شبكــة أنصــار آل محمــد

شبكــة أنصــار آل محمــد (https://ansaaar.com/index.php)
-   باب علــم الحــديـث وشرحــه (https://ansaaar.com/forumdisplay.php?f=51)
-   -   بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار (https://ansaaar.com/showthread.php?t=33893)

أبو فراس السليماني 30-06-14 07:01 PM

الجملة الثانية:

قوله صلى الله عليه وسلم:
"لا ورع كالكف".

فهذا حدٌّ جامع للورع.
بيّن به رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أن الورع الحقيقي هو
الذي يكفُّ نفسه،
وقلبه ولسانه،
وجميع جوارحه

عن الأمور المحرمة الضارة.

فكل ما قاله أهل العلم في تفسير الورع،
فإنه يرجع إلى هذا التفسير
الواضح الجامع.


فمن حفظ قلبه عن الشكوك والشبهات،
وعن الشهوات المحرمة والغِلُّ والحقد،
وعن سائر مساوئ الأخلاق

وحفظ لسانه عن الغيبة والنميمة
والكذب والشتم،
وعن كل إثم وأذى،
وكلام محرم،
وحفظ فرجه وبصره عن الحرام،
وحفظ بطنه عن أكل الحرام،
وجوارحه عن كسب الآثام
فهذا هو الورع حقيقة.


ومن ضيع شيئاً من ذلك نقص
من ورعه بقدر ذلك،

ولهذا قال شيخ الإسلام:
(الورع ترك ما يخشى ضرره في الآخرة).

أبو فراس السليماني 30-06-14 07:02 PM

الجملة الثالثة:

قوله صلى الله عليه وسلم :
"ولا حَسَبَ كحسن الخلق".

وذلك أن الحسب مرتبة عالية عند الخلق.
وصاحب الحسب له اعتبار وشرف بحسب ذلك.

وهو نوعان:

النوع الأول:

حسب يتعلق بنسب الإنسان وشرف بيته.
وهذا النوع إنما هو مدح؛
لأنه مظنة أن يكون صاحبه عاملاً بمقتضى حسبه،
مترفعاً عن الدنايا،
متحلِّياً بالمكارم.
فهو مقصود لغيره.


وأما النوع الثاني:

فهو الحسب الحقيقي الذي هو وصف للعبد،
وجمال له وزينة،
وخير في الدنيا والدين،
وهو حسن الخلق المحتوي على الحلم الواسع،
والصبر والعفو،
وبذل المعروف والإحسان،
واحتمال الإساءة والأذى،
ومخالقة طبقات الناس بخلق حسن.



أبو فراس السليماني 30-06-14 07:03 PM

وإن شئت فقل
حسن الخلق نوعان:


الأول:
حسن الخلق مع الله،

وهو أن تتلقى أحكامه الشرعية والقدرية
بالرضى والتسليم لحكمه،
والانقياد لشرعه،
بطمأنينة ورضى،

وشكر لله على ما أنعم به:
من الأمر والتوفيق،
والصبر على أقداره المؤلمة والرضى بها.



الثاني:
حسن الخلق مع الخلق،

وهو بذل الندَى، واحتمال الأذى،
وكف الأذى،

كما قال تعالى:

{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ
وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
}(1)،


{ وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ
فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ
كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ،

وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا
وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
}(2).


فمن قام بحسن الخلق مع الله ومع الخلق:
فقد نال الخير والفلاح.


والله أعلم.



******************
(1) سورة الأعراف – آية 199 .
(2) سورة فصلت – الآيتان 34 ، 35 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:24 PM

الحديث الحادي والسبعون

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
"جاء رجل،
فقال: يا رسول الله، أوصني.

فقال: لا تغضب.

ثم ردَّدَ مراراً.
فقال: لا تغضب"

رواه البخاري.


هذا الرجل ظن أنها وصية بأمر جزئي.
وهو يريد أن يوصيه النبي صلى الله عليه وسلم بكلام كلي.
ولهذا ردد.

فلما أعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم
عرف أن هذا كلام جامع.
وهو كذلك؛

فإن قوله: "لا تغضب"
يتضمن أمرين عظيمين:

أحدهما:

الأمر بفعل الأسباب،
والتمرن على حسن الخلق،
والحلم والصبر،
وتوطين النفس على ما يصيب الإنسان من الخلق،
من الأذى القولي والفعلي.


فإذا وفِّق لها العبد،
وورد عليه وارد الغضب
احتمله بحسن خلقه،
وتلقاه بحلمه وصبره،
ومعرفته بحسن عواقبه؛

فإن الأمر بالشيء أمر به،
وبما لا يتم إلا به.


والنهي عن الشيء أمر بضده.
وأمر بفعل الأسباب
التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه.
وهذا منه.


أبو فراس السليماني 01-07-14 12:25 PM

الثاني:

الأمر
بعد الغضب أن لا ينفذ غضبه؛
فإن الغضب غالباً
لا يتمكن الإنسان من دفعه ورده،
ولكنه يتمكن من عدم تنفيذه.

فعليه إذا غضب أن يمنع نفسه
من الأقوال والأفعال المحرمة
التي يقتضيها الغضب.

فمتى منع نفسه من فعل آثار الغضب الضارة،
فكأنه في الحقيقة لم يغضب.

وبهذا يكون العبد كامل القوة العقلية،
والقوة القلبية،

كما قال صلى الله عليه وسلم :

"ليس الشديد بالصُّرعة،
إنما الشديد الذي يملك نفسه
عند الغضب
".


فكمال قوة العبد:

أن يمتنع من أن تؤثر فيه قوة الشهوة،
وقوة الغضب الآثار السيئة،
بل يصرف هاتين القوتين
إلى تناول ما ينفع في الدين والدنيا،
وإلى دفع ما يضر فيهما.


فخير الناس:

من كانت شهوته وهواه
تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ،
وغضبه ومدافعته
في نصر الحق على الباطل.


وشر الناس:

من كان صريع شهوته وغضبه.
ولا حول ولا قوة إلا بالله.


أبو فراس السليماني 01-07-14 12:26 PM

الحديث الثاني والسبعون

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"لا يدخل الجنة
من كان في قلبه
مثقال ذَرَّة من كِبْر.

فقال رجل:
إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً،
ونعله حسناً؟

فقال:
إن الله جميل يحب الجمال.

الكبْر: بَطْر الحق، وغَمْط الناس"

رواه مسلم.



قد أخبر الله تعالى:
أن النار مثوى المتكبرين.

وفي هذا الحديث أنه :

"لا يدخل الجنة
من كان في قلبه
مثقال ذرة من كبر"


فدلّ على أن الكبر
موجب لدخول النار،
ومانع من دخول الجنة.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:26 PM

وبهذا التفسير الجامع
الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم
يتضح هذا المعنى غاية الاتضاح؛


فإنه جعل الكبر نوعين:

النوع الأول:

كبر على الحق،
وهو رده وعدم قبوله.

فكل من رد الحق فإنه مستكبر عنه
بحسب ما رد من الحق.


وذلك أنه فرض على العباد
أن يخضعوا للحق
الذي أرسل الله به رسله،
وأنزل به كتبه.


فالمتكبرون عن الانقياد للرسل بالكلية
كفارٌ
مخلدون في النار؛


فإنه جاءهم الحق على أيدي الرسل
مؤيداً بالآيات والبراهين.

فقام الكبر في قلوبهم مانعاً، فردوه.


قال تعالى:

{ إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ
بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ
إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ
مَّا هُم بِبَالِغِيهِ }

[ سورة غافر : الآية 56 ]

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:27 PM

وأما المتكبرون عن الانقياد
لبعض الحق الذي يخالف رأيهم وهواهم ،


فهم – وإن لم يكونوا كفارًا –
فإن معهم من موجبات العقاب
بحسب ما معهم من الكبر ،

وما تأثروا به
من الامتناع عن قبول الحق
الذي تبين لهم
بعد مجيء الشرع به .


ولهذا أجمع العلماء

أن من استبانت له
سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،

لم يحل له أن يعدل عنها
لقول أحد ،
كائنًا من كان .


أبو فراس السليماني 01-07-14 12:28 PM

فيجب على طالب العلم

أن يعزم عزما جازما
على تقديم قول الله
وقول رسوله صلى الله عليه وسلم
على قول كل أحد ،


وأن يكون أصله الذي يرجع إليه ،
وأساسه الذي يبني عليه ،

الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم ،
والاجتهاد في معرفة مراده ،
واتباعه في ذلك ،
ظاهراً وباطناً .


فمتى وُفق لهذا الأمر الجليل فقد وفق للخير ،
وصار خطؤه معفواً عنه ؛

لأن قصده العام
اتباع الشرع .


فالخطأ معذور فيه
إذا فعل مستطاعه من الاستدلال والاجتهاد
في معرفة الحق ،

وهذا هو
المتواضع للحق .

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:28 PM

وأما الكبر على الخلق

– وهو النوع الثاني - :

فهو غمطهم واحتقارهم
وذلك ناشىء عن عُجب الإنسان بنفسه ،
وتعاظمه عليهم .

فالعُجب بالنفس
يحمل على التكبر على الخلق ،
واحتقارهم والاستهزاء بهم ،
وتنقيصهم بقوله وفعله .


وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( بحسب امرئ من الشر
أن يحقر أخاه المسلم ) .

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:29 PM

ولما قال هذا الرجل :

" إن الرجل يحب أن يكون
ثوبه حسناً ونعله حسناً "

وخشي أن يكون هذا من الكبر
الذي جاء فيه الوعيد :

بيَّن له النبي صلى الله عليه وسلم :

أن هذا ليس من الكبر ،

إذا كان صاحبه منقاداً للحق ،
متواضعاً للخلق ،

وأنه من الجَمال الذي يحبه الله ؛

فإنه تعالى جميل
في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله ،
يحب الجمال الظاهري
والجمال الباطني .


فالجمال الظاهر :

كالنظافة في الجسد ،
والملبس ،
والمسكن ،
وتوابع ذلك .

والجمال الباطن :

التجمل بمعاني الأخلاق ومحاسنها .


ولهذا كان من دعاء
النبي صلى الله عليه وسلم :

( اللهم اهدني
لأحْسَن الأعمال والأخلاق ،
لا يهدي لأحْسَنِها إلا أنت .

واصرف عني
سيئ الأعمال والأخلاق ،
لا يصرف عني سيئها إلا أنت ) .


والله أعلم .

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:29 PM

الحديث الثالث والسبعون

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( قد أفلح
من أَسْلَمَ
ورُزِق كَفَافاً ,
وقنَّعه الله بما آتاه ) .

رواه مسلم .


حكم صلى الله عليه وسلم بالفلاح
لمن جمع هذه الخلال الثلاث .

و " الفلاح "

اسم جامع لحصول كل مطلوب محبوب ،
والسلامة من كل مخوف مرهوب .


وذلك أن هذه الثلاث
جمعت خير الدين والدنيا ،


فإن العبد إذا هُدي للإسلام
الذي هو دين الله
الذي لا يقبل ديناً سواه ،

وهو مدار الفوز بالثواب والنجاة من العقاب ،


وحصل له
الرزق الذي يكفيه
ويكُفّ وجهه عن سؤال الخلق ،


ثم تمم الله عليه النعمة ،
بأن قنعه بما آتاه ،

أي حصل له الرضى
بما أوتي من الرزق والكفاف ،
ولم تطمح نفسه لما وراء ذلك ،

فقد حصل له
حسنة الدنيا والآخرة .

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:30 PM

فإن النقص
بفوات هذه الأمور الثلاثة
أو أحدها :

إما أن لا يُهْدَى للإسلام :

فهذا مهما كانت حاله ،
فإن عاقبته الشقاوة الأبدية .


وإما بأن يُهدى للإسلام ،
ولكنه يبتلى :
إما بفقر يُنْسِي ،
أو غنًى يُطْغي ،

وكلاهما ضرر ونقص كبير .


وإما بأن يحصل له الرزق الكافي
موسعاً أو مقدراً

ولكنه لا يقنع برزق الله ،
ولا يطمئن قلبه بما آتاه الله ،

فهذا فقير القلب والنفس .

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:31 PM

فإنه ليس الغنى عن كثرة العَرَض،
إنما الغنى غنى القلب،

فكم من صاحب ثروة
وقلبه فقير متحسر،

وكم من فقير ذات اليد،
وقلبه غني راض،
قانع برزق الله.


فالحازم إذا ضاقت عليه الدنيا
لم يجمع على نفسه
بين ضيقها وفقرها،
وبين فقر القلب وحسرته وحزنه،

بل كما يسعى لتحصيل الرزق
فليسعَ لراحةِ القلب،
وسكونه وطمأنينته.

والله أعلم.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:31 PM

الحديث الرابع والسبعون

عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال:

"جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،

فقال: يا رسول الله،
عِظْني وأوجز.

فقال:
إذا قمت في صلاتك
فصلِّ صلاة مودِّع،

ولا تَكَلم بكلام تعذر منه غداً،

واجمع اليأس
مما في أيدي الناس"

رواه أحمد.



هذه الوصايا الثلاث
يا لها من وصايا،
إذا أخذ بها العبد:
تمت أموره وأفلح .


فالوصية الأولى:

تتضمن
تكميل الصلاة،
والاجتهاد في إيقاعها على أحسن الأحوال.
وذلك بأن يحاسب نفسه
على كل صلاة يصليها،

وأنه سيُتم جميع ما فيها:
من واجب،
وفروض،
وسنة،

وأن يتحقق بمقام الإحسان
الذي هو أعلى المقامات.


وذلك بأن يقوم إليها مستحضراً
وقوفه بين يدي ربه،
وأنه يناجيه بما يقوله،
من قراءة وذكر ودعاء

ويخضع له في قيامه وركوعه،
وسجوده وخفضه ورفعه.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:32 PM

ويعينه على هذا المقصد الجليل:

توطين نفسه على ذلك
من غير تردد ولا كسل قلبي،
ويستحضر في كل صلاة
أنها صلاة مودِّع،
كأنه
لا يصلي غيرها.


ومعلوم أن المودِّع،
يجتهد اجتهاداً يبذل فيه كل وسعه.
ولا يزال مستصحباً لهذه المعاني النافعة،
والأسباب القوية،
حتى يسهل عليه الأمر،
ويتعود ذلك.


والصلاة
على هذا الوجه:

تنهى صاحبها عن كل خلق رذيل،
وتحثه على كل خلق جميل؛
لما تؤثره في نفسه من زيادة الإيمان،
ونور القلب وسروره،
ورغبته التامة في الخير.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:32 PM

وأما الوصية الثانية:

فهي حفظ اللسان ومراقبته؛
فإن حفظ اللسان عليه المدار،
وهو مِلاك أمر العبد.

فمتى ملك العبد لسانه
ملك جميع أعضائه.

ومتى مَلَكه لسانه
فلم يصنه عن الكلام الضار،
فإن أمره يختل في دينه ودنياه.

فلا يتكلم بكلام،
إلا قد عرف نفعه
في دينه أو دنياه.

وكل كلام يحتمل
أن يكون فيه انتقاد
أو اعتذار
فليدعه،

فإنه إذا تكلم به مَلَكه الكلام،
وصار أسيراً له.

وربما أحدث عليه ضرراً
لا يتمكن من تلافيه.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:33 PM

وأما الوصية الثالثة:


فهي توطين النفس على
التعلق بالله وحده،
في أمور معاشه ومعاده،


فلا يسأل إلا الله،
ولا يطمع
إلا في فضله.


ويوطن نفسه على اليأس
مما في أيدي الناس؛

فإن اليأس عصمة.

ومن أيس من شيء
استغنى عنه.


فكما أنه لا يسأل بلسانه إلا الله،
فلا يعلق قلبه إلا بالله.

فيبقى عبداً لله حقيقة،
سالماً من عبودية الخلق.

قد تحرر من رقِّهم،
واكتسب بذلك العز والشرف؛


فإن المتعلق بالخلق
يكتسب الذل والسقوط
بحسب تعلقه بهم.

والله أعلم.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:33 PM

الحديث الخامس والسبعون

عن مصعب بن سعد
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"هل تُنصرون وتُرزقون
إلا بضعفائكم ؟ "

رواه البخاري.



فهذا الحديث فيه:

أنه لا ينبغي للأقوياء القادرين
أن يستهينوا بالضعفاء العاجزين،
لا في أمور الجهاد والنصرة،
ولا في أمور الرزق
وعجزهم عن الكسب .


بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم
أنه قد يحدث النصر على الأعداء
وبسط الرزق
بأسباب الضعفاء ،

بتوجههم
ودعائهم ،
واستنصارهم
واسترزاقهم .

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:35 PM

وذلك :
أن الأسباب التي تحصل بها المقاصد
نوعان :


نوع يشاهد بالحس ،
وهو القوة بالشجاعة القولية والفعلية ،
وبحصول الغنى والقدرة على الكسب .


وهذا النوع هو الذي يغلب
على قلوب أكثر الخلق ،
ويعلِّقون به حصول النصر والرزق ،

حتى وصلت الحال بكثير من أهل الجاهلية
أن يقتلوا أولادهم خشية الفقر ،

ووصلت بغيرهم إلى أن يتضجروا
بعوائلهم الذين عُدِم كسبهم ،
وفقدت قوتهم ،

وهذا كله قصر نظر ،
وضعف إيمان ،
وقلة ثقة بوعد الله وكفايته ،
ونظر للأمور على غير حقيقتها .

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:35 PM

النوع الثاني :
أسباب معنوية ،

وهي قوة التوكل على الله
في حصول المطالب الدينية والدنيوية ،
وكمال الثقة به ،
وقوة التوجه إليه والطلب منه .


وهذه الأمور تقوي جداً
من الضعفاء العاجزين
الذين ألجأتهم الضرورة
إلى أن يعلموا حق العلم ،

أن كفايتهم ورزقهم ونصرهم
من عند الله ،

وأنهم في غاية العجز .
فانكسرت قلوبهم ،
وتوجهت إلى الله ،
فأنزل لهم من نصره ورزقه
– من دفع المكاره ،
وجلب المنافع –
ما لا يدركه القادرون .

ويسَّر للقادرين بسببهم من الرزق
ما لم يكن لهم في حساب ؛

فإن الله جعل لكل أحد رزقاً مقدَّراً .

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:36 PM

وقد جعل أرزاق هؤلاء العاجزين
على يد القادرين ،
وأعان القادرين على ذلك ،

وخصوصاً من قويت ثقتهم بالله ،
واطمأنت نفوسهم لثوابه

فإن الله يفتح لهؤلاء
من أسباب النصر والرزق
ما لم يكن لهم ببال ،
ولا دار لهم في خيال .


فكم من إنسان كان رزقه مقتَّراً ،
فلما كثرت عائلته والمتعلقون به ،
وسَّع الله له الرزق
من جهات وأسباب شرعية قدرية إلهية .

ومن جهة وعد الله الذي لا يُخلف .

{ وما أنفقتم من شيء
فهو يُخلفه } .

[ سورة سبأ : الآية 39 ]

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:37 PM

ومن جهة :

دعاء الملائكة كل صباح يوم :

" اللهم أعطِ مُنْفِقاً خَلَفاً ،
وأعطِ مُمسِكاً تَلَفاً " .

ومن جهة
أن أرزاق هؤلاء الضعفاء
توَجَّهت إلى من قام بهم ،
وكانت على يده .

ومن جهة
أن يد المعطي هي العليا
من جميع الوجوه .

ومن جهة
أن المعونة من الله
تأتي على قدر المؤونة ،

وأن البركة تشارك كل ما كان لوجهه ،
ومراداً به ثوابه .


ولهذا نقول :

ومن جهة

إخلاص العبد لله ،
وتقربه إليه
بقلبه ولسانه ويده ،
كلما أنفق ،
توجه إلى الله وتقرب إليه ,
وما كان له فهو مبارك .

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:37 PM

ومن جهة

قوة التوكل ،
وثقة المُنفِق ،
وطمعه في فضل الله وبره .

والطمع والرجاء
من أكبر الأسباب لحصول المطلوب .


ومن جهة
دعاء المستضعفين المُنْفَق عليهم ،
فإنهم يدعون الله
– إن قاموا وقعدوا ، وفي كل أحوالهم –
لمن قام بكفايتهم .

والدعاء سبب قوي :

{ وقال ربكم ادعوني
أستجب لكم } .

[ سورة غافر : الآية 60 ]


وكل هذا مجرب مشاهد ،
فتباً للمحرومين ،

وما أجلّ ربح الموفقين ،

والله أعلم .

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:38 PM

الحديث السادس والسبعون

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

( يضحك الله إلى رجلين
يقتل أحدهما الآخر ،
يدخلان الجنة ،

يقاتل هذا في سبيل الله ،فيُقتل،
ثم يتوب الله على القاتل
فيُسلم فيستشهد ).

متفق عليه.


هذا الحديث يدل على تنوع كرم الكريم،
وأن كرمه وفضله متنوع
من وجوه لا تعد ولا تحصى،
ولا يدخل في عقول الخلق وخواطرهم.

فهذان الرجلان اللذان قتل أحدهما الآخر
قيض الله لكل منهما من فضله وكرمه
سبباً أوصله إلى الجنة.

فالأول:

قاتل في سبيله،
وأكرمه الله على يد الرجل الآخر
الذي لم يسلم بعد
بالشهادة التي هي أعلى المراتب،
بعد مرتبة الصديقين،

وغرضه في جهاده إعلاء كلمة الله،
والتقرب إلى ربه بذلك.
فأجره على الله.
وليس له على القاتل حق،
فثبت أجره على الله.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:39 PM

وأما الآخر:

فإن الله تعالى جعل باب التوبة مفتوحاً
لكل من أراد التوبة بالإسلام وما دونه،

ولم يجعل ذنباً من الذنوب
مانعاً من قبول التوبة،

كما قال تعالى في حق التائبين:

{ قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ
لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ

إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا
إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }

فلما أسلم وتاب
محا الله عنه الكفر وآثاره،
ثم منَّ عليه بالشهادة،
فدخل الجنة،

كأخيه الذي قتله وأكرمه على يده،
ولم يهنه على يد أخيه بقتله،
وهو كافر.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:39 PM

فهذا الضحك من الباري
يدل على غاية كرمه وجوده،
وتنوع بره.

وهذا الضحك الوارد في هذا الحديث
وفي غيره من النصوص
كغيره من صفات الله.

على المؤمن أن يعترف بذلك ويؤمن به،
وأنه حق على حقيقته،
وأن صفاته صفات كمال،
ليس له فيها مثل،
ولا شبه ولا ند.


فكما أن لله ذاتاً
لا تشبهها الذوات

فله تعالى صفات
لا تشبهها الصفات،


وكلها صفات
حمد
ومجد
وتعظيم،
وجلال
وجمال
وكمال.


فنؤمن بما جاء به الكتاب والسنة
من صفات ربنا،

ونعلم أنه لا يتم الإيمان والتوحيد
إلا بإثباتها على وجه يليق
بعظمة الله وكبريائه ومجده.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:40 PM

وهذا الحديث من جملة الأحاديث
المرغبة في الدخول في الإسلام
وفتح أبواب التوبة بكل وسيلة؛

فإن الإسلام يَجُبُّ ما قبله،

وما عمله الإنسان في حال كفره،
وقد أسلم على ما أسلف،
حتى الرقاب التي قتلها نصراً لباطله،
والأموال التي استولى عليها من أجل ذلك.
كل ذلك
معفو عنه
بعد الإسلام.


وقولنا:
"من أجل ذلك"

احتراز عن الحقوق
التي اقتضتها المعاملات بين المسلمين والكفار؛

فإن الكافر إذا أسلم
وعليه حقوق وديون وأعيان أخذها
وحصلت له بسبب المعاملة،
فإن الإسلام لا يسقطها؛

لأنها معاملات مشتركة بين الناس،
برهم وفاجرهم، مسلمهم وكافرهم.

بخلاف القسم الأول.
فإن كلا من الطرفين المسلمين والكفار
إذا حصل الحرب،
وترتب عليه قتل وأخذ مال،

لا يرد إلا طوعاً،
وتبرعاً ممن وصل إليه.


والله أعلم.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:40 PM

ويشبه هذا من بعض الوجوه،
قتال أهل البغي لأهل العدل،
حيث لم يضمنهم العلماء
ما أتلفوه حال الحرب،
من نفوس وأموال للتأويل،

كما أجمع على ذلك الصحابة
رضي الله عنهم
حين وقعت الفتنة،

فأجمعوا على أن ما تلف من نفوس،
وأتلف من أموال،
ليس فيه ضمان من الطرفين.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:41 PM

وفي قوله:

" ثم يتوب الله على الآخر
فيُسلم "

دليل على أن توبة الله على من أسلم
أو تاب من ذنوبه
متقدمة على توبة العبد؛

فإنه تعالى أذن بتوبته وقدرها،
ولطف به،
إذ قيض له الأسباب الموجبة لتوبته،
فتاب العبد،

ثم تاب الله عليه بعد ذلك،
بأن محا عنه ما سبق من الجرائم
الكفر فما دونه


فتوبة العبد محفوفة بتوبتين،
تفضل بهما عليه ربه:

إذنه له وتقديره وتيسيره للتوبة حتى تاب،

ثم قبول توبته ومحو زلته.

فهو تعالى التواب الرحيم.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:42 PM

والتوبة
من أجلّ الطاعات وأعظمها

فهذا الحكم ثابت
في جميع الطاعات كلها.

يوفق الله لها العبد أولاً،
وييسر له أسبابها،
ويسهل له طرقها.

ثم إذا فعلها المطيع قبلها،
وكتب له بها رضوانه،
وثوابه،

فما أوسع فضل الكريم.
وما أغزر كرمه
المتنوع العميم.

والله أعلم.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:42 PM

الحديث السابع والسبعون

عن أنس رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"لا يتمنين أحدكم الموت لضرر أصابه.

فإن كان لا بد فاعلاً،
فليقل:

اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي،
وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي"

متفق عليه.


هذا نهي عن تمني الموت
للضر الذي ينزل بالعبد،
من مرض أو فقر أو خوف،
أو وقوع في شدة ومهلكة،
أو نحوها من الأشياء.

فإن في تمني الموت لذلك مفاسد.

منها:

أنه يؤذن بالتسخط والتضجر
من الحالة التي أصيب بها،
وهو مأمور بالصبر والقيام بوظيفته.

ومعلوم أن تمني الموت ينافي ذلك.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:43 PM

ومنها:

أنه يُضعف النفس،
ويحدث الخَوَر والكسل.
ويوقع في اليأس،

والمطلوب من العبد مقاومة هذه الأمور،
والسعي في إضعافها
وتخفيفها بحسب اقتداره،

وأن يكون معه من قوة القلب
وقوة الطمع في زوال ما نزل به.


وذلك موجب لأمرين:

اللطف الإلهي
لمن أتى بالأسباب المأمور بها،

والسعي النافع
الذي يوجبه قوة القلب ورجاؤه.

ومنها:

أن تمني الموت جهل وحمق؛
فإنه لا يدري ما يكون بعد الموت،

فربما كان كالمستجير من الضر
إلى ما هو أفظع منه،
من عذاب البرزخ وأهواله.


ومنها:

أن الموت يقطع على العبد الأعمال الصالحة
التي هو بصدد فعلها والقيام بها،
وبقية عمر المؤمن لا قيمة له.

فكيف يتمنى انقطاع عملٍ،
الذَّرةُ منه خير من الدنيا وما عليها.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:44 PM

وأخص من هذا العموم:

قيامه بالصبر على الضر الذي أصابه.
فإن الله يوفي الصابرين
أجرهم بغير حساب.


ولهذا قال في آخر الحديث:

"فإن كان لا بد فاعلاُ فليقل
اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي،
وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي"

فيجعل العبد الأمر مفوضاً إلى ربه
الذي يعلم ما فيه الخير والصلاح له،


الذي يعلم من مصالح عبده
ما لا يعلم العبد،

ويريد له من الخير ما لا يريده،

ويلطف به في بلائه
كما يلطف به في نعمائه.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:44 PM

والفرق بين هذا
وبين قوله صلى الله عليه وسلم :

"لا يقل أحدكم:

اللهم اغفر لي إن شئت.
اللهم ارحمني إن شئت.

ولكن ليعزم المسألة؛
فإن الله لا مكره له" :

أن المذكور في هذا الحديث
الذي فيه التعليق بعلم الله وإرادته:

هو في الأمور المعيّنة
التي لا يدري العبد
من عاقبتها ومصلحتها.


وأما المذكور في الحديث الآخر:

فهي الأمور التي يعلم مصلحتها
بل ضرورتها وحاجة كل عبد إليها.
وهي مغفرة الله ورحمته
ونحوها.

فإن العبد يسألها
ويطلبها من ربه طلباً جازماً،
لا معلقاً بالمشيئة وغيرها؛

لأنه مأمور ومحتم عليه السعي فيها،
وفي جميع ما يتوسل به إليها.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:45 PM

وهذا كالفرق

بين فعل الواجبات والمستحبات
الثابت الأمر بها؛

فإن العبد يؤمر بفعلها
أمر إيجاب أو استحباب،

وبعض الأمور المعينة
التي لا يدري العبد من حقيقتها ومصلحتها،
فإنه يتوقف
حتى يتضح له الأمر فيها.

أبو فراس السليماني 01-07-14 12:45 PM

واستثنى
كثير من أهل العلم من هذا،
جواز تمني الموت خوفاً من الفتنة.

وجعلوا من هذا قول مريم رضي الله عنها:

{ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا } (1)


كما استثنى بعضهم
تمني الموت شوقاً إلى الله.

وجعلوا منه قول
يوسف صلى الله عليه وسلم :

{ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ
تَوَفَّنِي مُسْلِمًا
وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ } (2).

وفي هذا نظر؛

فإن يوسف صلى الله عليه وسلم
لم يتمن الموت.

وإنما سأل الله الثبات على الإسلام،
حتى يتوفاه مسلماً،
كما يسأل العبد ربه حسن الخاتمة.

والله أعلم.

******************
(1) سورة مريم – آية 23 .
(1) سورة يوسف – آية 101 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:00 PM

الحديث الثامن والسبعون

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"إن الدنيا حلوة خضرة.
وإن الله مستخلفكم فيها،
فينظر كيف تعملون،

فاتقوا الدنيا،
واتقوا النساء؛

فإن أول فتنة بني إسرائيل
كانت في النساء"

رواه مسلم.


أخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث
بحال الدنيا وما هي عليه
من الوصف الذي يروق الناظرين والذائقين.


ثم أخبر أن الله جعلها محنة وابتلاء للعباد.
ثم أمر بفعل الأسباب،
التي تقي من الوقوع في فتنتها.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:01 PM

فإخباره بأنها حلوة خضرة

يعم أوصافها التي هي عليها.
فهي حلوة في مذاقها وطعمها،
ولذاتها وشهواتها،

خضرة في رونقها وحُسنها الظاهر،

كما قال تعالى:

{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ
حُبُّ الشَّهَوَاتِ
مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ
وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ
مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ } (1)


وقال تعالى:

{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا
لِنَبْلُوَهُمْ
أَيُّهُمْ
أَحْسَنُ عَمَلاً } (2).

******************
(2) سورة آل عمران – آية 14 .
(3) سورة الكهف – آية 7 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:02 PM

فهذه اللذات المنوعة فيها،
والمناظر البهيجة،
جعلها الله ابتلاء منه وامتحاناً،
واستخلف فيها العباد
لينظر كيف يعملون ؟

فمن تناولها من حِلها،
ووضعها في حقها،
واستعان بها على ما خُلِقَ له
من القيام بعبودية الله،

كانت زاداً له وراحلة
إلى دار أشرف منها وأبقى،
وتمت له السعادة الدنيوية والأخروية.

ومن جعلها أكبر همه،
وغاية علمه ومراده،
لم يؤتَ منها إلا ما كُتب له.

وكان مآله بعد ذلك إلى الشقاء،
ولم يهنأ بلذاتها ولا شهواتها
إلا مدة قليلة.

فكانت لذاته قليلة.
وأحزانه طويلة.


الساعة الآن 05:22 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant