شبكــة أنصــار آل محمــد

شبكــة أنصــار آل محمــد (https://ansaaar.com/index.php)
-   باب علــم الحــديـث وشرحــه (https://ansaaar.com/forumdisplay.php?f=51)
-   -   بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار (https://ansaaar.com/showthread.php?t=33893)

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:24 AM

وفي هذا دليل

على أنه لو صلى ناسياً أو جاهلاً حدثه
فعليه الإعادة لعموم الحديث،
وهو متفق عليه.

فهو وإن كان مثاباً على فعله صورة الصلاة
وما فيها من العبادات،
لكن عليه الإعادة لإبراء ذمته.


وهذا بخلاف من تطهر
ونسي ما على بدنه أو ثوبه من النجاسة
فإنه لا إعادة عليه
على الصحيح؛


لأن الطهارة من باب فعل الأمور
الذي لا تبرأ الذمة إلا بفعلها.


وأما اجتناب النجاسة
فإنه من باب اجتناب المحظور
الذي إذا فعل والإنسان معذور،
فلا إعادة عليه .

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:24 AM

الحديث الحادي والعشرون

عن عائشة رضي الله عنها قالت:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"عشر من الفطرة:
قص الشارب
وإعفاء اللحية،
والسواك،
واستنشاق الماء،
وقص الأظافر،
وغسل البراجم،
ونتف الإبط،
وحلق العانة،
وانتقاص الماء،
يعني الاستنجاء"

قال الراوي:
ونسيت العاشرة
إلا أن تكون المضمضة.
رواه مسلم.



"الفطرة"
هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها،
وجعلهم مفطورين عليها:
على محبة الخير وإيثاره،
وكراهة الشر ودفعه،

وفطرهم حنفاء مستعدين،
لقبول الخير والإخلاص لله،
والتقرب إليه،


وجعل تعالى
شرائع الفطرة نوعين.

أحدهما:

يطهر القلب والروح،
وهو الإيمان بالله وتوابعه:
من خوفه ورجائه،
ومحبته والإنابة إليه.

قال تعالى:
{ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا
فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا
لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ
ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ،

مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ
وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ
وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }[1]

فهذه تزكي النفس،
وتطهر القلب وتنميه،
وتذهب عنه الآفات الرذيلة،
وتحليه بالأخلاق الجميلة،
وهي كلها ترجع إلى أصول الإيمان وأعمال القلوب.


والنوع الثاني:

ما يعود إلى تطهير الظاهر ونظافته،
ودفع الأوساخ والأقذار عنه،
وهي هذه العشرة،

وهي من محاسن الدين الإسلامي؛
إذ هي كلها تنظيف للأعضاء،
وتكميل لها، لتتم صحتها
وتكون مستعدة لكل ما يراد[2] منها.


*******************
[1] سورة الروم – الآيتان 30، 31.
[2] في الأصل "يراه" والصحيح ما أثبتناه.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:25 AM

فأما المضمضة والاستنشاق:

فإنهما مشروعان
في طهارة الحدث الأصغر والأكبر بالاتفاق.

وهما فرضان فيهما
من تطهير الفم والأنف وتنظيفهما،

لأن الفم والأنف يتوارد عليهما
كثير من الأوساخ والأبخرة ونحوها.

وهو مضطر إلى ذلك وإزالته.

وكذلك السواك يطهر الفم.

فهو "مطهرة للفم مرضاة للرب"

ولهذا يشرع كل وقت
ويتأكد عند الوضوء والصلاة
والانتباه من النوم،
وتغير الفم،
وصفرة الأسنان
ونحوها.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:25 AM

وأما قصّ الشارب
أو حَفُّه حتى تبدو الشَّفَّة،

فلما في ذلك من النظافة،
والتحرز مما يخرج من الأنف،

فإن شعر الشارب إذا تدلى على الشفة
باشر به ما يتناوله من مأكول ومشروب،
مع تشويه الخلقة بوفرته،

وإن استحسنه من لا يعبأ به.


وهذا بخلاف اللحية،
فإن الله جعلها وقاراً للرجل وجمالاً به.
ولهذا يبقى جماله في حال كبره
بوجود شعر اللحية.

واعتبر ذلك
بمن يعصي الرسول صلى الله عليه وسلم فيحلقها،
كيف يبقى وجهه مشوهاً قد ذهب محاسنه،
وخصوصاً وقت الكبر.

فيكون كالمرأة العجوز
إذا وصلت إلى هذا السن ذهبت محاسنها،
ولو كانت في صباها من أجمل النساء.
وهذا محسوس،


ولكن العوائد والتقليد الأعمى
يوجب استحسان القبيح،
واستقباح الحسن.


أبو فراس السليماني 28-06-14 01:27 AM

وأما قص الأظافر ونتف الإبط،
وغسل البراجم،
وهي مطاوي البدن التي تجتمع فيها الأوساخ
فلها من التنظيف وإزالة المؤذيات ما لا يمكن جحده،
وكذلك حلق العانة.


وأما الاستنجاء
وهو إزالة الخارج من السبيلين بماء أو حجر
فهو لازم وشرط من شروط الطهارة.


فعلمت أن هذه الأشياء كلها،
تكمل ظاهر الإنسان وتطهره وتنظفه،
وتدفع عنه الأشياء الضارة والمستقبحة،
والنظافة من الإيمان.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:27 AM


والمقصود:

أن الفطرة هي شاملة لجميع الشريعة،
باطنها وظاهرها؛
لأنها تنفي الباطن من الأخلاق الرذيلة،

وتحلّيه بالأخلاق الجميلة
التي ترجع إلى عقائد الإيمان والتوحيد،


والإخلاص لله والإنابة إليه،
وتنقي الظاهر من الأنجاس والأوساخ وأسبابها.
وتطهره الطهارة الحسية والطهارة المعنوية.

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم :
"الطهور شَطْر الإيمان"


وقال تعالى:
{ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ
وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }[1] .


فالشريعة كلها طهارة وزكاء وتنمية وتكميل،
وحث على معالي الأمور،
ونهى عن سفسافها،
والله أعلم.



*******************
[1] سورة البقرة – آية 222.




أبو فراس السليماني 28-06-14 01:28 AM

الحديث الثاني والعشرون

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"الماء طهور لا ينجسه شيء".

رواه أحمد والترمذي
وأبو داود والنسائي.


هذا الحديث الصحيح يدل على أصل جامع،
وهو أن الماء

أي جميع المياه النابعة من الأرض،
والنازلة من السماء الباقية على خلقتها،
أو المتغيرة بمقرها أو ممرها،
أو بما يلقى فيها من الطاهرات ولو تغيراً كثيراً
طاهرة تستعمل في الطهارة وغيرها.


ولا يستثنى من هذا الكلام الجامع
إلا الماء المتغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة،
كما في بعض ألفاظ هذا الحديث.

وقد اتفق العلماء على نجاسة الماء المتغير بالنجاسة.
واستدل عليه الإمام أحمد رضي الله عنه وغيره

بقوله تعالى:
{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ }[1]
إلى آخر الآية.

يعني:
ومتى ظهرت أوصاف هذه الأشياء المحرمة في الماء
صار نجساً خبيثاً.


*******************
[1] سورة المائدة – آية 3.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:28 AM

وهذا الحديث وغيره

يدل على أنَّ الماء المتغير بالطاهرات طهور.

وعلى أنَّ ما خلت به المرأة لا يمنع منه مطلقاً.

وعلى طهورية ما انغمست فيه
يد القائم من نوم الليل،

وإنما يُنهى القائم من النوم
عن غمسها حتى يغسلها ثلاثاً.

وأما المنع من الماء فلا يدل الحديث عليه.


أبو فراس السليماني 28-06-14 01:29 AM

والمقصود:

أن هذا الحديث يدل على أن الماء قسمان:
نجس،
وهو ما تغير أحد أوصافه بالنجاسة،
قليلاً كان أو كثيراً.

وطهور،
وهو ما ليس كذلك.

وأن إثبات نوع ثالث
لا طهور ولا نجس،
بل طاهر غير مطهر،

ليس عليه دليل شرعي،
فيبقى على أصل الطهورية.

ويؤيد هذا العموم قوله تعالى :
{ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا }[1]

وهذا عام في كل ماء،
لأنه نكرة في سياق النفي،
فيشمل كل ماء

خرج منه الماء النجس للإجماع عليه.


ودلّ هذا الحديث أيضاً:

أن الأصل في المياه الطهارة.
وكذلك في غيرها.

فمتى حصل الشك في شيء منها:
هل وجد فيه سبب التنجيس أم لا ؟

فالأصل الطهارة.


******************
[1] سورة المائدة – آية 6.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:30 AM

الحديث الثالث والعشرون

عن أبي قتادة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهرة:

"إنها ليست بنَجَس،
إنها من الطوّافين عليكم والطّوّافات"

رواه مالك وأحمد
وأهل السنن الأربع.


هذا الحديث محتوٍ على أصلين:

أحدهما:
أن المشقة تجلب التيسير.

وذلك أصل كبير من أصول الشريعة،

من جملته:

أن هذه الأشياء التي يشق التحرز منها طاهرة،
لا يجب غسل ما باشرت بفيها أو يدها أو رجلها،

لأنه علل ذلك بقوله:
"إنها من الطوافين عليكم والطوافات"

كما أباح الاستجمار في محل الخارج من السبيلين،

ومسح ما أصابته النجاسة من النعلين والخفين،
وأسفل الثوب،

وعفا عن يسير طين الشوارع النجس،

وأبيح الدم الباقي في اللحم والعروق
بعد الدم المسفوح،

وأبيح ما أصابه فم الكلب من الصيد،

وما أشبه ذلك مما يجمعه علة واحدة،
وهي المشقة.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:31 AM

الثاني:

أن الهرة وما دونها في الخلقة
كالفأرة ونحوها
طاهرة في الحياة

لا ينجس ما باشرته من طعام وشراب وثياب وغيرها،


ولذلك قال أصحابنا:
الحيوانات أقسام خمسة:

أولها:

نجس حياً وميتاً في ذاته وأجزائه وفضلاته.
وذلك كالكلاب والسباع كلها،
والخنزير ونحوها.

الثاني:

ما كان طاهراً في الحياة نجساً بعد الممات.
وذلك كالهرة وما دونها في الخلقة.
ولا تحله الذكاة ولا غيرها.

الثالث:

ما كان طاهراً في الحياة وبعد الممات،
ولكنه لا يحل أكله،
وذلك كالحشرات التي لا دم لها سائل.

الرابع:

ما كان طاهراً في الحياة وبعد الذكاة.
وذلك كالحيوانات المباح أكلها،
كبهيمة الأنعام ونحوها.

الخامس:

ما كان طاهراً في الحياة وبعد الممات،
ذُكِّي أو لم يُذَك وهو حلال،
وذلك كحيوانات البحر كلها والجراد.


أبو فراس السليماني 28-06-14 01:31 AM

واستدل كثير من أهل العلم بقوله صلى الله عليه وسلم :
"إنها من الطوافين عليكم والطوافات"

بطهارة الصبيان،
وطهارة أفواههم،
ولو بعد ما أصابتها النجاسة،

وكذلك

طهارة ريق الحمار والبغل وعرقه وشعره.

وأين مشقة الهر من مشقة الحمار والبغل ؟

ويدل عليه:

أنه صلى الله عليه وسلم كان يركبها هو وأصحابه،
ولم يكونوا يتوقَّون منها ما ذكرنا.
وهذا هو الصواب.


وأما قوله صلى الله عليه وسلم
في لحوم الحمر يوم خيبر:
"إنها رجس"

أي: لحمها رجس نجس حرام أكله.

وأما ريقها وعرقها وشعرها:
فلم ينه عنه،
ولم يتوقّه صلى الله عليه وسلم .


وأما الكلاب:

فإنه صلى الله عليه وسلم
أمر بغسل ما ولغت فيه سبع مرات إحداهن بالتراب.


أبو فراس السليماني 28-06-14 01:32 AM

الحديث الرابع والعشرون

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"الصلوات الخمس،
والجمعة إلى الجمعة،
ورمضان إلى رمضان،

مكفرات لما بينهن
ما اجتنبت الكبائر"
رواه مسلم.


هذا الحديث يدل على عظيم فضل الله وكرمه
بتفضيله هذه العبادات الثلاث العظيمة،
وأن لها عند الله المنزلة العالية،
وثمراتها لا تعدّ ولا تحصى.


فمن ثمراتها:

أن الله جعلها مكملة لدين العبد وإسلامه،
وأنها منمية للإيمان، مسقية لشجرته.

فإن الله غرس شجرة الإيمان
في قلوب المؤمنين بحسب إيمانهم،

وقَدَّرَ من ألطافه وفضله من الواجبات والسنن
ما يسقي هذه الشجرة وينميها،

ويدفع عنها الآفات حتى تكمل
وتؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربها،
وجعلها تنفي عنها الآفات.


فالذنوب ضررها عظيم،
وتنقيصها للإيمان معلوم.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:33 AM

فهذه الفرائض الثلاث
إذا تجنب العبد كبائر الذنوب
غفر الله بها
الصغائر والخطيئات.


وهي من أعظم ما يدخل في قوله تعالى:

{ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ }[1]


كما أن الله جعل من لطفه تجنب الكبائر
سبباً لتكفير الصغائر.

قال تعالى:
{ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ
نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ
وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا }[2]


أما الكبائر فلا بد لها من توبة.

وعُلم من هذا الحديث:

أن كل نص جاء فيه تكفير بعض الأعمال الصالحة للسيئات،
فإنما المراد به الصغائر؛

لأن هذه العبادات الكبار
إذا كانت لا تكفر بها الكبائر
فكيف بما دونها ؟


******************
[1] سورة هود – آية 114.
[2] سورة النساء – آية 31.

أبو فراس السليماني 28-06-14 01:33 AM

والحديث صريح في أن الذنوب قسمان:

كبائر، وصغائر.

وقد كثر كلام الناس في الفرق بين الصغائر والكبائر.
وأحسن ما قيل:

إن الكبيرة

ما رتب عليه حد في الدنيا،
أو توعد عليه بالآخرة أو لعن صاحبه،
أو رتب عليه غضب ونحوه،

والصغائر ما عدا ذلك.

أو يقال:

الكبائر:
ما كان تحريمه تحريم المقاصد.

والصغائر:
ما حرم تحريم الوسائل،

فالوسائل:

كالنظرة المحرمة مع الخلوة بالأجنبية.

والكبيرة: نفس الزنا،

وكربا الفضل مع ربا النسيئة،
ونحو ذلك.

والله أعلم.


الساعة الآن 03:57 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant