شبكــة أنصــار آل محمــد

شبكــة أنصــار آل محمــد (https://ansaaar.com/index.php)
-   باب علــم الحــديـث وشرحــه (https://ansaaar.com/forumdisplay.php?f=51)
-   -   بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار (https://ansaaar.com/showthread.php?t=33893)

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:02 PM

وكل نوع من لذاتها
فيه هذه الفتنة والاختبار.

ولكن أبلغ ما يكون وأشد فتنة:
النساء؛
فإن فتنتهن عظيمة،
والوقوع فيها خطير
وضررها كبير؛

فإنهن مصائد الشيطان وحبائله،
كم صاد بهن من مُعافى
فأصبح أسير شهوته،
رهين ذنبه،
قد عَزَّ عليه الخلاص،

والذنبُ ذنبُهُ

فإنه الذي لم يحترز
من هذه البلية،

وإلا فلو تحرز منها،
ولم يدخل مداخل التهم،
ولا تعرض للبلاء،

واستعان باعتصامه بالمولى،
لنجا من هذه الفتنة،
وخلص من هذه المحنة.

ولهذا حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم
في هذا الحديث منها على الخصوص.

وأخبر بما جَرَّت على من قبلنا من الأمم؛
فإن في ذلك عبرة للمعتبرين،
وموعظة للمتقين.

والله أعلم.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:03 PM

الحديث التاسع والسبعون

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" الإيمان بضع وسبعون
أو بضع وستون شُعبة،

أعلاها:
قول: لا إله إلا الله.

وأدناها:
إماطة الأذى عن الطريق.
والحياء شعبة من الإيمان"

متفق عليه.


هذا الحديث من جملة النصوص
الدالة على أن الإيمان
اسم يشمل عقائد القلب وأعماله،
وأعمال الجوارح،
وأقوال اللسان

فكل ما يقرب إلى الله،
وما يحبه ويرضاه،
من واجب ومستحب
فإنه داخل في الإيمان.


وذكر هنا أعلاه وأدناه،
وما بين ذلك وهو الحياء

ولعل ذكر الحياء؛
لأنه السبب الأقوى للقيام بجميع شعب الإيمان.


فإن من استحيا من الله
لتواتر نعمه،
وسوابغ كرمه،
وتجليه عليه بأسمائه الحسنى،

والعبد مع هذا كثير التقصير
مع هذا الرب الجليل الكبير
يظلم نفسه ويجني عليها

أوجب له هذا الحياء
التوقِّي من الجرائم،
والقيام بالواجبات والمستحبات.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:04 PM

فأعلى هذه الشعب وأصلها وأساسها:
قول:
" لا إله إلا الله"
صادقاً من قلبه

بحيث يعلم ويوقن
أنه لا يستحق هذا الوصف العظيم،
وهو الألوهية
إلا الله وحده؛

فإنه هو ربه الذي يربيه
ويربي جميع العالمين بفضله وإحسانه.

والكل فقير
وهو الغني

والكل عاجز
وهو القوي،

ثم يقوم في كل أحواله بعبوديته لربه،
مخلصاً له الدين؛

فإن جميع شعب الإيمان
فروع وثمرات لهذا الأصل.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:04 PM

ودلّ على أن شعب الإيمان

بعضها يرجع
إلى الإخلاص للمعبود الحق،

وبعضها يرجع
إلى الإحسان إلى الخلق.

ونبه بإماطة الأذى
على جميع أنواع الإحسان القولي والفعلي.

الإحسان الذي فيه
وصول المنافع،

والإحسان الذي فيه
دفع المضار عن الخلق.

وإذا علمنا أن شعب الإيمان كلها
ترجع إلى هذه الأمور،

علمنا أن كل خصلة من خصال الخير
فهي من الشُعَب.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:05 PM

وقد تكلم العلماء على تعيينها.

فمنهم:
من وصل إلى هذا المبلغ المقدر في الحديث.

ومنهم:
من قارب ذلك،

ولكن إذا فُهم المعنى
تمكن الإنسان أن يعتد بكل خصلة
وردت عن الشارع قولية أو فعلية،
ظاهرة أو باطنة من الشُعَب.

ونصيب العبد من الإيمان
بقدر نصيبه من هذه الخصال،
قلة وكثرة،
وقوة وضعفاً،
وتكميلاً وضده.

وهي ترجع إلى تصديق خبر الله
وخبر رسوله،
وامتثال أمرهما،
واجتناب نهيهما.


وقد وصف الله الإيمان
بالشجرة الطيبة
في أصلها وثمراتها،
التي أصلها ثابت،
وفروعها باسقة في السماء.
تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.
ويضرب الله الأمثال للناس
لعلهم يتذكرون.

والله أعلم.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:06 PM

الحديث الثمانون

عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" ما منكم من أحد
إلا سيُكلمه ربه،

ليس بينه وبينه تَرْجمان

فينظر أيمن منه،
فلا يرى إلا ما قدم.

وينظر أشأم منه،
فلا يرى إلا ما قدم،

وينظر بين يديه
فلا يرى إلا النار تِلقَاءَ وجهه،

فاتقوا النار
ولو بِشِقِّ تمرة.
فمن لم يجد
فبكلمة طيبة "

متفق عليه.


هذا حديث عظيم.
تضمن من عَظَمة الباري
ما لا تحيط به العقول
ولا تعبر عنه الألسن.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:06 PM

أخبر صلى الله عليه وسلم فيه:

أن جميع الخلق
سيكلمهم الله مباشرة
من دون ترجمان ولا واسطة.


ويسألهم عن جميع أعمالهم:

خيرها وشرها،
دقيقها وجليلها،
سابقها ولاحقها،
ما علمه العباد
وما نسوه منها.

وذلك أنه
لعظمته وكبريائه
كما يخلقهم ويرزقهم
في ساعة واحدة،

ويبعثهم
في ساعة واحدة،

فإنه يحاسبه جميعهم
في ساعة واحدة.

فتبارك
من له العَظَمة
والمجد،
والـمُلك العظيم
والجلال.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:07 PM

وفي هذه الحالة التي يحاسبهم فيها

ليس مع العبد
أنصار
ولا أعوان
ولا أولاد
ولا أموال.

قد جاءه فرداً
كما خلقه أول مرة.

قد أحاطت به أعماله
تطلب الجزاء بالخير أو الشر،
عن يمينه وشماله،
وأمامه النار
لابد له من ورودها.

فهل إلى صدوره منها سبيل ؟


لا سبيل إلى ذلك
إلا برحمة الله،

وبما قدمت يداه
من الأعمال المنجية منها.

ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته
على اتقاء النار
ولو بالشيء اليسير،
كشق تمرة،
فمن لم يجد
فبكلمة طيبة.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:08 PM

وفي هذا الحديث:

أن من أعظم المنجيات من النار،
الإحسان إلى الخلق بالمال والأقوال،

وأن العبد لا ينبغي له
أن يحتقر من المعروف ولو شيئاً قليلاً،

والكلمة الطيبة

تشمل النصيحة للخلق
بتعليمهم ما يجهلون،
وإرشادهم إلى مصالحهم الدينية والدنيوية.

وتشمل الكلام المُسِر للقلوب،
الشارح للصدور،
المقارن للبشاشة والبِشْر.

وتشمل

الذكر لله
والثناء عليه،

وذكر أحكامه وشرائعه.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:08 PM

فكل كلام يقرب إلى الله
ويحصل به النفع لعباد الله.
فهو داخل في الكلمة الطيبة.


قال تعالى:
{ إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الْكَلِمُ الطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } (1)،


وقال تعالى:
{ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ }

[ وهي كل عمل وقول يقرب إلى الله،
ويحصل به النفع لخلقه ]

{ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا
وَخَيْرٌ أَمَلاً } (2)

والله أعلم.



******************
(1) سورة فاطر – آية 10 .
(2) سورة الكهف – آية 46 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:09 PM

الحديث الحادي والثمانون

عن أبي هريرة رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"دعوني ما تركتكم؛
فإنما أهلك من كان قبلكم
كثرةُ سؤالهم،
واختلافهم على أنبيائهم.

فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه،

وإذا أمرتكم بأمر
فائتوا منه ما استطعتم"

متفق عليه.

هذه الأسئلة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها:

هي التي نهى الله عنها في قوله:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء
إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } (1)

وهي الأسئلة عن أشياء من أمور الغيب،
أو من الأمور التي عفا الله عنها،
فلم يحرمها ولم يوجبها.

فيسأل السائل عنها
وقت نزول الوحي والتشريع.
فربما وجبت بسبب السؤال.
وربما حرمت كذلك.

فيدخل السائل في قوله
صلى الله عليه وسلم :

"أعظم المسلمين جرماً:
من سأل عن شيء لم يُحرم،
فحُرِّم من أجل مسألته".


وكذلك يُنهى العبد
عن سؤال التعنت والأغلوطات،

ويُنهى أيضاً عن أن يسأل
عن الأمور الطفيفة غير المهمة.
ويدع السؤال عن الأمور المهمة.

فهذه الأسئلة وما أشبهها
هي التي نهى الشارع عنها.

******************
(1) سورة المائدة – آية 101 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:10 PM

وأما السؤال على وجه الاسترشاد
عن المسائل الدينية

من أصول وفروع،
عبادات أو معاملات،

فهي مما أمر الله بها ورسوله،
ومما حث عليها.
وهي الوسيلة لتعلم العلوم،
وإدراك الحقائق،


قال تعالى:

{ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ
إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } (2)،

وقال:

{ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا
مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا
أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ
آلِهَةً يُعْبَدُونَ } (3)


إلى غيرها من الآيات.


وقال صلى الله عليه وسلم :

"من يرد الله به خيراً
يفقهه في الدين"

وذلك بسلوك طريق التفقه في الدين
دراسة وتعلما وسؤالا،

وقال:

"ألا سألوا إذ لم يعلموا؟
فإنما شفاء العِيِّ السؤال".


******************
(2) سورة الأنبياء – آية 7 .
(3) صورة الزخرف – آية 45 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:10 PM

وقد أمر الله بالرفق بالسائل،
وإعطائه مطلوبه،
وعدم التضجر منه.

وقال في سورة الضحى:

{ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ }

فهذا يشمل

السائل عن العلوم النافعة
والسائل لما يحتاجه من أمور الدنيا،
من مال وغيره.


ومما يدخل في هذا الحديث:

السؤال عن كيفية صفات الباري؛

فإن الأمر في الصفات كلها
كما قال الإمام مالك
لمن سأله
عن كيفية الاستواء على العرش؟

فقال:

"الاستواء معلوم.
والكيف مجهول.
والإيمان به واجب.
والسؤال عنه بدعة".

فمن سأل
عن كيفية علم الله،
أو كيفية خلقه وتدبيره،

قيل له:

فكما أن
ذات الله تعالى
لا تشبهها الذوات،

فصفاته
لا تشبهها الصفات،


فالخلق يعرفون الله،
ويعرفون ما تَعرَّف لهم به،
من صفاته وأفعاله.

وأما كيفية ذلك
فلا يعلم تأويله إلا الله.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:11 PM

ثم ذكر صلى الله عليه وسلم
في هذا الحديث
أصلين عظيمين:

أحدهما:
قوله صلى الله عليه وسلم :

"فإذا نهيتكم عنه فاجتنبوه"

فكل ما نهى عنه
النبي صلى الله عليه وسلم
من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة:

وجب تركه، والكف عنه ؛
امتثالاً وطاعة لله ورسوله .


ولم يقل في النهي:

ما استطعتم

لأن النهي طلب كف النفس،
وهو مقدور لكل أحد،
فكل أحد يقدر على ترك
جميع ما نهى الله عنه ورسوله.

ولم يضطر العباد إلى شيء
من المحرمات المطلقة؛

فإن الحلال واسع،
يسع جميع الخلق
في عباداتهم ومعاملاتهم،
وجميع تصرفاتهم.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:12 PM

وأما إباحة الميتة والدم ولحم الخنزير للمضطر،

فإنه في هذه الحالة المُلجئة إليه
قد صار من جنس الحلال؛

فإن الضرورات تبيح المحظورات،
فتُصيرها الضرورة مباحة؛


لأنه تعالى إنما حرم المحرمات حفظاً لعباده،
وصيانة لهم عن الشرور والمفاسد،
ومصلحة لهم

فإذا قاوم ذلك مصلحة أعظم
وهو بقاء النفس
قُدمت هذه على تلك
رحمةً من الله
وإحساناً.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:13 PM

وليست الأدوية من هذا الباب،

فإن الدواء لا يدخل في باب الضرورات،
فإن الله تعالى يشفي المُبتَلى
بأسباب متنوعة،
لا تتعين في الدواء.

وإن كان الدواء يغلب على الظن الشفاء به،
فإنه لا يحل التداوي بالمحرمات،
كالخمر وألبان الحُمُر الأهلية،
وأصناف المحرمات،


بخلاف المضطر إلى أكل الميتة،
فإنه يتيقن
أنه إذا لم يأكل منها يموت.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:13 PM

الأصل الثاني:

قوله صلى الله عليه وسلم :

"وإذا أمرتكم بأمر
فائتوا منه ما استطعتم"

وهذا أصل كبير،

دلّ عليه أيضاً
قوله تعالى:

{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } (1).

فأوامر الشريعة كلها
معلقة بقدرة العبد واستطاعته،

فإذا لم يقدر على واجب
من الواجبات بالكلية،
سقط عنه وجوبه.


وإذا قدر على بعضه
وذلك البعض عبادة
وجب ما يقدر عليه منه،
وسقط عنه ما يعجز عنه.


******************
(1) سورة التغابن – آية 16 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:14 PM

ويدخل في هذا من مسائل الفقه والأحكام
ما لا يعد ولا يحصى.

فيصلي المريض قائماً،
فإن لم يستطع صلى قاعداً،
فإن لم يستطع صلى على جنبه.
فإن لم يستطع الإيماء برأسه
أومأ بطرفه.

ويصوم العبد ما دام قادراً عليه.
فإن أعجزه مرض لا يُرْجى زواله،
أطعم عنه كل يوم مسكين.

وإن كان مرضاً يرجى زواله:
أفطر،
وقضى عدته من أيام أُخر.

ومن ذلك ،

من عجز عن سترة الصلاة الواجبة،
أو عن الاستقبال،
أو توقِّي النجاسة:

سقط عنه ما عجز عنه.

وكذلك
بقية شروط الصلاة وأركانها،
وشروط الطهارة.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:14 PM

ومن تعذرت عليه الطهارة بالماء للعدم،
أو للضرر في جميع الطهارة،
أو بعضها:

عَدَل إلى طهارة التيمم.

والمعضوب في الحج،
عليه أن يستنيب
من يحج عنه،
إذا كان قادراً على ذلك بماله.


والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
يجب على من قدر عليه
باليد،
ثم باللسان،
ثم بالقلب.

وليس على الأعمى والأعرج والمريض حرج
في ترك العبادات التي يعجزون عنها،
أو تشق عليهم مشقة
غير محتملة.

ومن عليه نفقة واجبة،
وعجز عن جميعها،
بدأ بزوجته،
فرفيقه،
فالولد،
فالوالدين،
فالأقرب ثم الأقرب.
وكذلك الفطرة.


وهكذا جميع ما أُمر به العبد
أمر إيجاب أو استحباب،
إذا قدر على بعضه،
وعجز عن باقيه،

وجب عليه ما يقدر عليه،
وسقط عنه ما عجز عنه.

وكلها داخلة في هذا الحديث.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:15 PM

ومسائل القُرعة لها دخول في هذا الأصل؛
لأن الأمور إذا اشتبهت:
لمن هي، ومن أحق بها ؟
رجعنا إلى المُرجحات.


فإن تعذر الترجيح من كل وجه،
سقط هذا الواجب للعجز عنه،

وعُدِل إلى القُرعة
التي هي غاية ما يمكن.

وهي مسائل كثيرة معروفة في كتب الفقه.


والولايات كلها
صغارها وكبارها
تدخل تحت هذا الأصل؛
فإن كل ولاية يجب فيها
تولية المتصف بالأوصاف
التي يحصل بها مقصود الولاية.

فإن تعذرت كلها،
وجب فيها تولية الأمثل فالأمثل.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:16 PM

وكما يستدل على هذا الأصل
بتلك الآية وذلك الحديث،

فإنه يستدل عليها بالآيات والأحاديث
التي نفى الله ورسوله
فيها الحَرَج عن الأمة،


كقوله تعالى:
{ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا
إِلاَّ وُسْعَهَا }(1) ،


{ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ
وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ
فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ
لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا
إِلا مَا آتَاهَا } (2) ،


{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (3) ،


{ مَا يُرِيدُ اللّهُ
لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ } (4)،


{ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ
وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }(5) ،

{ يُرِيدُ اللّهُ
أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ } (6) .




******************

(1) سورة البقرة – آية 286 .
(2) سورة الطلاق – آية 7 .
(3) سورة الحج – آية 78 .
(4) سورة المائدة – آية 6 .
(5) سورة البقرة – آية 185 .
(6) سورة النساء – آية 28 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:16 PM

فالتخفيفات الشرعية
في العبادات وغيرها
بجميع أنواعها
داخلة في هذا الأصل،

مع ما يستدل على هذا
بما لله تعالى من الأسماء والصفات
المقتضية لذلك،

كالحمد
والحكمة،
والرحمة الواسعة،
واللطف
والكرم
والامتنان.

فإن آثار هذه الأسماء الجليلة الجميلة
كما هي سابغة وافرة
واسعة في المخلوقات والتدبيرات،


فهي كذلك في الشرائع،
بل أعظم؛
لأنها هي الغاية في الخلق.

وهي الوسيلة العظمى
للسعادة الأبدية.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:17 PM

فالله تعالى خلق المكلفين
ليقوموا بعبوديته.

وجعل عبوديته والقيام بشرعه
طريقاً إلى نيل رضاه وكرامته.


كما قال تعالى
بعد ما شرع الطهارة بأنواعها

{ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ

وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ
وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ

لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }


فظهرت آثار رحمته ونعمته
في الشرعيات والمباحات،
كما ظهرت في الموجودات.


فله تعالى
أتمّ الحمد
وأعلاه،

وأوفر الشكر والثناء
وأغلاه،

وغاية الحب والتعظيم
ومنتهاه.


وبالله التوفيق.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:18 PM

الحديث الثاني والثمانون

عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

"من لا يرحم الناس :

لا يرحمه الله"

متفق عليه.


يدل هذا الحديث بمنطوقه
على أن من لا يرحم الناس لا يرحمه الله،

وبمفهومه على أن من يرحم الناس
يرحمه الله،

كما قال صلى الله عليه وسلم
في الحديث الآخر:


"الراحمون يرحمهم الرحمن.
ارحموا من في الأرض؛
يرحمكم من في السماء".

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:18 PM

فرحمة العبد للخلق
من أكبر الأسباب
التي تنال بها رحمة الله،
التي من آثارها خيرات الدنيا،
وخيرات الآخرة،

وفقدها من أكبر القواطع والموانع
لرحمة الله،

والعبد في غاية الضرورة والافتقار
إلى رحمة الله،

لا يستغني عنها طرفة عين،
وكل ما هو فيه من النعم واندفاع النقم،
من رحمة الله.

فمتى أراد أن يستبقيها
ويستزيد منها،

فليعمل جميع الأسباب
التي تنال بها رحمته،

وتجتمع كلها في قوله تعالى :

{ إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ
قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ } (1)

وهم المحسنون
في عبادة الله،

المحسنون
إلى عباد الله.

والإحسان إلى الخلق
أثر من آثار رحمة العبد بهم.


******************
(1) سورة المائدة – آية 6 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:19 PM

والرحمة التي يتصف بها العبد نوعان:

النوع الأول:

رحمة غريزية،

قد جبل الله بعض العباد عليها،
وجعل في قلوبهم الرأفة والرحمة والحنان
على الخلق،

ففعلوا بمقتضى هذه الرحمة
جميع ما يقدرون عليه من نفعهم،
بحسب استطاعتهم.


فهم محمودون مثابون
على ما قاموا به،

معذورون على ما عجزوا عنه،

وربما كتب الله لهم
بنياتهم الصادقة
ما عجزت عنه قواهم.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:20 PM

والنوع الثاني:

رحمة يكتسبها العبد بسلوكه
كل طريق ووسيلة،
تجعل قلبه على هذا الوصف،

فيعلم العبد أن هذا الوصف
من أجلِّ مكارم الأخلاق وأكملها،
فيجاهد نفسه على الاتصاف به،

ويعلم ما رتب الله عليه من الثواب،
وما في فواته من حرمان الثواب؛

فيرغب في فضل ربه،
ويسعى بالسبب الذي ينال به ذلك.

ويعلم أن الجزاء من جنس العمل.

ويعلم أن الأخوة الدينية والمحبة الإيمانية،
قد عقدها الله وربطها بين المؤمنين،
وأمرهم أن يكونوا إخواناً متحابين،

وأن ينبذوا كل ما ينافي ذلك:
من البغضاء، والعداوات، والتدابر.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:20 PM

فلا يزال العبد يتعرف الأسباب
التي يدرك بها هذا الوصف الجليل
ويجتهد في التحقق به،

حتى يمتلئ قلبه من الرحمة،
والحنان على الخلق.

ويا حبذا هذا الخلق الفاضل،
والوصف الجليل الكامل.

وهذه الرحمة التي في القلوب،
تظهر آثارها على الجوارح واللسان،
في السعي في إيصال البر والخير
والمنافع إلى الناس،

وإزالة الأضرار والمكاره عنهم.


وعلامة الرحمة الموجودة في قلب العبد،
أن يكون محباً لوصول الخير
لكافة الخلق عموماً،
وللمؤمنين خصوصاً،

كارهاً حصول الشر والضرر عليهم.

فبقدر هذه المحبة والكراهة
تكون رحمته.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:21 PM

ومن أصيب حبيبه بموت أو غيره من المصائب،
فإن كان حزنه عليه لرحمة،
فهو محمود،
ولا ينافي الصبر والرضى؛

لأنه صلى الله عليه وسلم
لما بكى لموت ولد ابنته،
قال له سعد:
"ما هذا يا رسول الله؟"

فأتبع ذلك بعبرة أخرى،

وقال:
"هذه رحمة يجعلها الله في قلوب عباده،
وإنما يرحم الله
من عباده الرحماء"

وقال عند موت ابنه إبراهيم:
"القلب يحزن،
والعين تدمع،

ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.

وإنَّا لفراقك يا إبراهيم
لمحزونون".

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:22 PM

وكذلك رحمة الأطفال الصغار والرقة عليهم،
وإدخال السرور عليهم من الرحمة،


وأما عدم المبالاة بهم،
وعدم الرقة عليهم،
فمن الجفاء والغلظة والقسوة،


كما قال بعض جُفاة الأعراب
حين رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
يقبلون أولادهم الصغار،

فقال ذلك الأعرابي:
إنّ لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم،

فقال النبي صلى الله عليه وسلم :

" أوَ أملك لك شيئاً
أن نزع الله من قلبك الرحمة ؟ ".

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:22 PM

ومن الرحمة:

رحمة المرأة البغي حين سقت الكلب،
الذي كان يأكل الثرى من العطش.
فغفر الله لها
بسبب تلك الرحمة.


وضدها:

تعذيب المرأة التي ربطت الهرة،
لا هي أطعمتها وسقتها،
ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض (1) ،
حتى ماتت.

******************
(1) حشراتها وهوامها.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:23 PM

ومن ذلك ما هو مشاهد مجرب،
أن من أحسن إلى بهائمه
بالإطعام والسقي والملاحظة النافعة،
أن الله يبارك له فيها.

ومن أساء إليها:
عوقب في الدنيا قبل الآخرة،

وقال تعالى:
{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ
أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا

وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } (2)


وذلك لما في قلب الأول
من القسوة والغلظة والشر،

وما في قلب الآخر
من الرحمة والرقة والرأفة؛

إذ هو بصدد إحياء
كل من له قدرة على إحيائه من الناس،

كما أن ما في قلب الأول من القسوة،
مستعد لقتل النفوس كلها.

فنسأل الله أن يجعل في قلوبنا رحمة
توجب لنا سلوك كل باب
من أبواب رحمة الله،
ونحنو بها على جميع خلق الله،

وأن يجعلها موصلة لنا
إلى رحمته وكرامته،
إنه جواد كريم.


******************
(2) سورة المائدة – آية 32 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:24 PM

الحديث الثالث والثمانون

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" من أحبَّ أن يُبسط له في رزقه،
ويُنسأ له في أثَره،
فليَصِلْ رَحمه "

متفق عليه.


هذا الحديث فيه:

الحث على صلة الرحم،
وبيان أنها كما أنها
موجبة لرضى الله وثوابه في الآخرة،

فإنها موجبة للثواب العاجل،
بحصول أحب الأمور للعبد،
وأنها سبب لبسط الرزق وتوسيعه.
وسبب لطول العمر.

وذلك حق على حقيقته؛
فإنه تعالى هو الخالق
للأسباب ومسبباتها.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:24 PM

وقد جعل الله لكل مطلوب
سبباً وطريقاً يُنال به.

وهذا جارٍ على الأصل الكبير،
وأنه من حكمته وحمده،
جعل الجزاء من جنس العمل،
فكما وصل رحمه بالبر والإحسان المتنوع،
وأدخل على قلوبهم السرور،

وصلَ الله عمره،
ووصلَ رزقه،
وفتحَ له
من أبواب الرزق وبركاته،
ما لا يحصل له
بدون هذا السبب الجليل.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:25 PM

وكما أن الصحة وطيب الهواء وطيب الغذاء،
واستعمال الأمور المقوية للأبدان والقلوب،
من أسباب طول العمر.

فكذلك صلة الرحم
جعلها الله سبباً ربانياً،

فإن الأسباب التي تحصل بها
المحبوبات الدنيوية
قسمان:

أمور محسوسة،
تدخل في إدراك الحواس،
ومدارك العقول.

وأمور ربانية إلهية
قَدَّرها مَنْ هو على كل شيء قدير،

ومَنْ جميع الأسباب وأمور العالم
مُنقادة لمشيئته،

ومَنْ تكفل بالكفاية للمتوكلين،
ووعد بالرزق
والخروج من المضائق للمتقين.

قال تعالى:

{ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ،

وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ

وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
فَهُوَ حَسْبُهُ } (1)


وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما نقصت صدقة من مال"
بل تزيده.

فكيف بالصدقة والهدية
على أقاربه وأرحامه ؟

******************
(1) سورة الطلاق – الآيتان 2 ، 3 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:25 PM

وفي هذا الحديث دليل:

على أن قصد العامل،
ما يترتب على عمله
من ثواب الدنيا لا يضره
إذا كان القصد
وجه الله والدار الآخرة .


فإن الله بحكمته ورحمته
رتب الثواب العاجل والآجل.


ووعد بذلك العاملين؛
لأن الأمل واستثمار ذلك ينشط العاملين،
ويبعث هممهم على الخير.


كما أن الوعيد على الجرائم،
وذكر عقوباتها مما يخوِّف الله به عباده
ويبعثهم على ترك الذنوب والجرائم.

فالمؤمن الصادق يكون في فعله وتركه
مخلصاً لله،
مستعيناً بما في الأعمال من المرغبات المتنوعة
على هذا المقصد الأعلى.

والله الموفق.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:26 PM

الحديث الرابع والثمانون

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" المرء مع من أحب "

متفق عليه.


هذا الحديث فيه:

الحث على قوة محبة الرسل واتباعهم
بحسب مراتبهم،


والتحذير من محبة ضدهم؛


فإن المحبة
دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه،
ومناسبته لأخلاقه،
واقتدائه به.
فهي دليل على وجود ذلك.
وهي أيضاً باعثة على ذلك.

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:27 PM

وأيضاً من أحب لله تعالى،
فإن نفس محبته
من أعظم ما يقربه إلى الله؛

فإن الله تعالى شكور،
يعطي المتقرب أعظم
بأضعاف مضاعفة
مما بذل.


ومن شكره تعالى:

أن يلحقه بمن أحب،
وإن قصر عمله.

قال تعالى:

{ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ

فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم
مِّنَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاء
وَالصَّالِحِينَ

وَحَسُنَ
أُولَـئِكَ رَفِيقًا } (1).

ولهذا قال أنس:
"ما فرحنا بشيء فرحنا
بقوله صلى الله عليه وسلم :

"المرء مع من أحب.

قال:

فأنا أحبُّ
رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،

وأبا بكر،
وعمر،
فأرجو أن أكون معهم".


******************
(1) سورة النساء – آية 69 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:27 PM

وقال تعالى:

{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا
وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ
وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } (1)



وقال سبحانه:

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ
أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ

وَمَا أَلَتْنَاهُم (2)
مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ } (3).


وهذا مشاهد مجرب

إذا أحب العبد أهل الخير
رأيته منضماً إليهم،
حريصاً على أن يكون مثلهم.


وإذا أحب أهل الشر انضم إليهم،
وعمل بأعمالهم.

******************
(1) سورة الرعد – آية 23 .
(2) نقصناهم .
(3) سورة الطور – آية 21 .

أبو فراس السليماني 01-07-14 01:28 PM

وقال صلى الله عليه وسلم :

"المرء على دين خليله،
فلينظر أحدكم
من يُخالل


"ومثل الجليس الصالح،
كحامل المسك:

إما أن يَحْذيك
وإما أن يبيعك،
وإما أن تجد منه رائحة طيبة،

ومثل الجليس السوء
كنافخ الكِيْر:

إما أن يحرق ثيابك،
وإما أن تجد منه رائحة خبيثة".


الساعة الآن 05:37 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant