْسِيّ).
وَهَذَا إسْنَادٌ رِجَالهُ حُفاظ ٌ ثِقاتٌ ، احْتَجَّ بهمْ أَصْحَابُ الصَّحِيْح .
وَتفرُّدُ مُحَمَّدِ بْن ِ فضَيْل ٍ بهِ عَنْ عَطاءٍ - الذِي ذكرَهُ الطبَرَانِيُّ - لا يَضُرُّهُ ، فإنَّ مُحَمَّدًا ثِقة ٌ حُجَّة ٌ، احْتَجَّ بهِ الشَّيْخان .

دآنـة وصآل 30-12-11 08:20 PM

أَمّا زَعْمُ الطبَرَانِيِّ رَحِمَهُ الله ُ: تفرُّدَ عَبْدِ اللهِ بْن ِ هَاشِمٍ الطوْسِيِّ بهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن ِ فضَيْل ٍ: فغيْرُ مُسَلمٍ وَلا صَحِيْحٍ ، بَلْ قدْ شَارَكهُ في رِوَايتِهِ لهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْن ِفضَيْل ٍ: رَاوِيان ِ ثِقتان ِ، هُمَا عَلِيُّ بْنُ المنذِرِ ، وَعَبْدَة ُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ ، كمَا تقدَّم .
أَمّا الرِّوَاية ُ الموْقوْفة ُ: فجَاءَتْ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ أَيْضًا مِنْ طرِيْقيْن ِ، وَعَنْ أَبي هُرَيرَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا .
فإحْدَى طرِيقيْ ابْن ِ عَبّاس ٍ: رَوَاهَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَة َ عَنْ أَشْعَثِ بْن ِ سَوّارٍ عَنْ عِكرِمَة َ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ:«صَلى في مَسْجِدِ الخيْفِ سَبْعُوْنَ نبيًّا ، كلهُمْ مُخَطمِيْنَ باِلليْف» قالَ مَرْوَانُ : يَعْنِي رَوَاحِلهُمْ).
أَخْرَجَهُ مِنْ هَذِهِ الطرِيْق ِ:
- الفاكِهيُّ في«أَخْبَارِ مَكة َ»(4/269)(2603) قالَ: حَدَّثنَا ابْنُ أَبي عُمَرَ حَدَّثنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِية َ به .
- وَالأَزْرَقِيُّ في«أَخْبَارِ مَكة»(2/174) أَيْضًا قالَ: حَدَّثنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبي عُمَرَ العَدَنِيُّ قالا: حَدَّثنَا مَرْوَانُ به .
وَهَذَا إسْنَادٌ رِجَالهُ رِجَالُ الصَّحِيْح .
وَأَشْعَثُ بْنُ سَوّارٍ : رَوَى لهُ مُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ»في المتابعَاتِ ، وَتكلمَ فِيْهِ جَمَاعَة ٌ مِنَ الأَئِمَّةِ وَضَعَّفوْهُ ، وَلعَلَّ الطرِيْقَ الأُخْرَى عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ تَعْضُدُهُ ، وَقدْ :
رَوَاهَا الحاكِمُ في«مُسْتَدْرَكِهِ»(2/598): عَنْ أَبي العَبّاس ِ مُحَمَّدِ بْن ِ يَعْقوْبَ عَنْ أَحْمَدِ بْن ِ عَبْدِ الجبّارِ عَنْ يُوْنس ِ بْن ِ بُكيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن ِ إسْحَاقَ عَن ِ الحسَن ِ بْن ِ مُسْلِمٍ عَنْ مِقسَمٍ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ:«لقدْ سَلك َ فجَّ الرَّوْحَاءِ سَبْعُوْنَ نبيًّا حُجّاجًا ، عَليْهمْ ثِيَابُ الصُّوْفِ ، وَلقدْ صَلى في مَسْجِدِ الخيْفِ سَبْعُوْنَ نبيًّا».
وَرَوَاهُ البَيْهَقِيُّ في«سُنَنِهِ الكبْرَى»(5/177)مِنْ طرِيْق ِ أَبي عَبْدِ اللهِ الحاكِمِ عَنْه.
وَهَذَا إسْنَادٌ رِجَالهُ مُحْتَجٌّ بهمْ في الصَّحِيْحِ ، غيْرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إسْحَاقَ : مُدَلسٌ وَقدْ عَنْعَن .
أَمّا حَدِيْثُ أَبي هُرَيرَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ :
فرَوَاهُ مُسَدَّدٌ ([1]) عَنْ يَحْيَى بْن ِ سَعِيْدٍ القطان ِ عَنْ عَبْدِ الملِكِ بْن ِ أَبي سُليْمَانَ عَنْ عَطاءٍ عَنْ أَبي هُرَيرَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قالَ:«صَلى في مَسْجِدِ الخيْفِ سَبْعُوْنَ نبيًّا ، وَبَيْنَ حِرَاءَ وَثبيْرٍ سَبْعُوْنَ نبيًّا».
وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيْحٌ عَلى شَرْطِ مُسْلِم .
وَرِوَايتا ابْن ِ عَبّاس ٍ وَأَبي هُرَيْرَة َ الموْقوْفتان ِ عَليْهمَا : لهمَا حُكمُ الرَّفعِ ، لأَنَّ مِثلهُمَا لا يُقالُ باِلرَّأْيِّ ، وَيَشْهَدُ لِرَفعِهَا - ضِمْنًا - حَدِيْثُ ابْن ِ عَبّاس ٍ المرْفوْعُ وَقدْ تقدَّم .
وَفي هَذَا البابِ أَيْضًا : مُرْسَلٌ لِسَعِيْدِ بْن ِ المسَيِّبِ قالَ: (مَرَّ مُوْسَى عَليْهِ السَّلامُ بفجِّ الرَّوْحَاءِ ، وَعَليْهِ عَبَاءََتان ِ قطوَانِيَّتَان ِ، تجَاوِبهُ صِفاحُ الرَّوْحَاءِ ، وَهُوَ يقوْلُلبَّيْك َ عَبْدُك َ، وَابْنُ عَبْدَيْك».
وَمَرَّ عِيْسَى بْنُ مَرْيَمَ عَليْهمَا السَّلامُ يلبِّي ، وَهُوَ يقوْلُ: «لبَّيْك َ عَبْدُك َ، وَابْنُ أَمَتِك َ بنْتِ عَبْدَيْك».
وَمِنْ قبْلُ أَوْ مِنْ بَعْدُ سَبْعُوْنَ نبيًّا ، خَاطِمِي رَوَاحِلهُمْ بحِبَال ِ الليْفِ ، حَتَّى صَلوْا في مَسْجِدِ الخيْف).

رَوَاهُ :
- الفاكِهيُّ في«أَخْبَارِ مَكة»(4/268-269)(2601) قالَ: حَدَّثنَا ابْنُ أَبي عُمَرَ حَدَّثنَا سُفيَانُ – هُوَ ابنُ عُيَيْنَة َ- عَن ِ ابْن ِ جُدْعَانَ عَنْ سَعِيْدِ بْن ِ المسَيِّبِ به .
وَرَوَاهُ :
- الإمَامُ أَحْمَدُ في«الزُّهْدِ» قالَ: حَدَّثنَا سُفيَانُ عَن ِ ابن ِ جُدْعَانَ وَأَسْنَدَهُ ، فذَكرَهُ دُوْنَ أَوَّلهِ الذِي فِيْهِ ذِكرُ مُوْسَى عَليْهِ السَّلام .
الوَجْهُ السّادِسُ : أَنَّ هَذَا الحدِيْثَ – أَعْني حَدِيْثَ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا المنتقدَ - : قدْ رَوَاهُ عَنْهُ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ التّابعِيُّ الثقة ُ رَحِمَهُ الله .
وَقدْ ثبتَ عَنْ مُجَاهِدٍ مَا يخالِفهُ ، وَيوَافِقُ الرِّوَاياتِ الصَّحِيْحَة َ المتقدِّمة َ فِيْه .
فرَوَى البَيْهَقِيُّ في«سُننِهِ الكبْرَى»(2/420): عَنْ أَبي عَبْدِ اللهِ الحاكِمِ وَأَبي سَعِيْدٍ مُحَمَّدِ بن ِ مُوْسَى ابن ِ أَبي عَمْرٍو الصَّيرَفيِّ كِلاهُمَا عَنْ أَبي العَبّاس ِ الأَصَمِّ عَنْ يَحْيَى بْن ِ أَبي طالِبٍ عَنْ عَبْدِ الوَهّابِ بن ِ عَطاءٍ عَنْ سَعِيْدِ بْن ِ أَبي عَرُوْبة َ: أَنهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقوْلُ:«صَلى في هَذَا المسْجِدِ - مَسْجِدِ الخيْفِ ، يَعْني مَسْجِدَ مِنَى- سَبْعوْنَ نبيًّا ، لِبَاسُهُمُ الصُّوْفُ ، وَنعَالهمُ الخوْص».
وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيْح .
وَرَوَى الفاكِهيُّ أَيْضًا في«أَخْبَارِ مَكة»(4/18)(2313):
عَنْ عَلِيِّ بْن ِ المنذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن ِ فضَيْل ٍ عَنْ يَزِيْدِ بْن ِ أَبي زِيادٍ قالَ : خَرَجْنَا مَعَ مُجَاهِدٍ نسِيْرُ حَتَّى خَرَجْنَا مِنَ الحرَمِ نَحْوَ عَرَفاتٍ ، فقالَ مُجَاهِدٌ:«هَلْ لكمْ في مَسْجِدٍ كانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا يَسْتَحِبُّ أَنْ يُصَليَ فِيْه».
قالَ : قلنا : نعَم ، فصَليْنَا فِيْه .
ثمَّ قالَ:«لقدْ صَلى فِيْهِ سَبْعُوْنَ نبيًّا ، كلهُمْ يَؤُمُّ الخيْف».

[1]- كمَا في «المطالِبِ العَالِيَةِ» لِلحَافِظِ ابْن ِ حَجَرٍ(3/370)(1425)«كِتَابُ الحجّ»،«بَابُ فضْل ِ مَسْجِدِ الخيْف».

دآنـة وصآل 30-12-11 08:22 PM

وَرَوَى الفاكِهيُّ في«أَخْبَارِ مَكة» أَيْضًا (4/268)(2599) قالَ: حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عِمْرَانَ المخْزُوْمِيُّ حَدَّثنَا سَعِيْدُ بْنُ سَالِمٍ حَدَّثنَا عُثْمَانُ بْنُ سَاجٍ أَخْبَرَنِي خُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن ِعَنْ مُجَاهِدٍ قالَ : حَجَّ خَمْسَة ٌوَسَبْعُوْنَ نَبيًّا ، كلهُمْ قدْ طافَ بهذَا البيْتِ ، وَصَلى في مَسْجِدِ مِنَى ، فإن ِ اسْتَطعْتَ لا تَفوْتك َ صَلاة ٌ في مَسْجِدِ مِنَى فافعَلْ).
وَرَوَاهُ الأَزْرَقِيُّ في«أَخْبَارِ مَكة»(2/174): حَدَّثنِي جَدِّي عَنْ سَعِيْدِ بْن ِ سَالِمٍ به .
الوَجْهُ السّابعُ: أَنَّ في إسْنَادِهِ إبْرَاهِيْمَ بْنَ طهْمَانَ ، وَهُوَ مَرَدُّ وَسَبَبُ مُخالفةِ هَذَا الحدِيْثِ لِلأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ وَنكارَتِهِ ، كمَا تقدَّم .
وَهُوَ وَإنْ كانَ ثِقة ً احْتَجَّ بهِ أَصْحَابُ الصَّحِيْحِ ، إلا َّ أَنهُ قدْ تفرَّدَ بأَشْيَاءَ خَالفَ فِيْهَا ، فلمْ يُوَافقْ عَليْهَا وَلمْ يُتَابعْ ، حَتَّى قالَ فِيْهِ – لأَجْلِهَا – الحافِظ ُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ابْنُ عَمّارٍ:(إبْرَاهِيْمُ بْنُ طهْمَانَ : ضَعِيْفٌ مُضْطرِبُ الحدِيْث).
وَقالَ ابْنُ حِبّانَ فِيْهِ في «الثقاتِ»(6/27) :أَمْرُهُ مُشْتَبهٌ ، لهُ مَدْخَلٌ في الثقاتِ ، وَمَدْخَلٌ في الضُّعَفاءِ ، قدْ رَوَى أَحَادِيْثَ مُسْتَقِيْمَة ً تُشْبهُ أَحَادِيْثَ الأَثباتِ . وَقدْ تفرَّدَ عَن ِ الثقاتِ بأَشْيَاءَ مُعْضِلات)اه.
قلتُ : إنْ لمْ يَكنْ هَذَا الحدِيْثُ مِنْ مُعْضِلاتِهِ : فليْسَ لهُ مُعْضِلاتٌ ، وَإنْ لمْ يَكنْ هَذَا مِنْ غرَائِبهِ ، فمَا غرَائبُه؟!
وَلا رَيْبَ أَنَّ مُخالفتهُ وتفرُّدَهُ بتِلك َ اللفظةِ المنكرَةِ «قبْرُ سَبْعِيْنَ نبيًّا» مَكانَ «صَلى سَبْعُوْنَ نبيًّا»: رَأْسُ مُعْضِلاته .
قالَ الذَّهَبيُّ في تَرْجَمَتِهِ في«سِيَرِ أَعْلامِ النُّبَلاءِ»(7/383) : لهُ مَا يَنْفرِدُ بهِ ، وَلا يَنْحَط ُّ حَدِيثهُ عَنْ دَرَجَةِ الحسَن).
وَقالَ الحافِظ ُ ابْنُ حَجَرٍ فِيْهِ في«تقرِيْبِ التَّهْذِيْبِ»(1/36): (ثِقة ٌ يُغرِب).
الوَجْهُ الثامِنُ : أَنَّ سِيَاقَ هَذَا الحدِيْثِ - حَدِيْثِ ابْن ِ عُمَرَ«في مَسْجِدِ الخيْفِ قبْرُ سَبْعِيْنَ نبيًّا»: سِيَاقُ مَدْحٍ وَتفضِيْل .
وَهَذَا لا يَسْتقِيْمُ وَلا يَصِحُّ ، أَنْ يَكوْنَ مَرَدُّ فضْل ِ مَسْجِدِ الخيْفِ : وُجُوْدَ تِلك َ القبوْرِ السَّبْعِيْن !
بَلْ إنَّ وُجُوْدَهَا فِيْهِ ، تَجْعَلُ الصَّلاة َ فِيْهِ مُحَرَّمَة ً مُنْكرَة ً لا تَصِحُّ – لوْ قِيْلَ بصِحَّةِ حَدِيْثِ ابْن ِ عُمَرَ ، وَلا يَصِحُّ - لِمَا قدَّمْنَا ، وَمُخالفتِهِ الأَحَادِيْثَ الصَّحِيْحَة .
وَإنمَا مَرَدُّ الفضْل ِ في ذلِك َ وَسَبَبُهُ : مَا جَاءَ في الرِّوَايَاتِ الأُخْرَى الصَّحِيْحَةِ ، وَهُوَ : صَلاة ُ الأَنبيَاءِ فِيْهِ ، حَتَّى كانتِ الصَّلاة ُ فِيْهِ سُنَّة َ أَنبيَاءِ اللهِ وَرُسُلِهِ صَلوَاتُ اللهِ عَليْهمْ وَسَلامُهُ ، وَسَنَّة َ نبيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقدْ دَلتْ عَلى هَذَا : الأَحَادِيْثُ وَالآثارُ الأُخْرَى التي قدَّمْنَاهَا في الوَجْهَيْن ِ الخامِس ِ وَالسّادِس .
الوَجْهُ التّاسِعُ : أَنهُ لا يَسْتقِيْمُ تتابعُ دَفن ِ هَؤُلاءِ الأَنبيَاءِ السَّبْعِيْنَ - مَعَ كثرَتِهمْ – وَاتفاقهُ في مَسْجِدِ الخيْفِ ، إلا َّ أَنْ يَكوْنَ أَصْلُ أَرْضِهِ مَقبَرَة ً، يُقبرُ فِيْهَا الصّالحوْنَ وَالمشْرِكوْن .
فإنْ كانَ هَذَا : فلا مَزِية َ لها ، فكمَا أَنَّ فِيْهَا قبوْرَ أَنبيَاءٍ ، ففِيْهَا قبوْرُ مُشْرِكِيْنَ وَكفار !
وَهَذَا مُخَالِفٌ أَيْضًا ، لِمَا صَحَّ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نبشِهِ قبوْرَ المشْرِكِيْنَ في مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ في المدِيْنةِ ، وَنقل ِ رُفاتِهمْ : فلوْ كانَ ذلِك َ صَحِيْحًا : لوَجَبَ نبْشُ قبوْرِ المشْرِكِيْنَ ، وَنقلُ رُفاتِهمْ كمَا فعَلهُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وََأَمَرَ بهِ في مَسْجِدِه .

دآنـة وصآل 30-12-11 08:23 PM

الوَجْهُ العَاشِرُ : أَنهُ يَلزَمُ مِنْ دَفن ِ هَؤُلاءِ الأَنبيَاءِ السَّبْعِيْنَ في مَسْجِدِ الخيْفِ : أَنهُمْ بقوْا في مَكة َ بَعْدَ حَجهمْ مُدَّة ً ، حَتَّى وَافتْهُمْ مَنَاياهُمْ !
وَالعَادَة ُ تُحِيْلُ ذلِك َ، وَأَنْ تكوْنَ مَنَايَاهُمْ وَافتْهُمْ جَمِيْعًا بمَكة َ قبْلَ إمْكانِهمْ مِنَ القفوْل ِ إلىَ أَهْلِهمْ .
وَيَلزَمُ مِنْ هَذَا أَمْرَان ِ:
أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكوْنَ بَقِيَ في مَكة َ أَنبيَاءٌ قبْلَ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيْرَ إبْرَاهِيْمَ وَابنِهِ عَليْهمَا السَّلام .
وَهَذَا أَمْرٌ غيْرُ صَحِيْحٍ وَلا مَعْرُوْفٍ ، وَقدْ رَوَى البخارِيُّ في «صَحِيْحِهِ»(7) مِنْ حَدِيْثِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا في قِصَّةِ سُؤَال ِ هِرَقلَ لِرَهْطِ قرَيْش ٍ، وَفِيْهمْ أَبوْ سُفيَانَ ، وَهُوَ حَدِيْثٌ طوِيْلٌ كانَ فِيْهِ قوْلُ هِرَقلَ لأَبي سُفيَانَ:«وَسَأَلتُك َ: هَلْ قالَ هَذَا القوْلَ - أَي النُّبُوَّة َ- أَحَدٌ قط قبْله؟ فأَجَبْتَ أَنْ لا ، فقلتُ : لوْ كانَ أَحَدٌ مِنْكمْ قالَ هَذَا القوْلَ قبْلهُ ، قلتُ : رَجُلٌ يأْتمُّ بقوْل ٍ قِيْلَ قبْله».
الأَمْرُ الثانِي : أَنهُمْ - صَلوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليْهمْ- بقوْا في مَكة َ عِنْدَ قوْمٍ لمْ يُؤْمَرُوْا بإبلاغِهمْ شَيْئًا ! وَترَكوْا أَقوَامَهُمْ وَقدْ كلفوْا بإبْلاغِهمْ رِسَالاتِ رَبِّهمْ !
وَقدْ كانتِ الأَنبيَاءُ تبْعَثُ في أَقوَامِهَا خَاصَّة ً دُوْنَ غيْرِهِمْ ، عَدَا نبيَّنَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فبعِثَ لِلنّاس ِ عَامَّة ً، كمَا عِنْدَ أَحْمَدَ في«مُسْنَدِهِ»(3/304) وَالبخارِيِّ في«صَحِيْحِهِ»(335)، وَمُسْلِمٍ(521) كلهُمْ مِنْ حَدِيْثِ جَابرِ بْن ِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ : أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«أُعْطِيْتُ خَمْسًا لمْ يُعْطهُنَّ أَحَدٌ قبْلِي: نصِرْتُ باِلرُّعْبِ مَسِيْرَة َشَهْرٍ، وَجُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا ، فأَيمَا رَجُل ٍ مِنْ أُمَّتي أَدْرَكتْهُ الصَّلاة ُ فليصَلِّ ، وَأُحِلتْ لِيَ الغنائِمُ ، وَلمْ تحِلَّ لأَحَدٍ قبْلِي ، وَأُعْطِيْتُ الشَّفاعَة َ، وَكانَ النَّبيُّ يُبْعَثُ إلىَ قوْمِهِ خَاصَّة ً، وَبُعِثْتُ إلىَ النّاس ِ عَامَّة».
الوَجْهُ الحادِي عَشَرَ: أَنَّ صُوَرَ هَذِهِ القبوْرِ- لوْ سَلمْنَا بوُجُوْدِهَا وَلا نسَلمُ – غيرُ ظاهِرَةٍ وَلا بَارِزَةٍ ، وَالشِّرْك ُ إنما يَحْصُلُ إذا ظهَرَتْ صُوَرُهَا .
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تيْميَّة َرَحِمَه ُ الله ُ– كمَا في«مَجْمُوْعِ الفتَاوَى»(17/463)- كذَلِك َ قالَ العُلمَاءُ :«يَحْرُمُ بناءُ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ، وَيَجِبُ هَدْمُ كلِّ مَسْجِدٍ بُنيَ عَلى قبْر».
وَإنْ كانَ الميِّتُ قدْ قبرَ في مَسْجِدٍ وَقدْ طالَ مُكثهُ : سُوِّيَ القبْرُ حَتَّى لا تَظهَرَ صُوْرَتهُ ، فإنَّ الشِّرْك َ إنما يَحْصُلُ إذا ظهَرَتْ صُوْرَته)اه.
هَذِهِ أَحَدَ عَشَرَ وَجْهًا ، كلُّ وَجْهٍ مِنْهَا حُجَّة ٌ يُبْطِلُ ذلِك َ الحدِيْثَ وَيسْقِطهُ ، فكيْفَ بهَا مُجْتَمِعَة ؟!
وَلمْ أَسُقهَا كلهَا لأَجْل ِ قوَّةِ ذلِك َ الحدِيْثِ ، أَوْ ظهُوْرِ صِحَّتِهِ ! وَقدْ عَلِمْتَ إعْرَاضَ أَصْحَابِ الصِّحَاحِ عَنْهُ ، وَعَدَمَ تَصْحِيْحِهمْ لهُ ، مَعَ تَسَاهُل ِ بَعْضِهمْ .
وَإنمَا سُقتهَا مُتتابعَة ً، زِيَادَة ً في إرْغامِ المعارِض ِ، وَإظهَارًا لِضَعْفِ حُجتِهِ ، وَسُقوْطِ أَدِلتِهِ ، وَبُعْدِ مَنَالهِ عَنْ يَدَيه .

دآنـة وصآل 30-12-11 08:29 PM

فصل

في بيان ِحَال ِ مَا جَاءَ في دَفن ِ آدَمَ عَليْهِ السَّلامُ في مَسْجِدِ الخيْفِ وَبُطلانِه


قدْ وَجَدْتُ لأُوْلئِك َ المبْطِلِيْنَ أَثرًا آخَرَ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا ، رُبَّمَا اسْتَدَلوْا بهِ : أَنَّ قبْرَ آدَمَ عَليْهِ السَّلامُ في مَسْجِدِ الخيْف .
وَهَذَا قدْ رَوَاهُ الدّارَقطنيُّ رَحِمَهُ الله ُ في«سُننِهِ»(2/70-71)- مَجْمَعِ الغرَائِبِ ، كمَا أَرَادَهُ – فقالَ: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَخْلدٍ حَدَّثنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْن ِ سُليْمَانَ العَلافُ حَدَّثنَا صَبَاحُ بْنُ مَرْوَانَ حَدَّثنَا عَبْدُ الرَّحْمَن ِ بْنُ مَالِكِ بْن ِ مِغْوَل ٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن ِ مُسْلِمِ بْن ِ هُرْمُزَ عَنْ سَعِيْدِ بْن ِ جُبَيْرٍ وَعُرْوَة َ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ :«صَلى جِبْرِيْلُ عَليْهِ السَّلامُ عَلى آدَمَ عَليْهِ السَّلامُ : كبَّرَ عَليْهِ أَرْبعًا ، وَصَلى جِبْرِيْلُ باِلملائِكةِ يَوْمَئِذٍ ، وَدُفِنَ في مَسْجِدِ الخيْفِ ، وَأُخِذَ مِنْ قِبَل ِ القِبْلةِ ، وَلحِدَ لهُ ، وَسُنِّمَ قبْرُه».
وَهَذَا الحدِيْثُ بَاطِلٌ ، وَمِمَّنْ أَعَلهُ : رَاوِيْهِ الدّارَقطنيُّ ، فإنهُ قالَ رَحِمَهُ الله ُ بَعْدَ رِوَايتِهِ لهُ عَبْدُ الرَّحْمَن ِ بْنُ مَالِكِ بْن ِ مِغْوَل ٍ: مَتْرُوْك ٌ، وَرَوَاهُ أَبوْ إسْمَاعِيْلَ المؤَدِّبُ عَن ِ ابْن ِ هُرْمُزَ عَنْ أَبي حَزْرَة َ عَنْ عُرْوَة َ ، قوْلهُ بَعْضَ هَذَا الكلام).
وَلهُ عِلة ٌ أُخْرَى غيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَن ِ هَذَا : وَهِيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْن ِ هُرْمُزَ ، ضَعِيْفٌ ، ضَعَّفهُ أَئِمَّة ُ الحدِيْثِ ، كالإمَامِ أَحْمَدَ وَيَحْيَى بْن ِ مَعِيْن ٍ، وَأَبي دَاوُوْدَ وَالنَّسَائِيِّ وَأَبي عَمْرٍو الفلاس ِ، وَأَبي حَاتِمٍ الرّازِيِّ وَغيْرِهِمْ .
وَقدْ جَاءَ حَدِيْثُ ابْن ِ عَبّاس ٍ هَذَا مِنْ طرِيْق ِ أُخْرَى : فرَوَاهُ الفاكِهيُّ في «أَخْبَارِ مَكة»(4/268)(2600) قالَ: حَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَنْصُوْرٍ عَنْ سَعِيْدِ بْن ِ سَالِمٍ عَن ِ ابْن ِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطاءٍ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ : قبْرُ آدَمَ عَليْهِ السَّلامُ بمَكة َ، أَوْ في مَسْجِدِ الخيْفِ ، وَقبْرُ حَوّاءَ بجُدَّة).
وَهَذَا وَإنْ لمْ يَكنْ حُجَّة ً وَلوْ صَحَّ ، لالترَدُّدِ وَالشَّك ِّ في مَوْضِعِ القبْرِ بَيْنَ مَسْجِدِ الخيْفِ وَبَيْنَ مَكة َ: إلا َّ أَنهُ كذَلِك َ ضَعِيْفٌ ، وَفي سَنَدِهِ عِلتان ِ:
إحْدَاهُمَا : عَنْعَنَة ُ ابْن ِجُرَيْجٍ ، وَهُوَ ثِقة ٌ غيْرَ أَنهُ مُدَلسٌ مُكثِرٌ مِنْهُ ، وَقدْ عَنْعَن .
وَالثّانِيَة ُ: سَعِيْدُ بْنُ سَالِمٍ ، لهُ أَوْهَام .
وَهَذِهِ العِللُ مِنْ حَيْثُ الإسْنَادُ ، وَإلا َّ فإنَّ مَتْنَهُ مُنْكرٌ ، يُظهرُ نكارَتهُ الوَجْهُ الأَوَّلُ ، وَالثّانِي ، وَالثالِثُ ، وَالرّابعُ المتقدِّمة ُ في الفصْل ِ السّابق(ص134-136).
يُضَافُ لها وَجْهَان ِ آخَرَان ِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ في لفظِهِ في مَتنِهِ الثّانِي ترَدُّدًا وَعَدَمَ جَزْمٍ بَيْنَ مَكة َ وَمَسْجِدِ الخيْفِ : وَهَذَا يَدُلُّ عَلى اضْطِرَابٍ وَعَدَمِ ضَبْطٍ ، فيسْقط ُ الاحْتِجَاجُ به .
الثانِي: أَنَّ هَذَا أَمْرٌ غيْرُ مَشْهُوْرٍ عِنْدَ أَهْل ِ العِلمِ ، فإنهُمْ- مَعَ تَسَاهُل ِ بَعْضِهمْ – لمْ يَذْكرُوْا أَنَّ آدَمَ - عَليْهِ السَّلامُ - دُفِنَ في مَسْجِدِ الخيْفِ ، وَإنْ لمْ يَشْتَرِطوْا الصِّحَة َ فِيْمَا يَرْوُوْنهُ وَيُوْرِدُوْنهُ ، فقدْ ذكرَ ابْنُ جَرِيْرٍ في«تارِيْخِهِ»(1/161) وَتبعَهُ ابْنُ كثِيْرٍ في«البدَايةِ وَالنِّهَايةِ»(1/108) أَقوَالا ً عِدَّة ً في مَوْضِعِ دَفن ِ آدَمَ ، لمْ يَكنْ هَذَا مِنْهَا .
قالَ الحافِظ ُ ابْنُ كثِيْرٍ في«البدَايةِ وَالنِّهَايَةِ»(1/108) : وَاخْتَلفوْا في مَوْضِعِ دَفنِهِ : فالمشْهُوْرُ : أَنهُ دُفِنَ عِنْدَ الجبَل ِالذِي أُهبط َ مِنْهُ في الهِنْد.
وَقِيْلَ: بجبَل ِأبي قبَيْس ٍ بمَكة.
وَيُقالُ: إنَّ نُوْحًا عَليْهِ السَّلامُ لمّا كانَ زَمَنُ الطوْفان ِ، حَمَلهُ هُوَ وَحَوَّاءَ في تَابوْتٍ ، فدَفنَهُمَا ببَيْتِ المقدِس . حَكى ذلِك َ ابْنُ جَرِيْر .
وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ بَعْضِهمْ أَنهُ قالَ:«رَأْسُهُ عِنْدَ مَسْجِدِ إبْرَاهِيْمَ ، وَرِجْلاهُ عِنْدَ صَخْرَةِ بَيْتِ المقدِس»)اه.
قلتُ :
رِوَاية ُ ابْن ِعَسَاكِرَ هَذِهِ عَنْ بَعْضِهمْ : مُخَالِفة ٌ لِمَا ثبَتَ في«الصَّحِيْحَيْن» مِنْ حَدِيْثِ أَبي هُرَيْرَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «خَلقَ الله ُ آدَمَ وَطوْلهُ سِتُّوْنَ ذِرَاعًا»[خ(3326)،(6227) م(2841)] .
وَمَعَ اطرَاحِهَا : حَكاهَا ابْنُ كثِيْرٍ ، وَلمْ يَذْكرْ هُوَ ، وَلا ابْنُ جَرِيْرٍ : أَنَّ آدَمَ - عَليْهِ السَّلامُ – مَدْفوْنٌ بمَسْجِدِ الخيْف .
وَفي البابِ ثلاثة ُ مَرَاسِيْلَ أُخْرَى سَاقِطة ٌ:
أَحَدُهَا : رَوَاهُ أَبوْ الشَّيْخِ الأَصْبَهَانِيُّ في«العَظمَةِ»(5/1592) (1056) قالَ: حَدَّثنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْن ِ سَابوْرٍ الدَّقاقُ حَدَّثنَا أَبوْ نعَيْمٍ الحلبيُّ حَدَّثنَا سُليْمٌ الخشّابُ المكيُّ عَنْ رَجَاءِ بْن ِ أَبي عَطاءٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قالَ : قبْرُ آدَمَ عَليْهِ السَّلامُ بمِنَى في مَسْجِدِ الخيْفِ ، وَقبْرُ حَوّاءَ بجُدَّة).
وَهَذَا مَعَ إرْسَالِهِ ، ضَعِيْفٌ فإنَّ فِيْهِ ثلاثَ عِلل ٍ غيْرَ إرْسَالِهِ :
· سُليْمُ بْنُ مُسْلِمٍ الخشّابُ : قالَ فِيْهِ الإمَامُ أَحْمَدُ:«لا يُسَاوِي حَدِيْثهُ شَيْئًا» وَقالَ ابْنُ مَعِيْن ٍ:«جَهْمِيٌّ خَبيْثٌ» وَقالَ النَّسَائِيُّ:«مَتْرُوْك ُ الحدِيْث» كمَا في«مِيْزَان ِالاعْتِدَال» لِلذَّهَبيّ(2/232).
· وَرَجَاءُ بْنُ أَبي عَطاءٍ المِصْرِيُّ : قالَ فِيْهِ الحاكِمُ:«مِصْرِيٌّ صَاحِبُ مَوْضُوْعَات» وَقالَ أَبوْ حَاتِمٍ ابْنُ حِبّانَ:«يَرْوِي الموْضُوْعَات»، نَقلهَا عَنْهُمُ الذَّهَبيُّ في «مِيْزَان ِالاعْتِدَال»(2/46).
· وَأَبوْ نعَيْمٍ عُبَيْدُ بْنُ هِشَامٍ الحلبيُّ : ثِقة ٌ، رَوَى لهُ أَبوْ دَاوُوْدَ في «سُننِهِ» إلا َّ أَنهُ تغيَّرَ آخِرَ أَمْرِهِ ، قالَ أَبوْ دَاوُوْدَ فِيْهِ : ثِقة ٌ، إلا َّ أَنهُ تغيَّرَ في آخِرِ أَمْرِهِ ، لقنَ أَحَادِيْثَ ليْسَ لها أَصْل).
وَالمرْسَلان ِ الثانِي وَالثالِثُ كحَال ِ سَابقتِهَا: رَوَاهُمَا الفاكِهيُّ في«أَخْبَارِ مَكة»(4/271)(2608) قالَ: حَدَّثنَا ابْنُ أَبي مَسَرَّة َ وَابْنُ أَبي سَلمَة َ- يَزِيْدُ أَحَدُهُمَا عَلى صَاحِبهِ- قالا : حَدَّثنَا يَحْيى بْنُ عَبْدِ اللهِ بن أبي قزعة قالَ : حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوْسَى قالَ : حَدَّثني زَيدُ بْنُ أَسْلم .
قالَ ابْنُ أَبي سَلمَة َ في حَدِيْثِهِ : عَنْ أَبي : إنَّ آدَمَ عَليْهِ السَّلامُ لحِدَ لهُ في مَسْجِدِ الخيْفِ ، ودُفِنَ في وِترٍ مِنَ الثيَاب).

دآنـة وصآل 30-12-11 08:32 PM

فصل

فِي رَدِّ اعْتِرَاضَاتِهِ عَلى بَعْض ِ أَدِلةِ المحَرِّمِين


وَقدْ رَدَّ هَذَا المعْتَرِضُ بَعْضَ أَدِلةِ مُحَرِّمِي الصَّلاةِ مُطلقا في المقابرِ ، وَعِنْدَ القبوْرِ السّابقةِ ، دُوْنَ بَيِّنةٍ وَلا بُرْهَان .
وَقيدَ عُمُوْمَهَا بغيْرِ قيْدٍ ، وَخَصَّصَ إطلاقهَا بغيْرِ مُخصِّص ٍ، فجَعَلَ تِلك الأَحَادِيْثَ كلهَا ، في تَحْرِيْمِ اتخاذِ قبورِ الأَنبيَاءِ مَسَاجدَ ، وَقصْدِ الصَّلاةِ عِنْدَ أَصْحَابِ القبوْرِ المعَظمَةِ فقالَ : وَنحْنُ نقوْلُ بهَذَا ، يَحْرُمُ قصْدُ قبرٍ مُعَظمٍ بصَلاةٍ ، وَلكِنْ هَذِهِ ليْسَتْ كتِلك َالتِي نحْنُ بصَدَدِ مُنَاقشَتِهَا !
أَيْنَ تَجِدُ تَحْرِيْمَ الصَّلاةِ فِي المقبرَةِ مُطلقا ، ورَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَيِّنُ وَجْهَ النَّهْيِّ بأَمْرَين ِ:
(1) أَنْ يَكوْنَ القبْرُ مُعَظمًا ، (2) وَأَنْ يَبْنِيَ عَليْهِ مَسْجدًا) انتهَى كلامُه .
وَكلامُهُ هَذَا مَرْدُوْدٌ ، فإنَّ نهْيَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ِ الصَّلاةِ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ : نهْيٌ عَامٌّ مُطلقٌ ، لمْ يُقيِّدْهُ قيْدٌ ، أَوْ يُخصَّ بمُخصِّص ٍ، وَمِنْ ذلِك َ:
* قوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«لا تصَلوْا إلىَ القبوْرِ، وَلاَ تجْلِسُوْا عَليْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي«صَحِيْحِهِ»(972) مِنْ حَدِيْثِ أَبي مَرْثدٍ الغنوِيِّ رَضِيَ الله ُ عَنْه .
* وَقوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«اِجْعَلوْا مِنْ صَلاتِكمْ فِي بُيوْتِكمْ ، وَلا تتَّخِذُوْهَا قبوْرًا» رَوَاهُ البُخارِيُّ في«صَحِيْحِهِ»(432)، (1187) ومُسْلِمٌ (777) ، مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا .
* وَقوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«إنَّ مِنْ شِرَارِ الناس ِ، مَنْ تدْرِكهُمُ السّاعَة ُ وَهُمْ أَحْياءٌ ، وَمَنْ يتخِذُ القبوْرَ مَسَاجِدَ» رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ فِي «المسْنَدِ»(1/405،435،454) ، وَأَبوْ حَاتِمٍ ابْنُ حِبّانَ فِي«صَحِيْحِهِ» (2325) مِنْ حَدِيْثِ عَبْدِ اللهِ بن ِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ الله ُ عَنْه .
* وَقوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ ، إلا َّ المقبَرَة َ وَالحمّام» رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ (3/83،96) وَأَبوْ دَاوُوْدَ(492) وَالتِّرْمِذِيُّ(317) وَابْنُ مَاجَهْ (745) وَابنُ حِبّانَ فِي«صَحِيْحِهِ» (1699)،(2316)،(2321) مِنْ حَدِيْثِ أَبي سَعِيْدٍ الخدْرِيِّ رَضِيَ الله ُ عَنْه .
* وَقوْلُ ابْن ِعَباس ٍقالَ:«لعَنَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زُوّارَاتِ القبوْرِ، وَالمتَّخِذِينَ عَليْهَا المسَاجِدَ وَالسُّرُجَ» رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ فِي «المسْندِ» (1/229،287،324) وَأَبوْ دَاوُوْدَ (3236) وَالتِّرْمِذِيُّ (320) وَالنَّسَائِيُّ (2043) وَابْنُ مَاجَهْ (1575) وَابْنُ حِبّانَ فِي«صَحِيْحِه»(3179)،(3180).
* وَقوْلُ عَبْدِ اللهِ بْن ِعَمْرٍو رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ:«نهَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ِ الصَّلاةِ فِي المقبرَة» رَوَاهُ أَبوْ حَاتِمٍ ابْنُ حِبّانَ فِي«صَحِيْحِه»(2319).
* وَقوْلُ أَنس ِ بْن ِ مَالِكٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ :«إنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهَى أَنْ يُصَلى بَيْنَ القبوْر» رَوَاهُ ابنُ حِبّانَ في«صَحِيْحِه»(1698)،(2315)،
(2318)، (2322)،(2323).
* وَأَمْرُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنبْش ِ مَقبَرَةِ المشْرِكِيْنَ ، وَإخْرَاجِ رُفاتِهمْ ، لما أَرَادَ اتخاذهَا مَسْجِدًا ، وَلمْ يُصَلِّ فِيْهَا إلا َّ بَعْدَ ذلِك َ، رَوَاهُ الشَّيْخَان ِ مِنْ حَدِيْثِ أَنس ِ بْن ِ مَالِك رَضِيَ الله ُ عَنْه .
وَهَذَا مَا فهمَهُ الصَّحَابة ُ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمْ ، فإنَّ نهْيَهُمْ وَتَحْرِيْمَهُمْ لِلصَّلاةِ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ عَامٌّ غيْرُ مُخَصَّص ٍ وَلا مُقيَّد . وَعُمَرُ لما رَأَى أَنسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلي عِنْدَ قبْرٍ لمْ يَشْعُرْ بهِ : نبَّهَهُ وَنهَاهُ ، وَليْسَ ذاك القبْرُ بقبْرِ نبيٍّ ، وَقدْ تقدَّمَ ذِكرُ هَذَا الأَثرِ وَمَنْ رَوَاه(121-122).
وَإنْ كانَ لعْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى ، لاتخاذِهِمْ قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِدَ في جُمْلةٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ : إلا َّ أَنَّ ذلِك َ لا يَصِحُّ وَلا يَصْلحُ أَنْ يَكوْنَ مُخَصِّصًا لِلقبوْرِ المنْهيِّ عَن ِ الصَّلاةِ عِنْدَهَا ، فلا يَصِحُّ أَنْ نقوْلَ : تَحْرُمُ الصَّلاة ُ عِنْدَ قبوْرِ الأَنبيَاءِ وَالصّالحِيْنَ وَقبوْرِ المعظمِيْنَ دُوْنَ غيْرِهِمْ . لِعُمُوْمِ الأَدِلةِ السّابقةِ ، وَلِتَحقق ِ عِلةِ النَّهْيِّ في الصَّلاةِ عِنْدَ القبوْرِ أَيا كانَ ذلِك َ المقبوْر.
وَقدْ قدَّمْنَا عِلة َ نهْيِّ الشّارِعِ وَحَققناهَا في فصْل ٍ تقدَّمَ(ص27-43) ، وَأَنَّ العِلة َ في ذلِك َ رَاجِعَة ٌ إلىَ أَمْرَيْن ِ، هُمَا :
* مَخافة ُ أَنْ يَكوْنَ ذلِك َ ذرِيْعَة ً لِلشِّرْكِ باِللهِ بعِبَادَةِ صَاحِبِ القبْرِ ، أَوْ صَرْفِ شَيْءٍ مِنْ خَصَائِص ِ اللهِ جَلَّ وَعَلا لهُ ، كمَا حَدَثَ فيْمَنْ سَبقنا مِنَ الأُمَمِ ، كقوْمِ نوْحٍ وَغيْرِهِمْ .

دآنـة وصآل 30-12-11 08:33 PM

* وَلِمَا في ذلِك َ مِنَ التَّشَبُّهِ باِليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى ، وَقدْ نهيْنَا عَنْ مُشَابَهَتِهمْ في دَقِيْق ِ الأُمُوْرِ فكيْفَ بعَظِيْمِهَا؟!
وَمِنْ أَهْل ِ العِلمِ : مَنْ أَضَافَ عِلة ً ثالِثة ً، وَهِيَ : نجاسَة ُ القبوْرِ أَوْ مَظِنَّة ُ ذلك .
وَهَذِهِ العِلة ُ وَإنْ كانتْ تُضَمُّ لِمَا سَبَقَ مِنَ العِلل ِ، إلا َّ أَنهَا ليْسَتْ العِلة َ الكبْرَى في الحكمِ كمَا قدْ بينا ذلك في فصْل ٍ تقدَّمَ(ص27-43) ، وَأَنهَا رُبَّمَا جَامَعَتِ العِللَ الكبْرَى وَرُبَّمَا تخلفتْ عَنْهَا .
إلا َّ أَنهُ عَلى قوْل ِ هَؤُلاءِ : تكوْنُ حُرْمَة ُ الصَّلاةِ في عَامَّةِ القبوْرِ أَشَدَّ وَأَكبَرَ مِنْ حُرْمَتِهَا عِنْدَ قبوْرِ الأَنبيَاءِ ، لِمَظِنَّةِ نجَاسَةِ ترْبةِ عَامَّةِ المقابرِ، وَطهَارَةِ ترْبةِ قبوْرِ الأَنبيَاءِ قطعًا .
ثمَّ إنَّ الضّابط َ الذِي وَضَعَهُ – مَعَ بُطلانِهِ – غيْرُ مُنْضَبطٍ : فمَالضّابط ُ في القبوْرِ المعَظمَةِ ؟
فكمْ مِنْ قبْرٍ مُعَظمٍ عِنْدَ قوْمٍ ، مُهَان ٍ مَلعُوْن ٍ عِنْدَ غيْرِهِمْ ، وَهَذَا قبْرُ ابْن ِ عَرَبيٍّ الصُّوْفيِّ بدِمَشْقَ ، كانَ مَزْبَلة ً يُلقى فِيْهَا النتَنُ ، بَلْ ذكرَ الشَّعْرَانِيُّ في«طبَقاتِهِ»(1/163): أَنهُ كانَ يبالُ عَلى قبرِه !
وَبَقِيَ عَلى ذلِك َ حَتَّى دَخَلَ السُّلطانُ العُثْمَانِيُّ سَلِيْمُ الأَوَّلُ(ت926ه) دِمَشْقَ في القرْن ِ العَاشِرِ ، فبنى عَليْهِ مَشْهَدًا ! وَعَمَرَ قبتهُ ! وَعَظمَهُ ! وَعَمِلَ عَليْهِ أَوْقافا ! وَجَعَلَ لِلفقرَاءِ المتعَلقِينَ باِبْن ِ عَرَبيٍّ مَطبَخًا ! وَجَعَلَ لِلأَوْقافِ ناظِرًا يَجْمَعُ غلتهَا ! وَهَذَا لمْ يُعْهَدْ لِغيرِهِ مِنْ مُلوْكِ الجرَاكِسَةِ ، وَلا مِمَّنْ كانَ قبْلهُمْ ، كمَا ذكرَ هذَا كلهُ : مُؤَرِّخُ العُثْمَانِيِّينَ ، مُحَمَّدُ بْنُ أَبي السُّرُوْرِ البكرِيُّ في كِتَابهِ «المِنَحِ الرَّحْمَانِيَّةِ ، في الدَّوْلةِ العُثْمَانِيَّة»(ص83-84) وَغيرُه .

دآنـة وصآل 30-12-11 08:35 PM

وَإنْ كانَ الضّابط ُ أَنْ يَكوْنَ قبْرَ نبيٍّ : فلمْ يثبُتْ قبْرُ نبيٍّ عَلى وَجْهِ القطعِ ، إلا َّ قبْرُ نبيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَمّا غيْرُهُ مِنَ الأَنبيَاءِ : فلا ، وَإنمَا النّاسُ يُصَلوْنَ عِنْدَ قبوْرٍ يَزْعُمُوْنَ كذِبًا أَنهَا لأَنبيَاءٍ وَليْسَتْ كذَلِك . فهَلْ يُنْهَوْنَ عَن ِ الصَّلاةِ عِنْدَهَا ، أَوْ لا؟
فإنْ نهُوْا : نهوْا عَن ِ الصَّلاةِ عِنْدَ قبْرٍ ليْسَ بقبْرِ نبيٍّ في الحقِيْقة .
وَإنْ ترِكوْا : ترِكوْا يُصَلوْنَ عِنْدَ قبْرٍ يَعْتَقِدُوْنَ فِيْهِ ذلك .
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ– كمَا في«مَجْمُوْعِ الفتَاوَى» (27/141)- وَلِهَذَا كانَ العُلمَاءُ الصّالِحُوْنَ مِنَ المسْلِمِيْنَ لا يُصَلوْنَ في ذلِك َ المكان . هَذَا إذا كانَ القبْرُ صَحِيْحًا ، فكيْفَ وَعَامَّة ُ القبوْرِ المنْسُوْبَةِ إلىَ الأَنبيَاءِ كذِبٌ ، مِثْلُ القبْرِ الذِي يُقالُ :«إنهُ قبْرُ نوْحٍ» فإنهُ كذِبٌ لا رَيْبَ فِيْهِ ، وَإنمَا أَظهَرَهُ الجهّالُ مِنْ مُدَّةٍ قرِيْبَةٍ وَكذَلِك َ قبْرُ غيْرِه).
وَقالَ رَحِمَهُ الله ُ (27/444) وَأَمّا قبوْرُ الأَنبيَاءِ : فالذِي اتفقَ عَليْهِ العُلمَاءُ هُوَ «قبْرُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » فإنَّ قبْرَهُ مَنْقوْلٌ باِلتوَاترِ ، وَكذَلِك َ في صَاحِبَيْهِ .
وَأَمّا «قبْرُ الخلِيْل ِ»: فأَكثرُ النّاس ِ عَلى أَنَّ هَذَا المكانَ المعْرُوْفَ ، هُوَ قبْرُهُ . وَأَنكرَ ذلِك َ طائِفة ٌ، وَحُكِيَ الإنكارُ عَنْ مَالِكٍ ، وَأَنهُ قالَ :«ليْسَ في الدُّنيا قبْرُ نبيٍّ يُعْرَفُ إلا َّ قبْرُ نبيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ».
لكِنْ جُمْهُوْرُ النّاس ِ عَلى أَنَّ هَذَا قبْرُهُ ، وَدَلائِلُ ذلِك َ كثِيْرَة ٌ ، وَكذَلِك َ هُوَ عِنْدَ أَهْل ِ الكِتَاب)اه كلامُه .
وَالمعْتَرِضُ ليْسَ لهُ سَلفٌ في تَخْصِيْصِهِ وَتقييْدِهِ ، وَإنمَا مُرَادُهُ : إبْطالُ الآثارِ، وَرَدُّ الأَدِلةِ في تَحْرِيْمِ الصَّلاةِ في المقابرِ وَعِنْدَهَا ، دُوْنَ مُرَاعَاةٍ لِصَوَابِ اعْتِرَاضِهِ ، لِهَوَىً في نفسِهِ وَمَرَض .

دآنـة وصآل 30-12-11 08:36 PM

أَمّا شَرْطاهُ اللذَان ِ شَرَطهُمَا : فمَرْدُوْدَان ِ، وَقدْ تقدَّمَ الجوَابُ عَن ِالأَوَّل ِ، وَهُوَ كوْنُ القبْرِ مُعَظمًا .
وَأَمّا الشَّرْط ُالثانِي: وَهُوَ(أَنْ يُبْنى عَليهِ مَسْجِدٌ) : فجَوَابهُ : أَنَّ هَذَا شَرْط ٌفاسِدٌ ، وَمَنْ قصَدَ الصَّلاة َ عِنْدَ قبرِ نبيٍّ أَوْ صَالِحٍ ، وَلوْ لمْ يبن ِ بناءًا عَليْهِ : دَخَلَ بلا شَك ّ فِي حَدِيْثِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكانَ ذلِك َ المصَلي مُتَّخِذًا ذلِك َ القبْرَ مَسْجِدًا ، فإنَّ لفظ َ «المسَاجِدِ» يَدْخُلُ فِيْهِ أَمْرَان ِ:
· دُوْرُ العِبَادَةِ المقامَةِ ،
· وَالأَرْضُ التِي يُصَلى عَليْهَا ، أَوْ كانتْ صَالِحَة ً لِلصَّلاة .
أَمّا الأَوَّلُ : فمَعْرُوْفٌ مَشْهُوْر .
وَأَمّا الثّانِي : فمِنْهُ : قوْلُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«وَجُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا) وَهُوَ فِي«الصَّحِيْحَيْن ِ»[خ(335)،(438) م(521)] .
وَالمقصُوْدُ أَنهَا كلهَا صَالِحَة ٌ للعِبَادَةِ ، وَليْسَتْ كلهَا قدْ أَصْبَحَتْ دَارًا مَبْنِيَّة ً للعِبَادَة !
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ(27/160) وَاتخاذهَا مَسَاجِدَ يتناوَلُ شَيْئَيْن ِ:
أَنْ يَبْنِيَ عَليْهَا مَسْجدًا ،
أَوْ يُصَليَ عِنْدَهَا مِنْ غيْرِ بناءٍ ، وَهُوَ الذِي خافهُ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَخَافتهُ الصَّحَابة ُإذا دَفنُوْهُ بارِزًا ، خَافوْا أَنْ يُصَلى عِنْدَهُ فيتخذَ قبْرُهُ مَسْجِدًا) انتهَى .
قالَ الإمَامُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهّابِ رَحِمَهُ الله ُ فِي«كِتَابِ التَّوْحِيْد» وَالصَّلاة ُعِنْدَهَا أَي عِنْدَ القبوْرِ مِنْ ذلِك َ، وَإنْ لمْ يبْنَ مَسْجِدٌ ، وَهُوَ مَعْنَى قوْلهِا أَي عَائِشَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهَا «خَشِيَ أَنْ يتخذَ مَسْجِدًا». فإنَّ الصَّحَابة َلمْ يَكوْنوْا لِيبنوْا حَوْلَ قبرِهِ مَسْجِدًا .
وَكلُّ مَوْضِعٍ قصِدَ الصَّلاة ُفِيْهِ : فقدِ اتخِذَ مَسْجِدًا ، بلْ كلُّ مَوْضِعٍ يصَلى فِيْهِ يُسَمَّى مَسْجِدًا ، كمَا قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطهُوْرًا» [خ(335)،(438) م(521)]) انتهَى .

دآنـة وصآل 30-12-11 08:37 PM

فصل

في رَدِّ اعْتِرَاضَاتِهِ عَلى حَدِيْثِ «الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ ، إلا ّ المقبَرَة َ وَالحمّام»


وَلمّا اسْتُدِلَّ عَلى هَذا المعْتَرِض ِ، بقوْل ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ إلا َّ المقبَرَة َ وَالحمّامَ» ، وَهُوَ عِنْدَ الإمَامِ أَحْمَدَ فِي«مُسْنَدِهِ» (3/83،96) وَالتِّرْمِذِيِّ فِي«جَامِعِهِ»(317) وَغيْرِهِمَا مِنْ حَدِيْثِ أَبي سَعِيْدٍ الخدْرِيِّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ ، وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبّانَ وَالحاكِمُ وَابْنُ حَزْمٍ وَغيْرُهُمْ ، وَجَوَّدَ إسْنَادَهُ شَيْخنا ابنُ بازٍ رَحِمَهُم الله ُجَمِيْعًا .
قالَ المعْترِضُ رَادًّا لهُ إنَّ حَدِيْثَ الاسْتِثْنَاءِ «إلا َّ المقبَرَة َ وَالحمّامَ» لا يَكفِي لِتحْرِيْمِ الصَّلاةِ فِي المقبَرَةِ ، وَذلِك َ لِلأَسْبَابِ التّالِيةِ :
· أَوّلا ً : تنَازُعُ العُلمَاءِ فِي ثبوْته .
· ثانيًا : الخلافُ فِي مَعْنى«المقبَرَةِ» ، هَلْ يَعْنِي المكانَ الذِي يُدْفنُ فِيْهِ الميِّتُ ، أَوِ المكانَ المعَدَّ لِذَلِك؟ الرّاجِحُ الثّانِي ، وَلِبيان ِذلِك َ يحْتاجُ إلىَ كلامٍ طوِيْل ٍ، رَاجِعْ رِسَالة َ«الجوْهَرَة».
· ثالِثا: وَهَذَا هُوَ الذِي يُعَوَّلُ عَليْهِ : أَنَّ الحدِيْثَ مَنْسُوْخٌ بحدِيثِ : «جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ كلها مَسْجِدًا وَطهُوْرًا»،
وَهذَا مَذْهَبُ أَكثرِ الفقهَاءِ، وَعُلمَاءِ الحدِيْثِ كالبخارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَغيْرِهِمَا .
وَيرَجِّحُ هَذَا المذْهبَ : صَلاة ُ الصَّحَابةِ فِي المقابرِ بَعْدَ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غيْرِ اسْتنْكارٍ ، مَا خلا اسْتِقبَالَ القبْرِ باِلصَّلاة .
وَمِمّا هُوَ مَعْلوْمٌ لدَى طلبةِ العِلمِ : أَنَّ الدَّلِيْلَ إذا تَطرَّقَ إليْهِ الاحْتِمَالُ : بَطلَ بهِ الاسْتِدلال) انتهَى كلامُ المعْترِض .
وَكلامُهُ هَذَا لا قِيْمَة َ لهُ ، فإنَّ تنازُعَ العُلمَاءِ فِي ثبوْتِ حََدِيْثٍ ، لا يُسْقِط ُ الاحْتِجَاجَ به . بَلْ هُوَ حُجَّة ٌ عِنْدَ مَنْ قبلهُ وَصَحَّ عِنْدَهُ ، يَلزَمُهُ المصِيْرُ إليْهِ ، وَالاعْتِمَادُ عَليْهِ ، وَإنْ لمْ يفعَلْ كانَ آثِمًا عَاصِيًا .
وَهَذَا مَحَلُّ اتفاق ٍ وَإجْمَاعٍ ، فإنهُمْ لمْ يَلتزِمُوْا ، أَوْ يَشْتَرِطوْا خلوَّ أَدِلتِهمْ وَحُجَجِهمْ مِنَ التنَازُعِ ، سَوَاءٌ في الصِّحَّةِ أَوِ الدَّلالةِ ، لِذَا ترَاهُمْ يسْتدِلوْنَ بأَدِلةٍ كثِيْرَةٍ ، قدْ تنوْزِعَ فِيْهَا : إمّا فِي صِحَّتِهَا ، أَوْ فِي دَلالتِهَا .
أَمّا مَنْ رَدَّ حَدِيْثَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
* فإنْ رَدَّهُ بسَبَبٍ يُقبَلُ مِثْلهُ فِي رَدِّ الأَحَادِيْثِ ، وَلهُ فِيْهِ سَلفٌ : كانَ بَيْنَ الأَجْرِ وَالأَجْرَيْن ِ، كوُجُوْدِ ناسِخٍ ، أَوْ مُخَصِّص ٍ، أَوْ مُقيِّدٍ ، أَوْ ضَعْفٍ لا يَصْلحُ مَعَهُ احْتِجَاجٌ باِلحدِيْثِ ، وَنحْوِ ذلك .
* وَإنْ رَدَّهُ بسَبَبٍ لا يُقبلُ مِثْلهُ ، أَوْ ليْسَ لهُ فِيْهِ سَلفٌ وَلا حُجة ٌ، أَوْ بحجَّةٍ وَسَبَبٍ رُدَّتْ عَليْهِ ، وَبينَ لهُ ضَعْفهَا : فهُوَ آثِمٌ عَاص ٍ، كمَنْ رَدَّ شيْئًا مِنْ أَحَادِيْثِ «الصَّحِيْحَيْن ِ»- أَوْ مَا صَحَّ في غيْرِهِمَا - فِي الاعْتِقادِ ، لأَجْل ِ كوْنِهَا آحَادًا ، ونحْوِ ذلك .

* * *

دآنـة وصآل 30-12-11 08:39 PM

فصل

في بيان ِصِحَّةِ حَدِيْثِ «الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ إلا َّ المقبَرَة َ وَالحمّام» ، وَذِكرِ طرُقهِ ، وَالكلامِ عَليْه


أَمّا حَدِيْثُ «الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ إلا َّ المقبَرَة َ وَالحمّامَ»:
فرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ عُمَارةِ بْن ِأَبي حَسَن ٍ الأَنصَارِيُّ المازِنيُّ المدَنِيُّ (ع) ، وَهُوَ إمَامٌ تابعِيٌّ ثقة ٌ، احْتَجَّ بهِ الشَّيْخان ِ في«صَحِيْحَيْهمَا» ، غيرَ أَنهُ اخْتُلِفَ عَليْهِ فِيْهِ ، فرُوِيَ عَنْهُ مَوْصُوْلا ً وَمُرْسَلا ً.
أَمّا الرِّوَاية ُ الموْصُوْلة ُ: فرَوَاها عَنْهُ :
· ابنهُ عَمْرُو بْنُ يَحْيَى(ع)، وَسَمِعَهَا مِنْ عَمْرٍو جَمَاعَة ٌ، مِنْهُمْ :
1 عَبْدُ العَزِيْزِ بْنُ محمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ (ع) ، أَخْرَجَهَا مِنْ طرِيْقِهِ :
* الدّارِمِيُّ في«سُننِهِ»(1390): أَخْبرَنا سَعِيْدُ بْنُ مَنْصُوْرٍ حَدَّثنا عَبْدُ العَزِيْز.
* وَالتِّرْمِذِيُّ في«جَامِعِهِ»(317): حَدَّثنا ابْنُ أَبي عُمَرَ، وَأَبوْ عَمّارٍ الحسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ المرْوَزِيُّ قالا:حَدَّثنا عَبْدُ العَزِيْز.
* وَابنُ خُزَيْمَة َ في«صَحِيْحِهِ»(791): أَخْبَرَنا الحسَيْنُ بْنُ حُرَيثٍ حَدَّثنا عَبْدُ العَزِيْز.
* وَالحاكِمُ في«مُسْتَدْرَكِهِ»(1/251) ،
* وَالبَيْهَقِيُّ في«سُنَنِهِ الكبْرَى»(2/435) مِنْ طرِيْق ِالحاكِمِ عَنْه.
2 وَسُفيَانُ بْنُ عُيَيْنَة َ(ع) ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ طرِيْقِهِ :
* الشّافِعِيُّ في«السُّنن ِ المأْثوْرَةِ»(186) عَنْه .
3 وَسُفيَانُ الثوْرِيُّ (ع) ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ طرِيقِهِ :
* أَبوْ يَعْلى الموْصِلِيُّ في«مُسْنَدِهِ»(2/503)(1350): حَدَّثنا أَبوْ خَيْثَمَة َ حَدَّثنَا يَزِيْدُ بْنُ هَارُوْنَ أَخْبرَنا سُفيَانُ الثوْرِيُّ عَنْ عَمْرٍو به .
4 وَعَبْدُ الوَاحِدِ بْنُ زِيادٍ (ع) ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ طرِيقِهِ :
* الإمَامُ أَحْمَدُ في«مُسْنَدِهِ»(3/96): حَدَّثنَا أَبوْ مُعَاوِيَة َ الغِلابيُّ حَدَّثنَا عَبْدُ الوَاحِد .
* وَأَبوْ دَاوُوْدَ في«سُنَنِهِ»(492): حَدَّثنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثنَا عَبْدُ الوَاحِد .
* وَابْنُ خُزَيْمَة َفي«صَحِيْحِهِ»(792): حَدَّثنَا بشرُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثنَا عَبْدُ الوَاحِد .
* وَابْنُ المنْذِرِ في«الأَوْسَطِ»(2/182)،(5/417).
* وَابْنُ حِبّانَ في«صَحِيْحِهِ»(1699)،(2316)،(2321) :
- أَخْبَرَنا محمَّدُ بنُ إسْحَاق ِ بن ِخُزَيْمَةَ حَدَّثنَا بشْرُ بْنُ مُعَاذٍ العقدِيُّ حَدَّثنا عَبْدُ الوَاحِد (ح) .
- وَأَخْبرَنا عِمْرَانُ بْنُ مُوْسَى السِّخْتِيَانِيُّ حَدَّثنَا أَبوْ كامِل ٍ الجحْدَرِيُّ حَدَّثنا عَبْدُ الوَاحِدِ به .
5 وَحَمّادُ بْنُ سَلمَة َ (خت م4) ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ طرِيْقِهِ:
* الإمَامُ أَحْمَدُ في«مُسْنَدِهِ»(3/83): حَدَّثنَا يَزِيْدُ بْنُ هَارُوْنَ أَخْبَرَنا حَمّاد .
* وَأَبوْ دَاوُوْدَ في«سُننِهِ»(492): حَدَّثنَا مُوْسَى بْنُ إسْمَاعِيْلَ حَدَّثنَا حَمّاد .
* وَابْنُ مَاجَهْ في«سُنَنِهِ»(745): حَدَّثنَا محمَّدُ بْنُ يَحْيى ، هُوَ الذُّهْلِيُّ حَدَّثنا يَزِيْدُ بْنُ هَارُوْنَ حَدَّثنا حَمّاد .
* وَالبَيْهَقِيُّ في«سُنَنِهِ الكبْرَى»(2/434) .
6 وَمحمَّدُ بْنُ إسْحَاق ِ بْن ِ يَسَارٍ (خت م4) ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ طرِيْقِهِ :
* الإمَامُ أَحْمَدُ في«مُسْنَدِهِ»(3/83): حَدَّثنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الملِكِ حَدَّثنَا محمَّدُ بْنُ سَلمَة َ عَنْ محمَّدِ بْن ِ إسْحَاقَ ، بلفظِ «كلُّ الأَرْض» الحدِيْث .
وَرَوَاهَا أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْن ِ عُمَارَة َ(ع) :
· عُمَارَة ُ بْنُ غزِيةِ بْن ِ الحارِثِ الأَنصَارِيُّ المازِنِيُّ المدَنِيُّ (خت م4) ، وَسَمِعَهَا مِنْهُ جَمَاعَة ٌ، مِنْهُمْ :
بشرُ بْنُ المفضَّل ِ بْن ِلاحِق ٍ الرَّقاشِيُّ (ع) ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ طرِيْقِهِ :
* ابْنُ خُزَيْمَة َفي«صَحِيْحِهِ»(792): حَدَّثنا بشْرُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثنا بشْرُ بْنُ المفضَّل .
* وَالحاكِمُ في«مُسْتَدْرَكِهِ»(1/251): حَدَّثنَا أَبوْ بكرٍ بنُ إسْحَاقَ أَخْبَرَنا أَبو المثنَّى حَدَّثنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثنَا بشْرُ بْنُ المفضَّل .
* وَالبَيْهَقِيُّ في«سُننِهِ الكبرَى»(2/435) مِنْ طرِيْق ِالحاكِمِ عَنْه .
أَمّا الرِّوَايَة ُ المرْسَلة ُ: فرَوَاهَا عَنْ يَحْيَى بْن ِعُمَارَة َ مُرْسَلة ً:
· ابْنُهُ عَمْرٌو(ع) أَيْضًا ، وَسَمِعَهَا مِنْ عَمْرٍو جَمَاعَة ٌ، مِنْهُمْ رَاوِيَان ِ ثِقتان ِ، هُمَا :
1 سُفيَانُ الثوْرِيُّ (ع) ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ طرِيْقِهِ :
* عَبْدُ الرَّزّاق ِ في«مُصَنَّفِهِ»(1582)(2/405): عَنْهُ بهَا .
* وَالإمَامُ أَحْمَدُ في«مُسْنَدِهِ»(3/83): حَدَّثنَا يَزِيْدُ هُوَ ابْنُ هَارُوْنَ أَخْبَرَنا سُفيَانُ الثوْرِيّ .
* وَابْنُ أَبي شَيْبَة َفي«مُصَنَّفِهِ»(2/379): حَدَّثنَا وَكِيْعٌ حَدَّثنَا سُفيَان .
* وَابْنُ مَاجَهْ في«سُنَنِهِ»(745): حَدَّثنَا محمَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثنَا يَزِيْدُ بْنُ هَارُوْنَ حَدَّثنَا سُفيَان .
* وَأَبوْ يَعْلى الموْصِلِيُّ في«مُسْنَدِهِ»(2/503)(1350): حَدَّثنا أَبوْ خَيْثَمَة َ حَدَّثنا يَزِيْدُ بْنُ هَارُوْنَ أَخْبَرَنا سُفيَانُ الثوْرِيّ .
* وَالبَيْهَقِيُّ في«سُننِهِ الكبْرَى»(2/434-435).
2 وَسُفيَانُ بْنُ عُيَيْنَة َ(ع) ، وَأَخْرَجَهَا مِنْ طرِيْقِهِ :
* الشّافِعِيُّ في«مُسْنَدِهِ»(ص20): أَخْبَرَنا سُفيَانُ بْنُ عُيَيْنَة َ عَنْ عَمْرِو بْن ِ يَحْيى به .
* وَالبَيْهَقِيُّ في«مَعْرِفةِ السُّنن ِ وَالآثارِ»(2/255)(1285) مِنْ طرِيْق ِ الشّافِعِيِّ بهَا .
قالَ الشّافِعِيُّ بَعْدَهُ في«مُسْنَدِهِ»(ص20) وَجَدْتُ هَذَا الحدِيْثَ في كِتَابي ، فِي مَوْضِعَيْن ِ:
أَحَدُهُمَا : مُنْقطِعٌ . وَالآخَرُ : عَنْ أَبي سَعِيْدٍ الخدْرِيِّ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) اه.
وَنقلَ البَيْهَقِيُّ هَذَا في«مَعْرِفةِ السُّنن ِ وَالآثارِ» عَن ِ الشّافِعِيِّ ، ثمَّ نقلَ عَنْهُ تَصْحِيْحَهُ لِمَعْنى الحدِيْثِ ، وَمَا تضَمَّنهُ مِنْ أَحْكام .


الساعة الآن 03:57 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant