شبكــة أنصــار آل محمــد

شبكــة أنصــار آل محمــد (https://ansaaar.com/index.php)
-   البيــت العـــام (https://ansaaar.com/forumdisplay.php?f=32)
-   -   من دُرَر... إمامىّ الهدى ومُجددىّ الملة ::أُعجـــــوبتىّ الفُقــــــــهاء::.... مُتجدد (https://ansaaar.com/showthread.php?t=32436)

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:40 PM

قال شيخ الإسلام فى كتاب درء تعارض العقل والنقل
فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة على ما أصله هو من البدع الباطلة ، وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني [ أى ألا مجرد تلاوة] ، وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن ، ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه ، ومتناول لمن كتب كتاباً بيده مخالفاً لكتاب الله لينال به دينا ، وقال : إنه من عند الله ، مثل أن يقول : هذا هو الشرع والدين ، وهذا معنى الكتاب والسنة ، وهذا قول السلف والأئمة ، وهذا هو أصول الدين الذي يجب اعتقاده على الأعيان أو الكفاية ، ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله ، وهذه الأمور كثيرة جداً في أهل الأهواء جملة ، كالرافضة والجهمية ونحوهم من أهل الأهواء والكلام ، وفي أهل الأهواء تفصيلاً ، مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء مع شعبة من حال الأهواء " .

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:41 PM



أبو بلال المصرى 14-03-19 12:41 PM

قال فى درء تعارض العقل والنقل
ونحن نعلم أن الرسل لا يخبرون بمحالات العقول بل بمحارات العقول

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:42 PM

قال شيخ الإسلام ابن القيم فى مفتاح دار السعادة فحقيقة التلاوة في هذه المواضع هي التلاوة المطلقة التامة وهي تلاوة اللفظ والمعنى فتلاوة اللفظ جزء مسمى التلاوة المطلقة وحقيقة اللفظ إنما هي الاتباع يقال اتل اثر فلان وتلوت اثره وقفوته وقصصته بمعنى تبعت خلفه ومنه قوله تعالى والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها أي تبعها في الطلوع بعد غيبتها ويقال جاء القوم يتلو بعضهم بعضا أي يتبع وسمى تالي الكلام تاليا لانه يتبع بعض الحروف بعضا لا يخرجها جملة واحدة بل يتبع بعضها بعضا مرتبة كلما انقضى حرف او كلمة اتبعه بحرف آخر وكلمة اخرى وهذه التلاوة وسيلة وطريقة والمقصود التلاوة الحقيقية وهي تلاوة المعنى واتباعه تصديقا بخبره وائتمارا بأمره وانتهاء بنهيه وائماما به حيث ما قادك انقدت معه فتلاوة القرآن تتناول تلاوة لفظه ومعناه وتلاوة المعنى اشرف من مجرد تلاوة اللفظ وأهلها هم اهل القرآن الذين لهم الثناء في الدنيا والاخرة فإنهم اهل تلاوة ومتابعة حقا

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:42 PM

قال
وللقلب امراض اخر من الرياء والكبر والعجب والحسد والفخر والخيلاء وحب الرياسة والعلو في الارض وهذا مرض مركب من مرض الشبهة والشهوة فإنه لا بد فيه من تخيل فاسد وارادة باطلة كالعجب والفخر والخيلاء والكبر المركب من تخيل عظمته وفضله وإرادة تعظيم الخلق له ومحمدتهم فلا يخرج مرضه عن شهوة او شبهة او مركب منهما وهذه الامراض كلها متولدة عن الجهل ودواؤها العلم كما قال النبي صلى الله عليه و سلم في حديث صاحب الشجة الذي افتوه بالغسل فمات قتلوه قتلهم الله الا سألوا اذ لم يعلموا انما شفاء العي السؤال فجعل العي وهو عي القلب عن العلم واللسان عن النطق به مرضا وشفاؤه سؤال العلماء فأمراض القلوب اصعب من امراض الابدان لان غاية مرض البدن ان يفضي بصاحبه الى الموت وأما مرض القلب فيفضي بصاحبه الى الشقاء الابدي ولا شفاء لهذا المرض الا بالعلم ولهذا سمى الله تعالى كتابه شفاء لامراض الصدور وقال تعالى يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم منه وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ولهذا السبب نسبة العلماء الى القلوب كنسبة الاطباء الى الابدان وما يقال للعلماء اطباء القلوب فهو لقدر ما جامع بينهما والا فالامر اعظم فان كثيرا من الامم يستغنون عن الاطباء ولا يوجد الاطباء الا في اليسير من البلاد وقد يعيش الرجل عمره او برهة منه لا يحتاج الى طبيب واما العلماء بالله وامره فهم حياة الموجود وروحه ولا يستغنى عنهم طرفة عين فحاجة القلب الى العلم ليست كالحاجة الى التنفس في الهواء بل اعظم وبالجملة فالعلم للقلب مثل الماء للسمك اذا فقده مات فنسبة العلم الى القلب كنسبة ضوء العين اليها وكنسبة سمع الاذن وكنسبة كلام اللسان اليه فإذا عدمه كان كالعين العمياء والاذن الصماء واللسان الاخرس ولهذا يصف سبحانه اهل الجهل بالعمى والصم والبكم وذلك صفة قلوبهم حيث فقدت العلم النافع فبقيت على عماها وصممها وبكمها قال تعالى ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى واضل سبيلا والمراد عمى القلب في الدنيا وقال تعالى ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم لانهم هكذا كانوا في الدنيا والعبد يبعث على ما مات عليه واختلف في هذا العمى في الاخرة فقيل هوعمى البصيرة بدليل اخباره تعالى عن رؤية الكفار ما في القيامة ورؤية الملائكة ورؤية النار وقيل هو عمي البصر ورجح هذا بان الاطلاق ينصرف اليه وبقوله قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا وهذا عمي العين فان الكافر لم يكن بصيرا بحجته واجاب هؤلاء عن رؤية الكفار .....


أبو بلال المصرى 14-03-19 12:44 PM

قال
من عشق الدنيا نظرت إلى قدرها عنده فصيرته من خدمها وعبيدها

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:44 PM

قال
نور العقل يضيء في ليل الهوى فتلوح جادة الصواب .. فيتلمح البصير في ذلك عواقب الامور.

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:45 PM

قال
إذا رأيت الرجل يشتري الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير فاعلم انه سفيه.





أبو بلال المصرى 14-03-19 12:46 PM

أرواح تهيم حول العرش وآخرى تحوم حول الحش ...لشيخ الإسلام ابن القيم
قال الإمام العلامة شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله فى كتابه المتحف مفتاح دار السعادة
ولما كانت طريق الاخرة وعرة على أكثر الخلق لمخالفتها لشهواتهم ومباينتها لارادتهم ومألوفاتهم قل سالكوها وزاهدهم فيها قلة علمهم اوعدمه بحقيقة الامر وعاقبة العباد ومصيرهم وما هيئوا له وهيء لهم فقل علمهم بذلك واستلانوا مركب الشهوة والهوى على مركب الاخلاص والتقوى وتوعرت عليهم الطريق وبعدت عليهم الشقة وصعب عليهم مرتقي عقابها وهبوط اوديتها وسلوك شعابها فاخلدوا الى الدعة والراحة وآثروا العاجل على الاجل وقالوا عيشنا اليوم نقد وموعودنا نسيئة فنظروا الى عاجل الدنيا واغمضوا العيون عن آجلها ووقفوا مع ظاهرها ولم يتأملوا باطنها وذاقوا حلاوة مباديها وغاب عنهم مرارة عواقبها ودر لهم ثديها فطاب لهم الارتضاع واشتغلوا به عن التفكر في الفطام ومرارة الانقطاع وقال مغترهم بالله وجاحدهم لعظمته وربوبيته متمثلا في ذلك
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به ... وأما القائمون لله بحجته خلفاء نبيه في امته فانهم لكمال علمهم وقوته نفد بهم الى حقيقة الامر وهجم بهم عليه فعاينوا ببصائرهم ما عشيت عنه بصائر الجاهلين فاطمأنت قلوبهم به وعملوا على الوصول اليه لما باشرها من روح اليقين رفع لهم علم السعادة فشمروا اليه واسمعهم منادي الايمان النداء فاستبقوا اليه واستيقنت انفسهم ما وعدهم به ربهم فزهدوا فيما سواه ورغبوا فيما لديه علموا ان الدنيا دار ممر لا دار مقر ومنزل عبور لا مقعد حبور وانها خيال طيف او سحابة صيف وان من فيها كراكب قال تحت ظل شجرة ثم راح عنها وتركها وتيقنوا انها احلام نوم او كظل زائل :
ان اللبيب بمثلها لا يخدع وان وصفها صدق في وصفها اذ يقول

ارى اشقياء الناس لا يسأمونها ... على انهم فيها عراة وجوع اراها وان كانت تحب فإنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع ... فرحلت عن قلوبهم مدبرة كما ترحلت عن اهلها موليه واقبلت الآخرة الى قلوبهم مسرعة كما اسرعت الى الخلق مقبلة فامتطوا ظهور العزائم وهجروا لذة المنام وما ليل المحب بنائم علموا طول الطريق وقلة المقام في منزل التزود فسارعوا في الجهاز وجد بهم السير الى منازل الاحباب فقطعوا المراحل وطووا المفاوز وهذا كله من ثمرات اليقين فان القلب إذا استيقن ما امامه من كرامة الله وما اعد لاوليائه بحيث كأنه ينظر اليه من وراء حجاب الدنيا ويعلم انه إذا زال الحجاب رأى ذلك عيانا زالت عنه الوحشة التي يجدها المتخلفون ولان له ما استوعره المترفون وهذه المرتبة هي اول مراتب اليقين وهي علمه وتيقنه وهي الكشاف المعلوم للقلب بحيث يشاهده ولا يشك فيه كانكشاف المرئي للبصر ثم يليها المرتبة الثانية وهي مرتبة عين اليقين ونسبتها الى العين كنسبة الاول الى القلب ثم تليها المرتبة الثالثة وهي حق اليقين وهي مباشرة المعلوم وإدراكه الادراك التام فالاولى كعلمك بان في هذا الوادي ماء والثاني كرؤيته والثالثة كالشرب منه ومن هذا ما يروى في حديث حارثة وقول النبي صلى الله عليه و سلم[كيف اصبحت يا حارثة قال اصبحت مؤمنا حقا قال إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا وشهواتها فاسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكاني انظر الى عرش ربي بارزا وكاني انظر الى اهل الجنة بتزاورون فيها والى اهل النار يتعاوون فيها فقال عبد نور الله قلبه] فهذا هو هجوم العلم بصاحبه على حقيقة الامر ومن وصل الى هذا استلان ما يستوعره المترفون وأنس مما يشتوحش منه الجاهلون ومن لم يثبت قدم إيمانه على هذه الدرجة فهو إيمان ضعيف وعلامة هذا انشراح الصدر لمنازل الايمان وانفساحه وطمأنينة القلب لأمر الله والانابة الى ذكر الله ومحبته والفرح بلقائه والتجافي عن دار الغرور كما في الاثر المشهور إذا دخل النور القلب انفسح وانشرح قيل وما علامة ذلك قال التجافي عن دار الغرور والانابة الى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله وهذه هي الحال التي كانت تحصل للصحابة عند النبي صلى الله عليه و سلم إذا ذكرهم الجنة والنار كما في الترمذي وغيره من حديث الجريري عن ابي عثمان النهدي عن حنظلة الاسدي[ وكان من كتاب النبي صلى الله عليه و سلم انه مر بأبي بكر رضى الله عنه وهو يبكي فقال مالك يا حنظلة فقال نافق حنظلة يا ابا بكر نكون عند رسول الله صلى الله عليه و سلم يذكرنا بالجنة والنار كانا رأى عين فإذا رجعنا إلى الازواج والضيعة نسينا كثيرا قال فوالله إنا لكذلك انطلق بنا الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فانطلقنا فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مالك يا حنظلة قال نافق حنظلة يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة كانا رأى عين فإذا رجعنا عافسنا الازواج والضيعة ونسينا كثيرا قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو تدومون على الحال التي تقومون بها من عندي لصافحتكم الملائكة في مجالسكم وفي طرقكم وعلى فرشكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ساعة وساعة ] قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وفي الترمذي ايضا نحوه من حديث ابي هريرة
نتابع ....

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:46 PM

قال
والمقصود ان الذي يهجم بالقلب على حقيقة الايمان ويلين له ما يستوعره غيره ويؤنسه بما يستوحش منه سواء العلم التام والحب الخالص والحب تبع للعلم يقوى بقوته ويضعف بضعفه والمحب لا يستوعر طريقا توصله الى محبوبه ولا يستوحش فيها وقوله صحبوا الدنيا بابدان ارواحها معلقة بالملأ الاعلى وفي رواية بالمحل الاعلى الروح في هذا الجسد بدار غربة ولها وطن غيره فلا تستقر الا في وطنها وهي جوهر علوي مخلوق من مادة علوية وقد اضطرت الى مساكنة هذا البدن الكثيف فهي دائما تطلب وطنها في المحل الاعلى وتحن اليه حنين الطير الى اوكارها وكل روح ففيها ذلك ولكن لفرط اشتغالها بالبدن وبالمحسوسات المالوفة اخلدت الى الارض ونسيت معلمها ووطنها الذي لا راحة لها في غيره فإنه لا راحة للمؤمن دون لقاء ربه والدنيا سجنه حقا فلهذا تجدالمؤمن بدنه في الدنيا وروحه في المحل الاعلى وفي الحديث المرفوع إذا نام العبد وهو ساجد باهي الله به الملائكة فيقول انظروا الى عبدي بدنه في الارض وروحه عندي رواه تمام وغيره وهذا معني قول بعض السلف القلوب جوالة فقلب حول الحشر وقلب يطوف مع الملائكة حول العرش فأعظم عذاب الروح انغماسها وتدسيسها في أعماق البدن واشتغالها بملاذه وانقطاعها عن ملاحظة ما خلقت له وهيئت له وعن وطنها ومحلها ومحل انسها ومنزل كرامتها ولكن سكر الشهوات يحجبها عن مطالعة هذا الالم والعذاب فإذا صحت من سكرها وافاقت من غمرتها اقبلت عليها جيوش الحسرات من كل جانب فحينئذ تتقطع حسرات على ما فاتها من كرامة الله وقربه والانس به والوصول الى وطنها الذي لا راحة لها الا فيه كما قيل :
صحبتك اذ عيني عليها غشاوة ... فلما انجلت قطعت نفسي الومها ولو تنقلت الروح في المواطن كلها والمنازل لم تستقر ولم تطمئن الا في وطنها ومحلها الذي خلقت له كما قيل :

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ... ما الحب الا للحبيب الاول كم منزل في الارض يألفه الفتى ... وحنينه ابدا لاول منزل

وإذا كانت الروح تحن ابدا الى وطنها من الارض مع قيام غيره مقامه في السكنى وكثيرا ما يكون غير وطنها احسن واطيب منه وهي دائما تحن اليه مع انه لا ضرر عليها ولا عذاب في مفارقته الى مثله فكيف بحنينها الى الوطن الذي في فراقها له عذابها وآلامها وحسرتها التي لاتنقضي فالعبد
نتابع ...


أبو بلال المصرى 14-03-19 12:47 PM

فالعبد المؤمن في هذه الدار سبي من الجنة الى دار التعب والعناء ثم ضرب عليه الرق فيها فكيف يلام على حنينه الى داره التي سبى منها وفرق بينه وبين من يحب وجمع بينه وبين عدوه فروحه دائما معلقة بذلك الوطن وبدنه في الدنيا ولى من ابيات في ذلك
وحي على جنات عن فانها ... منازلك الاولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى ... نعود الى اوطاننا ونسلم
وكلما اراد منه العدو نسيان وطنه وضرب الذكر عنه صفحا وايلافه وطنا غيره ابت ذلك روحه وقلبه كما قيل :
يراد من القلب نسيانكم ...
وتأبى الطباع على الناقل ولهذا كان المؤمن غريبا في هذه الدار اين حل منها فهو في دار غربة كما قال النبي صلى الله عليه و سلم كن في الدنيا كانك غريب او عابر سبيل ولكنها غربة تنقضى ويصير الى وطنه ومنزله وانما الغربة التي لا يرجى انقطاعها فهي غربة في دار الهوان ومفارقة وطنه الذي كان قد هيء واعد له وامر بالتجهيز اليه والقدوم عليه فابى الا اغترابه عنه ومفارقته له فتلك غربة لا يرجى ايابها ولا يجبر مصابها ولا تبادر الى انكار كون البدن في الدنيا والروح في الملأ الاعلى فللروح شأن والبدن شأن والنبي صلى الله عليه و سلم كان بين اظهر اصحابه وهو عند ربه يطعمه ويسقيه فبدنه بينهم وروحه وقلبه عند ربه وقال ابو الدرداء اذا نام العبدعرج بروحه الى تحت العرش فان كان طاهرا اذن لها بالسجود وان لم يكن طاهرا لم يؤذن لها بالسجود فهذه والله أعلم هي العلة التي امر الجنب لاجلها ان يتوضأ إذا أراد النوم وهذا الصعود إنما كان لتجرد الروح عن البدن بالنوم فإذا تجردت بسبب آخر حصل لها من الترقي والصعود بحسب ذلك التجرد وقد يقوى الحب بالمحب حتى لا يشاهد منه بين الناس الا جسمه وروحه في موضع آخر عند محبوبه وفي هذا من شاعار الناس وحكاياتهم ما هو معروف,,,
نتابع....بكلام الإمام

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:48 PM

قال فى كتابه الطيب
فإن العبد يموت على ما عاش عليه ويبعث على ما مات عليه قال الله تعالى في الاية الأخرى [ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى قال رب لم حشرتني اعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك اتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى] وقال في الاية الاخرى [ومن كان في هذه اعمى فهو في الاخرة اعمى وأضل سبيلا] فأخبر ان من كان في هذه الدار ضالا فهو في الاخرة اضل واما نفي شقاء الدنيا فقد يقال انه لما انتفى عنه الضلال فيها وحصل له الهدى والهدى فيه من برد اليقين وطمأنينة القلب وذاق طعم الايمان فوجد حلاوته وفرحة القلب به وسروره والتنعيم به ومصير القلب حيا بالايمان مستنيرا به قويا به قد نال به غذاؤه ورواءه وشفاءه وحياته ونوره وقوته ولذته ونعيمه ما هو من اجل انواع النعيم واطيب الطيبات واعظم اللذات قال الله تعالى من [عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون] فهذا خبر اصدق الصادقين ومخبره عند اهله عين اليقين بل هو حق اليقين ولا بد لكل من عمل صالحا ان يحييه الله حياة طيبة بحسب إيمانه وعمله
ولكن يغلط الجفاة الاجلاف في مسمى الحياةحيث يظنونها التنعم في أنواع المآكل والمشارب والملابس والمناكح او لذة الرياسة والمال وقهر الاعداء
قال تعالى [ فلا تعجل عليهم] والتفنن بأنواع الشهوات ولا ريب ان هذه لذة مشتركة بين البهائم بل قد يكون حظ كثير من البهائم منها أكثر من حظ الانسان فمن لم تكن عنده لذة الا اللذة التي تشاركه فيها السباع والدواب والانعام فذلك ممن ينادي عليه من مكان بعيد ولكن اين هذه اللذة من اللذة بأمر إذا خالط بشاشته القلوب سلى عن الابناء والنساء والاوطان والاموال والاخوان والمساكن ورضى بتركها كلها والخروج منها رأسا وعرض نفسه لانواع المكاره والمشاق وهو متحل بهذا منشرح الصدر به يطيب له قتل ابنه وأبيه وصاحبته واخيه لا تأخذه في ذلك لومة لائم حتى ان احدهم ليتلقى الرمح بصدره ويقول فزت ورب الكعبة ويستطيل الاخر حياته حتى يلقى قوته من يده ويقول انها لحياة طويلة ان صبرت حتى أكلها ثم يتقدم الى الموت فرحا
مسرورا ويقول الاخر مع فقره لو علم الملوك وابناء الملوك ما نحن عليه لجالدونا عليه بالسيوف ويقول الاخر انه ليمر بالقلب اوقات يرقص فيها طربا وقال بعض العارفين انه لتمر بي اوقات اقول فيها إن كان اهل الجنة في مثل هذا انهم لفي عيش طيب ومن تأمل قول النبي صلى الله عليه و سلم لما نهاهم عن الوصال فقالوا انك تواصل فقال[ اني لست كهيئتكم إني اظل عند ربي يطعمني ويسقيني ]علم ان هذا طعام الارواح وشرابها وما يفيض عليها من أنواع البهجة واللذة والسرور والنعيم الذي رسول الله صلى الله عليه و سلم في الذروة العليا منه وغيره إذا تعلق بغباره رأى ملك الدنيا ونعيمها بالنسبة اليه هباء منثورا بل باطلا وغرورا وغلط من قال انه كان يأكل ويشرب طعاما وشرابا يغتذى به بدنه لوجوه احدها انه قال اظل عند ربي يطعمني ويسقيني ولو كان اكلا وشربا لم يكن وصالا ولا صوما الثاني ان النبي صلى الله عليه و سلم اخبرهم انهم ليسوا كهيئته في الوصال فإنهم إذا واصلوا تضرروا بذلك واماهو صلى الله عليه و سلم فإنه إذا واصل لا يتضرر بالوصال فلو كان يأكل ويشرب لكان الجواب وأنا ايضا لا اواصل بل آكل وأشرب كما تأكلون وتشربون فلما قررهم على قولهم انك تواصل ولم ينكره عليهم دل على انه كان مواصلا وانه لم يكن يأكل اكلا وشربا يفطر الصائم الثالث انه لو كان اكلا وشربا يفطر الصائم لم يصح الجواب بالفارق بينهم وبينه فإنه حينئذ يكون صلى الله عليه و سلم هو وهم مشتركون في عدم الوصال فكيف يصح الجواب بقوله لست كهيئتكم وهذا امر يعلمه غالب الناس ان القلب متى حصل له ما يفرحه ويسره من نيل مطلوبه ووصال حبيبه او ما يغمه ويسؤوه ويحزنه شغل عن الطعام والشراب حتى ان كثيرا من العشاق تمر به الايام لا يأكل شيئا ولا تطلب نفسه اكلا وقد افصح القائل في هذا المعنى
لها احاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور تستضيء به ... ومن حديثك في اعقابها حادى إذ اشتكت من كلال السير او عدها ... روح القدوم فتحيا عند ميعاد
والمقصود ان الهدى مستلزم لسعادة الدنيا وطيب الحياة والنعيم العاجل وهو أمر يشهد به الحس والوجد واما سعادة الاخرة فغيب يعلم بالايمان فذكرها ابن عباس رضى الله عنهما لكونها اهم وهي الغاية المطلوبة وضلال الدنيا اظهر وبالنجاة منه ينجو من كل شر وهو اضل ضلال الاخرة وشقائها فلذلك ذكره وحده والله اعلم
نتابع بكلام الإمام

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:49 PM

قال العلامة ابن القيم
وسر هذا أن الطيرة [التشائم] إنما تتضمن الشرك بالله والخوف من غيره وعدم التوكل عليه والثقة به كان صاحبها غرضاً لسهام الشر والبلاء فيسرع نفوذها فيه لأنه لم يتضرع من التوحيد والتوكل بجنة واقية وكل من خاف شيئاً غير الله سلطه عليه كما أن من أحب مع الله غيره عُذب به ومن رجا مع الله غيره خُذل من جهته وهذه أمور تجربتها تغنى عن أدلتها ...مفتاح دار السعادة

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:50 PM


قال بعدها
ولذلك من خاف شيئاً غير الله سُلطه عليه وكان خوفه منه هو سبب تسليطه عليه ولو خاف الله دونه ولم يخفه لكان عدم خوفه منه وتوكله علي الله من أعظم أسباب نجاته منه وكذلك من رجا شيئاً غير الله حُرم ما رجاه منه وكان رجاؤه غير الله من أقوى أسباب حرمانه فإذا رجا الله وحده
كان توحيد رجائه أقوى أسباب الفوز بما رجاه أو بنظيره أو بما هو أنفع له منه والله الموفق للصواب

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:51 PM

قال فى كتابه المتحف طريق الهجرتين
وهذا مبنى على أصلين:
أحدهما: أن نفس الإِيمان بالله وعبادته ومحبته وإخلاص العمل له وإفراده بالتوكل عليه هو غذاءُ الإِنسان وقوته وصلاحه وقوامه، كما عليه أَهل الإيمان، وكما دل عليه القرآن، لا كما يقوله من يقول: إن عبادته تكليف ومشقة على خلاف مقصود القلب ولذته بل لمجرد الامتحان والابتلاء كما يقوله منكرو الحكمة والتعليل، أو لأجل التعويض بالأجر لما فى إيصاله إليه بدون معاوضة منه تكدره، أو لأجل تهذيب النفس ورياضتها واستعدادها لقبول العقليات كما يقوله من يتقرب إلى النبوات من الفلاسفة بل الأمر أعظم من ذلك كله وأجل، بل أوامر المحبوب قرة العيون وسرور القلوب ونعيم الأرواح ولذات النفوس وبها كمال النعيم، فقرة عين المحب فى الصلاة والحج، وفرح قلبه وسرره ونعيمه فى ذَلِكَ وفى الصيام والذكرفإن قوام السموات والأرض والخليقة بأن تأله الإله الحق، فلو كان فيهما إله آخر غير الله لم يكن إلهاً حقاً، إذ الإله الحق لا شريك له ولا سمى له ولا مثل له، فلو تأَلهت غيره لفسدت كل الفساد بانتفاء ما به صلاحها، إذ صلاحها بتأَله الإله الحق كما أَنها لا توجد إلا باستنادها إلى الرب الواحد القهار ويستحيل أَن تستند فى وجودها إِلى ربين متكافئين، فكذلك يستحيل أَن تستند فى بقائها وصلاحها إِلى إِلهين متساويين.
إِذا عرف هذا فاعلم أَن حاجة العبد إِلى أن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً فى محبته ولا فى خوفه ولا فى رجائه ولا فى التوكل عليه ولا فى العمل له ولا فى الحلف به ولا فى النذر له ولا فى الخضوع له ولا فى التذلل والتعظيم والسجود والتقرب أَعظم من حاجة الجسد إِلى روحه والعين إِلى نورها. بل ليس لهذه الحاجة نظير تقاس به، فإِن حقيقة العبد روحه وقلبه ولا صلاح لها إِلا بإلهها الذى لا إِله إِلا هو، فلا تطمئن فىالدنيا إِلا بذكره وهى كادحة إِليه كدحاً فملاقيته، ولا بد لها من لقائه، ولا صلاح لها إِلا بمحبتها وعبوديتها له ورضاه وإِكرامه لها ولو حصل للعبد من اللذات والسرور بغير الله ما حصل لم يدم له ذلك. بل ينتقل من نوع إِلى نوع ومن شخص إِلى شخص ويتنعم بهذا فى وقت ثم يتعذب به ولا بد فى وقت آخر، وكثيراً ما يكون ذلك الذى يتنعم به ويلتذ به غير منعم له ولا ملذ، بل قد يؤذيه اتصاله به ووجوده عنده ويضره ذلك، وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرب من لذة الأَظفار التى تحكه، فهى تدمى الجلد وتخرقه وتزيد فى ضرره، وهو يؤثر ذلك لما له فى حكها من اللذة، وهكذا ما يتعذب به القلب من محبة غير الله هو عذاب عليه ومضرة وأَلم فى الحقيقة لا تزيد لذته على لذة حك الجرب، والعاقل يوازن بين الأَمرين ويؤثر أَرجحهما وأَنفعهما، والله الموفق المعين، وله الحُجَّة البالغة كما له النعمة السابغة. والمقصود أَن إِله العبد الذى لا بد له منه فى كل حالة وكل دقيقة وكل طرفة عين فهو الإِله الحق الذى كل ما سواه باطل، والذى أَينما كان فهو معه، وضرورته إليه وحاجته إِليه لا تشبهها ضرورة ولا حاجة بل هى فوق كل ضرورة وأَعظم من كل حاجة، ولهذا قال إِمام الحنفاء: {لآ أُحِبّ الاَفِلِينَ} [الأنعام:76] والله أعلم.

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:51 PM

قال فى طريق الهجرتين

العبد المحض الذي وظيفته تنفيذ أوامر سيده فالله هو المالك الحق وكل ما بيد خلقه هو من أمواله وأملاكه وخزائنه أفاضها عليهم ليمتحنهم في البذل والإمساك
وهل يكون ذلك منهم على شاهد العبودية لله عز و جل فيبذل أحدهم الشيء رغبة في ثواب الله ورهبة من عقابه وتقربا إليه وطلبا لمرضاته أم يكون البذل والإمساك منهم صادرا عن مراد النفس وغلبة الهوى وموجب الطبع ! فيعطي لهواه ويمنع لهواه فيكون متصرفا تصرف المالك لا المملوك فيكون مصدر تصرفه الهوى ومراد النفس وغايته الرغبة فيما عند الخلق من جاه أو رفعة أو منزلة أو مدح أو حظ من الحظوظ أو الرهبة من فوت شيء من هذه الأشياء وإذا كان مصدر تصرفه وغايته هو هذه الرغبة والرهبة رأى نفسه لا محالة مالكا فادعى الملك وخرج عن حد العبودية ونسي فقره ولو عرف نفسه حق المعرفة لعلم أنما هو مملوك ممتحن في صورة ملك متصرف كما قال تعالى ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون وحقيق بهذا الممتحن أن يوكل إلى ما ادعته نفسه من الإحالات والملكات مع المالك الحق سبحانه فإن من ادعى لنفسه حالة مع الله سبحانه وكل إليها ومن كل إلى شيء غير الله فقد فتح له باب الهلاك والعطب وأغلق عنه باب الفوز والسعادة فإن كل شيء ما سوى الله باطل ومن وكل إلى الباطل بطل عمله وضل سعيه ولم يحصل إلا على الحرمان فكل من تعلق بغير الله انقطع به أحوج ما كان إليه كما قال تعالى إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب فالأسباب التي
تقطعت بهم هي العلائق التي بغير الله ولغير الله تقطعت بهم أحوج ما كانوا إليها وذلك لأن تلك الغايات لما اضمحلت وبطلت اضمحلت أسبابها وبطلت فإن الأسباب تبطل ببطلان غاياتها وتضمحل باضمحلالها وكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه وكل عمل باطل إلا ما أريد به وجهه وكل سعي لغيره باطل ومضمحل وهذا كما يشاهده الناس في الدنيا من اضمحلال السعي والعمل والكد والخدمة التي يفعلها العبد لمتول أو أمير أو صاحب منصب أو مال فإذا زال ذلك الذي عمل له عدم ذلك العمل وبطل ذلك السعي ولم يبق في يده سوى الحرمان ولهذا يقول الله تعالى يوم القيامة أليس عدلا مني أني أولي كل رجل منكم ما كان يتولى في الدنيا فيتولى عباد الأصنام والأوثان أصنامهم وأوثانهم فتتساقط بهم في النار ويتولى عابدو الشمس والقمر والنجوم آلهتهم فإذا كورت الشمس وانتثرت النجوم اضمحلت تلك العبادة وبطلت وصارت حسرة عليهم كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار ولهذا كان المشرك من أخسر الناس صفقة وأغبنهم يوم معاده فإنه يحال على مفلس كل الإفلاس بل على عدم والموحد حوالته على المليء الكريم فيا بعد ما بين الحوالتين
وقوله البراءة من رؤية الملكة ولم يقل من الملكة لأن الإنسان قد يكون فقيرا لا ملكة له في الظاهر وهو عري عن التحقق بنعت الفقر الممدوح أهله الذين لا يرون ملكة إلا لمالكها الحق ذي الملك والملكوت وقد يكون العبد قد فوض إليه من ذلك شيء وجعل كالخازن فيه كما كان سليمان بن داود أوتي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده وكذلك الخليل وشعيب والأغنياء من الأنبياء وكذلك أعنياء الصحابة فهؤلاء لم يكونوا بريئين من الملكة في الظاهر وهم بريئون من رؤية الملكة لنفوسهم فلا يرون لها ملكا حقيقيا بل يرون ما في أيديهم لله عارية ووديعة في أيديهم ابتلاهم به لينظر هل يتصرفون فيه تصرف العبد أو تصرف الملاك الذين يعطون لهواهم ويمنعون لهواهم فوجود المال في يد الفقير لا يقدح في فقره إنما يقدح في فقره رؤيته لملكته فمن عوفي من رؤية الملكة لم يتلوث باطنه بأوساخ المال وتعبه وتدبيره واختياره وكان كالخازن لسيده الذي ينفذ أوامره في ماله فهذا لو كان بيده من المال أمثال جبال الدنيا لم يضره ومن لم يعاف من ذلك ادعت نفسه الملكة وتعلقت به النفس تعلقها بالشيء المحبوب المعشوق فهو أكبر همه ومبلغ علمه إن
أعطي رضي وإن منع سخط فهو عبد الدينار والدرهم يصبح مهموما ويمسي كذلك يبيت مضاجعا له تفرح نفسه إذا ازداد وتحزن وتأسف إذا فات منه شيء بل يكاد يتلف إذا توهمت نفسه الفقر وقد يؤثر الموت على الفقر والأول مستغن بمولاه المالك الحق الذي بيده خزائن السموات والأرض وإذا أصاب المال الذي في يده نائبة رأى أن المالك الحق هو الذي أصاب مال نفسه فما للعبد وما للجزع والهلع وإنما تصرف مالك المال في ملكه الذي هو وديعة في يد مملوكه فله الحكم في ماله إن شاء أبقاه وإن شاء ذهب به وأفناه فلا يتهم مولاه في تصرفه في ملكه ويرى تدبيره هو موجب الحكمة فليس لقلبه بالمال تعلق ولا له به اكتراث لصعوده عنه وارتفاع همته إلى المالك الحق فهو غني به وبحبه ومعرفته وقربه منه عن كل ما سواه وهو فقير إليه دون ما سواه فهذا هو البريء عن رؤية الملكة الموجبة للطغيان كما قال تعالى كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى ولم يقل إن استغنى بل جعل الطغيان ناشئا عن رؤيته غنى نفسه ولم يذكر هذه الرؤية في سورة الليل بل قال وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وهذا والله أعلم لأنه ذكر موجب طغيانه وهو رؤية غنى نفسه وذكر في سورة الليل موجب هلاكه وعدم تيسيره لليسرى وهو استغناؤه عن ربه بترك طاعته وعبوديته فإنه لو افتقر إليه لتقرب إليه بما أمره من طاعته فعل المملوك الذي لا غنى له عن مولاه طرفة عين ولا يجد بدا من امتثال أوامره ولذلك ذكر معه بخله وهو تركه أعطاء ما وجب عليه من الأقوال والأعمال وأداء المال وجمع إلى ذلك تكذيبه بالحسنى وهي التي وعد بها أهل الإحسان بقوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ومن فسرها بشهادة أن لا إله إلا الله فلأنها أصل الإحسان وبها تنال الحسنى ومن فسرها بالخلف في الإنفاق فقد هضم المعنى حقه وهو أكبر من ذلك وإن كان الخلف جزءا من أجزاء الحسنى والمقصود أن الاستغناء عن الله سبب هلاك العبد وتيسيره لك عسرى ورؤيته غنى نفسه سبب طغيانه وكلاهما مناف للفقر والعبودية
قوله الدرجة الأولى فقر الزهاد وهو نفض اليدين من الدنيا ضبطا أو طلبا وإسكات اللسان عنها ذما أو مدحا والسلامة منها طلبا أو تركا وهذا هو الفقر الذي تكلموا في شرفه فحاصل هذه الدرجة فراغ اليد والقلب من الدنيا والذهول عن الفقر منها والزهد فيها وعلامة فراغ اليد نفض اليدين من الدنيا ضبطا أو طلبا فهو لا يضبط يده مع وجودها شحا وضنا بها ولا يطلبها مع فقدها سؤالا وإلحافا وحرصا فهذا الإعراض والنفض دال على سقوط منزلتها من القلب إذ لو كان لها في القلب منزلة لكان الأمر بضد ذلك وكان يكون حاله الضبط مع الوجود لغناه بها ولكان يطلبها مع فقدها لفقره إليها وأيضا من أقسام الفراغ إسكات اللسان عنها ذما ومدحا لأن من اهتم بأمر وكان له في قلبه موقع اشتغل اللسان بما فاض على القلب من أمره مدحا أو ذما فإنه إن حصلت له مدحها وإن فاتته ذمها ومدحها وذمها علامة موضعها من القلب وخطرها فحيث اشتغل اللسان بذمها كان بذلك لخطرها في القلب لأن الشيء إنما يذم على قدر الاهتمام به والاعتناء شفاء الغيظ منه بالذم وكذلك تعظيم الزهد فيها إنما هو على قدر خطرها في القلب إذ لولا خطرها وقدرها لما صار للزهد فيها خطر وكذلك مدحها دليل على خطرها وموقعها من قلبه فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:52 PM

قال
فصل: فى بيان أن المنفعة والمضرة لا تكون إلا من الله وحده
وجماع هذا أَنك إِذا كنت غير عالم بمصلحتك ولا قادر عليها ولا مريد لها كما ينبغى فغيرك أَولى أَن لا يكون عالماً بمصلحتك ولا قادراً عليها ولا مريداً لها، والله سبحانه هو يعلم ولا تعلم ويقدر ولا تقدر، ويعطيك من فضله لا لمعوضة ولا لمنفعة يرجوها منك، ولا لتكثر بك ولا لتعززَّ بك ولا يخاف الفقر ولا تنقص خزائنه على سعة الإِنفاق، ولا يحبس فضله عنك لحاجة منه إِليك واستغناه بحيث إِذا أَخرجه أَثر ذلك فى غناه، وهو يحب الجود والبذل والعطاءَ والإِحسان أَعظم مما تحب أَنت الأَخذ والانتفاع بما سأَلته، فإِذا حبسه عنك فاعلم أَن هناك أمرين لا ثالث لهما: أَحدهما أن تكون أنت الواقف فى طريق مصالحك وأنت المعوِّق لوصول فضله إِليك وأَنت حجر فى طريق نفسك، وهذا هواستجلبت نعم الله بغير طاعته، ولا استديمت بغير شكره، ولا عوقت وامتنعت بغير معصيته، وكذلك إِذا أَنعم عليك ثم سلبك النعمة فإِنه لم يسلبها لبخل منه ولا استئثار بها عليك وإِنما أَنت المسبب فى سلبها عنك، فإِن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأَنفسهم: {ذَلِكَ بِأَنّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىَ قَوْمٍ حَتّىَ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال: 53] ، فما أُزيلت نعم الله بغير معصيته:
إِذا كُنْتَ فِى نِعْمَةٍ فَارْعَهَا ... فَإِنَّ المعاصِى تُزِيلُ النِّعَم
فآقتك من نفسك، وبلاؤك من نفسك، وأَنت فى الحقيقة الذى بالغت فى عداوتك، وبلغت من معاداة نفسك ما لا يبلغ العدو منك، كما قيل:
مَا يَبْلُغُ الأَعْدَاءُ مِنْ جَاهِلٍ ... مَا يَبْلُغُ الْجَاهِلُ مِنْ نَفْسهِ الأَغلب على الخليقة، فإِن الله سبحانه فيما قضى قضى به أَن ما عنده لا ينال إِلا بطاعته، وأَنه ما
ومن العجب أَن هذا شأْنك مع نفسك وأَنت تشكو المحسن البريء عن الشكاية، وتتهم أَقداره وتعانيها وتلومها، فقد ضيعت فرصتك وفرطت فى حظك، وعجز رأَيك عن معرفة أَسباب سعادتك وإِرادتها، ثم قعدت تعاتب القدر بلسان الحال والقال، فأَنت المعنى بقول القائل:
وعاجز الرأَى مضياع لفرصته ... حتى إِذا فات أَمر عاتب القدرا
ولو شعرت برأْيك، وعلمت من أَين دهيت ومن أَين أُصبت، لأَمكنك تدارك ذلك، ولكن قد فسدت الفطرة وانتكس القلب وأَطفأ الهوى مصابيح العلم والإِيمان منه فأَعرضت عمن هو أَصل بلائك ومصيبتك منه وأقبلت تشكو من كل إِحسان دقيق أَو جليل وصل إِليك فمنه فإِذا شكوته إِلى خلقه كنت كما قال بعض العارفين- وقد رأَى رجلاً يشكو إِلى آخر ما أَصابه ونزل به- فقال: يا هذا تشكو من يرحمك، إِلى من لا يرحمك.وإِذا أَتَتْكَ مصيبة فاصبر لها ... صبر الكريم فإِنه بك أَرحم
وإِذا شكوت إِلى ابن آدم إِنما ... تشكو الرحيم إِلى الذى لا يرحم
وإِذا علم العبد حقيقة الأَمر، وعرف من أَين أُتى ومن أَى الطرق أُغير على سرحه ومن أَى ثغرة سرق متاعه وسلب استحى من نفسه- إِن لم يستح من الله- أَن يشكو أَحداً من خلقه أَو يتظلمهم أَو يرى مصيبته وآفته من غيره، قال تعالى {وَمَآ أَصَابَكُمْ مّن مّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30] ، وقال: {أَوَ لَمّا أَصَابَتْكُمْ مّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنّىَ هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: 165] ، وقال: {مّآ أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيّئَةٍ فَمِن نّفْسِكَ} [النساء: 79] .
فإِن أَصررت على اتهام القدر وقلت: فالسبب الذى أُصبتُ منه وأُتيت منه ودهيت منه قد سبق به القدر والحكم وكان فى الكتاب مسطوراً، فلا بد منه على الرغم منى، وكيف لى أَن أَنفك منه وقد أُودع الكتاب الأَول قبل بدءِ الخليقة والكتاب الثانى قبل خروجى إِلى هذا العلم وأنا فى ظلمات الأحشاء حين أمر الملك بكتب الرزق

نكمل

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:53 PM

قال
والأَجل والسعادة والشقاوة فلو [جريت] إِلى سعادتى ما جريت حتى بقى بينى وبينها شبر لغلب على الكتاب فأَدركتنى الشقاوة، فما حيلة من قلبه بيد غيره يقلبه كيف يشاءُ ويصرفه كيف أَراد، إِن شاء أَن يقيمه أقامه، وإِن شاءَ أَن يزيغه أَزاغه، وهو الذى يحول بين عوارى المرءِ وقلبه، وهو الذى يثبت قلب العبد إِذا شاءَ ويزلزله إِذا شاءَ، فالقلب مربوب مقهور تحت سلطانه لا يتحرك إِلا بإِذنه ومشيئته، قال أَعلم الخلق بربه صلوات وسلامه عليه: "ما من قلب إِلا وهو بين إِصبعين من أَصابع الرحمن، إِن شاءَ أَن يقيمه أَقامه، وإِن شاءَ أَن يزيغه أَزاغه"، ثم قال: "اللَّهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك"، وكان أَكثر يمينه: "لا ومقلب القلوب" وقال بعض السَلَف: "مثل القلب مثل الريشة فى أَرض فلاة تقلبها الرياح ظهراً لبطن"، فما حيلة قلب هو بيد مقلبه ومصرفه، [وقل] له مشيئة بدون مشيئته، كما قال تعالى: {وَمَا تَشَآءُونَ إِلاّ أَن يَشَآءَ اللهُ رَبّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29] ، وروى عن عبد العزيز ابن أبى حازم عن أَبيه عن سهل بن سعد قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله عَزَّ وجَلَّ: {أَفَلاَ يَتَدَبّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىَ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ} [محمد: 24] ، وغلام جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بلى والله يا رسول الله، إِن عليها لأَقفالها، ولا يفتحها إِلا الذى أَقفلها. فلما ولَى عمر بن الخطاب طلبه ليستعمله وقال: "لم يقل ذلك إِلا من عقل"، قال طاوس: أدركت ثلاثمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر. وقال أَيوب السختيانى: أَدركت الناس وما كلامهم إِلا: إِن قضى، إِن قدر. وقال عطاءُ عن ابن عباس فى قوله تعالى:
{إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُون} [الجاثية: 29] ، قال: كتب الله أَعمال بنى آدم وما هم عاملون إِلى يوم القيامة. قال: والملائكة تستنسخ ما يعمل بنو آدم يوماً بيوم فذلك قوله: {إِنّ كُنّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية 29] وفى الآية قول آخر: إِن استنساخ الملائكة هو كتابتهم لما يعمل بنو آدم بعد أَن يعملوه وقد يقال وهو الأَظهر: إِن الآية تعم الأَمرين، فيأْمر الله ملائكته فتستنسخ من أُم الكتاب أَعمال بنى آدم ثم يكتبونها عليهم إِذا عملوها فلا تزيد على ما نسخوه من أُم الكتاب ذرة ولا تنقصها، وقال على بن أَبى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى: {إِنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] ،خلق الله الخلق كلهم بقدر، وخلق الخير والشر، فخير الخير السعادة وشر الشر الشقاوة.
وفى صحيح مسلم عن أَبى الأسود الدؤلى قال: قال لى عمران بن حصين: أَرأَيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون، أَشيء قضى عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق، أَو فيما يستقبلون ممن أَتاهم به نبيهم وثبتت به الحجة؟ قال: قلت: لا، بل فيما قضى عليهم ومضى قال: أَفيكون ذلك ظلماً؟ قال: ففزعت فزعاً شديداً، وقلت: إِنه ليس شيء إِلا خلقه وملكه: {وَلا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23] ، فقال: سددك الله إِنما سَألتك لأُحرز عقلك. إن رجلاً من مزينة- أَو جهينة- أَتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أَرأَيت ما يعمل الناس ويتكادحون فيه، أشيء قضى عليهم ومضى، أو فيما يستقبلون مما أَتاهم به نبيهم؟ قال: فيما قضى عليهم ومضى. فقال الرجل: ففيم العمل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان خلقه الله لإِحدى المنزلتين فسيستعمله لها"، وتصديق ذلك فى كتاب الله عَزَّ وجَلَّ: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَألْهَمَهَا فُجُ ورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7- 8] ، وقال مجاهد فى قوله تعالى: {إِنَنِّى أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُون} [البقرة: 30] ، قال: علم إِبليس المعصية وخلقه لها. وقال تعالى: {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [الأعراف: 30] ، قال ابن عباس: إِن الله سبحانه بدأَ خلق ابن آدم مؤمناً وكافراً ثم قال: {هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِن} [التغابن: 2] ، ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأَ خلقهم مؤمن وكافر. وقال سعيد بن جبير: عن ابن عباس فى قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] ، قال: يحول بين المؤمن والكفر ومعاصى الله، ويجول بين الكافر والإِيمان وطاعة الله. وقال ابن عباس ومالك وجماعة من السَلَف فى قوله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَن رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود: 118- 119] ، قالوا: خلق أَهل الرحمة للرحمة، وأَهل الاختلاف للاختلاف. وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا} [البقرة: 253 {وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:13] ، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِى الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً} [يونس: 99] ، {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَي} [الأنعام: 35] ، {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام: 112] ، وقال تعالى:...قال
وذكر البخارى أيضاً عن ابن عباس فى قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61] قال: سبقت لهم السعادة.
وفى سنن أبى داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وأُبَى بن كعب، وزيد بن ثابت: "أَن الله لو عذب أَهل سماواته وأَهل أَرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته لهم خيراً لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً فى سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقْدَر، وتعلم أَن ما أَصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأَك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لدخلتَ النار"
وقاله زيد بن ثابت عن النبى صلى الله عليه وسلم.

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:53 PM


قال فى طريق الهجرتين
وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله والصبر على أعداء الله سبحانه فاللذة بذلك أمر آخر لا يناله الوصف ولا يدركه من ليس له نصيب منه وكل من كان به أقوم كان نصيبه من الالتذاذ به أعظم ومن غلظ فهمه وكثف طبعه عن إدراك هذا فليتأمل إقدام القوم على قتل آبائهم وأبنائهم وأحبابهم ومفارقة أوطانهم وبذل نحورهم لأعدائهم
ومحبتهم للقتل وإيثارهم له على البقاء وإيثار لوم اللائمين وذم المخالفين على مدحهم وتعظيمهم ووقوع هذا من البشر بدون أمر يذوقه قلبه من حلاوته ولذته وسروره ونعيمه ممتنع والواقع شاهد ذلك بل ما قام بقلوبهم من اللذة والسرور والنعيم أعظم مما يقوم بقلب العاشق الذي يتحمل ما يتحمله في موافقة رضى معشوقه فهو يلتذ به ويتنعم به لما يعلم من سرور معشوقه به
فيا منكرا هذا تأخر فإنه ... حرام على الخفاش أن يبصر الشمسا
فمن كان مراده وحبه الله وحياته في معرفته ومحبته في التوجه إليه وذكره وطمأنينته به وسكونه إليه وحده عرف هذا وأقر به
الأصل الثاني كمال النعيم في الدار الآخرة أيضا به سبحانه برؤيته وسماع كلامه وقربه ورضوانه لا كما يزعم من يزعم أنه لا لذة في الآخرة إلا بالمخلوق من المأكول والمشروب والملبس والمنكوح بل اللذة والنعيم التام في حظهم من الخالق تعالى أعظم مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال وفي دعاء النبي الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وابن حبان والحاكم في صحيحيهما أسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة وفتنة مضلة
ولهذا قال تعالى في حق الكفار (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم )فعذاب الحجاب من أعظم أنواع العذاب الذي يعذب به أعداءه ولذة النظر إلى وجه الله الكريم أعظم أنواع اللذات التي ينعم بها أولياؤه ولا تقوم حظوظهم من سائر المخلوقات مقام حظهم من رؤيته وسماع كلامه والدنو منه وقربه
وهذان الأصلان ثابتان بالكتاب والسنة وعليهما أهل العلم والإيمان ويتكلم فيهما مشايخ الطرق العارفون وعليهما أهل السنة والجماعة وهما من فطرة الله التي فطر الناس عليها ويحتجون على من ينكرهما بالنصوص والآثار تارة وبالذوق والوجد تارة وبالفطرة تارة وبالقياس والأمثال تارة وقد ذكرنا مجموع هذه الطرق في كتابنا الكبير في المحبة الذي سميناه المورد الصافي والظل الضافي في المحبة وأقسامها وأنواعها وأحكامها وبيان تعلقها بالإله الحق دون ما سواه وذكرنا من ذلك ما يزيد على مائة وجه ومما يوضح ذلك ويزيده تقريرا أن المخلوق ليس عنده للعبد نفع ولا ضر ولا منع ولا عطاء بل ربه سبحانه الذي خلقه ورزقه وبصره وهداه وأسبغ عليه نعمه وتحبب إليه بها مع غناه عنه ومع تبغض العبد إليه بالمعاصي مع فقره إليه فإذا مسه الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإذا أصابه بنعمة فلا راد لها ولا مانع كما قال تعالى (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) (و ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك
لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم) فالعبد لا ينفع ولا يضر ولا يعطي ولا يمنع إلا بإذن الله فالأمر كله لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وهو مقلب القلوب ومصرفها كيف يشاء المتفرد بالضر والنفع والعطاء والمنع والخفض والرفع ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها (ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين) وهذا الوجه أعظم لعموم الناس من الوجه الأول ولهذا خوطبوا به في القرآن أكثر من الأول لكن من تدبر طريقة القرآن تبين له أن الله سبحانه يدعو عباده بهذا إلى الوجه الأول فهذا الوجه يقتضي التوكل على الله والاستعانة به والدعاء له ومسألته دون ما سواه ويقتضي أيضا محبته وعبادته لإحسانه إلى عبده وإسباغ نعمه عليه فإذا عبده وأحبه وتوكل عليه من هذا الوجه دخل في الوجه الأول وهكذا من نزل به بلاء عظيم وفاقة شديدة أو خوف مقلق فجعل يدعو الله ويضرع إليه حتى فتح له من لذيذ مناجاته له باب الإيمان والإنابة إليه وما هو أحب إليه من تلك الحاجة التي قصدها أولا لكنه لم يكن يعرف ذلك أولا حتى يطلبه ويشتاق إليه فعرفه إياه بما اقدمه له من الأسباب التي أوصلته إليه والقرآن مملوء من ذكر حاجة العبيد إلى الله دون ما سواه ومن ذكر نعمائه عليهم ومن ذكر ما وعدهم به في الآخرة من صنوف النعيم واللذات وليس عند المخلوق شيء من هذا فهذا الوجه يحقق التوكل على الله والشكر له ومحبته على إحسانه ومما يوضح ذلك ويقويه أن في تعلق العبد بما سوى الله مضرة عليه إذا أخذ منه القدر الزائد على حاجته المعينة له على عبودية الله ومحبته وتفريغ قلبه له فإنه إن نال من الطعام والشراب فوق حاجاته ضره أو أهلكه وكذلك من النكاح واللباس وإن أحب شيئا بحيث يخالله فلا بد أن يسأمه أو يفارقه فالضرر حاصل له إن وجد أو فقد فإن فقد تعذب بالفراق وتألم وإن وجد فإنه
يحصل له من الألم أكثر مما يحصل له من اللذة وهذا أمر معلوم بالاعتبار والاستقراء أن كل من أحب شيئا دون الله لغير الله فإن مضرته أكثر من منفعته وعذابه أعظم من نعيمه ويزيد ذلك إيضاحا أن اعتماده على المخلوق وتوكله عليه يوجب له الضرر من جهته فإنه يخذل من تلك الجهة وهذا أيضا معلوم بالاعتبار والاستقراء أنه ما علق العبد رجاءه وتوكله بغير الله إلا خاب من تلك الجهة ولا استنصر بغيره إلا خذل قال تعالى واتخذوا من دون الله الهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا وقال واتخذوا من دون الله الهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون
وقال عن إمام الحنفاء أنه قال للمشركين (إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا )ولما كان غاية صلاح العبد في عبادة الله وحده واستعانته وحده كان في عبادة غيره والاستعانة بغيره غاية مضرته ومما يوضح الأمر في ذلك ويبينه أن الله سبحانه غني حميد كريم رحيم فهو محسن إلى عبده مع غناه عنه يريد به الخير ويكشف عنه الضر لا لجلب منفعة إليه سبحانه ولا لدفع مضرة بل رحمة وإحسانا وجودا محضا فإنه رحيم لذاته محسن لذاته جواد لذاته كريم لذاته كما أنه غني لذاته قادر لذاته حي لذاته فإحسانه وجوده وبره ورحمته من لوازم ذاته لا يكون إلا كذلك كما أن قدرته وغناه من لوازم ذاته فلا يكون إلا كذلك وأما العباد فلا يتصور أن يحسنوا إلا لحظوظهم فأكثر ما عندهم للعبد أن يحبوه ويعظموه ليجلبوا له منفعة ويدفعوا عنه مضرة وذلك من تيسير الله وإذنه لهم به فهو في الحقيقة ولي هذه النعمة ومسديها ومجريها على أيديهم ومع بهذا فإنهم لا يفعلون ذلك إلا لحظوظهم من العبد فإنهم إذا أحبوه طلبوا أن ينالوا غرضهم من محبته سواء أحبوه لجماله الباطن أو الظاهر فإذا أحبوا الأنبياء والأولياء فطلبوا لقاءهم فهم يحبون التمتع برؤيتهم وسماع كلامهم ونحو ذلك وكذلك من أحب إنسانا لشجاعته أو رياسته أو جماله أو كرمه فهو يحب أن ينال حظه من تلك المحبة ولولا التذاذه بها لما أحب ذلك وإن جلبوا له منفعة أو دفعوا عنه مضرة كمرض وعدو ولو بالدعاء فهم يطلبون العوض إذا لم يكن العمل لله فأجناد الملوك وعبيد المماليك وأجراء المستأجر وأعوان الرئيس كلهم إنما يسعون في نيل أغراضهم به لا يعرج أكثرهم على قصد منفعة المخدوم إلا أن يكون قد علم وهذب من جهة أخرى فيدخل ذلك في الجهة الدينية أو يكون فيه طبع عدل وإحسان من باب المكافأة والرحمة وإلا فالمقصود بالقصد الأول هو منفعة نفسه وهذا من حكمة الله التي أقام بها مصالح خلقه إذ قسم بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا
(ورفع بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا)

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:54 PM

قال الإمام العلامة ابن القيم:
أن ذكر الله - عز و جل - يذهب عن القلب مخاوفه كلها وله تأثير عجيب في حصول الأمن , فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله - عز و جل - إذ بحسب ذكره يجد الأمن ويزول خوفه , حتى كأن المخاوف التي يجدها أمان له , والغافل خائف مع أمنه حتى كأن ما هو فيه من الأمن كله مخاوف , ومن له أدنى حس قد جرب هذا وهذا والله المستعان ."

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:56 PM


قال رحمه الله :
《 في القلب خلة و فاقة لا يسدها شيء البتة إلا ذكر الله عز و جل ، فإذا صار الذكر شعار القل
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
《 في القلب خلة و فاقة لا يسدها شيء البتة إلا ذكر الله عز و جل ، فإذا صار الذكر شعار القلب ، بحيث يكون هو الذاكر بطريق الأصالة ، و اللسان تبع له ، فهذا هو الذكر الذي يسد الخلة ، و يفني الفاقة ، فيكون صاحبه غنيا بلا مال ، عزيزا بلا عشيرة ، مهيبا بلا سلطان 》 من كتاب : الوابل الصيب .





ب ، بحيث يكون هو الذاكر بطريق الأصالة ، و اللسان تبع له ، فهذا هو الذكر الذي يسد الخلة ، و يفني الفاقة ، فيكون صاحبه غنيا بلا مال ، عزيزا بلا عشيرة ، مهيبا بلا سلطان 》 من كتاب : الوابل الصيب .



قال
وكم ترى من رجل متورّع عن الفواحش والظلم، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات، ولا يبالي ما يقول!




قال
محبوب اليوم يعقب المكروه غداً، ومكروه اليوم يعقب الراحة غداً.

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:56 PM

قال الإمام فى طريق الهجرتين
قاعدة: السائر إلى الله تعالى والدار الآخرة، بل كل سائر إلى مقصد، لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده إلا بقوتين: قوة علمية، وقوة عملية، فبالقوة العلمية يبصر منازل الطريق، ومواضع السلوك فيقصدها سائراً فيها، ويجتنب أسباب الهلاك ومواضع العطب وطرق المهالك المنحرفة عن الطريق الموصل. فقوته العلمية كنور عظيم بيده يمشى به فى ليلة عظيمة مظلمة شديدة الظلمة، فهو يبصر بذلك النور ما يقع الماشى فى الظلمة فى مثله من الوهاد والمتالف ويعثر به من الأحجار والشوك وغيره، ويبصر بذلك النور أيضاً أعلام الطريق وأدلتها المنصوبة عليها فلا يضل عنها، فيكشف له النور عن الأمرين: أعلام الطريق، ومعطبها.
وبالقوة العملية يسير حقيقة، بل السير هو حقيقة القوة العملية، فإن السير هو عمل المسافر. وكذلك السائر إلى ربه إذا أبصر الطريق وأعلامها وأبصر المعاثر والوهاد والطرق الناكبة عنها فقد حصل له شطر السعادة والفلاح، وبقى عليه الشطر الآخر وهو أن يضع عصاه على عاتقه ويشمر مسافراً فى الطريق قاطعاً منازلها منزلة بعد منزلة، فكلما قطع مرحلة استعد لقطع الأُخرى واستشعر القرب من المنزل فهانت عليه مشقة السفر، وكلما سكنت نفسه من كلال السير ومواصلة الشد والرحيل وعدها قرب التلاقى وبرد العيش عند الوصول، فيحدث لها ذلك نشاطاً وفرحاً وهمة، فهو يقول: يا نفس أَبشرى فقد قرب المنزل ودنا التلاقى فلا تنقطعى فى الطريق دون الوصل فيحال بينك وبين منازل الأحبة، فإن صبرت وواصلت السير وصلت حميدة مسرورة جذلة، وتلقتك الأحبة بأَنواع التحف والكرامات، وليس بينك وبين ذلك إلا صبر ساعة، فإن الدنيا كلها لساعة من ساعات الآخرة، وعمرك درجة من درج تلك الساعة، فالله الله لا تنقطعى فى المفازة، فهو والله الهلاك والعطب لو كنت تعلمين فإِن استصعبت عليه فليذكرها ما أَمامها من أحبابها، وما لديهم من الإِكرام والإنعام، وما خلفها من أعدائها وما لديهم من الإهانة والعذاب وأنواع البلاءِ، فإن رجعت فإلى أعدائها رجوعها، وإن تقدمت فإلى أحبابها مصيرها، وإن وقفت فى طريقها أدركها أعداؤها، فإنهم وراءها فى
الطلب.
ولا بد لها من قسم من هذه الأقسام الثلاثة فلتختر أَيها شاءَت. وليجعل حديث الأحبة وشأنهم حاديها وسائقها، ونور معرفتهم وإرشادهم هاديها ودليلها، وصدق ودادهم وحبهم غذاءها وشرابها ودواءَها ولا يوحشه انفراده فى طريق سفره ولا يغتر بكثرة المنقطعين فأَلم انقطاعه وبعاده واصل إليه دونهم، وحظه من القرب والكرامة مختص به دونهم فما معنى الاشتغال بهم والانقطاع معهم؟ وليعلم أن هذه الوحشة لا تدوم بل هى من عوارض الطريق فسوف تبدو له الخيام، وسوف يخرج إليه الملتقون يهنئونه بالسلامة والوصول إليهم، فيا قرة عينه إذ ذاك ويا فرحته إذ يقول: {يَا لَيْتَ قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى وَجَعَلَنِى مِنَ الْمُكْرَمِين} [يس: 26- 27] ، ولا يستوحش مما يجده من كثافة الطبع وذوب النفس وبطءِ سيرها، فكلما أدمن على السير وواظب عليه غدواً ورواحاً وسحراً قرب من الدار وتلطفت تلك الكثافة وذابت تلك الخبائث والأدران، فظهرت عليه همة المسافرين وسيماهم، فتبدلت وحشته أُنساً وكثافته لطافة ودرنه طهارة.الوجد والعادة، يرى أحدهم أَعمى عن مطلوبه لا يدرى من يعبد ولا بماذا يعبده، فتارة يعبده بذوقه ووجده، وتارة يعبده بعادة قومه وأصحابه من لبس معين أو كشف رأْس أو حلق لحية ونحوها، وتارة يعبده بالأوضاع التى وضعها بعض المتحذلقين وليس له أصل فى الدين، وتارة يعبده بما تحبه نفسه وتهواه كائناً ما كان.
وهنا طرق ومتاهات لا يحصيها إلا رب العباد، فهؤلاء كلهم عمى عن ربهم وعن شريعته ودينه لا يعرفون شريعته ودينه الذى بعث به رسله وأنزل به كتبه ولا يقبل من أحد ديناً سواه، كما أنهم لا يعرفون صفات ربهم التى تعرف بها إلى عباده على ألسنة رسله ودعاهم إلى معرفته ومحبته من طريقها، فلا معرفة له بالرب ولا عبادة له.
ومن كانت له هاتان القوتان استقام له سيره إلى الله تعالى ورجى له النفوذ وقوى على رد القواطع والموانع بحول الله وقوته، فإِن القواطع كثيرة شأْنها شديد لا يخلص من حبائلها إلا الواحد بعد الواحد،

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:58 PM

قال فى طريق الهجرتين
فصل: فى بيان أن حمده تعالى شامل لكل ما يحدثه
والمقصود بيان شمول حمده تعالى وحكمته لكل ما يحدثه من إحسان ونعمة وامتحان وبلية، وما يقضيه من طاعة ومعصية، أنه سبحانه محمود على ذلك مشكور حمد المدح وحمد الشكر، أَما حمد المدح فإنه محمود على كل ما خلق إِذ هو رب العالمين والحمد لله رب العالمين وأَما حمد الشكر فلأن ذلك كله نعمة فى حق المؤمن إِذا اقترن بواجبه من الإحسان، والنعمة إِذا [اقترنت بالشكر صارت] نعمة والامتحان والبلية إذا اقترنا بالصبر كانا نعمه، والطاعة من أَجلّ نعمه، وأَما المعصية فإِذا اقترنت بواجبها من التوبة والاستغفار والإِنابة والذل والخضوع فقد ترتب عليها من الآثار المحمودة والغايات المطلوبة ما هو نعمة أيضاً وإِن كان سببها مسخوطاً مبغوضاً للرب تعالى، ولكنه يحب ما يترتب عليها من التوبة والاستغفار، وهو سبحانه أَفرح بتوبة عبده من الرجل إِذا أضل راحلته بأَرض دوِّية مهلكة عليها طعامه وشرابه فأَيس منها ومن الحياة فنام ثم استيقظ فإِذا بها قد تعلق خطامها فى أَصل شجرة فجاءَ حتى أخذها، فالله أَفرح بتوبة العبد حين يتوب إِليه من هذا براحلته، فهذا الفرح العظيم الذى لا يشبهه شيء أَحب إِليه سبحانه من عدمه، وله أَسباب ولوازم لابد منها، وما يحصل بتقدير عدمه من الطاعات وإِن كان محبوباً له فهذا الفرح أَحب إليه بكثير ووجوده بدون لازمه ممتنع، فله من الحكمة فى تقدير أَسبابه وموجباته حكمة بالغة ونعمة سابغة. هذا بالإضافة إلى الرب جل جلاله، وأَما بالإِضافة إلى العبد فإِنه قد يكون كمال عبوديته وخضوعه موقوفاً على أَسباب لا تحصل بدونها، فتقدير الذنب عليه إِذا اتصل به التوبة والإنابة والخضوع والذل والانكسار ودوام الافتقار كان من النعم باعتبار غايته وما يعقبه وإِن كان من الابتلاء والامتحان باعتبار صورته ونفسه والرب تعالى محمود على الأَمرين، فإِن اتصل بالذنب الآثار المحبوبة للرب سبحانه من والتوبة والذل والإِنابة والانكسار فهو عين مصلحة العبد، والاعتبار بكمال النهاية لا بنقص البداية، وإِن لم يتصل به ذلك، فهذا لا يكون إِلا من خبث نفسه وشره وعدم استعداده لمجاورة ربه بين الأرواح الذكية الطاهرة فى الملأ الأعلى ومعلوم وأن هذه النفس فيها من الشر والخبث ما فيها، فلا بد من خروج ذلك منها من القوة إلى الفعل ليترتب على ذلك الآثار المناسبة لها ومساكنة من تليق مساكنته ومجاورة الأَرواح الخبيثة فى المحل الأَسفل، فإن هذه النفوس إِذا كانت مهيأَة لذلك فمن الحكمة أَن تستخرج منها الأسباب التى توصلها إلى ما هى مهيأَة له ولا يليق به سواه والرب تعالى محمود على إنعامه وإحسانه على أهل الإحسان والأنعام القابلين له فما كل أحد قابلاً لنعمته تعالى فحمده وحكمته تقتضى أن لا يودع وإِحسانه وكنوزه فى محل غير قابل لها.
ولا يبقى إِلا أَن يقال: فما الحكمة فى خلق هذه الأرواح التى هى غير قابلة لنعمته؟ فقد تقدم من الجواب عن ذلك ما فيه كفاية. وأَن خلق الأضداد والمقابلات وترتيب آثارها عليها موجب ربوبيته وحكمته وعلمه وعزته، وأَن تقدير عدم ذلك هضم من جانب الربوبية. وأَيضاً فإن هذه الحوادث نعمة فى حق المؤمن، فإِنها إِذا وقعت فهو مأمور أن نكرها بقلبه ويده ولسانه فقط أَو بقلبه فقط،ومأمور أَن يجاهد أَربابها بحسب الإِمكان، فيترتب له على الإنكار والجهاد من مصالح قلبه ونفسه وبدنه ومصالح دنياه، وآخرته ما لم يكن ينال بدون ذلك، والمقصود بالقصد الأول إِتمام نعمته تعالى على أَوليائه ورسله وخاصته فاستعمال أعدائه فيما تكمل به النعمة على أُوليائه غاية الحكمة، وكان فى تمكين أَهل الكفر والفسق والعصيان من ذلك إِيصال إِلى الكمال الذى يحصل لهم بمعاداة هؤلاء وجهادهم والإِنكار عليهم والموالاة فيه والمعاداة فيه وبذل نفوسهم وأَموالهم وقواهم له، فإِن تمام العبودية لا يحصل إِلا بالمحبة الصادقة، وإِنما تكون المحبة صادقة إِذا بذل فيها المحب ما يملكه من مال ورياسة وقوة فى مرضاة محبوبة والتقرب إِليه، فإِن بذل له روحه كان هذا أعلى درجات المحبة، ومن المعلوم أَن من لوازم ذلك التى لا يحصل إِلا بها أَو يخلق ذواتاً وأَسباباً وأَعمالاً وأَخلاقاً وطبائع تقتضى [معاداة من يحبه ويؤثر مرضاته لها وعند ذلك تتحق] المحبة الصادقة من غيرها فكل أَحد يحب الإِحسان والراحة والدعة واللذة، ويجب من يوصل إِليه ذلك ويحصله له، ولكن الشأْن فى أَمر وراءَ هذا وهو محبته سبحانه ومحبة ما يحبه مما هو أَكره شيء إِلى النفوس وأَشق شيء عليها مما لا يلائمها، فعند حصول أَسباب ذلك يتبين من يحب الله لذاته ويحب ما يجب ممن يحبه لأَجل مخلوقاته فقط من المأْكل والمشرب والمنكح والرياسة، فإِن أُعطى منها رضى وإِن منعها سخط وعتب على ربه وربما شكاه وربما ترك عبادته، فلولا خلق الأضداد وتسليط أَعدائه وامتحان أَوليائه بهم لم يستخرج خالص العبودية من عبيده الذين هم عبيده، ولم يحصل لهم عبودية الموالاة فيه والمعاداة [فيه والحب فيه والبغض فيه والعطاء له والمنع له، ولا عبودية بذل الأرواح] فى جهاد أَعدائه ونصرته وعبودية مفارقة الأمر عنده أحوج ما يكون إليهم عبده فى مرضاته ما يتحسر إليهم وهو الذى عاب نفسه وملاذ بها بأيديهم قد جنى بمفارقتهم ومشايعتهم وأما من موالاة الحق عليهم، فلولا الأَضداد والأَسباب التى توجب ذلك لم تحصل هذه الآثار.
وأَيضاً فلولا تسليط الشهوة والغضب ودواعيهما على العبد لم تحصل له فضيلة الصبر وجهاد النفس ومنعها من حظوظها وشهواتها محبة لله وإِيثاراً لمرضاته وطلباً للزلفى لديه والقرب منه. وأَيضاً فلولا ذلك لم تكن هذه النشأَة الإِنسانية إِنسانية، بل كانت ملكية، فإِن آلله سبحانه خلق خلقه أَطواراً:

أبو بلال المصرى 14-03-19 12:59 PM

قال
وهو سبحانه يحب رسله وعباده المؤمنين ويحبونه، بل لا شيء أَحب إِليهم منه ولا أشوق إليهم من لقائه ولا أَقر لعيونهم من رؤيته ولا أحظى عندهم من قربه، وأَنه سبحانه له الحكمة البالغة فى خلقه وأمره وله النعمة السابغة على خلقه، وكل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل، وأنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها وأنه أفرح بتوبة عبده من واجد راحلته التى عليها طعامه وشرابه فى الأَرض المهلكة بعد فقدها واليأْس منها، وأَنه سبحانه لم يكلف عباده إِلا وسعهم وهودون طاقتهم، فقد يطيقون الشيء ويضيق عليهم، بخلاف وسعهم فإِنه ما يسعونه ويسهل عليهم ويفضل قدرهم عنه كما هو الواقع، وأَنه سبحانه لا يعاقب أَحداً بغير فعله ولا يعاقبه على فعل غيره، ولا يعاقبه بترك ما لا يقدر على فعله ولا على فعل ما لا قدرة له على تركه، وأنه [سبحانه] حكيم كريم جواد ما جد محسن ودود وصبور شكور يطاع فيشكر ويعصى فيغفر، لا أَحد أصبر على أَذى سمعه منه، ولا أَحب إِليه المدح منه ولا أحب إليه العذر منه، ولا أحد أحب إليه الإحسان منه، فهو محسن يحب المحسنين، شكور يحب الشاكرين جميل يحب الجمال، طيب يحب كل طيب، نظيف يحب النظافة، عليم يحب العلماءَ من عباده، كريم يحب الكرماءَ، قوى والمؤمن القوى أَحب إِليه من المؤمن الضعيف، بر يحب الأَبرار، عدل يحب أَهل العدل حى ستير يحب أهل الحياءِ والستر عفو غفور يحب [من] يعفو من عباده ويغفر لهم، صادق يحب الصادقين، رفيق يحب الرفق، جواد يحب [الجود] وأهله، رحيم يحب الرحماءَ، وتر يحب الوتر، ويحب أَسماءه وصفات ويحب المتعبدين له بها ويحب من يسأَله ويدعوه بها ويحب من يعرفها ويعقلها [ويثنى] عليه بها ويحمده ويمدحه بها
كما فى الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم: "لا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، ولا أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَرْسَلَ الرُّسُلَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ"، وفى حديث آخر صحيح: "لا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذَى سَمْعِهِ مِنَ اللهِ، يَجْعَلُونَ لَهُ وَلَداً وَهُوَ يَرْزفقُهُمْ وَيُعَافِيهِمْ"� � ولمحبته لأَسمائه وصفاته أمر عباده بموجبها ومقتضاها، فأمرهم بالعدل والإِحسان والبر والعفو والجود والصبر والمغفرة والرحمة والصدق والعلم والشكر والحلم والأَناة والتثبت ولما كان سبحانه يحب أَسماءَه وصفاته كان أَحب الخلق إِليه من اتصف بالصفات التى يحبها، وأَبغضهم إِليه من اتصف بالصفات التى يكرهها، فإِنما أبغض من اتصف بالكبر والعظمة والجبروت لأَن اتصافه بها ظلم، إِذ لا تليق به هذه الصفات ولا تحسن منه، لمنافاتها لصفات العبيد، وخروج من اتصف بها من ربقة العبودية ومفارقته لمنصبه ومرتبته، وتعديه طوره وحدَّه، وهذا خلاف ما تقدم من الصفات كالعلم والعدل والرحمة والإِحسان والصبر والشكر فإِنها لا تنافى العبودية، بل اتصاف العبد بها من كمال عبوديته،


أبو بلال المصرى 14-03-19 01:00 PM

إهداء آخر للموسوسين وعلاج لهم

قال شيخ الإسلام ابن تيمية مجلد 14 من مجموع الفتاوى حتى أن سفيان ابن عيينة سئل عن قوله (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) قال إلا يسرها ولم يكلفها طاقتها قال البغوى وهذا قول حسن
لأن الوسع ما دون الطاقة قال ابن الإنبارى فى قوله تعالى (ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به) أى لا تحملنا ما يثقل علينا أداءه وإن كنا مطيقين له على تجشم وتحمل مكروه والإستطاعة فى الشرع ما لا يحصل معه للكلف ضرر راجح كاستطاعة الصيام والصلام

أبو بلال المصرى 14-03-19 01:01 PM


معنى الصلاة على النبى الكريم
قال العلامة بن القيم فى كتابه جلاء الأفهام
(فصلاة العبد على الرسول هي ثناء على الرسول صلى الله عليه وسلم وإرادة من اللَّه أن يُعليَ ذكره ويزيده تعظيماً وتشريفاً. والجزاء من جنس العمل فمن أثنى على رسوله: جزاه اللَّه من جنس عمله بأن يثني عليه، ويزيد تشريفه وتكريمه).
وقال أبو العالية رحمه الله أنَّ صلاةَ الله على نبيِّه : ثناؤه عليه في الملأ الأعلى وهذا يشمل ما ذكره الإمام ابن القيم ولكنه خصصه بالملأ الأعلى وقد أمر النبى بالدعاء له بذلك بأن يكون فى العالمين أى برفع ذكره فى العالمين والله أعلم
أما من فسرها بالرحمة فبعيد كما أفاده العلامة الإمام ابن عثيمين رحمه الله لأن الله تعالى قال .فقد قال الله تعالى : ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة157 ، فعطف " الرحمة " على " الصلوات " والعطفُ يقتضي المغايرة فتبيَّن بدلالة الآية الكريمة ، واستعمال العلماء رحمهم الله للصلاة في موضع والرحمة في موضع : أن الصَّلاة ليست هي الرحمة .

انشره أيها الموفق لتؤجر فأكثر المسلمين يرددونها ولا يعلمون معناها وبعض النصارى بجادل المسلمين معجّزاً لهم بسؤالهم ما معنى صلاة الله على نبيه؟




أبو بلال المصرى 14-03-19 01:01 PM

قال فى طريق الهجرتين
فصل
في أن الله خلق دارين وخص كل دار بأهل
والله سبحانه مع كونه خالق كل شيء فهو موصوف بالرضا والغضب والعطاء والمنع والخفض والرفع والرحمة والانتقام فاقتضت حكمته سبحانه أن خلق دارا لطالبي رضاه العاملين بطاعته المؤثرين لأمره القامين بمحابة وهي الجنة وجعل فيها كل شيء مرضي وملأها من كل محبوب ومرغوب ومشتهى ولذيذ وجعل الخير بحذافيره فيها وجعلها محل كل طيب من الذوات والصفات والأقوال وخلق دارا أخرى لطالبي أسباب غضبه وسخطه المؤثرين لأإراضهم وحظوظهم على مرضاته العاملين بأنواع مخالفته القائمين بما يكره من الأعمال والأقوال الواصفين له بما لا يليق به الجاحدين لما أخبرت به رسله من صفات كماله ونعوت جلاله وهي جهنم وأودعها كل شيء مكروه وسجنها مليء من كل شيء مؤذ ومؤلم وجعل الشر بحذافيره فيها وجعلها محل كل خبيث من الذوات والصفات والأقوال والأعمال فهاتان الداران هما دارا القرار وخلق دارا ثالثة هي كالميناء لهاتين الدارين ومنها يتزود المسافرون إليهما وهي دار الدنيا ثم أخرج إليها من أثمار الدارين بعض ما اقتضته أعمال أربابهما وما يستدل به عليهما حتى كأنهما رأي عين ليصير للإيمان بالدارين وإن كان غيبا وجه شهادة تستأنس به النفوس وتستدل به فأخرج سبحانه إلى هذه الدار من آثار رحمته من الثمار والفواكه والطيبات والملابس الفاخرة والصور


الجميلة وسائر ملاذ النفوس ومشتهياتها ما هو نفحة من نفحات الدار التي جعل ذلك كله فيها على وجه الكمال فإذا رآه المؤمنون ذكرهم بما هناك من الخير والسرور والعيش الرخي كما قيل
فإذا رآك المسلمون تيقنوا ... حور الجنان لدى النعيم الخالد
فشمروا إليه وقالوا اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة وأحدثت لهم رؤيته عزمات وهمما وجدا وتشميرا لأن النعيم يذكر بالنعيم والشيء يذكر بجنسه فإذا رأى أحدهم ما يعجبه ويروقه ولا سبيل له إليه قال موعدك الجنة وإنما هي عشية أو ضحاها فوجود تلك المشتهيات والملذوذات في هذه الدار رحمة من الله يسوق بها عباده المؤمنين إلى تلك الدار التي هي أكمل منها وزاد لهم من هذه الدار إليها فهي زاد وعبرة ودليل وأثر من آثار رحمته التي أودعها تلك الدار فالمؤمن يهتز برؤيتها إلى ما أمامه ويثير ساكن عزماته إلى تلك فنفسه ذواقة تواقة إذا ذاقت شيئا منها تاقت إلى ما هو أكمل منه حتى تتوق إلى النعيم المقيم في جوار الرب الكريم وأخرج سبحانه إلى هذه الدار أيضا من آثار غضبه ونقمته من العقوبات والآلام والمحن والمكروهات من الأعيان والصفات ما يستدل بجنسه على ما في دار الشقاء من ذلك مع أن ذلك من آثار النفسين الشتاء والصيف اللذين أذن الله سبحانه بحكمته لجهنم أن تتنفس بهما فاقتضى ذانك النفسان آثارا ظهرت في هذه الدار كانت دليلا عليها وعبرة وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى ونبه عليه بقوله في نار الدنيا نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين

تذكرة تذكر بها الآخرة ومنفعة للنازلين بالقواء وهم المسافرون يقال أقوى الرجل إذا نزل بالقي والقوى وهي الأرض الخالية وخص المقوين بالذكر وإن كانت منفعتها عامة للمسافرين


لمقيمين تنبيها لعباده والله أعلم بمراده من كلامه على أنهم كلهم مسافرون وأنهم في هذه الدار على جناح سفر ليسوا هم مقيمين ولا مستوطنين وأنهم عابرو سبيل وأبناء سفر والمقصود أنه سبحانه أشهد في هذه الدار ما أعد لأوليائه وأعدائه في دار القرار وأخرج إلى هذه الدار من آثار رحمته وعقوبته ما هو عبرة ودلالة على ما هناك من خير وشر وجعل هذه العقوبات والآلام والمحن والبلايا سياطا يسوق بها عباده المؤمنين فإذا رأوها حذروا كل الحذر واستدلوا بما رأوه منها وشاهدوه على ما في تلك الدار من المكروهات والعقوبات وكان وجودها في هذه الدار وإشهادهم إياها وامتحانهم باليسير منها رحمة منه بهم وإحسانا إليهم وتذكرة وتنبيها ولما كانت هذه الدار ممزوجا خيرها بشرها وأذاها براحتها ونعيمها بعذابها اقتضت حكمة أحكم الحاكمين أن خلص خيرها من شرها وخصه بدار أخرى هي دار الخيرات المحضة ودار السرور المحضة فكتب على هذه الدار حكم الامتزاج والاختلاط وخلط فيها بين الفريقين وابتلى بعضهم ببعض وجعل بعضهم لبعض فتنة حكمة بالغة بهرت العقول وعزة قاهرة فقام بهذا الاختلاط سوق العبودية كما يحبه ويرضاه ولم تكن تقوم عبوديته التي يحبها ويرضاها إلا على هذا الوجه بل العبد الواحد جمع فيه بين أساب الخير والشر وسلط بعضه على بعض ليستخرج منه ما يحبه من العبودية التي لا تحصل إلا بذلك
فلما حصلت الحكمة المطلوبة من هذا الامتزاج والاختلاط أعقبه بالتمييز والتخليص فميز بينهما بدارين ومحلين وجعل لكل دار ما يناسبها وأسكن فيها من يناسبها وخلق المؤمنين المتقين المخلصين لرحمته وأعداءه الكافرين لنقمته والمخلطين للأمرين فهؤلاء أهل الرحمة وهؤلاء أهل النقمة وهؤلاء أهل النقمة والرحمة وقسم آخر لا يستحقون ثوابا ولا عقابا ورتب على كل قسم من هذه الأقسام الخمسة

أبو بلال المصرى 25-04-19 11:49 PM

قاعدة إذا ابتلى الله عبده بشيء من أنواع البلايا والمحن فإن رده ذلك الابتلاء والمحن إلى ربه وجمعه عليه وطرحه ببابه فهو علامة سعادته وإرادة الخير به والشدة بتراء لا دوام لها وإن طالت فتقلع عنه حين تقلع وقد عوض منها أجل عوض وأفضله وهو رجوعه إلى الله بعد أن كان شاردا عنه وإقباله عليه بعد أن كان نائيا عنه وانطراحه على بابه بعد أن كان معرضا وللوقوف على أبواب غيره متعرضا وكانت البلية في هذا عين النعمة وإن ساءته وكرهها طبعه ونفرت منها نفسه فربما كان مكروه النفوس إلى محبوبها سببا ما مثله سبب وقوله تعالى في ذلك هو الشفاء والعصمة وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون وإن لم يرده ذلك البلاء إليه بل شرد قلبه عنه ورده إلى الخلق وأنساه ذكر ربه والضراعة إليه والتذلل بين يديه والتوبة والرجوع إليه فهو علامة شقاوته وإرادته الشر به فهذا إذا أقلع عنه البلاء رده إلى حكم طبيعته وسلطان شهوته ومرحه وفرحه فجاءت طبيعته عند القدرة بأنواع الأشر والبطر والإعراض عن شكر المنعم عليه بالسراء كما أعرض عن ذكره والتضرع إليه في الضراء فبلية هذا وبال عليه وعقوبة ونقص في حقه وبلية الأول تطهير له ورحمة وتكميل والله ولي التوفيق

أبو بلال المصرى 25-04-19 11:49 PM

قاعدة في مشاهد الناس في المعاصي والذنوب
الناس في البلوى التي تجري عليهم أحكامها بإرادتهم وشهواتهم متفاوتون بحسب شهودهم لأسبابها وغايتها أعظم تفاوت وجماع ذلك ثمانية مشاهد



أحدها شهود السبب الموصل إليها والغاية المطلوبة منها فقط وهو شهود الحيوانات إذ لا تشهد إلا طريق وطرها وبرد النفس بعد تناولها وهذا الضرب من الناس ليس بينه وبين الحيوان البهيم في ذلك فرق إلا بدقيق الحيلة في الوصول إليها وربما زاد غيره من الحيوانات عليه مع تناولها ولذاتها
المشهد الثاني من يشهد مع ذلك مجرد الحكم القدري وجريانه عليه ولا يجوز شهوده ذلك وربما رأى أن الحقيقة هي توفية هذا المشهد حقه ولا يتم له ذلك إلا بالفناء عن شهود فعله هو جملة فيشهد الفاعل فيه غيره والمحرك سواه فلا ينسب إلى نفسه فعلا ولا يرى لها إساءة ويزعم أن هذا هو التحقيق والتوحيد وربما زاد على ذلك أنه يشهد نفسه مطيعا من وجه وإن كان عاصيا من وجه آخر فيقول أنا مطيع الإرادة والمشيئة وإن كنت عاصيا للأمر وإن كان ممن يرى الأمر تلبيسا وضبطا للرعاع عن الخبط والحرمان مع حكم الطبيعة الحيوانية فقد رأى نفسه مطيعا لا عاصيا كما قال قائلهم في هذا المعنى
أصبحت منفعلا لما يختاره ... مني ففعلي كله طاعات
وأصحاب المشهد الأول أقرب إلى السلامة من هؤلاء وخير منهم وهذا المشهد بعينه هو المشهد الذي يشهده المشركون عباد الأصنام ووقفوا عنده كما قالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ,,,,وقالوا لو شاء الله ما أشركنا ولا أباؤنا ولا حرمنا من شيء



وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين أمنوا أنطعم من لو يشاء الله أطعمه

فهذا مشهد من أشرك بالله ورد أمره وهو مشهد إبليس الذي انتهى إليه إذ يقول لربه رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين والله أعلم
المشهد الثالث مشهد العقل الكسبي القائم بالعبد فقط ولا يشهد إلا صدوره عنه وقيامه به ولا يشهد مع ذلك مشيئة الرب له ولا جريان حكمه القدري به ولا عزة الرب في قضائه ونفوذ أمره بل قد فني بشهود معصيته بذنبه وقبح ما اجترمه عن شهود المشيئة النافذة والقدر السابق إما لعدم اتساع قلبه لشهود الأمرين فقد امتلأ من شهود ذنبه وجرمه وفعله مع أنه مؤمن بقضاء الرب وقدره وأن العبد أقل قدرا من أن يحدث في نفسه ما لم يسبق به مشيئة بارئه وخالقه وإما لإنكاره القضاء والقدر جملة وتنزيهه للرب أن يقدر على العبد شيئا ثم يلومه عليه فأما الأول وإن كان مشهده صحيحا نافعا له موجبا له أن لا يزال لائما لنفسه مزريا عليها ناسيا للذنب والعيب إليها معترفا بأنه يستحق العقوبة والنكال وأن الله سبحانه إن عاقبه فهو العادل فيه وأنه هو الظالم لنفسه وهذا كله حق لا ريب فيه لكن صاحبه ضعيف مغلوب مع نفسه غير معان عليها بل هو معها كالمقهور المخذول فإنه لم يشهد عزة الرب في قضائه ونفوذ أمره الكوني ومشيئته وأنه لو شاء لعصمه وحفظه وأنه لا معصوم إلا من عصمه ولا محفوظ إلا من حفظه وأنه هو محل لجريان أقضيته وأقداره مسوق إليها في سلسلة إرادته وشهوته

أبو بلال المصرى 25-07-19 12:23 AM



قال العلامة ابن القيم
وفى الصحيح الإحتجاج بجماعة من القدرية والمرجئة والشيعة ممن قد عُلم صدقهم

أبو بلال المصرى 25-07-19 12:23 AM

قال شيخ الإسلام ابن تيمية
قال ألإمام أحمد فإذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه وإذا تكلم فى أهل البدع فإنما هو للمسلمين هذا أفضل
..إلى أن قال ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء يعنى أهل البدع العقدية لفسد ا لدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدوعلى البلاد فإذا استولوا لم يفسدوا القلوب

أبو بلال المصرى 13-11-19 02:45 PM

تفسير قوله تعالى [وما يعلم تأويله إلا الله]
لشيخ الإسلام ابن تيمية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وأله وبعد::
فإن لهذا الموضوع أهمية بالغة جداً
فإنها صيحة تحذير من الإغترار بأهل البدع والمنافقين الكفرة وتضليلهم للناس

فكثير من الناس يشتبه عليه فهم هذه الأية كما ينبغى
ولفهم هذه الأية وما يشابهها شأن عظيم لدى كل مسلم ليعرف خطر علماء السلطة المنافقين النفاق الأكبر وعدم الإنخداع بهم وبليهم لأعناق النصوص واستدلالاتهم على باطلهم وكذا أهل البدع فالكثير ينخدع ويغره كلام الشيعة وباقى أهل البدع والمنافقين ممن ينتسب للعلم ينخدع باستدلالهم بالقرآن والسنة فهم يستدلون ويخدعون العامة بمتشابه من القرآن والسنة ليخدم باطلهم ويتركون المحكم مما يدعوا المسلم لمعرفة المحكم والمتشابه

وهذا بحث فريد لعالم فريد حبر بحر جبل

كلام نفيس جداً يحتاجه كل طالب علم عظيم النفع فتأمله جيداً ينفتح لك أبواب عظيمة ويحميك من مكائد شياطين الإنس المنافقين وأهل البدع ويحمى غيرك
فإنه بين كيفية الوقوع فى شراك الألفاظ المشتركة المجملة المشتبهه وكيف ضل فيها خلق ومعنى القاء الشيطان ومعنى التأويل وغيره كثير

قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن تيمية

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا





محمد وآله وسلم فصل قوله تعالى { وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته } إلى قوله : { ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد } { وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم } .

قلت هناك قولان فى تفسير قوله تعالى ألقى الشيطان فى أمنيته
أولاً تمنى بمعنى قرأ وأمنيته قراءته القول الأول هو إلقاء كلام على لسان النبى من عند الشيطان نفسه والقول الثانى هو إلقاء الشيطان تفسير لكلام الله يغير المعنى

قال شيخ الإسلام
جعل الله القلوب ثلاثة أقسام : قاسية وذات مرض ومؤمنة مخبتة ; وذلك لأنها إما أن تكون يابسة جامدة لا تلين للحق اعترافا وإذعانا أو لا تكون يابسة جامدة .

ف " الأول " هو القاسي وهو الجامد اليابس بمنزلة الحجر لا ينطبع ولا يكتب فيه الإيمان ولا يرتسم فيه العلم ; لأن ذلك يستدعي محلا لينا قابلا .

و " الثاني " لا يخلو إما أن يكون الحق ثابتا فيه لا يزول عنه لقوته مع لينه أو يكون لينه مع ضعف وانحلال . فالثاني هو الذي فيه مرض والأول هو القوي اللين .

وذلك أن القلب بمنزلة أعضاء الجسد كاليد مثلا فإما أن تكون جامدة يابسة لا تلتوي ولا تبطش أو تبطش بعنف فذلك مثل القلب القاسي أو تكون ضعيفة مريضة عاجزة لضعفها ومرضها فذلك مثل الذي فيه مرض أو تكون باطشة بقوة ولين فهو مثل القلب العليم الرحيم فبالرحمة خرج عن القسوة وبالعلم خرج عن المرض ; فإن المرض من الشكوك والشبهات .

ولهذا وصف من عدا هؤلاء بالعلم والإيمان والإخبات .

وفي قوله : { وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم } دليل على أن العلم يدل على الإيمان ليس أن أهل العلم ارتفعوا عن درجة الإيمان - كما يتوهمه طائفة من المتكلمة - بل معهم العلم والإيمان كما قال تعالى : { لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } وقال تعالى : { وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله } الآية .

وعلى هذا فقوله : { والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا } نظير هذه الآية فإنه أخبر هنا أن الذين أوتوا العلم يعلمون أنه الحق من ربهم وأخبر هناك أنهم يقولون في المتشابه : { آمنا به كل من عند ربنا } وكلا الموضعين موضع ريب وشبهة لغيرهم ; فإن الكلام هناك في المتشابه وهنا فيما يلقي الشيطان مما ينسخه الله ثم يحكم الله آياته وجعل المحكم هنا ضد الذي نسخه الله مما ألقاه الشيطان ; ولهذا قال طائفة من المفسرين المتقدمين : إن " المحكم " هو الناسخ و " المتشابه " المنسوخ . أرادوا والله أعلم قوله : { فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته } . والنسخ هنا رفع ما ألقاه الشيطان لا رفع ما شرعه الله .




وقد أشرت إلى وجه ذلك فيما بعد وهو : أن الله جعل المحكم مقابل المتشابه تارة ومقابل المنسوخ أخرى . والمنسوخ يدخل فيه في اصطلاح السلف - العام - كل ظاهر ترك ظاهره لمعارض راجح كتخصيص العام وتقييد المطلق فإن هذا متشابه لأنه يحتمل معنيين ويدخل فيه المجمل فإنه متشابه وإحكامه رفع ما يتوهم فيه من المعنى الذي ليس بمراد وكذلك ما رفع حكمه فإن في ذلك جميعه نسخا لما يلقيه الشيطان في معاني القرآن ; ولهذا كانوا يقولون : هل عرفت الناسخ من المنسوخ ؟ فإذا عرف الناسخ عرف المحكم . وعلى هذا فيصح أن يقال : المحكم والمنسوخ كما يقال المحكم والمتشابه .

وقوله بعد ذلك { ثم يحكم الله آياته } جعل جميع الآيات محكمة محكمها ومتشابهها كما قال : { الر } { كتاب أحكمت آياته ثم فصلت } وقال : { تلك آيات الكتاب الحكيم } على أحد القولين .

وهنالك جعل الآيات قسمين : محكما ومتشابها كما قال : { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } . وهذه المتشابهات مما أنزله الرحمن لا مما ألقاه الشيطان ونسخه الله . فصار المحكم في القرآن تارة يقابل بالمتشابه والجميع من آيات الله وتارة يقابل بما نسخه الله مما ألقاه الشيطان .

ومن الناس من يجعله مقابلا لما نسخه الله مطلقا حتى يقول : هذه الآية محكمة ليست منسوخة ويجعل المنسوخ ليس محكما وإن كان الله أنزله أولا اتباعا لظاهر قوله : { فينسخ الله } و { يحكم الله آياته } .

فهذه ثلاث معان تقابل المحكم ينبغي التفطن لها .

وجماع ذلك أن " الإحكام " تارة يكون في التنزيل فيكون في مقابلته ما يلقيه الشيطان فالمحكم المنزل من عند الله أحكمه الله أي فصله من الاشتباه بغيره وفصل منه ما ليس منه ; فإن الإحكام هو الفصل والتمييز والفرق والتحديد الذي به يتحقق الشيء ويحصل إتقانه ; ولهذا دخل فيه معنى المنع كما دخل في الحد فالمنع جزء معناه لا جميع معناه .

وتارة يكون " الإحكام " في إبقاء التنزيل عند من قابله بالنسخ الذي هو رفع ما شرع وهو اصطلاحي أو يقال - وهو أشبه بقول السلف - كانوا يسمون كل رفع نسخا سواء كان رفع حكم أو رفع دلالة ظاهرة . وإلقاء الشيطان في أمنيته قد يكون في نفس لفظ المبلغ وقد يكون في سمع المبلغ وقد يكون في فهمه كما قال : { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها } الآية .

ومعلوم أن من سمع النص الذي قد رفع حكمه أو دلالة له فإنه يلقي الشيطان في تلك التلاوة اتباع ذلك المنسوخ فيحكم الله آياته بالناسخ الذي به يحصل رفع الحكم وبيان المراد . وعلى هذا التقدير فيصح أن يقال : المتشابه المنسوخ بهذا الاعتبار والله أعلم .

وتارة يكون " الإحكام " في التأويل والمعنى وهو تمييز الحقيقة المقصودة من غيرها حتى لا تشتبه بغيرها . وفي مقابلة المحكمات الآيات المتشابهات التي تشبه هذا وتشبه هذا فتكون محتملة للمعنيين . قال أحمد بن حنبل " المحكم " الذي ليس فيه اختلاف والمتشابه الذي يكون في موضع كذا وفي موضع كذا .

ولم يقل في المتشابه لا يعلم تفسيره ومعناه إلا الله وإنما قال : { وما يعلم تأويله إلا الله } وهذا هو فصل الخطاب بين المتنازعين في هذا الموضع فإن الله أخبر أنه لا يعلم تأويله إلا هو . والوقف هنا على ما دل عليه أدلة كثيرة وعليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجمهور التابعين وجماهير الأمة .

ولكن لم ينف علمهم بمعناه وتفسيره بل قال : { كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته } وهذا يعم الآيات المحكمات والآيات المتشابهات وما لا يعقل له معنى لا يتدبر : وقال : { أفلا يتدبرون القرآن } ولم يستثن شيئا منه نهى عن تدبره . والله ورسوله إنما ذم من اتبع المتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله فأما من تدبر المحكم والمتشابه كما أمره الله وطلب فهمه ومعرفة معناه فلم يذمه الله بل أمر بذلك ومدح عليه .

يبين ذلك أن التأويل قد روى أن من اليهود الذين كانوا بالمدينة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كحيي بن أخطب وغيره من طلب من حروف الهجاء التي في أوائل السور تأويل بقاء هذه الأمة كما سلك ذلك طائفة من المتأخرين موافقة للصابئة المنجمين وزعموا أنه ستمائة وثلاثة وتسعون عاما لأن ذلك هو عدد ما للحروف في حساب الجمل بعد إسقاط المكرر وهذا من نوع تأويل الحوادث التي أخبر بها القرآن في اليوم الآخر .

وروي أن من النصارى الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد نجران من تأول ( إنا و ( نحن على أن الآلهة ثلاثة لأن هذا ضمير جمع . وهذا تأويل في الإيمان بالله فأولئك تأولوا في اليوم الآخر وهؤلاء تأولوا في الله . ومعلوم أن : ( إنا و ( نحن من المتشابه فإنه يراد بها الواحد الذي معه غيره من جنسه ويراد بها الواحد الذي معه أعوانه وإن لم يكونوا من جنسه ويراد بها الواحد المعظم نفسه الذي يقوم مقام من معه غيره لتنوع أسمائه التي كل اسم منها يقوم مقام مسمى فصار هذا متشابها لأن اللفظ واحد والمعنى متنوع .

و " الأسماء المشتركة في اللفظ " هي من المتشابه وبعض " المتواطئة " أيضا من المتشابه ويسميها أهل التفسير " الوجوه والنظائر " وصنفوا " كتب الوجوه والنظائر " فالوجوه في الأسماء المشتركة والنظائر في الأسماء المتواطئة . وقد ظن بعض أصحابنا المصنفين في ذلك أن الوجوه والنظائر جميعا في الأسماء المشتركة فهي نظائر باعتبار اللفظ ووجوه باعتبار المعنى وليس الأمر على ما قاله بل كلامهم صريح فيما قلناه لمن تأمله .

والذين في قلوبهم زيغ يدعون المحكم الذي لا اشتباه فيه مثل { وإلهكم إله واحد } { إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني } { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله } { ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك } { لم يلد ولم يولد } { ولم يكن له كفوا أحد } ويتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة ليفتنوا به الناس إذا وضعوه على غير مواضعه وابتغاء تأويله وهو الحقيقة التي أخبر عنها .

وذلك أن " الكلام نوعان " : إنشاء فيه الأمر وإخبار فتأويل الأمر هو نفس الفعل المأمور به كما قال من قال من السلف إن السنة هي تأويل الأمر . { قالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن } تعني قوله : { فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا } .

وأما الإخبار فتأويله عين الأمر المخبر به إذا وقع ليس تأويله فهم معناه .

وقد جاء اسم " التأويل " في القرآن في غير موضع وهذا معناه قال الله تعالى : { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون } { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق } فقد أخبر أنه فصل الكتاب وتفصيله بيانه وتمييزه بحيث لا يشتبه ثم قال : { هل ينظرون } أي ينتظرون { إلا تأويله يوم يأتي تأويله } إلى آخر الآية . وإنما ذلك مجيء ما أخبر القرآن بوقوعه من القيامة وأشراطها : كالدابة ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ومجيء ربك والملك صفا صفا وما في الآخرة من الصحف والموازين والجنة والنار وأنواع النعيم والعذاب وغير ذلك فحينئذ يقولون : { قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل } وهذا القدر الذي أخبر به القرآن من هذه الأمور لا يعلم وقته وقدره وصفته إلا الله ; فإن الله يقول : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } ويقول : { أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر } وقال ابن عباس : ليس في الدنيا مما في الجنة إلا الأسماء ; فإن الله قد أخبر أن في الجنة خمرا ولبنا وماء وحريرا وذهبا وفضة وغير ذلك ونحن نعلم قطعا أن تلك الحقيقة ليست مماثلة لهذه بل بينهما تباين عظيم مع التشابه كما في قوله : { وأتوا به متشابها } على أحد القولين أنه يشبه ما في الدنيا وليس مثله فأشبه اسم تلك الحقائق أسماء هذه الحقائق كما أشبهت الحقائق الحقائق من بعض الوجوه . فنحن نعلمها إذا خوطبنا بتلك الأسماء من جهة القدر المشترك بينهما ولكن لتلك الحقائق خاصية لا ندركها في الدنيا ولا سبيل إلى إدراكنا لها لعدم إدراك عينها أو نظيرها من كل وجه . وتلك الحقائق على ما هي عليه هي تأويل ما أخبر الله به .

وهذا فيه رد على اليهود والنصارى والصابئين من المتفلسفة وغيرهم فإنهم ينكرون أن يكون في الجنة أكل وشرب ولباس ونكاح ويمنعون وجود ما أخبر به القرآن . ومن دخل في الإسلام ونافق المؤمنين تأول ذلك على أن هذه أمثال مضروبة لتفهيم النعيم الروحاني إن كان من المتفلسفة الصابئة المنكرة لحشر الأجساد . وإن كان من منافقة الملتين المقرين بحشر الأجساد تأول ذلك على تفهيم النعيم الذي في الجنة من الروحاني والسماع الطيب والروائح العطرة . فكل ضال يحرف الكلم عن مواضعه إلى ما اعتقد ثبوته .

وكان في هذا أيضا متبعا للمتشابه إذ الأسماء تشبه الأسماء والمسميات تشبه المسميات ولكن تخالفها أكثر مما تشابهها . فهؤلاء يتبعون هذا المتشابه { ابتغاء الفتنة } بما يوردونه من الشبهات على امتناع أن تكون في الجنة هذه الحقائق { وابتغاء تأويله } ليردوه إلى المعهود الذي يعلمونه في الدنيا . قال الله تعالى : { وما يعلم تأويله إلا الله } فإن تلك الحقائق قال الله فيها : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } لا ملك مقرب ولا نبي مرسل .

وقوله : { وما يعلم تأويله } إما أن يكون الضمير عائدا على الكتاب أو على المتشابه ; فإن كان عائدا على الكتاب كقوله ( منه و ( منه { فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } فهذا يصح ; فإن جميع آيات الكتاب المحكمة والمتشابهة التي فيها إخبار عن الغيب الذي أمرنا أن نؤمن به لا يعلم حقيقة ذلك الغيب ومتى يقع إلا الله . وقد يستدل لهذا أن الله جعل التأويل للكتاب كله مع إخباره أنه مفصل بقوله { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون } { هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله } فجعل التأويل الجائي للكتاب المفصل .

وقد بينا أن ذلك التأويل لا يعلمه وقتا وقدرا ونوعا وحقيقة إلا الله وإنما نعلم نحن بعض صفاته بمبلغ علمنا لعدم نظيره عندنا وكذلك قوله : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله } وإذا كان التأويل للكتاب كله والمراد به ذلك ارتفعت الشبهة وصار هذا بمنزلة قوله : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض } إلى قوله : { إنما علمها عند الله } وكذلك قوله : { يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا } فأخبر أنه ليس علمها إلا عند الله وإنما هو علم وقتها المعين وحقيقتها وإلا فنحن قد علمنا من صفاتها ما أخبرنا به . فعلم تأويله كعلم الساعة والساعة من تأويله وهذا واضح بين . ولا ينافي كون علم الساعة عند الله أن نعلم من صفاتها وأحوالها ما علمناه وأن نفسر النصوص المبينة لأحوالها فهذا هذا .

وإن كان الضمير عائدا إلى ما تشابه كما يقوله كثير من الناس فلأن المخبر به من الوعد والوعيد متشابه بخلاف الأمر والنهي ولهذا في الآثار : " العمل بمحكمه والإيمان بمتشابهه " لأن المقصود في الخبر الإيمان وذلك لأن المخبر به من الوعد والوعيد فيه من التشابه ما ذكرناه بخلاف الأمر والنهي ; ولهذا قال بعض [ العلماء ] : " المتشابه " الأمثال والوعد [ والوعيد ] و " المحكم " الأمر والنهي فإنه متميز غير مشتبه بغيره فإنه أمور نفعلها قد علمناها بالوقوع وأمور نتركها لا بد أن نتصورها .

ومما جاء من لفظ " التأويل " في القرآن قوله تعالى { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله } والكناية عائدة على القرآن أو على ما لم يحيطوا بعلمه وهو يعود إلى القرآن . قال تعالى : { وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين } { أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين } { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } { ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين } .

فأخبر سبحانه أن هذا القرآن ما كان ليفترى من دون الله وهذه الصيغة تدل على امتناع المنفي كقوله : { وما كان ربك ليهلك القرى بظلم } وقوله : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم } لأن الخلق عاجزون عن الإتيان بمثله كما تحداهم وطالبهم لما قال : { أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين } فهذا تعجيز لجميع المخلوقين . قال تعالى : { ولكن تصديق الذي بين يديه } أي مصدق الذي بين يديه { وتفصيل الكتاب } أي مفصل الكتاب فأخبر أنه مصدق الذي بين يديه ومفصل الكتاب والكتاب اسم جنس وتحدى القائلين : ( افتراه ودل على أنهم هم المفترون قال : { بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله } أي كذبوا بالقرآن الذي لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله . ففرق بين الإحاطة بعلمه وبين إتيان تأويله . فتبين أنه يمكن أن يحيط أهل العلم والإيمان بعلمه ولما يأتهم تأويله وأن الإحاطة بعلم القرآن ليست إتيان تأويله فإن الإحاطة بعلمه معرفة معاني الكلام على التمام وإتيان التأويل نفس وقوع المخبر به وفرق بين معرفة الخبر وبين المخبر به فمعرفة الخبر هي معرفة تفسير القرآن ومعرفة المخبر به هي معرفة تأويله .

و " نكتة ذلك " أن الخبر لمعناه صورة علمية وجودها في نفس العالم كذهن الإنسان مثلا ولذلك المعنى حقيقة ثابتة في الخارج عن العلم واللفظ إنما يدل ابتداء على المعنى الذهني ثم تتوسط ذلك أو تدل على الحقيقة الخارجة فالتأويل هو الحقيقة الخارجة وأما معرفة تفسيره ومعناه فهو معرفة الصورة العلمية . وهذا هو الذي بيناه فيما تقدم أن الله إنما أنزل القرآن ليعلم ويفهم ويفقه ويتدبر ويتفكر فيه محكمه ومتشابهه وإن لم يعلم تأويله .

ويبين ذلك أن الله يقول عن الكفار : { وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا } { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا } فقد أخبر - ذما للمشركين - أنه إذا قرئ عليهم القرآن حجب بين أبصارهم وبين الرسول بحجاب مستور وجعل على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا . فلو كان أهل العلم والإيمان على قلوبهم أكنة أن يفقهوا بعضه لشاركوهم في ذلك . وقوله : { أن يفقهوه } يعود إلى القرآن كله . فعلم أن الله يحب أن يفقه ; ولهذا قال الحسن البصري : ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم في ماذا أنزلت وماذا عنى بها وما استثنى من ذلك لا متشابها ولا غيره .

وقال مجاهد : عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره مرات أقف عند كل آية وأسأله عنها . فهذا ابن عباس حبر الأمة وهو أحد من كان يقول : لا يعلم تأويله إلا الله يجيب مجاهدا عن كل آية في القرآن .

وهذا هو الذي حمل مجاهدا ومن وافقه كابن قتيبة على أن جعلوا الوقف عند قوله { والراسخون في العلم } فجعلوا الراسخين يعلمون التأويل لأن مجاهدا تعلم من ابن عباس تفسير القرآن كله وبيان معانيه فظن أن هذا هو التأويل المنفي عن غير الله .

وأصل ذلك أن لفظ " التأويل " فيه اشتراك بين ما عناه الله في القرآن وبين ما كان يطلقه طوائف من السلف وبين اصطلاح طوائف من المتأخرين فبسبب الاشتراك في لفظ التأويل اعتقد كل من فهم منه معنى بلغته أن ذلك هو المذكور في القرآن . ومجاهد إمام التفسير . قال الثوري : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به . وأما التأويل فشأن آخر .

ويبين ذلك أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن تفسير آية من كتاب الله ولا قال هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه ولا قال قط أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين : إن في القرآن آيات لا يعلم معناها ولا يفهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أهل العلم والإيمان جميعهم وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس وهذا لا ريب فيه .

وإنما وضع هذه المسألة المتأخرون من الطوائف بسبب الكلام في آيات الصفات وآيات القدر وغير ذلك . فلقبوها : " هل يجوز أن يشتمل القرآن على ما لا يعلم معناه " .

وما " تعبدنا بتلاوة حروفه بلا فهم " فجوز ذلك طوائف متمسكين بظاهر من هذه الآية وبأن الله يمتحن عباده بما شاء ومنعها طوائف ليتوصلوا بذلك إلى تأويلاتهم الفاسدة التي هي تحريف الكلم عن مواضعه . والغالب على كلا الطائفتين الخطأ أولئك يقصرون في فهم القرآن بمنزلة من قيل فيه : { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } وهؤلاء معتدون بمنزلة الذين يحرفون الكلم عن مواضعه .



أبو بلال المصرى 18-12-19 04:34 AM

يقول شيخ الإسلام رحمه الله

وغالب ذلك [يقصد أقول التفسير فيما ليس فيه فائدة ]
مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني ولهذا يختلف علماء أهل الكتاب في مثل هذا كثيرا ويأتي عن المفسرين خلاف بسبب ذلك كما يذكرون في مثل هذا أسماء أصحاب الكهف ولون كلبهم وعدتهم وعصا موسى من أي الشجر كانت ؟ وأسماء الطيور التي أحياها الله لإبراهيم وتعيين البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة ونوع الشجرة التي كلم الله منها موسى إلى غير ذلك مما أبهمه الله في القرآن مما لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم

ولكن نقل الخلاف عنهم في ذلك جائز كما قال تعالى : { سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا } . فقد اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي في مثل هذا . فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعف القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته ؛ إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما ثم أرشد إلى أن الاطلاع على عدتهم لا طائل تحته فيقال في مثل هذا : { قل ربي أعلم بعدتهم } فإنه ما يعلم بذلك إلا قليل من الناس ممن أطلعه الله عليه ؛ فلهذا قال : { فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا } أي لا تجهد نفسك فيما لا طائل تحته ولا تسألهم عن ذلك فإنهم لا يعلمون من ذلك إلا رجم الغيب . انتهى
تحصل مما قال أن الله تعالى لا يذكر فى ما قص علينا إلا ما له فائدة لنا وما ليس فيه فائدة لا يذكره

فمن باب أولى أن ما لم يذكره غير موجود إذ لو كان موجوداً ولنا فيه فائدةلذكره

فذكر الله لنا كل شيء وما عتب به على الصحابة وما صوبهم فيه وما صوب فيه فعل النبى الكريم معهم وكيف يكلمونه وينادونه ويتأدبون معه ولم يذكر أهم شيء وهو نفاق خواصه وأهل سره؟ ولم يذكر كل عقائد الشيعة!!!!!




أبو بلال المصرى 09-05-20 10:06 PM

كورونا والذنوب
قال الإمام العلامة ابن قيّم الجوزيّة ـ رحمه الله ـ: فى زاد المعاد
(ومن له معرفة بأحوال العالم ومبدئه يعرف أن جميع الفساد في جوه ونباته وحيوانه، وأحوال أهله حادث بعد خلقه بأسباب اقتضت حدوثه، ولم تزل أعمال بني آدم ومخالفتهم للرسل تحدث لهم من الفساد العام والخاص ما يجلب عليهم من الآلام، والأمراض، والأسقام، والطواعين والقحوط، والجدوب، وسلب بركات الأرض، وثمارها، ونباتها، وسلب منافعها، أو نقصانها أمورًا متتابعة يتلو بعضها بعضًا، فإن لم يتسع علمك لهذا فاكتف بقوله تعالى‏:‏ ‏{ ‏ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس‏ }‏ ‏[‏الروم‏:‏ 41‏]‏، ونزّل هذه الآية على أحوال العالم، وطابق بين الواقع وبينها، وأنت ترى كيف تحدث الآفات والعلل كل وقت في الثمار والزرع والحيوان، وكيف يحدث من تلك الآفات آفات أخر متلازمة، بعضها آخذ برقاب بعض، وكلما أحدث الناس ظلمًا وفجورًا، أحدث لهم ربهم تبارك وتعالى من الآفات والعلل في أغذيتهم وفواكههم، وأهويتهم ومياههم، وأبدانهم وخلقهم، وصورهم وأشكالهم وأخلاقهم من النقص والآفات، ما هو موجب أعمالهم وظلمهم وفجورهم‏.‏ ولقد كانت الحبوب من الحنطة وغيرها أكثر مما هي اليوم، كما كانت البركة فيها أعظم‏.‏ وقد روى الإمام أحمد بإسناده أنه وجد في خزائن بعض بني أمية صرة فيها حنطة أمثال نوى التمر مكتوب عليها هذا كان ينبت أيام العدل‏.‏ وهذه القصة، ذكرها في مسنده ، على أثر حديث رواه‏.‏ وأكثر هذه الأمراض والآفات العامة بقية عذاب عذبت به الأمم السالفة، ثم بقيت منها بقية مرصدة لمن بقيت عليه بقية من أعمالهم، حكمًا قسطًا، وقضاء عدلًا، وقد أشار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى هذا بقوله في الطاعون ‏(‏إنه بقية رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل‏)‏‏.‏ وكذلك سلط الله سبحانه وتعالى الريح على قوم سبع ليال وثمانية أيام، ثم أبقى في العالم منها بقية في تلك الأيام، وفي نظيرها عظة وعبرة‏.‏ وقد جعل الله سبحانه أعمال البر والفاجر مقتضيات لآثارها في هذا العالم اقتضاء لا بد منه، فجعل منع الإحسان والزكاة والصدقة سببًا لمنع الغيث من السماء، والقحط والجدب، ..وجعل ظلم المساكين، والبخس في المكاييل والموازين، وتعدي القوي على الضعيف سببًا لجور الملوك والولاة الذين لا يرحمون إن استرحموا، ولا يعطفون إن استعطفوا،

قلت يقصد حديث رواه ابن ماجه (يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)

قال

وهم في الحقيقة أعمال الرعايا ظهرت في صور ولاتهم، فإن الله سبحانه بحكمته وعدله يظهر للناس أعمالهم في قوالب وصور تناسبها، فتارة بقحط وجدب، وتارة بعدو، وتارة بولاة جائرين، وتارة بأمراض عامة، وتارة بهموم وآلام وغموم تحضرها نفوسهم لا ينفكون عنها، وتارة بمنع بركات السماء والأرض عنهم، وتارة بتسليط الشياطين عليهم تؤزهم إلى أسباب العذاب أزًا، لتحق عليهم الكلمة، وليصير كل منهم إلى ما خلق له، والعاقل يسيّر بصيرته بين أقطار العالم، فيشاهده، وينظر مواقع عدل الله وحكمته، وحينئذ يتبين له أن الرسل وأتباعهم خاصة على سبيل النجاة، وسائر الخلق على سبيل الهلاك سائرون، وإلى دار البوار صائرون، والله بالغ أمره، لا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، وبالله التوفيق ‏).






أبو بلال المصرى 24-07-20 10:12 PM



أفتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن ترك الصلاة والصيام سنين بعدم وجوب القضاء عند التوبة النصوح لوجود الحرج والشدة المرفوعان فى الدين وكذا أفتى فيمن سرق مال كثير وشق عليه رده عند التوبة فإن العلماء وضعوا من شروط التوبة رد الحقوق لأصحابها ومنها المال

فأفتى رحمه الله فيمن تاب من السرقة وأخذ الحقوق كالنصابين والحرامية ثم أنفق المال وصعب عليه رده عند التوبة وكان من الحرج فى الدين فقال بعدم لزوم الرد بخلاف ما كان سهلاً عليه ولا يصعب رده

وقال من الحكمة من وراء هذا هو تييسر التوبة على الناس فلو علم أنه سيكلف أن يكون مديوناً مثلاً طوال حياته يسدد المال يصده ذلك عن التوبة
وهذا الآن يكثر جداً السؤال عنه مع كثرة المعاصى وترك الصلاة والصيام وأكل الحرام وكثرة من يتوب بفضل الله فيسأل عما يلزمه شرعاً فربما أفتاه البعض بعزيمة لا تلزمة أو بورع
قال شيخ الإسلام عمن أُفتى بمثل هذا فى عصره وأصبح صالحاً أنه ود أنه كان تاب من الكفر حتى يمحى عنه هذا ولا يكلفه

قال فكيف تكون توبة الكافر من الكفر رحمه وتوبة المسلم عذاب
يا له من إمام بحر عجيب
والله أعلم

قال تعالى [ويضع عنهم إصرهم ] الإصر هو الثقل وهو الوجوب الشديد الصعب
فأين من يتهمون شيخ الإسلام بالتشدد فكم أفتى برخص تفرد بها عن علماء كثيرحين اقتضى الدليل الترخص



أبو بلال المصرى 10-12-20 02:18 AM


قال فى مجموع الفتاوى مجلد 22

وقد أمر الله تعالى المؤمنين بالإجتماع والإئتلاف ونهاهم عن الإفتراق والإختلاف فقال تعالى يا أيها الذين آمنوا إتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون وإعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا إلى قوله لعلكم تهتدون إلى قوله يوم تبيض وجوه وتسود وجوه قال إبن عباس رضى الله عنهما تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة فأئمة الدين هم على منهاج الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والصحابة كانوا مؤتلفين متفقين وإن تنازعوا فى بعض فروع الشريعة فى الطهارة أو الصلاة أو الحج أو الطلاق او الفرائض او غير ذلك فإجماعهم حجة قاطعة
ومن تعصب لواحد بعينه من الأئمة دون الباقين فهو بمنزلة من تعصب لواحد بعينه من الصحابة دون الباقين كالرافضى الذى يتعصب لعلى دون الخلفاء الثلاثة وجمهور الصحابة وكالخارجى الذى يقدح فى عثمان وعلى رضى الله عنهما فهذه طرق اهل البدع والأهواء الذبن ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أنهم مذمومون خارجون عن الشريعة والمنهاج الذى بعث الله به رسوله فمن تعصب لواحد من الأئمة بعينه ففيه شبه من هؤلاء سواء تعصب لمالك أو الشافعى أو أبى حنيفة او أحمد أو غيرهم
ثم غاية المتعصب لواحد منهم أن يكون جاهلا بقدره فى العلم والدين وبقدر الآخرين فيكون جاهلا ظالما والله يأمر بالعلم والعدل وينهى عن الجهل والظلم قال تعالى وحملها الإنسان أنه كان ظلوما جهولا ليعذب الله المنافقين والمنافقات إلى آخر السورة
وهذا أبويوسف ومحمد أتبع الناس لأبى حنيفة وأعلمهم بقوله

وهما قد خالفاه فى مسائل لا تكاد تحصى لما تبين لهما من السنة والحجة ما وجب عليهما إتباعه وهما مع ذلك معظمان لإمامهما لا يقال فيهما مذبذبان بل أبوحنيفة وغيره من الأئمة يقول القول ثم تتبين له الحجة فى خلافه فيقول بها ولا يقال له مذبذب فإن الانسان لا يزال يطلب العلم والإيمان فإذا تبين له من العلم ما كان خافيا عليه إتبعه وليس هذا مذبذبا بل هذا مهتد زاده الله هدى وقد قال تعالى وقل رب زدني علما
فالواجب على كل مؤمن موالاة المؤمنين وعلماء المؤمنين وإن يقصد الحق ويتبعه حيث وجده ويعلم أن من إجتهد منهم فأصاب فله أجران ومن إجتهد منهم فأخطأ فله أجر لإجتهاده وخطؤه مغفور له وعلى المؤمنين أن يتبعوا إمامهم إذا فعل ما يسوغ فإن النبى قال إنما جعل الإمام ليؤتم به وسواء رفع يديه أو لم يرفع يديه لا يقدح ذلك فى صلاتهم ولا يبطلها لا عند أبى حنيفة ولا الشافعى ولا مالك ولا أحمد ولو رفع الإمام دون المأموم أو المأموم دون الإمام لم يقدح ذلك فى صلاة واحد منهما ولو رفع الرجل فى بعض الأوقات دون بعض لم يقدح ذلك فى صلاته وليس لأحد أن يتخذ قول بعض العلماء شعارا يوجب إتباعه وينهى عن غيره مما جاءت به السنة بل كل ما جاءت به السنة فهو واسع مثل الأذان والإقامة فقد ثبت فى الصحيحين عن النبى أنه أمر بلالا أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة وثبت عنه فى الصحيحين أنه علم أبا محذورة الإقامة شفعا شفعا كالأذان فمن شفع الإقامة فقد أحسن ومن أفردها فقد أحسن ومن أوجب هذا دون هذا فهو مخطىء ضال ومن والى من يفعل هذا دون هذا بمجرد ذلك فهو مخطىء ضال
وبلاد الشرق من أسباب تسليط الله التتر عليها كثرة التفرق والفتن فى المذاهب وغيرها حتى تجد المنتسب إلى الشافعى يتعصب لمذهبه على مذهب أبى حنيفة حتى يخرج عن الدين والمنتسب إلى أبى حنيفة يتعصب لمذهبه على مذهب الشافعى وغيره حتى يخرج عن الدين والمنتسب إلى احمد يتعصب لمذهبه على مذهب هذا او هذا وفى المغرب تجد المنتسب إلى مالك يتعصب لمذهبه على هذا أو هذا وكل هذا من التفرق والإختلاف الذى نهى الله ورسوله عنه
وكل هؤلاء المتعصبين بالباطل المتبعين الظن وما تهوى الأنفس المتبعين لأهوائهم بغير هدى من الله مستحقون للذم والعقاب وهذا باب واسع لا تحتمل هذه الفتيا لبسطه فإن الإعتصام بالجماعة والإئتلاف من أصول الدين والفرع المتنازع فيه من الفروع الخفية فكيف بقدح فى الأصل بحفظ الفرع وجمهور المتعصبين لا يعرفون من الكتاب والسنة إلا ما شاء الله بل يتمسكون بأحاديث ضعيفة أو آراء فاسدة او حكايات عن بعض العلماء والشيوخ قد تكون صدقا وقد تكون كذبا وإن كانت صدقا فليس صاحبها معصوما يتمسكون بنقل غير مصدق عن قائل غير معصوم ويدعون النقل المصدق عن القائل المعصوم وهو ما نقله الثقات الإثبات من أهل العلم ودونوه فى الكتب الصحاح عن النبى
فإن الناقلين لذلك مصدقون بإتفاق أئمة الدين والمنقول عنه معصوم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحى يوحى قد أوجب الله تعالى على جميع الخلق طاعته وإتباعه قال تعالى فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما وقال تعالى فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب أليم
والله تعالى يوفقنا وسائر إخواننا المؤمنين لما يحبه ويرضاه من القول والعمل والهدى والنية والله أعلم والحمد لله وحده

أبو بلال المصرى 10-12-20 02:22 AM

قال
فالمنتسبون إلى العلم والنظر وما يتبع ذلك يخاف عليهم إذا لم يعتصموا بالكتاب والسنة من القسم الأول
والمنتسبون إلى العبادة والنظر والإرادة وما يتبع ذلك يخاف عليهم إذا لم يعتصموا بالكتاب


والسنة من القسم الثانى وقد أمرنا الله أن نقول فى كل صلاة إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين وصح عن النبى أنه قال اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون قال سفيان بن عيينة كانوا يقولون من فسد من العلماء ففيه شبه من اليهود ومن فسد من العباد ففيه شبه من النصارى وكان السلف يقولون إحذروا فتنة العالم الفاجر والعابد الجاهل فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون فطالب العلم أن يقترن بطلبه فعل ما يجب عليه وترك ما يحرم عليه من الإعتصام بالكتاب والسنة وإلا وقع فى الضلال
وأهل الإرادة إن لم يقترن بإرادتهم طلب العلم الواجب عليهم الإعتصام بالكتاب والسنة وإلا وقعوا فى الضلال والبغى ولو إعتصم رجل بالعلم الشرعي من غير عمل بالواجب كان غاويا وإذا إعتصم بالعبادة الشرعية من غير علم بالواجب كان ضالا والضلال سمة النصارى والبغى سمة اليهود مع أن كلا من الأمتين فيها الضلال والبغى ولهذا تجد من إنحرف عن الشريعة فى الأمر والنهى من أهل الإرادة والعبادة والسلوك والطريق ينتهون إلى الفناء الذى لا يميزون فيه بين المأمور والمحظور فيكونون فيه متبعين أهواءهم
وإنما الفناء الشرعى أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه
وبطاعته عن طاعة ما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه وبسؤاله عن سؤال ما سواه وبخوفه عن خوف ما سواه وهذا هو إخلاص الدين لله وعبادته وحده لا شريك له وهو دين الإسلام الذى أرسل الله به الرسل وأنزل به الكتاب
وتجد أيضا من إنحرف عن الشريعة من الجبر والنفى والإثبات من أهل العلم والنظر والكلام والبحث ينتهى أمرهم إلى الشك والحيرة كما ينتهى الأولون إلى الشطح والطامات فهؤلاء لا يصدقون بالحق وأولئك يصدقون بالباطل وإنما يتحقق الدين بتصديق الرسول فى كل ما أخبر وطاعته فى كل ما أمر باطنا وظاهرا من المعارف والأحوال القلبية وفى الأقوال والأعمال الظاهرة
ومن عظم مطلق السهر والجوع وأمر بهما مطلقا فهو مخطىء بل المحمود السهر الشرعى والجوع الشرعى فالسهر الشرعى كما تقدم من صلاة أو ذكر أو قراءة أو كتاب علم أو نظر فيه أو درسه أو غير ذلك من العبادات والأفضل يتنوع بتنوع الناس فبعض العلماء يقول كتابة الحديث أفضل من صلاة النافلة وبعض الشيوخ يقول ركعتان أصليهما بالليل حيث لا يرانى أحد أفضل من كتابة مائة حديث وآخر من الأئمة يقول بل الأفضل فعل هذا وهذا والأفضل يتنوع بتنوع أحوال الناس فمن الأعمال ما يكون جنسه أفضل ثم يكون
تارة مرجوحا أو منهيا عنه كالصلاة فإنها أفضل من قراءة القرآن وقراءة القرآن أفضل من الذكر والذكر أفضل من الدعاء ثم الصلاة فى أوقات النهى كما بعد الفجر ووقت الخطبة منهى عنها والإشتغال حينئذ إما بقراءة أو ذكر أو دعاء أوإستماع أفضل من ذلك
وكذلك قراءة القرآن أفضل من الذكر ثم الذكر فى الركوع والسجود هو المشروع دون قراءة القرآن وكذلك الدعاء فى آخر الصلاة هو المشروع دون القراءة والذكر وقد يكون الشخص يصلح دينه على العمل المفضول دون الأفضل فيكون أفضل فى حقه كما أن الحج فى حق النساء أفضل من الجهاد
ومن الناس من تكون القراءة أنفع له من الصلاة ومنهم من يكون الذكر أنفع له من القراءة ومنهم من يكون إجتهاده فى الدعاء لكمال ضرورته أفضل له من ذكر هو فيه غافل والشخص الواحد يكون تارة هذا أفضل له وتارة هذا أفضل له ومعرفة حال كل شخص شخص وبيان الأفضل له لا يمكن ذكره فى كتاب بل لا بد من هداية يهدى الله بها عبده إلى ما هو أصلح وما صدق الله عبد إلا صنع له


أبو بلال المصرى 10-12-20 02:28 AM

قال
فمن خصائصه ما كان من خصائص نبوته ورسالته فهذا ليس لأحد أن يقتدى به فيه فإنه لا نبى بعده وهذا مثل كونه يطاع فى كل ما يؤمر به وينهى عنه وإن لم يعلم جهة أمره حتى يقتل كل من أمر بقتله وليس هذا لأحد بعده فولاة الأمور من العلماء والأمراء يطاعون إذا لم يأمروا بخلاف أمره ولهذا جعل الله طاعتهم فى ضمن طاعته قال الله تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فقال وأطيعوا الرسول وأولى الأمر لأن أولى الأمر يطاعون طاعة تابعة لطاعته فلا يطاعون إستقلالا ولا طاعة مطلقة وأما الرسول فيطاع طاعة مطلقة مستقلة فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله فقال تعالى أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإذا أمرنا الرسول كان علينا أن نطيعه وأن لم نعلم جهة أمره وطاعته طاعة الله لا تكون طاعته بمعصية الله قط بخلاف غيره


أبو بلال المصرى 11-12-20 08:14 PM


قال
والمقصود هنا أن كل عبد فهو مفتقر دائما إلى حصول هذه الهداية وأما سؤال من يقول : فقد هداهم إلى الإيمان فلا حاجة إلى الهدى . وجواب من يجيب بأن المطلوب دوام الهدى . فكلام من لم يعرف حال الإنسان وما أمر به ؛ فإن الصراط المستقيم حقيقته : أن تفعل كل وقت ما أمرت به في ذلك الوقت من علم وعمل ولا تفعل ما نهيت عنه وإلى أن يحصل له إرادة جازمة لفعل المأمور وكراهة جازمة لترك المحذور . وهذا العلم المفصل والإرادة المفصلة لا يتصور أن يحصل للعبد في وقت واحد بل كل وقت يحتاج أن يجعل الله في قلبه من العلوم والإرادات ما يهدى به في ذلك الوقت . نعم حصل له هدى مجمل بأن القرآن حق ودين الإسلام حق والرسول حق ونحو ذلك ولكن هذا الهدى المجمل لا يغنيه إن لم يحصل هدى مفصل في كل ما يأتيه ويذره من الجزئيات التي يحار في كثير منها أكثر عقول الخلق ويغلب الهوى والشهوات أكثر الخلق لغلبة الشبهات والشهوات على النفوس . والإنسان خلق ظلوما جهولا . فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر فيحتاج دائما إلى علم مفصل يزول به جهله وعدل في محبته وبغضه ورضاه وغضبه وفعله وتركه وإعطائه ومنعه وكل ما يقوله ويعمله يحتاج فيه إلى عدل ينافي ظلمه فإن لم يمن الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم . وقد قال الله تعالى لنبيه بعد صلح الحديبية وبيعة الرضوان : { إنا فتحنا لك فتحا مبينا } { ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما } { وينصرك الله نصرا عزيزا } فأخبر أنه فعل هذا ؛ ليهديه صراطا مستقيما فإذا كان هذا حاله فكيف بحال غيره . والصراط المستقيم قد فسر بالقرآن والإسلام وطريق العبودية فكل هذا حق فهو موصوف بهذا وبغيره فحاجته إلى هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته بخلاف الحاجة إلى الرزق والنصر فإن الله يرزقه فإذا انقطع رزقه مات والموت لا بد منه فإن كان من أهل الهداية كان سعيدا بعد الموت وكان الموت موصلا له إلى السعادة الدائمة الأبدية فيكون رحمة في حقه . وكذلك النصر إذا قدر أنه قهر وغلب حتى قتل فإذا كان من أهل الهداية والاستقامة مات شهيدا وكان القتل من تمام نعمة الله عليه فتبين أن حاجة العباد إلى الهدى أعظم من حاجتهم إلى الرزق والنصر بل لا نسبة بينهما ؛ فلهذا كان هذا الدعاء هو المفروض عليهم . وأيضا فإن هذا الدعاء يتضمن الرزق والنصر . لأنه إذا هدي الصراط المستقيم كان من المتقين { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } { ويرزقه من حيث لا يحتسب } وكان من المتوكلين { ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره } وكان ممن ينصر الله ورسوله ومن ينصر الله ينصره الله وكان من جند الله وجند الله هم الغالبون . فالهدى التام يتضمن حصول أعظم ما يحصل به الرزق والنصر . فتبين أن هذا الدعاء هو الجامع لكل مطلوب يحصل به كل منفعة ويندفع به كل مضرة فلهذا فرض على العبد . وهذا مما يبين أن غير الفاتحة لا يقوم مقامها أصلا وأن فضلها على غيرها من الكلام أعظم من فضل الركوع والسجود على سائر أفعال الخضوع فإذا تعينت الأفعال فهذا أولى . والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .

أبو بلال المصرى 11-12-20 08:26 PM

قال

وأيضا : فقد قال الله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } . وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين . كقوله تعالى : { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله } وقوله تعالى : { كبر على المشركين ما تدعوهم إليه } . فقد دل كتاب الله عز وجل على من كبر عليه ما يحبه الله . وأنه مذموم بذلك في الدين مسخوط منه ذلك والذم أو السخط لا يكون إلا لترك واجب أو فعل محرم وإذا كان غير الخاشعين مذمومين دل ذلك على وجوب الخشوع . فمن المعلوم أن الخشوع المذكور في قوله تعالى { وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين } لا بد أن يتضمن الخشوع في الصلاة . فإنه لو كان المراد الخشوع خارج الصلاة لفسد المعنى إذ لو قيل : إن الصلاة لكبيرة إلا على من خشع خارجها ولم يخشع فيها : كان يقتضي أنها لا تكبر على من لم يخشع فيها وتكبر على من خشع فيها . وقد انتقى مدلول الآية . فثبت أن الخشوع واجب في الصلاة . ويدل على وجوب الخشوع فيها أيضا قوله تعالى { قد أفلح المؤمنون } { الذين هم في صلاتهم خاشعون } { والذين هم عن اللغو معرضون } { والذين هم للزكاة فاعلون } { والذين هم لفروجهم حافظون } { إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين } { فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } { والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون } { والذين هم على صلواتهم يحافظون } { أولئك هم الوارثون } { الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون } أخبر سبحانه وتعالى أن هؤلاء هم الذين يرثون فردوس الجنة . وذلك يقتضي أنه لا يرثها غيرهم . وقد دل هذا على وجوب هذه الخصال . إذ لو كان فيها ما هو مستحب لكانت جنة الفردوس تورث بدونها لأن الجنة تنال بفعل الواجبات دون المستحبات . ولهذا لم يذكر في هذه الخصال إلا ما هو واجب .


الساعة الآن 10:12 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant