![]() |
إله ابن عجيبة ( 1 ) وهذا الذي تجرَّع الفاطمية الخبيثة ينقل في شرحه لحكم بن عطاء الله هذه الأبيات: أرَبٌّ وعبد، ونَفْيُ ضِدِّ؟ ** قلت له : ليس ذاك عندي فقال : ما عندكم؟ . فقلنا ** وجودُ فَقْدٍ، وفَقْدُ وَجْدِ توحيد حَقٍّ بترك حَقٍّ ** وليس حَقٌّ سوايَ وَحْدي ويشرحها بقوله: "ومعناها الإنكار على من أثبت الفرق، بأن جعل للعبودية محلاً مستقلاً منفصلاً عن أسرار معاني الربوبية، قائماً بنفسه، ولا شك أن العبودية تضاد أوصاف الربوبية على هذا الفرق، وأنت تقول في توحيد الحق: لا ضد له، فقد نقضت كلامك. ولذلك قال : ونفي ضد؟! فالواو بمعنى: مع، وهو داخل في الإنكار. أي : أيوجد رب. وعبد مستقل، مع نفي الضد للربوبية، والعبودية تُضَادُّ أوصافَ الربوبية ؟ ! والحق أن الحق تعالى تجلى بمظاهر الجمع في قوالب الفرق، ظهر بعظمة الربوبية في إظهار قوالب العبودية، فلا شيء، معه " ( 2 ) يريد الفاطمي الخبيث أن يقول: نحن نؤمن بأن الربوبية لا ضد لها، فإذا آمنا بوجود عبودية تغاير الربوبية في الذات والصفات، فقد تناقضنا ونقضنا ما قلناه، فالذي ينبغي الإيمان به هو الوحدة المطلقة، هو أن العبدَ عينُ الرب حتى لا نناقض قولنا: إن الرب لا ضدَّ له!! ( 3 ) وحسبك هذا من العِلْج الفاطمي!. ****************** ( 1 ) هو أحمد بن عجيبة الإدريسي الفاسي نسبة إلى فاس بالمغرب توفي في منتصف القرن الثالث الهجري ( 2 ) ص 209 وما بعدها إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ( 3 ) يقول جولد زيهر: "عمد الصوفية إلى إقحام آرائهم في القرآن والحديث بطريق التأويل، وهكذا ورثوا الإسلام تركة فيلون" ص 140 العقدية والشريعة. |
إله حسن رضوان ( 1 ) يقول في منظومته الكبرى "روض القلوب": فليس في الوجود شيء يشهد ** سواه، فالأشيا به تُوَحَّد والكثرة الموجودة الموهومةْ ** في ذاتها بوحدة معدومةْ والحقُّ في الأشياء جميعاً ظاهرُ ** وسرُّه قامت به المظاهرُ وكل ذَرَّةٍ من الذرات** تُنْبي بأن الكلَّ عين الذات فوحدة الوجود لا تفارقُ ** شيئاً، ولكن يستفاد الفارق فبالحدوث والفناءِ يوصفُ ** إذن، ولا يضر إذ يُعَرَّفُ ( 2 ) ثم يبشر سالك الطريق الصوفي بقوله: ولا يزال نوره يزيدُ ** حتى لديه يكمل التوحيدُ وسر وحدة الوجود ينكشفْ ** لعينه، ومنه ذوقاً يرتشفْ فتضمحلُّ الكثرة المشهودةْ ** له بنور الوحدة المقصودةْ فلا يرى بعينه المُوَحِّدةْ ** في الكون شيئاً غير ذات واحدةْ ( 3 ) ****************** ( 1 ) توفي سنة 1310هـ أي منذ نيف وستين عاماً!! ( 2 ) ص 269 روض القلوب المستطاب ط 1322هـ ( 3 ) ص115المصدر السابق |
من بواكير الزندقة وأصخ يا سماحة الشيخ إلى فحيح الزندقة ينفث سمها الأول طيفور البسطامي أبو يزيد : "خرجتُ من الله إلى الله ، حتى صاح مِنِّي فيَّ: يا من أنا أنت " ( 1 ) وإليه "سبحاني ما أعظم شأني "! ( 2 ) أرأيت إلى الأصنام الصغيرة. تدين بدين أمها الكبيرة ؟! ****************** ( 1 ) ص 160 جـ 1 تذكرة الأولياء ( 2 ) نفس المصدر السابق ونفس الصفحة |
تأليه الحيوان النجس هأنذا شرقت وغربت، وياسرت، ويامنت مع الصوفية أحباراً وكهاناً، قدامى ومحدثين، ونقلت عن سلفهم، وسِجِلِّ ماضيهم وحاضرهم، نقلت ما يدينون به في أمانةٍ لم يَجْنَحْ بها عن قُدْسِها غِلٌّ ولا حقد ولا غضب، نقلت هذا كله؛ ليؤمن مَنْ لا يزال على فكره وقلبه غشاوةٌ من سحر الصوفية، أن الصوفية – قديماً وحديثاً في النصرانية، وفي اليهودية، وفي دين مَنْ خدعوك بأنهم مسلمون – تؤمن بأن هذا الكون كله، حتى جيفَه ورِمَمَه وخنازيره، وكلابَه ماهو إلا حقيقةُ الرب الأعظم "هوية وإنية". ولذا ينقل محمد بهاء الدين عن زعيم صوفي قوله: وما الكلبُ والخنزيرُ إلا إلهنا ** وما اللهُ إلا راهبٌ في كنيسةِ ( 1 ) وناقل هذا صوفي يتمثل بهذا البيت الصوفي في روعة الحب الخاشع، ليكشف لك عن روحانية الجمال الصوفي !. هذه هي الصوفية في كتابها، فماذا ترى ؟ تؤمن بأن الله هو عين خلقه، وبأن الماخور عربدت فيه الأبالسة، عين المسجد تَبَتَّلَتْ فيه الرسل !. وأن الوثنية السامرية عين التوحيد الحق، وأن الحج إلى مَبْكى اليهود، أو "كَرْمل" ( 2 ) البهائية عين الحج إلى بيت الله. وما والله رميتُ الصوفية بفرية، بل بمَ يدينون به، ويدعون إليه، ويحبون أن يُعْرَفُوا به، فما رأي سماحة الشيخ الكبير ؟ ( 3 ) ****************** ( 1 ) النفحات الأقدسية شرح الصلوات الإدريسية ط 1314هـ ( 2 ) حيث ثوت رمة الهالك ميرزا حسين على الملقب ببهاء الله!! (3) قبل رأي الشيخ ننقل آراء بعض المستشرقين فيما جاء به الإسلام من التوحيد ، فهذا غستاف لوبون يقول – وهو يتحدث عن وحدة الوجود - : "إن الإسلام يختلف عن النصرانية، ولا سيما في التوحيد المطلق الذي هو أصل أساسي، فالإله الواحد الذي دعا إليه الإسلام مهيمن على كل شيء، ولا تحف به الملائكة والقديسون وغيرهم، وللإسلام وحده كل الفخار، بأنه أول دين أدخل التوحيد المحض، والإسلام وإدراكه سهل خال مما نراه في الأديان الأخرى، ويأباه الذوق السليم من المتناقضات والغوامض، ولا شيء أكثر وضوحاً ، وأقل غموضاً من أصول الإسلام القائلة بوجود إله واحد، وبمساواة جميع الناس أمام الله" ص 158 حضارة العرب ترجمة عادل زعيتر، ويقول سيديو: "من شأن مبدأ التوحيد الجليل الذي انتشر بين قوم وثنيين أن يضرم الحمية في النفس المتحمسة العالية، ويسود هذا المبدأ القرآن وإليه يعود إبداعه، ويبدو هذا التوحيد المحض جازماً تجاه علم اللاهوت الذي تورطت فيه الفرق النصرانية بعد أن زاد عددها بفعل البدع" ص 88 تاريخ العرب العام لسيديو ترجمة زعيتر ثم يقول في ص 89 من الكتاب: " ومحمد إذ كان رسول الخالق بلَّغ أن الله لا ولد له، وإن إله الكون واحد، وأن الله مصدر كل قوة، وأن إلى الله مرد من لم يجيبوا دعوته، ويود محمد أن يجتذب الناس إلى عبادة خالق كل شيء بغير واسطة" |
نور من القرآن وإشفاقاً على الصوفية أن يجدوا مشقة في إبصار الحق المتلألئ، أذكرهم بهدي الله من كتابه؛ ليعرف حقيقة النور مَنْ يخبط في تيه الظلام، ويدرك الحق من دَوَّخه الباطل، وينعم بالتوحيد من شقي بالشرك، ولعل الصوفي الضليل يتخذ من التذكير بآيات الله مَنْجَاةً له، فيجعلها حَكَماً يصدع بالحق والعدالة في شأن الصوفية. يقول رب العالمين: ( إنْ كُلُّ مَنْ في السموات والأرض إلا آتي الرحمنِ عبداً، لقد أحصاهم وعدَّهم عداً، وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً ) ( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش، يدبر الأمر، ما من شفيع إلا من بعد إذنه، ذلكم اللهُ ربكم، فاعبدوه، أفلا تَذَكَّرون، إليه مرجعكم جميعاً، وعد الله حقاً، إنه يبدأ الخلق، ثم يعيده ). يقول سبحانه : إنه خالق السموات والأرض، فتقول الصوفية: لا، بل هو عين السموات والأرض، وما فيهن من دابة! ويقول سبحانه : إنه يدبر الأمر، فتصرخ الصوفية: مَيْنٌ وبهتان، فنحن الذين يدبرون الأمر له! ويقول الله : ذلكم الله ربكم، فاعبدوه، فيضج كل طاغوت صوفي. لا : بل أنا الله لا إله إلا أنا! ويقول جل شأنه: إليه مرجعكم جميعاً، فتزعم الصوفية: إن معنى الرجوع هنا أن تعود الذات المتكثرة إلى وحدتها، فتعود حقاً، بعد أن كانت خلقاً!. ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق، فاعبد الله مخلصاً له الدين، ألا لله الدين الخالص، والذين اتخذوا من دونه ( 1 ) أولياء، ما نعبدهم ( 2 ) إلا ليقربونا إلى الله زُلْفَى، إن الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون، إن الله لا يهدي مَنْ هو كاذب كفار ( 3 ) ، لو أراد الله أن يتخذ ولداً، لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه، هو الله الواحد القهار، خلق السموات والأرض بالحق، يُكَّوِّر الليل على النهار، ويكوِّر النهار على الليل، وسخر الشمس والقمر، كلٌّ يجري لأجلٍ مُسَمَّى ألا هو العزيز الغَفَّار ، خلقكم من نفس واحدة، ثمَّ جعل منها زوجها، وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج، يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خَلْقٍ في ظلمات ثلاث ( 4 ) ، ذلكم الله ربكم له الملك ( 5 ) لا إله إلا هو ، فأنَّى تُصرَفُون ؟ ). يقول عزَّ من قائل: ( وما اختلفتم فيه من شيء، فحكمه إلى الله ( 6 ) ذلكم الله ربي عليه توكلت، وإليه أنيب. فاطرُ السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ( 7 ) ومن الأنعام أزواجاً، يذرؤكم فيه، ليس كمثله شيء ( 8 ) وهو السميع البصير ( 9 ) ). ( قل: هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد ) (10) فأينَ أينَ مِن هذا التوحيد المشرق بالحق الأعظم. تلك الأساطير المجوسية التي ينعق بها ابن عربي، وينعب ابن الفارض، وينبح الجيلي، وتعوي الصوفية ؟! واهاً لشيخ الصوفية الكبير، أيَغَار على الصوفية من مسلم يدعوهم إلى الإنابة إلى الله، ولا يغار على المسلمين مما تجنيه الصوفية عليهم، حتى لتكاد تزهِقُ ما بقي فيهم من أرْماقٍ شاحبة واهنة ؟! . أيغار على تلك الأساطير ، فيشكو إلى النيابة مسلمًا ، يحذر المسلمين من الترَدِّي فيها ؛ ثم لا يغار على الإسلام تكيد له كهنة الصوفية ****************** ( 1 ) يقولون: أما نحن، فنتخذهم معه!! وهل الشرك إلا هذا؟ ( 2 ) يقولون: أما نحن فندعوهم!! وهل الدعاء إلا العبادة، أو مخ العبادة؟ ( 3 ) وتزعم الصوفية أن الكاذب الكفار هو الرب الأكبر في صورة كاذب كفار ( 4 ) وتزعم الصوفية أن ربها هو ذلك الخلق المتطور في ظلمات ثلاث " العماء، الأحدية، الواحدية" ( 5 ) ويزعم الجيلي أن له الملك في الدارين ويزعم معه كذلك الأحبار!! ( 6 ) وتقول الصوفية بل حكمه إلى كتب ابن عربي أو الغزالي أو ابن الفارض، ويقول غيرهم بل: إلى كتب المذاهب الأربعة. ( 7 ) وتزعم الصوفية أن الله هو الذي جعل نفسه أزواجاً، فبدا حقاً في صورة خلق، أو إلهاً في صورة عبد!! ( 8 ) وتقول الصوفية كما ذكرتك: بل هو عين كل شيء ( 9 ) وتقول الصوفية على لسان ابن عربي والغزالي وغيرهما: بل هو عين كل سميع وعين كل بصير. (10) وتقول الصوفية: بل كل شيء هو له كفو إذ كل شيء في الوجود هو الذات الإلهية. |
جُبْن النفاق ولقد ناقشت أحد أتباعكم "الغَلابة"، فاعترف بالفصوص، وأنها حق جليل، وبالطبقات، وأنها سِجِلُّ كرامات مقدسة، فجئت بالمسكين صَوْبَ المذياع وكنت أحاضر في مكان كريم، يصخب عليه "الدراويش" في عيد وثني يحتفل فيه الصوفية بمولد الوَثن الزينبي – وبرأ الله زينب رضي الله عنها من بهتان الصوفية – ورجوت الدرويش الثائر أن يتلو على الحشود من كرامات الصوفية المسجلة في طبقات الشعراني، فما إن قرأ كرامة سيده "علي وحيش"، ورأى الجريمة الباغية، حتى ضرب الأرض بالكتاب صارخاً مُرْتاعاً: هذا مدسوس ( 1 ) فقلت للمسكين المفجوع في معبوده! : حنانـيـكَ، وهل يمكن أن يكفر الصوفية بهذا الكتاب ؟! ، أو يعترفون بأنه مدسوس ؟! فأجاب الدرويش – والحقد في عينيه جمرات تتوهج، وفي بدنه رِعْدَةٌ غَضبى - : إن من يدين بهذا، فهو كافر! ومن لا يعترف بأنه مدسوس، فهو كافر! ثم فرَّ مذعور الرياء ! وهكذا يا سماحة الشيخ، كلما خشي صوفي افتضاح معبود له، قال: مدسوس! حتى إذا خلا إلى شيطانه، قال : ينفذ الشيخ ما اطلع عليه من قدر الله المغيَّب! فعله طاعة، لا معصية!. وليس هذا شأن الصغار منكم، بل هو أيضا شأن أحباركم الكبار. فقد زعم لي مثل ذلك الزعم شيخ التيجانية في مصر حين صدمته ببهتان ابن عربي أمام دراويشه، وأمام أناس يحرص على أن يوقروه، ويعظموه!. ولقد قلت لذلك الصوفي الصغير، كما قلته من بعد لشيخه الكبير: سل الصوفية، وشيخهم الأكبر، أن يكفروا بتلك الكتب، فإن فعلوا. كان الخير الذي تظمأ النفس إلى معينه، وكفى الله المؤمنين القتال!. فهل تستطيع يا سماحة الشيخ أن تصنع باسم الله شيئاً كهذا ؟ أيمكن أن تصدر بياناً تعترف فيه بالحق غير هياب، ولا وجل، فتقول – مثلاً – فيه : "لما في الفصوص والطبقات و...، ... من مخالفة صريحة لدين الحق، فإنا نأمر أتباعنا، أن يكفروا بتلك الكتب ؟!" أم يمكن – مثلا آخر – أن تقول: "إن كتاب الفصوص، أو الطبقات، أو ... أو ... مدسوسٌ على من نسب إليه، لأن فيه، وفيما هو مثله كُفْراً !؟ " ليتك يا سماحة الشيخ تقدمها إلى الله صالحة !. ****************** ( 1 ) يقص الشعراني في طبقاته كرامات سيده علي وحيش معقباً على ذكر كل كرامة بقوله: رضي الله عنه: "كان الشيخ رضي الله عنه يقيم عندنا في خان بنات الخطا!! وكان كل من خرج "أي بعد اقتراف الجريمة الباغية" يقول له: قف، حتى أشفع فيك، قبل أن تخرج، فيشفع فيه!! وكان إذا رأى شيخ بلد، أو غيره، ينزله من على الحمارة، ويقول له: أمسك لي رأسها حتى أفعل فيها، فإن أبى شيخ البلد تسمَّر في الأرض لا يستطيع يمشي خطوة، وإن سمح حصل له خجل عظيم والناس يمرون عليه" ص 135 جـ 2 الطبقات ط صبيح. جريمة فسق منكرة تروى بألفاظ فاسقة وأسلوب فاسق. وإذا أبى صاحب الدابة إلا صيانة عرضها من وحيش عطبه وحيش!! ومع هذا يقول الشعراني عن وحيش: "رضي الله عنه"!!. |
إيمان الصوفية بكـتبهم إن الصوفية هنا، وهناك، وفي كل مكان يتربصون فيه بالإسلام، يؤمنون بكتبهم إيماناً عنيداً طاغياً يأسر منهم في قبضته القاهرة عواطف القلوب، ومشاعر النفوس وسبحات الخواطر، وتأملات الفكر، ويدينون بكل حرف فيها يرمز إلى أسطورة، وبكل كلمة تُفْشِي خرافة. فما تناوَحَتْ إحساساتهم بالحب إلا لها، وما فتك بالقلوب أُخْطُبوطهم إلا بها، وما قتلت عناكبهم ذباب النفوس إلا بلعابها السام!. بيْدَ أنهم حين يلقون المؤمنين، يقولون رياء ومخادعة: مدسوس!. حتى إذا خلوا إلى شياطينهم، قالوا: نفتن المؤمنين!. وإلا، فإني أُدَوِّي بِصَيْحَةِ الحق، تتحدَّى الصوفية وطواغيتها أن يجرؤ واحد منهم على القول: إن تلك الكتب مدسوسة!. أو يستنكر ما تطفح به من كفر، وليأتنا بأثارة من علم، أو ظن تدل على أنها دعِّيةُ النسب إلى من افتروها!. نعم أدوِّي بصيحة الحق: إن تلك الكتب ليست بمدسوسة، ويشهد بذلك التاريخ الحق، وتواتر النقل الصحيح، ولكن هَبُوها كذلك، فما ينفعكم، وأنتم بها تدينون، وتؤمنون إيمان عابد الخمر بالدِّنِّ والكأس والعربدة!. مدسوسة ! إنها التُّرْسُ الأخير، يلوذ به من يَنْأَدُّ منكم تحت صدمة الحق الصاعقة ! وشهادة زور تُفْتَرى؛ لينجو بها المجرم من عقاب جريمته!. |
زعمهم أن كـتبهم أسرار ورموز وآخرون من أُسارى الصوفية يزعمون أن تلك الكتب أسرار ورموز، لا يفقهها إلا أولئك الذين أباح لهم الغيب الخفي مكنونه، وقدس أسراره، أو الذين هتك الله عنهم الحجاب الأعظم، فخروا تحت عرشه سجداً يسمعون وحيه، ويسجلونه رموزا ( 1 ) من صفات القرآن يا هؤلاء أنه "بيان للناس" ومن الناس عالمون، وجاهلون ومنهم أميون وكاتبون وقارئون، ولكن الله جعله بياناً لهم جميعاً، ميسراً للذكر؛ ليعبد كل امرئ ربه على بصيرة. بيْدَ أني سأنحدر إلى فرية أولئك، فأزعم أن كتب الصوفية رموز مُقَنَّعة بالخفاء، وأسرار ملثَّمة بسحر الغيب!! ولكني أسائلك، كيف يُعْبد الله برمز مقنع بالإبهام، وسر مستغرق في الغموض يحمل من الكفر وجهاً ظاهراً ؟! أيحق لامرئ أن يعبد ربه بشيء أطبق عليه الجهل به، وبغير ما شرعه الله في كتابه، وأوحاه إلى رسوله ؟! أسائلك – ولا تغضب إذا ألحفت في تساؤلي -: أتفقهون يا كهنة الصوفية دلائل تلك الرموز، أم لا تفقهونها ؟ فإن تكن الأولى، فأبينوا لأتباعكم؛ لتطمئن قلوبهم بالمعرفة، ولنزداد في نقدكم إنصافاً، وإن تكن الأخرى، فإنها دين الببغاء تردد ما لا تعي. أما مع الحق، فأقول : لقد قرأت لابن عربي، ولابن الفارض، وغيرهما جُلَّ ما كتبوا، وما شرح به تلاميذُهم تلك الكتب، فلم أجد في كل ما قرأت رمزاً مستوراً ولا سِرَّاً خفياً، بل دلائل صريحة تكشف في جلاء صريح عن حقيقة معتقد الصوفية !! ترى أى رمز في قول ابن عربي : "العارف من يرى الله في كل شيء بل يراه عين كل شيء" ؟! إن ابن عربي خشي أن يتوهَّم أتباعُه حتى "الظَرْفِيَّة" المجازية في كل كلمة "في" أو الحلولية الحلاجية، وفيها ثُنَائية تناقض الوحدة، خشي ابن عربي ذلك، فأطاح الوهم بيقينه الجازم؛ ليؤمن الصوفية بوحدة الوجود إيماناً لا تنال منه شائبةُ وهم، ليؤمنوا بأن الله هو عين كل شيء، وأن كل شيء هو الله! ومن الأشياء القَيحُ المُنْتِن، والعِرْض الذبيح، والجريمة يشخب منها الدم البرئ !! أفي ذلك رمز؟ أم بيان صريح وقح الجرأة ، سفيه الزندقة ؟! إن الحق بَيِّنٌ يا سماحة الشيخ، فاهتف به لله، وأنصره لله، وإلا فالجزاء شديد بين يدي الله ( إذ تَبرَّأ الذين اتُّبِعُوا من الذين اتَّبَعوا، ورأوا العذاب وتَقطَّعَتْ بهم الأسباب ). ****************** ( 1 ) أما الدكتور فيليب حتى، فيقول: "ودين محمد عملي صريح، وقلما يشير إلى هدف عال يصعب نواله، ويكاد أن يكون خلواً من العقد اللاهوتية، وليس فيه أثر للأسرار الرمزية المقدسة، أو مراتب الكهنوت، وما رتبته أصول الرسامة والتكريس والخلافة الرسولية" "كلها مناصب دينية في المسيحية" ص 178 جـ 1 تاريخ العرب العام. في شعرهم ونثرهم!. |
الفصل الثالث دين الصوفية في الرسول "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده، ووالده، والناس أجمعين " ( 1 ) هذا قول سيد الخلق، خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم. ولقد بلوتَ مما ذكرَّتك به دينَ الصوفية، فهل لمحتَ فيه حتى لمحةً حَيْرى من حقٍّ حائر، أو نفحة وَلْهَى من خَيْر شَرُود ؟! هل لمحت منه بارقة خابية من حُبٍّ لله أو لرسوله صلى الله عليه وسلم ؟ ( 2 ) يقينُك، ويقين كل من يبتلي الصوفية يجزم بأنها ترفع فوق الكتاب المنزَّل أيَّةَ خُرافة يهرف بها درويش مَأْفُونٌ مَمْرور. ****************** ( 1 ) البخاري وأحمد وابن ماجه عن أنس ( 2 ) ما أروع تلك الكلمة التي قهر بها الحق حمدونا القصار الصوفي، فدمغ بها الصوفية حين سئل : ما بال كلام السلف، أنفع من كلامنا؟ فقال: "لأنهم تكلموا لعز الإسلام. ونجاة النفوس، ورضا الرحمن، ونحن نتكلم لعز النفس، وطلب الدنيا، وقبول الخلق" هذا قول زعيم صوفي في القرن الثالث الهجري فما بالك بما بعده؟ انظر ص 125 طبقات الصوفية للسلمي. |
أطوار الوجود الصوفية تدين الصوفية بأن الوجود الإلهي له أطوار، أو مراتب، أو تَنـَزُّلات، أو تَعَيُّنات أو نسب، أو إضافات، فكلها ذات مدلول خُرافي واحد !! وأولى تلك المراتب "العَمَاء" والوجود الإلهي في هذا الطور لا يوصف بوصف، ولا يُسمَّى باسم، ولا يُعرَّف بحَدٍّ ولا برسم. أو كما يقول الكمشخانلي: "اعلم أن حقيقة الذات الإلهية من حيث هي هي، امتدادها –أعني مدة بقائها- غير مضبوط لأنها من حيث هي كذلك لا وصف لها، ولا رسم، فهي العماء، إذ لا يمكن معرفتها بوجه من الوجوه، ما لم تتعيَّن بصفة. وأول هذه التعيُّنات علُمها بذاته، فهذه الصفةُ تَنَزُّلٌ لها من الحضرة الإلهية الذاتية التي لا نَعْتَ لها إلى الحضرة الواحدِيَّة التي هي حضرة الأسماء والصفات، وتُسمَّى : الحضرة الإلهية " ( 1 ) نقلت لك النص بتمامه، ليستيقن قلبك بأننا ننصف الصوفية، فلا نَسِمُهم إلا بما يحبون أن يُعرَفوا به. وقد يسمى الرب الصوفي في تلك المرتبة بالوجود المُطلَق، بَيْدَ أن النابلسي في غُلُوِّ التجريد الذي ينتهي به إلى العدم المطلق، ينزه الوجود في تلك المرتبة حتى عن الإطلاق، لأن وَصْفَهُ بالمطلق قَيْدٌ، أو صفة له، فيستلزم أن يكون المطلق مقيداً، والمقيد مطلقًا ( 2 ) ، فيتوتَّر التناقض بين وصفيه، ويستلزم أن تكون له صفة، وهو مجرد كل التجريد في ذلك الطور عن الاسم والصفة!! ولقد أراد هذا "العماء، أو الوجود المطلَق" أن يتعيَّن في صورة؛ لِيُعْرَف ولِيعْرِف نفسه ( 3 ) فتَعيَّنَ في صورة "الحقيقة المحمدية"، فكانت هي التعيُّن الأول للذات الإلهية، أو الفَتْقَ بعد الرَّتْقِ، أو مِعْبَرَ الوجود من الإطلاق إلى التقييد، أو من العماء إلى الأحدية ثم الواحدية !! ****************** ( 1 ) ص 93 جامع الأصول للكمشخانلي ( 2 ) رغم هذا، فهو واقع في التناقض، لأن الوصف بالسلب، أي عدم الإطلاق، قيد أيضاً للوجود، كالوصف بالإيجاب!! ( 3 ) هذه علة وضع الحديث الصوفي "كنت كنزاً مخفياً، فأردت أن أُعْرَف، فخلقت الخلق، فبي عرفوني" ويفسر الصوفية" فبي" بكلمة "محمد" لأنها تساويها في العدد في حساب الجمل!! |
الحقيقة المحمدية يعرفها الصوفية بقولهم: "هي الذاتُ مع التعيَّن الأول، ولها الأسماء الحسنى وهي اسم الله الأعظم" ( 1 ) فمحمد الصوفية ليس بشراً، ولا رسولاً، وإنما هو الذات الإلهية في أسمى مراتبها !! ويقول الدمرداشي : "حقيقة الحقائق هي المرتبة الإنسانية الكمالية الإلهية الجامعة لسائر المراتب كلها، وهي المسماة بحضرة الجميع، وبأحدية الجمع، وبها تتم الدائرة، وهي أول مرتبة تعيَّنت في غيب الذات، وهي الحقيقة المحمدية "( 2 ) ويقول الكمشخانلي : "صُوَرُ الحق هو محمد ؛ لتحققه بالحقيقة الأحدية والواحدية " ( 3 ) فمحمد عندهم هو الاسم الأعظم، فما الاسم الأعظم؟ إنه "الجامع لجميع الأسماء، أو هو اسم الذات الإلهية من حيث هي هي أي المطلقة "!!(4) ومحمد هو الأحدية ! فما هي؟ إنها "مجلى الذات الإلهية ليس للأسماء، ولا للصفات، ولا لشيء من مُؤثراتها فيه ظهور، فهي اسم لِصَرافَةِ الذات المجرَّدة عن الاعتبارات الـحَقِّيةِ ( 5 ) والـخَلقِيةِ ( 6 ) ". ومحمد هو الواحدية، فما هي عندهم؟ إنها "عبارة عن مَجْلَى ظهور الذات فيها صفة، والصفة فيها ذات" ( 7 ) والفرق بين الأحدية والواحدية : "أن الأحدية لا يظهر فيها شيء من الأسماء والصفات، أما الواحدية فتظهر فيها الأسماء والصفات"( 8 ) وبهذا يتجلى لك أن الصوفية تعتقد في محمد أنه هو الله سبحانه ذاتاً وصفة، وأنه هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وأنه هو الوجود المطلق، والوجود المقيَّد، أنه كان لا شئ قبله، أو معه، ثم تعيَّن في صور مادية سُمِّىَ في واحدة منها بجماد، وفي أخرى بحيوان، وهكذا حتى اندرج تحت اسمه كل مسمَّى، وصدقت ماهِيَّتُه على كل ماهيَّة! ****************** ( 1 ) انظر تحت المادة جامع الأصول في الأولياء للكمشخانلي والتعريفات للجرجاني ( 2 ) ص 7 رسالة في معرفة الحقائق لمحمد الدمرداشي ( 3 ) ص 107 جامع الأصول للكمشخانلي ( 4 ) ص 92 المصدر السابق ( 5 ) أي لا توصف بأنها حق، أو خلق في تلك المرتبة ( 6 ، 7 ، 8 ) عن جامع الأصول تحت مادتي الأحدية والواحدية وعن الإنسان الكامل للجيلي جـ 1 ص 30 |
من هدي الله ذاك هو محمد الصوفية، أما محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، فقد جلا لنا ربُّه وخالقه، ومن اصطفاه رحمة للعالمين. جلا لنا حقيقته في قوله الحكم: ( قل: إنما أنا بشرٌ مثلكم يُوحَى إليَّ أَنَّما إلهكم إله واحد). ترى هل يصدق على كل بشري أنه هو ذات الله، واسمه الأعظم ؟ إن الدين الصوفي يستلزم هذه الزندقة ، بل يستلزم إطلاق تلك الصفات والأسماء على فرعون وأبي جهل – وغيرهما من طواغيت الكفر – فيصف كُلاًّ منهم بأنه : هو الوجود الإلهي في تعينه الأول؛ إذ كلهم بشر!. ونحن نؤمن – كما هدى القرآن والسنة – بأن أول خلق الله هو القلم أو العرش فمتى خُلقت أسطورة الحقيقة المحمدية الصوفية ؟! ونعلم بالتواتر القطعي أن عبد الله بن عبد المطلب تزوج آمنة بنت وهب، وأنهما أنجبا طفلاً سمي محمداً، وأنه نشأ نشأة الخير والطهر والشرف والكرامة، وضيء الطفولة، نقي الصِّبا طهور الشباب؛ فلم يشب نقاء صباه ريبةٌ، ولم تهف بقدس شبابه نَزْغةُ هوى، ولا نَزْغة صَبْوَة، فكانت دنياه كلها معبداً يطيب أصائله وعشاياه وأسحاره بذكر الله وحده. ونعلم أنه جَدَّ في الحياة راعي غنم، ثم تاجراً، فكان في حاليه المثل الأعلى في الجِدِّ القوي الصالح، والأمانة التي تعتصم بالتقوى، والحكمة الحكيمة في كل ما يُصَرِّف به شئون دنياه، والرعاية التي تقدس الحق والواجب لكل ما حُمِّل من أمانة، وأنه كان في كل أطوار حياته الكاملَ في الأدب والخلق، وحكمة العقل وسمو العاطقة، ونباغة الفكر، وقوة الإرادة ومضاء العزيمة، وجلال الشرف، وعزة الكرامة، ونبل المروءة، وكرم الإيثار والنجدة، وسماحة النفس، فلم يغمر قلبه إلا حب الله، ولم تنزع به الإرادة إلا إلى الخير، ولا العاطفة إلا إلى السمو، ولا الفكر إلا فيما ينال به رضاء الله. جواداً مِسْمَاحاً في سخائه وبِرِّه، محسناً كل الإحسان في كل ما أنعم الله به عليه، فلم يغضب إلا للحق، ولم يجبن إلا عن الذنب، ولم يطمع إلا فيما هو عند الله، ثم اصطفاه ربه خاتماً للنبيين، فجاهد في الله حق جهاده، وبلَّغ كل ما نُزِّل إليه من ربه، وشهد الله له بذلك، ثم قبضه الله إليه بعد أن صارت كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فصلوات الله وسلامه عليه. هذا قبسٌ نستهدي به من حياة محمد صلى الله عليه وسلم، فقل لي عن الحقيقة المحمدية، تلك الأسطورة الصوفية الموغلة في تيه القِدم والعدم: مَن أبوها ؟ مَن أمها ؟ ومِم خُلقت ؟ ولمنْ أُرسِلَت ؟ |
شأن محمد وتزعم الصوفية أن شأن محمد هو شأن الله !! اسمع إلى صوفي يقول: "شأنُ محمد في جميع تصرفاته شأن الله، فما في الوجود إلا محمد" ويقول : "لا يُدْرى لحقيقته غاية، ولا يُعْلَم لها نهاية، فهو من الغيب الذي نؤمن به" ويقول : ولما كانت بشريته صلى الله عليه وسلم نوراً محضاً، كانت فضلاته مقدسة طاهرة، ولم يكن لجسمه الشريف ظل كالأجسام الكثيفة، وهذا النور المحمدي، هو المَعْنِيُّ بروح الله المنفوخ في آدم، فروح الله نور محمد " ( 1 ) ****************** ( 1 ) هذه النصوص عن كتاب النفحات الأقدسية للبيطار ص 9 ، 11، 13 |
المهاجر من مكة يقول ابن عربي: "اللهم أفِضْ صِلةَ صلواتك وسلامة تسليماتك على أول التَّعَيُّنات المفاضة من العماء الرباني ( 1 )، وآخر التَّنَزُّلات المضافة إلى النوع الإنساني، المهاجر من مكة – كان اللهَ ( 2 ). ولم يكن معه شيء ثانٍ – إلى المدينة، وهو الآن على ما عليه كان، مُحْصِي عوالم الحضرات الخمس ( 3 ) في وجوده، سر الهُوِيَّة في كل شيء سارية، الجامع بين العبودية والربوبية الشامل للإمكانية والوجوبية ( 4 )" أرأيت إلى قطب الصوفية الأكبر في غَيِّ إلحاده الأكبر، يفتري أن محمداً هو الله، وتأمل دهاء مكره، فيما يعبر به عن كفره، في قوله: "المهاجر من مكة كان الله ولم يكن معه شيء ثان إلى المدينة" إنك حين تقرأ تلك الجملة دون تدبر ستظن أن فيها خللاً، وأن جملة "كان الله، ولم يكن معه شيء ثان" لا صلة لها بما قبلها، ولا بما بعدها، وأعترف أني خُدِعْت، فظننت أن هذه الجملة مقحمة، وحرت في إدراك هدف ابن عربي من وضع تلك الجملة التي تبين عن حق كريم بين باطل عربيد وآخر لئيم! بيد أني عدت إلى النص أتلوه، وفي فكري دين ابن عربي، وثَمَّتَ بدالي هدفُه في وضح وجلاء، وتبين لى أن الجملة ليست مقحمة، وإنما هي لحمة دينه وسداه، فَلْنَعُد إلى الجملة نرتبها كما تحتم قواعد اللغة الصحيحة "المهاجر من مكة إلى المدينة كان اللهَ، ولم يكن معه شيء ثان" ما زدنا شيئاً على قوله، ولا نقصاً منه، وكل ما فعلناه هو وضع قوله : "إلى المدينة" موضعه، بعد أن نأى به ابن عربي عنه؛ ليمكر به، ويلتوي على القراء فهمه! بهذا يبدو لك جلياً أن ابن عربي يفتري أن المهاجر من مكة إلى المدينة لم يكن هو محمداً رسول الله، وإنما كان هو الله متجلياً في صورةٍ اسمُه فيها "محمد". ولا ريب في أنك تعرف أن صاحب الرسول في الهجرة كان أبا بكر غير أن ابن عربي يقول : "ولم يكن معه شيء ثان" يعني أن أبا بكر هو الآخر لم يكن إلا الله متعيناً في صورة اسمه فيها: "أبوبكر"! ومات محمد صلى الله عليه وسلم، ومات من بعده أبوبكر! فأيُّ إله هذا الذي يتجرع غصة الموت مرتين؟ بل ما ذلك الإله الذي يموت ويحيا في كل لحظة آلاف المرات ؟! لقد دانت الصوفية بأن الرب الأكبر هو عين خلقه! وفي كل لحظة يعبر بها الوجود تفنى حياة، وتنبثق حياة، فياللصوفية! يعبدون رباً يموت آلاف المرات، ويولد آلاف المرات في آن واحد! ومحمد الصوفية له مظهران، أو اعتباران، فهو عبد أو خلق باعتبار ظاهرة، وهو رب أو حَقٌّ باعتبار باطنه، ولهذا يصفه ابن عربي – باعتبار ظاهره – بأن له العبودية ويصفه – باعتباره باطنه – بأنه له الربوبية! يصفه بأن له الإمكانية باعتبار ناسوته، وبأن له الوجوبية، باعتبار لاهوته!. والنابلسي في شرحه لصلاة ابن بشيش يقول : "ما صلى على محمد إلا محمد، لأن صلاة العبيد عليه، صدرت منهم بأمره منهم من صورة اسمه " ( 5 ). ****************** ( 1 ) العماء عند الصوفية"هو الحضرة الأحدية، وهذه تتعين بالتعين الأول لأنها محل الكثرة وظهور الحقائق والنسب الأسمائية" جامع الأصول مادة العين. ( 2 ) نصب لفظ الجلالة باعتباره خبراً لكان، فيكون معنى الجملة "المهاجر من مكة هو الله". ( 3 ) يجعلها القاشاني ثلاثاً فقط "الفردية وهي حالة وجود الذات الإلهية في عين الجمع حيث كانت، ولم يكن معها شيء ثان، الثانية حضرة الوترية وهي حالة بقائها بعد فناء كل شيء في مقام الجمع، الثالثة حضرة المعية وهي حالة وجودها مع كل شيء في عالم التفرقة، والأولى ما وردت الصفات منها، والثانية ما صدرت إليها، والثالثة ما وردت إليها ثم صدرت عنها" كشف الوجوه الغر ص 133 ( 4 ) ص 2 مجموع الأحزاب ط استامبول سنة 1298هـ ( 5 ) ص 557 مجموع الأحزاب ط استامبول |
كَرَّةٌ من الحق على الباطل أما محمد خاتم النبيين، صلى الله عليه وسلم فيهدينا الله إلى حقيقته بقوله : ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أَفَإِنْ مات، أو قُتِلَ انقلبتم على أعقابكم ؟ ). في قوله سبحانه " خلت من قبله الرسل " حجة من الحق تزهق الباطل الصوفي كله. وأما اعتقاد المسلمين في نبيهم الحق، فهو أنه صلى الله عليه وسلم "بشر مثلنا يوحى إليه" فالقرآن – وهو كلام الله وهداه ورحمته – يفرض عليهم الإيمان بذلك، فلا مناص من الإخبات له بالقلب والفكر والشعور، ويزيدنا القرآن هدى؛ إذ يقرر أن بشرية الرسول الأعظم مثل بشريتنا، في أسلوب من القول مشرق الإعجاز في بلاغة البيان وفصاحته، في أسلوب يفرض على الفكر الإيمان بمعناه البيِّن دون أن يشتبه معناه الحق حتى على الأمي الجاهل، وذلك في قوله : ( قل: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إِلَيَّ أنما إلهكم إلهٌ واحد ) كلامٌ هو الحق والحكمة والهدى في أسلوب جَليٍّ جَليٍّ مُحكَم مُحكَم، لا يأذن حتى لخاطرة واهية من ظنٍّ أن تقتحم عليك قُدْسَ يقينك، أو أن تحوم خُفْيَةً حوله أو تفسد عليك شيئاً ما من فهمك لمعنى الآية. ومن تدبر " بشر مثلكم" لرأى أشعة الهدى الإلهي الأعظم تغمر حوله الوجود كله، وتهديك إلى الحق الذي يجب أن تؤمن به. ألا تراها تجعل بشريتنا هي المقياس الذي به نَقيس بشرية رسول الله الكريم، حتى لا يفتننا حب هذه البشرية الطهور، فنظنها خلقاً آخر، أو نوعاً من البشرية يغاير في حقيقته بشريتنا، فلا ندرك كنهها، ولا شيئاً من خصائصها؛ لأنها لم تتحقق إلا في فرد واحد ؟ لقد كان يكفي في الدلالة على المعنى أن يقال : "قل: أنا بشر" أو"أنتم بشر مثلي" ولكنه سبحانه – وهو الحكيم العليم الخبير – شاء أن يعرفنا بشرية محمد صلى الله عليه وسلم بما نعرفه نحن من خصائص هذه البشرية التي فطرنا عليها، وبما نبتليه من قِيَمِها ومُقوِّماتها، وبما نعالج من غرائزها وعواطفها ( 1 ) وبما نعلمه- عن الله – من حقيقة بدئها. وغاية منتهاها، وبما نتجاوب به مع رُوَّاد الوجود من حب أو كراهية. ولذا طَعِم صلى الله عليه وسلم، وشرب، وتزوج، ونَجَل خير البنين. وذاق الشبع والجوع والمرض، ومست قلبه الأحزان، وذرفت عيناه الدموع، وجاشت نفسُه برحمة البكاء، وغير ذلك مما قضاه الله على البشرية من أقدار في هذه الحياة، ثم جاءه صلى الله عليه وسلم ملك الموت الذي وُكِّلَ بنا. غير أن بشريته صلى الله عليه وسلم آمنت حق الإيمان بما هداها الله إليه، وأنعم عليها به، فأدت حق الله كاملاً من الحق والشكر، وحلَّقت فوق قمة السمو الإنساني الأعظم، فكانت وحدها هي النجم الأرفع الأسمى، وتألقت بعبوديتها الخالصة فوق أعلى أفق للتوحيد الخالص، فما زلَّت بها عاطفة لإثم، ولا هفت بها غريزة إلى ذنب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم اتخذ الله وحده رباً له، وجعل رضاه غايته والدعوة إليه هدف كفاحه وجهاده. والغاية العظمى لدنياه، والفلك الأعظم الذي تدور فيه حياته. ثم تدبر ما حكم الله به على المشركين الذين قالوا : ( ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ) إنه جلَّ شأنه حكم عليهم بأنه ضلوا فلا يستطيعون سبيلاً! لتعلم أن هذا الذي استنكره المشركون ليس إلا قدر الله العدل الحكيم الذي قضاه على البشرية، وقسطاً من أقساطها في الوجود. وأنه لا يمس مقام النبوة بأثارة من ضِعَةٍ، إذ النبي – قبل كل شيء – بشر، والبشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق!. وتدبر ما وصف الله به رسله جميعاً ( وما جعلناهم جسداً لا يأكلون الطعام وما كانوا خالدين ) ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق ) تدبر هذه الآيات؛ لترد بها فرية الوثنية التي تزعم أن محمد صلى الله عليه وسلم نجم الحياة الأبدية الخالدة في الدنيا، وأن فضلاته كانت مقدسة طاهرة وإشعاعاً من أضواء الربانية!. لماذا – إذن – كان يتوضأ صلى الله عليه وسلم، ويتيمم، ويغتسل؟. وتدبر خطاب الله لنبيه ( إنك ميت، وإنهم ميتون ) ذُكِرَ موتنا عقب ذكر موته؛ لنهتدي إلى أن الموت الذي قُضِيَ علينا هو عين الموت الذي قُضِيَ على نبيه صلى الله عليه وسلم! ورغم هذا – على ما فيه من وَضَحٍ وجلاء – وُجِدَ من يزعم أن موت محمد معناه الحياة السرمدية، وُجِدَ من يضع للفظ نقيض معناه، أو يضع للفظ إسفاف الشهوة من هواه!. يقول الصوفية: "إنه صلى الله عليه وسلم يحضر كل مجلس، أو مكان أراد بجسده وروحه، وأنه يتصرف، ويسير حيث شاء في أقطار الأرض وفي الملكوت، وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته، لم يتبدل منه شيء " ( 2 ) . وتدبر تلك الآيات التي يعاتب الله فيها سبحانه نبيه : ( وإن كادوا ليفتِنُونَكَ عن الذي أوحينا إليك؛ لتفتري علينا غيره، وإذاً لاتخذُوك خليلا، ولولا أن ثبَّتناكَ، لقد كِدْتَ تركن إليهم شيئاً قليلاً، إذا لأذقناك ضِعْفَ الحياة وضِعْفَ الممات، ثم لا تجد لك علينا نصيراً ). وَعِيدٌ جليل الكبرياء، أَحَدِيُّ القهر والجبروت، أفتدرك منه وعيدَ ربٍّ لمثله، أو لنفسه، أم وعيدُ قادر قهار متعال له ملكوت السموات والأرض لأشرف عباده، وخاتم رسله ؟! أفلو كان محمد رباً يشرك الله في ربوبيته وإلهيته – كزعم الصوفية – أكان يبتليه الله بمثل ذلك الوعيد الذي يغمر النفس خشيةً ورهبة، ويقهر عبوديتها قهر الرضى والحب على أن تُخبِتَ لله وحده، وعلى ألا تتعدى حدوده قَيْدَ لحظة، أو خاطرة !؟. وهل أشد على نفس المؤمن من أن يتوعده الله بفقدان النصير، وبعذاب يتجرعه ضعف الحياة، وضعف الممات ؟! أفي قضايا العقل – ودينكم يؤمن بربوبية محمد – أن يتوعَّد الربُّ نفسه، وينذرها بعذاب الحياة والموت تصلاه ضعفين، وبالوحدة الصَّمَّاء تقتل في النفس الشعور بالحياة ؟! ****************** ( 1 ) غرائز البشرية الصالحة وعواطفها نفس غرائز البشرية الطالحة وعواطفها في الفطرة والفرق أن صاحب الأولى وجهها وجهة الخير، ووجهها الآخر وجهة الشر ( 2 ) ص 219 جـ 1كتاب رماح حزب الرحيم لعمر بن سعيد الفوني ط 1345 |
أشرف صفات الرسول في أشرف مقاماته والله سبحانه يصف رسوله بأشرف الصفات – وهي العبودية – في أشرف مقاماته، وأخلدها ذكراً، وأجلها أثراً وغاية ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ) يصفه ربه بالعبودية الصرفة الخالصة وحدها في تلك الليلة التي استشرف فيها قمة السُّمُوِّ الأعظم، وتألقت أمجادُه الخوالد الذكريات. آه لو قيل : "أسرى بمحمد" فحسب، إذن لراح الصوفية يثيرون ما يفتنون به من شبهات لا تجد من اللفظ النور القوي الذي يبددها، أذن لآلَوْا أن محمداً لم يكن بشراً، ولا عبداً، وإنما كان روحاً إلهياً سُخِّرت لقدرته الآفاق، وعُبِّدت لقهره مُتونُ الفضاء، فجاءت كلمة "عبده" في الآية حجة الحق المتلألئة التي تبيد الظنون، وتبدد كل شبهة تختلس الفتنة للعقول بأوهامها. جاءت برهاناً ربانياً – لا ينقض أبداً – على أن محمداً صلى الله عليه وسلم، ما كان إلا بشراً يُوحَى إليه، حتى في تلك الليلة التي وقف فيها دون عرش ربه الأعظم، يقبس من نور الله وهداه، فما بالك به في كل أصائل عمره وعشاياه ؟!. ويصفه سبحانه بالعبودية في مقام الدعوة إليه ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه، كادوا يكونون عليه لبداً ) وتدبر إضافة "عبد" إلى "الله" ليغمرَ يقينُ الحق قلبك، فلا يشتبه عليك الفرق الجليل العظيم الكبير بين عبودية محمد وربوبية ربه وألوهيته، ولا تفتنك مجوسية الصوفية تبهت الحق بزعمها أن محمداً هو الله !! ويصفه سبحانه بالعبودية في مقام هو الفيصل الحق الأكبر بين كون محمد دعياً، وكونه نبياً، ذلك هو مقام التحدي بالمعجزة العظمى، معجزة القرآن ( وإن كنتم في ريبٍ مما نزَّلنا على عبدنا، فأتوا بسورة من مثله ). والرسول نفسه يضع لنا على الطريق منارات؛ حتى لا نحيد عنه، فنهلك، ويرشدنا إلى الحق؛ حتى لا تزيغ بنا غلواء الشاعرية في الحب، فيقول صلى الله عليه وسلم: " لا تطروني، كما أطرت النصارى المسيح بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله " ويدوِّي صوته الأخاذ الرائع بصيحة الحق، يعظ بها ذلك الصحابي الذي جرفه غلو الحب، فقال لنبيه :"أنت سيدنا!" فصاح به؛ ليصمت، ثم أرسلها تعبر الأجيال والأحقاب والدهور عظةً شافية هادية " إنما السيد الله تبارك وتعالى " ( 1 ) فما إن تهامست تحت قبة الفلَك الأصداء الراعشة الخافتة الواهنة المذعورة من قَوْلة الصحابي، حتى تجاوبَ الوجودُ كله بِدَوِيِّ الصيحة الهادية من الرسول، تحول بين الأخرى وبين أن تطمئنَّ في سمع، أو تهز وتراً من قلب، وما زالت قلوب المؤمنين تتجاوب بعظة محمد العظيم في حب وإجلال. فصلى الله عليه وسلم. وفي الصلاة – وهي شعيرة الحب العابد – علمنا الرسول عن أمر ربه أن نشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، ولكن الصوفية تأبى إلا أن تدين بأن ذلك الحق باطل وخطيئة، فتكذب الله ورسوله، وتقول: لا بل محمد هو الرب الأعظم! وفي حديث الشفاعة يقص علينا الرسول صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام – وقد ناشده الخلق أن يستأذن ربه في أن يشفع لهم عيسى عنده – يقول: "اذهبوا إلى محمد عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" ولكن الصوفية تأبى إلا اتهام عيسى بالحقد على محمد، وجحود فضله، فتقول : لا، بل هو رب نعبده، ونضرع إليه أن يهب لنا ما يملكه الله وحده، فيهتف الصوفية حتى يصكوا سمع الصخر – إن كان له سمع - :"الشفاعةَ يا محمد"! تدبر ما ذكرتك به من آيات الله؛ لتؤمن أن محمداً صلى الله عليه وسلم، لم يبلغ ما بلغ من عظمة وكمال وسمو إلا بإخلاص الدين لله وحده، وأنه كان بشراً يوحى إليه، لا الله، ولا شريكه كما تفتري الصوفية ! ****************** ( 1 ) عن حديث رواه النسائي بسند جيد |
آراء المستشرقين ( 1 ) ومما يلوع النفس بالحسرة، والقلب بالأسى أن يدرك المستشرقون – على عداوتهم للإسلام – هذا الحق، ويظل الصوفية – ومنهم أحبار كبار يختالون أنهم أئمة الإسلام – مصرين في جحود أصم على عداوة ذلك الحق. يقول نيـكـلسون : "إذا بحثنا في شخصية محمد، في ضوء ما ورد عنه في القرآن من آيات، وما أُثر عنه من الحديث في الصدر الأول، وجدنا الفرق شاسعًا بين الصورة التي صُوِّر بها في ذلك العهد، وبين الصورة التي صَوَّر بها الصوفية أولياءهم، أو تلك الصورة صور بها الشيعة إمامهم المعصوم. وظهر من المقارنة أن صورة شخصية الرسول لا تـَفْضُل عند الموازنة صورة الولي الصوفي، أو صورة الإمام الشيعي، إن لم تكن دونهما، ذلك أن الولي الصوفي والإمام المعصوم، قد وُصفا بجميع الصفات الإلهية، بينما وصف الرسول القرآن بأنه بشر فيه كل ما للبشر من صفات، وأنه ينزل عليه الوحي من ربه بين آنٍ وآخر، ولكنه لا يتلقاه مباشرة عن الله، بل بواسطة الملَك، وأنه لم ير الله قط، أو يطلع على أسراره، وأنه لا يتنبأ بالغيب، ولا يفعل المعجزات، أو خوارق العادات، بل هو عبد من عباد الله ورسول من رسله " ( 2 ) ثم يتحدث الرجل عن محمد عند الصوفية، فيقول : " فمحمد إذن ليس المصدر الذي يستمد منه جميع الأنبياء والأولياء علمهم بالله، فحسب، بل هو الحقيقة الإلهية السارية في الوجود بأسره، كما أنه العلة الأولى في خلق كل ما هو مخلوق، والعقل الكلي الذي يصل ما بين الوجود المطلق "الله" وبين عالم الطبيعة، وليس العالم إلا صورة الحقيقة المحمدية، كما أن الحقيقة المحمدية ليست إلا صورة الله" ( 3 ) ويقول جولدزيهر: "إن صورة النبي كما صورتها السنة، قد أصابها التعديل والتحوير، لكي تتلاءم مع تقديس الأولياء، حتى نجم عن ذلك أن العقائد الشعبية، وضعت صورة للنبي تتعارض تماماً مع البيانات البشرية التي صَوَّر بها القرآنُ والسنة مؤسسَ الإسلام الأول " ( 4 ) ويقول هنيرش بكر : "من الثابت أن الغنوص ( * ) قد أثَّر في إيجاد هذه الصورة التي صورتها العصور الوسطى الإسلامية المتأخرة لمحمد، وكان سببًا في إيجاد ما يشبه عبادة محمد، وهذه العبادة، وتلك الصورة مخالفتان لما كان عليه الإسلام الأول كل المخالفة، أما أولياء الله في الإسلام، ففي مقابل الأرواح القدسية في الهيلينة "هم الكائنات الروحية الوسيطة بين الذات الإلهية وبين المادة عند الغنوصية" حتى أن محمداً – وهو نموذجهم الأعلى – ينتهي بأن يصبح هو العقل الموجود منذ الأزل، وأن يكون الرحيم المُخَلِّص القدير، وعن طريق هذا المذهب، انقلبت فكرة الوحي التي كانت موجودة في الإسلام الأول إلى ضدها " ( 5 ) ويقول فيليب حتى : "والعقيدة الثانية في باب الإيمان هي أن محمداً رسول الله، وخاتم النبيين، وفي علم الإلهيات القرآني ليس محمد إلا بشراً لم يُتم الله على يده من العجائب غير إعجاز القرآن، إلا أن التقاليد والأساطير التي اصطنعتها العامة، من بعد، نسجت حول هامة الرسول هالة من النور الإلهي " ( 6 ) وهكذا يدرك يهود ومسيحيون حقائق من الإسلام يتعامى عنها أحبار الصوفية، لقد تجرد أولئك المستشرقون قليلاً من التجرد، ولكنهم فهموا كثيراً من الفهم الصائب، فوصفوا الحق ببعض صفاته، ولولا أنك على بينة من عقائدهم الأسطورية الباطلة، لظننتهم في قولهم هذا مسلمين يتهجدون في المحاريب في نور من القرآن!. أوَ يرضيك أن يصدع بذلك الحق، قوم لم تلن قلوبهم لدين الحق، وأن يسجد الصوفية للباطل، يعبدون خرافاته، ويمجدون أساطيره، ويزعمون أنهم أئمة الدين وأعلامه!. لقد تزعمتَ يا سماحة الشيخ هذه الجماعة التي دَوَّخها الباطل، فَهَلَّا ذَكَّرتهم بهدي الله، وجاهدتهم؛ لتحملهم عليه، فيؤمنوا به، وتخبت له قلوبهم ؟! ****************** ( 1 ) لا أذكر رأي هؤلاء احتجاجاً به، وإنما هو لبيان أن هذا الحق، قد أدركه هؤلاء المستشرقون على عدواتهم، فقرروه. على حين يعاديه الصوفية ويكفرون به ( 2 ) ص 158 في التصوف الإسلامي ترجمة الدكتور عفيفي ( 3 ) ص 160 المصدر السابق ( 4 ) ص 234 العقيدة والشريعة لجولد زيهر ( 5 ) ص 12 التراث اليوناني ترجمة الدكتور بدوي ( 6 ) ص 177 جـ 1 تاريخ العرب العام لفيليب حتى ============== ( * ) الغنوصية هي ، في الأساس ، مذهب تأليفي أو توفيقي يُراد به تذويب جميع التيارات الفلسفية والدينية لمزجها فيه ، سواء كانت وثنية أو مسيحية . وهذا المذهب ، الذي يسعى الى إنقاذ الإنسان وخلاصه بواسطة المعرفة ، محصورة بقلة من البشر يُدعون "الماريّن" أو "المدرّبين" ، أو "المطلعين"من دون سواهم على أسرار هذه المعرفة وهو يشبه ، الى حدّ بعيد ، "ديانات الأسرار الخفيّة " التي نجدها عند اليونانيين والشرقيين. البدع والهرطقات في القرون الأولى للمسيحية الجزء الخامس / الكاتب نافع البرواري هذه الحاشية نقلها أبو فراس السليماني |
كل شيء من نور محمد بهذا يدين الصوفية، وفيه يتغزلون، ولقد عبر الدباغ عن هذه الأسطورة إذ يقول: "اعلم أن أنوار المكونات كلها من عرش وفرش وسماوات وأرضين وجنات وحجب، وما فوقها، وما تحتها إذا جمعت كلها، وجدت بعضاً من نور النبي، وأن مجموع نوره، لو وضع على العرش، لذاب، ولو وضع على الحجب السبعين التي فوق العرش، لتهافتت، ولو جمعت المخلوقات كلها، ووضع ذلك النور العظيم عليها، لتهافتت، وتساقطت " ( 1 ) . ويقول تيجاني: "لما خُلِق النور المحمدي، جمع في هذا النور المحمدي جميع أرواح الأنبياء والأولياء جميعاً جمعاً أحَدِيًّا، قبل التفصيل في الوجود العيني، وذلك في مرتبة العقل الأول " ( 2 ) . ويقول الحلواني في قصيدته "المستجيرة" يخاطب رسول الله: أنشاك نوراً ساطعاً قبل الورى ** فرداً لفرد، والبرية في العدم ثم استمد جميع مخلوقاته ** من نورك السامي، فياعظم الكرم فلذا إليك الخلق تفزع كلهم** في هذه الدنيا، وفي اليوم الأهم وإذا دهتهم كربة فرجتها** حتى سوى العقلاء في ذاك انتظم جُدْ لي، فإن خزائن الرحمن في * يدك اليمين، وأنت أكرم من قسم (3) والله تعالى يقول : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين، ثم جعلناه نطفة في قرار مكين )، ومحمد صلى الله عليه وسلم إنسان. وإلا فليأتوا له بصفة أخرى! والرسول نفسه صلى الله عليه وسلم يقول: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم " ( 4 ) . تحدث الرسول عن النور، وعمن خلق منه، فلم يذكر عن نفسه أنه خلق من نور، كما ذكر عن الملائكة، وتحدث عن آدم الأب الأول للبشرية،وعن خلقه، وأنه خلق مما ذكر الله في القرآن، يعني من طين لازب، ومحمد صلى الله عليه وسلم ابن آدم!، فلمن تنتسب الحقيقة المحمدية الصوفية ؟!. وفي كتاب الله آية واحدة تدكُّ وحدها كل ما يوفض إليه الصوفية من نصب أقاموها لهذه الأسطورة، تلك هي قوله سبحانه لنبيه ( ليس لك من الأمر شيء) وكلمة شيء أوسع كلمة في العربية دلالة على العموم والشمول، حتى أطلقها بعضهم على الموجود والمعدوم، بل يعمم ابن عربي دلالتها، حتى يجعلها تتناول الصور الذهنية! وفوق هذا جاءت كملة "شيء" نكرة في سياق النفي فزاد عمومها وشمولها. وتدبر قوله سبحانه : ( قل : ما كنت بِدْعاً من الرسل، وما أدري ما يُفْعَل بي، ولا بكم، إن أتَّبِع إلا ما يوحى إليَّ، وما أنا إلا نذير مبين). فهل يدين الصوفية في الرسل جميعاً بما يدينوه به في محمد، إذ ليس هو " بِدْعاً من الرسل" ؟! وتدبر قوله سبحانه لنبيه: ( قل: إني لا أملك لكم ضَرًّاً ولا رَشَداً، قل: إني لن يجيرني من الله أحد، ولن أجد من دونه مُلْتَحَدا ). هذا هو هَدْي القرآن، فقارن بينه، وبين ما افترته الصوفية من إفك حول النور المحمدي الذي خلق منه كل شيء !! وثَمَّتَ توقن أنه ليس في الإمكان – حتى في النادر المعجز منه – إيجاد نسَبٍ ما بين ما هدى الله إليه وبه من الحق، وبين ما ضلَّ به الصوفية، وأضلَّوا خلقاً كثيراً. تدبر قول الله تجد الهدى في إشراقه، والحق في جلاله والحكمة في نورها الإلهي، وتأمل إفك الصوفية، تجده قيئاً من الكفر المتقيح !! ****************** ( 1 ) ص 84 جـ 2 الإبريز ( 2 ) ص 14 جـ الرماح لعمر بن سعيد ( 3 ) ص 14 وما بعدها من رسالة لأحمد عبد المنعم الحلواني ( 4 ) مسلم وأحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها |
أكان محمد يعرف القرآن قبل نزوله ؟ مما تأفكه الصوفية أن جبريل عجب حين رأى محمداً يتلو القرآن قبل أن يُعلِّمه إيَّاه فسأل جبريلُ، فأجابه النبي: ارفع الستر مَرَّةً حين يُلْقي إليك الوحيُ، ففعل جبريل، فرأى محمداً هو الذي يوحي إليه، فصاح مُسَبِّحًا: منك، وإليك يا محمد ؟!! وما زال يهذي بهذه الأسطورة في الرحاب الفساح من الأزهر رجل لا عمل له سوى إثارة الحرب مُؤَرَّثة الأحقاد على الكتاب والسنة!! ويتناقل هذه الأسطورة صوفي عن صوفي في كل حمأة وثنية، أو حانة صوفية. ولم لا؟ وقد فـَحَّ بهذه الفِرية أفعوان الصوفية الأكبر ابن عربي؛ إذ يقول مفسراً قول الله سبحانه: ( ولا تَعْجَلْ بالقرآن من قبل أن يُقضَى إليك وَحْيُه) : "اعلم أن رسول الله أُعْطِي القرآن مُجْمَلًا قبل جبريل من غير تفصيل الآيات والسور، فقيل له: لا تعجل بالقرآن الذي عندك قبل جبريل، فتلقيه على الأمة مُجْمَلًا ، فلا يفهمه أحد عنك لعدم تفصيله ( 1 ) . ****************** ( 1 ) ص 6 الكبريت الأحمر للشعراني على هامش اليواقيت والجواهر ط 1307هـ |
رَدُّ هذه الفِرْية وبطلان هذه الفِرْية بَدَهِيُّ يحكم به مَنْ في قلبه بارقة من إيمان، بيد أن غشاوة الصوفية على بصائر مُعتَنِقيها حالت بينها وبين إدراك الحقيقة الإيمانية الأولى، وهي أن رب الوجود هو الله وحده لا شريك له، فَلِم لا تحول بينها وبين إدراك بطلان تلك الفرية ؟! لهذا نذكرك بهَدْي الله سبحانه : ( علَّمه شديدُ القوى، ذو مِرَّةٍ فاستوى؛ وهو بالأفق الأعلى). آيات بينات تهديك إلى أن الذي علَّم رسول الله القرآن هو جبريل، وإلى أنه صلى الله عليه وسلم: لم يكن على علم بشيء ما منه قبل أن يَنزِل جبريل به عليه. ( وقال الذين كفروا: لولا نُزِّل عليه القرآنُ جملةً واحدة كذلك لِنُثَبِّتَ به فؤادَك ورتَّلناه ترتيلاً، ولا يأتونك بمثل، إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً ). ويقول ابن عربي أنه نزل عليه جملة واحدة، فقوله قول الكافرين!! ومن قوله سبحانه : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر) نؤمن بأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يعلم بآية ما من كتاب ربه إلا في ليلة القدر، فمتى علم الرسول القرآن مجملاً ؟ أقبل ليلة القدر، أم بعده ؟ ومَنْ عَلَّمه إياه مجملاً ؟ أجبريل، أم غيره ؟ ائتوني بأثارة من علم، إن كنتم صادقين. ويهب الله للحق برهاناً تنجاب به كل ريبة : ( وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا، ما كنتَ تدري ما الكتاب، ولا الإيمان ) أيفهم الصوفية، أم هي اللجاجة في العناد ؟ ( وإذا تُتْلى عليهم آياتنا بينات، قال الذين لا يرجون لقاءنا: إئت بقرآن غير هذا، أو بَدِّله، قل : ما يكون لي أن أُبَدِّله من تلقاء نفسي، إن أَتَّبِع إلا ما يُوحَى إليَّ، إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم، قل: لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به، فقد لبثت فيكم عمراً من قبله، أفلا تعقلون؟ ). وفرية الصوفية تناقض هذه الحجة الإلهية على صدق محمد. أولا يذكر الصوفية أن رسول الله حين فجأه الوحيُ، كان يقول – وجبريل يغطه: "ما أنا بقارئ" ؟! وأنه عاد إلى زوجه الطيبة الطهور في خوف وقلق، وأن هذه المؤمنة العظيمة قالت له قَوْلَتَها التي طَيَّبها الإيمانُ بروحانيته "والله لا يخزيك الله أبداً" أفكان يحدث هذا، أو بعضه، لو أنه صلى الله عليه وسلم، كان على بينة من القرآن، قبل نزوله عليه ؟ لِمَ قال: ما أنا بقارئ ؟ يكررها ثلاثاً؟ لِمَ عاد خائفاً حتى زَمَّلُوه ودَثَّروه ؟ لِمَ بَثَّ ذات نفسه إلى زوجته خديجة، ولِمَ ذهب معها إلى ورقة بن نوفل ؟! كل هذا حدث منه صلى الله عليه وسلم حتى بعد نزول الوحي عليه!! أهذه دلائل علم سابق بالقرآن، ويقين جازم به قبل نزول جبريل عليه به في ليلة القدر ؟، أم دلائل مشاعر نفس مؤمنة تقية، فجأها من الله سبحانه، ما لم تكن تدريه من قبل ؟! واهاً للصوفية!! تبصر نور الشمس يتوهج، فتقول ياللظلام الدامس!! كبعض الطير يعشيه النهار!! ولقد كان أعداء الرسول يسألونه مُحْرِجين مُتَعَنِّتين، يبتغون تكذيبه، والتجديف عليه، فلم يكن يجيبهم بشيء – لأنه لا يعرف الجواب – عما سألوه عنه، إلا بعد أن ينزل جبريل عليه به. سألوه عن الروح، وعن فتية الكهف، وعن ذي القرنين، فقال صلى الله عليه وسلم: غداً أجيبكم!! وأنساه حرصه النبيل على إقامة الحجة عليهم وهدايتهم، فلم يقل: إن شاء الله، ففتر عنه الوحي حتى حَزَبه الأمرُ، وبلغت به الشدة مبلغها، ولم لا؟ وعدُوُّه مُتَرَبِّصٌ به، حريص على تكذيبه، وعلى أن يثير الشبهات حول رسالته، ورغم هذا يفتر عنه الوحي!! ثم مَنَّ الله عليه به، فعلم عن الله جواب ما سألوه عنه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل: "لقد رِثْتَ عليَّ، حتى ظن المشركون كل ظن" فنزل قوله تعالى : ( وما نتنزل إلا بأمر ربك ) ( 1 ) . أفكان يحدث هذا، لو أن رسول الله، كان على بينة من القرآن قبل نزوله ؟ لماذا لم يجب مَنْ سألوه ؟ لأنه لم يكن يعرف الجواب، ولكن ابن عربي يكفر بكل تلك الدلائل، ويفتري أسطورته، فَتَؤُجُّ في الصوفية كالنار في الهشيم، وتنتشر كالوباء الفتَّاك، وتظل ديناً يكتبه الشعراني ويهرف به حمقى الصوفية !! وعذرنا في إطالة الرد على هذه الفرية أنها دين قوم يُحسبون على الإسلام، ومن أئمته، وما زال عَدُوُّ ربه "فلان" ينعب بها حتى اليوم في رحاب الأزهر، يضج بها نعيبُه، والموذن يقول : الله أكبر!! ****************** ( 1 ) انظر تفسير ابن كثير في هذه الآية |
تعالوا إلى كلمة سواء فما رأي صاحب السماحة في تلك الوثنيات ؟ ألا يذكي في نفسك الحسرة، وفي أعماق قلبك السعير، أن ترى الصوفية تبهت الحقَّ بما لم يَبْهَتْهُ به إلحادٌ من قبل، وتجحد به جحوداً، ليس كعناده عناد، ولا كبغيه بَغْيٌ. لا تدعْ رُعْبَ القلق يعصف بك، فيقلب على السهد جنبيك بحثاً عن كيد تكيد لنا به، بل ( تعالَوْا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألَّا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ). نحب أن نحتكم إلى الكتاب والسنة. لا تقولوا: قال فلان، فما أذكركم إلا بقول الله. اذكروا ابن عباس حبر هذه الأمة، وهو يقول لمن جادله بقول نسبه إلى العمرين: "يوشك أن ينزل الله عليكم ناراً من السماء، فتحرقكم أأقول لكم: قال الله. وتقولون لي: قال أبوبكر، وقال عمر؟" فاحذروا أن يقع بكم ما أشفق من ابن عباس على مجادليه، واختر يا سماحة الشيخ للمحاجَّة أي مكان تشاء، ولن أقول لك قبلها: أنا المصيب، وإنما أقول لك ما علمه الله لنبيه – وهو الذي ملأ الله قلبه باليقين الثابت والهدى والحق – ( وإنا، أو إيَّاكم، لعلى هدى، أو في ضلال مبين ). أما أن تشكو منا إلى النيابة – ولها احترامها – فهو فرار جبان من صدمة الحق، وعجز ذليل في الدفاع عن الرأي، ولا نرتضي – رغم ما صنعت بنا – أن تَمَسَّك ريبةٌ من تلك النقائص، وأنت العالم الكبير الذي تولى من قبل الخطير الكبير من مناصب الأزهر!. |
الفصل الرابع وحدة الأديان آمنت الصوفية بأن الله سبحانه هو عين خلقه، هذه الأسطورة – أسطورة وحدة الوجود – استلزمت عند الصوفية الإيمان بوحدة الأديان سواء منها ما نسجته عناكب الأوهام، وافترته أساطير الخيال، وفارت به الشهوات، أو ما أوحاه الله إلى رسله، ولهذا آمن الصوفية سلفهم وخلفهم بأن الإيمان والتوحيد عين الكفر والشرك، وبأن الإسلام على هداه وقدسه، عين الدين المجوسي في ضلاله ورجسه. |
دين ابن عربي وكعهدك بي أُذكرك بما اختلقوه من إفك حول تلك الأسطورة؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا مَنْ حَيَّ عن بينة. يقول ابن عربي: عقد الخلائق في الإله عقائداً ** وأنا اعتقدت جميع ما عقدوه ( 1 ) ويقول: لقد كنتُ قبل اليوم أنكر صاحبي ** إذا لم يكن ديني إلى دينه داني لقد صار قلبي قابلاً كل صورة ** فمَرْعى لِغزْلانٍ، ودير لرهبانِ وبيتٌ لأوثانٍ، وكعبةُ طائفٍ ** وألواحُ توراةٍ، ومصحف قرآنِ أدينُ بدين الحب أنَّى تَوَجَّهَتْ ** ركائبُه، فالدين ديني وإيماني ( 2 ) ويحذر ابن عربي أتباعه أن يؤمنوا بدين خاص، ويكفروا بما سواه، فيقول: "فإياك أن تتقَيَّد بعقد مخصوص، وتكفر بما سواه، فيفوتك خير كثير، بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه، فكن في نفسك "هَيُولي" ( 3 ) لصور المعتقَدات كلها، فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عَقْد دون عَقْد، فالكلُّ مصيبٌ، وكل مُصيبٍ مأجورٌ، وكل مأجورٍ سعيدٌ، وكل سعيدٍ مَرْضِيٌّ عنه ( 4 ). وهذا الدين الأسطوري يستلزم حتمًا نفي عذاب الآخرة، فَرَبُّ الصوفية في دينهم كل مشرك وكل موحِّد، ويستحيل أن يعذب الرب نفسه، ولهذا يقول ابن عربي: فلم يبق إلا صادق الوعد وحدَه ** وما لِوَعيد الحقِّ(5) عينٌ تُعايِنُ وإن دخلوا دارَ الشقاء، فإنهم ** على لَذَّةٍ فيها نعيمٌ مُبَاينُ نعيمُ جنان الخُلدِ فالأمر واحد ** وبينهما عند التَّجَلِّي تَبايُنُ يُسَمَّى عَذاباً من عُذوبةِ طعمِهِ * وذاك له كالقشر، والقشرُ صائنُ(6) وهكذا يوغل ابن عربي إيغالاً سحيقاً في الغُلُوِّ العجيب من التناقض، ويكدح شيطانيته؛ لتبتدع من البدع ما يقضى به على بقية الخير اليتيمة من إيمان المسلمين! لقد آمن بأن الرب عين العبد، وأن الإيمان صِنْوُ الكفر حقيقة وغاية ، فما الذي يمنعه من الإيمان بأن الوعد عين الوعيد ؟ وأن نعيم الجنة وكوثرها عين عذاب السعير وغسلينها ؟ لم يمنعه شيء، فصرح كما ترى به! فأي قضاء على الدين والأخلاق، أشد طغياناً من ذلك، إذا كان العمل الصالح يستوي والعملَ الخبيث، وإذا كانت الفضيلة عين الرذيلة، وإذا كان الخيرُ قرينَ الشر، وما مصير الإنسانية لو أنها آمنت بهذه الصوفية ؟! ****************** ( 1 ) انظر شرح الفصوص لعبد الرحمن جامي شرح الفص الهودي ( 2 ) ص 39 ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق لابن عربي ( 3 ) الهيولي لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة، وفي الاصطلاح الفلسفي هي "ما به الشيء بالقوة، أو جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال"، وقد استعملها ابن عربي هنا بمعنى القابل، أي الذي تنطبع فيه صور المعتقدات كلها، وينفعل بها، وتصدر عنه أفعاله طبقاً لمعتقداته المتنوعة. ( 4 ) ص 191 وما بعدها فصوص الحكم بشرح بالي ط 1309هـ ( 5 ) يعني بالوعد النعيم في الآخرة، ويعني بالوعيد عذاب الآخرة. يريد من هذا نفي العذاب مطلقاً في الآخرة حتى للمشركين ( 6 ) ص 94 فصوص جـ 1 بتحقيق الدكتور عفيفي. |
الحكم بنجاة فرعون وبهذا يحكم ابن عربي بنجاة فرعون موسى، يقول معقباً على قوله تعالى : ( قرة عين لي ولك ) : " فبه قَرَّت عينُها بالكمال الذي حصل لها، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق، فقبضه طاهراً مطهراً، ليس فيه شيء من الخبث ". ( 1 ) ويقول عن فرعون أيضاً : "فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجَّى بدنه، فقد عمته النجاة حِسًّا ومعنى ".( 2 ) واقرأ بقية ما افتراه في "الفص الموسوي" من كتابه الفصوص، ففيه يفضِّل فرعون على موسى!. ****************** ( 1 ) ص 201 فصوص جـ 1 بتحقيق الدكتور عفيفي. ( 2 ) ص 212 فصوص جـ 1 بتحقيق الدكتور عفيفي. |
دين الجيلي الجيلي يؤمن بوحدة الوجود، كما بينت لك، وأنقل لك هنا نصاً يدينه، ويكشف عن معتقده هذا، وهو إيمانه بأن الله عين خلقه. وما الخلق في التمثال إلا كثلجة ** وأنت بها الماء الذي هو تابع وما الثلج في تحقيقه غير مائه * وغَيْران في حكم دعته الشرائع (1) ولكن بِذَوْبِ الثلج يُرْفَع حكمُه ** ويوضع حكمُ الماء، والأمر واقع تَجَمَّعت الأضدادُ في واحد البَها * وفيه تلاشت، وهْوَ عنهن ساطع(2) ولإيمان الجيلي بوحدة الوجود، آمن بوحدة الأديان. وأسلمتُ نفسي حيث أسلمني الهوى ** وماليَ عن حكم الحبيب تنازع فَطَوْراً تراني في المساجد راكعا ** وإنيَ طوراً في الكنائس راتع إذا كنتُ في حكم الشريعة عاصيًا** فإنيَ في علم الحقيقة طائع(3) ويقول مفسراً لا إله إلا الله: "يعني الإلهية المعبودة ليست إلا أنا، فأنا الظاهر في تلك الأوثان، والأفلاك والطبائع، وفي كل ما يعبده أهلُ كل ملة ونِحْلة، فما تلك الآلهة كلها إلا أنا؛ ولهذا أثبت لهم لفظ الآلهة، وتسميته لهم بهذا اللفظ من جهة ما هم عليه في الحقيقة تسمية حقيقية لا مجازية... إنه أراد أن يبين لهم أن تلك الآلهة مظاهر، وأن حكم الألوهية فيهم حقيقة، وأنهم ما عبدوا في جميع ذلك إلا هو، فقال : لا إله إلا أنا، أي ما ثَم من يُطلَق عليه اسم الإله إلا وهو أنا .. لا إله إلا أنا، أي ما ثَمَّ إلا أنا، وكل ما أطلقوا عليه اسم الإله، فهو أنا ". ( 4 ) هذه الوثنية الطاغية الجاحدة تُبشِّر بها الصوفية على أنها التوحيد الخالص ، ورَفيفُ الروحانية من قُدُس السماء ! ****************** ( 1 ) تأمل سخريته بالشرائع، لا لشيء سوي أنها تحكم بالمغايرة بين الخلق والخالق في الذات والصفات. والجيلي يشبه الوحدة بين الله وخلقه بالوحدة بين الثلج والماء، فكلاهما عين الآخر، فالثلج ماء متجمد، والماء ثلج ذائب، فالمغايرة بينهام في الاسم، لا في الحقيقة، كذلك الله وخلقه، إذ المغايرة بينهما في الاسم فقط، كالمغايرة بين الماء في حال تجمده، وبينه في حال ذوبانه ( 2 ) ص 23جـ1 الإنسان الكامل للجيلي ط 1293هـ ( 3 ) ص 143جـ1 إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ط 1231هـ ( 4 ) ص 69 جـ 1 الإنسان الكامل للجيلي، وتراه يصوِّب عبادة الأصنام، وعبادة الأفلاك، وعبادة الطبيعة، لأن هذه الأشياء التي عبدت ليست إلا ذات الله متعينة في تلك الصور، ومسماة بتلك الأسماء!! |
إبليس عند الجيلي وعجب يدهش منه العجب ، أن ترى الصوفية حَفِيَّة دائماً بتقديس عدو الله ، كفرعون، وإبليس، ثم تزعم للناس أن أقطابها أحِبَّاءُ الله وأوِدَّاؤه، وأنهم مشارق ألوهية وربوبية، وأن لهم القدرة الخلاقة القهارة التي تُسَخِّر الوجود كله لقبضتها الظلوم! لقد مَجَّد ابنُ عربي فرعونَ، حتى فضَّله على موسى كليم الله، وهاهو الجيلي يمجد إبليس العدو الأول لله وللبشرية! يقص الله علينا إباء إبليس عن السجود لآدم، وقوله :" أنا خير منه " فيقول الجيلي: "وهذا الجواب يدل على أنَّ إبليس من أعلم الخلق بآداب الحضرة، وأعرفهم بالسؤال، وما يقتضيه من الجواب" واقرأ بقية خطاياه في كتابه "الإنسان الكامل"؛ لتراه في إعجابه الرائع بإبليس، وتقديسه له، وحكمه بأنه في الفردوس يوم القيامة، يقول الجيلي ص 42 جـ 2 من الإنسان الكامل : " لا يُلْعَن إبليس أي لا يطرد من الحضرة الإلهية إلا قبل يوم الدين؛ لأجل ما يقتضيه أصله، وهي الموانع الطبيعية التي تمنع الروح عن التحقق بالحقائق الإلهية، وأما بعد ذلك فإن الطبائع تكون لها من جملة الكمالات فلا لعنة، بل قربٌ محض، فحينئذ يرجع إبليس إلى ما كان عليه عند الله من القرب الإلهي.. قيل إن إبليس لما لُعن هاج وهام لشدة الفرح حتى ملأ العالم بنفسه، فقيل له: أتصنع هكذا، وقد طردت من الحضرة ؟ فقال: هي خِلْعَةٌ أفردني الحبيب بها لا يلبسها مَلَكٌ مقرب ولا نبيٌ مرسل" هذا نص الجيلي بلفظه! |
دين ابن الفارض يقول في تائيته الكبرى: فبِي مجلسُ الأذكار سَمْعُ مُطَالِعٍ ** ولي حانَةُ الخمار عينُ طليعةِ وما عقد الزُّنَّارَ(1) حُكْمًا سوى يدي * وإن حُلَّ بالإقرار بي، فَهْي حَلَّتِ وإن نار بالتنزيل محرابُ مسجدٍ ** فما بار بالإنجيل هيكلُ بَيْعَةِ (2) وأسفارُ توراة الكليم لقومه ** يناجي بها الأحبارُ في كل ليلةِ وإن خَرَّ للأحجار في البُدِّ (3) عاكفٌ ** فلا وَجْهَ للإنكار بالعصبيةِ وما زاغت الأبصارُ من كل مِلَّةٍ ** وما راغت الأفكار من كل نحلةِ وما احتار مَنْ للشمس عن غِرَّة صَبا(4) ** وإشراقُها من نور إسفار غُرَّتي وإن عبد النارَ المجوسُ ، وما انطفت ** كما جاء في الأخبار في ألف حجةِ (5) فما قصدوا غيري، وإن كان قصدهم ** سواي، وإن لم يُظْهِروا عَقْد نيةِ حانات الخمر، ومواخير الخطايا، وصَلَوات ( 6 ) اليهود وبِيَع النصارى وهياكل المجوس والصابئة، وبيوت الأصنام، ومجالس الذكر، ومساجد الله، كلها عند ابن الفارض ساح فِسَاحٌ يُعْبَد فيها الله عبادة يحبها ويرضاها ؛( 7 ) لأنه المعبود فيها والعابد !! وهذا المشرك العاكف على الأصنام يسجد لصخورها الصُّم ، وهذا الصابئ الساجد في معبد الكوكب ، وهذا المجوسي يتبتل بضراعته إلى النار ، وهذا اليهودي التائه يريق الدموع على مَبْكَاهُ ، ويُؤَجِّج سعير الحقد على الله ، كلُّ هؤلاء عند ابن الفارض على بينة من الهدى والفرقان ، فما هم في دينه إلا الذات الإلهية متعينة في صور بشرية !! ****************** ( 1 ) هو ما يشده النصارى على أوساطهم ( 2 ) معبد النصارى ( 3 ) الصنم أو بيت الأصنام ( 4 ) مال قلبه ( 5 ) يشير إلى ما يقال من أن نار المجوس التي ظلت تشتغل ألف عام خمدت ليلة مولد النبي ( 6 ) أمكنة عبادتهم ( 7 ) يقول جولد زيهر: "مهما تظاهر الصوفيون بتقديرهم للإسلام، فلغالبيتهم نزعة مشتركة إلى محو الحدود التي تفصل بين العقائد والأديان، وعندهم أن هذه العقائد كلها لها نفس القيمة النسبية إزاء الغاية المثلى التي ينبغي الوصول إليها " ص 151 العقيدة والشريعة. |
الفصل الخامس شيوخ الصوفية وكراماتهم (1) عبادة الأحبار والكهان ما ألحفت الصوفيةُ في شيء إلحافها في الدعوة إلى اتخاذ شيوخها أرباباً من دون الله، ففرضت على الدرويش أن يكون وِطاءً ذليلًا لشيخه مُستَعبَدَ الفكر سليب الإرادةَ كجثة الميت في يد الغاسل، وجعلت هذه العبودية الممتهنة أولى الدلائل على طاعة المريد لشيخه، وعلى حبه له، وعلى أنه يرقى معارج الوصول إلى حظائر القدس. اسمع إلى طيفور البسطامي يقول : "من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان" ( 2 ) وإلى صاحب لطائف المنن يزعم : "من لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الأتباع، ويكشف له عن قلبه القناع، فهو في هذا الشأن لقيط لا أب له، دعيٌّ لا نسب له " ( 3 ) وإلى محمد عثمان يقرر آداب المريد مع شيخه: "ومشاهدتك له في كل حال وَرَدَ عليك أنه بواسطته إليك يا فتى، ومنها أن تجلس جلوس الصلاة عنده، وأن تفنى فيه، وألا تجلس فوق سجادته، وألا تتوضأ بإبريقه ولا تتَّكئَ على عكازه، واسمع ما قال بعض الأصفياء: من قال لشيخه: لمَ؟! لا يفلح، ولتكن محضره في قلبك وخيالك، فإن غفلت عنه وقتاً، فهذا من مقتك، واجتهد في أن تنال مقام الفناء فيه، فَمِنْ ثَمَّ ترقى إلى مقام البقاء به " ( 4 ) وقد نظمها مصطفى البكري، فقال: وسَلِّم الأمرَ لهُ، لا تعترضْ ** ولو بعصيانٍ أتى أذًى فُرِضْ وكن لديه مثلَ مَيْتٍ فاني ** لدى مُغَسِّلٍ؛ لتمسي داني ولا تَطَأ له على سجادة ** ولا تَنَمْ لهُ على وسادة (5) وقد سبقه الجيلي بهذا. وكُنْ عنده كالميْتِ عند مُغَسِّلٍ ** يُقَلِّبْه كيف يشاء، وهو مطاوعُ(6) وتُحتم الصوفية على المريد ألا يعصي شيخه في أمر أو نهي، وإن رآه يخالف السنة المحمدية ( 7 ) ولكي يظل الدرويش تحت قبضة الشيخ يستذل كرامته، ويغصبه ماله وعرضه، قررت الصوفية على لسان الشعراني أن من أشرك بشيخه شيخاً آخر وقع في الشرك بالله،( 8 ) وأن من أخذ الطريق على غير شيخه، كان على غير دين .( 9 ) وكتب الصوفية طافحة بمثل تلك المنكرات التي تهدر الكرامة والقيم الإنسانية النبيلة، وتجعل من الإنسان لِقًى طريح الذل والهوان والصغار، وموطئاً مستعبدا لكل نعل نجسة باغية الوَطْء، تـنـزو بالرجس الحقير، وهذا سر ما ترى عليه الصوفية من انشطارها شطرين، شطر معبود، وآخر عابد، وسرُّ ما يروعك إذ تبصر شيخاً كبيراً كبيراً يلعق نعل طفل صغير ما زال يتعثر في خراءته، ويتلطخ بنجاسة بوله!! لا لشيء سوى أنه حفيد مولاه شيخ الطريقة، ففيه سِرُّه، وفيه ربَّانِيَّتُه !! (10) وسر مخالفة الصوفية جميعاً عن أمر الله؛ لما يدينون به من أن شيوخهم لا يهمسون بهمسة إلا عن وحي من الله، فقلوبهم العروش التي استوى عليها برحمانيته، وسماوات كبريائه وجلاله وجماله، وأقداس وحيه التي يفيض منها هداه !! يقول القشيري: "من صحب شيخاً من الشيوخ، ثم اعترض عليه بقلبه، فقد نقض عهد الصحبة، ووجبت عليه التوبة !! على أن الشيوخ قالوا: حقوق الأستاذين لا توبة منها " (11) ****************** ( 1 ) لا ينكر مسلم إكرام الله لأوليائه بما وعدهم به من أن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ونستطيع أن نعرف من القرآن ما يكرم الله به أولياءه فقد وصفهم الله بأنهم المؤمنون المتقون، فاقرأ في القرآن ما أعده الله للمؤمنين المتقين، تعرف ما يكرمهم الله به، ولكنك لن تجد فيه ما يزعمه الصوفية ( 2 ) ص 147 كتاب الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية ط 1913م ( 3 ) ص 146 المصدر السابق ( 4 ) الهبات المقتبسة لمحمد عثمان ط 1939م ( 5 ) بلغة المريد للبكري ( 6 ) منحة الأصحاب للرطبي ص 75 ( 7 ) انظر ص 131 قواعد الصوفية ( 8 ) ص 154 المصدر السابق ( 9 ) ص 103 جـ 2 لطائف المنن وقد شاكلوا الإسماعيلية في ذلك إذ يزعمون أن من أشرك مع إمامه سلطة أخرى أو ارتاب في وجوب الطاعة له، كان كمن أضاف للنبي نبياً آخر، وكمن شك في نبوته، وبذا صار كمن وضع مع الله إلهاً آخر. انظر ص 218 العقدية والشريعة لجولد زيهر (10) نصبت مشيخة الطرق طفلاً سنه خمس سنوات شيخاً لسجادة كبرى في مصر انظر ص 154 المجموعة الدمرداشية!! (11) ص 151 الرسالة للقشيري |
لماذا يتوسل الصوفية بالقبور لن أجادلك هنا يا سماحة الشيخ في توسل الصوفية بالمقبور، وبالقبور ( 1 ) فإنه أهون ما تقترف الصوفية وضحاياها من وثنية، وأحبارها لا يتراءون بالولاء الخاشع لأصنام القبور حُباً في المقبور، بل لما يُجْمَع لأوثان الموتى من نذور!! ****************** ( 1 ) قال الجنيد عن قبر معروف الكرخي: "قبر معروف ترياق مجرب يستشفى به ويتبرك" انظر ترجمة معروف في الرسالة للقشيري والطبقات للسلمي، وهكذا عبدت الصوفية القبور منذ نشأتها!! |
آراء المستشرقين في التوسل يقول جولد زيهر: "بقي كثير من عناصر الديانات السابقة للإسلام، واستأنفت حياتها في المظاهر العديدة الخاصة بتقديس الأولياء. وفي الحق ليس من شيء أشد خروجاً على السنة القديمة من هذا التقديس المبتدع المفسد لجوهر الإسلام والماسخ لحقيقته، وإن السني الصادق الحريص على اتباع السنة لا بد أن يعده من قبيل الشرك الذي يستثير كراهيته واشمئزازه" ويتحدث عن تقديس العامة للأولياء، فيقول: "وأضرحة الأولياء والأماكن المقدسة الأخرى هي موضع عبادتهم التي يرتبط بها أحياناً ما يظهره العامة من تقديس وثني غليظ لبعض الآثار والمخلفات، بل إن العامة تخص الأضرحة ذاتها بمالا يقل عن العبادة المحضة" ويتحدث عن الولي المحلِّي: "ويخشى الواحد منهم أن يحنث في يمين حلف فيه باسم الولي أكثر مما يحمر خجلاً عندما يحلف بالله باطلاً " ( 1 ) ويقول رونلدسن: "بالرغم من التوحيد المصرَّح به في القرآن فإن الأمم الإسلامية، لا زالت تحتفظ بكثير من العادات الوثنية؛ فإن من أهم الصفحات في الحياة الدينية للعوام في جميع الأمم الإسلامية، هو تقديسهم لقبور الصالحين، وفي هاتين القضيتين ساير العلماء المحدثون ( 2 ) اندفاعَ الرأي العام، وقد أصبح لكل قوم أئمة محليون يزورون قبورهم وآثارهم، فيفرح ذلك الإمام، ويشفع لهم، وينجيهم من الفقر والمرض " !! ( 3 ) وهكذا يدع الصوفية الفرصة سانحة لعدو الإسلام، ليجدف عليه بما يقترف الصوفية!! تأمل فيما قاله، تجده صوفية مُصَوَّرة بكل خبثها!!. لن أجادلك في التوسل، وفي أنه شرك أصم، إذ التوسل خَبَثُ شرك آخر أشد خبثاً منه، فالصوفية يعتقدون أن أولياءهم ليسوا بشراً، وإنما هم آلهة تخلق ما تشاء وتختار، أو هم – كما نقلنا لك من قبل – ذات الله سبحانه وتعالى تجسدت مرة فكانت تيجانية، وأخرى، فكانت نقشبندية، وأخرى، فكانت رفاعية، أو شاذلية، أو برهامية!! ****************** ( 1 ) النصوص السابقة عن ص 234، 232 العقيدة والشريعة ( 2 ) التعميم الخطأ، فالمحدثون يرون هذه البدعة من الشرك، ولعله يقصد من وضعوا الأحاديث التي نسبت زوراً إلى رسول الله، وترشح لقبول هذه البدعة ( 3 ) ص 266 عقيدة الشيعة |
صوفي يخطب الجمعة عارياً الشعراني كاهن الخطايا الصوفية، يبشر بها، ويكافح في سبيل الدعوة إليها، وعجيب أن ترى الشعراني يعقد على ذكر كل اسم صوفي يتنزَّى جسده فاحشة بقوله: "رضي الله عنه" ! اسمع إلى الكاهن يبشر بهتك العورة كرامة! "ومنهم الشيخ إبراهيم العريان، كان يطلع المنبر، ويخطبهم عرياناً، فيقول: السلطان، ودمياط، وباب اللوق، بين الصورين، وجامع طولون، الحمد لله رب العالمين، فيحصل للناس بسط عظيم " ( 1 ) . أَمِنْ رَفِيفِ الروحانية بعبير القدسية مَنُّ الولي على حشد محشود بعورة مكشوفة، وهذيان مخبول ؟! تصور، واجعل خيالك رحيباً رحيباً مُجَنَّحاً بتهاويل الشاعرية، حتى يمكن أن يتصور مشهد ولي يبارك المصلين بهتك عورته!! تصور ذلك المعبود يصعد إلى المرقاة الأخيرة من المنبر في يوم جمعة، حتى إذا أنعم الشهود فيه الأبصار، وحدَّقوا إليه بالأفكار، ورَنَوْا إليه بالقلوب، ابتغاء تَرَشُّف العظة الهادية. حتى إذا هوَّمت عليه النواظر، وطافت به المشاعر، وحوَّمت حوله الأحلامُ والعواطف، هتك الستر عن عورته فضلاً منه ونعمة ؟! ذلك المعبود على منبره، في جامعه، في جمعته يجمع الناس حوله؛ ليعظهم عظة تصلهم بأسباب السماء، فيسمعهم ذلك الهراء المخبول، وهو مُنْهَتِكُ السوءة: "باب اللوق. الخ". تلك الصورة الوثنية التي يراها الخيال الفسيح الذي قد يستشرف غيب الأبد، ويهب للمستحيل أحياناً وجوداً في تَهْويماته – يراها أشد استعصاء عليه من تصور وجود المستحيل، بيد أن الشعراني يؤكد لنا أنها حقيقة صوفية، فيدين بها، ويبشر بها، ويدعو الله أن يَغمُرَ مُقترِفَها برضاه، ولا يأخذنَّك العجبُ؛ فإنه صوفي!. إننا نعرف من كتاب الله أن الآدمية عوقبت على ذنبها الأول بكشف السَّوْءَة! ( فَدَلاهما بغرور، فلما ذاقا الشجرة، بَدَتْ لهما سَوْءَاتُهما ). فماذا يريد الشعراني من دين؟ ****************** ( 1 ) ص 129 جـ 2 الطبقات الشعراني ط ابن شقرون |
صوفي يبهت البريء بذنبه ويمضي الشعراني في تمجيد شيخه العريان فيقول : "وكان يُخرج الريح بحضرة الأكابر، ثم يقول: هذه ضرطة فلان، ويحلف على ذلك، فيخجل ذلك الكبير منه ". ( 1 ) ولَشَدَّ ما يَشْدَخ العجب رأسه من العجب من صوفي يقدس الصوفية خطاياه، ويجعلون من معجزات قُطْبانيَّته بَهْتُ البريء بذنبٍ افترى هو جريرته، أو بخطيئة "ذَوْقية" يمجها حتى ذوق الخنفساء!. هذا مع استحلال الكذب المفضوح العريان، مقسماً بالله على صدقه!. أرأيت إلى الصوفية كيف تعبد خاطئاً ينفث مثل هذه اليحاميم المنتنة الخانقة في مجالس العظماء، ثم لا يمنعه فساد ذوقه، وسوء أدبه من أن يقذف سواه بذنبه، ويحلف بالله على صدق بهتانه ؟! ****************** ( 1 ) ص 129 جـ 2 الطبقات الشعراني ط ابن شقرون |
الصوفي يؤجر على كشف عورته وإليك ما يأفكه الدباغ: "إن غير الولي إذا انكشفت عورته، نفرت منه الملائكة الكرام، والمراد بالعورة: العورة الحسية، والعورة المعنوية التي تكون بذكر المجون وألفاظ السفه، وأما الولي، فإنها لا تنفر منه، إذا وقع له ذلك؛ لأنه إنما يفعله لغرض صحيح، فيترك ستر عورته لما هو أولى منه ". ( 1 ) لقد جعلها الشعراني كرامة خاصة بالعريان، أما الدباغ، فيجعل كشف العورة دستوراً في الولاية الصوفية !، أما الكمشخانلي، فيحدثنا عن أنواع الأولياء المتصرفين، فيقول: "والرحمانيون وهم ثلاثة أيضاً، وهم عند الوحي يجلسون عرايا، ويسمعون الوحي ويفهمون المراد منه ".! ( 2 ) فتأمل الصوفية تزعم أن أولياءها يسمعون الوحي! ومن هم؟ سفهاء عرابيد، اتخذتهم الخطايا دعاة مجونها وسفهها! وألسنة تعبر عن سوءاتها!. جرد يا سماحة الشيخ كتيبة من علمك، وسلطان منصبك؛ لتؤدب هؤلاء الأقطاب الذين يهتكون عوراتكم، ولعل هذه العورات المتكشفة في فجور أجدر بأن تشكوها إلى النيابة ممن يدعوكم إلى سترها، ورتق فتوقها المفتضحة!. ****************** ( 1 ) ص 43 جـ 2 الإبريز للدباغ ط 1292هـ ( 2 ) ص 123 جامع الأصول في الأولياء |
تطور الصوفيين إلى وحوش وغيرها يقول الشعراني عن الغمري: "ودخل عليه سيدي محمد بن شعيب، فرآه جالساً في الهواء، وله سبع عيون" ويقول عن الشيخ أبو علي: "تدخل عليه تجده جندياً، ثم تدخل عليه، فتجده سبعاً، ثم تدخل عليه فتجده فيلًا، وكان يقبض من الأرض، ويناول الناس الذهب والفضة "0( 1 ) ترى لو أن مسلماً قتل صوفياً وهو" فيل، أو سبع" أتلزمه الدية، أم يلزمه القصاص ؟ يزعم الشعراني أن ذلك الشيخ المتطور إلى فيل وسبع قد قطعه بعض الناس بسيوفهم، وأخذوه في تليس، ثم أصبحوا، فوجدوا الشيخ حياً جالساً "! ( 2 ) خطايا: ثم ذكر الشعراني من جرائم شيوخه ما يفسد الصبي على أمه الطهور بأسلوب تستحي حتى البغي أن تهمس به في حانتها المعربدة، فاقرأه، تجد ثورة الخطيئة من جسد أوجعه الشبق!. اقرأ ما سجله عن كرامات علي وحيش وأبو خودة ( 3 ) وغيرهما، ثم اذكر ما كان يقترفه المجرمون من قوم لوط، وبأية جريرة منكرة أخذهم الله أخذة رابية! وثمت ترى الشعراني يجعل من هذه الفاحشة الموبقة كرامة لسادته هؤلاء! معقباً على ذكر كل جريمة يقترفها فاسق منهم بقوله: رضي الله عنه! ولا تعجب، فتلك الجريمة دين الصوفية من قديم. قال يوسف بن الحسين الرازي: "نظرت في آفات الخلق، فعرفت من أين أُتُوا، ورأيت آفة الصوفية في صحبة الأحداث، ومعاشرة الأضداد، وأرقاق النسوان ". ( 4 ) وإنه ليعترف بعدها بما يدينه بتلك الخطايا فيقول: "كل ما رأيتموني أفعله، فافعلوه إلا صحبة الأحداث، فإنه أفتن الفتن " ( 5 ) ويقول: "عاهدت ربي أكثر من مائة مرة، ألا أصحب حدثاً، ففسخها علي حسن الخدود، وقوام القدود، وغنج العيون، وما سألني الله تعالى معهم عن معصية " ( 6 ) ويقص الخراز أنه رأى إبليس في النوم، فقال له: "تركت لي فيكم لطيفة. قلت: ما هي؟ قال: صحبة الأحداث، قال أبو سعيد : وقَلَّ من يتخلص من هذا من الصوفية "0 ( 7 ) ولقد وبخ الله سبحانه قوم لوط بقوله: ( أتأتون الذكران من العالمين ) ؟ ولعنهم، وأمطر عليهم حجارة من سجيل، فما بالك بالصوفية، وقد اقترفت هذه الجريمة في صورة نكراء منكرة مسفة في الخزي والضعة والحقارة، اقترفتها مع الذكران ومع العجماوات من الدواب!؟ وأين؟ على قارعة الطريق، وعلى مشهد من كل رائح إلى السوق، أو غادٍ منه! ذلك ما ذكره الشعراني، وجعله كرامة ربانية لأوليائه، ويزيدها تفصيلاً، فيزعم أن "وحيشاً" كان يرغم صاحب الدابة على أن يستذلها له عند اقتراف الجريمة! ( 8 ) وينازعني الحياء؛ لكيلا أسطر لك جرائم الصوفية بأسلوب الشعراني، فخذ بكتابه، وطالع فيه أية ترجمة لصوفي، وثمت تطالعك الجريمة بوجهها الدميم الصفيق الغليظ المنكر!. ****************** ( 1 ) ص 80، 81 جـ2 الطبقات ( 2 ) ص 80 المصدر السابق ( 3 ) ص 122، 123جـ2 طبقات ط صبيح ويقول الشعراني عن أبي خودة: "وكان رضي الله عنه إذا رأى امرأة، أو أمرداً راوده عن نفسه، وحسس على مقعدته سواء كان ابن أمير أو ابن وزير ولو كان بحضرة والده أو غيره، ولا يلتفت إلى الناس" ( 4 ) ص 190 طبقات الصوفية للسلمي ( 5 ) ص 189 نفس المصدر ( 6 ) ص 191 نفس المصدر ( 7 ) ص 232 نفس المصدر ( 8 ) طالعها في الطبقات جـ 2 ص 135 ط صبيح |
رِمَّةٌ تـتصرف في الوجود يقول الشعراني: "إن شيخي أخذ عليَّ العهد في القبة تجاه وجه سيدي أحمد البدوي، وسلمني إليه بيده، فخرجت اليد الشريفة من القبر،( 1 ) وقبضت على يدي قال سيدي الشناوي: يكون خاطرك عليه، واجعله تحت نظرك، فسمعت سيدي أحمد يقول من القبر: نعم!. ولما دخلت بزوجتي، وهي بكر، مكثت خمسة أشهر لم أقرب منها، فجاء، وأخذني، وهي معي، وفرش فرشاً فوق ركن قبته، وطبخ لي حلوى، ودعا الأحياء والأموات إليه، وقال: أزل بكارتها هنا، فكان الأمر تلك الليلة، وتخلفت عن حضوري للمولد، وكان هناك بعض الأولياء، فأخبروني أن سيدي أحمد البدوي كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح، ويقول: أبطأ عبد الوهاب، ما جاء!" ثم يزعم أن البدوي يدعو العرب والعجم ويسوقهم إلى مولده، وأنه أرى الشعراني كثيراً من الأحياء والأموات من الشيوخ والزَّمْنَى بأكفانهم يمشون ويزحفون معه يحضرون المولد! ( 2 ) ويقول عن الحريثي: "قصدته في حاجة، وأنا فوق سطوح مدرسة أم خوند بمصر، فرأيته خرج من قبره يمشي من دمياط. إلى أن صار بيني وبينه نحو خمسة أذرع، فقال: عليك بالصبر، ثم اختفى "!. ( 3 ) هنا يكاد الإنسان يفقد عقله! إذ لا يتصور حتى ممن به مسكة ولهى من عقل أن يهرف، ويخرف بمثل ذلك الخبال ولكن لا عجب، فكل صوفي عدو للعقل فوق عداواته للشرع. كل صوفي يؤمن بأن "الذوق" وحده هو وسيلة المعرفة، أما العقل عندهم، فطاغوت أخرق، أما الشرع، فماديَّةٌ تنشب مخالبها في الصخر، دون أن ترمق السماء بنظرة واحدة! أو هو نوع من عبادة التاريخ الميت؛ ولهذا تتباين عندهم قيم الأشياء، تبعاً لتباين الأذواق! وقد يرى الصوفي الباطل، فيما يرى غيره فيه الحق! ولا يضيرهم أن يتوتر التناقض بين ما يؤمن به صوفي، ويكفر به آخر غيره، فكلاهما في الدين الصوفي على حق. ولعل هذا سر فريتهم "من اعترض، انطرد!" إذ ربما حكمت بالشرع أو بالعقل على شيء ما بأنه باطل، وهو في "ذوق "( 4 ) شيخك حق! فتعرض نفسك للطرد من حظيرته. على هذا يحمل الشيوخُ الدراويشَ، ويستعبدونهم، فما يفعل الشيخ من شيء، إلا ويوحي إلى درويشه أنه فعله عن أمر إلهي، وإن يكن ما فعله خطيئة خاطئة. ولا يملك الدرويش إلا أن يؤمن! ألا ترى الجنيد يجيب – حين سئل: أيزني العارف ؟ - بقوله: "نعم! وكان أمر الله قدراً مقدوراً" ! حَقٌّ لوَّنه بباطل. ذلك الجنيد! زانٍ ويسميه عارفاً! أي مؤمناً بلغ ذروة الإيمان، لأنه رأى القضاء في لوح الغيب فنفذه .!( 5 ) والرسول يقول: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن". تنكر الصوفية على العقل أنه وسيلة إلى المعرفة، ويرهقها حنقاً من أن يحكم بالمغايرة بين الضدين، أو بين النقيضين، وتنكر على الشرع تفرقته بين الإيمان والكفر، أو الخير والشر؛ إذ لا تؤمن بغير "الذوق" سماء وحي، وقدس إلهام! ولهذا كان من اصطلاحاتهم المشهورة: " من ذاق عرف " أي من جعل " الذوق " وحده الوسيلة إلى المعرفة، كان حقاً من العارفين بكنه الحقائق الربانية! أرأيت إلى الشعراني يؤكد أن سيده البدوي حيٌّ رغم تعفن البلى في رمته ؟!، وأنه يطبخ ويغسِل، ويدعو الأحياء والموتى إلى مولده ؟! أرأيت إليه يؤكد أنه حين أخطر "الحريثي" في باله، قام من قبره، وهرول إلى مصر على قدميه من دمياط ؟!. ****************** ( 1 ) يذكر الصاوي في حاشيته على شرح الخريدة للدردير، أن الرفاعي وقف تجاه قبر الرسول، وناجاه بهذين البيتين: في حالة البعد روحي كنت أرسلها ** تقبل الأرض عني، وهي نائبتي وهذه دولة الأشباح، قد حضرت ** فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي!! قالوا: فخرجت اليد من القبر، ويظهر أن الشعراني أبى إلا أن تكون له ولسيده البدوي تلك الكرامة!! ( 2 ) اقرأ ترجمة السيد البدوي في طبقات الشعراني ( 3 ) جـ 2 ص 154 المصدر السابق ويروون أن رجلاً قصد إلى ضريح صوفي " مشتكياً فمد له من القبر بعود الريحان خطاباً مكتوباً فيه بيت من الشعر لم يجف مداده" انظر ص 318 جـ 2 شرح الحكم لابن عجيبة ( 4 ) يعرف القيصري الذوق بقوله: "ما يجده العالم على سبيل الوجدان والكشف لا البرهان والكسب، ولا على طريق الأخذ بالإيمان والتقليد" ص 193 مطلع خصوص الكلم، أو هو "أول درجات شهود الحق بالحق في أثناء البوارق المتوالية عند أدنى لبث من التجلي البرقي" ص 101 جامع الأصول للكمشخانلي، ويقول ابن عربي: "اعلم أن العلوم الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى الحاصلة مع كونها ترجع إلى عين واحدة" ص 107 فصوص الحكم ط الحلبي، ويعني بالعين الواحدة : الذات الإلهية!! ( 5 ) يقول الدباغ: "إن الولي الكبير فيما يظهر للناس يعصي، وهو ليس بعاصٍ، وإنما روحه حجبت ذاته، فظهرت في صورتها، فإذا أخذت في المعصية فليست بمعصية" ص 43 جـ 2 الإبريز. ويقول: "يتصور في طور الولاية أن يقعد الولي مع قوم يشربون الخمر، وهو يشرب معهم، فيظنونه أنه شارب الخمر، وإنما تصورت روحه في صورة من الصور وأظهرت ما أظهرت" ص 41 المصدر السابق. وهكذا يقررون أن الرذيلة فضيلة. |
حُجة من الحق أسائلك – وما تُضْنيني كثرة التساؤل – ألهذه الوثنية صلة بقرآن، أو فكر؟ هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وقد ووُري قبره، فيعز على ابنته فاطمة أن يهيل أصحاب أبيها العظيم الترابَ على وجهه الكريم، فتقول ملتاعة القلب بالأسى والحزن : "أوَ هَان عليكم أن تهيلوا التراب على وجه رسول الله؟". ويجيبها أنسٌ بالحق، يأسو في قلبها الحزين لوعة العاطفة، ويُجْلي عنه رانَ الهموم. "لولا أننا أُمِرنا بذلك، ما فعلناه". تُرى لِمَ لَمْ يَفْصِل رسولُ الله بعد موته في الخصومة التي احتدمت بين وزيره الأول أبي بكر، وبين ابنته الحبيبة فاطمة ؟. ولِمَ لَمْ يحُل بين عائشة وبين يوم الجمل؟ ولِمَ لَمْ يُنْذِر عمرَ بالمكيدة التي دبرت له حتى قُتِلَ بها؟ ولماذا لم يحُلْ بين خنجر المجوسي وبين صدر عمر الغامر ( 1 ) الإيمان ؟!. ولماذا لم يحْمِ عثمان ذا النورين من قاتله ؟! و علياً من السكين الخاتلة القاتلة ؟! وهذا ريحانته سيد شباب الجنة الحسين رضي الله عنه يحيط به عدوه كاليأس الظَّلوم بالأمل الكريم، وهاهو يرفع على يديه طفله في عمر الزهرة الندية، ثم يناشد عدوه حَسْوَةً من ماءٍ يبل بها غليل عصفوره الظمآن!. فلم ينل إلا سهماً غادراً ينفذ إلى صدر الصغير الرقيق!. فلماذا لم يمدد رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه بكأس من سلسبيل ؟ أو ليمنع السهم الغادر عن هَتْك الشغافِ من الطفل الصغير، ومن قتل أبيه البطل الأَبِيِّ الكريم ؟! جواب ذلك كله: لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يملك شيئاً يمدهم به، أو يعين، إذ هو ميت، ولم يُرْوَ عنه في حديث صحيح أو ضعيف، ولا في تاريخ يُعنى بالحقائق أو الأساطير، أنه أمَدَّ بشيء، أو أعان بعونٍ ما، بعد أن توفاه مَلَكُ الموت الذي وُكِّلَ به. فلو أن الله سبحانه أعطى خصائص الحياة الدنيا في القبر لميت يعين بها الأحبة، أو يمدهم بقدرة منه، لوهبها لمحمد صلى الله عليه وسلم! بيْدَ أنك ترى هذه الأحداث الجسام تدهم خيار الصحابة، والبررةَ الرياحين من آل بيته، فلا نسمع أنه صلى الله عليه وسلم أمدَّهم بشيء!؛ لأنه لا يقدر على ذلك!. أما البدوي رغم موته، فينعم بالحياة الزاخرة القادرة في الدنيا، ويهبها لمن يشاء من الموتى، ويقضي حوائج الخلق، ويعطي العهود، ويكلم الطائفين حول صنمه، وهو رِمَّةٌ عفِنة!. ألا ترى الشعراني يحب أن يؤكد لك أن هذا البدوي الأسطوري العجيب، أفضل وأكرم عند الله من سيد الخلق ؟! ****************** ( 1 ) أما الشعراني، فيتحدث عن كرامة سيده الشريف المجذوب، فيقول: "ولما طعن أصحاب النوبة سيدي علياً الخواص جاءه الشريف، ورد عنه الطعنة" ص 135 جـ 2 الطبقات |
صوفي يدبر الأمر يقول الدباغ: "رأيت ولياً بلغ مقاماً عظيماً، وهو أنه يشاهد المخلوقات الناطقة والصامتة، والوحوش، والحشرات، والسموات، ونجومها، والأرضين ، وكرةُ العالم بأسرها تستمد منه ويسمع أصواتها وكلامها في لحظة واحدة، ويمد كل واحد بما يحتاجه، ويعطيه ما يصلحه من غير أن يشغله هذا عن ذاك " ( 1 ) يصِف عبداً بصِفات الربوبية والإلهية !! ويقول أحمد التيجاني ( 2 ) عن نفسه: "روحي" روحه صلى الله عليه وسلم تمد الرسل والأنبياء، وروحي تمد الأقطاب والعارفين من الأزل إلى الأبد !! ( 3 ) ، وإذا جمع الله تعالى خلقه في الموقف ينادي مناد بأعلى صوته يسمعه كل من في الموقف، يا أهل المحشر، هذا إمامكم الذي كان مددكم منه، كل ما فاض من ذوات الأنبياء تتلقاه ذاتي. ومني يتفرق على جميع الخلائق " ( 4 ) ويصفه تابع له بقوله: " إذا توجَّه أغْنَى وأقْنَى، وبلغ المنى " ( 5 ) ويصفه آخر بقوله: " لا يتلقن واحد من الأولياء فيضاً من حضرة نبي إلا بواسطته"(6) وآخر بقوله: " نفوذ بصيرته الربانية التي ظهر مقتضاها من إظهار مضمراتٍ، وإخبار بمغيباتٍ، وعلم بعواقب الحاجات، وما يترتب عليها من المصالح والآفات " ( 7 ). ويقول البسطامي: " رفعني "أي الله" فأقامني بين يديه وقال لي: يا أبا يزيد: إن خلقي يحبون أن يروك، فقلت : رَبِّني بوحدانيتك وألبسني أنانيتك، وارفعني إلى أحديتك، حتى إذا رآني خلقك، قالوا: رأيناك لتكون أنت ذاك، ولا أكون أنا هناك "( 8 ). وَنَعْتُ "حرازم" للتيجاني، بأنه يُغْنِي ويُقْنِي، ويعلم الغيب، نَعْتٌ له بصفات الله. فالله سبحانه يصف نفسه بقوله: ( وأنه هو أغْنَى وأقْنَى ) ( عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول، فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ). ****************** ( 1 ) ص 73 جـ 2 الإبريز للدباغ ( 2 ) هو أحمد بن محمد أبو العباس ولد سنة 1150هـ ( 3 ) نفس ما ادعاه لنفسه الطاغوت ميرزا حسين علي الملقب بالبهاء !! ( 4 ، 5 ،6، 7 ) ص 5 جـ2 رماح حزب الرحيم وما بعدها، ص3 جواهر المعاني ص 46، 47 جـ1 لعلي حرازم. ( 8 ) اللمع للطوسي ص 383 مطبعة بريل بليدن |
الكلاب أولياء الصوفية إن البشرية في الأغوار السحيقة من تاريخها المظلم، وفي تيهها الوثني، لم تُؤله كلباً، بيد أن الصوفية أرادت التجديد في صور الشرك، وأن تبتدع أصناماً جديدة، فألَّهت ما لم تُؤَلِّه أحطُّ الوثنيات في التاريخ!. نقلتُ لك عن التلسماني اعتقاده أن رمة الكلب، هي ذات الرب الصوفي! وعن محمد بهاء الدين ما نقله عن مشائخه من تأليه الكلاب والخنازير، فاسمع إلى الشعراني يحدثنا عن كرامات سيده العجمي. " وقع بصره على كلب، فانقادت إليه جميع الكلاب، وصار الناس يُهْرَعُونَ إليه في قضاء حوائجهم، فلما مرض ذلك الكلب، اجتمع حوله الكلاب يَبكون، فلما مات، أظهروا البكاء والعويل، وألهم الله تعالى بعض الناس، فدفنوه، فكانت الكلاب تزور قبره، حتى ماتوا، فهذه نظرة إلى كلب، فعلت ما فعلت فكيف لو وقعت على إنسان ؟" ( 1 ) ويقص الشعراني عن هذا العجمي: إنه كان يخرج من خلوته، فكل من وقع عليه نظره، انقلبت عينه ذهباً خالصاً !! ( 2 ) ****************** ( 1 ) ص 61 جـ 2 الطبقات ترجمة العجمي ( 2 ) نفس المصدر السابق وهذا معناه أنه رجل شديد الخطورة على الإنسانية، فكيف يكون ولياً من يكون سبباً في حرمان الناس من نعمة البصر؟ كيف يكون ولياً وهو نكبة على المجتمع ؟ |
إفكٌ وحق ترى ينافحك الرضى يا سماحة الشيخ عما افتراه الشعراني ؟! إني أصيح صيحة مدوية بالحق لعلها تهز ضميرك الديني، وأسائلك: أسائل ما تعلمته في الأزهر، حتى وصل بك إلى منصب القوامة المقدسة عند الصوفية على دينهم، هذا الدين الذي يفتري له كهنته و أحباره أنه ربيع الحياة الروحية الرَّفَّافُ بالخير والحب!! ومعين الهداية الفياض بالحق والحكمة!! وأقباس من النور الأزلي، على أشعته يصل إلى هدفه الأبدُ والخلود!! ومجالي الفردوس حيث الحور مَجْلُوَّات الجمال، وحيث الملائك في سجود التسابيح!! أما هذا الدين في نظر الحق، فنُفايات مَجتَّها مجوسية الفرس، والهند، وزندقة الغنوصيين، وإلحاد الفلاسفة، ووثنية الصابئة وعبدة الأصنام!، إنه حمأة الشر والفساد من دين أولئك جميعاً، بيْدَ أن لطواغيته أسماء إسلامية، ففتنوك بهذا الشِّفِّ الرقيق، فلم ترهم، وهم يدسون السُم لك في الرحيق !! إنه أخسُّ دين عُبِد به الشيطان ، إذ افْتَنَّ في افتراء بِدَعِه !! إنه السُم الزُعاف يقسم لك: إنه سُلافَةُ الخلود !! والأفعوان الحقود يزعم: أنه ملاك رحمة ومحبة !! والليلة السوداء في قبر المشرك تؤكد لك أنها وضاءة صبح الجنة !! والدمامة الشوهاءُ تتراءى في الماخور الدنس بَرْزَةً تَتَقَتَّل أنوثتُها الطاغية !! إنه الصوفية تزعم أنها إسلام !!. |
خِزيٌ صوفي ولقد سجل هذا الخزي والعار مستشرق إنجليزي صاحَبَ الصوفية في مصر فأعطته العهد ثم مضى – بعد ابتلائهم – يسجل عليهم مخازيها، ويرمي بها المصريين جميعاً في كتابه: "ويزور المصريون الأضرحة معتقدين أنهم سينزلون عليهم البركات، وإما بقصد التماس البُرء من مرض، أو طلب النسل، ويعتبر المسلمون أولياءهم المتوفين شفعاء لهم عند الله، ويقدمون لهم النذور " ( 1 ) . ويقول: "وقد جرت العادة أن يقوم المسلمون ( 2 ) كما كان يفعل اليهود بتجديد بناء قبور أوليائهم وتبييضها وزخرفتها وتغطية التركيبة أو التابوت أحياناً بغطاء جديد، وأكثر هؤلاء يفعلون ذلك رياء كما كان يفعل اليهود" ويقول جولد زيهر وهو يتحدث عن بدعة الموالد: "وكان علماء المسلمين لا يزالون حتى القرن الثامن الهجري يعدونه "أي الاحتفال بمولد النبي" مخالفاً للسنة، ونهت عنه غالبيتهم على اعتبار أنه بدعة مستحدثة في الإسلام. وتنطبق هذه الحالة أيضاً على أعياد دينية أخرى، نشأت في القرون المتأخرة، واضطرت أن تجاهد؛ لكي يقرها العلماء بعد أن وصموها دهراً طويلاً: بأنها من البدع الدخيلة " ( 3 ) ويقول جوتييه: "وتقديس الأولياء إلى درجة قد تقرب من العبادة الذي نراه انتشر بعدُ في جميع الأقطار الإسلامية يشير في الحقيقة إلى رد فعل من الأمم والشعوب التي فتحها الإسلام ضد العقلية الإسلامية التي لا تسلِّم بوسطاء أو شفعاء لدى الله. إنه لم يَثُر ضد إجلال الأولياء والرسول إلى ما يقرب من العبادة أي ضد هذا التغيير الخطير في العقلية الإسلامية الأولى إلا الطائفة الوهابية " ( 4 ) . لا يسوءنا أن يسجل هذه المخازي أولئك المستشرقون، ويحملونها على المسلمين جميعاً، ولكن الذي يجب أن نخزى به، هو أن ندع هؤلاء الصوفية يقترفون هذه الجرائر، وينفثون سمومها، فيكيد للإسلام بها عدوه، ويرمي المسلمين جميعاً بالحماقة والغباوة وعبادة الأساطير، ويقول في كل كتاب: هذا هو الإسلام !! وهم يوقنون أنه دين الصوفية، لا دين الله، ولكنهم عدو يهتبل الفرصة؛ ليمحق بها عدواً له، ربما أخذتنا العزة ضد هؤلاء المستشرقين وحدهم، بيْدَ أن الواجب هو أن تأخذنا العزة بالحق، فنجتث الصوفية من أصولها، وكفاها أن جعلت عدو الإسلام يحمل كل خزي لها عليه!! ليس أولئك المستشرقون هم عدونا الأول، وإنما عدونا من ملَّكهم هذا السلاحَ يقاتلوننا به. وليس غير الصوفية!! ****************** ( 1 ) ص 167 وما بعدها كتاب "المصريون المحدثون" للمستشرق "لين" والمسلمون أبرياء من هذا الشرك الذي يقترفه الصوفيون، ويرمي به الرجل جميع المسلمين ( 2 ) يحمل على المسلمين أوزار الصوفية، فما يفعل هذا مسلم. ولكنها الصوفية ( 3 ) ص 227 العقيدة والشريعة ( 4 ) ص 158 المدخل تأليف جوتييه ترجمة الدكتور محمد يوسف موسى، أما الوهابية فكلمة ابتدعها أعداء الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب مقابل نقده الحق للعصبية المذهبية المقيتة |
الساعة الآن 04:25 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir