![]() |
:: اعجاز القرآن في كلمات لم تذكر الا مرة واحدة ::
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته القرآن الكريم معجزة الرسول صلى الله عليه و سلم و هو كلام الله و يحتوي اعجازا علميا ، بلاغيا ، لغويا و إعجازا في الاخبار التي لم تحدث فحدثت و ما زالت هناك بعض الآيات التي لم يتم الكشف عنها مع تقدم العلم " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد " (فصلت 53) و ما خفي اعظم و في موضوعنا هذا سنتطرق إلى اعجاز لغوي يتمثل في كلمات لم تذكر الا مرة واحدة القرآن الكريم بأجزائه 30 و بسوره 114 و بعدد حروفه " اما بالنسبة لعدد حروف القرآن فقد ذكر ابن كثير في تفسيره عن مجاهد رحمه الله أنه قال هذا ما أحصيناه من القرآن وهو ثلاثمائة ألف حرف وعشرون ألفاً وخمسة عشر حرفاً. وأما كلمات القرآن فهي سبعة وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة. وأما آياته فهي: ستة آلاف آية واختلف فيما زاد على ذلك على عدة أقوال فمنهم من قال: مئتا آية وأربع آيات، وقيل: أربع عشر آية، وقيل مئتان وتسع عشرة آية وقيل مئتان وخمس وعشرون آية أو ست وعشرون، وقيل مائتان وست وثلاثون آية. وأما سور القرآن فمائة وأربع عشرة سورة. والله أعلم." هناك كلمات لم ترد و لم يتم ذكرها إلا مرة واحدة و هذا بحد ذاته إعجاز و كيف لا يكون اعجازا و هو كلام الله تعالى . |
1/ يؤوده : يقول تعالى : " ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ " سورة البقرة: 255. يؤوده : وآده جعله ذا أود، أي لا يثقله ولا يشق عليه. والأوَدُ ـ بالتحريك ـ العِوَج، ومعنى آده أثقله لأن المثقَّل ينحني فيصير ذا أوَد. وفي ذلك إشارة إلى صفة القدرة وكمالها وتنزيها عن الضعف والنقصان. " حفظهما" أي: حفظ السماوات والأرض، اذ القريب والبعيد عنده سواء والقليل والكثير سواء وكيف يتعب فى خلق الذرة وكل الكون عنده سواء فلا من القليل له تيسر ولا من الكثير عليه تعسر انما امره اذا اراد شيأ ان يقول له كن فيكون. وإنما لم يتعرض لذكر ما فيهما لأن حفظهما مُسْتَتْبع لحفظه. |
2/ نَبْتَهِلْ : قال تعالى: " فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ" سورة آل عمران:61. ذكر المفسرون في معنى كلمة ( نبتهل) مايلي: وقال أبوحيان (ت 754 هـ) في تفسير البحر المحيط: الابتهال: قوله بهلة الله على الكاذب، والبهلة بالفتح والضم: اللعنة، ويقال بهله الله: لعنه وأبعده، من قولك أبهله إذا أهمله، وناقة باهلة لا ضرار عليها، وأصل الابتهال هذا، ثم استعمل في كلدعاء يجتهد فيه، وإن لم يكن التعاناً. وقال لبيد: من قروم سادة من قومهم * * نظر الدهر إليهم فابتهل وقال اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) في تفسيره روح البيان في تفسيرالقرآن: {ثم نبتهل} اى نتباهل بان نلعن الكاذب ونقول لعنة الله على الكاذب منا ومنكم {فنجعل لعنة الله على الكاذبين}عطف على نبتهل مبين لمعناه. قال ابن عاشور (ت 1393 هـ) في تفسيره التحرير والتنوير: والابتهال افتعال من البهل، وهواللعن، يقال: بهله الله بمعنى لعنه واللعنة بَهلة وبُهلة - بالضم والفتح - ثم استعمل الابتهال مجازاً مشهوراً في مطلق الدعاء قال الأعشى: لا تقعدنَّ وقد أكَّلّتَها حطباً * * تعوذ من شرّها يوماً وتبتهل وهو المراد هنا بدليل أنّه فرّع عليه قوله: (فنجعل لعنة الله على الكاذبين). |
3/فليبتكن : http://www.bayan-alquran.net/forums/...n/smiles/3.gif: { وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً } سورة النساء: 119. والبتك: القطع، ومنه سيف باتك، يقال بتكه وبتكه مخففاً، ومشدّداً، والتشديد للمبالغة، ومنه قول زهير: طارت وفي كفه من ريشها بتك أي: قطع. وقال تأبط شراً : ويجعلُ عينيه رَبيئَةَ قلبه ** إلى سَلّةٍ من حدّ أخلَقَ باتك والأنعام: هي الإبل والبقر والغنم. وقد فعل الكفار ذلك امتثالاً لأمر الشيطان واتباعاً لرسمه، فشقوا آذان البحائر والسوائب والحوامي، علامة على أنّها محرّرة للأصنام، يشققونها علامة على ما حرموه على أنفسهم، وذلك تحريم لما أحل الله سبحانه وتعالى. أو ليشقنها ـ كما قال الزجاج ـ بموجب أمري من غير تلعثم في ذلك ولا تأخير كما يؤذن بذلك الفاء. |
4/ثبات: http://www.bayan-alquran.net/forums/...n/smiles/3.gif: { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } سورة النساء: 71. { ثُبَاتٍ } جمع ـ ثبة ـ وهي الجماعة من الرجال فوق العشرة، وقيل: فوق الاثنين، وقد تطلق على غير الرجال ومنه قول عمرو بن كلثوم: فأما يوم خشيتنا عليهم ** فتصبح خيلنا عصباً (ثباتاً) قال جميع أهل اللغة: الثبات جماعات متفرقة واحدها ثبة، وأصلها من: ثبيت الشيء، أي جمعته، ويقال أيضاً: ثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه، وتأويله جمع محاسنه، فقوله: { فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً } معناه: انفروا إلى العدو إما ثبات، أي جماعات متفرقة، سرية بعد سرية، وإما جميعا، أي مجتمعين كوكبة واحدة، وهذا المعنى أراد الشاعر في قوله: طاروا اليه زرافات ووحدانا ومثله قوله تعالى:{ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا }[البقرة: 239] أي على أي الحالتين كنتم فصلوا. |
5/ حثيثاً: http://www.bayan-alquran.net/forums/...n/smiles/3.gif: { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } سورة الأعراف: 54. والحثيث: المسرع، وهو فعيل بمعنى مفعول، من حثَه إذا أعجله وكَرّر إعجاله ليبادر بالعجلة، وقريب من هذا قول سلامة من جَنْدَل يذكر انتهاء شبابه وابتداء عصر شيْبه: أوْدَى الشّبابُ الذي مَجْدٌ عواقِبه ** فيهِ نَلَذَّ ولا لَذّاتِ للشّيب ولَّى حثيثاً وهذا الشّيبُ يَتَبَعُه ** لو كان يُدْرِكه ركْضُ اليَعاقيبِ فالمعنى يطلبه سريعاً مُجدّاً في السّرعة لأنّه لا يلبث أن يعفى أثره. حثيثاً: أي سريعاً جداً لتغطية الليل، وذلك لأن الشيء لا يكون مطلوباً إلا بعد وجوده، وإذا وجد النهار كان مغطياً لليل، لأنهما ضدان، وجود أحدهما ماح لوجود الآخر، وابتدأ سبحانه بذكر الليل لأن إغشاءه أول كائن بعد تكمل الخلق. وأجاز ابن جني أن يكون { يطلبه } حالاً من النهار في قراءة الجماعة وإن كان مفعولاً، أي حال كون النهار يطلب الليل حثيثاً ليغطيه، وأن يكون حالاً منهما معاً لأن كلاًّ منهما طالب للآخر، وبهذا ينتظم ما قاله في قراءة حميد، فإن كلاً منهما يكون غاشياً للآخر. قال ابن جني في كتابه المحتسب في القراءات الشواذ: " ووجه صحة القراءتين والتقاء معنييهما أن الليل والنهار يتعاقبان، وكل واحد منهما وإن أزال صاحبه فإن صاحبه أيضاً مزيل له، وكل واحد منهما على هذا فاعل وإن كان مفعولاً ومفعول وإن كان فاعلاً، على أن الظاهر في الاستحثاث هنا إنما هو النهار لأنه بسفوره وشروقه أظهر أثراً في الاستحثاث من الليل". |
جزاك الله خيرا ورفع قدرك وزادك علما ونورا وتقوى اللهم آمين
|
6/فانبجست: http://www.bayan-alquran.net/forums/...n/smiles/3.gif: ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ) سورة الأعراف:160. قال الزمخشري (ت 538 هـ) في تفسيره الكشاف: " { فَٱنبَجَسَتْ } فانفجرت. والمعنى واحد، وهو الانفتاح بسعة وكثرة: قال العجاج: وَكَيْفَ غَرْبِيّ دَالِجٍ تَبَجَّسَا قال الفخر الرازي (ت 606 هـ) في تفسيره مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير: " { فَٱنبَجَسَتْ } قال الواحدي: فانبجس الماء وانبجاسه انفجاره. يقال: بجس الماء يبجس وانبجس وتبجس إذا تفجر، هذا قول أهل اللغة، ثم قال: والانبجاس والانفجار سواء، وعلى هذا التقدير فلا تناقض بين الانبجاس المذكور ههنا وبين الانفجار المذكور في سورة البقرة. وقال آخرون: الانبجاس خروج الماء بقلة، والانفجار خروجه بكثرة، وطريق الجمع: أن الماء ابتدأ بالخروج قليلاً، ثم صار كثيراً، وهذا الفرق مروي عن أبي عمرو بن العلاء". وقال الراغب في المفردات : " يقال بجس الماء وانبجس: انفجر، لكن الانبجاس أكثر ما يقال فيما يخرج من شيء ضيق، والانفجار يستعمل فيه وفيما يخرج من شيء واسع، ولذلك قال عز وجل :{ فانبجست منه اثنتا عشرة عينا} [الأعراف/160]، وقال في موضع آخر: { فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا} [البقرة/60]. والعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام أي فضرب فانبجست، وحذف المعطوف عليه لعدم الإلباس، وللإشارة إلى سرعة الامتثال حتى كأن الإيحاء وضربه أمر واحد، وأن الانبجاس بأمر الله تعالى حتى كأن فعل موسى عليه السلام لا دخل فيه. وذكر بعض المحققين أن هذه الفاء على ما قرر فصيحة وبعضهم يقدر شرطاً في الكلام فإذا ضربت فقد انبجست. |
7/فثبطهم http://www.bayan-alquran.net/forums/...n/smiles/3.gif { وَلَوْ أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَاعِدِينَ} سورة التوبة : 46. التثبيط: إزالة العزم. أي حبسهم وعوقهم عن ذلك. وتثبيط الله إيّاهم: أن خلق فيهم الكسل وضعف العزيمة على الغزو. والمعنى: أنه تعالى كره خروجهم مع الرسول فصرفهم عنه |
8/ تثريب http://www.bayan-alquran.net/forums/...n/smiles/3.gif: { قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ} سورة يوسف: 92. والتثريب: التوبيخ والتقريع. وأصله من الثرب وهو الشحم الرقيق في الجوف وعلى الكرش، وصيغة التفعيل للسلب أي إزالة الثرب كالتجليد والتقريع بمعنى إزالة الجلد والقرع، واستعير للوم الذي يمزق الأعراض ويذهب بهاء الوجه لأنه بإزالة الشحم يبدو الهزال وما لا يرضى، كما أنه باللوم تظهر العيوب فالجامع بينهما طريان النقص بعد الكمال وإزالة ما به الكمال والجمال. والظاهر أن منتهى الجملة هو قوله: { عليكم} ، لأن مثل هذا القول مِمّا يجري مجرى المثل فيُبنى على الاختصار فيكتفي بــــ { لا تثريب} مثل قولهم: لا بأس، وقوله تعالى: { لا وزر} [القيامة: 11]. وزيادة { عليكم} للتأكيد مثل زيادة { لَك} بعد (سقياً ورعياً). |
9/ جفاء قال الله تعالى : { أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ} سورة الرعد: 17. { جُفَآءً} يجفؤه السيل: أي يرمي به. وجفأت القدر بزبدها، وأجفأ السيل وأجفل. وفي قراءة رؤبة ابن العجاج: جفالا وعن أبي حاتم: لا يقرأ بقراءة رؤبة، لأنه كان يأكل الفأر. وقرىء: «يوقدون»، بالياء: أي يوقد الناس. |
10 / ابلعي: يقول تعالى في كتابه الكريم : { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ} سورة هود:44. يقال: بلع الماء يبلعه بلعاً إذا شربه، وابتلع الطعام ابتلاعاً: إذا لم يمضغه. وقال أهل اللغة: والفعل منه بلع بكسر اللام وبفتحها لغتان حكاهما الكسائي والفراء، يبلع بلعاً. والبالوعة الموضع الذي يشرب الماء. ومعنى ( ابلعي) أي أنشفي استعير من ازدراد الحيوان ما يأكله للدلالة على أن ذلك ليس كالنشف المعتاد التدريجي. ولم يَقُل الله سبحانه: " قال الله يا أرض ابلعي ماءك"؛ لأن هناك أصلاً متعيّناً وإنْ لم يقُله، والحق سبحانه يريد أن ينمِّي فينا غريزة وفطنة الإيمان؛ لأن أحداً غير الله تعالى ليس بقادر على أن يأمر الأرض بأن تبلع الماء. |
11 / فجاسوا قال الله تعالى في كتابه الكريم : { فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَآ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ ٱلدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً} سورة الإسراء:5. قال الليث: الجوس والجوسان التردد خلال الديار، والبيوت في الفساد، والخلال هو الانفراج بين الشيئين، والديار ديار بيت المقدس. واختلفت عبارات المفسرين في تفسير جاسوا: فعن ابن عباس: فتشوا. وقال أبو عبيدة: طلبوا من فيها. وقال ابن قتيبة: عاثوا وأفسدوا. وقال الزجاج: طافوا خلال الديار هل بقي أحد لم يقتلوه. وقال الفراء: معناه قتلوهم بين بيوتهم وأنشد لحسان: وَمِنَّا الذي لاقي بسَيْفٍ مُحَمَّدٍ ** فَجاسَ بِهِ الأعْدَاءَ عُرْض العَسِاكِرِ وقال قطرب: معناه نزلوا. وأنشد قول الشاعر: فجسنا ديارهم عنوة ** وأُبنَا بساداتهم موثقينا وقرأ ابن عباس (فحاسوا) بالحاء المهملة. قال الواحدي: الجوس هو التردد والطلب وذلك محتمل لكل ما قالوه. ويقال: جاسوا وهاسوا وداسوا بمعنى. قال الجوهري: الجوس مصدر قولك جاسوا خلال الديار، أي: تخللوها، كما يجوس الرجل للأخبار، أي: يطلبها. وقال أبو زيد: الحوس، والجوس، والعوس، والهوس: الطوف بالليل، وقيل: الطوف بالليل هو الجوسان محركاً. |
12 / تبيد: قال الله تعالى في كتابه الكريم : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قال مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا) سورة الكهف: 35. أَنْ تَبِيدَ: يقال: باد يبيد بيداً وبيوداً وبيدودة إذا هلك والمعنى: أن تفنى وتهلك وهلاك الجِنان فناؤها أو تيبسها. قال تعالى: { قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَـٰذِهِ أَبَداً}: فهل معنى هذا أنه ظالم لنفسه بالدخول؟ لا، لأنها جنتُه يدخلها كما يشاء، إنما المراد بالظلم هنا ما دار في خاطره، وما حَدَّث نفسه به حالَ دخوله، فقد ظلم نفسه عندما خطر بباله الاستعلاء بالغِنَى، والغرور بالنعمة، فقال: ما أظنُّ أنْ تبيدَ هذه النعمة، أو تزول هذه الجنة الوارفة أو تهلك، لقد غَرَّهُ واقع ملموس أمام عينيه استبعد معه أن يزول عنه كل هذا النعيم، ليس هذا وفقط، بل دعاه غروره إلى أكثر من هذا فقال: { وَمَآ أَظُنُّ ٱلسَّاعَةَ قَآئِمَةً... }. |
13/ حتماً قال الله تعالى في كتابه الكريم : { وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} سورة مريم:71. والحتم: أصله مصدر حتمه إذ أوجبه وجعله لازماً، وهو هنا بمعنى المفعول، فسمى به الموجب، كقولهم: خلق الله، وضرب الأمير أي: كان ورودهم واجباً على الله، أوجبه على نفسه وقضى به، وعزم على أن لا يكون غيره. {حَتْماً}: أمراً واجباً كما روي عن ابن عباس، والمراد بمنزلة الواجب في تحتم الوقوع إذ لا يجب على الله تعالى شيء عند أهل السنة |
14/ حدب قال الله تعالى في كتابه الكريم { حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} سورة الأنبياء: 96. الحدب: النشز من الأرض. والحدب، كلّ أكمة من الأرض مرتفعة والجمع أحداب، مأخوذ من حدبة الأرض. وقرأ ابن عباس رضي الله عنه «من كل جدث» بالثاء المثلثة وهو القبر، وهذه القراءة تؤيد رجوع الضمير ( وهم) إلى الناس. وقرىء بالفاء الثاء للحجاز والفاء لتميم وهي بدل من الثاء كما أبدلوا الثاء منها، ولا يختص إبدالها عندهم في آخر الكلمة فإنهم يقولون: مغثور مكان مغفور. |
15/البائس: قال الله تعالى في كتابه الكريم : { وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَائِسَ ٱلْفَقِيرَ}سورة الحج : 28. البائس: هو الذي أصابه بؤس وشدة . والفقير: هو الذي أضعفه الإعسار وهو مأخوذ من فقار الظهر. قال الإمام الرازي (ت 606 هـ) في تفسيره مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير: " قال ابن عباس البائس الذي ظهر بؤسه في ثيابه وفي وجهه، والفقير الذي لا يكون كذلك فتكون ثيابه نقية ووجهه وجه غني ". ولكن قال البقاعي (ت 885 هـ) في تفسيره نظم الدرر في تناسب الآيات والسور: البائس: " من بئس كسمع إذا ساءت حاله وافتقر، وبين أنه من ذلك، لا من بؤس - ككرم الذي معناه: اشتد في الحرب، بقوله: { الفقير} ". وذكر الفقير بعد البائس؛ لمزيد الإيضاح. قال ابن عاشور (ت 1393 هـ) في تفسيره التحرير والتنوير: " وفي «الموطأ»: في باب ما يكره من أكل الدواب، قال مالك: سمعت أن البائس هو الفقير اهـ. وقلت:من أجل ذلك لم يعطف أحد الوصفين على الآخر لأنه كالبيان له، وإنما ذكر البائس مع أنّ الفقير مغن عنه لترقيق أفئدة الناس على الفقير بتذكيرهم أنه في بؤس؛ لأن وصف (فقير) لشيوع تداوله على الألسن صار كاللقب غيرَ مشعر بمعنى الحاجة، وقد حصل من ذكر الوصفين التأكيد". والأمر هنا للوجوب. وقيل: للندب. |
13/ بئر قال الله تعالى: ( فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ) سورة الحج: 45. (وبئر معطلة) أي: أنها عامرة فيها الماء، ومعها آلات الاستقاء؛ إلا أنها عطلت، أي: تركت لا يستقىٰ منها لهلاك أهلها. وقرأ الجحدري والحسن وجماعة { معطلة} مخففاً بفتح الطاء. قال ابن منظور في لسان العرب: " بأر : البئر: القليب، أنثى، والجمع أبآر بهمزة بعد الباء مقلوب عن يعقوب، ومن العرب من يقلب الهمزة فيقول: آبار، فإذا كثرت، فهي البئار، وهي في القلة أبؤر. وفي حديث عائشة : اغتسلي من ثلاث أبؤر يمد بعضها بعضا؛ أبؤر : جمع قلة للبئر . ومد بعضها بعضا : هو أن مياهها تجتمع في واحدة كمياه القناة ، وهي البئرة ". قال الشنقيطي (ت 1393 هـ) في تفسيره أضواء البيان في تفسير القرآن: " واعلم: أن ما يذكره كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة من أن البئر المعطلة، والقصر المشيد معروفان، ,أنهما بحضرموت، وأن القصر مشرف على تلة جبل لا يرتقي إليه بحال، وأن البئر في سفحه لا تقر الرياح شيئاً سقط فيها إلا أخرجته، وما يذكرونه أيضاً من أن البئر هي: الرس، وأنها كانت بعدن باليمن بحضرموت في بلد يقال له: حضور، وأنها نزل بها أربعة آلاف ممن آمنوا بصالح، ونجوا من العذاب ومعهم صالح، فمات صالح، فسمي المكان حضرموت، لأن صالحاً لما حضره مات فبنوا حضور وقعدوا على هذه البئر، وأمروا عليهم رجلاً يقال له العلس بن جلاس بن سويد أو جلهس بن جلاس وكان حسن السيرة فيهم عاملاً عليهم، وجعلوا وزيره سنجاريب بن سوادة، فأقاموا دهراً، وتناسلوا حتى كثروا، وكانت البئر تسقي المدينة كلها وباديتها، وجميع ما فيها من الدواب والغنم والبقر وغير ذلك، لأنها كانت لها بكرات كثيرة منصوبة عليها، ورجال كثيرون موكلون بها، وحياض كثيرة حولها تملأ للناس وحياض للدواب وحياض للغنم، وحياض للبقر، ولم يكن لهم ماء غيرها، وآل لهم الأمر إلى أن مات ملكهم وطلوا جثته بدهن يمنعها من التغيير، وأن الشيطان دخل في جثته، وزعم لهم أنه هو الملك، وأنه لم يمت ولكنه تغيب عنهم ليرى صنيعهم وأمرهم أن يضربوا بينهم وبين الجثة حجاباً، وكان الشيطان يكلمهم من جثة الملك من وراء حجاب لئلا يطلعوا على الحقيقة أنه ميت، ولم يزل بهم حتى كفروا بالله تعالى فبعث الله إليهم نبياً اسمه: حنظلة بن صفوان يوحي إليه في النوم دون اليقظة، فأعلمهم أن الشيطان أضلهم وأخبرهم أن ملكهم قد مات، ونهاهم عن الشرك بالله ووعظهم ونصح لهم، وحذرهم عقاب ربهم، فقتلوا نبيهم المذكور في السوق، وطرحوه في بئر فعند ذلك نزل بهم عقاب الله، فأصبحوا والبئر غار ماؤها، وتعطل رشاؤها فصاحوا بأجمعهم، وضج النساء والصبيان حتى مات الجميع من العطش، وأن تلك البئر هي البئر المعطلة في هذه الآية كله لا معول عليه، لأنه من جنس الإسرائيليات، وظاهر القرآن يدل على خلافه، لأن قوله: { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ} [الحج: 48 و محمد: 13 والطلاق: 8] معناه: الإخبار بأن عدداً كبيراً من القرى أهلكهم الله بظلمهم، وأن كثيراً من آبارهم بقيت معطلة بهلاك أهلها، وأن كثيراً من القصور المشيدة بقيت بعد هلاك أهلها بدونهم، لأن مميز كأين، وإن كان لفظه مفرداً فمعناه يشمل عدداً كثيراً كما هو معلوم في محله. وقال أبو حيان في البحر المحيط وعن الإمام أبي القاسم الأنصاري قال: رأيت قبر صالح بالشام في بلدة يقال لها: عكا فكيف يكون بحضرموت، ومعلوم أن ديار قوم صالح التي أهلكوا فيها معروفة يمر بها الذاهب من المدينة إلى الشام، وقد قدمنا في سورة الحجر أن النَّبي مر بها في طريقه إلى تبوك في غزوة تبوك. ومن المستبعد أن يقطع صالح، ومن آمن من قومه هذه المسافة البعيدة من أرض الحجر إلى حضرموت من غير داع يدعوه ويضطره إلى ذلك، كما ترى. والعلم عند الله تعالى ". |
14/ أتقن قال الله تعالى في كتابه الكريم : { وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِيۤ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} سورة النمل:88. قال ابن عاشور (ت 1393 هـ) في تفسيره التحرير والتنوير: " واعلم أن الصنع يطلق على العمل المتقن في الخير أو الشر قال تعالى { تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر} [طه: 69]، ووصف الله بـ{الذي أتقن كل شيء} تعميم قصد به التذييل، أي ما هذا الصنع العجيب إلا مماثلاً لأمثاله من الصنائع الإلهية الدقيقة الصنع. وهذا يقتضي أن تسيير الجبال نظام متقن، وأنه من نوع التكوين والخلق واستدامة النظام وليس من نوع الخرم والتفكيك. وجملة { إنه خبير بما تفعلون} تذييل أو اعتراض في آخر الكلام للتذكير والوعظ والتحذير، عقب قوله { الذي أتقن كل شيء} لأن إتقان الصنع أثر من آثار سعة العلم فالذي بعلمه أتقن كل شيء هو خبير بما يفعل الخلق فليحذروا أن يخالفوا عن أمره ". |
15/ تتجافى قال الله تعالى : { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} سورة السجدة: 16. { تَتَجَافَىٰ } ترتفع وتتنحى، أي تتركها أي لا ينامون الا قليلاً. والتجافى النبوّ والبعد أخذ من الجفاء، فإن من لم يوافقك فقد جافاك وتجنب وتنحى عنك. وقال الزجاج وغيره: التجافي التنحي الى فوق؛ قال عياض وهو قول حسن. وجيء فيها بالمضارع لإفادة تكرر ذلك وتجدده منهم في أجزاء كثيرة من الأوقات المعدة لاضطجاع وهي الأوقات التي الشأن فيها النوم. والمعنى: أن تجافي جنوبهم عن المضاجع يتكرر في الليلة الواحدة، أي: يكثرون السهر بقيام الليل والدعاء لله؛ وقد فسره النبي بصلاة الرجل في جوف الليل. فقد روى الترمذي " عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: «قلت يا رسول الله: أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار. قال: لقد سألتَ عن عظيم وإنه ليسير على من يَسَّره الله عليه: تَعبُدُ الله لا تشركُ به شيئاً وتقيمُ الصلاة وتؤتي الزكاة وتصومُ رمضان وتحجُّ البيت» ثم قال: «ألا أدلك على أبواب الخير: الصومُ جُنة والصدقة تطفىء الخطايا كما يُطفىء الماء النارَ وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ { يعملون... } » " وهذا تعريض بالمشركين إذ يمضون ليلهم بالنوم لا يصرفه عنهم تفكر بل يسقطون كما تسقط الأنعام. وقد صرح بهذا المعنى عبد الله بن رواحة بقوله يصف النبي وهو سيد أصحاب هذا الشأن: يبيت يجافي جنبه عن فراشه ** إذا استثقلتْ بالمشركين المضاجع |
16/ وتله قال الله تعالى في كتابه الكريم : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} سورة الصافات: 103. { وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض، وأصل التل الرمي على التل وهو التراب المجتمع ثم عمم في كل صرع. وقيل المراد: كبه على وجهه وكان ذلك بإشارة منه. وقال الآلوسي(ت 1270 هـ) في تفسيره روح المعاني : " أخرج غير واحد عن مجاهد أنه قال لأبيه: لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني فلا تجهز علي اربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي للأرض ففعل فكان ما كان، ولا يخفى أن إرادة ذلك بإشارة من الآية بعيد، نعم لا يبعد أن يكون الذبيح قال هذا". |
17/ فتعساً قال الله تعالى في كتابه الكريم : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} سورة محمد:8. قال الالوسي (ت 1270 هـ) في تفسيره روح المعاني: " { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ} من تَعَسَ الرجل بفتح العين تعساً أي سقط على وجهه، وضده انتعش أي قام من سقوطه، وقال شمر وابن شميل وأبو الهيثم وغيرهم: تَعِسَ بكسر العين، ويقال: تعساً له ونكساً على أن الأول ـ كما قال ابن السكيت ـ بمعنى السقوط على الوجه والثاني بمعنى السقوط على الرأس، وقال الحمصي في «حواشيه على التصريح»: تعس تعساً أي لا انتعش من عثرته ونُكْساً بضم النون وقد تفتح إما في لغة قليلة وإما اتباعاً لتعساً، والنُّكس بالضم عود المرض بعد النقه، ويراد بذلك الدعاء، وكثر في الدعاء على العاثر تعساً له، وفي الدعاء له لعاً له أي انتعاشاً وإقامة، وأنشدوا قول الأعشى يصف ناقة: كلفت مجهولة نفسي وشايعني ** همي عليها إذا ما آلها لمعا بذات لوث عفرناة إذا عثرت ** فالتعس أولى لها من أن أقول لعا وقال ثعلب وابن السكيت أيضاً التعس الهلاك، ومنه قول مجمع بن هلال: تقول وقد أفردتها من حليلها ** تعست كما أتعستني يا مجمع وفي «القاموس» ((التَّعْسُ الهلاكُ والعِثَارُ والسقوطُ والشرُّ والبعدُ والانحطاطُ والفِعْلُ كمَنَعَ وسَمِعَ أو إذا خاطبتَ قلت: تَعَسْتَ كمَنَعَ وإذا حَكَيْتَ قلت: تَعِسَ كسَمِعَ، ويقال: تَعِسَهُ الله تعالى وأَتْعَسَه ورجل تاعِس وتَعِس)). وانتصابه على المصدر بفعل من لفظه يجب إضماره لأنه للدعاء كسقياً ورعياً فيجري مجرى الأمثال إذا قصد به ذلك، والجار والمجرور بعده متعلق بمقدر للتبيين عند كثير أي أعني له مثلاً فنحو تعساً له جملتان. وذهب الكوفيون إلى أنه كلام واحد، ولابن هشام كلام في هذا الجار مذكور في بحث لام التبيين فلينظر هناك. واختلفت العبارات في تفسير ما في الآية الكريمة، فقال ابن عباس: أي بعداً لهم، وابن جريج والسدي أي حزناً لهم، والحسن أي شتماً لهم، وابن زيد أي شقاء لهم، والضحاك أي رغماً لهم، وحكى النقاش تفسيره بقبحاً لهم، وقال غير واحد: أي عثوراً وانحطاطاً لهم، وما ألطف ذكر ذلك في حقهم بعد ذكر تثبيت الأقدام في حق المؤمنين، وفي رواية عن ابن عباس يريد في الدنيا القتل وفي الآخرة التردي في النار، وأكثر الأقوال ترجع إلى الدعاء عليهم بالهلاك. وجوز الزمخشري في إعرابه وجهين. الأول: كونه مفعولاً مطلقاً لفعل محذوف كما تقدم. والثاني: مفعولاً به لمحذوف أي فقضى تعساً لهم، وقدر على الأول القول أي فقال: تعساً لهم، والذي دعاه لذلك على ما قيل جعل { ٱلَّذِينَ} مبتدأ والجملة المقرونة بالفاء خبراً له وهي لإنشاء الدعاء والإنشاء لا يقع خبراً بدون تأويل، فإما أن يقدر معها قول أو تجعل خبراً بتقدير قضى، وجعل قوله تعالى: { وَأَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ} عطفاً على ما قدر. وفي «الكشف» المراد من قال: تعساً لهم أهلكهم الله لا أن ثم دعاء وقولاً، وذلك لأنه لا يدعى على شخص إلا وهو مستحق له فإذا أخبر تعالى أنه يدعو عليه دل على تحقق الهلاك لا سيما وظاهر اللفظ أن الدعاء منه عز وجل، وهذا مجاز على مجاز أعني أن القول مجاز وكذلك الدعاء بالتعس، ولم يجعل العطف على { تعساً} لأنه دعاء، و { أَضَلَّ} إخبار، ولو جعل دعاء أيضاً عطفاً على { تَعْسَاً} على التجوز المذكور لكان له وجه انتهى. |
جزاك الله الجنه
|
جزاكم الله كل خير ونفع بكم ..
|
18/ تجسسوا قال الله تعالى في كتابه الكريم : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} سورة الحجرات: 12. قال الزمخشري (ت 538 هـ) في تفسيره الكشاف: " وقرىء: «ولا تحسسوا» بالحاء والمعنيان متقاربان. يقال: تجسس الأمر إذا تطلبه وبحث عنه: تفعل من الجس، كما أن التلمس بمعنى التطلب من اللمس، لما في اللمس من الطلب. وقد جاء بمعنى الطلب في قوله تعالى:{ وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَاء}[الجن:8] والتحسس: التعرّف من الحس، ولتقاربهما قيل لمشاعر الإنسان: الحواس بالحاء والجيم، والمراد النهي عن تتبع عورات المسلمين ومعايبهم والاستكشاف عما ستروه". وقال ابن عاشور (ت 1393 هـ) في تفسيره التحرير والتنوير: " التجسس من آثار الظن لأن الظن يبعث عليه حين تدعو الظانَّ نفسُه إلى تحقيق ما ظنه سراً فيسلك طريق التجنيس فحذرهم الله من سلوك هذا الطريق للتحقق ليسلكوا غيره إن كان في تحقيق ما ظن فائدة. والتجسّس: البحث بوسيلة خفيّة وهو مشتق من الجس، ومنه سمي الجاسوس. والتجسّس من المعاملة الخفية عن المتجسس عليه. ووجه النهي عنه أنه ضرب من الكيد والتطلع على العورات. وقد يرى المتجسس من المتجسس عليه ما يسوءه فتنشأ عنه العداوة والحقد. ويدخل صدره الحرج والتخوف بعد أن كانت ضمائره خالصة طيبة وذلك من نكد العيش. وذلك ثلم للأخوة الإسلامية لأنه يبعث على إظهار التنكر ثم إن اطلع المتجسس عليه على تجسس الآخر ساءه فنشأ في نفسه كره له وانثلمت الأخوة ثلمة أخرى كما وصفنا في حال المتجسِّس، ثم يبعث ذلك على انتقام كليهما من أخيه. وإذ قد اعتبر النهي عن التجسس من فروع النهي عن الظن فهو مقيد بالتجسس الذي هو إثم أو يفضي إلى الإثم، وإذا علم أنه يترتب عليه مفسدة عامة صار التجسس كبيرة. ومنه التجسس على المسلمين لمن يبتغي الضُرّ بهم. فالمنهي عنه هو التجسس الذي لا ينجرّ منه نفع للمسلمين أو دفع ضر عنهم فلا يشمل التجسس على الأعداء ولا تجسس الشُرَط على الجناة واللصوص". |
19/ الحبك قال الله تعالى : { وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ} سورة الذاريات: 7. وقال ابن عاشور (ت 1393 هـ) في تفسيره التحرير والتنوير: " والحُبك: بضمتين جمع حِباك ككِتاب وكُتب ومِثال ومُثُل، أو جمع حبيكة مثل طَريقة وطُرق، وهي مشتقة من الحَبْك بفتح فسكون وهو إجادة النسج وإتقانُ الصنع. فيجوز أن يكون المراد بحُبك السماء نُجوْمُها لأنها تشبه الطرائق الموشاة في الثوب المحبوك المتقن. وروي عن الحسن وسعيد بن جبير وقيل الحبك: طرائق المجرّة التي تبدو ليلاً في قبة الجو. وقيل: طرائق السحاب. وفسر الحبك بإتقان الخلق. روي عن ابن عباس وعكرمة وقتادة. وهذا يقتضي أنهم جعلوا الحبك مصدراً أو اسم مصدر، ولعله من النادر. وإجراء هذا الوصف على السماء إدماج أدمج به الاستدلال على قدرة الله تعالى مع الامتنان بحسن المرأى. واعلم أن رواية رويت عن الحسن البصري أنه قرأ { الحِبُك} بكسر الحاء وضم الباء وهي غير جارية على لغة من لغات العرب. وجعل بعض أيمة اللغة الحِبُك شاذاً فالظن أن راويها أخطأ لأن وزن فِعُل بكسر الفاء وضم العين وزن مهمل في لغة العرب كلّهم لشدة ثقل الانتقال من الكسر إلى الضم مما سلمت منه اللغة العربية. ووجهت هذه القراءة بأنها من تداخل اللغات وهو توجيه ضعيف لأن إعمال تداخل اللغتين إنما يقبل إذا لم يفض إلى زنة مهجورة لأنها إذا هجرت بالأصالة فهجرها في التداخل أجدر. ووجهها أبو حيان باتباع حركة الحاء لحركة تاء { ذاتِ} وهو أضعف من توجيه تداخل اللغتين فلا جدوى في التكلف". |
19/ ألتناهم
قال الله تعالى في محكم آياته : (وما ألتناهم من عملهم من شيء) سورة الطور:21. { ألتناهم } أي: نقصناهم، يقال: آلته حقه، إذا نقصه إياه. قال الزمخشري (ت 538 هـ) في تفسيره الكشاف : " قرىء: «ألتناهم» وهو من بابين: من ألت يألت، ومن ألات يليت، كأمات يميت. وآلتناهم، من آلت يؤلت، كآمن يؤمن. ولتناهم، من لات يليت. وولتناهم، من ولت يلت. ومعناهنّ واحد". وقال الفخر الرازي (ت 606 هـ) في تفسيره مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير: " قوله تعالى: { وَمَا أَلَتْنَـٰهُمْ } تطييب لقلبهم وإزالة وهم المتوهم أن ثواب عمل الأب يوزع على الوالد والولد بل للوالد أجر عمله بفضل السعي ولأولاده مثل ذلك فضلاً من الله ورحمة". قال الشوكاني (ت 1250 هـ) في تفسيره فتح القدير: { وَمَا أَلَتْنَـٰهُمْ مّنْ عَمَلِهِم مّن شَىْء } قرأ الجمهور بفتح اللام من: " ألتنا " وقرأ ابن كثير بكسرها، أي: وما نقصنا الآباء بإلحاق ذرّيتهم بهم من ثواب أعمالهم شيئًا، فضمير المفعول عائد إلى الذين آمنوا. وقيل: المعنى: وما نقصنا الذرية من أعمالهم شيئًا لقصر أعمارهم، والأول أولى... وقرأ ابن هرمز (آلتناهم) بالمدّ، وهو لغة. قال في الصحاح: يقال: ما آلته من عمله شيئًا، أي: ما نقصه". |
20/ أبق قال الله تعالى : ( وإن يونس لمن المرسلين ( 139 ) إذ أبق إلى الفلك المشحون ( 140 ) جاء في المصباح المنير: " أَبِقَ العبد "أَبْقًا" من بابي تعب وقتل في لغة، والأكثر من باب ضرب إذا هرب من سيده من غير خوف ولا كدّ عمل؛ هكذا قيّده في العين، وقال الأزهري: "الأَبْقُ" هروب العبد من سيده و"الإِبَاقُ" بالكسر اسم منه فهو "آبِقٌ" والجمع "أُبَّاقٌ" مثل كافر وكفّار". قال السمين الحلبي (ت 756 هـ) في تفسيره الدر المصون: " قوله: { إِذْ أَبَقَ }: ظرفٌ للمرسَلين، أي: هو من المرسلين حتى في هذه الحالة ". وقال القرطبي (ت 671 هـ) في تفسيره الجامع لأحكام القرآن: قال الترمذي الحكيم: سماه آبقاً لأنه أبق عن العبودية، وإنما العبودية ترك الهوى وبذل النفس عند أمور اللّه؛ فلما لم يبذل النفس عندما اشتدّت عليه العَزمة من المَلَك ... وآثر هواه لزمه اسم الآبق، وكانت عزمة الملك في أمر اللّه لا في نفسه، وبحظّ حقّ اللّه لا بحظ نفسه؛ فتحرى يونس فلم يصب الصواب الذي عند اللّه فسماه آبقاً ومُلِيماً ". وقال الفخر الرازي (ت 606 هـ) في تفسيره مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير: اختلف المفسرون: فقال بعضهم: إنه أبق من الله تعالى، وهذا بعيد لأن ذلك لا يقال إلا فيمن يتعمد مخالفة ربه، وذلك لا يجوز على الأنبياء . واختلفوا فيما لأجله صار مخطئاً: فقيل: لأنه أمر بالخروج إلى بني إسرائيل فلم يقبل ذلك التكليف وخرج مغاضباً لربه، وهذا بعيد سواء أمره الله تعالى بذلك بوحي أو بلسان نبي آخر. وقيل: إن ذنبه أنه ترك دعاء قومه، ولم يصبر عليهم. وهذا أيضاً بعيد لأن الله تعالى لما أمره بهذا العمل فلا يجوز أن يتركه. والأقرب فيه وجهان: الأول: أن ذنبه كان لأن الله تعالى وعده إنزال الإهلاك بقومه الذين كذبوه فظن أنه نازل لا محالة، فلأجل هذا الظن لم يصبر على دعائهم، فكان الواجب عليه أن يستمر على الدعاء لجواز أن لا يهلكهم الله بالعذاب وإن أنزله، وهذا هو الأقرب، لأنه إقدام على أمر ظهرت أماراته فلا يكون تعمداً للمعصية، وإن كان الأولى في مثل هذا الباب أن لا يعمل فيه بالظن، ثم انكشف ليونس من بعد أنه أخطأ في ذلك الظن، لأجل أنه ظهر الإيمان منهم فمعنى قوله: { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ } ما ذكرناه. الوجه الثاني: أن يونس كان وعد قومه بالعذاب فلما تأخر عنهم العذاب خرج كالمستور عنهم فقصد البحر وركب السفينة، فذلك هو قوله: { إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ }. وقال الألوسي (ت 1270 هـ) في تفسيره روح المعاني: { إِذْ أَبَقَ } هرب، وأصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه كما هو الأنسب بحال الأنبياء عليهم السلام؛ حسن إطلاقه عليه، فهو إما استعارة أو مجاز مرسل من استعمال المقيد في المطلق، والأول أبلغ. وقال بعض الكمل: الإباق الفرار من السيد بحيث لا يهتدي إليه طالب أي بهذا القصد، وكان عليه السلام هرب من قومه بغير إذن ربه سبحانه إلى حيث طلبوه فلم يجدوه، فاستعير الإباق لهربه باعتبار هذا القيد لا باعتبار القيد الأول، وفيه بعد تسليم اعتبار هذا القيد على ما ذكره بعض أهل اللغة أنه لا مانع من اعتبار ذلك القيد فلا اعتبار بنفي اعتباره". |
21/ ثجاجاً
قال الله تعالى في كتابه الكريم : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً} سورة النبأ: 14. { مَاء ثَجَّاجاً} أي منصباً بكثرة يقال ثج الماء إذا سال بكثرة وثجه أي أساله فثج، ورد: لازماً ومتعدياً، واختير جعل ما في النظم الكريم من اللازم لأنه الأكثر في الاستعمال، وجعله الزجاج من المتعدي كأن الماء المنزل لكثرته يصب نفسه، ومن المتعدي ما في قوله " أفضل الحج العج والثج " أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدي، والمراد: أفضل أعمال الحج التلبية والنحر. وقرأ الأعرج (ثجاحاً) بجيم ثم حاء مهملة ومثاجح الماء مصابه. قال ابن عاشور (ت 1393 هـ) في تفسيره التحرير والتنوير: " والثّجاج: المُنْصَبُّ بقوة وهو فَعَّال من ثَجّ القاصر إذا انصب، يقال: ثجّ الماءُ، إذا انصبّ بقوة، فهو فِعل قاصر. وقد يسند الثجُّ إلى السحاب، يقال: ثج السحاب يَثُجّ بضم الثاء، إذا صَبَّ الماءَ، فهو حينئذ فعل متعدّ. ووصف الماء هنا بالثّجاج للامتنان |
22/ حرد : قال الله تعالى في كتابه الكريم : {وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ} سورة القلم: 25. قال الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز: " وهو المنع عن حِدّة وغضب، قال تعالى {وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ} أَى على امتناع أَن يتناولوه قادرين على ذلك. ونزل فلان حَريداً أَى ممتنعا عن مخالطة القوم، وهو حريد المحلّ وحاردتِ السّنةُ: منعَتْ قَطْرها، والنَّاقةُ: منعت دَرّها. وحردَ كعلم: غضب وَحَرَّدَهُ تحريداً أَغضبه وبعير أَحْرَدُ: فى إِحدى يديه حَرَدٌ. والحُرْديَّة حَظيرة من قصب". وقال ابن عاشور (ت 1393 هـ) في تفسيره التحرير والتنوير: " والحرد: يطلق على المنع وعلى القصد القوي، أي السرعة وعلى الغضب. وفي إيثار كلمة { حَرْد} في الآية نكتة من نكت الإِعجاز المتعلق بشرف اللفظ ورشاقته من حيث المعنى، ومن جهة تعلق المجرور به بما يناسب كل معنى من معانيه، أي بأن يتعلق { على حرد } بـ { قادرين} ، أو بقوله { غَدوا} ، فإذا علق بـ { قادرين} ، فتقديم المتعلِّق يفيد تخصيصاً، أي قادرين على المنع، أي منع الخير أو منع ثمر جنتهم غير قادرين على النفع. والتعبير بقادرين على حرد دون أن يقول: وغدوا حاردين؛ تهكم لأن شأن فعل القدرة أن يذكر في الأفعال التي يشق على الناس إتيانها قال تعالى:{ لا يَقدرون على شيء مما كسبوا} [البقرة: 264] وقال:{ بلىقادرين على أن نسوي بنانه} [القيامة: 4] فقوله: { على حرد قادرين} على هذا الاحتمال من باب قولهم: فلان لا يملك إلاّ الحِرمان أو لا يقدر إلاّ على الخيبة. وإذا حمل الحرد على معنى السرعة والقصد كان { على حرد} متعلقاً بـ { غَدَوا} مبيناً لنوع الغُدو، أي غدوا غدُوَّ سرعة واعتناء، فتكون { على} بمعنى باء المصاحبة، والمعنى: غدوا بسرعة ونشاط، ويكون { قادرين} حالاً من ضمير { غدوا} حالاً مقدَّرة، أي مقدِّرين أنهم قادرون على تحقيق ما أرادوا. وفي الكلام تعريض بأنهم خابوا، دل عليه قوله بعده { فلما رأوها قالوا إنا لضالون} [القلم: 26]، وقولُه قبله { فطاف عليها طائف من ربّك وهم نائمون}. وإذا أريد بالحرد الغضب والحَنق فإنه يقال: حَرَدٌ بالتحريك وحَرْدٌ بسكون الراء ويتعلق المجرور بـ { قادرين} وتقديمه للحصر، أي غدوا لا قدرة لهم إلاّ على الحَنق والغضب على المساكين لأنهم يقتحمون عليهم جنتهم كل يوم فتحيلوا عليهم بالتبكير إلى جذاذها، أي لم يقدروا إلاّ على الغضب والحنق ولم يقدروا على ما أرادوه من اجتناء ثمر الجنة. وعن السدي: أن { حَرد} اسم قريتهم، أي جنتهم. وأحسب أنه تفسير ملفق وكأنَّ صاحبه تصيده من فعلي { اغْدُوا وغَدوا}". |
23 / تحروا :
قال الله تعالى في كتابه الكريم : { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } سورة الجن: 14. والتحري:طلب الحَرَا بفتحتين مقصوراً واويّاً، وهو الشيء الذي ينبغي أن يفعل، يقال: بالحرّي أن تفعل كذا، وأحْرى أن تفعل. تحروا:أي توخوا وقصدوا طريق الحق. وقال الفراء: أمَّوا الهدى. قال أبو حيان (ت 754 هـ) في تفسيره البحر المحيط: " وقال الزمخشري: وقد زعم من لا يرى للجن ثواباً أن الله تعالى أوعد قاسطيهم وما وعد مسلميهم، وكفى به وعيداً، أي فأولئك تحروا رشداً، فذكر سبب الثواب وموجبه، والله أعدل من أن يعاقب القاسط ولا يثيب الراشد. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال في قوله وموجبه". |
24/ الأب :
الأبُّ: بفتح الهمزة وتشديد الباء: هو الكلأ الذي ترعاه الأنعام. أخرج أبو عبيد في «فضائله» وعبد بن حميد عن إبراهيم التيمي قال سئل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عن الأب ما هو فقال أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله تعالى ما لا أعلم. وأخرج ابن سعد وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وغيرهم عن أنس أن عمر رضي الله تعالى عنه قرأ على المنبر{ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً} [عبس: 27] إلى قوله:{ وأباً} [عبس: 28] فقال كل هذا قد عرفناه فما الأب ثم رفض عصا كانت في يده فقال هذا لعمر الله هو التكلف فما عليك يا ابن أم عمر أن لا تدري ما الأب؛ ابتغوا ما بُيِّن لكم من هذا الكتاب فاعملوا به وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه. وفي «صحيح البخاري» من رواية أنس أيضاً أنه قرأ ذلك وقال: فما الأب؟ ثم قال: ما كلفنا أو ما أمرنا بهذا. ويتراءى من ذلك النهي عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته. قال الزمخشري (ت 538 هـ) في تفسيره الكشاف : " فإن قلت: فهذا يشبه النهي عن تتبع معاني القرآن والبحث عن مشكلاته. قلت: لم يذهب إلى ذلك، ولكن القوم كانت أكبر همتهم عاكفة على العمل، وكان التشاغل بشيء من العلم لا يعمل به تكلفاً عندهم؛ فأراد أنّ الآية مسوقة في الامتنان على الإنسان بمطعمه واستدعاء شكره، وقد علم من فحوى الآية أنّ الأب بعض ما أنبته الله للإنسان متاعاً له أو لإنعامه؛ فعليك بما هو أهم من النهوض بالشكر لله - على ما تبين لك ولم يشكل - مما عدّد من نعمه، ولا تتشاغل عنه بطلب معنى الأب ومعرفة النبات الخاص الذي هو اسم له، واكتف بالمعرفة الجميلة إلى أن يتبين لك في غير هذا الوقت، ثم وصى الناس بأن يجروا على هذا السنن فيما أشبه ذلك من مشكلات القرآن" . قال الألوسي (ت 1270 هـ) في تفسيره روح المعاني معلقاً على كلام الزمخشري: " وهو قصارى ما يقال في توجيه ذلك، لكن في بعض الآثار عن الفاروق كما في «الدر المنثور» ما يبعد فيه إن صح هذا التوجيه في شيء؛ وهو أنه ينبغي أن خفاء تعيين المراد من الأب على الشيخين رضي الله عنهما ونحوها من الصحابة؛ وكذا الاختلاف فيه لا يستدعي كونه غريباً مخلاً بالفصاحة، وأنه غير مستعمل عند العرب العرباء، وقد فسره ابن عباس لابن الأزرق بما تعتلف منه الدواب واستشهد به بقول الشاعر: ترى به الأب واليقطين مختلطاً ووقع في شعر بعض الصحابة كما سمعت ومن تتبع وجد غير ذلك ". والذي وقع في شعر الصحابة هو قول بعضهم يمدح النبـي : له دعوة ميمونة ريحها الصبا * * * بها ينبت الله الحصيدة والأبا وعلق ابن عاشور (ت 1393 هـ) في تفسيره التحرير والتنوير على كلام الزمخشري هذا بعد أن أورده وقال: " ولم يأت كلام «الكشاف» بأزيد من تقرير الإِشكال ". وقال: " والذي يظهر لي في انتفاء علم الصديق والفاروق بمدلول الأبّ وهما من خُلّص العربِ لأحد سببين: إما لأن هذا اللفظ كان قد تنوسي من استعمالهم؛ فأحياه القرآن لرعاية الفاصلة، فإن الكلمة قد تشتهر في بعض القبائل أو في بعض الأزمان وتُنسى في بعضها؛ مثل اسم السِّكين عندَ الأوس والخزرج، فقد " قال أنس بن مالك: ما كُنَّا نَقول إلا المُدْية حتى سمعت قول رسول الله يذكر أن سليمان عليه السلام قال: «ائيتوني بالسكين أقْسِمْ الطفْلَ بينهما نصفين» " وإما لأن كلمة الأبّ تطلق على أشياء كثيرة، منها: النبت الذي ترعاه الأنعام، ومنها: التبن، ومنها: يابس الفاكهة، فكان إمساك أبي بكر وعمر عن بيان معناه لعدم الجزم بما أراد الله منه على التعيين " |
25/جماً
قال الله تعالى : { وَتُحِبُّونَ ٱلْمَالَ حُبّاً جَمّاً} سورة الفجر:20. الجم: الكثير، يقال: جَمَّ الماءُ في الحوض، إذا كثر، وبِئر جَموم بفتح الجيم: كثيرةُ الماء، أي حباً كثيراً، كما قال ابن عباس وأنشد قول أمية: إن تغفر اللهم تغفر جماً ** وأي عبد لك لا ألما والمراد أنكم تحبونه مع حرص وشره. ووصْف الحُبّ بالكثرة مراد به الشدة لأن الحب معنى من المعاني النفسية لا يوصف بالكثرة التي هي وفرة عدد أفراد الجنس. فالجمّ مستعار لمعنى القوي الشديد، أي حبّاً مفرطاً، وذلك محل ذم حب المال، لأن إفراد حبه يوقع في الحِرص على اكتسابه بالوسائل غير الحَق كالغصب والاختلاس والسرقة وأكل الأمانات. |
26/ الأبتر:
قال الله تعالى في كتابه الكريم : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ} سورة الكوثر:3. البتر في اللغة: استئصال القطع . يقال: بترته أبتره بتراً وبتر أي صار أبتر وهو مقطع الذنب، ويقال: الذي لا عقب له أبتر، وكذلك لمن انقطع عنه الخير، كما في الحديث: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر " والمعنى : إن مبغضك هو المنقطع عن الخير على العموم. فيعمّ خيري الدنيا والآخرة. ثم إن الكفار لما وصفوه بذلك بين تعالى أن الموصوف بهذه الصفة هو ذلك المبغض على سبيل الحصر فيه، فإنك إذا قلت: زيد هو العالم يفيد أنه لا عالم غيره، إذا عرفت هذا فقول الكفار فيه عليه الصلاة والسلام: " إنه أبتر" لا شك أنهم ـ لعنهم الله ـ أرادوا به أنه انقطع الخير عنه. كانت قريش يقولون لمن مات الذكور من أولاده بتر، فلما مات ابنه القاسم وعبد الله بمكة وإبراهيم بالمدينة قالوا: بتر فليس له من يقوم مقامه، ثم إنه تعالى بين أن عدوه هو الموصوف بهذه الصفة، فإنا نرى أن نسل أولئك الكفرة قد انقطع، ونسله عليه الصلاة والسلام كل يوم يزداد وينمو وهكذا يكون إلى قيام القيامة، فجميع المؤمنين أولاده، وذكره مرفوع على المنائر والمنابر، ومسرود على لسان كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر، يبدأ بذكر الله تعالى ويثني بذكره . وقيل: عنوا بكونه أبتر أنه ينقطع عن المقصود قبل بلوغه، والله تعالى بين أن خصمه هو الذي يكون كذلك، فإنهم صاروا مدبرين مغلوبين مقهورين، وصارت رايات الإسلام عالية، وأهل الشرق والغرب لها متواضعة. وقيل: زعموا أنه أبتر لأنه ليس له ناصر ومعين، وقد كذبوا لأن الله تعالى هو مولاه، وجبريل وصالح المؤمنين، وأما الكفرة فلم يبق لهم ناصر ولا حبيب. وفي الآية دلالة على أن أولاد البنات من الذرية كما قال غير واحد. |
رفع الله قدرك وجعلها بميزان حسناتك ..
|
الساعة الآن 08:34 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir