شبكــة أنصــار آل محمــد

شبكــة أنصــار آل محمــد (https://ansaaar.com/index.php)
-   البيــت العـــام (https://ansaaar.com/forumdisplay.php?f=32)
-   -   من دُرَر... إمامىّ الهدى ومُجددىّ الملة ::أُعجـــــوبتىّ الفُقــــــــهاء::.... مُتجدد (https://ansaaar.com/showthread.php?t=32436)

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:11 AM

قال الإمام بن القيم رحمه الله ... فى كتابه عدة الصابيرين

بعد كلام متحف نافع ماتع

......كما قال الصحابة رضى الله عنهم ،ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر ، والنعمة بالفقر والمرض وقبض الدنيا وأسبابها ، وأ
ذى الخلق قد يكون أعظم النعمتين ( أى أعظم من الغنى والشرف والعلو والجاه) وفرض الشكر عليها أوجب من الشكر على أضادها .
قال النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح
(أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد أحدهم إلا عبائته التى يحويها وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء ) رواه بن ماجه وسنده على شرط مسلم
و
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ ، عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً ،..........قال ، وَبَيْنَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ ، فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ ، فَقَالَتْ أُمُّهُ : اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا ، فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ ، قَالَ : فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ ، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا ، قَالَ : وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ وَهِيَ ، تَقُولُ : حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، فَقَالَتْ أُمُّهُ : اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا ، فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا ، فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ ، فَقَالَتْ حَلْقَى مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ ، فَقُلْتَ : اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ، وَمَرُّوا بِهَذِهِ الْأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا ، وَيَقُولُونَ : زَنَيْتِ سَرَقْتِ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا ، فَقُلْت : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا ، قَالَ : إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ، وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ ، وَلَمْ تَزْنِ ، وَسَرَقْتِ ، وَلَمْ تَسْرِقْ ، فَقُلْتُ : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا "متفق عليه

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:11 AM

حقارة الدنيا وسرعة إنقضائها وسفالتها ودنائتها وذم من تعلق بها
للشخ المربى العلم بحر العلوم ....

ابن القيم رحمه الله فى كتابه الرائع عدة الصابرين
وانما كان حب الدنيا رأس الخطايا ومفسدا للدين من وجوه أحدها أن حبها يقتضى تعظيمها وهى حقيرة عند الله ومن أكبر الذنوب تعظيم ما حقر الله وثانيها أن الله لعنها ومقتها وأبغضها إلا ما كان له فيها ومن أحب ما لعنه الله ومقته وأبغضه فقد تعرض للفتنة ومقته وغضبه وثالثها انه اذا أحبها صيرها غايته وتوسل اليها بالأعمال التى جعلها الله وسائل اليه والى الدار الآخرة فعكس الأمر وقلب الحكمة فانعكس قلبه وانعكس سيره الى وراء فها هنا أمران أحدهما جعل الوسيلة

غاية والثانى التوسل بأعمال الآخرة إلى الدنيا وهذا شر معكوس من كل وجه وقلب منكوس غاية الانتكاس وهذا هو الذى انطبق عليه حذو القذة بالقذة قوله تعالى من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف اليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم فى الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون وقوله تعالى من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا وقوله تعالى من كان يريد حرث الآخرة نزد له فى حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله فى الآخرة من نصيب فهذه ثلاث آيات يشبه بعضها بعضا وتدل على معنى واحد وهو أن من أراد بعمله الدنيا وزينتها دون الله والدار الآخرة فحظه ما اراد وهو نصيبه ليس له نصيب غيره .....
ولا يستريح عاشق الدنيا فقولهم كنا نعبد الأوثان فسيان عبادة الاثمان وعبادة الأوثان تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم
والمقصود أن محب الدنيا يعذب فى قبره ويعذب يوم لقاء ربه قال تعالى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم انما يريد الله ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون قال بعض السلف يعذبهم بجمعها وتزهق أنفسهم بحبها وهم كافرون بمنع حق الله فيها فصل
وسابعها أن عاشقها ومحبها الذى يؤثرها على الآخرة من أسفه الخلق وأقلهم عقلا اذ آثر الخيال على الحقيقة والمنام على اليقظة والظل الزائل على النعيم الدائم والدار الفانية على الدار الباقية وباع حياة الأبد فى ارغد عيش بحياة انما هى أحلام نوم أو كظل زائل ان اللبيب بمثلها لا يخدع كما نزل أعرابى بقوم فقدموا له طعاما فأكل ثم قام الى ظل خيمة فنام فاقتلعوا الخيمة فاصابته فانتبه وهو يقول وان امرؤ دنياه أكبر همه ... لمستمسك منها بحبل غرور وكان بعض السلف يتمثل بهذا البيت يا أهل لذات دنيا لا بقاء لها ... ان اغترارا بظل زائل حمق
قال يونس بن عبد الأعلى ما شبهت الدنيا الا كرجل نام فرأى فى منامه ما يكره وما يحب فبينما هو كذلك انتبه وقال ابن أبى الدنيا حدثنى أبو على الطائى حدثنا عبد الرحمن البخارى عن ليث قال رأى عيسى بن مريم الدنيا فى صورة عجوز عليها من كل زينة فقال كم تزوجتى قالت لا أحصيهم قال فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك قالت بل كلهم قتلته فقال عيسى بؤسا لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بأزواجك الماضين تهلكينهم واحدا واحدا ولا يكونوا منك على حذر أرى اشقياء الناس لا يسأمونها ... على أنهم فيها عراة وجوع اراها وان كانت تحب فإنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع


يتبع


أبو بلال المصرى 01-01-19 02:12 AM

قال الإمام

أشبه الأشياء بالدنيا الظل تحسب له حقيقة ثابتة وهو فى تقلص وانقباض فتتبعه لتدركه فلا تلحقه وأشبه الأشياء بها السراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجد شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب وأشبه الأشياء بها المنام يرى فيه العبد ما يحب وما يكره فإذا استيقظ علم أن ذلك لا حقيقة له وأشبه الأشياء بها عجوز شوهاء قبيحة
يتبع...

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:13 AM

قال
قالوا ولو كان الغنى افضل من الفقر لما حض الله رسوله على الزهد فى الدنيا والاعراض عنها وذم الحرص عليها والرغبة فيها بل كان ينبغى أن يحض عليها وعلى اكتسابها والاكثار منها كما حض على اكتساب الفضائل التى بها كمال العبد من العلم والعمل فلما حض على الزهد فيها والتقلل دل على أن الزاهدين فيها المتقللين منها أفضل الطائفتين وقد أخبر أنها لو ساوت عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء وأنها أهون على الله من السخلة الميتة على أهلها وان مثلها فى الآخرة كمثل ما يعلق بأصبع من أدخل أصبعه فى البحر وأنها ملعونة ملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم وأنها سجن المؤمنين وجنة الكافرين وأمر العبد أن يكون فيها كأنه غريب أو عابر سبيل ويعد نفسه من أهل القبور واذا أصبح فلا ينتظر المساء واذا أمسى فلا ينتظر الصباح ونهى عن اتخاذ ما يرغب فيها ولعن عبد الدينار وعبد الدرهم ودعا عليه بالتعس والانتكاس وعدم اقالة العثرة بالانتقاش
يتبع

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:13 AM

قال
وأخبر أنها خضرة حلوة أى تأخذ العيون بخضرتها والقلوب بحلاوتها وأمر باتقائها والحذر منها كما يتقى النساء ويحذر منهن وأخبر أن الحرص عليها وعلى الرياسة والشرف يفسد الدين كإفساد الذئبين الضاربين اذا ارسلا فى زريبة غنم أو أشد افسادا وأخبر أنه فى الدنيا كراكب استظل تحت شجرة فى يوم صائف ثم راح وتركها
وهذه في الحقيقة حال سكان الدنيا كلهم ولكن هو شهد هذه الحال وعمى عنها بنو الدنيا ومر بهم وهم يعالجون خصا لهم قد وهى فقال: "ما أرى الأمر ألا أعجل من ذلك" وأمر بستر على بابه فنزع وقال انه يذكرنى الدنيا وأعلم الناس أنه ليس لأحد منهم حق فى سوى بيت يسكنه وثوب يوارى عورته وقوت يقيم صلبه وأخبر أن الميت يتبعه أهله وماله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله وأخبر أن للمتخوض فيما شاءت نفسه من مال الله بغير حق النار يوم القيامة وأقسم أنه لا يخاف الفقر على أصحابه وانما يخاف عليهم الدنيا وتنافسهم فيها وإلهائها لهم وأخبر أنه ليس لابن آدم من ماله إلا ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو تصدق فأمضى وأخبر أن حسب ابن آدم من الدنيا لقيمات يقمن صلبه فإن لم يقتصر عليها فثلث بطنه لطعامه وثلثه لشرابه وثلثه لنفسه وفى هذا الحديث الارشاد إلى صحة القلب والبدن والدين والدنيا

لازال كلامة متصل يتبع....

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:14 AM

الزهد فى الدنيا وسبب الخطايا هو ...
لابن القيم رحمه الله .... فى كتابه المتحف عدة الصابرين

قال ...

أما توحيد المطلوب أن لا يتعلق طلبه وارادته بغير الله وما يقرب اليه ويدنى منه وأما توحيده فى الطلب أن يستأصل الطلب والارادة نوازع الشهوات وجواذب الهوى وتسكن الارادة فى أقطار النفس فتملأها فلا يدع فيها فضلا لغير الانجذاب الى جانب الحق جل جلاله فتتمحض الارادة له ومتى تمحضت كان الزهد لصاحبها ضرورة فإنه يفرغه لعمارة وقته وجمع قلبه على ماهو بصدده وقطع مواد طمعه اللاتى هى من أفسد شئ للقلب بل اصل المعاصى والفساد والفجور كله من الطمع فالزهد يقطع مواده ويفرغ البال ويملأ القلب ويستحث الجوارح ويذهب الوحشة التى بين العبد وبين ربه ويجلب الانس به ويقوى الرغبة فى ثوابه إن ضعف عن الرغبة فى قربه والدنو منه وذوق حلاوة معرفته ومحبته فالزاهد أروح



الناس بدنا وقلبا فإن كان زهده وفراغه من الدنيا قوة له فى إرادة الله والدار الآخرة بحيث فرغ قلبه لله وجعل حرصه على التقرب إليه وشحه على وقته أن يضيع منه شئ فى غير ما هو أرضى الله وأحب اليه كان من أنعم الناس عيشا واقرهم عينا وأطيبهم نفسا وأفرحهم قلبا فإن الرغبة فى الدنيا تشتت القلب وتبدد الشمل وتطيل الهم والغم والحزن فهى عذاب حاضر يؤدى الى عذاب منتظر أشد منه وتفوت على العبد من النعم اضعاف ما يروم تحصيله بالرغبه فى الدنيا


وكما أن الرغبة فى الدنيا أصل المعاصىالظاهرة فهى اصل معاصى القلب من التسخط والحسد والكبر والفخر والخيلاء والتكاثر وهذا كله من امتلاء القلب بها لا من كونها فى اليد وامتلاء القلب بها ينافى الشكر ورأس الشكر تفريغ القلب منها وامتداد المال كامتداد العمر والجاه فخيركم فى الدنيا من طال عمره وحسن عمله فهكذا من امتد ماله وكثر به خيره فنعم المرء وماله وجاهه اما أن يرفعه درجات واما أن يضعه درجات

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:14 AM

قال
وانما تحصل الهموم والغموم والأحزان من جهتين احداهما الرغبة فى الدنيا والحرص عليها والثانى التقصير فى أعمال البر والطاعة
قال عبد الله بن أحمد حدثنى بيان بن الحكم حدثنا محمد بن حاتم عن بشر بن الحارث قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن ليث عن الحكم قال قال رسول الله اذا قصر العبد بالعمل ابتلاه الله عز و جل بالهم


أبو بلال المصرى 01-01-19 02:15 AM

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

ليس الفقيه من يعلم الخير من الشر ولكن الفقيه من يعلم خير الخيرين وشر الشرين

كلمات تكتب بالألماس...... ما أحوجنا إليها
وكم أضر بديننا وصحوتنا الإسلامية الجهل بفقه المصالح والموازنات


حاجة الداعية و طالب العلم والمجاهد والفقيه لفقه المصالح والمفاسد

سافر موسى صلى الله عليه وسلم وقطع القفار ليصل للخضر عليه السلام حتى يتعلم ثلاث مسائل لها تعلق بالأساس بقاعدة مراعاة المصالح والمفاسد


عقد النبى صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية وسماه الله فتحاً فى كتابه

(إنا فتحا لك فتحاً مبيناً )

وكان كله علمٌ وفقهٌ فى باب مراعاة المصالح والمفاسد
حتى لم يفطن
لهذا عمر رضى الله عنه فقال علاما نعطى الدنية فى ديننا
فقال بعد ما نزلت الأية ... أوفتح هو؟؟؟

قال فعملت
لذالك أعمالاً...

والله يعلم وأنتم لا تعلمون



فقه المصالح والمفاسد



للشيخ: فالح بن محمد الصغير

مدخل:
(الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها ومن ثم يجب على الدعاة مراعاة المصالح والمفاسد في الدعوة بما يحقق أعلا المصالح ويدرأ أعظم المفاسد).
قال الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: (والشريعة مبناها وأساسها يقوم على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد, وهي عدل كلها, ورحمة كلها, ومصالح كلها, وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور, وعن الرحمة إلى ضدها, وعن المصلحة إلى المفسدة, وعن الحكمة إلى البعث, فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل)(1).
وهذه قاعدة من أعظم القواعد العاصمة بإذن الله لمسيرة الدعوة والداعية من المزالق، والمخاطر، والانحراف غلوًا أو تقصيرًا، وفي الوقت نفسه من أعظم القواعد لاستمرار الدعوة وسلامتها.
ولذلك نفصل الكلام عنها بشيء من التفصيل في الكلمات الآتية:
* أهمية هذه القاعدة للدعاة:
إن مراعاة فقه الموازنة بين الصالح والمفاسد من الأمور المهمة التي ينبغي لكل داعية أن يتعلمها خاصة في هذا الزمان, لعظم الحاجة إليها, ولأن الدعاة فيها بين إفراط وتفريط, فطائفة لم تعتد بالمصالح الراجحة فخالفت بذلك النصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وطائفة تساهلت في اعتبار المصالح وتوسعت في استعمالها على حساب النصوص الشرعية الواضحة فلم تراع (فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد) ووفق الله طائفة فتوسعت بين هاتين الطائفتين فعملت (بفقه الموازنة بن المصالح والمفاسد) في ضوء نصوص الكتاب والسنة مراعية في ذلك الأصول والضوابط الشرعية مستفيدة من فهوم العلماء المحققين من سلف الأمة
ضابط تحديد المصلحة والمفسدة:
ينبغي التنبه إلى أن المراد بالمصالح والمفاسد ما كانت كذلك في حكم الشرع لا ماكان ملائماً ومنافراً للطبع, ولا يكون تقريرها وفق أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية ودرء مفاسدها العادية(2).
من الذي يحدد المصلحة والمفسدة؟
ثم النظر في تقدير المصالح والمفاسد وتقريرها والترجيح بينها يحتاج إلى:
1- تقوى لله صادقة. 2- وتبصرة علمية نافذة. 3- معرفة بالواقع واسعة, ليتمكن الداعية من تحقيق مقصود الشريعة التي (جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين, وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما, وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما)(3).
وعلى هذا يتأكد أن:
1- أن تحديد المصلحة من المنظور الشرعي لا المنظور العقلي المجرد, أو الهوى أو نحو ذلك.
2- أن الذي يحدد المصلحة هو العالم الشرعي المتصف بالصفات السابقة من التقوى والعلم, وإدراك الواقع.
وهذا كلام أحسب أنه من النفائس.
* ضوابط الموازنة بين المصالح والمفاسد:
إن الدعاة إلى الله وهو يعيشون واقع الدعوة ويحملون همومها قد يرون في واقع الحياة العملي تصادماً بين حكمين شرعيين على نحو يعجز معه المكلف عن الجمع بينهما, فيضطر إلى اختيار أحدهما وإعطائه الأولوية التنفيذية.
وهذا التقديم كتقديم حكم على آخر في عالم الامتثال لا يكون عشوائياً, بل يجب أن يكون وفق ضوابط, وهي بمثابة قوانين يستنير بها المكلف في ترجيح حكم على آخر ليخرج من الزحمة التي وقع فيها.
وإذا استحضرنا كثرة التزاحمات التي يقع فيها المسلم في عصرنا أدركنا أهمية الضوابط في حياتنا العملية, ويمكن تصنيفها إلى ما يلي:
الضابط الأول: الأكثر مصلحة أولى بالتقديم من الأقل مصلحة.
إذا تزاحمت مصلحتان لزم المكلف الحفاظ على المصلحة الراجحة والتضحية بالمصلحة المرجوحة, فيما إذا عجر عن الجمع بينهما وصيانتهما معاً.
وليس معنى هذا أن المصلحة المرجوحة التي أهدرت, لم تعد مصلحة, ولكن معناه أن المكلف لم يتمكن من الجمع بينهما وبين المصلحة الراجحة, فضحى بها مضطراً لأن الشرع والعقل يحكم بلزوم الحفاظ على المصلحة العليا, ولو أدى إلى تفويت الأدنى.
والمصلحة المفوتة في هذه الحال لم تعد مطلوبة, لذا فإن تركها لأجل تحصيل المصلحة الراجحة, لا يعتبر تركاً لمطلوب شرعي(4).
ومن النصوص الدالة على هذا الضابط:
1- قال تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين)(5).
روى مسلم من حديث النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام, إلا أن أسقي الحاج, وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام, إلا أن أعمر المسجد الحرام, وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم, فرجهم عمر وقال: لاترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو يوم الجمعة, ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيه فيما اختلفتم فيه, فأنزل الله تعالىhttp://www.dd-sunnah.net/forum/images/smilies/frown.gifأَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.....)(6).
ففي هذه الآية يبين الله تعالى أن أعمال الحج من العمارة والسقاية والرفادة والسدانة, لا تساوي الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله فالإيمان بالله والجهاد في سبيل إعلاء كلمته, أعظم درجة عند الله من أعمال الحج, وما عظم ثواب الإيمان والجهاد على ثواب الحج, إلا بسبب كثرة منافعهما, وهنا بيان لأن كل ما ذكر من الأعمال الصالحة إلا أن عند الموازنة بقدر الأكثر منفعة. وقد يكون هذا وقت وهذا في وقت. وهكذا.
2- قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفضيل الجهاد وتقديمه على التطوع بالنوافل في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن سلمان رضي الله عنه: (رباط بوم خير من صيام شهر وقيامه, وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان)(7).
وهذا التقديم الشرعي للعمل بناء على كثرة المنفعة فيه, يتمشى مع طبيعة الإنسان التي تميل إلى الأكثر منفعة.
قال العز بن عبد السلام: (واعلم أن تقديم الأصلح فالصالح... مركوز في طبائع العباد... فلو خيرت الصبي الصغير بين اللذيذ والألذ لأختار الألذ, ولو خير بين الحسن والأحسن لأختار الأحسن, لا يقدم الصالح على الأصلح إلا جاهل بفضل الأصلح أو شقى متجاهل لا ينظر إلى ما بين المسرتين من تفاوت)(8).
لذلك تتابعت أقوال العلماء على هذا الضابط:
قال ابن القيم: (وقاعدة الشرع والقدر تحصيل أعلى المصلحتين وإن فات أدناهما)(9), وقال العز بن عبد السلام: (إذا تعارضت المصلحتان وتعذر جمعهما فإن علم رجحان إحداهما قدمت)(10).
وقال بدران أبو العينين بدران: (التعارض بين المصالح يوجب الموازنة بينهما فإن ثبت أن إحداهما أهم من الأخرى لزم إهدار المهم محافظة على الأهم)(11).
ومن الأمثلة التي ذكرها ابن القيم لهذا الضابط:
1- أن السهر بعد العشاء ذريعة إلى تفويت قيام الليل, فإن عارضه مصلحة راجحة كالسهر في العلم ومصالح المسلمين لم يكره(12).
2 – وفيها: تأخير الحد لمصلحة راجحة, إما من حاجة المسلمين إليه, أو من خوف ارتداده ولحوقـه بالكفار, وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة كما يؤخر عن الحامل والمرضع, وعن وقت الحر والبرد والمرض فهذا لمصلحة المحدود, فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى(13).
ومن الأمثلة في تطبيق هذه القاعد في الدعوة إلى الله تعالى:
1- لو تزاحمت وسيلتان أحدهما أكثر نفعاً من الأخرى ككلمة وعطية لعدد قليل من الناس, أو درس علمي مستمر لا شك أنه يقدم الدرس, مع عدم إهمال الأخرى.
2- عند تزاحم عملين لدى داعية من الدعاة كأن يواصل عمل في الإغاثة, أو يتركه لخطبة وهو لا يجيدها, في تطبيق هذه القاعدة أن يواصل عمله الذي يجيده ولا يتركه لعمل آخر يقوم به غيره.
3- عند تعارض تربيته لأولاده مع وعظه العام وبخاصة إذا كان يتطلب سفراً بعيداً عن أهله فتطبيق هذه القاعدة أنه يترك السفر ويجتهد في تربية أولاده.
* الضابط الثاني: الأكثر مفسدة أولى بالدرء من الأقل مفسدة.
إذا تزاحمت مفسدتان أو سيئتان بتعبير شيخ الإسلام ابن تيمية, ارتكب أخفهما بدفع أشدهما, وهذا الدرء للمفسدة الكبيرة باحتمال الصغيرة – كما يقول العز بن عبد السلام – طبيعة بشرية(14) لذا فقد اعتبر التشريع الإلهي هذه الطبيعة البشرية في كثير من أحكامه، ومن الأدلة على ذلك:
أ- قال تعالى في شأن القتال في الأشهر الحرم مبيناً أن القتال فيها أقل مفسدة من الصد عن سبيل الله: ((يسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (15).
فقد أنكر الكفار على المسلمين استباحة الأشهر الحرم والقتال فيها, فرد الله عليهم قائلاً: نعم القتال فيها كبير الإثم والجرم, ولكن الاعتداء على المسلمين والإسلام بالصد عن سبيل الله وقتل المسلمين وفتنتهم في دينهم وإخراجهم من ديارهم, كل هذا وغيره أعظم مفسدة وأكبر جرماً عند الله من انتهاك حرمة الأشهر الحرم بالقتال فيها, وإذا كان كذلك فإن القتال فيها ضروري وواجب لدرء هذه المفاسد الكبيرة.
ب- وقال سبحانه حكاية عن الخضر مع موسى عليهما السلام: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ...), إلى قوله: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً)(16).
فدفع مفسدة غصب الملك السفن بمفسدة أخف, وهي خرق السفينة, واحتمل مفسدة قتل الولد ليدفع مفسدة إرهاق والديه طغياناً وكفراً التي هي أعظم واشد من قتله.
وأما من السنة, فمنها:
أ- ما أخرجه مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم, ولكن من رضي وتابع, قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ماصلوا)(17), قال ابن القيم في تعليقه على هذا الحديث:
(إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله, فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ماهو أنكر منه, وأبغض إلى الله ورسوله, لا يسوغ إنكاره, وإن الله يبغضه, ويمقت أهله, وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم, فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر, ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل, وعدم الصبر على منكر, فطلب إزالته, فتولد ما هو أكبر منه, ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه, كما وجد سواء)(18).
ب- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس, فقال لهم النبي صلى الله عليه: (دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء - أو ذنوباً من ماء- فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)(19).
إن بول الأعرابي مفسدة لكنها أخف مما قد يصيبه من مرض بسبب قطع بوله, لهذا قال الإمام النووي معلقاً على هذا الحديث: (فيه دفع أعظم الضرر باحتمال أخفهما لقوله صلى الله عليه وسلم: (دعوه) لمصلحتين:
إحداهما: أنه لو قطع عليه بوله لتضرر وأصل التنجس قد حصل, فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به.
والثانية: أن التنجس قد حصل في جزء يسير من المسجد, فلو أقاموه أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد)(20).
وباستقراء هذه الأحكام وغيرها توصل علماء الشريعة إلى صياغة القاعدة التالية:
(إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما) وتفيد هذه القاعدة القطعية أنه إذ اجتمعت مفسدتان دفعت دفعت العليا بالتزام الدنيا (لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة, ولا ضرورة في حق الزيادة) بل (الضرر لايزال بمثله)(21) وما بالك بما فوقه, وإذا كان (الضرر يزال)(22) بما دونه, فإن هذا الدون من المفسدة المرتكب في هذه الحالة معفو عنه باعتباره حالة اضطرارية يرتفع معها الإثم(23).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمها إلا بفعل أدناهما, لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة ... حتى وإن سمى هذا الفعل محرم... ويقال في مثل هذا... فعَل محرَّم للمصلحة الراجحة أو للضرورة أو لدفع ما هو حرام)(24) بل ما رتكبه من المفسدة يعتبر مصلحة من حيث إنها تدفع مفسدة أكبر ما كانت تدفع لولا ارتكاب المفسدة الصغرى.
ومن الأمثلة التي ذكرها ابن القيم لهذا الضابط:
أنك إذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب, أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد, وإلا كان تركهم على ذلك خيراً من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ما هم فيه شاغلاً لهم عن ذلك, وكما إذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون ونحوها, وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال, والسحرة فدعه وكتبه الأولى, وهذا باب واسع(25).
ومن أمثلة تطبيق هذه القاعدة في المجال الدعوي ما يلي:
عند إنكار المنكر، فلو أنكرت على الأبناء في البيت تقصيرًا في صلاة الجماعة، أو عمل محظور شرعي، ثم أدى بهم هذا الإنكار إلى أن يخرجوا من البيت ويختلطوا بالفساق، فتركهم على ما هم فيه أو من الإنكار، وكما يطبق هذا على الأولاد في البيت يطبق في المجتمع بعامة كما أشار ابن القيم رحمه الله.
* * *
* الضابط الثالث: الجهة الغالبة أولى بالتقديم عند تزاحم المصالح مع المفاسد.
إن كل مصلحة لا تخلو من مفسدة وكل مفسد لا تخلو من مصلحة, فلا توجد مصلحة خالصة ولا مفسدة خالصة في أي فعل من الأفعال, لذا كان الحكم للجهة الراجحة.
وعلى هذا الاعتبار تأسست الأحكام الشرعية لأنها تنظم حياة الناس في الدنيا, والدنيا لا يتمحض فيها الخير كما لا يتمحض فيها الشر.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: (جميع المحرمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم, قد تحصل لصاحبه به منافع ومقاصد, لكن كانت مفاسدها راجحة على مصالحها نهى الله ورسوله عنها, كما أن كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرة, لكن لما كانت مصلحته راجحه على مفسدته أمر به الشارع فهذا أصل يجب اعتباره)(26).
وقال الشيخ السعدي: (إن الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة, ولا ينهى إلا عما مفسدته ومضرته خالصة أو راجحة, ولا يشذ من هذا الأصل الكبير شيء من أحكامه)(27) إلا أن المفسدة التي قد تتخلل الأوامر الشرعية والمنفعة التي قد تتضمنها النواهي الشرعية غير مقصودة للشارع , وإنما يقصد الجهة الراجحة من المصلحة أو المفسدة.
وجريا مع هذا الميزان الشرعي الذي يراعي الجانب الأقوى فإنه إذا تزاحمت المصالح مع المفاسد فإن الحكم للجهة الغالبة, إما للمصلحة وإما للمفسدة, فإن كانت المفسدة أكبر درأناها, وإن كانت المصلحة أكبر جلبناها.
وفيما يلي بعض النصوص الشرعية لهذا الضابط:
1- قال تعالى في شأن الخمر والميسر: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)(28)
إن في الخمر والميسر منافع ومفاسد, إلا أن مفاسدهما أكبر, لذا كان تحريمها أولى, لأن المعول عليه في التحريم هو غلبة الضرر على النفع, وقد ذكروا أن منافع الخمر تتمثل في الربح التجاري وفي الالتذاذ بشربها, ومنافع الميسر تتمثل في أخذ أموال الغير بلا مقابل وبلا تعب, إلا أن هذه المنافع تقابلها أضرار كثيرة فيهما فرجحت كفة التحريم(29).
2- وامتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن نقض بيت الله الحرام وإعادة بنائه على أساس إبراهيم عليه السلام, لأن المصلحة في إعادة بنائه عارضها مفسدة أكبر متمثلة في امتناع قبول بعض المسلمين ذلك لحداثة عهدهم بالكفر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم –قال ابن الزبير بكفر- لنقضت الكعبة, فجعلت لها بابين باب يدخل الناس وباب يخرجون)(30).
قال ابن القيم رحمه الله: (لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام, عزم على تغيير البيت, ورده على قواعد إبراهيم, ومنعه من ذلك –مع قدرته عليه- خشية وقوع ماهو أعظم منه مع عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام, وكونهم حديثي عهد بكفر)(31).
3- كما امتنع صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين, فقد ابتلي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة بالمنافقين, ورغم أن كيدهم ومكرهم كان يفوق كيد ومكر الكفار فقد امتنع صلى الله عليه وسلم عن قتلهم لكي لا يقال إن محمداً يقتل أصحابه, ولأن قتلهم ذريعة إلى النفور من الإسلام, فهذه المفاسد أكبر من مصلحة قتلهم.
وباستقراء مثل هذه الأحكام فهم الفقهاء أن مقصود الشارع عند تزاحم المصالح مع المفاسد, إنما يتحقق بمراعاة الجانب الأغلب.
قال ابن تيمية رحمه الله: (القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت, فإنه يجب ترجيح الراجح منها... فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له, فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته)(32).
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: (تقديم المصالح الراجحة على المفاسد المرجوحة محمود وحسن, ودرء المفاسد الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن)(33).
وقال الشاطبي: (فالمصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا إنما تفهم على مقتضى ما غلب, فإذا كان الغالب جهة المصلحة فهي المصلحة المفهومة عرفاً, وإذا غلبت الجهة الأخرى فهي المفسدة المفهومة عرفاً)(34).
ومن خلال هذه الأدلة وتلك الأقوال ترى ثبوت هذا الضابط, وهو ضابط مهم خصوصاً في عصرنا الذي يندر فيه أن تجد مصلحة دون أن تزاحمها مفسدة, نظراً لغلبة الهوى وامتناع كثير من الناس عن الاستضاءة بنور الوحي, فيجد المسلم نفسه في مواقف كثيرة محرجاً, تتجاذبه جهتان متناقضتان: جهة الدين الذي يحرم عليه كذا وجهة الدنيا التي تقعسه عن هذا الواجب.
بل إن التزاحم بين المصالح والمفاسد قد يكون داخل الجهة الواحدة بأن تتزاحم مصلحة دينية مع مفسدة دينية أو مصلحة دنيوية مع مفسدة دنيوية, إلا أن تزاحم ما هو دنيوي مع ما هو أخروي هو الذي يقلق الناس المتدينين كثيراً لخوفهم من ارتكاب المحظور الشرعي, لذا فإن امتلاك موازين الترجيح في المواقف التي يتزاحم فيها الصلاح بالفساد أمر مهم بالنسبة للمسلم وخاصة الدعاة, وإلا بقي دائماً محتاراً لا يدري ماذا يقدم وماذا يؤخر.
وهذه الموازين هي نفسها موازين الترجيح بين المصالح المتفاوتة أو بين المفاسد المتفاوتة.
ومن الأمثلة التطبيقية لهذا الضابط:
1- أن إذا كانت كفة المصلحين مرجوحة فلا ينبغي الخروج على أئمة الجور, لأن البقاء تحت ظل حكم جائر يخل بمصالح حاجية, بينما الخروج عليه يفوت مصالح ضرورية, إذ سيؤدي إلى إتلاف نفوس الثائرين, لذا يحسن بالفئات المصلحة في الأمة أن تهتم بالدعوة كما حصل لبعض الفرق الإسلامية التي خرجت على أئمة الجور فتسببت بخروجها في أضعاف أضعاف ماكانوا عليه من الجور, والأمة في بقايا تلك الشرور إلى الآن(35).
2- ومن الأمثلة التطبيقية أيضاً في وسائل الدعوة ما سبق من مثال: المشاركة في بعض وسائل الإعلام المتضمنة لكثير من المفاسد, فمما ينبغي دراسة الأمر في واقع المصالح المرجوة والمفاسد المترتبة عليها, وأي جهة غلبت يعمل به.
3- ومن الأمثلة أيضاً: بعض المشاريع المشتركة مع غير المسلمين مثل المشاريع الإغاثية فهذه أيضاً خاضعة لجرد المصالح والمفاسد الآتية والمستقبلية, وقد لا تأخذ حكمًا مطردًا لكن ينبغي التأكيد على توضيح المصالح والمفاسد بوضوح ليبنى الحكم بناءً سليماً, ويتخذا الموقف السليم.
* الضابط الرابع: جهة المفسدة أولى بالدرء عند تساوي المصالح مع المفاسد.
إذا تساوت المصالح مع المفاسد, فإن تمكنا من تحصيل المصلحة ودرء المفسدة في آن واحد فحسن, وإن لم نتمكن من الجمع بين التحصيل والدرء, قدمنا دفع المفسدة على جلب المصلحة ولو نجم عن ذلك حرمان من منافع عملا بقاعدة: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)(36).
ومن الأمثلة التي ذكرها العلماء لهذه القاعدة:
أ‌- دفع الموت عن النفس بموت الغير, كأن يهدد شخص بالقتل إن لم يقتل غيره, فهنا تساوت مصلحة الحفاظ على النفس مع مفسدة إزهاق نفس الغير, لكن بما أن القتل مجمع على تحريمه, والصبر مطلوب في حق من أكره على على ذلك, فإن درء قتل الغير مقدم على درء قتل النفس(37).
ب‌- إذا كان تصرف الجار في ملكه يؤدي إلى إيذاء جيرانه كاتخاذ فرن يؤذيهم بدخانه أو معصرة يؤذيهم برائحتها أو مطحنة تؤذي بضجيجها, منع من ذلك, لأن في هذه الأعمال مصالح حاجية لنفسه, ولكنها تؤدي إلى مفاسد مخلة بحاجات جاره, والمفاسد إذا تزاحمت مع المصالح وكانت في درجة واحدة درئت المفاسد.
ومن الأمثلة على تطبيق هذه القاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح, في الدعوة ووسائلها:
1- عند وجود ابن أو تلميذ أو أي مدعو متساهل في بعض الأحكام الشرعية وعند أمره أو نهيه سيتعدى أذاه إلى الآخرين, فهنا تترك مصلحة دعوته وأمره لأنها ستؤدي إلى مفسدة عظمى وهي التعدي على الآخرين, فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
2- عند استخدام وسائل متأرجحة بين الحل والحرمة من المستجدات للدعوة, مثل بعض الأناشيد التي لا تختلف على الأغاني المحرمة إلا بأشياء يسيرة, لكن عند استخدامها ستؤدي إلى مفاسد منها: فتنة المشاهدات, أو المستمعات, والتساهل في الوصول إلى الأغاني المحرمة, فلا شك أن المصلحة المدعاة هنا باستخدامها تترك بسبب المفاسد المترتبة عليها فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
* * *
وبناء على ما سبق فعلى الدعاة إلى الله تعالى التحلي بهذا الفقه العظيم فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد لأن ذلك يجعل الداعية يحصل في دعوته مصالح عظيمة, ويدفع مفاسد كثيرة.
وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية, والمفسدة الشرعية, فقد يدع واجبات, ويفعل محرمات, ويرى ذلك من الورع, كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة ويرى ذلك ورعاً, ويدع الجمعة والجماعة خلف الأئمة الذين فيهم بدعة أو فجور, ويرى ذلك من الورع(38).
* النتائج المترتبة على الإخلال بهذه القاعدة.
إن غياب فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد عند بعض الدعاة طلبة العلم, جعلهم يفعلون أموراً فيجلبون بها مفاسد, ويفوتون مصالح, وهو يظنون أنهم يحسنون صنعا.
فكم من مصلحة فاتت, أو مفسدة أحدثت باسم الدعوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, أو باسم الإنكار على أهل البدع.
فانظر إلى الذين كانوا يقتلون ويؤذون المسلمين والمسلمات والمعاهدين باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الجهاد –كما زعموا- فكم سببوا من مفاسد, وكم فوتوا من مصالح, وحسبك من مفسدة كبرى وهي الصد عن الإسلام والمسلمين, وحسبك من تفويت مصلحة كبرى, وهي عدم تقدم الدعوة إلى الله(39).
وبناء على ذلك يمكن ذكر بعض النتائج السلبية المترتبة على الإخلال بهذه القاعدة:
1- تفويت مصالح عظمى ومن أعظمها عدم وصول الإسلام الحق إلى الناس.
2- حصول مفاسد كبرى من القتل والاعتداء على الأعراض والأموال وهذا ظاهر بوضوح لمن تأمل في أساليب من ينتهج التغيير بالقوة.
3- تمييع الدين والتساهل فيه وتتبع الرخص وهذا ظاهر فيمن غلب المصالح الجزئية على ماهو أكبر, ولم يتحمل مخالفة الناس عند رؤيته لغلبة الفسق وأصحابه.
4- عدم الوصول إلى النتائج الإيجابية المثمرة المرجوة لاختلاط المفاهيم وتضارب الأعمال, وتناقض المناهج, وذلك لغلبة النظرة الأولية في تقدير المصالح والمفاسد.
5- اختلال المفاهيم الشرعية لأن النظرة لم تكن مبنية على الفهم السليم للنصوص الشرعية والقواعد العلمية.
6- وضع الأدلة الشرعية في غير موضعها الصحيح ولي أعناقها, وإغفال بعضها وبخاصة مالم يوافق ما يريده المستدل, وهذا ظاهر عن تأمل في بعض المناهج الدعوية عند اتخاذ موقف أو نازلة من النوازل والدارس للمواقف حول الأحداث الأخيرة في البلاد الإسلامية يدرك هذا بوضوح.
7- تأخر الدعوة – بمفاهيمها الشمولية وأفرادها- ورجوعها إلى الوراء نتيجة قيامها على عدم التوازن في المصلحة والمفسدة.
8 – خروج قيادات دعوية، ومفتين غير مؤهلين وذلك لعدم فقههم التطبيقي لهذه القاعدة فيضلون ويضلون.
* * *
وأخيراً: أقول: إن من أعظم ما تحتاجه الدعوة في هذا الوقت ومن أعظم ما يحتاجه الدعاة دراسة هذه القاعدة بتأمل وتدبر, وبفهم وتطبيق, وأن يعمل لذلك البرامج والدورات النظرية والتطبيقية, وإذا كان علماؤنا وأسلافنا بذلوا جهوداً جباره في إبراز هذه القاعدة وتطبيقها في الأحكام, فعلى علماء هذا العصر ودعاته أن يستفيدوا من ذلك الجهد بالتطبيق في الواقع الدعوي كي تسير السفينة إلى ساحل النجاة.
لا أزعم أن هذه الصفحات كافية وإنما هي بيان للأهمية.
وقد ذُهلت عندما قرأت بعض الرسائل والمقالات التي أدت ببعض المنتهجين للتغيير بالقوة إلى إلغاء هذه القاعدة, بل والتقليل من شأنها, فتساءلت ماذا يريد هؤلاء وأمثالهم؟؟!.
والذهول نفسه أو قريب منه لمن يغلب المصالح الجزئية أو الفردية أو لا يزيد عمله ودعوته وفق المصالح والمفاسد الشرعية فانتهجوا منهج التساهل غير المنضبط فأدّى بهم إلى تغيير كثير من الأحكام بل إلى السخرية من بعضها كمن يرى أن بعض الأحكام الشرعية كالاهتمام بأمر اللباس أو اللحية أو حجاب المرأة أو التساهل في التشبه بالكفار قشور لا يجب النظر إليها.
ويبقى كلمة أخيرة وهي إجابة على سؤال مهم، وهو سؤال تطبيقي وهذا السؤال يقول: مَنْ الذي يقدر المصالح والمفاسد، أو غلبة أحدهما على الآخر؟ والجواب هم أهل الفقه والنظر والعلم والدراية والخبرة بعد الاستعانة بأهل الاختصاص إذا كانت القضية أو المسألة تحتاج إلى مختصين.
وبناء على هذا فليس لكل من سلك طريق الدعوة مؤهل لهذا النظر، ولا سيما في الحوادث الكبرى، والنوازل العظمى التي تعم الأمة بأكملها. كما حدث في الحوادث الكبرى في هذا الزمن وأحدثت تأثيرًا عظيمًا تباينت فيه الآراء واستعجل مستعجلون حسبوا أنهم على فقه ودراية، ولمزوا غيرهم، وتعالت أصواتهم وأثرت على الناس، وما أن يذهب وقت وإلا ويستبين لهم قبل غيرهم أن نظر أهل العلم كان هو الحق والصواب، وما أوتوا هم إلا من قبل استعجالهم وقلة نظرهم وضعف تقديرهم للمصالح والمفاسد.
من كتاب: قواعد منهجية في الدعوة إلى الله


* * *
(1) إعلام الموقعين: (3/3).
(2) الموافقات: (2/37-40).
(3) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: (20/48).
(4) فقه الأولويات: ص 197,198.
(5) سورة التوبة: 19.
(6) أخرجه مسلم, كتاب الإمارة, باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى, رقم (4871).
(7) صحيح مسلم, كتاب الإمارة, باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل, رقم: (4938).
(8) قواعد الأحكام: (1/7).
(9) إعلام الموقعين: (3/279).
(10) قواعد الأحكام: (1/60).
(11) أصول الفقه: ص30.
(12) إعلام الموقعين: (3/191).
(13) إعلام الموقعين: (3/9).
(14) انظر: قواعد الأحكام: (1/7).
(15) سورة البقرة: (227).
(16) سورة الكهف: (79 - 82).
(17) صحيح مسلم, كتاب الإمارة, باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع, رقم (1854).
(18) إعلام الموقعين: (3/6-7) بتصرف.
(19) أخرجه البخاري, كتاب الوضوء, باب صب الماء على البول في المسجد, رقم (220).
(20) شرح النووي على صحيح مسلم: (3/190).
(21) مجلة الأحكام العدلية, مادة (25).
(22) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 83
(23) فقه الأولويات ص214.
(24) مجموع الفتاوى (20/57).
(25) إعلام الموقعين (3/7).
(26) الفتاوى الكبرى (1/265).
(27) الرياض الناضرة والحدائق النيرة ص230.
(28) سورة البقرة 219.
(29) انظر: تفسير ابن كثير (1/373).
(30) أخرجه البخاري, كتاب العلم, باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في اشد منه (126).
(31) إعلام الموقعين (3/6-7).
(32) الاستقامة (2/216).
(33) قواعد الأحكام (1/4).
(34) الموافقات (2/26).
(35) فقه الأولويات ص227, إعلام الموقعين (3/59).
(36) انظر: الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/105) وللسيوطي ص97, ولابن نجيم ص 90.
(37) قواعد الأحكام (1/79-83).
(38) مجموع الفتاوى (10/512), (30/193).
(39) انظر: منهج الدعوة في ضوء الواقع المعاصر ص37.

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:16 AM

للإمام ابن القيّم رحمه الله

من كتاب: مدارج السالكين بن منازل إياك نعبد وإياك نستعين ص 368

تدبر القرآن وتعقله هو المقصود بإنزاله، لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر؛ قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص : 29] ، وقال تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد : 24] ، وقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ﴾ [المؤمنون : 68] ، وقال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الزخرف : 3]
وقال الحسن : نزل القرآن ليُتدبر ويُعمل به، فاتخذوا تلاوته عملا.

فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته: من تدبر القرآن وإطالة التأمل، وجمع منه الفكر على معاني آياته؛ فإنها تُطلع العبد على:
معالم الخير والشر بحذافيرهما، وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما.
وتَتُلَّ في يده مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة.
وتثبِّت قواعد الإيمان في قلبه، وتشيد بنيانه وتوطد أركانه.
وتريه صورة الدنيا والآخرة والجنة والنار في قلبه.
وتُحْضِره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم.
وتبصره مواقع العبر.
وتُشهده عدل الله وفوتعرفه ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه. وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه.
وقواطع الطريق وآفاتها.
وتعرفه النفس وصفاتها.
ومفسدات الأعمال ومصححاتها.
وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار، وأعمالهم، وأحوالهم، وسيماهم.
ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة.
وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه، وافتراقهم فيما يفترقون فيه.
وبالجملة :
1- تعرفه الرب المدعو إليه
2- وطريق الوصول إليه
3- وما له من الكرامة إذا قدم عليه
وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى :

1- ما يدعو إليه الشيطان
2- والطريق الموصلة إليه
3- وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه
فهذه ستة أمور ضرورية للعبد معرفتها ومشاهدتها ومطالعتها.

فتشهده الآخرة حتى كأنه فيها.
وتغيبه عن الدنيا حتى كأنه ليس فيها.
وتُمَيِّز له بين الحق والباطل في كل ما اختلف فيه العالم، فتريه الحق حقا، والباطل باطلا.
وتعطيه فرقاناً ونوراً يفرق به بين الهدى والضلال والغي والرشاد.
وتعطيه قوةً في قلبه، وحياة وسعة وانشراحا وبهجة وسروراً، فيصير في شأن والناس في شأن آخر.
فإن معاني القرآن دائرة على :
التوحيد وبراهينه.
والعلم بالله وماله من أوصاف الكمال، وما ينزه عنه من سمات النقص.
وعلى الإيمان بالرسل، وذكر براهين صدقهم، وأدلة صحة نبوتهم، والتعريف بحقوقهم وحقوق مرسلهم.
وعلى الإيمان بملائكته، وهم رسله في خلقه وأمره، وتدبيرهم الأمور بإذنه ومشيئته، وما جُعلوا عليه من أمر العالم العلوي والسفلي.
وما يختص بالنوع الإنساني منهم من حين يستقر في رحم أمه إلى يوم يوافي ربه ويقدم عليه.
وعلى الإيمان باليوم الآخر، وما أعد الله فيه لأوليائه من دار النعيم المطلق التي لا يشعرون فيها بألم ولا نكد ولا تنغيص.
وما أعد لأعدائه من دار العقاب الوبيل التي لا يخالطها سرور ولا رخاء ولا راحة ولا فرح وتفاصيل ذلك أتم تفصيل وأبينه.
وعلى تفاصيل الأمر والنهي، والشرع والقدر، والحلال والحرام، والمواعظ والعبر، والقصص والأمثال، والأسباب والحكم والمبادىء والغايات في خلقه وأمره.
فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل.
وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل.
وتحثه على التضمر والتخفف للقاء اليوم الثقيل.
وتهديه في ظلم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل .
وتصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل .
وتبعثه على الازدياد من النعم بشكر ربه الجليل .
وتبصره بحدود الحلال والحرام وتوقفه عليها لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل .
وتثبت قلبه عن الزيغ والميل عن الحق والتحويل .
وتسهل عليه الأمور الصعاب والعقبات الشاقة غاية التسهيل .
وتناديه كلما فترت عزماته وونى في سيره : تقدم الركب، وفاتك الدليل، فاللحاق اللحاق، والرحيل الرحيل .
وتحدو به وتسير أمامه سير الدليل .
وكلما خرج عليه كمين من كمائن العدو أو قاطع من قطاع الطريق نادته: الحذر الحذر ! فاعتصم بالله واستعن به وقل: حسبي الله ونعم الوكيل .
وفي تأمل القرآن وتدبره وتفهمه : أضعاف أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد.

وبالجملة : فهو أعظم الكنوز، طلسمه الغوص بالفكر إلى قرار معانيه :

نزه فؤادك عن سوى روضاته .... فرياضـه حـل لكـل مـنزه
والفهم طلسم لكنز علومـه .... فاقصد إلى الطلسم تحظ بكـنزه
لا تخش من بدع لهم وحوادث .... ما دمت في كنف الكتاب وحرزه
من كان حارسه الكتاب ودرعه .... لم يخش من طعن العدو ووخزه
لا تخش من شبهاتهم واحمل إذا .... ما قـابلتك بنصـره وبعـزه
والله ما هاب امـرؤ شبهاتهم .... إلا لضعف القلب منه وعجزه
يا ويح تيس ظالـع يبغي مسا .... بقة الهزبر بعـدوه وبجمـزه
ودخان زبل يرتقى للشمس يس .... تر عينها لمـا سـرى في أزه
وجبان قلب أعزل قد رام يأس .... ر فارساً شاكى السلاح بهزه



منقول

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:17 AM

قال الإمام ابن القيم رحمه الله
- في النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتوُّ عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغيُ قارون، وقحّة هامان (أي لؤم)، وهوى بلعام (عرّاف أرسله ملك ليلعن بني إسرائيل فبارك ولم يلعن)، وحِيَلُ أصحاب السبت، وتمرُّد الوليد، وجهل أبي جهل.

وفيها من أخلاق البهائم حرص الغراب، وشَرَهُ الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضبِّ، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصَولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفَّة الفراش، ونوم الضَّبع[1].
[1] الفوائد لابن القيم.

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:19 AM

قال شيخ الإسلام بن تيمية ...رحمه الله
"المؤمن الكامل يُحب من كل وجه والكافر يُبغض من كل وجه وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر ،وفجور وطاعة،ومعصية وسنة وبدعة:استحق من الموالاة والثواب بقدر مافيه من الخير،واستحق من المعادات والعقاب بحسب ما فيه من الشر ،فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة،فيجتمع له من هذا وهذا ،كاللص الفقير تقطع يده لسرقته،ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته.
28/209

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:19 AM

قال بن القيم


محبوب اليوم يعقبه المكروه غدا,
ومكروه اليوم يعقبه المحبوب غدا.

كيف يكون عاقلا من باع الجنّة بما فيها
بشهوة ساعة

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:21 AM

قال الإمام ابن القيم

( معنى قوله تعالى " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" )
قال تعالى : ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)- العنكبوت 69- علق سبحانه الهداية بالجهاد ، فأكملُ الناس هدايةً أعظمهم جهاداً ، وأفرض الجهاد جهاد النفس وجهاد الهوى وجهاد الشيطان وجهاد الدنيا ، فمن جاهد هذه الأربعة في الله هداه الله سبل رضاه الموصلة إلى حنته ، ومن ترك الجهاد فاته من الهدى بحسب ماعطل من الجهاد. قال الجنيد : " والذين جاهدوا أهواءهم فينا بالتوبة لتهدينهم سبل الإخلاص ، ولايتمكن من جهاد عدوه في الظاهر إلا من جاهد هذه الأعداء باطناً ، فمن نصر عليها نصره على عدوه ، ومن نصرت عليه نصر عليه عدوه".

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:23 AM

نقل ابن القيم فى كتابه عدة الصابرين
قال

وقال وهب ابن منبه لا يكون الرجل فقيها ً كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة ويعد الرخاء مصيبة
وذالك أن صاحب البلاء ينتظر الرخاء وصاحب الرخاء ينتظر البلاء
.


أبو بلال المصرى 01-01-19 02:23 AM

قال بعض السلف: "من كان لله كما يريد، كان الله له فوق ما يريد، ومن أقبل عليه تلقاه من بعيد". طريق الهجرتين لابن القيم (ص 48)

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:24 AM

هل هناك بدعة حسنة ؟ لشيخ الإسلام ابن تيمية
قال شيخ الإسلام ((ومن قال فى بعض البدع أنها حسنة فإنما ذالك إذا قام دليل على أنها مستحبة فأما ما ليس بمستحب ولا واجب فلا يقول أحد من المسلمين أنها من الحسنات التى يتقرب بها إلى الله ))انتهى
تأمل كيف ينقل الإجماع
يقول هذا لعموم قول النبى صلى الله عليه وسلم ((كل بدعة ضلالة))
وقال فى موضع أخر (( المواظبة على عبادة لم يواظب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة بالإتفاق))
وقد ثبت عن ابن عمر رضى الله عنه قوله(( كل بدعة ضلالة ولو رآها الناس حسنة))

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:24 AM

كلمات تكتب بالألماس لابن القيم
( كيف يشكر الله العظيم لك عملك يا عبد يا ذليل)
ما أرحمه بنا رغم تقصيرنا وضعف حالنا
ما أرحمه
قال فى كتابه الرائع عدة الصابرين
وقد تقدم فى الباب العشرين ذكر حقيقة شكر العبد وأسبابه ووجوهه وأما شكر الرب تعالى فله شأن آخر كشأن صبره فهو أولى بصفة الشكر من كل شكور بل هو الشكور على الحقيقة فإنه يعطى

العبد ويوفقه لما يشكره عليه ويشكر القليل من العمل والعطاء فلا يستقله أن يشكره ويشكر الحسنة بعشر أمثالها الى أضعاف مضاعفة ويشكر عبده بقوله بأن يثنى عليه بين ملائكته وفى ملئه الأعلى ويلقى له الشكر بين عباده ويشكره بفعله فإذا ترك له شيئا أعطاه أفضل منه وإذا بذل له شيئا رده عليه أضعافا مضاعفة

وهو الذى وفقه للترك والبذل وشكره على هذا وذاك.

ولما عقر نبيه سليمان الخيل غضبا له اذ شغلته عن ذكره فاراد ألا تشغله مرة أخرى أعاضه عنها متن الريح ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها فى مرضاته أعاضهم عنها أن ملكهم الدنيا وفتحها عليهم.


ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن شكر له ذلك بأن مكن له فى الارض يتبوأ منها حيث يشاء

ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزقها أعداؤه شكر لهم ذلك بأن أعاضهم منها طيرا خضرا أقر أرواحهم فيها ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها الى يوم البعث فيردها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه

ولما بذل رسله أعراضهم فيه لأعدائهم فنالوا منهم وسبوهم أعاضهم من ذلك بأن صلى عليهم هو وملائكته وجعل لهم أطيب الثناء فى سمواته وبين خلقه فأخلصهم بخالصة ذكرى الدار
ومن شكره سبحانه أنه يجازى عدوه بما يفعله من الخير والمعروف فى الدنيا ويخفف به عنه يوم القيامة فلا يضيع عليه ما يعمله من الاحسان وهو من أبغض خلقه اليه

ومن شكره أنه غفر للمرأة البغى بسقيها كلبا كان قد جهده العطش حتى أكل الثرى

وغفر لآخر بتنحيته غصن شوك عن طريق المسلمين فهو سبحانه يشكر العبد على احسانه لنفسه والمخلوق انما يشكر من أحسن اليه

وأبلغ من ذلك أنه سبحانه هو الذى أعطى العبد ما يحسن به الى نفسه وشكره على قليله بالاضعاف المضاعفة التى لا نسبة لإحسان العبد اليها فهو المحسن بإعطاء الاحسان وإعطاء الشكر فمن أحق باسم الشكور منه سبحانه
وتأمل قوله سبحانه (ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما )كيف تجد فى ضمن هذا الخطاب أن شكره تعالى يأبى تعذيب عباده سدى بغير جرم كما يأبى اضاعة سعيهم باطلا فالشكور لا يضبع أجر محسن ولا يعذب غير مسئ وفى هذا رد لقول من زعم أنه سبحانه يكلفه مالا يطيقه ثم يعذبه على مالا يدخل تحت قدرته تعالى الله عن هذا الظن الكاذب والحسبان الباطل علوا كبيرا فشكره سبحانه اقتضى أن لا يعذب المؤمن الشكور ولا يضيع عمله وذلك من لوازم هذه الصفة فهو منزه عن خلاف ذلك كما ينزه عن سائر العيوب والنقائص التى تنافى كماله وغناه وحمده
ومن شكر سبحانه أنه يخرج العبد من النار بأدنى مثقال ذرة من خير ولا يضيع عليه هذا القدر

ومن شكره سبحانه أن العبد من عباده يقوم له مقاما يرضيه بين الناس فيشكره له وينوه بذكره ويخبر به ملائكته وعباده المؤمنين كما شكر لمؤمن آل فرعون ذلك المقام وأثنى به عليه ونوه بذكره بين عباده وكذلك شكره لصاحب يس مقامه ودعوته اليه فلا يهلك عليه بين شكره ومغفرته الا هالك فإنه سبحانه غفور شكور يغفر الكثير من الزلل ويشكر القليل من العمل
ولما كان سبحانه هو الشكور على الحقيقة كان أحب خلقه اليه من اتصف بصفة الشكر كما أن أبغض خلقه اليه من عطلها واتصف بضدها وهذا شأن اسمائه الحسنى أحب خلقه اليه من اتصف بموجبها وأبغضهم اليه من اتصف باضدادها ولهذا يبغض الكفور الظالم والجاهل والقاسي القلب والبخيل والجبان والمهين واللئيم وهو سبحانه جميل يحب الجمال عليم يحب العلماء رحيم يحب الراحمين محسن يحب المحسنين شكور يحب الشاكرين صبور يحب الصابرين جواد يحب أهل الجود ستار يحب أهل الستر قادر يلوم على العجز والمؤمن القوى أحب اليه من المؤمن الضعيف عفو يحب العفو وتر يحب الوتر وكل ما يحبه فهو من آثار اسمائه وصفاته وموجبها وكل ما يبغضه فهو مما يضادها وينافيها . انتهى
يا له من إمام رحمه الله

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:25 AM

قال شيخ الإسلام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى مجلد 14
فلولا أن فى نفوس الناس من جنس ما كان فى نفوس المكذبين للرسل فرعون ومن قبله _ لم يكن بنا حاجة إلى الإعتبار بمن لا نشببه قط... إلى أن قال قال بعض العارفين ( ما من نفس إلا وفيها ما فى نفس فرعون ؛ غير أن فرعون قدر فأظهر وغيره عجز فأضمر) فالنفس مشحونة بحب العلو والرياسة
قال قبلها
ولهذا كان أنفع الدعاء وأعظمه وأحكمه دعاء الفاتحة (اهدنا الصراط المستقيم)


أبو بلال المصرى 01-01-19 02:26 AM

قال ابن القيم رحمه الله
ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلاح فى الارض فسببه توحيد الله وعبادته وطاعته وكل شر فى العالم وفتنة وبلاء وقحط وتسليط عدو وغير ذالك فسببه مخالفة رسول الله والدعوة إلى غير الله ورسوله
ومن تدبر هذا حق التدبر وتأمل أحوال العالم منذ قام إلى الآن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وجد هذا الأمر فى خاصة نفسه وفى حق غيره عموماً وخصوصاً

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:27 AM

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
وقال رحمه الله : " لا ينال الهدى إلا بالعلم ، ولا ينال الرشاد إلا بالصبر "
مجموع الفتاوى 10 / 40 ، ورسالة أمراض القلوب ص 55 .
وقال رحمه الله : " أسعد الخلق وأعظمهم يقيناً وأعلاهم درجةً أعظمهم إتباعاً وموافقة له علماً وعملاً ".
مجموع الفتاوى 4 / 26 .

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:28 AM

وقال رحمه الله : "وكلما كان الرجل أتبع لمحمد صلى الله عليه وسلم كان أعظم توحيداً لله وإخلاصاً له في الدين و إذا بعد عن متابعته نقص من دينه بحسب ذلك فإذا أكثر بعده عنه ظهر فيه من الشرك والبدع ما لا يظهر فيمن هو أقرب منه إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم " .
مجموع الفتاوى 17 / 498 .
وقال رحمه الله : " اللذة والفرحة والسرور وطيب الوقت والنعيم الذي لا يمكن التعبير عنه ، إنما هو في معرفة الله سبحانه وتعالى وتوحيده والإيمان به "
مجموع الفتاوى
28 /

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:28 AM

يقول ابن القيم http://www.dd-sunnah.net/forum/images/smilies/frown.gif( القلب مثل الطائر ...كلما علا بعد عن الآفات ،،وكلما نزل احتوته الآفات )) .

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:29 AM

وقال شيخ الإسلام رحمه الله : " فالنفوس أحوج إلى معرفة ما جاء به صلى الله عليه وسلم واتباعه منها إلى الطعام والشراب فإن هذا إذا فات حصل الموت في الدنيا وذاك إذا فات حصل العذاب "
مجموع الفتاوى 1/ 5 .

أبو بلال المصرى 01-01-19 02:29 AM

وقال شيخ الإسلام رحمه الله : " القلوب مفطورة على الإقرار بالله تصديقاً به وديناً له لكن يعرض لها ما يفسدها ومعرفة الحق تقتضي محبته ومعرفة الباطل تقتضي بغضه لما في الفطرة من حب الحق وبغض الباطل لكن قد يعرض لها ما يفسدها إما من الشبهات التي تصدها عن التصديق بالحق وإما من الشهوات التي تصدها عن اتباعه " .
مجموع الفتاوى 7 / 528 .

أبو روميساء 01-01-19 03:03 PM

جزاكم الله خيرا

أبو بلال المصرى 02-02-19 12:59 PM

قال فى الجواب الكافى
الدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه ، وحصول المطلوب ، ولكن قد يتخلف عنه أثره ، إما لضعفه في نفسه ؛ بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان ، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً ، وإما لحصول المانع من الإجابة من أكل الحرام ورين الذنوب


أبو بلال المصرى 08-03-19 02:16 AM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو روميساء (المشاركة 258217)
جزاكم الله خيرا

جزاكم الله كل خير أبا روميساء

أبو بلال المصرى 08-03-19 02:17 AM

قال ابن القيم
فيك عقل الملك وشهوة البهيمة وهوى الشيطان وأنت للغالب عليك من الثلاثة إن غلبت شهوتك وهواك زدت عن مرتبة ملك وإن غلبك هواك وشهوتك نقصت عن مرتبة كلب

أبو بلال المصرى 08-03-19 02:17 AM

قال العلامة ابن القيم فى كتابه المذهل عدة الصابرين

فالإنسان من حيث هو عار عن كل خير من العلم النافع، والعمل الصالح، وإنما الله سبحانه هو الذي يكمله بذلك، ويعطيه إياه، وليس له ذلك من نفسه، بل ليس له من نفسه إلا الجهل المضاد للعلم، والظلم المضاد للعدل، وكل علم، وعدل، وخير فيه فمن ربه، لا من نفسه، فإلهاء التكاثر طبيعته، وسجيته التي هي له من نفسه، ولا خروج له عن ذلك إلا بتزكية الله له، وجعله مريدًا للآخرة، مؤثرًا لها على التكاثر بالدنيا، فإن أعطاه ذلك، وإلا فهو مُلْتَهٍ بالتكاثر في الدنيا ولا بد.


أبو بلال المصرى 08-03-19 02:18 AM

قال ابن القيم رحمه الله
عن عشق الذُكور لبعضهم: وهذا داء أعيا الأطباء دواؤه، وعزّ عليهم شفاؤه، وهو والله الداء العُضال، والسم القتال، الذي ما علق بقلب إلا وعز على الورى خلاصه من إساره، ولا اشتعلت ناره في مهجة إلا وصعب على الخلق تخليصها من ناره.

أبو بلال المصرى 08-03-19 02:19 AM

قال العلامةابن القيم فى كتابه الفوائد
فهذه السورة من أكبر أدوية المحسود فإنها تتضمن التوكل على الله والإلتجاء إليه

والإستعاذة به من شر حاسد النعمة فهو مستعيذ بولي النعم وموليها كأنه يقول يا من أولاني نعمته وأسداها إلي أنا عائذ بك من شر من يريد أن يستلبها مني ويزيلها عني وهو حسب من توكل عليه وكافي من لجأ إليه وهو الذي يؤمن خوف الخائف ويجبر المستجير وهو نعم المولى ونعم النصير فمن تولاه واستنصر به وتوكل عليه وانقطع بكليته إليه تولاه وحفظه وحرسه وصانه ومن خافه واتقاه آمنه مما يخاف ويحذر وجلب إليه كل ما يحتاج إليه من المنافع ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه الطلاق 2 3 فلا تستبطيء نصره ورزقه وعافيته فإن الله تعالى بالغ أمره وقد جعل الله لكل شيء قدرا لا يتقدم عنه ولا يتأخر ومن لم يخفه أخافه من كل شيء وما خاف أحدا غير الله إلا لنقص خوفه من الله قال تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون النحل 98 100 وقال إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين آل عمران 175 أي يخوفكم بأوليائه ويعظمهم في صدوركم فلا تخافوهم وأفردوني بالمخافة أكفكم إياهم فصل كيف يندفع شر الحاسد عن المحسود
والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم وهو من أقوى الأسباب في ذلك فإن الله حسبه أي


كافية ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه ولا يضره إلا أذى لا بد منه كالحر والبرد والجوع والعطش وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدا وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء له وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه وبين الضرر الذي يتشفى به منه قال بعض السلف جعل الله تعالى لكل عمل جزاء من جنسه وجعل جزاء التوكل عليه نفس كفايته لعبده فقال ومن يتوكل على الله فهو حسبه ولم يقل نؤته كذا وكذا من الأجر كما قال في الأعمال بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل عليه وحسبه وواقيه فلو توكل العبد على الله تعالى حق توكله وكادته السموات والأرض ومن فيهن لجعل له مخرجا من ذلك وكفاه ونصره
وقد ذكرنا حقيقة التوكل وفوائده وعظم منفعته وشدة حاجة العبد إليه في كتاب الفتح القدسي وذكرنا هناك فساد من جعله من المقامات المعلولة أنه من مقامات العوام وأبطلنا قوله من وجوه كثيرة وبينا أنه من أجل مقامات العارفين وأنه كلما علا مقام العبد كانت حاجاته إلى التوكل أعظم وأشد وأنه على قدر إيمان العبد يكون توكله وإنما المقصود هنا ذكر الأسباب التي يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر والباغي

أبو بلال المصرى 08-03-19 02:20 AM

قال شيخ الإسلام ابن تيمية فى مجموع الفتاوى مجلد 14 [ ص: 479 ] قال شيخ الإسلام رحمه الله فصل قوله تعالى { علوا كبيرا } { عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } لا يقتضي ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا نهيا ولا إذنا كما في الحديث المشهور في السنن عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه خطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه }

. وكذلك في حديث أبي ثعلبة الخشني مرفوعا في تأويلها { إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخويصة نفسك } وهذا يفسره حديث أبي سعيد في مسلم : { من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان } فإذا قوي أهل الفجور حتى لا يبقى لهم إصغاء إلى [ ص: 480 ] البر ; بل يؤذون الناهي لغلبة الشح والهوى والعجب سقط التغيير باللسان في هذه الحال وبقي بالقلب و " الشح " هو شدة الحرص التي توجب البخل والظلم وهو منع الخير وكراهته و " الهوى المتبع " في إرادة الشر ومحبته و " الإعجاب بالرأي " في العقل والعلم فذكر فساد القوى الثلاث التي هي العلم والحب والبغض . كما في الحديث الآخر : { ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه وبإزائها الثلاث المنجيات : خشية الله في السر والعلانية والقصد في الفقر والغنى وكلمة الحق في الغضب والرضا } وهي التي سألها في الحديث الآخر : { اللهم إني أسألك خشيتك في السر والعلانية وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا وأسألك القصد في الفقر والغنى }

. فخشية الله بإزاء اتباع الهوى فإن الخشية تمنع ذلك كما قال : { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى } والقصد في الفقر والغنى بإزاء الشح المطاع وكلمة الحق في الغضب والرضا بإزاء إعجاب المرء بنفسه وما ذكره الصديق ظاهر ; فإن الله قال : { عليكم أنفسكم } أي الزموها وأقبلوا عليها ومن مصالح النفس فعل ما أمرت به من الأمر والنهي . وقال : { لا يضركم من ضل إذا اهتديتم } وإنما يتم الاهتداء إذا أطيع الله وأدي الواجب من الأمر والنهي وغيرهما ; ولكن في الآية فوائد عظيمة .

[ ص: 481 ] " أحدها " ألا يخاف المؤمن من الكفار والمنافقين فإنهم لن يضروه إذا كان مهتديا . " الثاني " ألا يحزن عليهم ولا يجزع عليهم فإن معاصيهم لا تضره إذا اهتدى والحزن على ما لا يضر عبث وهذان المعنيان مذكوران في قوله : { واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون }

. " الثالث " ألا يركن إليهم ولا يمد عينه إلى ما أوتوه من السلطان والمال والشهوات كقوله : {لا تمدن عـينيـــك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم } فنهاه عن الحزن عليهم والرغبة فيما عندهم في آية ونهاه عن الحزن عليهم والرهبة منهم في آية فإن الإنسان قد يتألم عليهم ومنهم إما راغبا وإما راهبا . " الرابع " ألا يعتدي على أهل المعاصي بزيادة على المشروع في بغضهم أو ذمهم أو نهيهم أو هجرهم أو عقوبتهم ; بل يقال لمن اعتدى عليهم عليك نفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت كما قال : { ولا يجرمنكم شنآن قوم } الآية .

وقال : { وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين } وقال : { فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين } فإن كثيرا من الآمرين الناهين قد يعتدي [ ص: 482 ] حدود الله إما بجهل وإما بظلم وهذا باب يجب التثبت فيه وسواء في ذلك الإنكار على الكفار والمنافقين والفاسقين والعاصين .

" الخامس " أن يقوم بالأمر والنهي على الوجه المشروع من العلم والرفق والصبر وحسن القصد وسلوك السبيل القصد فإن ذلك داخل في قوله : { عليكم أنفسكم } وفي قوله : { إذا اهتديتم } . فهذه خمسة أوجه تستفاد من الآية لمن هو مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيها المعنى الآخر . وهو إقبال المرء على مصلحة نفسه علما وعملا وإعراضه عما لا يعنيه كما قال صاحب الشريعة : { من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه } ولا سيما كثرة الفضول فيما ليس بالمرء إليه حاجة من أمر دين غيره ودنياه لا سيما إن كان التكلم لحسد أو رئاسة .

وكذلك العمل فصاحبه إما معتد ظالم وإما سفيه عابث وما أكثر ما يصور الشيطان ذلك بصورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله ويكون من باب الظلم والعدوان . فتأمل الآية في هذه الأمور من أنفع الأشياء للمرء وأنت إذا تأملت ما يقع من الاختلاف بين هذه الأمة علمائها وعبادها وأمرائها [ ص: 483 ] ورؤسائها وجدت أكثره من هذا الضرب الذي هو البغي بتأويل أو بغير تأويل كما بغت الجهمية على المستنة في محنة الصفات والقرآن ; محنة أحمد وغيره وكما بغت الرافضة على المستنة مرات متعددة وكما بغت الناصبة على علي وأهل بيته وكما قد تبغي المشبهة على المنزهة وكما قد يبغي بعض المستنة إما على بعضهم وإما على نوع من المبتدعة بزيادة على ما أمر الله به وهو الإسراف المذكور في قولهم : { ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا }

. وبإزاء هذا العدوان تقصير آخرين فيما أمروا به من الحق أو فيما أمروا به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذه الأمور كلها فما أحسن ما قال بعض السلف : ما أمر الله بأمر إلا اعترض الشيطان فيه بأمرين - لا يبالي بأيهما ظفر - غلو أو تقصير . فالمعين على الإثم والعدوان بإزائه تارك الإعانة على البر والتقوى وفاعل المأمور به وزيادة منهي عنها بإزائه تارك المنهي عنه وبعض المأمور به والله يهدينا الصراط المستقيم ولا حول ولا قوة إلا بالله .

أبو بلال المصرى 08-03-19 02:21 AM

ِحديث تجلى الله تعالى لمؤمنين فى عرصات القيامة
قال ابن القيم فى كتابه مدارج السالكين
فتأمل ما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .

وقد سئل عن الورود فقال : ( نجيء نحن يوم القيامة " على تل " فوق الناس قال : فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا تبارك وتعالى بعد ذلك فيقول : من تنتظرون ؟ فيقولون ننتظر ربنا . فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : حتى ننظر إليك ، فيتجلى لهم يضحك ، قال : فينطلق بهم ويتبعونه ويعطى كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نورا ثم يتبعونه وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله تعالى ثم يطفأ نور المنافقين ثم ينجو المؤمنون [ ص: 81 ] فينجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفا لا يحاسبون فى حديث أخر صحيح قال هم الذين لا يسترقون ولا يكتون ولا يتطيرون (يتشائمون) وعلى ربهم يتوكلون، ثم الذين يلونهم كأضواء نجم في السماء ، ثم كذلك ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة فيجعلون بفناء الجنة ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء . وذكر باقي الحديث .
ثم قال
قال تعالى (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) ، ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى . . ) الآية .

[ ص: 83 ] ومن كان مستوحشا مع الله بمعصيته إياه في هذه الدار فوحشته معه في البرزخ يوم المعاد أعظم وأشد ، ومن قرت عينه به في " هذه الحياة " الدنيا قرت عينه به يوم القيامة وعند الموت ويوم البعث فيموت العبد على ما عاش عليه ، ويبعث على ما مات عليه ، ويعود عليه عمله بعينه فينعم به ظاهرا وباطنا . فيورثه من الفرح والسرور واللذة والبهجة " وقرة العين " والنعيم وقوة القلب واستبشاره وحياته وانشراحه واغتباطه ما هو من أفضل النعيم وأجله وأطيبه وألذه ، وهل النعيم إلا طيب النفس وفرح القلب وسروره وانشراحه واستبشاره ، هذا وينشأ له من أعماله ما تشتهيه نفسه وتلذه عينه من سائر المشتهيات التي تشتهيها الأنفس وتلذها الأعين ويكون تنوع تلك المشتهيات وكمالها وبلوغها مرتبة الحسن والموافقة بحسب كمال عمله ومتابعته فيه وإخلاصه وبلوغه مرتبة الإحسان فيه ، وبحسب تنوعه ، فمن تنوعت أعماله المرضية لله المحبوبة له في هذه الدار تنوعت الأقسام التي يتلذذ بها في تلك الدار وتكثرت له بحسب تكثر أعماله هنا وكان مزيده من تنوعها والابتهاج بها والالتذاذ بنيلها هناك على حسب مزيده من الأعمال وتنوعه فيها في هذه الدار وقد جعل الله سبحانه لكل عمل من الأعمال المحبوبة له والمسخوطة أثرا وجزاء ولذة وألما يخصه لا يشبه أثر الآخر وجزاءه . ولهذا تنوعت لذات أهل الجنة وآلام أهل النار ، وتنوع ما فيهما من الطيبات والعقوبات فليست لذة من ضرب في كل مرضاة الله بسهم وأخذ منها بنصيب كلذة من أنمى سهمه ونصيبه في نوع واحد منها ولا ألم من ضرب في كل [ ص: 84 ] مسخوط لله بنصيب وعقوبته كألم من ضرب بسهم واحد في مساخطه .

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن كمال ما يستمتع به من الطيبات في الآخرة بحسب كمال ما قابله من الأعمال في الدنيا ( . . . . فرأى قنوا من حشف معلقا في المسجد للصدقة فقال إن صاحب هذا يأكل الحشف يوم القيامة ] فأخبر أن جزاءه يكون من جنس عمله فيجزى على تلك الصدقة بحشف من جنسها .

وهذا الباب يفتح لك أبوابا عظيمة من فهم المعاد وتفاوت الناس في أحواله وما يجري فيه من الأمور المتنوعة ، فمنها : خفة حمل العبد على ظهره وثقله إذا قام من قبره فإنه بحسب خفة وزره وثقله ، إن خف خف وإن ثقل ثقل .

ومنها : استظلاله بظل العرش أو ضحاؤه للحر والشمس إن كان له من الأعمال الصالحة الخالصة والإيمان ما يظله في هذه الدار من حر الشرك والمعاصي والظلم استظل هناك في ظل أعماله تحت عرش الرحمن . وإن كان ضاحيا هنا للمناهي والمخالفات والبدع والفجور ضحى هناك للحر الشديد .

ومنها : طول وقوفه في الموقف ومشقته عليه وتهوينه " عليه " إن طال وقوفه في الصلاة ليلا ونهارا لله ، وتحمل لأجله المشاق في مرضاته وطاعته خف عليه " الوقوف في ذلك اليوم [ ص: 85 ] وسهل عليه وإن آثر الراحة " هنا والدعة البطالة والنعمة طال عليه الوقوف هناك واشتدت مشقته عليه .

وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله : ( إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ) فمن سبح الله ليلا طويلا لم يكن ذلك اليوم ثقيلا عليه بل كان أخف شيء عليه .

ومنها : أن ثقل ميزانه هناك بحسب تحمله ثقل الحق في هذه الدار لا بحسب مجرد كثرة الأعمال ، وإنما يثقل الميزان باتباع الحق والصبر عليه وبذله إذا سئل ، وأخذه إذا بذل كما قال الصديق في وصيته لعمر : ( واعلم أن لله حقا بالليل لا يقبله بالنهار وله حق بالنهار لا يقبله بالليل ، واعلم أنه إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه باتباعهم الحق وثقل ذلك عليهم في دار الدنيا وحق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا ، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في دار الدنيا خفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفا . . ) .

ومنها : أن ورود الناس الحوض وشربهم منه يوم العطش الأكبر بحسب ورودهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وشربهم منها ، فمن وردها في هذه الدار وشرب منها وتضلع ورد هناك حوضه وشرب منه وتضلع ، فله صلى الله عليه وسلم حوضان عظيمان : حوض في الدنيا وهو سنته وما جاء به ، وحوض في الآخرة ، فالشاربون من هذا الحوض في الدنيا هم الشاربون من حوضه يوم القيامة فشارب ومحروم ومستقل ومستكثر والذين يذودهم هو والملائكة عن حوضه يوم القيامة هم الذين كانوا يذودون أنفسهم وأتباعهم عن سنته ويؤثرون عليها غيرها فمن ظمأ من سنته في هذه الدنيا ولم [ ص: 86 ] يكن له منها شرب فهو في الآخرة أشد ظمأ وأحر كبدا وإن الرجل ليلقى الرجل فيقول : يا فلان أشربت فيقول : نعم والله فيقول : لكني والله ما شربت ، واعطشاه .

فرد أيها الظمآن والورد ممكن فإن لم ترد فاعلم بأنك هالك وإن لم يكن رضوان يسقيك شربة سيسقيكها إذ أنت ظمآن مالك وإن لم ترد في هذه الدار حوضه ستصرف عنه يوم يلقاك آنك ومنها : قسمه الأنوار في الظلمة دون الجسر ، فإن العبد يعطى من النور هناك بحسب قوة نور إيمانه ويقينه وإخلاصه ومتابعته للرسول في دار الدنيا فمنهم : من يكون نوره كالشمس ودون ذلك كالقمر ودونه كأشد كوكب في السماء إضاءة .

ومنهم : من يكون نوره كالسراج في قوته وضعفه وما بين ذلك .

ومنهم : من يعطى نور على إبهام قدمه يضئ مرة ويطفي أخرى بحسب ما كان معه من نور الإيمان في دار الدنيا فهو هذا النور بعينه أبرزه الله لعبده في الآخرة ظاهرا يرى عيانا بالأبصار ، ولا يستضيء به غيره ولا يمشي أحدا إلا في نور نفسه إن كان " له " نور مشى في نوره وإن لم يكن له نور أصلا لم ينفعه نور غيره .

ولما كان المنافق في الدنيا قد حصل له نور ظاهر غير مستمر ولا متصل بباطنه ولا له مادة من الإيمان أعطي في الآخرة نورا ظاهرا لا مادة له ثم يطفأ عنه أحوج ما كان إليه . ومنها : أن مشيهم على الصراط في السرعة والبطء بحسب " سرعة " سيرهم وبطئه على صراط الله المستقيم في الدنيا فأسرعهم سيرا هنا أسرعهم هناك وأبطأهم هنا أبطأهم هناك .

وأشدهم ثباتا على الصراط المستقيم " هنا " أثبتهم هناك ومن خطفته كلاليب الشهوات والشبهات والبدع المضلة هنا خطفته الكلاليب التي كأنها شوك السعدان هناك ويكون [ ص: 87 ] تأثير الكلاليب فيه هناك فيه على حسب الشهوات " والشبهات " والبدع فيه هاهنا فناج مسلم ، ومخدوش مسلم ، ومخزول أي : مقطع بالكلاليب مكردس في النار كما أثرت فيهم تلك الكلاليب في الدنيا ( جزاء وفاقا ) ( وما ربك بظلام للعبيد ) .

والمقصود أن الله تبارك وتعالى ضرب لعباده المثلين المائي والناري في سورة البقرة وفي سورة الرعد ، وفي سورة النور لما تضمن المثلان من الحياة والإضاءة . فالمؤمن حي القلب مستنيره ، والكافر والمنافق ميت القلب مظلمه قال الله تعالى : ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) الآية وقال تعالى ( وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات ) الآية فجعل من اهتدى بهداه واستنار بنوره بصيرا حيا في ظل يقيه من حر الشبهات والضلال والبدع والشرك مستنيرا بنوره والآخر أعمى ميتا في حر الكفر والشرك والضلال منغمسا في الظلمات وقال تعالى : ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ) الآية . وقد اختلف في مفسر الضمير من قوله تعالى : ( ولكن جعلناه نورا ) فقيل : هو الإيمان " لكونه أقرب المذكورين . وقيل : هو الكتاب " فإنه النور الذي هدى به عباده . قال شيخنا : والصواب أنه عائد على الروح المذكور في قوله تعالى : [ ص: 88 ] ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا ) الآية ، أي : جعلنا ذلك الروح نورا نهدي به من نشاء من عبادنا ، فسمى وحيه روحا لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح التي هي الحياة في الحقيقة ومن عدمها فهو ميت لا حي والحياة الأبدية السرمدية في دار النعيم هي ثمرة حياة القلب بهذا الروح الذي أوحى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم فمن لم يحيا به في الدنيا فهو ممن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا وأعظم الناس حياة في الدور الثلاث ، دار الدنيا ، ودار البرزخ ، ودار الجزاء ، أعظمهم نصيبا من هذه الحياة بهذه الروح .

وسماه روحا في غير موضع من القرآن كقوله تعالى : ( رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ) وقال تعالى : ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) .

وسماه نورا لما يحصل به من استنارة القلوب وإضاءتها وكمال الروح بهاتين الصفتين : بالحياة والنور . ولا سبيل إليهما إلا على أيدي الرسل صلوات الله وسلامه عليهم والاهتداء بما بعثوا به وتلقي العلم النافع والعمل الصالح من مشكاتهم وإلا فالروح ميتة مظلمة ، فإن كان العبد مشارا إليه بالزهد والفقه والفضيلة والكلام والبحوث فإن الحياة والاستنارة بالروح الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وجعله نورا يهدي به من يشاء من عباده وراء ذلك كله ، فليس العلم كثرة النقل والبحث والكلام ، ولكن نور يميز به صحيح الأقوال من سقيمها ، وحقها من باطلها ، وما هو من مشكاة النبوة مما هو من آراء الرجال ويميز النقد الذي عليه سكة المدينة النبوية الذي لا يقبل الله عز وجل ثمنا لجنته سواه من النقد الذي عليه " سكة " جنكيزخان [ ص: 89 ] ونوابه من الفلاسفة والجهمية ، والمعتزلة وكل من اتخذ لنفسه سكة وضربا ونقدا يروجه بين العالم فهذه الأثمان كلها زيوف لا يقبل الله سبحانه وتعالى في ثمن جنته شيئا منها بل ترد على عاملها أحوج ما يكون إليها وتكون من الأعمال التي قدم الله تعالى عليها فجعلها هباء منثورا ولصاحبها نصيب وافر من قوله تعالى : ( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) وهذا حال أرباب الأعمال التي كانت لغير الله عز وجل أو على غير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحال أرباب العلوم والأنظار التي لم يتلقوها عن مشكاة النبوة ، ولكن تلقوها عن زبالة أذهان الرجال وكناسة أفكارهم فأتبعوا قواهم وأفكارهم وأذهانهم في تقرير آراء الرجال أو الانتصار لهم ، وفهم ما قالوه وبثه في المجالس والمحاضر ، وأعرضوا عما جاء به الرسول صفحا ، ومن به رمق منهم يعيره أدنى التفات طلبا للفضيلة .

وأما تجريد اتباعه وتحكيمه واستفراغ قوى النفس في طلبه وفهمه وعرض آراء الرجال عليه " ورد ما يخالفه منها وقبول ما وافقه ولا يلتفت إلى شيء من آرائهم وأقوالهم " إلا إذا أشرقت عليها شمس الوحي وشهد لها بالصحة فهذا أمر لا تكاد ترى أحدا منهم يحدث به نفسه فضلا عن أن يكون أخيته ومطلوبه وهذا الذي لا ينجي سواه فوارحمتا لعبد شقي في طلب العلم واستفرغ فيه قواه واستنفذ فيه أوقاته وآثره على ما الناس فيه ، والطريق بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مسدود ، وقلبه عن المرسل سبحانه وتعالى وتوحيده والإنابة إليه والتوكل عليه والتنعم بحبه [ ص: 90 ] والسرور بقربه مطرود ومصدود ، " و " قد طاف عمره كله على أبواب المذاهب فلم يفز إلا بأخس المطالب " سبحان الله " إن هي والله إلا فتنة أعمت القلوب عن مواقع رشدها ، وحيرت العقول عن طرق قصدها ، تربى فيه الصغير ، وهرم عليه الكبير ، فظنت خفافيش الأبصار أنها الغاية التي تسابق إليها المتسابقون ، والنهاية التي تنافس فيها المتنافسون ، وهيهات أين الظلام من الضياء ، وأين الثرى من كوكب الجوزاء ، وأين الحرور من الظلال ، وأين طريقة أصحاب اليمين من طريقة أصحاب الشمال ، وأين القول الذي لم تضمن لنا عصمة قائله بدليل معلوم من النقل المصدق عن القائل المعصوم ، وأين العلم الذي سنده محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عن جبرائيل صلى الله عليه وسلم عن رب العالمين سبحانه وتعالى إلى " الخوض " الخرص الذي سنده شيوخ [ أهل ] الضلال من الجهمية والمعتزلة وفلاسفة المشائين ، بل أين الآراء التي أعلى درجاتها أن تكون عند الضرورة سائغة الاتباع إلى النصوص النبوية الواجب على كل مسلم تحكيمها والتحاكم إليها في موارد النزاع ، وأين الآراء التي نهى قائلها عن تقليده فيها وحذر إلى النصوص التي فرض على كل عبد أن يهتدي بها ويتبصر .

أبو بلال المصرى 08-03-19 02:21 AM

رافعا البلاء عن الأمة


التوبة والإستغفار
محققا النصر والبركة والرزق
لا تتلفت
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مجموع الفتاوى مجلد 15

قَالَ رَحِمَهُ الله‏:‏ فصـل

فى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}‏‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 33‏]‏، والكلام عليها من وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ فى الاستغفار الدافع للعذاب‏.
‏‏
والثاني‏:‏ فى العذاب المدفوع بالاستغفار‏.‏

أما الأول، فإن العذاب إنما يكون على الذنوب، والاستغفار يوجب مغفرة الذنوب التي هي سبب العذاب، فيندفع العذاب، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}‏‏ ‏[‏هود‏:‏1 ـ 3‏]‏، فبين سبحانه أنهم إذا فعلوا ذلك متعوا متاعًا حسنًا إلى أجل مسمى،ثم إن كان لهم فضل أُوتوا الفضل‏.
‏‏
وقال تعالى‏:‏ عن نوح‏:‏ ‏{‏‏قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى}‏‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏‏اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا‏} الآية ‏[‏نوح‏:‏ 2 ـ 11‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ}‏‏ ‏[‏هود‏:‏52‏]‏، وذلك أنه قد قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}‏‏ ‏[‏الشورى‏:‏30‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ‏} ‏[‏آل عمران‏:‏155‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ‏}‏‏ ‏[‏آل عمران‏:‏165‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏} ‏[‏الروم‏:‏36‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏79 ‏]‏‏.
‏‏
وأما العذاب المدفوع، فهو يعم العذاب السماوي، ويعم ما يكون من العباد، وذلك أن الجميع قد سماه الله عذابًا، كما قال تعالى فى النوع الثاني‏:‏ ‏{‏‏وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ}‏‏ ‏[‏البقرة‏:‏49‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ}‏‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 14‏]‏، وكذلك‏:‏ ‏{‏‏قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا}‏‏ ‏[‏التوبة‏:‏52‏]‏، إذ التقدير بعذاب من عنده أو بعذاب بأيدينا، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ‏‏}.
‏‏
وعلى هذا، فيكون العذاب بفعل العباد، وقد يقال‏:‏ التقدير‏:‏ ‏{‏‏وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ‏}،، أو يصيبكم بأيدينا، لكن الأول هو الأوجه؛ لأن الإصابة بأيدي المؤمنين لا تدل على أنها إصابة بسوء، إذ قد يقال‏:‏ أصابه بخير، وأصابه بشر‏.
‏‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ}‏‏ ‏[‏يونس‏:‏107‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ‏} ‏[‏الروم‏:‏48‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏‏وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء‏}‏‏ ‏[‏يوسف‏:‏56‏]‏؛ ولأنه لو كان لفظ الإصابة يدل على الإصابة بالشر، لاكتفى بذلك فى قوله‏:‏ ‏{‏‏أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ‏‏}.‏

وقد قال تعالى أيضًا ‏:‏ ‏{‏‏وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ‏}‏‏ ‏[‏النساء‏:‏ 78- 79‏]‏‏.

‏‏‏ ومن ذلك قوله تعالى‏:‏‏{‏‏الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ‏} إلى قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ‏} ‏[‏النور‏:‏ 2‏]‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ‏} ‏[‏النساء‏:‏ 25‏]‏‏.
‏‏
ومن ذلك أنه يقال فى بلال ونحوه‏:‏ كانوا من المعذبين فى الله، ويقال‏:‏ إن أبا بكر اشترى سبعة من المعذبين فى الله‏.
‏‏ وقال صلى الله عليه وسلم السفر قطعة من العذاب"‏‏‏.
‏‏ وإذا كان كذلك، فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ}‏‏ ‏[‏الأنعام‏:‏65‏]‏، مع ما قد ثبت فى الصحيحين عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه لما نزل قوله‏:‏ ‏{‏‏قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ}‏‏، قال "أعوذ بوجهك‏‏، ‏{‏‏أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}‏، قال‏:‏ ‏‏أعوذ بوجهك‏‏، ‏{‏‏أّوً يّلًبٌسّكٍمً شٌيّعْا و ّيٍذٌيقّ بّعًضّكٍم بّأًسّ بّعًضُ ‏}‏‏، قال‏:‏ ‏‏هاتان أهون"‏‏‏ يقتضى أن لبسنا شيعًا وإذاقة بعضنا بأس بعض هو من العذاب الذي يندفع بالاستغفار( قلت كحالنا الآن)، كما قال‏:‏ ‏{‏‏وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}‏‏ ‏[‏الأنفال‏:‏25‏]‏، وإنما تنفى الفتنة بالاستغفار من الذنوب والعمل الصالح‏.
‏‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏‏إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ‏} ‏[‏التوبة‏:‏39‏]‏، قد يكون العذاب من عنده، وقد يكون بأيدي العباد، فإذا ترك الناس الجهاد فى سبيل الله فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة، حتى تقع بينهم الفتنة كما هو الواقع، فإن الناس إذا اشتغلوا بالجهاد فى سبيل الله جمع الله قلوبهم وأَلَّف بينهم، وجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم ، وإذا لم ينفروا فى سبيل الله عذبهم الله بأن يلبسهم شيعًا، ويذيق بعضهم بأس بعض‏.
‏‏
وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏‏وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ‏} ‏[‏السجدة‏:‏ 21‏]‏، يدخل فى العذاب الأدنى ما يكون بأيدي العباد، كما قد فسر بوقعة بدر بعض ما وعد الله به المشركين من العذاب‏.‏



أبو بلال المصرى 08-03-19 02:22 AM

قال العلامة ابن القيم
بعض الأقوال التي قيلت في الإخلاص: قيل : هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة . وقيل : تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين . وقيل : الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن ، والرياء : أن يكون ظاهره خيراً من باطنه ، والصدق في الإخلاص : أن يكون باطنه أعمر من ظاهره

أبو بلال المصرى 08-03-19 02:22 AM

قال شيخ الإسلام * معلم الخير يستغفر له كل شيء
حتى الحيتان في البحر ،
والله وملائكته يصلون على معلم الناس الخير ،
لما في ذلك من عموم النفع لكل شيء ،

وعكسه كاتموا العلم ،
فإنهم يلعنهم الله ويلعنهـم اللاعنـون .


4 / 42مجموع الفتاوى

أبو بلال المصرى 08-03-19 02:24 AM

قال شيخ الإسلام ابن تيمية
والفتنة إذا ثارت عجز الحكماء عن إطفاء نارها .

وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث
بها إلا من عصمه الله .
من عرف الشبهة ولم يعرف فسادها قد يستضر بها .


قال ابن القيم رحمه الله
كل من أعرض عن الحق وقع في الباطل
وقال - كلما كان العهد بالرسول أقرب كان الصواب أغلب



قال شيخ الإسلام ابن تيمية
إن في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى

أبو بلال المصرى 08-03-19 02:25 AM

قال ابن القيم رحمه الله الصابر الصادق لا يستوحش من قلة الرفيق ولا من فقده إذا استشعر قلبه مرافقة الرعيل الأول، الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين...



وقال شيخ الإسلام رحمه الله: " ورثة الرسل وخلفاء الأنبياء هم الذين قاموا بالدين علماًوعملاً ودعوة إلى الله والرسول فهؤلاء اتباع الرسول ، حقاً ، وهمبمنزلةالطائفة الطيبة من الأرض التي زكت فقبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثيرفزكت في نفسها وزكى الناس بها "
مجموع الفتاوى 4/ 93




وقال رحمه الله : " فما حفظت حدود الله ومحارمه ووصل الواصلون إليه بمثل خوفه ورجائه ومحبته فمتى خلا القلب من هذه الثلاث فسد فساداً لا يرجى صلاحهأبداً ومتى ضعف فيه شيء من هذه ضعف إيمانه بحسبه ".
مجموع الفتاوى 15 / 21




قال ابن القيم رحمه الله
ومنها:انخلاع قلبه،وتقطعه ندماوخوفا،وهذاعلى قدر عظم الجنايةوصغرها،وهذا تأويل ابن عيينة لقوله تعالى{إلا أن تقطع قلوبهم}قال:تقطعها بالتوبة.


أبو بلال المصرى 08-03-19 02:26 AM

يقول الشيخ ابن القيم
إذا كان الله قد غفر لمن سقى كلبا على شدة ظمأه
فكيف بمن سقى العطاش وأشبع الجياع
وكسى العراة من المسلمين؟!






وقال شيخ الاسلام رحمه الله : " فمن أعطي الصبر واليقين جعله الله إماماً في الدين " .




قال العلامة ابن القيم رحمه الله
كل من عرف الله أحبه، وأخلص العبادة له ولا بد، ولم يؤثر عليه شيئا من المحبوبات، فمن آثر عليه شيئا من المحبوبات فقلبه مريض.







قال ابن القيم رحمه الله فى مدارج السالكين:
فلا إله إلا الله كَمْ فِي النُّفُوسِ مِنْ عِلَلٍ: وَأَغْرَاضٍ وَحُظُوظٍ تَمْنَعُ الْأَعْمَالَ أَنْ تَكُونَ لِلَّهِ خَالِصَةً، وَأَنْ تَصِلَ إِلَيْهِ؟
وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ الْعَمَلَ حَيْثُ لَا يَرَاهُ بَشَرٌ الْبَتَّةَ، وَهُوَ غَيْرُ خَالِصٍ لِلَّهِ، وَيَعْمَلُ الْعَمَلَ وَالْعُيُونُ قَدِ اسْتَدَارَتْ عَلَيْهِ نِطَاقًا، وَهُوَ خَالِصٌ لِوَجْهِ اللَّهِ، وَلَا يُمَيِّزُ هَذَا إِلَّا أَهْلُ الْبَصَائِرِ وَأَطِبَّاءُ الْقُلُوبِ الْعَالِمُونَ بِأَدْوَائِهَا وَعِلَلِهَا.










أبو بلال المصرى 08-03-19 02:27 AM



قال ابن القيم/ مفتاح دار السعادة



فالمحب الصادق يرى خيانة منه لمحبوبه ان يتحرك بحركة اختيارية في غير مرضاته ,وإذا فعل فعلا مما ابيح له بموجب طبيعته وشهوته تاب منه كما يتوب من الذنب ,ولا يزال هذا الأمر يقوى عنده حتى تنقلب مباحاته كلها طاعات, فيحتسب نومه وفطره وراحته كما يحتسب قومته وصومه واجتهاده ,وهو دائما بين سراء يشكر الله عليها وضراء يصبر عليها فهو سائر إلى الله دائما في نومه ويقظنه.
قال بعض العلماء الاكياس عاداتهم عبادات والحمقى عباداتهم عادات
وقال بعض السلف حبذا نوم الأكياس وفطرهم يغبنون به سهر الحمقى وصومهم
فالمحب الصادق إن نطق نطق لله وبالله ,وان سكت سكت لله وان تحرك فبأمر الله وان سكن فسكونه استعانة على مرضات الله فهو لله وبالله ومع الله


الساعة الآن 01:10 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant