![]() |
باب قول الله تعالى "وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين" قول الله تعالى : ( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) [ سورة المائدة : الآية 23 ] التوكل على الله من أعظم واجبات التوحيد والإيمان وبحسب قوة توكل العبد على الله يقوى إيمانه , ويتم توحيده والعبد مضطر إلى التوكل على الله والاستعانة به في كل ما يريد فعله أو تركه من أمور دينه أو دنياه . وحقيقة التوكل على الله أن يعلم العبد أن الأمر كله لله وأنه ما شاء الله كان : وما لم يشأ لم يكن , وأنه هو النافع الضار المعطي المانع , وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله , فبعد هذا العلم يعتمد بقلبه على ربه في جلب مصالح دينه ودنياه , وفي دفع المضار , ويثق غاية الوثوق بربه في حصول مطلوبه وهو مع هذا باذل جهده في فعل الأسباب النافعة , فمتى استدام العبد هذا العلم وهذا الاعتماد والثقة فهو المتوكل على الله حقيقة , وليبشر بكفاية الله له ووعده للمتوكلين , ومتى علق ذلك بغير الله فهو شرك , ومن توكل على غير الله وتعلق به وكل إليه وخاب أمله . |
باب قول الله تعالى " أفأمنوا مكر الله "
قول الله تعالى : ( أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ) [ سورة الأعراف : الآية 99 ] مقصود الترجمة أنه يجب على العبد أن يكون خائفا من الله , راجيا له , راغبا راهبا : إن نظر إلى ذنوبه وعدل الله وشدة عقابه , خشي ربه وخافه , وإن نظر إلى فضله العام والخاص وعفوه الشامل رجا وطمع , إن وفق لطاعة رجا من ربه تمام النعمة بقبولها , وخاف من ردها بتقصيره في حقها . وإن ابتلي بمعصية رجا من ربه قبول توبته ومحوها وخشي بسبب ضعف التوبة والالتفات للذنب أن يعاقب عليها , وعند النعم والمسار يرجو الله دوامها والزيادة منها والتوفيق لشكرها , ويخشى بإخلاله بالشكر من سلبها , وعند المكاره والمصائب يرجو الله دفعها , وينتظر الفرج بحلها , ويرجو أيضا أن يثيبه الله عليها حين يقوم بوظيفة الصبر , ويخشى من اجتماع المصيبتين : فوات الأجر المحبوب وحصول الأمر المكروه إذا لم يوفق للقيام بالصبر الواجب , فالمؤمن الموحد في كل أحواله ملازم للخوف والرجاء , وهذا هو الواجب وهو النافع وبه تحصل السعادة , ويخشى على العبد من خلقين رذيلين ( أحدهما ) أن يستولي عليه الخوف حتى يقنط من رحمة الله وروحه . الثاني أن يتجارى به الرجاء حتى يأمن مكر الله وعقوبته , فمتى بلغت به الحال إلى هذا فقد ضيع واجب الخوف والرجاء اللذين هما من أكبر أصول التوحيد , وواجبات الإيمان . وللقنوط من رحمة الله واليأس من روحه سببان محذوران ( أحدهما ) أن يسرف العبد على نفسه ويتجرأ على المحارم فيصر عليها ويصمم على الإقامة على المعصية ويقطع طمعه من رحمة الله لأجل أنه مقيم على الأسباب التي تمنع الرحمة فلا يزال كذلك حتى يصير له هذا وصفا وخلقا لازما , وهذا غاية ما يريده الشيطان من العبد , ومتى وصل إلى هذا الحد لم يرج له خير إلا بتوبة نصوح وإقلاع قوي ( الثاني ) أن يقوى خوف العبد بما جنت يداه من الجرائم ويضعف علمه بما لله من واسع الرحمة والمغفرة ويظن بجهله أن الله لا يغفر له ولا يرحمه ولو تاب وأناب , وتضعف إرادته , فييأس من الرحمة , وهذا من المحاذير الضارة الناشئ من ضعف علم العبد بربه وما له من الحقوق , ومن ضعف النفس وعجزها ومهانتها - فلو عرف هذا ربه ولم يخلد إلى الكسل : لعلم أن أدنى سعي يوصله إلى ربه وإلى رحمته وجوده وكرمه . وللأمن من مكر الله أيضا سببان مهلكان ( أحدهما ) إعراض العبد عن الدين وغفلته عن معرفة ربه وما له من الحقوق , وتهاونه بذلك فلا يزال معرضا غافلا مقصرا عن الواجبات , منهمكا في المحرمات حتى يضمحل خوف الله من قلبه ولا يبقى في قلبه من الإيمان شيء : لأن الإيمان يحمل على خوف الله وخوف عقابه الدنيوي والأخروى . السبب الثاني أن يكون العبد عابدا جاهلا معجبا بنفسه مغرورا بعمله , فلا يزال به جهله حتى يدل بعمله ويزول الخوف عنه ويرى أن له عند الله المقامات العالية فيصير آمنا من مكر الله متكلا على نفسه الضعيفة المهينة , ومن ههنا يخذل ويحال بينه وبين التوفيق , إذ هو الذي جنى على نفسه , فبهذا التفصيل تعرف منافاة هذه الأمور للتوحيد . |
باب من الإيمان الصبر على أقدار الله
أما الصبر على طاعة الله والصبر عن معصيته فهو ظاهر لكل أحد أنهما من الإيمان , بل هما أساسه وأصله وفرعه فإن الإيمان كله صبر على ما يحبه الله ويرضاه ويقرب إليه وصبر عن محارم الله . فإن الدين يدور على ثلاثة أصول : تصديق خبر الله ورسوله وامتثال أمر الله ورسوله , واجتناب نهيهما , فالصبر على أقدار الله المؤلمة داخل في هذا العموم ولكن خص بالذكر لشدة الحاجة إلى معرفته والعمل به , فإن العبد متى علم أن المصيبة بإذن الله وأن لله أتم الحكمة في تقديرها وله النعمة السابغة في تقديرها على العبد , رضي بقضاء الله وسلم لأمره وصبر على المكاره تقربا إلى الله ورجاء لثوابه وخوفا من عقابه واغتناما لأفضل الأخلاق , فاطمأن قلبه وقوي إيمانه وتوحيده . |
باب ما جاء في الرياء باب من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا باب ما جاء في الرياء ثم قال : باب : من الشرك إرادة الإنسان بعمله الدنيا اعلم أن الإخلاص لله أساس الدين وروح التوحيد والعبادة وهو أن يقصد العبد بعمله كله وجه الله وثوابه وفضله فيقوم بأصول الإيمان الستة وشرائع الإسلام الخمس وحقائق الإيمان التي هي الإحسان وبحقوق الله وحقوق عباده مكملا لها قاصدا بها وجه الله والدار الآخرة , لا يريد بذلك رياء ولا سمعة ولا رياسة ولا دنيا وبذلك يتم إيمانه وتوحيده . ومن أعظم ما ينافي هذا مراءاة الناس والعمل لأجل مدحهم وتعظيمهم أو العمل لأجل الدنيا , فهذا يقدح في الإخلاص والتوحيد . واعلم أن الرياء فيه تفصيل : فإن كان الحامل للعبد على العمل قصد مراءاة الناس واستمر على هذا القصد الفاسد فعمله حابط وهو مشرك أصغر ويخشى أن يتذرع به إلى الشرك الأكبر , وإن كان الحامل على العمل إرادة وجه الله مع إرادة مراءاة الناس ولم يقلع عن الرياء بعمله فظاهر النصوص أيضا بطلان هذا العمل . وإن كان الحامل للعبد على العمل وجه الله وحده ولكن عرض له الرياء في أثناء عمله فإن دفعه وخلص إخلاصه لله لم يضره , وإن ساكنه واطمأن إليه نقص العمل وحصل لصاحبه من ضعف الإيمان والإخلاص بحسب ما قام في قلبه من الرياء وتقاوم العمل لله وما خالطه من شائبة الرياء , والرياء آفة عظيمة ويحتاج إلى علاج شديد وتمرين النفس على الإخلاص ومجاهدتها في مدافعة خواطر الرياء والأغراض الضارة والاستعانة بالله على دفعها لعل الله يخلص إيمان العبد ويحقق توحيده . وأما العمل لأجل الدنيا وتحصيل أعراضها وأغراضها فإن كانت إرادة العبد كلها لهذا المقصد ولم يكن له إرادة لوجه الله والدار الآخرة : فهذا ليس له في الآخرة من نصيب وهذا العمل على هذا الوصف لا يصدر من مؤمن , فإن المؤمن ولو كان ضعيف الإيمان لا بد أن يريد الله والدار الآخرة وأما من عمل العمل لوجه الله ولأجل الدنيا , والقصدان متساويان أو متقاربان فهذا وإن كان مؤمنا فإنه ناقص الإيمان والتوحيد والإخلاص وعمله ناقص لفقده كمال الإخلاص . وأما من عمل لله وحده وأخلص في عمله إخلاصا تاما ولكنه يأخذ على عمله جعلا ومعلوما يستعين به على العمل والدين كالجعالات التي تجعل على أعمال الخير وكالمجاهد الذي يترتب على جهاده غنيمة أو رزق وكالأوقاف التي تجعل على المساجد والمدارس والوظائف الدينية لمن يقوم بها فهذا لا يضر أخذه في إيمان العبد وتوحيده لكونه لم يرد بعمله الدنيا وإنما أراد الدين وقصد أن يكون ما حصل له معينا له على قيام الدين ولهذا جعل الله في الأموال الشرعية كالزكوات وأموال الفيء وغيرها جزءا كبيرا لمن يقوم بالوظائف الدينية والدنيوية النافعة كما قد عرف تفاصيل ذلك , فهذا التفصيل يبين لك حكم هذه المسألة كبيرة الشأن ويوجب لك أن تنـزل الأمور منازلها والله أعلم . |
باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أربابا
باب قول الله تعالى "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك” ووجه ما ذكره المصنف ظاهر فإن الرب والإله هو الذي له الحكم القدري , والحكم الشرعي , والحكم الجزائي , وهو الذي يؤله ويعبد وحده لا شريك له , ويطاع طاعة مطلقة فلا يعصى بحيث تكون الطاعات كلها تبعا لطاعته , فإذا اتخذ العلماء والأمراء على هذا الوجه وجعل طاعتهم هي الأصل وطاعة الله ورسوله تبعا لها فقد اتخذهم أربابا من دون الله يتألههم ويحاكم إليهم ويقدم حكمهم على حكم الله ورسوله , وهذا هو الكفر بعينه فإن الحكم كله لله كما أن العبادة كلها لله , والواجب على كل أحد أن لا يتخذ غير الله حكما وأن يرد ما تنازع فيه الناس إلى الله ورسوله وبذلك يكون دين العبد كله لله وتوحيده خالصا لوجه الله , وكل من حاكم إلى غير حكم الله ورسوله فقد حاكم إلى الطاغوت وإن زعم أنه مؤمن فهو كاذب , فالإيمان لا يصح ولا يتم إلا بتحكيم الله ورسوله في أصول الدين وفروعه وفي كل الحقوق كما ذكره المصنف في الباب الآخر , فمن حاكم إلى غير الله ورسوله فقد اتخذ ذلك ربا وقد حاكم إلى الطاغوت . |
باب من جحد شيئا من الأسماء والصفات
أصل الإيمان وقاعدته التي ينبني عليها هو الإيمان بالله وبأسمائه وصفاته , وكلما قوي علم العبد بذلك وإيمانه به وتعبد لله بذلك قوي توحيده , فإذا علم أن الله متوحد بصفات الكمال متفرد بالعظمة والجلال والجمال ليس له في كماله مثيل , أوجب له ذلك أن يعرف ويتحقق أنه هو الإله الحق وأن إلهية ما سواه باطلة , فمن جحد شيئا من أسماء الله وصفاته فقد أتى بما يناقض التوحيد وينافيه , وذلك من شعب الكفر . |
باب قول الله تعالى "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها " قول الله تعالى : ( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا ) [ سورة النحل : الآية 83 ] الواجب على الخلق إضافة النعم إلى الله قولا واعترافا كما تقدم وبذلك يتم التوحيد , فمن أنكر نعم الله بقلبه ولسانه فذلك كافر ليس معه من الدين شيء . ومن أقر بقلبه أن النعم كلها من الله وحده وهو بلسانه تارة يضيفها إلى الله , وتارة يضيفها إلى نفسه وعمله وإلى سعي غيره كما هو جار على ألسنة كثير من الناس , فهذا يجب على العبد أن يتوب منه , وأن لا يضيف النعم إلا إلى موليها وأن يجاهد نفسه على ذلك , ولا يتحقق الإيمان والتوحيد إلا بإضافة النعم إلى الله قولا واعترافا , فإن الشكر الذي هو رأس الإيمان مبني على ثلاثة أركان : اعتراف القلب بنعم الله كلها عليه وعلى غيره والتحدث بها والثناء على الله بها والاستعانة بها على طاعة المنعم وعبادته والله أعلم . |
باب قول الله تعالى "فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون "
قول الله تعالى : ( فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ سورة البقرة : الآية 22 ] الترجمة السابقة على قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا ) [ سورة البقرة : الآية 165 ] يقصد بها الشرك الأكبر بأن يجعل لله ندا في العبادة والحب والخوف والرجاء وغيرها من العبادات - وهذه الترجمة المراد بها الشرك الأصغر كالشرك في الألفاظ كالحلف بغير الله وكالتشريك بين الله وبين خلقه في الألفاظ كلولا الله وفلان وهذا بالله وبك وكإضافة الأشياء ووقوعها لغير الله كلولا الحارس لأتانا اللصوص , ولولا الدواء الفلاني لهلكت , ولولا حذق فلان في المكسب الفلاني لما حصل , فكل هذا ينافي التوحيد , والواجب أن تضاف الأمور ووقوعها ونفع الأسباب إلى إرادة الله , وإلى الله ابتداء ويذكر مع ذلك مرتبة السبب ونفعه فيقول لولا الله ثم كذا ليعلم أن الأسباب مربوطة بقضاء الله وقدره , فلا يتم توحيد العبد حتى لا يجعل لله نداً في قلبه وقوله وفعله. |
باب من لم يقنع في الحلف بالله
ويراد بهذا إذا توجهت اليمين على خصمك وهو معروف بالصدق أو ظاهره الخير والعدالة فيحلف فإنه يتعين عليك الرضا والقناعة بيمينه , لأنه ليس عندك يقين يعارض صدقه وما كان عليه المسلمون من تعظيم ربهم وإجلاله يوجب عليك أن ترضى بالحلف بالله وكذلك لو بذلت له اليمين بالله فلم يرض إلا بالحلف بالطلاق أو دعاء الخصم على نفسه بالعقوبات , فهو داخل في الوعيد لأن ذلك سوء أدب وترك لتعظيم الله , واستدراك على حكم الله ورسوله . وأما من عرف منه الفجور والكذب وحلف على ما تيقن كذبه فيه فإنه لا يدخل تكذيبه في الوعيد للعلم بكذبه , وأنه ليس في قلبه من تعظيم الله ما يطمئن الناس إلى يمينه , فتعين إخراج هذا النوع من الوعيد لأن حالته متيقنة والله أعلم . |
باب قول ما شاء الله وشئت
قول : ما شاء الله وشئت هذه الترجمة داخلة في الترجمة السابقة ( فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا ) [ سورة البقرة : الآية 22 ] *********** باب من سب الدهر فقد سب الله وهذا واقع كثيرا في الجاهلية وتبعهم على هذا كثير من الفساق والمجان والحمقى إذا جرت تصاريف الدهر على خلاف مرادهم جعلوا يسبون الدهر والوقت وربما لعنوه . وهذا ناشئ من ضعف الدين ومن الحمق والجهل العظيم , فإن الدهر ليس عنده من الأمر شيء فإنه مدبر مصرف والتصاريف الواقعة فيه تدبير العزيز الحكيم , ففي الحقيقة يقع العيب والسب على مدبره , وكما أنه نقص في الدين فهو نقص في العقل , فيه تزداد المصائب ويعظم وقعها وتغلق باب الصبر الواجب , وهذا مناف للتوحيد : أما المؤمن فإنه يعلم أن التصاريف واقعة بقضاء الله وقدره وحكمته فلا يتعرض لعيب ما لم يعبه الله ولا رسوله بل يرضى بتدبير الله ويسلم لأمره وبذلك يتم توحيده وطمأنينته . |
باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه
باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لذلك وهاتان الترجمتان من فروع الباب السابق , وهو أنه يجب أن لا يجعل لله ند في النيات والأقوال والأفعال , فلا يسمى أحد باسم فيه نوع مشاركة لله في أسمائه وصفاته كقاضي القضاة وملك الملوك ونحوها , وحاكم الحكام , أو بأبي الحكم ونحوه , وكل هذا حفظ للتوحيد ولأسماء الله وصفاته , ودفع لوسائل الشرك حتى في الألفاظ التي يخشى أن يتدرج منها إلى أن يظن مشاركة أحد لله في شيء من خصائصه وحقوقه . |
باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول
من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول أي فإن هذا مناف للإيمان بالكلية , ومخرج من الدين , لأن أصل الدين : الإيمان بالله وكتبه ورسله , ومن الإيمان تعظيم ذلك . ومن المعلوم أن الاستهزاء والهزل بشيء من هذه أشد من الكفر المجرد , لأن هذا كفر وزيادة احتقار وازدراء , فإن الكفار نوعان : معرضون ومعارضون , فالمعارض المحارب لله ورسوله , القادح بالله وبدينه ورسوله أغلظ كفرا وأعظم فسادا , والهازل بشيء منها من هذا النوع . |
باب قول الله تعالى
"ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته " قول الله تعالى : ( وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ ) [ سورة فصلت : الآية 50 ] مقصود هذه الترجمة أن كل من زعم أن ما أوتيه من النعم والرزق فهو بكده وحذقه وفطنته , أو أنه مستحق لذلك لما يظن له على الله من الحق , فإن هذا مناف للتوحيد لأن المؤمن حقا من يعترف بنعم الله الظاهرة والباطنة ويثني على الله بها , ويضيفها إلى فضله وإحسانه , ويستعين بها على طاعته , ولا يرى له حقا على الله , وإنما الحق كله لله , وأنه عبد محض من جميع الوجوه , فبهذا يتحقق الإيمان والتوحيد , وبضده يتحقق كفران النعم , والعجب بالنفس , والإدلال الذي هو من أعظم العيوب . |
باب قول الله تعالى "فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما " قول الله تعالى : ( فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا ) [ سورة الأعراف : الآية 190 ] مقصود الترجمة أن من أنعم الله عليهم بالأولاد , وكمل الله لهم النعمة بهم بأن جعلهم صالحين في أبدانهم , وتمام ذلك أن يصلحوا في دينهم , فعليهم أن يشكروا الله على إنعامه , وألا يعبدوا أولادهم لغير الله , أو يضيفوا النعم لغير الله , فإن ذلك كفران للنعم مناف للتوحيد . |
باب قوله "ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه " قول الله تعالى : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ) [ سورة الأعراف : الآية 179 ] أصل التوحيد إثبات ما أثبته الله لنفسه : أو أثبته له رسوله من الأسماء الحسنى : ومعرفة ما احتوت عليه من المعاني الجليلة , والمعارف الجميلة , والتعبد لله بها ودعاؤه بها , فكل مطلب يطلبه العبد من ربه من أمور دينه ودنياه : فليتوسل إليه باسم مناسب له من أسماء الله الحسنى : فمن دعاه لحصول رزق فليسأله باسمه الرزاق , ولحصول رحمة ومغفرة فباسمه الرحيم الرحمن البر الكريم العفو الغفور التواب ونحو ذلك . وأفضل من ذلك أن يدعوه بأسمائه وصفاته دعاء العبادة , وذلك باستحضار معاني الأسماء الحسنى وتحصيلها في القلوب حتى تتأثر القلوب بآثارها ومقتضياتها , وتمتلئ بأجل المعارف . فمثلا أسماء العظمة والكبرياء والمجد والجلال والهيبة تملأ القلب تعظيما لله وإجلالا له . وأسماء الجمال والبر والإحسان والرحمة والجود تملأ القلب محبة لله , وشوقا له وحمدا له وشكرا . وأسماء العز والحكمة والعلم والقدرة تملأ القلب خضوعا لله وخشوعا وانكسارا بين يديه وأسماء العلم والخبرة والإحاطة والمراقبة والمشاهدة تملأ القلب مراقبة لله في الحركات والسكنات , وحراسة للخواطر عن الأفكار الردية , والإرادات الفاسدة . وأسماء الغنى واللطف تملأ القلب افتقارا واضطرارا إليه والتفاتا إليه كل وقت في كل حال . فهذه المعارف التي تحصل للقلوب بسبب معرفة العبد بأسمائه وصفاته وتعبده بها لله لا يحصل العبد في الدنيا أجل ولا أفضل ولا أكمل منها , وهي أفضل العطايا من الله لعبده , وهي روح التوحيد وروحه , ومن انفتح له هذا الباب انفتح له باب التوحيد الخاص والإيمان الكامل , الذي لا يحصل إلا للكمل من الموحدين . وإثبات الأسماء والصفات هو الأصل لهذا المطلب الأعلى . وأما الإلحاد في أسماء الله وصفاته فإنه ينافي هذا المقصد العظيم أعظم منافاة , والإلحاد أنواع إما أن ينفي الملحد معانيها كما تفعله الجهمية ومن تبعهم , وإما بتشبيهها بصفات المخلوقين كما يفعله المشبهة من الرافضة وغيرهم , وإما بتسمية المخلوقين بها كما يفعله المشركون حيث سموا اللات من الإله , والعزى من العزيز , ومناة من المنان , فاشتقوا لها من أسماء الله الحسنى فشبهوها بالله , ثم جعلوا لها من حقوق العبادة ما هو من حقوق الله الخاصة , فحقيقة الإلحاد في أسماء الله هو الميل بها عن مقصودها لفظا أو معنى , تصريحا أو تأويلا أو تحريفا . وكل ذلك مناف للتوحيد والإيمان |
باب لا يقال السلام على الله
لا يقال : السلام على الله وقد بين صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله ( فإن الله هو السلام ) فهو تعالى السلام السالم من كل عيب ونقص , وعن مماثلة أحد من خلقه له , وهو المسلم لعباده من الآفات والبليات , فالعباد لن يبلغوا ضره فيضروه , ولن يبلغوا نفعه فينفعوه , بل هم الفقراء إليه , المحتاجون إليه في جميع أحوالهم , وهو الغني الحميد . |
باب لا يقول اللهم اغفر لي إن شئت الأمور كلها وإن كانت بمشيئة الله وإرادته , فالمطالب الدينية كسؤال الرحمة المغفرة , والمطالب الدنيوية المعينة على الدين كسؤال العافية والرزق وتوابع ذلك , قد أمر العبد أن يسألها من ربه طلبا ملحا جازما , وهذا الطلب عين العبودية ومخها , ولا يتم ذلك إلا بالطلب الجازم الذي ليس فيه تعليق بالمشيئة , لأنه مأمور به , وهو خير محض لا ضرر فيه , والله تعالى لا يتعاظمه شيء . وبهذا يظهر الفرق بين هذا وبين سؤال بعض المطالب المعينة التي لا يتحقق مصلحتها ومنفعتها , ولا يجزم أن حصولها خير للعبد . فالعبد يسأل ربه ويعلقه على اختيار ربه له أصلح الأمرين , كالدعاء المأثور " اللهم احيني إذا كانت الحياة خيرا لي , وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي " وكدعاء الاستخارة . فافهم هذا الفرق اللطيف البديع بين طلب الأمور النافعة المعلوم نفعها وعدم ضررها , وأن الداعي يجزم بطلبها ولا يعلقها , وبين طلب الأمور التي لا يدري العبد عن عواقبها , ولا رجحان نفعها على ضررها , فالداعي يعلقها على اختيار ربه الذي أحاط بكل شيء علما وقدرة ورحمة ولطفا . |
باب لا يقل عبدي وأمتي
وهذا على وجه الاستحباب أن يعدل العبد عن قول عبدي وأمتي إلى فتاي وفتاتي , تحفظا عن اللفظ الذي فيه إيهام ومحذور ولو على وجه بعيد , وليس حراما وإنما الأدب كمال التحفظ بالألفاظ الطيبة التي لا توهم محذورا بوجه , فإن الأدب في الألفاظ دليل على كمال الإخلاص خصوصا هذه الألفاظ التي هي أمس بهذا المقام . |
باب لا يرد من سأل بالله وباب لا يسأل بوجه الله إلا الجنة الباب الأول خطاب للمسئول , وأنه إذا أدلى على الإنسان أحد بحاجة وتوسل إليه بأعظم الوسائل , وهو السؤال بالله , أن يجيبه احتراما وتعظيما لحق الله , وأداء لحق أخيه حيث أدلى بهذا السبب الأعظم . والباب الثاني خطاب للسائل , وأن عليه أن يحترم أسماء الله وصفاته , وأن لا يسأل شيئا من المطالب الدنيوية بوجه الله , بل لا يسأل بوجهه إلا أهم المطالب وأعظم المقاصد وهي الجنة بما فيها من النعيم المقيم , ورضا الرب والنظر إلى وجهه الكريم والتلذذ بخطابه , فهذا المطلب الأسني هو الذي يسأل بوجه الله , وأما المطالب الدنيوية , والأمور الدنية وإن كان العبد لا يسألها إلا من ربه فإنه لا يسألها بوجهه . |
باب ما جاء في " اللو“ اعلم أن استعمال العبد للفظة " لو " يقع على قسمين : مذموم ومحمود : أما المذموم فأن يقع منه أو عليه أمر لا يحبه فيقول : لو أني فعلت كذا لكان كذا , فهذا من عمل الشيطان , لأن فيه محذورين ( أحدهما ) أنها تفتح عليه باب الندم والسخط والحزن الذي ينبغي له إغلاقه وليس فيها نفع ( الثاني ) أن في ذلك سوء أدب على الله وعلى قدره , فإن الأمور كلها , والحوادث دقيقها وجليلها بقضاء الله وقدره , وما وقع من الأمور فلا بد من وقوعه , ولا يمكن رده . فكان في قوله : لو كان كذا أو لو فعلت كذا كان كذا , نوع اعتراض ونوع ضعف إيمان بقضاء الله وقدره . ولا ريب أن هذين الأمرين المحذورين لا يتم للعبد إيمان ولا توحيد إلا بتركهما . وأما المحمود من ذلك فأن يقولها العبد تمنيا للخير , أو تعليما للعلم والخير كقوله صلى الله عليه وسلم : ( لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما سقت الهدي ولأهللت بالعمرة ) وقوله في الرجل المتمني للخير ( لو أن لي مثل مال فلان لعملت فيه مثل عمل فلان ) و ( لو صبر أخي موسى ليقص الله علينا من نبئهما ) , أي في قصته مع الخضر . وكما أن " لو " إذا قالها للخير فهو محمود , فإذا قالها متمنيا للشر فهو مذموم , فاستعمال " لو " تكون بحسب الحال الحامل عليها : إن حمل عليها الضجر والحزن وضعف الإيمان بالقضاء والقدر أو تمني الشر كان مذموما , وإن حمل عليها الرغبة في الخير والإرشاد والتعليم كان محمودا , ولهذا جعل المصنف الترجمة محتملة للأمرين . |
باب النهي عن سب الريح وهذا نظير ما سبق في سب الدهر إلا أن ذلك الباب عام في سب جميع حوادث الدهر , وفي هذا خاص بالريح . ومع تحريمه فإنه حمق وضعف في العقل والرأي , فإن الريح مصرفة مدبرة بتدبير الله وتسخيره , فالساب لها يقع سبه على من صرفها , ولولا أن المتكلم بسب الريح لا يخطر هذا المعنى في قلبه غالبا لكان الأمر أفظع من ذلك , ولكن لا يكاد يخطر بقلب مسلم . |
باب قول الله تعالى "يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية " قول الله تعالى : ( يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ) [ سورة آل عمران : الآية 154 ] وذلك أنه لا يتم للعبد إيمان ولا توحيد حتى يعتقد جميع ما أخبر الله به من أسمائه وصفاته وكماله , وتصديقه بكل ما أخبر به وأنه يفعله وما وعد به من نصر الدين , وإحقاق الحق , وإبطال الباطل , فاعتقاد هذا من الإيمان وطمأنينة القلب بذلك من الإيمان : وكل ظن ينافي ذلك فإنه من ظنون الجاهلية المنافية للتوحيد لأنها سوء ظن بالله : ونفي لكماله وتكذيب لخبره , وشك في وعده . والله أعلم . |
باب ما جاء في منكر القدر قد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أن الإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان وأنه ما شاء الله كان , وما لم يشأ لم يكن , فمن لم يؤمن بهذا فإنه ما آمن بالله حقيقة . فعلينا أن نؤمن بجميع مراتب القدر فنؤمن أن الله بكل شيء عليم , وأنه كتب في اللوح المحفوظ جميع ما كان وما يكون إلى يوم القيامة , وأن الأمور كلها بخلقه وقدرته وتدبيره . ومن تمام الإيمان بالقدر العلم بأن الله لم يجبر العباد على خلاف ما يريدون بل جعلهم مختارين لطاعاتهم ومعاصيهم . |
باب ما جاء في المصورين وهذا من فروع الباب السابق أنه لا يحل أن يجعل لله ندا في النيات والأقوال والأفعال . والند هو المشابه ولو بوجه بعيد , فاتخاذ الصور الحيوانية تشبه بخلق الله , وكذب على الخلقة الإلهية , وتمويه وتزوير , فلذلك زجر الشارع عنه . |
باب ما جاء في كثرة الحلف أصل اليمين إنما شرعت تأكيدا للأمر المحلوف عليه , وتعظيما للخالق , ولهذا وجب أن لا يحلف إلا بالله , وكان الحلف بغيره من الشرك , ومن تمام هذا التعظيم أن لا يحلف بالله إلا صادقا . ومن تمام هذا التعظيم أن يحترم اسمه العظيم عن كثرة الحلف , فالكذب وكثرة الحلف تنافي التعظيم الذي هو روح التوحيد . |
باب ما جاء في ذمة الله وذمة نبيه المقصود من هذه الترجمة البعد والحذر من التعرض للأحوال التي يخشى منها نقض العهود والإخلال بها بعد ما يجعل للأعداء المعاهدين ذمة الله وذمة رسوله , فإنه متى وقع النقض في هذه الحال كان انتهاكا من المسلمين لذمة الله وذمة نبيه , وتركا لتعظيم الله وارتكابا لأكبر المفسدتين : كما نبه عليه صلى الله عليه وسلم , وفي ذلك أيضا تهوين للدين والإسلام وتزهيد للكفار به : فإن الوفاء بالعهود خصوصا المؤكدة بأغلظ المواثيق من محاسن الإسلام الداعية للأعداء المنصفين إلى تفضيله واتباعه . |
باب الإقسام على الله باب لا يستشفع بالله على خلقه وهذان الأمران من سوء الأدب في حق الله , وهو مناف للتوحيد . أما الإقسام على الله فهو في الغالب من باب العجب بالنفس والإدلال على الله وسوء الأدب معه , ولا يتم الإيمان حتى يسلم من ذلك كله . وأما الاستشفاع بالله على خلقه فهو تعالى أعظم شأنا من أن يتوسل به إلى خلقه , لأن رتبة المتوسل به غالبا دون رتبة المتوسل إليه , وذلك من سوء الأدب مع الله , فيتعين تركه , فإن الشفعاء لا يشفعون عنده إلا بإذنه , وكلهم يخافونه فكيف يعكس الأمر فيجعل هو الشافع وهو الكبير العظيم الذي خضعت له الرقاب وذلت له الكائنات بأسرها . |
باب ما جاء في حماية المصطفى حمى التوحيد وسده طرق الشرك تقدم نظير هذه الترجمة وأعادها المصنف اهتماما بالمقام فإن التوحيد لا يتم ولا يحفظ ويحصن إلا باجتناب جميع الطرق المفضية إلى الشرك , والفرق بين البابين أن الأول فيه حماية التوحيد بسد الطرق الفعلية , وهذا الباب فيه حمايته وسده بالتأدب والتحفظ بالأقوال , فكل قول يفضي إلى الغلو الذي يخشى منه الوقوع في الشرك فإنه يتعين اجتنابه , ولا يتم التوحيد إلا بتركه . والحاصل أن تمام التوحيد بالقيام بشروطه وأركانه ومكملاته ومحققاته : وباجتناب نواقضه ومنقصاته ظاهرا وباطنا , قولا وفعلا وإرادة واعتقادا . وقد مضى من التفاصيل ما يوضح ذلك . |
باب قول الله تعالى "وما قدروا الله حق قدره "
قول الله تعالى : ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) [ سورة الأنعام : الآية 91 ] ختم المصنف رحمه الله كتابه بهذه الترجمة , وذكر النصوص الدالة على عظمة الرب العظيم وكبريائه , ومجده وجلاله , وخضوع المخلوقات بأسرها لعزه , لأن هذه النعوت العظيمة والأوصاف الكاملة أكبر الأدلة والبراهين على أنه المعبود وحده , المحمود وحده , الذي يجب أن يبذل له غاية الذل والتعظيم , وغاية الحب والتأله , وأنه الحق وما سواه باطل . وهذا حقيقة التوحيد ولبه وروحه , وسر الإخلاص فنسأل الله أن يملأ قلوبنا من معرفته ومحبته , والإنابة إليه . إنه جواد كريم . |
خاتمة وهذا آخر التعليق المختصر على كتاب التوحيد وتوضيح مقاصده , وقد حوى من غرر مسائل التوحيد . ومن التقاسيم والتفصيلات النافعة ما لا يستغني عنه الراغبون في هذا الفن الذي هو أصل الأصول وبه تقوم العلوم كلها , والحمد لله على تيسيره ومنته . وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما . |
أسأل الله أن لآ يحرمني أجر كل من قرأ واستفآد وطبق هذآ الموضوع وبلغه لغيره وكمآ أسأله الإخلآص في القول والفعل أختكم : دآنــة وصـآل |
|
الساعة الآن 06:37 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir