شبكــة أنصــار آل محمــد

شبكــة أنصــار آل محمــد (https://ansaaar.com/index.php)
-   باب علــم الحــديـث وشرحــه (https://ansaaar.com/forumdisplay.php?f=51)
-   -   بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار (https://ansaaar.com/showthread.php?t=33893)

أبو فراس السليماني 28-06-14 12:47 AM

وقوله صلى الله عليه وسلم :
" احرص على ما ينفعك
واستعن بالله
"

كلام جامع نافع،
مُحِتوٍ على سعادة الدنيا والآخرة.

والأمور النافعة قسمان:
أمور دينية، وأمور دنيوية.

والعبد محتاج إلى الدنيوية كما أنه محتاج إلى الدينية.
فمدار سعادته وتوفيقه على الحرص والاجتهاد
في الأمور النافعة منهما،
مع الاستعانة بالله تعالى،

فمتى حرص العبد على الأمور النافعة واجتهد فيها،
وسلك أسبابها وطرقها،
واستعان بربه في حصولها وتكميلها:
كان ذلك كماله،
وعنوان فلاحه.

ومتى فاته واحد من هذه الأمور الثلاثة:
فاته من الخير بحسبها،

فمن لم يكن حريصاً على الأمور النافعة،
بل كان كسلاناً لم يدرك شيئاً.

فالكسل هو أصل الخيبة والفشل.
فالكسلان لا يدرك خيراً،
ولا ينال مكرمة،
ولا يحظى بدين ولا دنيا،



ومتى كان حريصاً،
ولكن على غير الأمور النافعة:

إما على أمور ضارة،
أو مفوتة للكمال
كان ثمرة حرصه الخيبة، وفوات الخير،
وحصول الشر والضرر،

فكم من حريص على سلوك طرق وأحوال غير نافعة
لم يستفد من حرصه
إلا التعب والعناء والشقاء.


أبو فراس السليماني 28-06-14 12:48 AM

ثم إذا سلك العبد الطرق النافعة،
وحرص عليها،
واجتهد فيها:

لم تتم له إلا بصدق اللجأ إلى الله،
والاستعانة به على إدراكها وتكميلها
وأن لا يتكل على نفسه وحَوْله وقوته،

بل يكون اعتماده التام بباطنه وظاهره على ربه.

فبذلك تهون عليه المصاعب،
وتتيسر له الأحوال محتاج
بل مضطر غاية الاضطرار
إلى معرفة الأمور التي ينبغي الحرص عليها،
والجد في طلبها.


أبو فراس السليماني 28-06-14 12:48 AM

فالأمور النافعة في الدين ترجع إلى أمرين:
علم نافع، وعمل صالح.

أما العلم النافع:

فهو العلم المزكي للقلوب والأرواح،
المثمر لسعادة الدارين.

وهو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم
من حديث وتفسير وفقه،
وما يعين على ذلك من علوم العربية
بحسب حالة الوقت
والموضع الذي فيه الإنسان،


وتعيين ذلك يختلف باختلاف الأحوال.


والحالة التقريبية:

أن يجتهد طالب العلم في حفظ مختصر
من مختصرات الفن الذي يشتغل فيه.

فإن تعذر أو تعسر عليه حفظه لفظاً،
فليكرره كثيراً، متدبراً لمعانيه،
حتى ترسخ معانيه في قلبه.

ثم تكون باقي كتب هذا الفن
كالتفسير والتوضيح والتفريع
لذلك الأصل الذي عرفه وأدركه،



فإن الإنسان إذا حفظ الأصول
وصار له ملكة تامة في معرفتها
هانت عليه كتب الفن كلها:
صغارها وكبارها.

ومن ضيع الأصول حرم الوصول.

فمن حرص على هذا الذي ذكرناه،
واستعان بالله: أعانه الله،
وبارك في علمه،
وطريقه الذي سلكه.


ومن سلك في طلب العلم غير هذه الطريقة النافعة:

فاتت عليه الأوقات،
ولم يدرك إلا العناء،
كما هو معروف بالتجربة.
والواقع يشهد به،

فإن يسر الله له معلماً يحسن طريقة التعليم،
ومسالك التفهيم:
تم له السبب الموصل إلى العلم.



أبو فراس السليماني 28-06-14 12:49 AM

وأما الأمر الثاني
وهو العمل الصالح -:

فهو الذي جمع الإخلاص لله،
والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ،


وهو التقرب إلى الله:
باعتقاد ما يجب لله من صفات الكمال،
وما يستحقه على عباده من العبودية،
وتنزيهه عما لا يليق بجلاله،
وتصديقه وتصديق رسوله
في كل خبر أخبرا به عما مضى،
وعما يستقبل عن الرسل،
والكتب والملائكة،
وأحول الآخرة،
والجنة والنار،
والثواب والعقاب
وغير ذلك


ثم يسعى في أداء
ما فرضه الله على عباده:

من حقوق الله، وحقوق خلقه
ويكمل ذلك بالنوافل والتطوعات،
خصوصاً المؤكدة في أوقاتها،
مستعيناً بالله على فعلها،
وعلى تحقيقها وتكميلها،
وفعلها على وجه الإخلاص
الذي لا يشوبه غرض من الأغراض النفسية.



وكذلك يتقرب إلى الله بترك المحرمات،

وخصوصاً التي تدعو إليها النفوس،
وتميل إليها.
فيتقرب إلى ربه بتركها لله،
كما يتقرب إليه بفعل المأمورات،


فمتى وفّق العبد بسلوك هذا الطريق في العمل،
واستعان الله على ذلك
أفلح ونجح.

وكان كماله بحسب ما قام به من هذه الأمور،
ونقصه بحسب ما فاته منها.

أبو فراس السليماني 28-06-14 12:50 AM

وأما الأمور النافعة في الدنيا:

فالعبد لا بد له من طلب الرزق.
فينبغي أن يسلك أنفع الأسباب الدنيوية اللائقة بحاله.
وذلك يختلف باختلاف الناس،
ويقصد بكسبه وسعيه القيام بواجب نفسه،
وواجب من يعوله ومن يقوم بمؤنته،

وينوي الكفاف والاستغناء بطلبه عن الخلق.

وكذلك ينوي بسعيه وكسبه
تحصيل ما تقوم به العبوديات المالية:
من الزكاة والصدقة،
والنفقات الخيرية الخاصة والعامة
مما يتوقف على المال،

ويقصد المكاسب الطيبة،

متجنباً للمكاسب الخبيثة المحرمة.

فمتى كان طلب العبد وسعيه في الدنيا
لهذه المقاصد الجليلة،
وسلك أنفع طريق يراه مناسباً لحاله
كانت حركاته وسعيه قربة
يتقرب إلى الله بها.

ومن تمام ذلك:

أن لا يتكل العبد على حوله وقوته وذكائه ومعرفته،
وحذقه بمعرفة الأسباب وإدارتها،
بل يستعين بربه متوكلاً عليه،
راجياً منه أن ييسره لأيسر الأمور وأنجحها،
وأقربها تحصيلاً لمراده.


ويسأل ربه أن يبارك له في رزقه،

فأول بركة الرزق:

أن يكون مؤسساً على التقوى والنية الصالحة.

ومن بركة الرزق:

أن يوفق العبد لوضعه في مواضعه الواجبة والمستحبة،

ومن بركة الرزق:

أن لا ينسى العبد الفضل في المعاملة،

كما قال تعالى:
{ وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ }[1]

بالتيسير على الموسرين،
وإنظار المعسرين،
والمحاباة عند البيع والشراء،
بما تيسر من قليل أو كثير.
فبذلك ينال العبد خيراً كثيراً.



*******************
[1] سورة البقرة – آية 237.

أبو فراس السليماني 28-06-14 12:50 AM

فإن قيل:
أي المكاسب أولى وأفضل؟

قيل:
قد اختلف أهل العلم في ذلك.
فمنهم من فضل الزراعة والحراثة.
ومنهم من فضل البيع والشراء.
ومنهم من فضل القيام بالصناعات والحرف ونحوها.
وكل منهم أدلى بحجته.

ولكن هذا الحديث هو الفاصل للنزاع،
وهو أنه صلى الله عليه وسلم
قال :
"احرص على ما ينفعك، واستعن بالله"

والنافع من ذلك
معلوم أنه يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص.
فمنهم من تكون الحراثة والزراعة أفضل في حقه،

ومنهم من يكون البيع والشراء
والقيام بالصناعة التي يحسنها أفضل في حقه.

فالأفضل من ذلك وغيره الأنفع.

فصلوات الله وسلامه
على من أعطي جوامع الكلم ونوافعها.


أبو فراس السليماني 28-06-14 12:51 AM

ثم إنه صلى الله عليه وسلم
حضّ على الرضا بقضاء الله وقدره،
بعد بذل الجهد،
واستفراغ الوسع في الحرص على النافع.

فإذا أصاب العبد ما يكرهه
فلا ينسب ذلك إلى ترك بعض الأسباب
التي يظن نفعها لو فعلها،

بل يسكن إلى قضاء الله وقدره ليزداد إيمانه،
ويسكن قلبه وتستريح نفسه؛

فإن " لو " في هذه الحال
تفتح عمل الشيطان
بنقص إيمانه بالقدر،
واعتراضه عليه،
وفتح أبواب الهم والحزن والمضعف للقلب.



وهذه الحال التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم
هي أعظم الطرق لراحة القلب،
وأدعى لحصول القناعة والحياة الطيبة،
وهو الحرص على الأمور النافعة،
والاجتهاد في تحصيلها،
والاستعانة بالله عليها،
وشكر الله على ما يسره منها،
والرضى عنه بما فات،
ولم يحصل منها.

أبو فراس السليماني 28-06-14 12:52 AM

واعلم أن استعمال " لو "
يختلف باختلاف ما قصد بها.

فإن استعملت في هذه الحال
التي لا يمكن استدراك الفائت فيها
فإنها تفتح على العبد عمل الشيطان،
كما تقدم.

وكذلك لو استعملت في تمني الشر والمعاصي
فإنها مذمومة،
وصاحبها آثم،
ولو لم يباشر المعصية.
فإنه تمنى حصولها.


أبو فراس السليماني 28-06-14 12:52 AM

وهذا الأصل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم
- وهو الأمر بالحرص على الأمور النافعة،
ومن لازمه اجتناب الأمور الضارة مع الاستعانة بالله


يشمل استعماله والأمر به في الأمور الجزئية
المختصة بالعبد ومتعلقاته،

ويشمل الأمور الكلية المتعلقة بعموم الأمة.

فعليهم جميعاً أن يحرصوا على الأمور النافعة.
وهي المصالح الكلية والاستعداد لأعدائهم
بكل مستطاع مما يناسب الوقت،
من القوة المعنوية والمادية،


ويبذلوا غاية مقدورهم في ذلك،
مستعينين بالله على تحقيقه وتكميله،
ودفع جميع ما يضاد ذلك.
وشرح هذه الجملة يطول وتفاصيلها معروفة.



أبو فراس السليماني 28-06-14 12:53 AM

وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم
في هذا الحديث بين الإيمان بالقضاء والقدر،
والعمل بالأسباب النافعة،
وهذان الأصلان دلّ عليهما الكتاب والسنة
في مواضع كثيرة.
ولا يتم الدين إلا بهما.

بل لا تتم الأمور المقصودة كلها إلا بهما،
لأن قوله "احرص على ما ينفعك"
أمر بكل سبب ديني ودنيوي،
بل أمر بالجد والاجتهاد فيه والحرص لعيه،
نية وهمة، فعلاً وتدبيراً.


أبو فراس السليماني 28-06-14 12:53 AM

وقوله: "واستعن بالله"

إيمان بالقضاء والقدر،
وأمر بالتوكل على الله
الذي هو الاعتماد التام
على حوله وقوته تعالى
في جلب المصالح ودفع المضار،

مع الثقة التامة بالله في نجاح ذلك.

فالمتبع للرسول صلى الله عليه وسلم
يتعين عليه أن يتوكل على الله
في أمر دينه ودنياه،
وأن يقوم بكل سبب نافع
بحسب قدرته وعلمه ومعرفته
والله المستعان.

أبو فراس السليماني 28-06-14 12:54 AM

الحديث الثالث عشر


عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضاً
وشبَّك بين أصابعه"
متفق عليه.


هذا حديث عظيم،
فيه الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم
عن المؤمنين أنهم على هذا الوصف.

ويتضمن
الحثّ منه على مراعاة هذا الأصل.
وأن يكونوا إخواناً متراحمين متحابين متعاطفين،
يحب كل منهم للآخر ما يحب لنفسه،
ويسعى في ذلك،

وأن عليهم مراعاة المصالح الكلية الجامعة
لمصالحهم كلهم،

وأن يكونوا على هذا الوصف
فإن البنيان المجموع من أساسات وحيطان محيطة كلية
وحيطان تحيط بالمنازل المختصة،
وما تتضمنه من سقوف وأبواب ومصالح ومنافع.

كل نوع من ذلك لا يقوم بمفرده
حتى ينضم بعضها إلى بعض.


كذلك المسلمون يجب أن يكونوا كذلك.
فيراعوا قيام دينهم وشرائعه
وما يقوِّم ذلك ويقويه،
ويزيل موانعه وعوارضه.

أبو فراس السليماني 28-06-14 12:55 AM

فالفروض العينية:

يقوم بها كل مكلف،
لا يسع مكلفاً قادراً تركها أو الإخلال بها.


وفروض الكفايات:

يجعل في كل فرض منها من يقوم به من المسلمين،
بحيث تحصل بهم الكفاية،
ويتم بهم المقصود المطلوب.

قال تعالى في الجهاد:

{ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً
فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ
لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ
وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ }[1]،

وقال تعالى:

{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ
وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ }[2]


وأمر تعالى بالتعاون على البر والتقوى
فالمسلمون قصدهم ومطلوبهم واحد،
وهو قيام مصالح دينهم ودنياهم
التي لا يتم الدين إلا بها.

وكل طائفة تسعى في تحقيق مهمتها
بحسب ما يناسبها ويناسب الوقت والحال.

ولا يتم لهم ذلك إلا بعقد المشاورات
والبحث عن المصالح الكلية.
وبأي وسيلة تدرك،
وكيفية الطرق إلى سلوكها،
وإعانة كل طائفة للأخرى
في رأيها وقولها وفعلها
وفي دفع المعارضات والمعوقات عنها،


*******************
[1] سورة التوبة – آية 122 .
[2] سورة آل عمران – آية 104 .

أبو فراس السليماني 28-06-14 12:56 AM

فمنهم طائفة
تتعلم.

وطائفة
تُعلِّم،

ومنهم طائفة
تخرج إلى الجهاد
بعد تعلمها لفنون الحرب.
ومنهم طائفة ترابط،
وتحافظ على الثغور[1]،
ومسالك الأعداء.

ومنهم طائفة
تشتغل بالصناعات
المخرجة للأسلحة المناسبة لكل زمان بحسبه.

ومنهم طائفة
تشتغل بالحراثة والزراعة
والتجارة والمكاسب المتنوعة،
والسعي في الأسباب الاقتصادية،

ومنهم طائفة
تشتغل بدرس السياسة
وأمور الحرب والسلم،
وما ينبغي عمله مع الأعداء
مما يعود إلى مصلحة الإسلام والمسلمين،

وترجيح أعلى المصالح على أدناها،
ودفع أعلى المضار بالنزول إلى أدناها،
والموازنة بين الأمور،
معرفة حقيقة المصالح والمضار ومراتبها.


وبالجملة،

يسعون كلهم لتحقيق مصالح دينهم ودنياهم،
متساعدين متساندين،
يرون الغاية واحدة،
وإن تباينت الطرق،
والمقصود واحد،
وإن تعددت الوسائل إليه.


*******************
[1] حدود الأعداء لتمنع هجومهم على بلاد الإسلام.

أبو فراس السليماني 28-06-14 12:56 AM

فما أنفع العمل بهذا الحديث العظيم
الذين أرشد فيه هذا النبي الكريم أمته
إلى أن يكونوا كالبنيان
يشد بعضه بعضاً،

وكالجسد الواحد
إذا اشتكى منه عضو
تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.


ولهذا حث الشارع على كل ما يقوي هذا الأمر،
وما يوجب المحبة بين المؤمنين،
وما به يتم التعاون على المنافع،

ونهى عن التفرق والتعادي،
وتشتيت الكلمة

في نصوص كثيرة
حتى عُدَّ هذا أصلاً عظيماً
من أصول الدين
تجب مراعاته واعتباره وترجيحه
على غيره والسعي إليه بكل ممكن.


فنسأل الله تعالى
أن يحقق للمسلمين هذا الأصل
ويؤلف بين قلوبهم،
ويجعلهم يداً واحدة
على من ناوأهم وعاداهم
.. إنه كريم.

أبو فراس السليماني 28-06-14 12:57 AM

الحديث الرابع عشر

عن أبي موسى رضي الله عنه
"أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان إذا أتاه سائل أو طالب حاجة،

قال:
"اشفعوا فلتؤجروا،
ويقضي الله على لسان رسوله ما شاء"
متفق عليه.


وهذا الحديث متضمن لأصل كبير،
وفائدة عظيمة،

وهو أنه ينبغي للعبد أن يسعى في أمور الخير
سواء أثمرت مقاصدها ونتائجها
أو حصل بعضها،
أو لم يتم منها شيء.

وذلك كالشفاعة لأصحاب الحاجات
عند الملوك والكبراء،
ومن تعلقت حاجاتهم بهم

فإن كثيراً من الناس يمتنع من السعي فيها
إذا لم يعلم قبول شفاعته.
فيفوّت على نفسه خيراً كثيراً من الله،
ومعروفاً عند أخيه المسلم.

فلهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه
أن يساعدوا أصحاب الحاجة بالشفاعة لهم عنده
ليتعجلوا الأجر عند الله،

لقوله:
"اشفعوا تؤجروا"

فإن الشفاعة الحسنة محبوبة لله،
ومرضية له.

قال تعالى:
{ مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً
يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا }[1]


ومع تعجله للأجر الحاضر
فإنه أيضاً يتعجل الإحسان
وفعل المعروف مع أخيه،
ويكون له بذلك عنده يد.


*******************
[1] سورة النساء – آية 85.

أبو فراس السليماني 28-06-14 12:58 AM

فلعل شفاعته تكون سبباً لتحصيل مراده
من المشفوع له أو لبعضه،
كما هو الواقع.

فالسعي في أمور الخير والمعروف
التي يحتمل أن تحصل
أو لا تحصل خير عاجل،


وتعويد للنفوس على الإعانة على الخير،
وتمهيد للقيام بالشفاعات
التي يتحقق أو يُظن قبولها.

أبو فراس السليماني 28-06-14 12:59 AM

وفيه من الفوائد:

السعي في كل ما يزيل اليأس،
فإن الطلب والسعي
عنوان على الرجاء والطمع في حصول المراد،
وضده بضده،

وفي الحديث دليل على الترغيب
في توجيه الناس إلى فعل الخير،

وأن الشفاعة لا يجب على المشفوع عنده قبولها
إلا أن يشفع في إيصال الحقوق الواجبة،

فإن الحق الواجب يجب أداؤه
وإيصاله إلى مستحقه،
ولو لم يشفع فيه.
ويتأكد ذلك مع الشفاعة.





وفيه أيضاً:

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم
في حصول الخير لأمته بكل طريق.


وهذا فرد من آلاف مؤلفة
تدل على كمال رحمته ورأفته
صلى الله عليه وسلم ،


فإن جميع الخير والمنافع العامة والخاصة
لم تنلها الأمة
إلا على يده
وبوساطته
وتعليمه
وإرشاده،


كما أنه أرشدهم
لدفع الشرور والأضرار العامة والخاصة بكل طريق.
فلقد بلَّغ وأدَّى الأمانة،
ونصح الأمة

صلوات الله وسلامه وبركته عليه
وعلى آله وصحبه.


أبو فراس السليماني 28-06-14 12:59 AM

قوله:
"ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء"


قضاؤه تعالى نوعان:

قضاء قدري،

يشمل الخير والشر والطاعات والمعاصي،
بل يشمل جميع ما كان وما يكون،
وجميع الحوادث السابقة واللاحقة.


وأخصّ منه
القضاء القدري الديني

الذي يختص بما يحبه الله ويرضاه،

وهذا الذي يقضي على لسان نبيه من القسم الثاني؛

إذ هو صلى الله عليه وسلم عبدٌ رسول،
قد وفَّى مقام العبودية،
وكمَّل مراتب الرسالة،

فكل أقواله وأفعاله وهديه وأخلاقه عبودية لله
متعلقة بمحبوبات الله تعالى.

ولم يكن في حقه
صلى الله عليه وسلم
شيء مباح محض لا ثواب فيه ولا أجر
فضلاً عما ليس بمأمور.


وهذا شأن
العبد الرسول
الذي اختار صلى الله عليه وسلم هذه المرتبة
التي هي
أعلى المراتب


حين خُيّر بين أن يكون رسولاً ملكاً،
أو عبداً رسولاً.


أبو فراس السليماني 28-06-14 01:00 AM

الحديث الخامس عشر

عن عائشة رضي الله عنها:
أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال:

"أنزلوا الناس منازلهم"
رواه أبو داود.


يا له من حديث حكيم.
فيه الحث لأمته على مراعاة الحكمة.

فإن الحكمةوضع الأشياء مواضعها،
وتنـزيلها منازلها.


والله تعالى حكيم في خلقه وتقديره،
وحكيم في شرعه وأمره ونهيه
وقد أمر عباده بالحكمة
ومراعاتها في كل شيء
وأوامر النبي
صلى الله عليه وسلم وإرشاداته
كلها تدور على الحكمة.

فمنها:
هذا الحديث الجامع،
إذ أمر أن ننـزل الناس منازلهم.
وذلك في جميع المعاملات،
وجميع المخاطبات.
والتعلم والتعليم.


أبو فراس السليماني 28-06-14 01:01 AM

فمن ذلك :

أن الناس قسمان:
قسم لهم حق خاص،

كالوالدين والأولاد والأقارب،
والجيران والأصحاب والعلماء،
والمحسنين بحسب إحسانهم العام والخاص.

فهذا القسم تنـزيلهم منازلهم:

القيام بحقوقهم المعروفة شرعاً وعرفاً،
من البر والصلة والإحسان
والتوقير والوفاء والمواساة،
وجميع ما لهم من الحقوق،
فهؤلاء يميزون عن غيرهم بهذه الحقوق الخاصة.


وقسم ليس لهم مزية اختصاص بحق خاص،

وإنما لهم حق الإسلام وحق الإنسانية.

فهؤلاء حقهم المشترك:

أن تمنع عنهم الأذى والضرر بقول أو فعل،
وأن تحب للمسلمين ما تحب لنفسك من الخير
وتكره لهم ما تكره لها من الشر.

بل يجب منع الأذى عن جميع نوع الإنسان
وإيصال ما تقدر عليه لهم من الإحسان.


أبو فراس السليماني 28-06-14 01:02 AM

ومما يدخل في هذا:

أن يعاشر الخلق بحسب منازلهم.

فالكبير له التوقير والاحترام.
والصغير يعامله بالرحمة والرقة المناسب لحاله،
والنظير يعامله بم يحب أن يعامله به.
وللأم حق خاص بها،
وللزوجة حق آخر،

ويعامل من يُدل عليه ويثق به،
ويتوسع معه،
ما لا يعامل به من لا يثق به ولا يدل عليه.


ويتكلم مع الملوك وأرباب الرئاسة
بالكلام اللين المناسب لمراتبهم.

ولهذا قال تعالى لموسى وهارون:
{ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ،
فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا
لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى
}[1]

ويعامل العلماء بالتوقير والإجلال والتعلم،
والتواضع لهم،
وإظهار الافتقار والحاجة إلى علمهم النافع،
وكثرة الدعاء لهم،
خصوصاً وقت تعليمهم وفتواهم الخاصة والعامة.


*******************
[1] سورة طه – الآيتان 43، 44.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:02 AM

ومن ذلك :

أمر الصغار بالخير، ونهيهم عن الشر بالرفق والترغيب،
وبذل ما يناسب من الدنيا
لتنشيطهم وتوجيههم إلى الخير،


واجتناب العنف القولي والفعلي.

ولهذا قال
صلى الله عليه وسلم :
"مُروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين،
واضربوهم عليها لعشر
"

وكذلك سلك رسول الله
صلى الله عليه وسلم
مع المؤلفة قلوبهم
من العطاء الدنيوي الكثير
ما يحصل به التأليف،
ويترتب عليه من المصالح.

ولم يفعل ذلك مع من هو معروف بالإيمان الصادق
تنزيلاً للناس منازلهم.



وكذلك مخاطبة الزوجة والأولاد الصغار
بالخطاب اللائق بهم الذي فيه بسطهم،
وإدخال السرور عليهم.


أبو فراس السليماني 28-06-14 01:03 AM

وكذلك
من تنزيل الناس منازلهم:

أن تجعل الوظائف الدينية والدنيوية
والممتزجة منهما للأكفاء المتميزين،
الذين يفضلون غيرهم في ولاية تلك الوظيفة.


فمعلوم أن ولاية الملك:

أن الواجب فيها خصوصاً
وفي غيرها عموماً
مشاورة أهل الحل والعقد
في تولية من يصلح لها
ممن جمع بين القوة والشجاعة والحلم،
ومعرفة السياسة الداخلية والخارجية،

ومن له القوة الكافية لتنفيذ العدل،
وإيصال الحقوق إلى أهلها،
وردع الظلمة والمجرمين،
وغير ذلك مما يدخل في الولاية.

وكذلك ولاية القضاء:

يختار لها الأعلم بالشرع وبالواقع،
الأفضل في دينه وعقله وصفاته الحميدة.



وكذلك ولاية الإمامة
في المساجد في الجمعة والجماعة:


يختار لها الأعلم بأحكام العبادات الأتقى،
ثم الأمثل فالأمثل


أبو فراس السليماني 28-06-14 01:04 AM

وكذلك ولاية قيادة الجيوش:

يختار لها أهل القوة والشجاعة والرأي والنصح،
والمعرفة لفنون الحرب وأدواتها،

وما يتبع ذلك مما تتوقف عليه هذه الوظيفة المهمة
التي هي من أهم الوظائف وأخطرها،

إلى غير ذلك من الولايات الكبار والصغار.

فإنها داخلة في قوله تعالى:
{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا }[1]

وهذه الولايات من أعظم الأمانات.
فيتعين أن تؤدى إلى أهلها،
وأن يوظف فيها أهل الكفاءة بها.
وكل وظيفة لها أكفاء مختصون.
وهو داخل في هذا الحديث الشريف.




*******************
[1] سورة النساء – آية 58.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:04 AM

وكذلك يدخل في ذلك
معاملة العصاة والمجرمين.

فمن رتب الشارع على جرمه عقوبة
من حَدٍّ ونحوه
تعين ما عينه الشارع،
لأنه هو عين المصلحة العامة الشاملة.


ومن لم يعين له عقوبة
عُزِّر بحسب حاله ومقامه.

فمنهم من يكفيه التوبيخ والكلام المناسب لفعلته،
ومنهم من لا يردعه إلا العقوبة البليغة.


وكذلك في الصدقة والهدية،

ليس عطية الطَّواف الذي يدور على الناس
فتكفيه التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان

كعطية الفقير المتعفف
الذي أصابته العَيْلة بعد المغني.
وفي الأثر (ارحموا عزيز قوم ذل).

وكذلك يميز من له آثار وسوابق
وغناء ونفع للمسلمين
على من ليس كذلك.



فهذه الأمور وما أشبهها
داخلة في هذا الكلام الجامع
الذي تواطأ عليه الشرع والعقل.

وما رآه المسلمون حسناً
فهو عند الله حسن.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:05 AM

الحديث السادس عشر

عن أبي صِرْمَةَ [1] رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"من ضارَّ ضار الله به.
ومن شاقَّ شَقَّ [2] الله عليه"
رواه الترمذي وابن ماجه.


هذا الحديث دلّ على
أصلين من أصول الشريعة:

أحدهما:

أن الجزاء من جنس العمل
في الخير والشر.

وهذا من حكمة الله
التي يحمد عليها.

فكما أن من عمل ما يحبه الله أحبه الله.
ومن عمل ما يبغضه أبغضه الله،

ومن يسَّر على مسلم يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة.

ومن فرّج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا
فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.

والله في حاجة العبد
ما كان العبد في حاجة أخيه،

كذلك من ضار مسلماً
ضره الله،

ومن مَكَر به
مكر الله به،

ومن شق عليه
شق الله عليه،

إلى غير ذلك من الأمثلة الداخلة في هذا الأصل.

*******************
[1] في الأصل "حرمة" والصحيح ما أثبتناه "الناشر".
[2] في الأصل "شاق" والصحيح ما أثبتناه من رواية الترمذي "الناشر".

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:06 AM

الأصل الثاني:

منع الضرر والمضارة،
وأنه "لا ضرر ولا ضرار".

وهذا يشمل أنواع الضرر كله.


والضرر يرجع إلى أحد أمرين:

إما تفويت مصلحة،
أو حصول مضرة بوجه من الوجوه.


فالضرر غير المستحق
لا يحل إيصاله وعمله مع الناس،
بل يجب على الإنسان
أن يمنع ضرره وأذاه عنهم من جميع الوجوه.


فيدخل في ذلك :

التدليس والغش في المعاملات وكتم العيوب فيها،
والمكر والخداع والنجش،

وتلقي الركبان وبيع المسلم على بيع أخيه
والشراء على شرائه،
ومثله الإجارات، وجميع المعاملات،

والخِطْبة على خِطْبة أخيه،
وخِطْبة الوظائف التي فيها أهل لها قائم بها.

فكل هذا من المضارة المنهي عنها.

وكل معاملة من هذا النوع
فإن الله لا يبارك فيها،

لأنه من ضارَّ مسلماً ضارّه الله،
ومن ضاره الله ترحّل عنه الخير،

وتوجه إليه الشر،
وذلك بما كسبت يداه.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:06 AM

ويدخل في ذلك :

مضارة الشريك لشريكه، والجار لجاره،
بقول أو فعل،
حتى إنه لا يحل له أن يحدث بملكه ما يضر بجاره،
فضلاً عن مباشرة الإضرار به.


ويدخل في ذلك :

مضارة الغريم لغريمه،
وسعيه في المعاملات التي تضر بغريمه،
حتى إنه لا يحل له أن يتصدق
ويترك ما وجب عليه من الدين
إلا بإذن غريمه،

أو برهن موجوداته أحد غرمائه دون الباقين،
أو يقف، أو يعتق ما يضر بغريمه،
أو ينفق أكثر من اللازم بغير إذنه.


كذلك
الضرر في الوصايا:

كما قال تعالى:
{ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ
أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ }[1]

بأن يخص أحد ورثته بأكثر مما له،
أو ينقص الوارث،
أو يوصي لغير وارثه
بقصد الإضرار بالورثة.


*******************
[1] سورة النساء – آية 12.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:07 AM

وكذلك
لا يحل إضرار الزوج بزوجته من وجوه كثيرة،

إما أن يعضلها ظلماً لتفتدى منه،
أو يراجعها لقصد الإضرار،
أو يميل إلى إحدى زوجتيه ميلاً يضرّ بالأخرى،
ويجعلها كالمعلقة.


ومن ذلك :

الحيف في الأحكام والشهادات والقسمة وغيرها
على أحد الشخصين لنفع الآخر.


فكل هذا داخل في المضرة.
وفاعله مستحق للعقوبة،
وأن يضار الله به.


وأشد من ذلك :

الوقيعة في الناس عند الولاة والأمراء،
ليغريهم بعقوبته أو أخذ ما له،
أو منعه من حق هو له،
فإن من عمل هذا العمل فإنه باغٍ،
فليتوقع العقوبة العاجلة والآجلة.





ومن هذا:

نهى النبي صلى الله عليه وسلم :

"أن يورد مُمْرِض على مُصِحّ"

لما في ذلك من الضرر.


وكذلك نهى الجذْمَى ونحوهم عن مخالطة الناس،

وهذا وغيره داخل في قوله تعالى:

{ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا
فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا }[1]


ونهى صلى الله عليه وسلم عن ترويع المسلم،
ولو على وجه المزح.


ومن هذا

السخرية بالخلق،
والاستهزاء بهم،
والوقيعة في أعراضهم،
والتحريش بينهم.

فكله داخل في المضارة والمشاقة
الموجب للعقوبة.


وكما يدل الحديث بمنطوقه:

أن من ضارّ وشاق ضرَّه الله وشقَّ عليه،


فإن مفهومه يدلّ على:

أن من أزال الضرر والمشقة عن المسلم
فإن الله يجلب له الخير،
ويدفع عنه الضرر والمشاق،

جزاء وفاقاً،
سواء كان متعلقاً بنفسه أو بغيره.

*******************
[1] سورة الأحزاب – آية 58.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:08 AM

الحديث السابع عشر

عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"اتق الله حيثما كنت.
وأتبع السيئة الحسنة تمحها،
وخالق الناس بخلق حسن"
رواه الإمام أحمد والترمذي.


هذا حديث عظيم
جمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم
بين حق الله وحقوق العباد.

فحقّ الله على عباده:

أن يتقوه حقّ تُقاته.
فيتّقوا سخطه وعذابه
باجتناب المنهيات وأداء الواجبات.

وهذه الوصية هي وصية الله للأولين والآخرين،
ووصية كل رسول لقومه
أن يقول:
"اعبدوا الله واتقوه".

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:08 AM

وقد ذكر الله خصال التقوى في قوله تعالى:

{ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ

وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ

وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ

وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ
وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ

أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }[1]


وفي قوله:

{ وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ
أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }[2]

ثم ذكر خصال التقوى فقال:

{ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ
وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[3].

فوصف المتقين بالإيمان بأصوله وعقائده
وأعماله الظاهرة والباطنة
وبأداء العبادات البدنية والعبادات المالية،
والصبر في البأساء والضراء وحين البأس،

وبالعفو عن الناس، واحتمال أذاهم،
والإحسان إليهم،
وبمبادرتهم إذا فعلوا فاحشة
أو ظلموا أنفسهم بالاستغفار والتوبة،


فأمر صلى الله عليه وسلم ووصى بملازمة التقوى
حيثما كان العبد في كل وقت وكل مكان،
وكل حالة من أحواله،

لأنه مضطر إلى التقوى غاية الاضطرار،
لا يستغني عنها في كل حالة من أحواله.

*******************
[1] سورة البقرة – آية 177.
[2] سورة آل عمران – آية 133.
[3] سورة آل عمران – آية 134.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:09 AM

ثم لما كان العبد لا بد أن يحصل منه تقصير
في حقوق التقوى وواجباتها

أمر صلى الله عليه وسلم بما يدفع ذلك ويمحوه.
وهو أن يتبع الحسنة السيئة

"والحسنة"
اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله تعالى:

وأعظم الحسنات الدافعة للسيئات التوبة النصوح
والاستغفار والإنابة إلى الله بذكره وحبه،
وخوفه ورجائه،
والطمع فيه وفي فضله كل وقت.

ومن ذلك
الكفارات المالية والبدنية التي حددها الشارع.


ومن الحسنات التي تدفع السيئات:

العفو عن الناس،
والإحسان إلى الخلق من الآدميين وغيرهم،
وتفريج الكربات،
والتيسير على المعسرين،
وإزالة الضرر والمشقة عن جميع العالمين.

قال تعالى:
{ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ }[1]

وقال صلى الله عليه وسلم :
"الصلوات الخمس،
والجمعة إلى الجمعة،
ورمضان إلى رمضان
مكفرات لما بينهن
ما اجتنبت الكبائر"

وكم في النصوص من ترتيب المغفرة
على كثير من الطاعات.

*******************
[1] سورة هود – آية 114.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:10 AM

ومما يكفر الله به الخطايا:
المصائب؛

فإنه لا يصيب المؤمن من هَمٍّ ولا غم ولا أذى،
حتى الشوكة يشاكها،
إلا كفَّرَ الله عنه بها خطاياه.

وهي إما فوات محبوب،
أو حصول مكروه
بدني أو قلبي،
أو مالي،
داخلي أو خارجي،


لكن المصائب بغير فعل العبد.

فلهذا أمره بما هو من فعله،
وهو أن يتبع السيئة الحسنة.


أبو فراس السليماني 28-06-14 01:10 AM

ثم لما ذكر حق الله
وهو الوصية بالتقوى
الجامعة لعقائد الدين وأعماله الباطنة والظاهرة

قال :
"وخالق الناس بخلق حسن".


وأول الخلق الحسن:

أن تكف عنهم أذاك من كل وجه،
وتعفو عن مساوئهم وأذيتهم لك،
ثم تعاملهم بالإحسان القولي
والإحسان الفعلي


وأخص ما يكون بالخلق الحسن:

سعة الحلم على الناس،
والصبر عليهم،
وعدم الضجر منهم،
وبشاشة الوجه،

ولطف الكلام والقول الجميل
المؤنس للجليس،
المدخل عليه السرور،
المزيل لوحشته ومشقة حشمته.


وقد يحسن المزح أحياناً
إذا كان فيه مصلحة،

لكن لا ينبغي الإكثار منه

وإنما المزح في الكلام
كالملح في الطعام،

إن عدم أو زاد على الحد
فهو مذموم.


أبو فراس السليماني 28-06-14 01:11 AM

ومن الخلق الحسن:

أن تعامل كل أحد بما يليق به،
ويناسب حاله من صغير وكبير،
وعاقل وأحمق،
وعالم وجاهل.

فمن اتقى الله، وحقق تقواه،
وخالق الناس على اختلاف طبقاتهم بالخلق الحسن
فقد حاز الخير كله؛


لأنه قام بحق الله
وحقوق العباد

ولأنه كان من المحسنين في عبادة الله ،
المحسنين إلى عباد الله.


أبو فراس السليماني 28-06-14 01:11 AM

الحديث الثامن عشر

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"الظلم ظلمات يوم القيامة"
متفق عليه.

هذا الحديث فيه التحذير من الظلم،
والحث على ضده وهو العدل.
والشريعة كلها عدل،
آمرة بالعدل،
ناهية عن الظلم.


قال تعالى:
{ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ } [1]،

{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ } [2]،

{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ
أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ
وَهُم مُّهْتَدُونَ } [3]

فإن الإيمان
أصوله وفروعه، باطنه وظاهره
كله عدل،

وضده ظلم.


فأعدل العدل وأصله:

الاعتراف وإخلاص التوحيد لله،
والإيمان بصفاته وأسمائه الحسنى،
وإخلاص الدين والعبادة له.


وأعظم الظلم،

وأشده الشرك بالله،

كما قال تعالى:
{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [4]


وذلك أن العدل وضع الشيء في موضعه،
والقيام بالحقوق الواجبة.

والظلم عكسه

فأعظم الحقوق.
وأوجبها:
حق الله على عباده:


أن يعرفوه ويعبدوه،
ولا يشركوا به شيئاً،

ثم القيام بأصول الإيمان،
وشرائع الإسلام من إقام الصلاة
وإيتاء الزكاة وصيام رمضان،
وحج البيت الحرام،
والجهاد في سبيل الله قولاً وفعلاً،
والتواصي بالحق،
والتواصي بالصبر.

ومن الظلم:

الإخلال بشيء من ذلك،




*******************
[1] سورة الأعراف – آية 29.
[2] سورة النحل – آية 90.
[3] سورة الأنعام – آية 82.
[4] سورة لقمان – آية 13.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:12 AM

كما أن من العدل:

القيام بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم
من الإيمان به ومحبته،
وتقديمها على محبة الخلق كلهم،
وطاعته وتوقيره وتبجيله،
وتقديم أمره وقوله على أمر غيره وقوله.


ومن الظلم العظيم:

أن يخل العبد بشيء
من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم
الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم،
وأرحم بهم
وأرأف بهم من كل أحد من الخلق،
وهو الذي لم يصل إلى أحد خير
إلا على يديه.


ومن العدل:
بر الوالدين، وصلة الأرحام،
وأداء حقوق الأصحاب والمعاملين.

ومن الظلم:
الإخلال بذلك.

ومن العدل:
قيام كل من الزوجين بحق الآخر.

ومن أخل بذلك منهما فهو ظالم.


وظلم الناس أنواع كثيرة،
يجمعها قوله صلى الله عليه وسلم
في خطبته في حجة الوداع:

"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم
عليكم حرام
كحرمة يومكم هذا
في شهركم هذا
في بلدكم هذا".

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:12 AM

فالظلم كله بأنواعه ظلمات يوم القيامة،
يعاقب أهلها على قدر ظلمهم،

ويجازى المظلومون من حسنات الظالمين.

فإن لم يكن لهم حسنات أو فنيت،
أخذ من سيئاتهم فطرحت على الظالمين.


والعدل كله نور يوم القيامة

{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ
يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم
بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ
جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ }[1]


والله تعالى حرَّم الظلم على نفسه،
وجعله بين عباده محرماً.

فالله تعالى على صراط مستقيم
في أقواله وأفعاله وجزائه.
وهو العدل.

وقد نصب لعباده الصراط المستقيم
الذي يرجع إلى العدل،

ومن عدل عنه
عدل إلى الظلم والجور
الموصل إلى الجحيم.

*******************
[1] سورة الحديد – آية 12.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:13 AM

والظلم ثلاثة أنواع:

نوع لا يغفره الله،
وهو الشرك بالله

{ إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ
أَن يُشْرَكَ بِهِ } [1]


ونوع لا يترك الله منه شيئاً،

وهو ظلم العباد بعضهم لبعض.

فمن كمال عدله:
أن يقص الخلق بعضهم من بعض بقدر مظالمهم.


ونوع تحت مشيئة الله:

إن شاء عاقب عليه،
وإن شاء عفا عن أهله.
وهو الذنوب التي بين العباد وبين ربهم
فيما دون الشرك.



*******************
[1] سورة النساء – آية 48.


الساعة الآن 08:32 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant