شبكــة أنصــار آل محمــد

شبكــة أنصــار آل محمــد (https://ansaaar.com/index.php)
-   بيت موسوعة طالب العلم (https://ansaaar.com/forumdisplay.php?f=27)
-   -   [ مُجَانَبَة ُ أَهْل ِ الثُّبُوْر ، المُصَلِّيْنَ في المَشَاهِدِ وَعِنْدَ القُبُوْر ] (https://ansaaar.com/showthread.php?t=18485)

دآنـة وصآل 27-12-11 02:33 AM

[ مُجَانَبَة ُ أَهْل ِ الثُّبُوْر ، المُصَلِّيْنَ في المَشَاهِدِ وَعِنْدَ القُبُوْر ]
 
مُجَانَبَة ُ أَهْل ِ الثُّبُوْر ، المُصَلِّيْنَ في المَشَاهِدِ وَعِنْدَ القُبُوْر





الشَّيْخِ عَبْدِ العَزِيْزِ بْن ِ فَيْصَل الرّاجِحِيّ

دآنـة وصآل 27-12-11 02:34 AM

تقدِيْمُ مَعَالِي الشَّيْخِ

العَلامَةِ الدّكتورِ صَالِحِ بن ِفوْزَان بن ِعَبْدِ اللهِ الفوْزَان

عُضْوِ هَيْئةِ كِبَارِ العُلمَاءِ ، وَعُضْوِ اللجْنةِ الدّائِمَةِ للإفتَاء




الحمْدُ للهِ ، وَالصَّلاة ُوَالسَّلامُ عَلى رَسُوْل ِ اللهِ نبينا محمَّدٍ ، وَعَلى آلِهِ وَصَحْبهِ وَمَنْ وَالاه ، وَتَمَسَّك َ بسنتهِ وَاتبعَ هُدَاه ، أَمّا بَعْدُ :
فقدِ اطلعْتُ عَلى رِسَالةٍ لِلأَخِ الشَّيْخِ عَبْدِ العَزِيزِ بن ِ فيْصَل الرّاجِحِيّ ، بعنوَان ِ«مُجَانبة ُ أَهْل ِ الثبوْر ، المصَليْنَ في المشاهِدِ وَعِنْدَ القبوْر».
وَهِيَ رَدٌّ عَلى مَنْ أَجَازَ الصَّلاة َ في المقابرِ وَعِندَ القبوْر.
وَلمّا تأَملتها : وَجَدْتها رِسَالة ًجَيِّدَة ً في مَوْضُوْعِهَا ، تدْحَضُ شبهَاتِ القبوْرِيِّيْنَ ، وَتسُدُّ وَسِيْلة ً مِنْ وَسَائِل ِ الشِّرْكِ المشِيْن .
فجزَاهُ الله ُ خيْرَ الجزَاءِ ، وَنفعَ بهَذِهِ الرِّسَالةِ وَغيْرِهَا مِنَ الكتبِ المفِيْدَةِ ، وَالأَجْوِبةِ السَّدِيدَةِ،
وَصَلى الله ُ وَسَلمَ عَلى نبينا محمَّدٍ ، وَآلِهِ وَصَحْبه ،،،

كتبهُ

صَالح بن فوْزان بن عَبْدِ الله الفوْزان

عُضْو هَيْئَةِ كِبارِ العُلمَاء

(التَّوقيع)

في 25/3/1424ه

دآنـة وصآل 27-12-11 02:36 AM

الحمْدُ للهِ رَبِّ العالمِيْنَ ، وَالصَّلاة ُوَالسَّلامُ عَلى إمَامِ وَخَاتَمِ الأَنبيَاءِ وَالمرْسَلِيْنَ ، نبيِّنا مُحَمَّدٍ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبهِ أَجْمَعِيْنَ ، وَبعْدُ :

فقدْ قبضَ الله ُسُبْحَانهُ نبيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلم يَتْرُك ْ خَيْرًا إلا َّ دَلَّ الأُمَّة َعَليْهِ ، وَحَثهَا إليْهِ ، وَلا شرًّا إلا َّحَذّرَهَا مِنْهُ ، وَأَبعَدَهَا عَنْه .

بَلْ وَمَا مِنْ سَبيْل ٍ وَلا ذرِيْعَةٍ إلىَ شَرٍّ إلا َّ وَقدْ حَذَّرَ مِنْهَا ، مَخافة َ أَنْ يَنْتَهيَ الحالُ بسَالِكِهَا إلىَ مَغبَّةٍ لا يَحْمَدُ عُقبَاهَا .

خاصّة ً مَا كانَ خَطرُهُ عَلى مَعاقِدِ الإيْمَان ِ، وَمَعَاصِمِ الإسْلامِ ، كالشرْكِ باِللهِ تَعَالىَ ، وَذرَائِعِهِ وَوَسَائِلِه .

بَلْ حَذَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مُشَابَهَةِ المشْرِكِيْنَ ، وَمُحَاكاةِ الكافِرِيْنَ ، وَلوْ كانَ ذلك فِي اللبْس ِ وَالهيْئَةِ ، فكيْفَ باِلعِبَادَةِ وَالطاعَة؟!
فأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتَغْييرِ الشَّيْبِ ، وَحَفِّ الشَّوَارِبِ ، وَإيْفاءِ اللحَى ، مُخالفة ً لِلكافِرِيْن .
وقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«فصْلُ مَا بيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْل ِ الكِتابِ: أَكلة ُ السَّحَر» رَوَاهُ مُسْلِمٌ في«صَحِيْحِه»(1096) عَنْ عَمْرِو بْنِ العَاص ِ رَضِيَ الله ُ عَنْه .

قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ بَعْدَهُ في«اقتِضَاءِ الصِّرَاطِ المسْتَقِيْمِ»(1/186-187)

وَهَذَا يَدُلُّ عَلى أَنَّ الفصْلَ بَيْنَ العِبَادَتيْن ِ: أَمْرٌ مَقصُوْدٌ لِلشّارِعِ ، وَقدْ صَرَّحَ بذَلِك َ فِيْمَا رَوَاهُ أَبو دَاوُوْدَ (2353) عَنْ أَبي هُرَيْرَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«لا يَزَالُ الدِّينُ ظاهِرًا ، مَا عَجَّلَ الناسُ الفِطرَ ، لأَنَّ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُوْن».

دآنـة وصآل 27-12-11 02:36 AM

وَهَذا نصٌّ في أَنَّ ظهُوْرَ الدِّين ِ، الحاصِلَ بتَعْجِيْل ِ الفِطرِ ، لأَجْل ِ مُخالفةِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى .

وَإذا كانَ مُخالفتهُمْ سَبَبًا لِظهُوْرِ الدِّين ِ، فإنمَا المقصُوْدُ بإرْسَال ِالرُّسُل ِ: أَنْ يَظهرَ دِيْنُ اللهِ عَلى الدِّين ِ كلهِ ، فيَكوْنُ نفسُ مُخالفتهمْ ، مِنْ أَكبَرِ مَقاصِدِ البعْثة)اه.

وَكانَ مِنْ أَشَدِّ مَا خَشِيَهُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى أُمَّتِهِ : الشِّرْك ُ باِللهِ ، وَمَا يُفضِي إليْه .

وَلمّا مَرِضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَ مَوْتهِ ، وَكانَ وَعْكهُ شَدِيْدًا : لمْ يَشْغلهُ مَرَضُهُ الشَّدِيْدُ ، وَلا مَا كانَ فِيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَحْذِيْرِ أُمَّتِهِ مِنَ الشِّرْكِ وَوَسَائِلِهِ قبْلَ قبْض ِ رُوْحِهِ الطاهِرَةِ بخمْس ِ ليَال ٍ، فقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -وَهُوَ كذَلِك َ-:«أَلا وَإِنَّ مَنْ كانَ قبْلكمْ ، كانوْا يَتَّخِذُوْنَ قبوْرَ أَنبيَائِهمْ وَصَالحِيْهمْ مَسَاجِدَ ، أَلا فلا تتَّخِذُوْا القبوْرَ مَسَاجدَ ، فإني أَنهَاكمْ عَنْ ذلك) رَوَاهُ مُسْلِمٌ في «صَحِيْحِهِ»(532) عَنْ جُنْدُبِ بْن ِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ الله ُ عَنْه .

دآنـة وصآل 27-12-11 02:38 AM

فصل


وَقدْ رَأَيْتُ كاتِبا قبْلَ أَيامٍ ، أُعْجِمَ قلبُهُ عَنْ هَذَا ، فلمْ يُدْرِكِ المُرَادَ ، فرَجَّحَ مَا ليْسَ عَليْهِ اعْتِمَادٌ ، وَلا لهُ عِمَادٌ ، وَكتبَ مَقالا ً يَعِيْبُ فِيْهِ عَلى الناس ِ في بلادِنا وفي بلادٍ أُخْرَى ، مَا رَآهُمْ فِيْهِ مِنْ خَيْرٍ وَنِعْمَةٍ ، وَ بُعْدٍ عَنْ مَوَاطِن ِ الشرِّ وَالنِّقمَةِ ، فقالَ : يتلقى أَكثرُ النّاس ِحُكمَ حُرْمَةِ الصَّلاةِ فِي المقبَرَةِ باِلتَّسْلِيْمِ ، وَكأَنهُ مِنَ المتفق ِ عَليْهِ ، أَوْ كأَنَّ نصًّا مُحْكمًا وَرَدَ فِيْه!).

ثمَّ زَادَ فقالَ : وَالحقِيْقة ُ أَنَّ المسْأَلة َخِلافُ ذلِك َ، وَمَذْهَبَ السَّلفِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ: الجوَازُ ، إلا َّ مَا كانَ مِنَ الإمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ الله .
فالصَّلاة ُ فِي المقبَرَةِ إذنْ جَائِزَة ٌ لِلأَدِلةِ التالِيَةِ :
1 ــ قوْلُ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجدًا وَطهُوْرًا» ، وَهَذَا يعُمُّ الأَرْضَ كلهَا .
2 ــ بنَاءُ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُ فِي مَقبَرَةٍ لِلمُشْرِكِيْنَ ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُوْرٌ ، وَهُوَ فِي«الصَّحِيْحَيْن».
3 ــ صَلاة ُ رَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى المِسْكِيْنَةِ ، التي كانتْ تقمُّ المسْجِدَ فِي المقبَرَةِ مَعَ أَصْحَابهِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمْ .
4 ــ صَلاة ُ الصَّحَابَةِ فِي المقبَرَةِ مِنْ غيْرِ نكِيْر .
5 ــ عَدَمُ وُجُوْدِ دَلِيْل ٍصَحِيْحٍ صَرِيْحٍ فِي النَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ فِي المقبَرَة .
هَذَهِ بَعْضُ الأَدِلةِ عَلى جَوَازِ الصَّلاةِ فِي المقبَرَةِ عَلى وَجْهِ الاخْتِصَار) اه كلامُ المعْتَرِض .

ثمَّ أَحَالَ عَلى رِسَالةِ «الجوْهَرَة ، فِي جَوَازِ الصَّلاةِ فِي المقبرَة» ، وَليْسَ فِيْهَا شَيْءٌ يُحْتَجُّ بهِ ، غيْرُ مَا ذكرَ هُوَ ، وَسَيَأْتِي(ص109-125) إبْطالهُ بمَشِيْئَةِ الله([1]) .

[1] - بَعْدَ إتْمَامِي كِتَابي هَذَا بزِيادَاتِهِ الملحَقةِ : رَأَيتُ كِتَابًا طبعَ حَدِيثا باِسْمِ «كشْفِ السُّتُوْرِ ، عَمّا أَشْكلَ مِنْ أَحْكامِ القبوْر» لِمَحْمُوْدِ بن ِ سَعِيْدِ بن ِ مَمْدُوْحٍ ، نشَرَتهُ دَارُ الفقِيْهِ عَامَ (1423ه) ، في(361) صَفحَة .

قرَّرَ فِيْهِ أُمُوْرًا فاسِدَة ً كثِيرَة ً، مِنْ جَوَازِ البنَاءِ عَلى القبوْرِ ، وَالصَّلاةِ في المقابرِ ، وَالسَّفرِ إلىَ زِيارَتِهَا ، وَاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْدَهَا ، وَجَوَازِ النَّذْرِ لِلأَمْوَاتِ ! وَعِنْدَ القبوْرِ ! وَالذَّبحِ لها ! وَالتَّبرُّكِ بهَا ! وَغيرِ ذلِك َ مِمّا سَيَأْتِي تفصِيْلُ بطلانِه .

وَطعَنَ في شَيْخِ الإسْلامِ ابن ِ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ، لِحُكمِهِ بخِلافِ مَا قرَّرَهُ هَذَا المبْطِلُ ! وَرَمَاهُ بأُمُوْرٍ باطِلةٍ كثِيرَةٍ قدْ رُدَّتْ عَليْهِ ! وَانصَرَفتْ إليْهِ !

وَنالَ مِنَ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بن ِ عَبْدِ الوَهّابِ رَحِمَهُ الله ُ، وَذكرَ جَهَالاتٍ كثِيرَة ً سُقوْطهَا يغْني عَنْ إسْقاطِهَا . وَمَا كانَ مِنْ جَهَالاتِهِ قدْ يرُوْجُ عَلى بَعْض ِ العَامَّةِ وَمَنْ في حُكمِهمْ : فقدْ بَيَّنْتُ حَالهُ في هَذَا الرَّدِّ في مَوْضِعِه . أَمّا المسَائِلُ الأُخْرَى التي تَعَرَّضَ لها وَلمْ أَتعَرَّضْ لها في كِتَابي هَذَا لِعَدَمِ مُنَاسَبَتِهَا : فهيَ قلِيْلة ٌ، وَليْسَ هَذَا مَوْضِعَ الرَّدِّ عَليْهَا ، مَعَ أَنَّ أَهَمِّيَتَهَا أَقلُّ مِنْ سَابقاتِهَا ، وَوُضُوْحَهَا لِلنّاس ِ أَكثرُ ، وَالحمْدُ لله .

دآنـة وصآل 27-12-11 02:40 AM

فصل


في تَحْرِيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ في هَذِهِ المسْأَلةِ ، وَبيان ِ مَا أَجْمَعَ العُلمَاءُ عَلى تَحْرِيْمِهِ فِيْهَا ، وَمَا فِيْهِ خِلافٌ بَيْنَهُمْ


قبْلَ الجوَابِ عَمّا أَوْرَدَهُ المعْترِضُ ، أُبيِّنُ مَسْأَلتَيْن ِ:
إحْدَاهُمَا :
أَنَّ بنَاءَ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ، بدْعة ٌ مُحَرَّمَة ٌ باِتفاق ِ الأَئِمَّة .
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ كمَا فِي«مَجْمُوْعِ الفتَاوَى»(27/488) فإنَّ بناءَ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ ، ليْسَ مِنْ دِيْن ِ المسْلِمِيْن .
بَلْ هُوَ مَنْهيٌّ عَنْهُ باِلنُّصُوْص ِالثابتَةِ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاتفاق ِ أَئِمَّةِ الدِّين .
بَلْ لا يَجُوْزُ اتِّخاذ ُ القبوْرِ مَسَاجِدَ ، سَوَاءٌ كانَ ذلِك َ ببناءِ المسْجدِ عَليْهَا ، أَوْ بقصْدِ الصَّلاةِ عِنْدَهَا . بَلْ أَئِمَّة ُ الدِّين ِ مُتَّفِقوْنَ عَلى النَّهْيِّ عَنْ ذلك).
ثمَّ قالَ رَحِمَهُ الله ُ(27/488) بلْ ليْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُصَليَ فِي المسَاجِدِ التي بُنِيَتْ عَلى القبوْرِ ، وَلوْ لم يَقصِدِ الصَّلاة َ عِنْدَهَا ، فلا يُقبَلُ ذلِك َ، لا اتفاقا ، وَلا ابْتغاءًا ، لِمَا فِي ذلِك َ مِنَ التَّشَبُّهِ باِلمشْرِكِيْنَ ، وَالذَّرِيْعَةِ إلىَ الشِّرْك).

دآنـة وصآل 27-12-11 02:42 AM

ثمَّ قالَ رَحِمَهُ الله ُ(27/489) وَأَمّا المسَاجِدُ المبْنِيَّة ُ عَلى القبوْرِ : فقدْ نهَوْا عَنْهُ ، مُعَللِيْنَ بخوْفِ الفِتْنَةِ بتَعْظِيْمِ المخْلوْق ِ، كمَا ذكرَ ذلِك َ الشّافِعِيُّ وَغيْرُهُ مِنْ سَائِرِ أَئِمَّةِ المسْلِمِيْن).

وَقالَ رَحِمَهُ الله ُفِي مَوْضِعٍ آخَرَ(24/318) وَأَمّا بنَاءُ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ ، وَتسَمَّى «مَشَاهِدَ» : فهَذَا غيْرُ سَائِغٍ ، بَلْ جَمِيْعُ الأُمَّةِ يَنْهَوْنَ عَنْ ذلك) ، ثمَّ ذكرَ رَحِمَهُ الله ُ بَعْضَ الأَدِلة .

المسْأَلة ُ الثانية ُ:

أَنَّ مَنْ ظنَّ أَنَّ الصَّلاة َ عِنْدَ أَيِّ قبَرٍ كانَ ، لهَا فضِيْلة ٌ تخصُّهَا ، أَوْ أَنَّ الصَّلاة َ عِنْدَهُ مُسْتَحَبَّة ٌ: فهُوَ ضَالّ .

قالَ شَيْخُ الإسْلامِ رَحِمَهُ الله ُ(27/488) بَلْ أَئِمَّة ُ الدِّين ِ مُتَّفقوْنَ عَلى النَّهْيِّ عَنْ ذلِك َ، وَأَنهُ ليْسَ لأَحَدٍ أَنْ يقصِدَ الصَّلاة َ عِنْدَ قبْرِ أَحَدٍ ، لا نبيٍّ وَلا غيْرِ نبيّ .

وَكلُّ مَنْ قالَ :«إنَّ قصْدَ الصَّلاةِ عِنْدَ قبْرِ أَحَدٍ ، أَوْ عِنْدَ مَسْجِدٍ بُنِيَ عَلى قبْرٍ أَوْ مَشْهَدٍ أَوْ غيْرِ ذلِك َ: أَمْرٌ مَشْرُوْعٌ» ، بحيْثُ يَسْتَحِبُّ ذلِك َ، وَيَكوْنُ أَفضَلَ مِنَ الصَّلاةِ فِي المسْجِدِ الذِي لا قبَرَ فِيْهِ : فقدْ مَرَقَ مِنَ الدِّين ِ، وَخَالفَ إجْمَاعَ المسْلِمِيْنَ ، وَالوَاجِبُ أَنْ يُسْتتَابَ قائِلُ هَذَا وَمُعْتَقِدُهُ ، فإنْ تابَ وَإلا َّ قتِل) .

وَقالَ رَحِمَهُ الله ُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (24/318) فمَن ِ اعْتقدَ أَنَّ الصَّلاة َ عِنْدَهَا ، فِيْهَا فضْلٌ عَلى الصَّلاةِ عَلى غيْرِهَا ، أَوْ أَنها أَفضَلُ
مِنَ الصَّلاةِ فِي بَعْض ِالمسَاجِدِ : فقدْ فارَقَ جَمَاعَة َ المسْلِمِيْنَ ، وَمَرَقَ مِنَ الدِّين . بَلْ الذِي عَليْهِ الأُمَّة ُ: أَنَّ الصَّلاة َ فِيْهَا ، مَنْهيٌّ عَنْهَا نهْيَ تَحْرِيْم) اه .

وَقدْ قدَّمْتُ هَاتيْن ِ المسْأَلتيْن ِ، لِيظهَرَ مَحَلُّ النِّزَاعِ ، وَأَنهُمَا ليْسَتَا دَاخِلتَيْن ِ فِيْهِ ، وَأَنَّ حُرْمَتَهُمَا بإجْمَاعٍ لا نِزَاعَ فِيْه .

دآنـة وصآل 27-12-11 02:44 AM

وَالمعْتَرِضُ لا يُنَازِعُ كذَلِك َ فِي تَحْرِيْمِهمَا .

أَمّا مَحَلُّ النزَاعِ ، وَمَا فِيْهِ خِلافٌ بَيْنَ أَهْل ِ العِلمِ : فهُوَ حُكمُ الصَّلاةِ ذاتِ الرُّكوْعِ وَالسُّجُوْدِ فِي المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ ، مِنْ غيْرِ قصْدٍ لِلصَّلاةِ فِيْهَا ، وَلا تَعْظِيْمِ مَقبوْر .

وَهَذِهِ المسْأَلة ُ، هِيَ التي أَجَازَهَا المعْتَرِضُ ، وَرَجَّحَهَا ، وَضَعَّفَ قوْلَ مُحَرِّمِيْهَا !

وَهَذِهِ المسْأَلة ُ- أَعْنِي حُكمَ الصَّلاةِ ذاتِ الرُّكوْعِ وَالسُّجُوْدِ فِي المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ ، مِنْ غيْرِ قصْدِ قبْرٍ ، وَلا تَعْظِيْمِ مَقبوْرٍ : فِيهَا خِلافٌ بيْنَ أَهْل ِالعِلمِ :

* فحَرَّمَهَا جَمَاعَة ٌ، مِنْهُمْ : عُمَرُ بْنُ الخطابِ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبي طالِبٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبّاس ٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ ، وَعَطاءُ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَابْنُ المنذِر .

وَإليْهِ ذهَبَ الإمَامُ أَحْمَدُ ، وَإسْحَاقُ ، وَأَبوْ ثوْر .

* وَأَباحَ الصَّلاة َ في المقبرَةِ ، أَوْ كرِهَهَا مِنْ غيْرِ تَحْرِيْمٍ : آخَرُوْن .

قالَ البَغوِيُّ في«شَرْحِ السُّنَّةِ»(2/411) اِخْتَلفَ أَهْلُ العِلمِ في الصَّلاةِ في المقبرَةِ وَالحمّامِ : فرُوِيَتِ الكرَاهِيَة ُ فِيْهمَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلف . وَإليْهِ ذهَبَ أَحْمَدُ ، وَإسْحَاقُ ، وَأَبوْ ثوْرٍ ، لِظاهِرِ الحدِيْثِ ، وَإنْ كانتِ الترْبة ُ طاهِرَة ً، وَالمكانُ نظِيْفا . وَقالوْا : قدْ قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«اِجْعَلوْا فِي بُيُوْتِكمْ مِنْ صَلاتِكمْ ، وَلا تَتَّخِذُوْهَا قبوْرًا» . فدَلَّ عَلى أَنَّ مَحَلَّ القبْرِ ليْسَ بمَحَلٍّ لِلصَّلاة .
وَمِنْهُمْ : مَنْ ذهَبَ إلىَ أَنَّ الصَّلاة َ فِيْهمَا جَائِزَة ٌ، إذا صَلى في مَوْضِعٍ نظِيْفٍ مِنْه .

دآنـة وصآل 27-12-11 02:46 AM

وَرُوِيَ : أَنَّ عُمَرَ رَأَى أَنسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلي عِنْدَ قبْرٍ فقالَ : «القبْرَ القبْرَ»([1]) ، وَلمْ يَأْمُرْهُ باِلإعادَة .

وَحُكِيَ عَن ِالحسَن ِ: أَنهُ صَلى في المقابر .

وَعَنْ مَالِكٍ:«لا بَأْسَ باِلصَّلاةِ في المقابر»)اه .

قلتُ : وَقوْلُ البَغوِيِّ وَعَنْ مَالِكٍ :«لا بَأْسَ باِلصَّلاةِ في المقابر»): غيْرُ مُسَلمٍ ، فقدِ اخْتَلفتِ الرِّوَايَة ُ عَنْ مَالِكٍ في ذلك .

قالَ أَبوْ بكرٍ ابْنُ المنْذِرِ في «الأَوْسَطِ»(2/185) وَاخْتُلِفَ في هَذِهِ المسْأَلةِ عَنْ مَالِكٍ : فحَكى ابْنُ القاسِمِ عَنْهُ أَنهُ قالَ:«لا بَأْسَ باِلصَّلاةِ في المقابر».

وَحُكِيَ عَنْ أَبي مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنهُ قالَ:«لا أُحِبُّ الصَّلاة َ في المقابر»)اه.

قلتُ : وَالذِي يَظهَرُ لِي : أَنْ لا نِزَاعَ وَلا اخْتِلافَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْن ِ، فالأُوْلىَ : يُرِيْدُ بهَا الصَّلاة َ في المقابرِ عَلى الجنائِزِ ، وَالأُخْرَى : أَرَادَ بهَا الصَّلاة َ ذاتَ الرُّكوْعِ وَالسُّجُود .

وَقدْ أَطلقَ جَمَاعَة ٌ مِنَ الأَئِمَّةِ ، جَوَازَ الصَّلاةِ في المقابرِ ، أَوْ كرَاهَتَهَا ، وَهُمْ يَعْنُوْنَ صَلاة َ الجنازَةِ فِيْهَا ، لا الصَّلاة َ المعْهُوْدَة َ، ذاتَ الرُّكوْعِ وَالسُّجُوْد .

وَمَنْ مَنَعَ مِنْ هَؤُلاءِ الصَّلاة َ عَلى الجنازَةِ في المقبَرَةِ : فهُوَ يَمْنَعُ الصَّلاة َ ذاتَ الرُّكوْعِ وَالسُّجُوْدِ فِيْهَا مِنْ بابِ أَوْلىَ .

[1] - صَحِيْحٌ ، عَلقهُ البُخارِيُّ في«صَحِيْحِهِ»(1/437) ، وَرَوَاهُ مَوْصُوْلا ً: أَبوْ بَكرٍ ابْنُ أَبي شيبة َ في «مُصَنَّفِهِ»(2/379)، وَعَبْدُ الرَّزّاق ِفي «مُصَنَّفِهِ» أَيْضًا(1/404-405)، وَأَبوْ بَكرٍ ابْنُ المنذِرِ في«الأَوْسَطِ»(2/186) وَالبَيْهَقِيُّ في«سُننِهِ الكبرَى»(2/435).

وَسَيَأْتِي الكلامُ عَليْهِ - بمشِيْئَةِ اللهِ - في «فصْل ِ نقض ِ دَلِيْل ِ المعْترِض ِ الرّابعِ ، وَهُوَ زَعْمُهُ صَلاة َ الصَّحَابَةِ في المقبرَةِ مِنْ غيرِ نكير»(ص121-122).

دآنـة وصآل 27-12-11 02:48 AM

أَمّا مَنْ أَجَازَ مِنْهُمْ صَلاة َ الجنازَةِ بهَا : فلا يَلزَمُ مِنْ ذلِك َ تَجْوِيْزُهُ الصَّلاة َ ذاتَ الرُّكوْعِ وَالسُّجُودِ بهَا . بَلْ إنَّ جَمَاعَاتٍ مِنَ السَّلفِ ، قدْ أَجَازُوْا الصَّلاة َ عَلى الجنازَةِ في المقبَرَةِ ، وَحَرَّمُوْا غيْرَهَا مِنَ الصَّلوَاتِ ، وَقدْ جَاءَتْ بذَلِك َ السُّنَّة .

وَالذِي عَليْهِ المحَققوْنَ مِنْ أَهْل ِالعِلمِ : أَنَّ الصَّلاة َ ذاتَ الرُّكوْعِ وَالسُّجُوْدِ ، مُحَرَّمَة ٌ بلا شَكٍّ وَلا رَيْبٍ ، لِكثْرَةِ الأَحَادِيْثِ النّاهِيَةِ عَن ِ الصَّلاةِ فِيْهَا ، وَاتخاذِهَا مَسَاجِدَ ، وَلعْن ِ رَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِليهُوْدِ وَالنَّصَارَى لاتخاذِهِمْ إياهَا مَسَاجِدَ يُصَلوْنَ فِيْهَا ، وَتَغْلِيْظِهِ فِي التَّحْذِيْرِ وَالزَّجْرِ عَنْ ذلِك َ، حَتَّى قبيْلَ وَفاتِهِ بليَال ٍ، وَسَيَأْتِي ذِكرُ طرَفٍ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيْث .

إلا َّ أَنهُمْ اخْتَلفوْا في صِحَّةِ صَلاةِ المصَلي فِيْهَا ، فقالَ جَمَاعَة ٌ مِنْهُمْ : هِيَ بَاطِلة ٌ، لأَنَّ النَّهْيَ يَقتضِي التَّحْرِيْمَ وَالفسَاد . وَقالَ آخَرُوْنَ : هُوَ آثِمٌ عَاص ٍ، إلا َّ أَنَّ صَلاتهُ صَحِيْحَة ٌمَعَ إثمِهِ ، وَسَيَأْتِي تفصِيْلهُ(ص45-65) بمشِيْئَةِ الله .

قالَ ابنُ المنذِرِ في«الأَوْسَطِ»(2/185) وَالذِي عَليْهِ الأَكثرُ مِنْ أَهْل ِ العِلمِ : كرَاهِيَة ُ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ ، لحدِيْثِ أَبي سَعِيْدٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ ، وَكذَلِك َ نقوْل)اه.

قلتُ : مُرَادُ ابْن ِ المنذِرِ رَحِمَهُ الله ُ باِلكرَاهَةِ هُنَا : كرَاهَة َ التَّحْرِيْمِ ، لِذَا قالَ قبْلَ ذلِك َ(2/183) عَلى حَدِيْثِ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا«اِجْعَلوْا في بُيُوْتِكمْ مِنْ صَلاتِكمْ ، وَلا تَتَّخِذُوْهَا قبوْرًا» قالَ ففِي قوْلِهِ:«وَلا تَتَّخِذُوْهَا قبوْرًا»: دَلِيْلٌ عَلى أَنَّ المقبَرَة َ ليْسَتْ بمَوْضِعِ صَلاةٍ ، لأَنَّ في قوْلِهِ «اِجْعَلوْا في بُيُوْتِكمْ مِنْ صَلاتِكمْ»: حَثا عَلى الصَّلوَاتِ في البيوْت .

وَقوْلِهِ «وَلا تَجْعَلوْهَا قبوْرًا»: يدُلُّ عَلى أَنَّ الصَّلاة َ غيْرُ جَائِزَةٍ في المقبَرَة).

دآنـة وصآل 27-12-11 02:49 AM

وَقالَ ابنُ المنْذِرِ في مَوْضِعٍ آخَرَ(5/417-418) وَفي حَدِيْثِ ابْن ِ عُمَرَ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنهُ قالَ:«اِجْعَلوْا في بُيوْتِكمْ مِنْ صَلاتِكمْ ، وَلا تتخِذُوْهَا قبوْرًا»: أَبيَنُ البيان ِ عَلى أَنَّ الصَّلاة َ في المقبَرَةِ غيْرُ جَائِزَة)اه.

وَقدْ أَطلقَ ابْنُ المنْذِرِ هُنَا الكرَاهَة َ، وَأَرَادَ بهَا التَّحْرِيْمَ ، كإطلاق ِ جَمَاعَاتٍ مِنَ الأَئِمَّةِ ذلِك َ، وَهُمْ لا يُرِيْدُوْنَ بهِ إلا َّ ذلك .

وَوَهِمَ مَنْ ظنَّهُمْ أَرَادُوْا كرَاهَة َ التَّنْزِيْهِ التي اصْطلحَ عَليْهَا الأُصُوْلِيُّوْنَ بَعْدَهُمْ ! وَسَيَأْتِي تقرِيْرُ هَذَا في فصْل ٍ قادِمٍ (ص179-191) بمشِيْئَةِ الله .

دآنـة وصآل 27-12-11 02:51 AM

فصل


فِي الأَحَادِيْثِ النبَوِيَّةِ الناهِيَةِ عَن ِالصَّلاةِ فِي المقابرِ ، وَعِنْدَ القبور


أَمّا الأَحَادِيْثُ النَّبَوِيَّة ُ التِي نهَتْ عَنْ الصَّلاةِ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ وَحَرَّمَتْهَا : فكثِيْرَة ٌ، ذكرَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ طرَفا مِنْهَا - كمَا فِي«مَجْمُوْعِ الفتَاوَى»- فقالَ (27/157 159): (وَالأَحَادِيْثُ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِّ عَن ِ اتِّخاذِ القبوْرِ مَسَاجِدَ ، وَالصَّلاةِ فِي المقبَرَةِ ، كثِيْرَة ٌجدًّا ، مِثلُ :
(1) مَا فِي«الصَّحِيْحَيْن»وَ«السُّنَن» عَنْ أَبي هُرَيْرَة َ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«قاتلَ الله ُ اليَهُوْدَ ، اتخذُوْا قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِد»([1]).

(2) وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْن ِمَسْعُوْدٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقوْلُ:«إنّ مِنْ شِرَارِ الناس ِ، مَنْ تدْرِكهُمُ السّاعَة ُ وَهُمْ أَحْياءٌ ، وَمَنْ يَتَّخِذُ القبوْرَ مَسَاجِد» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي«المسْنَدِ»(1/405،435،454)، وَأَبوْ حَاتِمٍ ابْنُ حِبّانَ فِي«صَحِيْحِه»(2325).

(3) وَعَن ِابْن ِعَباس ٍ قالَ:«لعَنَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زُوّارَاتِ القبوْرِ، وَالمتَّخِذِينَ عَليْهَا المسَاجِدَ وَالسُّرُج» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي«المسْندِ» .

(1/229،287،324)، وَأَهْلُ السُّنَن ِ الأَرْبَعَةِ([2])، وَأَبوْ حَاتِمٍ ابْنُ حِبّانَ فِي«صَحِيْحِه»(3179)،(3180).

[1]- رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في «مُسْنَدِهِ»(2/284،285،366،396،453-454،518) وَالبُخَارِيُّ في«صَحِيْحِهِ» (437) وَمُسْلِمٌ(530) وَأَبوْ دَاوُوْدَ في«سُننِهِ»(3227) وَالنَّسَائِيّ(2047)

[2] - أَبوْدَاوُوْدَ(3236) وَالتِّرْمِذِيُّ(320) وَالنَّسَائِيُّ(2043) وَابْنُ مَاجَهْ(1575).

دآنـة وصآل 27-12-11 02:53 AM

(4) وَرَوَى أَيْضًا في«صَحِيْحِهِ»(2327) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قالَ:«لعَنَ الله ُ مَن ِ اتخذُوْا قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِد».
(5) وَفِي«الصَّحِيْحَيْن» عَن ِ ابْن ِعُمَرَ قالَ:قالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «اِجْعَلوْا مِنْ صَلاتِكمْ فِي بُيوْتِكمْ ، وَلا تتَّخِذُوْهَا قبوْرًا» [خ(432)،(1187) م(777)] .
(6) وَفِي«صَحِيْحِ مُسْلِمٍ»(972) عَنْ أَبي مَرْثدٍ الغنوِيِّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«لا تصَلوْا إلىَ القبوْرِ ، وَلاَ تجْلِسُوْا عَليْهَا».
(7) وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْن ِعَمْرٍو رَضِيَ الله ُعَنْهُمَا قالَ:«نهَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ِ الصَّلاةِ فِي المقبرَة» رَوَاهُ أَبوْ حَاتِمٍ فِي«صَحِيْحِه»(2319).
(8) وَرَوَىأَيْضًا(1698)،(2315)،(2318)،(2322)،(2323) عَنْ أَنس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ:«أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهَى أَنْ يُصَلى بَيْنَ القبوْر».
(9) وَعَنْ أَبي سَعِيْدٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ ، إلا َّ المقبَرَة َ وَالحمّام»([1]) رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ (3/83،96)، وَأَهْلُ الكتبِ الأَرْبَعَةِ ([2])، وَابْنُ حِبّانَ فِي«صَحِيْحِه»(1699) ، (2316)،(2321).
وَقالَ التِّرْمِذِيُّ:«فِيْهِ اضْطِرَابٌ» لأَنَّ سُفيانَ الثوْرِيَّ أَرْسَله . لكِنَّ غيْرَ التِّرْمِذِيِّ جَزَمَ بصِحَّتِهِ ، لأَنَّ غيْرَهُ مِنَ الثقاتِ أَسْنَدُوْهُ ، وَقدْ صَحَّحَهُ ابنُ حَزْمٍ أَيضًا

[1] - تَكلمَ في هَذَا الحدِيْثِ بَعْضُ أَهْل ِ العِلمِ ، وَرَمَوْهُ باِلاضْطِرَابِ لإرْسَال ِ الثوْرِيِّ لهُ ، وَوَصْل ِ غيرِهِ لهُ ، وَسَوْفَ أُفصِّلُ – بمَشِيْئَةِ اللهِ – حَالهُ في فصْل ٍ قادِمٍ(ص163-172)، وَأُبيِّنُ أَنهُ حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ بلا رَيبٍ ، وَأَذكرُ جُمْلة ً مِنْ كلامِ أَهْل ِ العِلمِ فِيْه.

[2] - أَبوْ دَاوُوْدَ(492) وَالتِّرْمِذِيُّ(317) وَابْنُ مَاجَهْ(745).

دآنـة وصآل 27-12-11 02:58 AM

(10) وَفِي«سُنَن ِأَبي دَاوُوْدَ»(490) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قالَ: «إنَّ خَلِيْلِي نهَانِي أَنْ أُصَليَ فِي المقبَرَةِ ، وَنهَانِي أَنْ أُصَليَ فِي أَرْض ِ بابل». وَالآثارُ في ذلِك َكثِيْرَة ٌ جدًّا) اه كلامُهُ رَحِمَهُ الله .

وَمِنَ الأَحَادِيثِ في ذلِك َ أَيضا :

(12) مَا رَوَاهُ البُخارِيُّ فِي«صَحِيْحِهِ»(435)،(1330) ، (1390) ، (3453)،(4441)،(5815) ، ومُسْلِمٌ (531) عَنْ عَائِشَة َ رَضِيَ الله ُعَنْهَا قالتْ لمّا نزِلَ برَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طفِقَ يَطرَحُ خَمِيْصَة ً لهُ عَلى وَجْههِ ، فإذا اغتمَّ بهَا كشفهَا عَنْ وَجْههِ فقالَ وَهُوَ كذَلِك َ:«لعْنَة ُ اللهِ عَلى الْيَهُوْدِ وَالنَّصَارَى ، اتخذُوْا قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنعُوْا ، لوْلا ذلِك َ أُبرِزَ قبْرُهُ ، غيْرَ أَنهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخذَ مَسْجِدًا).

(13) وَعَنْ جُنْدُبِ بْن ِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ رَضِيَ الله ُعَنْهُ قالَ : سَمِعْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبْلَ أَنْ يَمُوْتَ بخمْس ٍ وَهُوَ يقوْلُ:«إني أَبرَأُ إلى اللهِ أَنْ يَكوْنَ لِي مِنْكمْ خَلِيْلٌ ، فإنَّ الله َ تَعَالىَ قدِ اتخذَني خَلِيْلا ً، كمَا اتخذَ إبْرَاهِيْمَ خَلِيْلا ً، وَلوْ كنتُ مُتخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيْلا ً، لاتخذْتُ أَبا بَكرٍ خَلِيْلا ً. أَلا وَإنَّ مَنْ كانَ قبْلكمْ كانوْا يتخذُوْنَ قبوْرَ أَنْبيَائِهمْ وَصَالِحِيْهمْ مَسَاجِدَ ، أَلا فلا تتخِذُوْا الْقبُوْرَ مَسَاجِدَ ، إني أَنهَاكمْ عَنْ ذلك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ([1])في«صَحِيْحِه»(532).

[1] - وَرَوَاهُ ابْنُ أَبي شَيْبَة َفي«مُصَنَّفِهِ»(2/376) مِنْ طرِيْق ِ عَبْدِ اللهِ بْن ِ الحارِثِ النَّجْرَانِيِّ قالَ : حَدَّثني جُنْدُبٌ) فذَكرَه .
وَعَن ِ ابْن ِ أَبي شَيْبَة َ: رَوَاهُ مُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ»(532) مِنْ طرِيْقِه .

غيْرَ أَنهُ قدْ تَصَحَّفَ إسْنَادُهُ في المطبُوْعِ مِنَ«المصَنَّفِ»: مِنْ (عَبْدِ اللهِ بْن ِ الحارِثِ النَّجْرَانِيّ حَدَّثني جُنْدُبٌ) إلىَ (عَبْدِ اللهِ بْن ِ الحارِثِ النَّجْرَانِيّ حَدَّثني جَدِّي) !

وَقدْ أَوْقعَ هَذَا التَّصْحِيْفُ الشَّيْخَ الأَلبَانِيَّ –رَحِمَهُ الله ُ- في خَطإٍ ، حَيْثُ ظنَّ هَذَا الحدِيْثَ حَدِيْثين ِ اثنين ِ، لا حَدِيْثًا وَاحِدًا ! فسَاقَ في كِتَابهِ النّافِعِ «تَحْذِيْرِ السّاجِدِ»(ص20-22) حَدِيْثَ جُنْدُبِ بْن ِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ ، ثمَّ أَتبعَهُ بحدِيْثِ (الحارِثِ النَّجْرَانِيّ قالَ : سَمِعْتُ النَّبيَّ × قبْلَ أَنْ يَمُوْتَ بخمْس ٍ...) الحدِيْثَ ! ثمَّ صَحَّحَهُ فقالَ: إسْنَادُهُ صَحِيْحٌ عَلى شَرْطِ مُسْلِم) ! وَهَذَا خَطأٌ ظاهِر .
في«مُسْنَدِهِ»(1/361-362)(469)، وَالبُخارِيُّ في«التّارِيْخِ الكبيْرِ»(2/186) لكنْ بجزْئهِ الأَوَّل ِ دُوْنَ بَاقِيْهِ ، وَالضِّيَاءُ المقدِسِيُّ فِي«الأَحَادِيْثِ المخْتَارَة».
وَسَمِعْتُ شَيْخنا ابنَ بازٍ رَحِمَهُ الله ُ يَقوْلُ عَقِبَهُ : لا بَأْسَ به).
وَالأَحَادِيْثُ في البابِ وَالآثارُ كثيْرَة ٌ، ترَكتُ مِنْهَا طرَفا ، اكتفاءًا بما سَلف .

دآنـة وصآل 27-12-11 03:02 AM

فصل

في تَحْقِيْق ِ العِلةِ الكبْرَى للنَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْر


اخْتَلفَ أَهْلُ العِلمِ مِنَ المحَرِّمِيْنَ لِلصَّلاةِ في المقابرِ في عِلةِ ذلِك َ وَسَبَبهِ :

فقالَ جَمَاعَة ٌمِنْهُمْ :«عِلة ُ ذلِك َ وَسَبَبُهُ : نجَاسَة ُ ترَابِ المقبَرَةِ ، أَوْ مَظِنَّة ُ ذلِك َ، لاخْتِلاطِهِ بلحُوْمِ الموْتى ، وَمَا فضُلَ عَنْهُمْ مِنْ نجَاسَات».

لهِذَا فرَّقَ هَؤُلاءِ بَيْنَ الصَّلاةِ في مَقبَرَةٍ عَتيْقةٍ ، وَبينَ الصَّلاةِ في مَقبَرَةٍ جَدِيْدَةٍ ، فحَرَّمُوْا الصَّلاة َ في الأُوْلىَ وَأَجَازُوْهَا في الثّانِيَة .

وَفرَّقوْا بيْنَ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ عَلى بُسُطٍ وَفرُش ٍ ، تَحُوْلُ دُوْنَ أَرْضِهَا وَبينَ الصَّلاةِ عَليْهَا دُوْنَ حَائِل ٍ، فأَجَازُوْا الأُوْلىَ ، وَحَرَّمُوْا الأُخْرَى . وَفي حَالاتٍ أُخْرَى جَرَى عِنْدَهُمْ فِيْهَا التَّفرِيْقُ ، مُرَاعَاة ً لِلعِلةِ التِي ظنُّوْهَا .

وَقالَ جَمَاعَة ٌ آخَرُوْنَ – وَهُوَ قوْلُ المحَققِيْنَ ، وَعَليْهِ الأَدِلة ُ- : إنَّ عِلة َ ذلِك َ وَسَبَبَهُ أَمْرَان ِ:

أَحَدُهُمَا : كوْنهَا ذرِيْعَة ً إلىَ الشِّرْكِ بعِبَادَةِ أَصْحَابهَا ، بصَرْفِ شَيْءٍ مِنْ أَنوَاعِ العِبَادَةِ لهمْ ، أَوْ ظنِّ فضْل ِ الصَّلاةِ في تِلك َ البقاعِ عَلى غيْرِهَا لأَجْل ِ ذلِك َ القبْرِ ، وَنحْوِ ذلِك َ مِنَ الأُمُوْرِ الفاسِدَة .

وَالآخَرُ: مُشَابَهَة ُ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى المتخِذِيْنَ قبوْرَ أَنبيَائِهمْ وَصَالِحِيْهمْ مَسَاجِدَ ، وَقدْ نهيْنَا عَنْ مُشَابَهَتِهمْ في دَقِيْق ِ الأُمُوْرِ ، فكيْفَ بعَظِيْمِهَا؟!

وَقدِ اسْتَدَلَّ هَؤُلاءِ المحَققوْنَ عَلى صِحَّةِ عِلتِهمْ تِلك َ، بأَدِلةٍ كثِيْرَةٍ قوِيةٍ ، وَرَدُّوْا قوْلَ السّابقِيْنَ وَضَعَّفوْه .

وَلا شَك َّ وَلا رَيْبَ : أَنَّ العِلة َ الحقِيْقيَّة َ الكبْرَى لِلنَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ : هِيَ مَا ذكرَهُ هَؤُلاءِ المحَققوْنَ مِنْ كوْنِهَا ذرِيْعَة ً إلىَ الشِّرْكِ ، وَفتْحَ بَابٍ لهُ ، وَمُشَابَهَة ً لأَهْل ِ الكِتَاب .

أَمّا قوْلُ المعَللِيْنَ بنجَاسَةِ التُّرَابِ : فهُوَ قوْلٌ ضَعِيْفٌ مُطرَحٌ ، يُبَيِّنُ ذلِك َ أُمُوْرٌ عِدَّة ٌ، سَاقهَا شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ فقالَ :

(وَأَبلغُ مِنْ هَذَا : أَنهُ نهَى عَن ِ الصَّلاةِ إلىَ القبْرِ ، فلا يَكوْنُ القبْرُ بَيْنَ المصَلي وبَيْنَ القِبْلةِ ، فرَوَى مُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ»(972) عَنْ أَبي مَرْثدٍ الغنوِيِّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «لا تَجْلِسُوْا عَلى القبوْرِ، وَلا تُصَلوْا إليْهَا».

دآنـة وصآل 27-12-11 03:03 AM

وَفِي هَذَا إبْطالُ قوْل ِمَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّهْيَ عَن ِ الصَّلاةِ فِيْهَا : لأَجْل ِ النَّجَاسَةِ ، فهَذَا أَبعَدُ شَيْءٍ عَنْ مَقاصِدِ الرَّسُوْل ِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ :

1- مِنْهَا : أَنَّ الأَحَادِيْثَ كلهَا ، ليْسَ فِيْهَا فرْقٌ بَيْنَ المقبَرَةِ الحدِيْثةِ وَالمنْبُوْشَةِ ، كمَا يَقوْلُ المعَللوْنَ باِلنَّجَاسَة .

2- وَمِنْهَا : أَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَنَ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى عَلى اتخاذِ قبوْرِ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِدَ .

وَمَعْلوْمٌ قطعًا أَنَّ هَذَا ليْسَ لأَجْل ِ النَّجَاسَةِ ، فإنَّ ذلِك َ لا يَخْتَصُّ بقبوْرِ الأَنبيَاءِ ، وَلأَنَّ قبوْرَ الأَنبيَاءِ مِنْ أَطهَرِ البقاعِ ، وَليْسَ لِلنَّجَاسَةِ عَليْهَا طرِيْقٌ البتة َ، فإنَّ الله َ حَرَّمَ عَلى الأَرْض ِ أَنْ تأْكلَ أَجْسَادَهُمْ ، فهُمْ في قبوْرِهِمْ طرِيوْن .

3- وَمِنْهَا : أَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهَى عَن ِ الصَّلاةِ إليْهَا .

4- وَمِنْهَا : أَنهُ أَخْبَرَ أَنَّ «الأَرْضَ كلهَا مَسْجِدٌ ، إلا َّ المقبَرَة َ وَالحمّام». وَلوْ كانَ ذلِك َ لأَجْل ِ النَّجَاسَةِ ، لكانَ ذِكرُ الحشوْش ِ وَالمجَازِرِ وَنحْوِهَا أَوْلىَ مِنْ ذِكرِ القبوْر .

5- وَمِنْهَا : أَنَّ مَوْضِعَ مَسْجِدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كانَ مَقبَرَة ً لِلمُشْرِكِيْنَ ، فنبشَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبوْرَهُمْ وَسَوّاهَا ، وَاتخذَهُ مَسْجِدًا . وَلمْ يَنْقلْ ذلِك َ التُّرَابَ ، بَلْ سَوَّى الأَرْضَ وَمَهَّدَهَا ، وَصَلى فِيْهِ ، كمَا ثبتَ في «الصَّحِيْحَيْن» عَنْ أَنس ِ بْن ِمَالِكٍ رَضِيَ الله ُ عَنْه).

ثمَّ قالَ شَيْخُ الإسْلامِ :

(6- وَمِنْهَا :أَنَّ فِتْنَة َ الشِّرْكِ باِلصَّلاةِ فِي القبوْرِ، وَمُشَابَهَةِ عُبّادِ الأَوْثان ِ، أَعْظمُ بكثِيْرٍ مِنْ مَفسَدَةِ الصَّلاةِ بَعْدَ العَصْرِ وَالفجْر . فإذا نهى عَنْ ذلِك َ سَدًّا لِذَرِيْعَةِ التَّشَبُّهِ التِي لا تَكادُ تَخْطرُ ببال ِ المصَلي ، فكيْفَ بهَذِهِ الذّرِيْعَةِ القرِيْبَةِ ، التِي كثِيْرًا مَا تدْعُوْ صَاحِبَهَا إلىَ الشِّرْكِ ، وَدُعَاءِ الموْتى وَاسْتغاثتِهمْ ، وَطلبِ الحوَائِجِ مِنْهُمْ ، وَاعْتِقادِ أَنَّ الصَّلاة َ عِنْدَ قبوْرِهِمْ أَفضَلُ مِنْهَا فِي المسَاجِدِ ، وَغيْرِ ذلِك َ مِمّا هُوَ مُحَادَّة ٌ ظاهِرَة ٌ للهِ وَرَسُوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

فأَينَ التَّعْلِيْلُ بنَجَاسَةِ البُقعَةِ مِنْ هَذِهِ المفسَدَة ؟!

وَمِمّا يَدُلُّ عَلى أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قصَدَ مَنْعَ هَذِهِ الأُمَّةِ مِنَ الفِتْنَةِ باِلقبوْرِ ، كمَا افتتَنَ بهَا قوْمُ نوْحٍ وَمَنْ بَعْدَهُمْ .

دآنـة وصآل 27-12-11 03:06 AM

7- وَمِنْهَا : أَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَنَ المتَّخِذِيْنَ عَليْهَا مَسَاجِدَ ، وَلوْ كانَ ذلِك َ لأَجْل ِالنَّجَاسَةِ ، لأَمْكنَ أَنْ يُتَّخَذَ عَليْهَا المسْجِدُ مَعَ تَطييْنِهَا بطيْن ٍ طاهِرٍ ، فتَزُوْلُ اللعْنَة ُ! وَهُوَ بَاطِلٌ قطعًا .

8- وَمِنْهَا : أَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قرَنَ في اللعْن ِ بَيْنَ مُتَّخِذِي المسَاجِدِ عَليْهَا ، وَمُوْقِدِي السُّرُجِ عَليْهَا ، فهُمَا في اللعْنَةِ قرِيْنَان ِ، وَفي ارْتِكابِ الكبيْرَةِ صِنْوَان ِ، فإنَّ كلَّ مَا لعَنَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهُوَ مِنَ الكبائِر .

وَمَعْلوْمٌ أَنَّ إيْقادَ السُّرُجِ عَليْهَا ، إنمَا لعِنَ فاعِلهُ ، لِكوْنِهِ وَسِيْلة ً إلىَ تَعْظِيْمِهَا ، وَجَعْلِهَا نصُبًا يُوْفضُ إليْهِ المشْرِكوْنَ ، كمَا هُوَ الوَاقِعُ ، فهَكذَا اتخاذُ المسَاجِدِ عَليْهَا .

وَلِهَذَا قرَنَ بَيْنَهُمَا ، فإنَّ اتخاذَ المسَاجِدِ عَليْهَا تَعْظِيْمٌ لهَا ، وَتَعْرِيْضٌ لِلفِتْنةِ بهَا ، وَلِهَذَا حَكى الله ُ سُبْحَانهُ وَتَعَالىَ عَن ِ المتغَلبيْنَ عَلى أَمْرِ أَصْحَابِ الكهْفِ أَنهُمْ قالوْا " لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ". [ الكَهْفُ : 21 ] .

9- وَمِنْهَا : أَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ :«اللهُمَّ لا تَجْعَلْ قبْرِي وَثنا يُعْبَدُ ، اشْتَدَّ غضَبُ اللهِ عَلى قوْمٍ اتخذُوْا قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِد».

فذِكرُهُ عَقِيبَ قوْلِهِ«اللهُمَّ لا تَجْعَلْ قبْرِي وَثنا يُعْبَدُ»: تَنْبيْهٌ مِنْهُ عَلى سَبَبِ لحُوْق ِ اللعْن ِ لهمْ ، وَهُوَ تَوَصُّلهُمْ بذَلك َ إلىَ أَنْ تَصِيْرَ أَوْثانا تعْبَد .

وَبالجمْلةِ : فمَنْ لهُ مَعْرِفة ٌ باِلشِّرْكِ وَأَسْبَابهِ وَذرَائِعِهِ ، وَفهمَ عَن ِالرَّسُوْل ِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقاصِدَهُ : جَزَمَ جَزْمًا لا يَحْتَمِلُ النَّقِيْضَ ، أَنَّ هَذِهِ المبالغة َ مِنْهُ باِللعْن ِ، وَالنَّهْيِّ بصِيْغتيْهِ : صِيْغةِ«لا تفعَلوْا» ، وَصِيْغةِ«إني أَنهَاكمْ» ، ليْسَ لأَجْل ِ النَّجَاسَةِ ، بَلْ هُوَ لأَجْل ِ نَجَاسَةِ الشِّرْكِ اللاحِقةِ بمَنْ عَصَاهُ ، وَارْتكبَ مَا عَنْهُ نهَاهُ ، وَاتبعَ هَوَاهُ ، وَلمْ يَخْشَ رَبهُ وَمَوْلاهُ ، وَقلَّ نَصِيْبُهُ ، أَوْ عَدِمُ تَحْقِيْقَ شَهَادَةِ أَنْ لا إلهَ إلا َّ الله .

دآنـة وصآل 27-12-11 03:07 AM

فإنَّ هَذَا وَأَمْثالهُ مِنَ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِيَانة ٌلِحِمَى التَّوْحِيْدِ أَنْ يَلحَقهُ الشِّرْك ُ وَيَغْشَاهُ ، وَتَجْرِيْدٌ لهُ وَغضَبٌ لِرَبهِ أَنْ يُعْدَلَ بهِ سِوَاه .
فأَبى المشْرِكوْنَ إلا َّ مَعْصِيَة ً لأَمْرِهِ ، وَارْتِكابًا لِنَهْيهِ ، وَغرَّهُمُ الشَّيْطانُ فقالَ:«بَلْ هَذَا تَعْظِيْمٌ لِقبوْرِ المشَايخِ وَالصّالِحِيْنَ ، وَكلمَا كنْتُمْ أَشَدَّ لهَا تَعْظِيْمًا ، وَأَشَدَّ فِيْهمْ غلوًّا ، كنْتُمْ بقرْبهمْ أَسْعَدَ ، وَمِنْ عِدَائِهمْ أَبعَد».
وَلعَمْرُ اللهِ مِنْ هَذَا البابِ بعَيْنِهِ دَخَلَ عَلى عُبّادِ يَغُوْثَ وَيَعُوْقَ وَنسْرٍ . وَمِنْهُ دَخَلَ عَلى عُبّادِ الأَصْنَامِ مُنْذُ كانوْا إلىَ يَوْمِ القِيَامَة . فجَمَعَ المشْرِكوْنَ بَيْنَ الغلوِّ فِيْهمْ ، وَالطعْن ِ في طرِيْقتِهمْ .

وَهَدَى الله ُ أَهْلَ التَّوْحِيْدِ لِسُلوْكِ طرِيْقتِهمْ ، وَإنزَالِهمْ مَنَازِلهُمُ التِي أَنزَلهُمُ الله ُ إياهَا ، مِنَ العُبُوْدِيةِ وَسَلبِ خَصَائِص ِ الإلهِيَّةِ عَنْهُمْ ،
وَهَذَا غاية ُ تَعْظِيْمِهمْ وَطاعَتِهمْ .

فأَمّا المشْرِكوْنَ : فعَصَوْا أَمْرَهُمْ ، وَتنقصُوْهُمْ في صُوْرَةِ التَّعْظِيْمِ لهمْ ، قالَ الشّافِعِيُّ:«أَكرَهُ أَنْ يُعَظمَ مَخْلوْقٌ ، حَتَّى يُجْعَلَ قبْرُهُمَسْجِدًا ، مَخَافة َ الفِتْنَةِ عَليْهِ ، وَعَلى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ النّاس»)اه كلامُ شَيْخِ الإسْلامِ ، نقلهُ عَنْهُ العَلامَة ُ ابنُ القيِّمِ في«إغاثةِ اللهْفان»(1/187-189).

وَقالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ أَيْضًا :

(وَهَذِهِ العِلة ُ- التِي لأَجْلِهَا نهَى الشّارِعُ عَن ِ اتخاذِ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ -: هِيَ التي أَوْقعَتْ كثِيْرًا مِنَ الأُمَمِ إمّا في الشِّرْكِ الأَكبَرِ، أَوْ فِيْمَا دُوْنهُ مِنَ الشِّرْك.

فإنَّ النُّفوْسَ قدْ أَشْرَكتْ بتَمَاثِيْل ِ القوْمِ الصّالِحِيْنَ ، وَتَمَاثِيْلَ يَزْعُمُوْنَ أَنهَا طلاسِمُ لِلكوَاكِبِ ، وَنحْو ذلك .

فإنَّ الشِّرْك َ بقبْرِ الرَّجُل ِ الذِي يُعْتَقدُ صَلاحُهُ ، أَقرَبُ إلىَ النُّفوْس ِ مِنَ الشِّرْكِ بخشبةٍ أَوْ حَجَر .

دآنـة وصآل 27-12-11 03:09 AM

وَلهِذَا نجدُ أَهْلَ الشِّرْكِ كثِيْرًا يَتَضَرَّعُوْنَ عِنْدَهَا ، وَيَخْشَعُوْنَ وَيَخْضَعُوْنَ وَيَعْبُدُوْنهُمْ بقلوْبهمْ عِبَادَة ً لا يَفعَلوْنهَا في بُيُوْتِ اللهِ ، وَلا وَقتَ السَّحَرِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْجُدُ لها ! وَأَكثرُهُمْ يَرْجُوْنَ مِنْ بَرَكةِ الصَّلاةِ عِنْدَهَا وَالدُّعَاءِ ، مَا لا يرْجُوْنهُ في المسَاجِد !

فلأَجْل ِ هَذِهِ المفسَدَةِ : حَسَمَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّتهَا ، حَتَّى نهَى عَن ِ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ مُطلقا ، وَإنْ لمْ يقصِدِ المصَلي برَكة َ البقعَةِ
بصَلاتهِ ، كمَا يقصِدُ بصَلاتهِ برَكة َ المسَاجِد .

كمَا نهَى عَن ِ الصَّلاةِ وَقتَ طلوْعِ الشَّمْس ِ وَغرُوْبهَا ، لأَنهَا أَوْقاتٌ يَقصِدُ المشْرِكوْنَ الصَّلاة َفِيْهَا لِلشَّمْس ِ، فنَهَى أُمَّتَهُ عَن ِ الصَّلاةِ حِيْنَئِذٍ ، وَإنْ لمْ يَقصِدِ المصَلي مَا قصَدَهُ المشْرِكوْنَ ، سَدًّا لِلذَّرِيْعَة .

وَأَمّا إذا قصَدَ الرَّجُلُ الصَّلاة َعِنْدَ القبوْرِ ، مُتَبَرِّكا باِلصَّلاةِ في تِلك َ البُقعَةِ : فهَذَا عَيْنُ المحَادَّةِ للهِ وَلِرَسُوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالمخالفةِ لِدِينِهِ ، وَابْتِدَاعُ دِيْن ٍ لمْ يَأْذنْ بهِ الله ُ تَعَالىَ)اه نقلهُ عَنْهُ ابنُ القيِّمِ في «إغاثةِ اللهْفان»(1/184-185).

وَقالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ في«شَرْحِ العُمْدَة»(2/448-449): (فإنمَا نهَى عَنْ ذلِك َ لأَنَّ الصَّلاة َ عِنْدَهَا ، وَاتخاذهَا مَسَاجِدَ ، ضَرْبٌ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثان ِ، وَسَبَبٌ إليْهِ ، لأَنَّ عُبّادَ الأَوْثان ِ مَا كانوْا يَقوْلوْنَ «إنَّ تِلك َ الحِجَارَة َ وَالخشَبَ خَلقتْهُمْ» ، وَإنمَا كانوْا يَقوْلوْنَ«إنهَا تَمَاثِيْلُ أَشْخاص ٍ مُعَظمِيْنَ مِنَ الملائِكةِ ، أَوِ النُّجُوْمِ ، أَوِ البَشرِ، وَإنهُمْ بعِبَادَتِهمْ يتوَسَّلوْنَ إلىَ الله».

فإذا توَسَّلَ العَبْدُ بالقبْرِ إلىَ اللهِ : فهُوَ عَابدُ وَثن ٍ، حَتَّى يَعْبُدَ الله َ مُخْلِصًا لهُ الدِّينَ ، مِنْ غيْرِ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شُفعَاءَ وَشُرَكاءَ ، كمَا أَمَرَ الله ُ تَعَالىَ بذَلِك َ في كِتَابهِ ، وَيَعْلمَ أَنهُ ليْسَ مِنْ دُوْن ِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيْعٌ كمَا أَخْبَرَ تَعَالىَ .

دآنـة وصآل 27-12-11 03:10 AM

وَلِهَذَا جَمَعَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ مَحْق ِالتَّمَاثِيْل ِ، وَتَسْوِيةِ القبوْرِ المشْرِفةِ ، إذْ كانَ بكليْهمَا يتوَسَّلُ بعِبَادَةِ البَشَرِ إلىَ اللهِ ، قالَ أَبوْ الهيّاجِ الأَسَدِيُّ : قالَ لِي عَلِيٌّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ :«أَلا أَبْعَثُك َ عَلى مَا بَعَثنِي عَليْهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ أَلا َّ تدَعَ تِمْثالا ً إلا َّ طمَسْتهُ ، وَلا قبْرًا مُشْرِفا إلا َّ سَوَّيته»، رَوَاهُ الجمَاعَة ُ إلا َّ البُخارِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ [حم(1/129،89) م(969) د(3218) ت(1049) ن(2031)])اه.

وَقالَ أَيْضًا رَحِمَهُ الله ُفي«شَرْحِ العُمْدَةِ»(2/450-451) : وَأَمّا مَنْ يُصَلي عِنْدَ القبْرِ اتفاقا مِنْ غيْرِ أَنْ يَقصِدَهُ : فلا يَجُوْزُ أَيضًا ، كمَا لا يَجُوْزُ السُّجُوْدُ بَيْنَ يَدَيْ الصَّنَمِ وَالنارِ وَغيْرِ ذلِك َ مِمّا يُعْبَدُ مِنْ دُوْن ِ اللهِ ، لِمَا فِيْهِ مِنَ التَّشبهِ بعُبّادِ الأَوْثان ِ، وَفتْحِ بَابِ الصَّلاةِ عِنْدَهَا ، وَاتهَامِ مَنْ يَرَاهُ أَنهُ قصَدَ الصَّلاة َ عِنْدَهَا .

وَلأَنَّ ذلِك َ مَظِنَّة ُ تِلك َ المفسَدَةِ ، فعُلقَ الحكمُ بهَا ، لأَنَّ الحِكمَة َ قدْ لا تَنْضَبط ُ، وَلأَنَّ في ذلِك َ حَسْمًا لِهَذِهِ المادَّةِ ، وَتَحْقِيْقَ الإخْلاص ِ وَالتَّوْحِيْدِ ، وَزَجْرًا لِلنُّفوْس ِ أَنْ تتعَرَّضَ لها بعِبَادَةٍ ، وَتَقبيْحًا لِحَال ِ مَنْ يَفعَلُ ذلِك َ، وَلِهَذَا نهَى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ِ الصَّلاةِ عِنْدَ طلوْعِ الشَّمْس ِ، لأَنَّ الكفارَ يسْجُدُوْنَ لِلشَّمْس ِحِيْنَئِذٍ).

ثمَّ قالَ رَحِمَهُ الله ُ(2/452-453) فهَذِهِ هِيَ العِلة ُ المقصُوْدَة ُ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ في النَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ ، وَاتخاذِ القبوْرِ مَسَاجِدَ ، لِمَنْ تَأَمَّلَ الأَحَادِيْثَ وَنظرَ فِيْهَا ، وَقدْ نصَّ الشّارِعُ عَلى هَذِهِ العِلةِ كمَا تقدَّم .

فأَمّا الترَابُ إنْ كانَ نجسا : فهَذِهِ عِلة ٌ أُخْرَى ، قدْ تُجَامِعُ الأُوْلىَ ، لكِنَّ المفسَدَة َ النّاشِئَة َ مِنَ اتخاذِهَا أَوْثانا ، أَعْظمُ مِنْ مَفسَدَةِ نجاسَةِ الترَاب .

فإنَّ تِلك َ تقدَحُ في نفس ِ التَّوْحِيْدِ وَالإخْلاص ِ، الذِي هُوَ أَصْلُ الدِّين ِ، وَجِمَاعُهُ وَرَأْسُهُ ، وَالذِي بُعِثَتْ بهِ جَمِيْعُ المرْسَلِيْنَ ... وَقدْ تفارِقُ الأُوْلىَ إذا كانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الترَابِ حَائِلٌ مِنَ البسَاطِ وَنحْوِهِ ، أَوْ كانتِ المقبَرَة ُ جَدِيْدَة ً، لا سِيَّمَا المسْجدُ المبْنِيُّ عَلى قبْرِ نبيٍّ أَوْ رَجُل ٍ صَالِحٍ ، فإنَّ ترْبتهُ لمْ يُدْفنْ فِيْهَا غيْرُهُ ، فلا نجَاسَة َ هُنَاك َ البَتَّة َ، مَعَ مَا فِيْهِ مِنْ نهْي الشّارِع).

دآنـة وصآل 27-12-11 03:12 AM

ثمَّ قالَ (2/458-459) وَقدْ بَينا أَنهُ لا يَجُوْزُ أَنْ يُرَادَ بتِلك َ الأَحَادِيْثِ ، المقبَرَة َ العَتِيْقة َالمنْبُوْشة َ فقط ، لأَنهُ نهَى عَن ِ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ ، وَنهَى عَن ِ اتخاذِ القبوْرِ مَسَاجِدَ ، وَنهَى عَن ِ اتخاذِ قبْرِ النَّبيِّ أَوِ الرَّجُل ِ الصّالِحِ مَسْجِدًا .

وَمَعْلوْمٌ أَنَّ قبوْرَ الأَنبيَاءِ لا تنبش .

وَلأَنَّ عَامَّة َ مَقابرِ المسْلِمِيْنَ في وَقتِهِ كانتْ جَدِيْدَة ً، وَلا يَجُوْزُ أَنْ يُطلقَ اسْمُ المقبَرَةِ ، وَيرِيْدُ بهَا مَقابرَ المشْرِكِيْنَ العُتَّق ِ، مَعَ أَنَّ المفهُوْمَ عِنْدَهُمْ مَقابرُهُمْ ، وَلا يَجُوْزُ أَنْ يُرِيْدَ بهَا مَا يتجدَّدُ مِنَ القبوْرِ العُتَّق ِ ، دُوْنَ المقابرِ الموْجُوْدَةِ في زَمَانِهِ وَبَلدِهِ ، فإنَّ مَا يَعْرِفهُ المتكلمُ مِنْ أَفرَادِ العَامِّ ، هُوَ أَوْلىَ باِلدُّخُوْل ِ في كلامِه .

ثمَّ إنهُ لوْ أَرَادَ القبوْرَ المنْبُوْشة َ وَحْدَهَا : لوَجَبَ أَنْ يَقرِنَ بذَلِك َ قرِينة ً تدُلُّ عَليْهِ ، وَإلا َّ فلا دَلِيْلَ يَدُلُّ عَلى أَنَّ المرَادَ هُوَ هَذَا .

وَمِنَ المحَال ِ أَنْ يُحْمَلَ الكلامُ عَلى خِلافِ الظاهِرِ المفهُوْمِ مِنْهُ ، مِنْ غيْرِ أَنْ يُنْصَبَ دَلِيْلٌ عَلى ذلك .

ثمَّ إنهُ نهَانا عَمّا كانَ يَفعَلهُ أَهْلُ الكِتَابيْن ِ ، مِنَ اتخاذِ القبوْرِ مَسَاجِد . وَأَكثرُ مَا اتخذُوْهُ مِنَ المسَاجدِ مقبَرَة ً جَدِيدَة ً، بَلْ لا يَكوْنُ إلا َّ كذَلِك .

ثمَّ هُمْ يَفرُشوْنَ في تِلك َ الأَرْض ِ مَفارِشَ تَحُوْلُ بيْنَهُمْ وَبيْنَ ترْبتهَا ، فعلمَ أَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهانا عَنْ ذلك .

وَباِلجمْلةِ : فمَنْ جَعَلَ النَّهْيَ عَن ِ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ لأَجْل ِ نَجَاسَةِ الموْتى فقط : فهُوَ بَعِيْدٌ عَنْ مَقصُوْدِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كمَا تَقدَّم).

دآنـة وصآل 27-12-11 03:13 AM

ثمَّ قالَ (2/480-481) وَمِنْهُمْ : مَنْ لمْ يَكرَهْ ذلِك َ إلا َّ في القبْرِ خَاصَّة ً، لأَنَّ النَّهْيَ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنمَا صَحَّ في الصَّلاةِ إلىَ القبوْرِ كمَا تقدَّم . وَلأَنهَا هِيَ التِي يُخافُ أَنْ تُتَّخذَ أَوْثانا ، فالصَّلاة ُ إليْهَا شَبيْهَة ٌ باِلصَّلاةِ بَيْنَ يَدَيْ الصَّنَمِ ، وَذلِك َ أَعْظمُ مِنَ الصَّلاةِ بَيْنَهَا .

وَلِهَذَا يَكرَهُوْنَ مِنَ الصَّلاةِ إلىَ القبْرِ ، مَا لا يَكرَهُوْنهُ مِنَ الصَّلاةِ إلىَ المقبَرَة .

وَهَذِهِ حُجَّة ُ مَنْ رَأَى التَّحْرِيْمَ وَالإبطالَ ، مُخْتَصًّا باِلصَّلاةِ إلىَ القبْرِ ، وَإنْ كرِهَ الصَّلاة َ إلىَ تِلك َ الأَشْيَاءِ ، وَهُوَ قوْلٌ قوِيٌّ جِدًّا ، وَقدْ
قالهُ كثِيْرٌ مِنْ أَصْحَابنا .

وَوَجْهُ الكرَاهَةِ في الجمِيْعِ : مَا تقدَّمَ عَن ِ الصَّحَابةِ وَالتابعِيْنَ مِنْ غيْرِ خِلافٍ عَلِمْنَاهُ بَيْنَهُمْ ، وَلأَنَّ القبوْرَ قدِ اتخِذَتْ أَوْثانا وَعُبدَتْ ، وَالصَّلاة ُ إليْهَا يُشبهُ الصَّلاة َ إلىَ الأَوْثان ِ، وَذلِك َ حَرَامٌ ، وَإنْ لمْ يقصِدْهُ المرْءُ ، وَلِهَذَا لوْ سَجَدَ إلىَ صَنَمٍ بَيْنَ يدَيهِ لمْ يَجُزْ ذلك) .

وَقالَ رَحِمَهُ الله فِي مَوْضِعٍ آخَرَ(21/321) وَكذلك تَعْلِيْلُ النَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ فِي المقبَرَةِ بنَجَاسَةِ التُّرَابِ ، وَهُوَ ضَعِيْفٌ ، فإنَّ النَّهْيَ عَن ِ المقبَرَةِ مُطلقا ، وَعَن ِ اتخاذِ القبوْرِ مَسَاجِدَ وَنَحْو ذلِك َ، مِمّا يُبيِّنُ أَنَّ النَّهْيَ لِمَا فِيْهِ مِنْ مَظِنَّةِ الشِّرْكِ ، وَمُشَابهَةِ المشْرِكِيْن) اه .

وَقالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ(27/159) وَقدْ ظنَّ طائِفة ٌمِنْ أَهْل ِالعِلمِ : أَنَّ الصَّلاة َ فِي المقبرَةِ ، نهيَ عَنْهَا مِنْ أَجْل ِ النَّجَاسةِ ... وَالتَّعْلِيْلُ بهذَا ليْسَ مَذْكوْرًا فِي الحدِيْثِ ، وَلم يدُلَّ عَليْهِ الحدِيْثُ ، لا نصًّا وَلا ظاهِرًا ، وَإنمَا هِيَ عِلة ٌ ظنوْهَا .

دآنـة وصآل 27-12-11 03:15 AM

وَالعِلة ُالصَّحِيْحَة ُعِنْدَ غيْرِهِمْ : مَا ذكرَهُ غيْرُ وَاحِدٍ مِنَ العُلمَاءِ مِنَ السَّلفِ وَالخلفِ ، فِي زَمَن ِمَالِكٍ وَالشّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغيْرِهِمْ : إنما هُوَ مَا فِي ذلِك َ مِنَ التَّشَبُّهِ بالمشْرِكِيْنَ ، وَأَنْ تَصِيْرَ ذرِيْعَة ً إلىَ الشِّرْك .

وَلهِذَا نهَى عَن ِ اتِّخاذِ قبوْرِ الأَنْبيَاءِ مَسَاجِدَ ، وَقالَ:«إنَّ أُوْلئِكَِ إذا مَاتَ فِيْهمُ الرَّجُلُ الصّالِحُ ، بنوْا عَلى قبْرِهِ مَسْجدًا ، وَصَوَّرُوْا فِيْهِ تِلك َ التَّصَاوِيْر» [خ(427)،(1341)،(3873) م(528)] .

وَقالَ:«إنَّ مَنْ كانَ قبْلكمْ ، كانوْا يَتَّخِذُوْنَ القبُوْرَ مَسَاجِدَ ، أَلاَ فلا تَتَّخِذُوْا القبوْرَ مَسَاجِد»[م(532)] ، وَنهَى عَن ِ الصَّلاةِ إليْهَا).

ثمَّ قالَ رَحِمَهُ الله ُ(27/160) بَلْ قدْ ذكرَ الشّافِعِيُّ وَغيْرُهُ النَّهْيَ عَن ِ اتِّخاذِ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ ، وَعَللَ ذلِك َ بخشْيَةِ التَّشَبُّهِ بذَلِك .

وَقدْ نصَّ عَلى النَّهْيِّ عَنْ بنَاءِ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ: غيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلمَاءِ المذَاهِبِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ ، وَمِنْ فقهَاءِ الكوْفةِ أَيْضًا ، وَصَرَّحَ غيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بتَحْرِيْمِ ذلك .

وَهَذَا لا رَيْبَ فِيْهِ ، بَعْدَ لعْن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُبالغتِهِ فِي النَّهْيِّ عَنْ ذلك).

وَقالَ شَيْخُ الإسْلامِ وَمِمَّنْ عَللَ باِلشِّرْكِ وَمُشَابَهَةِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى : الأَثرَمُ فِي«كِتَابِ ناسِخِ الحدِيْثِ وَمَنْسُوْخِهِ» فقالَ بَعْدَ أَنْ ذكرَ حَدِيْثَ أَبي سَعِيْدٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«جُعِلتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا إلا َّ المقبَرَة َ وَالحمّامَ»، وَحَدِيْثَ زَيْدِ بْن ِ جُبَيْرٍ عَنْ دَاوُوْدِ بْن ِ الحصَيْن ِ عَنْ نافِعٍ عَنْ ابْن ِعُمَرَ : أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهَى عَن ِ الصَّلاةِ فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ، وَذكرَ مِنْهَا المقبَرَة َ، قالَ الأَثرَمُ :«إنمَا كرِهَتِ الصَّلاة ُ فِي المقبَرَةِ ، لِلتَّشَبُّهِ بأَهْل ِ الكِتَابِ ، لأَنهُمْ يَتَّخِذُوْنَ قبوْرَ أَنْبيَائِهمْ وَصَالِحِيْهمْ مَسَاجِد)اه كلامُ شَيْخِ الإسْلامِ ، نقلهُ عَنْهُ ابْنُ القيِّمِ في«إغاثةِ اللهْفان»(1/189).

دآنـة وصآل 27-12-11 03:17 AM

وَقالَ العَلامة ُ أَبوْ عَبْدِ اللهِ ابْنُ قيِّمِ الجوْزِيةِ رَحِمَهُ الله ُ في«إغاثةِ اللهْفان»(1/182183) وَمِنْ أَعْظمِ مَكايدِهِ التِي كادَ بهَا أَكثرَ النّاس ِ، وَمَا نجَا مِنْهَا إلا َّ مَنْ لمْ يُرِدِ الله ُ تَعَالىَ فِتْنَتهُ : مَا أَوْحَاهُ قدِيْمًا وَحَدِيْثا إلىَ حِزْبهِ وَأَوْلِيَائِهِ ، مِنَ الفِتْنَةِ باِلقبوْرِ ، حَتَّى آلَ الأَمْرُ فِيْهَا إلىَ أَنْ عُبدَ أَرْبابهَا مِنْ دُوْن ِ اللهِ ، وَعُبدَتْ قبوْرُهُمْ ، وَاتخِذَتْ أَوْثانا ، وَبُنيَتْ عَليْهَا الهيَاكِلُ ، وَصُوِّرَتْ صُوَرُ أَرْبَابهَا فِيْهَا ، ثمَّ جُعِلتْ تِلك َ الصُّوَرُ أَجْسَادًا لها ظِلٌّ ، ثمَّ جُعِلتْ أَصْنَامًا وَعُبدَتْ مَعَ اللهِ تَعَالىَ .

وَكانَ أَوَّلُ هَذَا الدّاءِ العَظِيْمِ ، فِي قوْمِ نوْحٍ كمَا أَخْبَرَ سُبْحانهُ عَنْهُمْ في كِتَابهِ حَيْثُ يَقوْلُ : " قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا " ) . [ نُوحٌ : 21 – 32 ]


ثمَّ قالَ وَقالَ البُخارِيُّ (4920): حَدَّثنَا إبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى حَدَّثنَا هِشَامٌ عَن ِابن ِجُرَيْجٍ قالَ : وقالَ عَطاءٌ عَن ِابن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا :«صَارَتِ الأَوْثانُ التي كانتْ في قوْمِ نوْحٍ في العَرَبِ بَعْدُ : أَمّا وَدٌّ فكانتْ لِكلبٍ بدُوْمَةِ الجنْدَل ِ، وَأَمّا سُوَاعٌ فكانتْ لِهُذَيْل ٍ، وَأَمّا يَغوْثُ فكانتْ لِمُرَادٍ ، ثمَّ لِبَني غطيْفٍ بالجرْفِ عِنْدَ سَبَإٍ ، وَأَمّا يَعُوْقُ فكانتْ لِهَمْدَانَ ، وَأَمّا نسْرٌ فكانتْ لِحِمْيَرَ ، لآل ِ ذِي الكلاع .

دآنـة وصآل 27-12-11 03:18 AM

أَسْمَاءُ رِجَال ٍ صَالِحِيْنَ مِنْ قوْمِ نوْحٍ ، فلمّا هَلكوْا أَوْحَى الشَّيْطانُ إلىَ قوْمِهمْ : أَن ِ انْصبوْا إلىَ مَجَالِسِهمُ التي كانوْا يَجْلِسُوْنَ أَنصَابًا ، وَسَمُّوْهُمْ بأَسْمَائِهمْ ففعَلوْا ، فلمْ تعْبَدْ ، حَتَّى إذا هَلك َ أُوْلئِك َ، وَنسِيَ العِلمُ عُبدَتْ».

وَقالَ غيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلفِ :«كانَ هَؤُلاءِ قوْمًا صَالِحِيْنَ فِي قوْمِ نوْحٍ عَليْهِ السَّلامُ ، فلمّا مَاتوْا : عَكفوْا عَلى قبورِهِمْ ، ثمَّ صَوَّرُوْا تمَاثِيْلهُمْ ، ثمَّ طالَ عَليْهمُ الأَمدُ فعَبَدُوْهُمْ».

فهَؤُلاءِ جَمَعُوْا بَيْنَ الفِتْنَتَيْن ِ: فِتْنَةِ القبوْرِ، وَفِتْنَةِ التَّمَاثِيْل ِ، وَهُمَا الفِتْنَتَان ِ اللتان ِأَشارَ إليْهمَا رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الحدِيْثِ المتَّفق ِ عَلى صِحَّتِهِ عَنْ عَائِشَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهَا : أَنَّ أُمَّ سَلمَة َ رَضِيَ الله ُعَنْهَا ذكرَتْ لِرَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنِيْسَة ً رَأَتهَا بأَرْض ِ الحبشةِ يُقالُ لها «مَارِيََةَ» ، فذَكرَتْ لهُ مَا رَأَتْ فِيْهَا مِنَ الصُّوَر.

فقالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«أُوْلئِكَِ قوْمٌ إذا مَاتَ فِيْهمُ العَبْدُ الصّالِحُ ، أَوِ الرَّجُلُ الصّالِحُ : بنوْا عَلى قبْرِهِ مَسْجِدًا ، وَصَوَّرُوْا فِيْهِ تِلك َ الصُّوَرَ ، أُوْلئِكَِ شِرَارُ الخلق ِ عِنْدَ اللهِ تعَالىَ».

وَفِي لفظٍ آخَرَ فِي«الصَّحِيْحَيْن»:«أَنَّ أُمَّ حَبيْبَة َ وَأُمَّ سَلمَة َ ذكرَتا كنيْسَة ً رَأَينهَا».

فجَمَعَ فِي هَذَا الحدِيْثِ ، بَيْنَ التَّمَاثِيل ِ وَالقبوْرِ ، وَهَذَا كانَ سَبَبَ عِبَادَةِ اللاتِ ... فقدْ رَأَيْتَ أَنَّ سَبَبَ عِبَادَةِ وَدٍّ وَيَغوْثَ وَيَعُوْقَ وَنسْرٍ وَاللاتِ ، إنمَا كانتْ مِنْ تَعْظِيْمِ قبوْرِهِمْ ، ثمَّ اتخذُوْا لهَا التَّمَاثِيْلَ وَعَبَدُوْهَا ، كمَا أَشَارَ إليْهِ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )اه.

وَقالَ العَلامَة ُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ القادِرِ الأَقحِصَارِيُّ الحنَفِيُّ ، المعْرُوْفُ باِلرُّوْمِيِّ(ت1041ه) في كِتَابهِ الكبيْرِ«مَجَالِس ِالأَبْرَار،
وَمَسَالِكِ الأَخْيَار»([1]) في«المجْلِس ِ السّابعَ عَشَرَ» في شَرْحِهِ حَدِيْثَ عَائِشَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهَا مَرْفوْعًا «لعْنة ُ اللهِ عَلى اليهُوْدِ وَالنَّصَارَى ، اتخذُوْا قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِدَ»قالَ هَذَا الحدِيْثُ مِنْ صِحَاحِ «المصَابيْحِ» ، رَوَتهُ أَمُّ المؤْمِنِيْنَ عَائِشَة ُ رَضِيَ الله ُ عَنْهَا .

وَسَببُ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى اليهُوْدِ وَالنَّصَارَى باِللعْنَةِ : أَنهُمْ كانوْا يُصَلوْنَ في الموَاضِعِ التِي دُفِنَ فِيْهَا أَنبيَاؤُهُمْ :
·إمّا نظرًا مِنْهُمْ ، بأَنَّ السُّجُوْدَ لِقبوْرِهِمْ تعْظِيْمٌ لها ، وَهَذَا شِرْك ٌ جَلِيٌّ ، وَلهِذَا قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«اللهُمَّ لا تَجْعَلْ قبْرِي وَثنا يُعْبَد».

· أَوْ ظنًّا مِنْهُمْ ، بأَنَّ التَّوَجُّهَ إلىَ قبوْرِهِمْ باِلصَّلاةِ أَعْظمُ وَقعًا عِنْدَ اللهِ تعَالىَ - لاشْتِمَالِهِ عَلى أَمْرَيْن ِ: عِبَادَةِ اللهِ تعَالىَ ، وَتَعْظِيْمِ أَنبيَائِهِ –وَهَذَا شِرْك ٌ خَفِيّ .

وَلهِذَا نهَى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتهُ عَن ِ الصَّلاةِ في المقابرِ احْتِرَازًا عَنْ مُشابهَتِهمْ بهمْ ، وَإنْ كانَ القصْدَان ِ مُخْتَلِفيْن .

[1]- كِتَابٌ مُفِيْدٌ ، انتَقى مُؤَلفهُ مِئَة َ حَدِيْثٍ مِنْ أَحَادِيْثِ «مَصَابيْحِ السُّنَّةِ» لِلبَغوِيِّ ، ثمَّ شَرَحَهَا فِيْهِ ، في مِئَةِ مَجْلِس ٍ، وَأَطالَ في شَرْحِهَا .

لهُ نسَخٌ خَطية ٌ كثِيْرَة ٌ في العَالمِ ، مِنْهَا اثنتَا عَشْرَة َ نسْخة ً خَطية ً أَصْلِيَّة ً في «مَرْكزِ الملِكِ فيْصَل لِلبحُوْثِ وَالدِّرَاسَاتِ الإسْلامِيَّةِ» باِلرِّياض ِ، مَحْفوْظة ً باِلأَرْقامِ 00408)،(02278)،(03325) ،(04245) ، (06542)،(07993)،(08009)، (08798)،(09001)، (09442)،(09770)،(11559). وَنسْخة ٌ مُصَوَّرَة ٌ عَن ِ«المتْحَفِ البرِيْطانِيّ» ، مَحْفوْظة ٌ بالمرْكزِ أَيْضًا برَقمِ ب9164-9169)، وَلا أَعْلمُ أَنهُ مَطبوْع .

وَقدْ طبعَتْ رِسَالة ٌ فِيْهَا:أَرْبَعَة ُ مَجَالِسَ مِنْهُ فقط ، وَسُمِّيَتْ «المجَالِسُ الأَرْبَعَة ُ مِنْ مَجَالِس ِ الأَبْرَارِ»، كانَ المجْلِسُ الأَوَّلُ مِنْهَا «في بَيَان ِ عَدَمِ جَوَازِ الصَّلاةِ عِنْدَ القبوْرِ ، وَالاسْتِمْدَادِ مِنْ أَهْلِهَا ، وَاتِّخَاذِ السُّرُوْجِ وَالشُّمُوْعِ عَليْهَا» ، وَهَذَا هُوَ المجْلِسُ السَّابعَ عَشَرَ في الأَصْل ِ، وَفِيْهِ شَرْحُ حَدِيْثِ عَائِشَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهَا السّابق.

دآنـة وصآل 27-12-11 03:25 AM

وَقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«أَلا َإنَّ مَنْ كانَ قبْلكمْ ، كانوْا يتَّخِذُوْنَ القبوْرَ مَسَاجِدَ ، أَلا َفلا تتَّخِذُوْا القبوْرَ مَسَاجِدَ ، إني أَنهَاكمْ عَنْ ذلك»)اه.

وَقالَ العَلامَة ُ الشَّرِيْفُ الحسَنُ بْنُ خَالِدٍ الحازِمِيُّ الحسَنِيُّ (ت1234ه) في كِتَابهِ «قوْتُ القلوْب ، في تَوْحِيْدِ عَلاّمِ الغيوْب» (ص130) بَعْدَ أَنْ ذكرَ سَببَ شِرْكِ قوْمِ نوْحٍ عَليْهِ السَّلامُ فقدْ رَأَيْتَ أَنَّ سَببَ عِبَادَةِ وَدٍّ وَيَغُوْثَ وَيَعُوْقَ وَنسْرٍ وَاللاتِ : كانَ مِنْ تَعْظِيْمِهمُ المخْلوْقَ ، بمَا لمْ يَأْذنْ بهِ الله ُ، حَتَّى عَظمُوْا قبوْرَهُمْ ، وَجَعَلوْا لها تَمَاثِيْل . وَلهِذَا نهَى الشّارِعُ الحكِيْمُ عَن ِ اتِّخاذِ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ ، وَلعَنَ عَلى ذلك).

ثمَّ قالَ رَحِمَهُ الله ُ(ص131) فاتخاذُ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ تَعْظِيْمٌ لها ، وَلِذَا حَكى الله ُ عَن ِ الذِيْنَ غلبوْا عَلى أَمْرِ أَصْحَابِ الكهْفِ أَنهُمْ قالوْا " لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ". [ الكَهْفُ : 21 ] .

قدْ صَارَ هَذَا التَّعْظِيْمُ لها : وَسِيْلة ً إلىَ الفِتْنَةِ بهَا ، وَلهِذَا نهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ آخِرَ حَيَاتِهِ ، وَلعَنَ – وَهُوَ في السِّيَاق ِ– فاعِلَ ذلك .
لأَنَّ هَذِهِ العِلة َ، هِيَ التي أَوْقعَتْ كثِيْرًا مِنَ الأُمَمِ في الشِّرْكِ الأَكبَرِ وَالأَصْغر. وَلِذَا تَجِدُ أَقوَامًا يَتَضَرَّعُوْنَ عِنْدَهَا ، وَيَخْشَوْنَ بعِبَادَةٍ لا يَفعَلوْنهَا في مَوَاضِعِ العِبَادَاتِ ، وَلا أَوْقاتِ الإجَابةِ ، وَيَرْجُوْنَ مِنْ بَرَكةِ ذلِك َ مَا لا يَرْجُوْنَ في المسَاجِدِ الثلاثةِ التي تشدُّ إليْهَا الرِّحَال).

ثمَّ قالَ (ص132) وَلأَجْل ِهَذِهِ المفسَدَةِ النّاشِئَةِ مِنْ تَعْظِيْمِ المخْلوْق ِ بمَا لا يَسْتَحِقهُ : حَسَمَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَادَّتهَا ، حَتَّى نهَى عَن ِ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ مُطلقا ، وَقالَ:«الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ إلا َّ المقبَرَة» صَحَّحَهُ ابْنُ حِبّانَ(1699)،(2316)،(2321) وَالحاكِمُ(1/251)، وَإليْهِ مَالَ ابْنُ دَقِيْق ِالعِيْدِ في«الإمَام» .
وَأَوْضَحُ مِنْ هَذَا : أَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهَى عَن ِ الصَّلاةِ إلىَ القبْرِ ، فرَوَى مُسْلِمٌ في«الصَّحِيْحِ»(972) عَنْ أَبي مَرْثدٍ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «لا تَجْلِسُوْا عَلى القبوْرِ، وَلا تصَلوْا إليْهَا» ، وَإنْ لمْ يَقصِدِ المصَلي بَرَكة َ البقعَةِ ، فذَاك َ في لعْنَةِ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )اه كلامُ الحازِمِيّ.

دآنـة وصآل 27-12-11 03:27 AM

فصل

في اخْتِلافِ الأَئِمَّةِ في صِحَّةِ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ ، مَعْ قوْلِهمْ بتَحْرِيْمِهَا


قدِ اخْتَلفَ الأَئِمَّة ُ مِنَ المحَرِّمِيْنَ للصَّلاةِ في المقابرِ في صِحَّتِهَا فِيْهَا ، مَعَ اتفاقِهمْ عَلى إثمِ فاعِلِهَا .
فعَن ِ الإمَامِ أَحْمَدَ رِوَايتان ِ فِيْهَا :

إحْدَاهُمَا : أَنهَا مُحَرَّمَة ٌ وَلا تَصِحُّ ، وَهِيَ ظاهِرُ المذْهَب .
وَالثانِيَة ُ: أَنهَا تُكرَهُ ، وَتُسْتَحَبُّ الإعَادَة .

وَمِنْ أَصْحَابنَا مَنْ يَحْكِي هَذِهِ الرِّوَاية َ باِلتَّحْرِيْمِ مَعَ الصِّحَّة . وَلفظ ُ أَحْمَدَ فِيْهَا هُوَ الكرَاهَة ُ ، وَقدْ يُرِيْدُ بهَا تارَة ً التَّحْرِيْمَ ، وَتارَة ً التَّنْزِيه .

وَلِذَلِك َ اخْتَلفوْا في كرَاهِيتهِ المطلقةِ عَلى وَجْهَيْن ِ مَشْهُوْرَيْن ِ، قالهُ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْميةَ في«شَرْحِ العُمْدَة»(2/434-435).

ثمَّ قالَ شَيْخُ الإسْلامِ رَحِمَهُ الله ُ بَعْدَ ذلك(2/435-436):(وَالأَوَّلُ أَصَحُّ ، لأَنَّ قوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ ، إلا َّ المقبَرَة َ وَالحمّام»: إخْرَاجٌ لها عَنْ أَنْ تَكوْنَ مَسْجِدًا، وَالصَّلاة ُ لا تَصِحُّ إلا َّ في مَسْجِدٍ ، أَعْنِي فِيْمَا جَعَلهُ الله ُ لنا مَسْجِدًا .

وَهَذَا خِطابُ وَضْعٍ وَإخْبَارٌ ، فِيْهِ أَنَّ المقبَرَة َ وَالحمّامَ ، لمْ يُجْعَلا مَحَلا ًّ للسُّجُوْدِ ، كمَا بيَّنَ أَنَّ مَحَلَّ السُّجُوْدِ ، هُوَ الأَرْضُ الطيبة .

فإذا لمْ تَكنْ مَسْجِدًا : كانَ السُّجُوْدُ وَاقِعًا فِيْهَا فِي غيْرِ مَوْضِعِهِ ،
فلا يَكوْنُ مُعْتَدًّا بهِ ، كمَا لوْ وَقعَ في غيْرِ وَقتهِ ، أَوْ إلىَ غيْرِ جِهَتِهِ ، أَوْ فِي أَرْض ٍ خَبيْثة .

وَهَذَا الكلامُ مِنْ أَبلغِ مَا يدُلُّ عَلى الاشْتِرَاطِ ، فإنهُ قدْ يتوَهَّمُ أَنَّ العِبَادَة َ تَصِحُّ مَعَ التَّحْرِيْمِ ، إذا كانَ الخِطابُ خِطابَ أَمْرٍ وَتَكلِيْف .

أَمّا إذا وَقعَتْ في المكان ِ أَوِ الزَّمَان ِ الذِي بينَ أَنهُ ليْسَ مَحِلا ًّ لها وَلا ظرْفا : فإنهَا لا تَصِحُّ إجْمَاعًا .

وَأَيضًا ، فإنَّ نهْيَهُ عَنْ صَلاةِ المقبَرَةِ ، وَأَعْطان ِ الإبل ِ، وَالحمّامِ ، مَرَّة ً بَعْدَ مَرَّة : أَوْكدُ شَيْءٍ في التَّحْرِيْمِ وَالفسَادِ ، لا سِيَّمَا وَهُوَ نهْيٌ يَخْتَصُّ الصَّلاة َ بمعْنى فِي مَكانِهَا .

فإنَّ الرَّجُلَ إذا صَلى في مَكان ٍ نهَاهُ الله ُ وَرَسُوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَليَ فِيْهِ ، نهْيًا يَخْتَصُّ الصَّلاة َ: لمْ يَفعَلْ مَا أَمَرَهُ الله ُ بهِ ، فيبْقى فِي عُهْدَةِ الأَمْرِ ، بلْ قدْ عَصَى الله َ وَرَسُوْلهُ ، وَتعَدَّى حُدُوْدَه .

وَأَيضًا ، لعْنتهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يتخِذُ القبوْرَ مَسَاجِدَ ، وَوَصِيَّتُهُ بذَلِك َ في آخِرِ عُمْرِهِ وَهُوَ يُعَالِجُ سَكرَاتِ الموْتِ ، بَعْدَ أَنْ نهَى عَنْ ذلِك َ قبْلَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخمْس . وَبيانهُ أَنَّ فاعِلِي ذلِك َ شِرَارُ الخلق ِ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ ، وَمِنَ الأُمَمِ قبْلهَا : بيانٌ عَظِيْمٌ لِقبْحِ هَذَا العَمَل ِ، وَدَلالة ٌ عَلى أَنهُ مِنَ الكبائِرِ ، وَأَنهُ مُقارِبٌ لِلكفرِ ، بَلْ رُبمَا كانَ كفرًا صَرِيْحًا .

وَأَيضًا ، فإنَّ قوْلهُ «لا تَجُوْزُ الصَّلاة ُ فِيْهَا»: صَرِيْحٌ فِي التَّحْرِيْمِ ، وَالتَّحْرِيْمُ يَقتَضِي الفسَادَ ، خُصُوْصًا هُنَا ، وَلِذَلِك َ لا يَصِحُّ أَنْ يُقالَ هُنَا باِلتَّحْرِيْمِ مَعَ الصِّحَّة).

ثمَّ قالَ (2/437) وَأَيْضًا ، فإنَّ الصَّلاة َ فِي المكان ِ النَّجِس ِ فاسِدَة ٌ، مَعَ أَنهُ لمْ يَنْطقْ كِتَابٌ وَلا سُنَّة ٌ بأَنهَا فاسِدَة ٌ، وَلا أَنهَا غيْرُ مُجْزِئة . وَإنمَا فهمَ المسْلِمُوْنَ ذلِك َ مِنْ نهْي الشّارِعِ عَن ِ الصَّلاةِ فِيْهَا ، وَتَخْصِيْصُ الإباحَةِ باِلأَرْض ِ الطيبة .

فهذِهِ الموَاضِعُ التِي سُلِبَتِ اسْمَ المسْجِدِ ، وَترَادَفتْ أَقاوِيْلُ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باِلنَّهْيِّ عَن ِالصَّلاةِ فِيْهَا : أَوْلىَ أَنْ لا تُجْزِئَ الصَّلاة ُ فِيْهَا)اه.

دآنـة وصآل 27-12-11 03:29 AM

فصل

في بَيان ِ بُطلان ِ الصَّلاةِ في كلِّ مَسْجِدٍ بُنِيَ عَلى قبْرٍ ،

أَوْ كانَ فِيْهِ قبْر


وَلا تَجُوْزُ الصَّلاة ُ في كلِّ مَسْجِدٍ بُنِيَ عَلى قبْرٍ كمَا تَقدَّمَ ، وَلا تَصِحُّ الصَّلاة ُ فِيْهِ بحَال ٍ، لأَنَّ أَرْضَهُ جُزْءٌ مِنَ المقبَرَةِ ، إلا َّ أَنْ يُنْبَش .
سَوَاءٌ صَلى خَلفَ القبْرِ أَوْ أَمَامَهُ ، بغيْرِ خِلافٍ في المذْهَبِ ، لأَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:«إنَّ مَنْ كانَ قبْلكمْ ، كانوْا يَتَّخِذُوْنَ قبوْرَ أَنبيَائِهمْ وَصَالِحِيْهمْ مَسَاجِدَ ، أَلا فلا تتَّخِذُوْا القبوْرَ مَسَاجِدَ ، فإني أَنهَاكمْ عَنْ ذلك» ، وَغيْرَ ذلِك َ مِنَ الأَحَادِيْثِ المتقدِّمةِ في النَّهْيِّ عَنْ ذلك .

وَسَوَاءٌ كانَ لِذَلِك َ المسْجِدِ حِيْطانُ تحْجزُ بيْنَهُ وَبينَ القبوْرِ ، أَمْ كانَ مَكشُوْفا .
فإنْ كانَ المسْجِدُ خَارِجَ المقبَرَةِ ، مُنْفصِلا ً عَنْهَا ، إلا َّ أَنَّ المقبَرَة َخلفهُ ، أَوْ عَنْ يَمِيْنِهِ ، أَوْ عَنْ شِمَالِهِ : جَازَتِ الصَّلاة ُ فِيْه .

إلا َّ أَنْ يَكوْنَ المسْجدُ قدْ بُنِيَ لأَجْل ِ مُجَاوَرَتِهِ المقبرَة َ، أَوْ لأَحَدٍ فِيْهَا : فالصَّلاة ُ فِيْهِ حِيْنَئِذٍ مُحَرَّمَة ٌ فاسِدَة ٌ ، غيْرُ صَحِيْحَةٍ وَلا مُجْزِئة .

وَهَذَا هُوَ بعَيْنِهِ مَا نهَى عَنْهُ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإنْ كانَ المسْجِدُ مُنْفصِلا ً عَن ِ المقبَرَةِ . ذكرَ ذلِك َ كلهُ وَقرَّرَهُ ، شَيْخُ الإسْلامِ في«شَرْحِ العُمْدَة»(2/459و461).

كمَا أَنهُ لا فرْقَ فِي ذلِك َ، بَينَ الصَّلاةِ فِي مَسْجِدٍ بنِيَ عَلى قبرٍ ، وَبَينَ الصَّلاةِ فِي مَسْجِدٍ أُحْدِثَ دَاخِلهُ قبرٌ ، لِتَحَقق ِ عِلةِ النَّهْيِّ والتَّحْرِيْمِ فِي المسْجِدَيْن ِ وَالحالين ِ، وَالصَّلاة ُفِيْهمَا مُحَرَّمَة ٌ باطِلة .

غيرَ أَنَّ القبرَ إنْ كانَ طارِئا عَلى المسْجِدِ : وَجَبَ نبشهُ وَإخْرَاجُهُ مِنْهُ . وَإنْ كانَ المسْجِدُ هُوَ الطارِئَ عَلى القبرِ : وَجَبَ هَدْمُهُ وَإزَالته .

* * *

دآنـة وصآل 27-12-11 03:31 AM

فصل


في حُكمِ صَلاةِ مَنْ صَلى عِنْدَ قبْرٍ غيْرَ عَالمٍ باِلنَّهْيّ


أَمّا مَنْ صَلى عِنْدَ قبْرٍ ، أَوْ فِي مَقبَرَةٍ جَاهِلا ً باِلحكمِ ، غيْرَ عَالِمٍ باِلنَّهْيِّ : فقدِ اخْتَلفَ العُلمَاءُ فِي صِحَّةِ صَلاتِهِ تلِك َ: أَتصِحُّ أَمْ تجِبُ عَليْهِ إعَادَتهَا ؟

فعَن ِالإمَامِ أَحْمَدَ رِوَايتان ِ في ذلِك َ، وَكثيرٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابنَا يَنْصُرُوْنَ البُطلانَ مُطلقا ، لِلعُمُوْمَاتِ لفظا وَمَعْنَى .

وَالذِي ذكرَهُ الخلالُ : أَنْ لا إعَادَة َ عَليْهِ ، وَهَذِهِ أَشْبَهُ ، لا سِيَّمَا عَلى قوْل ِ مَنْ يَخْتَارُ مِنْهُمْ أَنَّ مَنْ نسِيَ النَّجَاسَة َ أَوْ جَهلهَا ، لا إعَادَة َ عَليْهِ .

فيَكوْنُ الجهْلُ باِلحكمِ ، كالجهْل ِ بوُجُوْدِ النَّجَاسَةِ ، إذا كانَ مِمَّنْ يُعْذَر . وَلأَنَّ النَّهْيَ لا يَثْبُتُ حُكمُهُ فِي حَقِّ المنْهيِّ حَتَّى يَعْلمَ ، فمَنْ لمْ يَعْلمْ : فهُوَ كالنّاسِي وَأَوْلىَ .

وَلأَنهُ لوْ صَلى صَلاة ً فاسِدَة ً ، لِنَوْعِ تأْوِيْل ٍ، ثمَّ تبينَ لهُ رُجْحَانُ مَا اخْتَارَهُ حِيْنَ صَلى تِلك َ الصَّلاة َ: لمْ تَجِبْ عَليْهِ الإعَادَة ُ مَعَ سَمَاعِهِ لِلحُجَّةِ ، وَبُلوْغِهَا إياه .

فالذِي لمْ يَسْمَعِ الحجَّة َ: يَجِبُ أَنْ يُعْذَرَ لِذَلِك َ، إذْ لافرْقَ بَيْنَ أَنْ يتجَدَّدَ لهُ فهْمٌ لِمَعْنًى لمْ يَكنْ قبْلَ ذلِك َ، أَوْ سَمَاعٍ لِعِلمٍ لمْ يَكنْ قبْلَ ذلِك َ إذا كانَ مَعْذُوْرًا بذَلِك َ، بخلافِ مَنْ جَهلَ بُطلانَ الصَّلاةِ فِي الموْضِعِ النَّجِس ِ، فإنَّ هَذَا مَشْهُوْرٌ ، قالهُ شَيْخُ الإسْلامِ في«شَرْحِ العُمْدَة»(2/441) وَرَجَّحَه .


* * *

دآنـة وصآل 27-12-11 03:35 AM

فصل

في حُكمِ صَلاةِ مَنْ صَلى عِنْدَ قبْرٍ ، غيْرَ عَالِمٍ به


أَمّا لوْ صَلى فِي مَوْضِعٍ لمْ يَعْلمْ أَنهُ مقبَرَة ٌ، أَوْ أَنَّ فِيْهِ قبْرًا ، ثمَّ عَلِمَ بهِ ، مَعَ عِلمِهِ بتَحْرِيْمِ الصَّلاةِ : فحُكمُ صَلاتِهِ ، كحُكمِ صَلاةِ مَنْ صَلى فِي مَوْضِعٍ نجس ٍ، لمْ يَعْلمْ بنجَاسَتِهِ ، ثمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذلك .

وَقدْ تقدَّمَ قوْلُ عُمَرَ لأَنس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا مُنبهًا لهُ عَن ِ الصَّلاةِ عِنْدَ قبْرٍ لمْ يَعْلمْ بهِ:«القبْرَ القبْرَ» وَلمْ يَأْمُرْهُ باِلإعَادَةِ ، لأَنهُ لمْ يَكنْ يَعْلمُ أَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ قبْرًا ، ذكرَ هَذَا شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ في«شَرْحِ العُمْدَة»(2/441).

وَيُحْتَجُّ لهِذَا وَمَا قبْلهُ أَيْضًا ، بحدِيْثِ أبي سَعِيْدٍ الخدْرِيِّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلى فخلعَ نعْليْهِ ، فخلعَ النّاسُ نِعَالهمْ ، فلمّا انْصَرَفَ قالَ:«لِمَ خَلعْتُمْ نِعَالكمْ؟!».

فقالوْا : يَارَسُوْلَ اللهِ ، رَأَينَاك َ خَلعْتَ فخلعْنَا .

قالَ:«إنَّ جِبْرِيْلَ أَتانِي فأَخْبَرَنِي أَنَّ بهمَا خبثا ، فإذا جَاءَ أَحَدُكمُ المسْجِدَ ، فليقلِبْ نعْلهُ ، فلينْظرْ فِيْهمَا ، فإنْ رَأَى بهَا خبثا ، فليَمْسَحْهُ باِلأَرْض ِ، ثمَّ لِيصَلِّ فِيْهمَا».

رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في«مُسْنَدِهِ»(3/20) وَأَبوْ دَاوُوْدَ في«سُننِهِ»(650) وَابنُ أَبي شيبة َفي«مُصَنفِهِ»(2/417) وَالبَيْهَقِيُّ في«سُننِهِ الكبْرَى» (2/402-403)، وَصَحَّحَهُ ابنُ خُزَيْمَة َ(1/384)،(2/107)، وَالحاكِمُ في«مُسْتَدْرَكِهِ»(1/260)، وَقالَ : حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ عَلى شَرْطِ مُسْلِمٍ ، وَلمْ يُخْرِجَاه) ، وَهُوَ كمَا قال .

* * *

دآنـة وصآل 27-12-11 03:36 AM

فصل

في بُطلان ِ صَلاةِ مَنْ صَلى عِنْدَ قبْرٍ اتفاقا مِنْ غيْرِ قصْدٍ له


أَمّا مَنْ صَلى عِنْدَ قبْرٍ اتفاقا مِنْ غيْرِ قصْدٍ لهُ ، وَهُوَ عَالِمٌ بهِ وَباِلحكمِ : فلا تجُوْزُ صَلاتهُ أَيضًا وَلا تصِحُّ ، كمَا لا يَجُوْزُ السُّجُوْدُ للهِ سُبْحَانهُ بيْنَ يَدَيْ صَنَمٍ أَوْ نارٍ، أَوْ غيْرِ ذلِك َ مِمّا يُعْبَدُ مِنْ دُوْن ِ اللهِ عَزَّ وَجَلّ .

لِمَا في ذلِك َ مِنَ التَّشَبُّهِ بعُبّادِ الأَوْثان ِ، وَفتْحِ بَابٍ لِلصَّلاةِ عِنْدَهَا ، وَاتهَامِ مَنْ يَرَاهُ أَنهُ قصَدَ الصَّلاة َ عِنْدَهَا ، أَوْ أَنْ يَقتَدِيَ بَعْضُ الجهّالُ بهِ إنْ كانَ مَتْبُوْعًا .

وَلأَنَّ ذلِك َ مَظِنة ُ تِلك َ المفسَدَةِ ، فيعلقُ الحكمُ بهَا ، لأَنَّ الحِكمَة َ قدْ لا تنْضَبط ُ، وَلأَنَّ في ذلِك َ حَسْمًا لِهَذِهِ المادَّةِ ، وَتَحْقِيْقَ الإخْلاص ِ وَالتَّوْحِيْدِ ، وَزَجْرًا لِلنفوْس ِ أَنْ تتعَرَّضَ لِلقبوْرِ بعِبَادَةٍ ، وَتقبيْحًا لِحَال ِ مَنْ يَفعَلُ ذلك .

وَلِهَذَا نهَى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ِ الصَّلاةِ عِنْدَ طلوْعِ الشَّمْس ِ، لأَنَّ الكفارَ يَسْجِدُوْنَ لِلشَّمْس ِحِيْنَئِذٍ ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ»(832) إبْعَادًا لِلمُؤْمِنِيْنَ عَنْ مُشابَهَةِ المشْرِكِيْنَ ، وَحَذَرًا مِنْ سُلوْكِ طرِيْقِهمْ المهيْن .

قالَ شَيْخُ الإسْلامِ في«شَرْحِ العُمْدَةِ» بَعْدَ أَنْ ذكرَ مَا سَبقَ (2/461) وَكذَلِك َ قصْدُهُ – أَي القبْرَ – لِلصَّلاةِ فِيْهِ ، وَإنْ كانَ أَغلظ َ، لكِنْ هَذَا البَابُ سَوَّى في النَّهْيِّ فِيْهِ بَيْنَ القاصِدِ وَغيْرِ القاصِدِ ، سَدًّا لِبَابِ الفسَاد).

وَقالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ في مَوْضِعٍ آخَرَ - كمَا في «مَجْمُوْعِ الفتَاوَى»(27/489)- وَقدْ نهَى النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَن ِ الصَّلاةِ عِنْدَ طلوْعِ الشَّمْس ِ وَعِنْدَ غرُوْبهَا ، وَعِنْدَ وُجُوْدِهَا فِي كبدِ السَّمَاءِ ، وَقالَ:«إنهُ حِيْنَئِذٍ يَسْجُدُ لهَا الكفار»[م(832)] فنَهَى عَنْ ذلِك َ، لِمَا فيْهِ مِنَ المشابهَةِ لهمْ ، وَإنْ لمْ يَقصِدِ المصَلي السُّجُوْدَ إلا َّ لِلوَاحِدِ المعْبُوْد)اه .

دآنـة وصآل 27-12-11 03:38 AM

فصل

في اسْتِوَاءِ الحكمِ في الصَّلاةِ عِنْدَ قبْرٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكثرَ ،

وَأَنهَا صَلاة ٌ بَاطِلة ٌ عَلى كلِّ حَال


قدْ فرَّقَ بَعْضُ أَهْل ِ العِلمِ ، المحَرِّمِيْنَ لِلصَّلاةِ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ ، بَيْنَ صَلاةِ مَنْ صَلى عِنْدَ قبْرٍ وَاحِدٍ أَوْ قبْرَيْن ِ، وَبَيْنَ مَنْ صَلى عِنْدَ أَكثرَ مِنْ ذلِك َ، فخصُّوْا التَّحْرِيْمَ بثلاثةٍ فصَاعِدًا !

وَهَذَا قوْلٌ مُطرَحٌ ، وَالصَّوَابُ خِلافهُ ، وَأَنهُ لا فرْقَ بَيْنَ الصَّلاةِ في مَوْضِعٍ فِيْهِ قبْرٌ أَوْ قبْرَان ِ، وَبَيْنَ أَكثرَ مِنْ ذلك .

وَعِلة ُ النَّهْيِّ وَالتَّحْرِيْمِ - كمَا عَلِمْتَ - مُتَحَققة ٌ وَمُعَلقة ٌ بوُجُوْدِ القبْرِ، وَلا تعَلقَ لهَا باِلعَدَد .

وَليْسَ في الأَحَادِيْثِ النبَوِيةِ النّاهِيَةِ عَنْ ذلِك َ، هَذَا الفرْقُ ، وَالأَصْلُ بَقاءُ عُمُوْمِهَا مَا لمْ يأْتِ مُقيِّدٌ أَوْ مُخصِّص . وَمَنْ قيَّدَهَا أَوْ خَصَّصَهَا دُوْنَ ذلِك َ: لزِمَهُ الدَّلِيْلُ ، وَقدْ عَلِمْتَ أَنْ لا دَلِيْل .

كمَا أَنهُ ليْسَ في كلامِ الإمَامِ أَحْمَدَ وَعَامَّةِ أَصْحَابهِ : هَذَا الفرْقُ . بَلْ عُمُوْمُ كلامِهمْ وَتَعْلِيْلِهمْ وَاسْتِدْلالِهمْ : يُوْجِبُ مَنْعَ الصَّلاةِ عِنْدَ كلِّ قبْرٍ ، وَاحِدًا كانَ أَوْ أَكثر .

وَالمفسَدَة ُ المخوْفة ُ في الصَّلاةِ عِنْدَ قبوْرٍ كثِيْرَةٍ : مُتَحَققة ٌ في الصَّلاةِ عِنْدَ قبْرٍ فرْدٍ مُنْفرِد . بَلْ رُبمَا كانتْ فِيْهِ أَعْظمَ وَأَشَدَّ ، لِشُبْهَةِ اخْتِصَاص ِ ذلِك َ القبْرِ بمَزِيدِ فضْل ٍ وَنفعٍ ، ليْسَ في عَامَّةِ القبوْرِ غيْرِه .

قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ في«شَرْحِ العُمْدَةِ»(2/461) فمَنْ صَلى عِنْدَ شَيْءٍ مِنَ القبوْرِ ، فقدِ اتخذَ ذلك القبْرَ مَسْجِدًا ، إذِ المسْجدُ في هَذَا البابِ المرَادُ بهِ : مَوْضِعُ السُّجُوْدِ مُطلقا .

لا سِيَّمَا وَمُقابلة ُ الجمْعِ باِلجمْعِ ، يَقتضِي توْزِيْعَ الأَفرَادِ عَلى الأَفرَادِ ، فيكوْنُ المقصُوْدُ : لا يُتخذُ قبْرٌ مِنَ القبوْرِ مَسْجِدًا مِنَ المسَاجِدِ ، وَلأَنهُ لوِ اتخِذَ قبْرُ نبيٍّ ، أَوْ قبْرُ رَجُل ٍ صَالِحٍ مَسْجِدًا : لكانَ حَرَامًا باِلاتفاق ِ، كمَا نهَى عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فعُلِمَ أَنَّ العَدَدَ لا أَثرَ له)اه.

دآنـة وصآل 27-12-11 03:41 AM

فصل

في حُكمِ الصَّلاةِ في عُلوِّ المقبَرَةِ ، وَبيان ِ أَنهَا باطِلة ٌ، لِتَحَقق ِ العِلةِ وَعُمُوْمِ الأَدِلة


أَمّا الصَّلاة ُ في عُلوِّ المقبَرَةِ ، وَعُلوِّ بقِيَّةِ الموَاضِعِ المنْهيِّ عَن ِ الصَّلاةِ فِيْهَا : فقدِ اخْتَلفَ مُحَرِّمُو الصَّلاةِ فِيْهَا في ذلك :

فقالَ مُحَققوْهُمْ : لا فرْقَ بَيْنَ سُفلِهَا وَعُلوِّهَا ، لأَنَّ الاسْمَ يتناوَلُ الجمِيْعَ ، وَالحكمُ مُعَلقٌ باِلاسْم .

وَقالوْا : وَيَدْخُلُ في كلِّ مَوْضِعٍ مِنْهَا ، مَا يَدْخُلُ فِيْهِ مُطلقُ البَيْعِ وَالهِبَةِ مِنْ حُقوْق ٍ، مِنْ سُفلِهِ وَعُلوِّهِ ، اعْتِبَارًا بمَا يقعُ عَليْهِ الاسْمُ عِنْدَ الإطلاق ِ، فمَنْ باعَ دَارًا : دَخَلَ في ذلِك َ سُفلهَا وَعُلوُّهَا ، لِوُقوْعِ الاسْمِ عَلى الجمِيْعِ عِنْدَ الإطلاق ِ، وَلأَنَّ الحكمَ تَعَبُّدٌ ، فيناط ُ بمَا يَدْخُلُ في الاسْم .

ثمَّ قالَ المحَرِّمُوْنَ لِلصَّلاةِ في عُلوِّ المقابرِ: إنْ كانَ قدْ بُنِيَ عَلى المقابرِ :

· بناءٌ مَنْهيٌّ عَنْهُ كمَسْجِدٍ ،

· أَوْ بناءٌ في مَقبَرَةٍ مُسَبَّلةٍ :

كانتِ الصَّلاة ُ في عُلوِّ هَذَيْن ِ المبْنَيَيْن ِ : صَلاة ً مُحَرَّمَة ً غيْرَ صَحِيْحَةٍ ، لأَنهُمَا مَوْضِعَان ِ مُحَرَّمَان .

أَمّا الأَوَّلُ : فلأَنهُ صَلى في مَسْجِدٍ في القبوْرِ ، وَاتخاذ ٌ لِلقبوْرِ مَسَاجِدَ ، وَدُخُوْلٌ في لعْن ِالنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الكِتَابِ عَليْهِ . فإنهُمْ لمّا اتخذُوْا الأَبنِيَة َ عَلى قبوْرِ أَنْبيَائِهمْ وَصَالِحِيْهمْ : لعِنوْا عَلى ذلِك َ، سَوَاءٌ صَلوْا في قرَارِ المبْنَى أَوْ عُلوِّه .

أَمّا الثانِي: فلأَنَّ الصَّلاة َ فِيْهِ صَلاة ٌعَلى مَكان ٍ مَغْصُوْبٍ ، وَالخِلافُ في صِحَّةِ الصَّلاةِ في المكان ِ المغْصُوْبِ مَعْلوْمٌ مَشْهُوْرٌ ، مَعَ تَحَقق ِ العِلةِ الأُوْلىَ فِيْهِ كذَلِك .

أَمّا إنْ كانَ الميِّتُ مَدْفوْنا في دَارٍ ، أَعْلاهَا باق ٍ عَلى الإعْدَادِ لِلسُّكنَى : فذَكرَ بَعْضُ الأَصْحَابِ جَوَازَ الصَّلاةِ فِيْه .

وَالذِي عَليْهِ المحَققوْنَ مِنْ أَهْل ِ العِلمِ ، حَنَابلة ً وَغيْرَهُمْ ، وَالذِي يَدُلُّ عَليْهِ كلامُ الإمَامِ أَحْمَدَ ، وَأَكثرِ أَصْحَابهِ : أَنهُ لا يُصَلى فِيْهِ ، لأَنَّ هَذَا البناءَ مَنْهيٌّ عَنْهُ ، وَهُوَ تابعٌ لِلقرَارِ في الاسْم .

وَلأَنَّ الصَّلاة َ في عُلوِّ هَذَا المكان ِ باِلنِّسْبةِ إلىَ الميِّتِ ، كالصَّلاةِ في أَسْفلِه .

وَلأَنَّ حِكمَة َ النَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ عِنْدَ القبْرِ : هُوَ مَا فِيْهِ مِنَ فتْحِ ذرِيْعَةٍ لِلشِّرْكِ ، وَمُشابهَةِ أَهْل ِ الكِتَابِ ، باِلتَّعْظِيْمِ المفضِي إلىَ اتخاذِ القبوْرِ أَوْثانا .

وَهَذِهِ الحِكمَة ُ مَوْجُوْدَة ٌ باِلصَّلاةِ في قرَارِ الأَبنِيَةِ وَعُلوِّهَا ، سَوَاءٌ قصَدَ المصَلي ذلِك َ، أَوْ تشَبَّهَ بمَنْ يَقصِدُ ذلِك َ، وَخِيْفَ أَنْ يَكوْنَ
ذرِيْعَة ً إلىَ ذلك .

وَقدْ ذكرَ ذلِك َ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ في«شَرْحِ العُمْدَةِ» ، وَرَجَّحَهُ بمَا سَبَقَ (2/471-475).

وَكذَلِك َ الحالُ في كلِّ مَا دَخَلَ في اسْمِ المقبَرَةِ ، مِمّا حَوْلَ القبوْرِ : لا يُصَلى فِيْه .

فعَلى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكوْنَ المنْعُ مُتَنَاوِلا ً لِحَرِيْمِ القبْرِ المفرَدِ ، وَفِنَائِهِ المضافِ إليْهِ ، قالهُ الأَصْحَابُ ، وَذكرَهُ وَرَجَّحَهُ شَيْخُ الإسْلامِ في «شَرْحِ العُمْدَةِ»(2/461).

وَهُوَ الذِي تَدُلُّ عَليْهِ الأَدِلة ُ كمَا سَبَقَ ، وَإخْرَاجُ هَذِهِ الموَاضِعِ مِنْ عُمُوْمِ الأَدِلةِ ، تَحَكمٌ غيْرُ مَقبوْل .

دآنـة وصآل 27-12-11 03:43 AM

فصل

في حُكمِ الصَّلاةِ إلىَ القبوْر


أَمّا الصَّلاة ُ إلىَ القبْرِ : فصَلاة ٌ مُحَرَّمَة ٌ غيْرُ صَحِيْحَةٍ كذَلِك َ، لِحَدِيْثِ أَبي مَرْثدٍ الغنوِيِّ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ لا تُصَلوْا إلىَ القبوْرِ ، وَلا تَجْلِسُوْا عَليْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ في«صَحِيْحِه»(972).

وَبهَذَا قالَ كثِيْرٌ مِنَ الأَصْحَابِ ، مِنْهُمُ الآمِدِيُّ ، وَأَبوْ عَبْدِ اللهِ ابنُ حَامِدٍ ، وَأَبوْ محمَّدٍ ابنُ قدَامَة َ، وَشَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َ رَحِمَهُمُ الله .

وَذكرَ القاضِي أَبُوْ يَعْلى مُحَمَّدُ بْنُ الحسَين ِ ابْنُ الفرّاءِ البَغدَادِيُّ (ت458ه):أنَّ حُكمَهُ حُكمُ المصَلي فِيْهَا ، لأَنَّ الهوَاءَ تابعٌ لِلقرَارِ ، فيَثبتُ فِيْهِ حُكمُهُ ، وَلِذَلِك َ لوْ حَلفَ لا يدْخُلُ دَارًا ، فدَخَلَ سَطحَهَا : حَنِثَ . وَلوْ خَرَجَ المعْتكِفُ إلىَ سَطحِ المسْجِدِ : كانَ لهُ ذلِك َ، لأَنَّ حُكمَهُ حُكمُ المسْجِد)([1]).

وَجَوَّزَ بَعْضُ أَهْل ِ العِلمِ الصَّلاة َ في عُلوِّ الموَاضِعِ المنْهيِّ عَنْهَا ، وَقالوْا الصَّحِيْحُ قصْرُ النَّهْيِّ عَلى مَا تناوَلهُ ، وَأَنهُ لا يُعَدَّى إلىَ غيْرِهِ ، لأَنَّ الحكمَ إنْ كانَ تَعَبُّدِيًّا : فالقِيَاسُ فِيْهِ مُمْتَنِعٌ ، وَإنْ عُللَ : فإنمَا يُعَللُ بكوْنهِ لِلنجَاسَةِ ، وَلا يتخيلُ هَذَا في سَطحِهَا).

وَكلامُهُمْ هَذَا مَرْدُوْدٌ إنْ أُطلِقَ ، فإنهُ لا يَصِحُّ إطلاقهُ إلا َّ عَلى الموَاضِعِ التِي عِلة ُ النَّهْيِّ فِيْهَا النَّجاسَة ُ، مَعَ مَنْعِ جَمَاعَاتٍ مِنْ أَهْل ِ العِلمِ إطلاقهُ فِيْهَا ، وإنْ كانتِ العِلة ُ النَّجَاسَة ُ كمَا تقدَّمَ في كلامِ القاضِي وَكلامِ غيْرِه .

إلا َّ أَنهُ لا يَصِحُّ إدْخَالُ عُلوِّ المقبَرَةِ في ذلِك َ البتة َ، لاخْتِلافِ العِلةِ ، وَتَحَقق ِ عِلةِ النَّهْيِّ الحقِيْقِيَّةِ عَن ِالصَّلاةِ في المقبَرَةِ في العُلوِّ وَفي السُّفل . وَقدْ قرَّرْنا في فصْل ٍ تقدَّمَ(ص27-43): أَنَّ عِلة َ النَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ في المقابرِ وَعِنْدَهَا ، هُوَ مَا في ذلك مِنْ فتْحِ بَابٍ لِلشِّرْكِ وَذرِيْعَةٍإليْهِ ، وَمَا فِيْهِ مِنْ مُشَابَهَةِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى المتخِذِيْنَ قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِد .

قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمية َفي«شَرْحِ العُمْدَةِ»(2/480-481): (وَذهَبَتْ طائِفة ٌ مِنْ أَصْحَابنا إلىَ جَوَازِ الصَّلاةِ إلىَ هَذِهِ الموَاضِعِ مُطلقا – أَي الموَاضِعَ المنْهيَّ عَن ِالصَّلاةِ فِيْهَا- مِنْ غيْرِ كرَاهَةٍ ! وَهُوَ قوْلٌ ضَعِيْفٌ ، لا يَلِيْقُ باِلمذْهَب .

وَمِنْهُمْ : مَنْ لمْ يَكرَهْ ذلِك َ إلا َّ في القبْرِ خَاصَّة ً، لأَنَّ النَّهْيَ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنمَا صَحَّ في الصَّلاةِ إلىَ القبوْرِ كمَا تقدَّم .

وَلأَنهَا هِيَ التِي يُخافُ أَنْ تُتَّخذَ أَوْثانا ، فالصَّلاة ُ إليْهَا شَبيْهَة ٌ باِلصَّلاةِ بيْنَ يَدَيْ الصَّنَمِ ، وَذلِك َ أَعْظمُ مِنَ الصَّلاةِ بَيْنَهَا .

وَلِهَذَا يَكرَهُوْنَ مِنَ الصَّلاةِ إلىَ القبْرِ ، مَا لا يَكرَهُوْنهُ مِنَ الصَّلاةِ إلىَ المقبَرَة .

وَهَذِهِ حُجَّة ُ مَنْ رَأَى التَّحْرِيْمَ وَالإبطالَ ، مُخْتَصًّا باِلصَّلاةِ إلىَ القبْرِ ، وَإنْ كرِهَ الصَّلاة َ إلىَ تِلك َ الأَشْيَاءِ ، وَهُوَ قوْلٌ قوِيٌّ جِدًّا ، وَقدْ قالهُ كثِيْرٌ مِنْ أَصْحَابنا .

وَوَجْهُ الكرَاهَةِ في الجمِيْعِ : مَا تقدَّمَ عَن ِ الصَّحَابةِ وَالتابعِيْنَ مِنْ غيْرِ خِلافٍ عَلِمْنَاهُ بَيْنَهُمْ ، وَلأَنَّ القبوْرَ قدِ اتخِذَتْ أَوْثانا وَعُبدَتْ ، وَالصَّلاة ُ إليْهَا يُشبهُ الصَّلاة َ إلىَ الأَوْثان ِ، وَذلِك َ حَرَامٌ ، وَإنْ لمْ يقصِدْهُ المرْءُ ، وَلِهَذَا لوْ سَجَدَ إلىَ صَنَمٍ بَيْنَ يدَيهِ لمْ يَجُزْ ذلك)اه.

وَقالَ الشَّيْخُ العَلامَة ُ عَبْدُ الرَّحْمَن ِ بْنُ حَسَن ِ بْن ِ مُحَمَّدِ بْن ِ عَبْدِ الوَهّابِ آل الشَّيْخِ رَحِمَهُمُ الله ُ في«فتْحِ المجِيْدِ»(ص207): (قوْلهُ:«وَالذِيْنَ يَتَّخِذُوْنَ القبوْرَ مَسَاجِدَ» أَي : وَإنَّ مِنْ شِرَارِ النّاس ِ الذِيْنَ يَتَّخِذُوْنَ القبوْرَ مََسَاجِدَ ، أَي باِلصَّلاةِ عِنْدَهَا وَإليْهَا ، وَبناءِ المسَاجِدِ عَليْهَا، وَتقدَّمَ في الأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ أَنَّ هَذَا مِنْ عَمَل ِاليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى) اه.

[1] - «المغْني» لابْن ِ قدَامَة (1/474).

دآنـة وصآل 27-12-11 03:55 AM

فصل

في فسَادِ ظنِّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الفِتْنَة َ قدْ أُمِنَتْ مِنْ تَعْظِيْمِ أَصْحَابِ القبوْرِ ، وَتَصْوِيْرِ التَّمَاثِيْل ِ، وَبيان ِأَنهَا فِتْنَة ٌ عَمْيَاءُ خَطِيْرَة ٌ لا تؤْمَن


قدْ ظنَّ بَعْضُ مَنْ لمْ يَعْرِفْ مَلة َ إبْرَاهِيْمَ الحنِيْفِيَّة َ حَقَّ المعْرِفةِ([1])، عَليْهِ وَعَلى نبيِّنَا أَفضَلُ الصَّلاةِ وَالتَّسْلِيْمِ : أَنَّ مَا خَشِيَه ُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلى أُمَّتِهِ مِنْ تَعْظِيْمِ القبوْرِ وَآثارِ الصّالِحِيْنَ ، وَتَصْوِيْرِ تمَاثِيْلِهمُ المفضِي إلىَ عِبَادَتِهَا وَعِبَادَتِهمْ : إنمَا كانَ ذلِك َ في أَوَّل ِ الأَمْرِ ، لِقرْبِ العَهْدِ بعِبَادَةِ الأَوْثان . أَمّا اليوْمَ : فلا ، فقدْ أُمنَتْ هَذِهِ الفِتْنَة !

وَهَذَا باطِلٌ ، بَلْ إنْ كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ خَشِيَ تِلك َ الفِتْنة َ عَلى أُمَّتِهِ وَصَحَابتهِ ، وَهُوَ فِيْهمْ بيْنَ أَظهُرِهِمْ ، وَفِيْهمْ أَصْحَابهُ ، وَهُمْ حَدِيثو عَهْدٍ باِلوَحْيِّ ، وَقدْ ظهرَ التَّوْحِيْدُ وَاسْتَقرَّ ، وَزَهَقَ الباطِلُ وَالشِّرْك ُ وَاندَحَرَ : فمَا يُخْشَى عَلى مَنْ بَعْدَهُمْ – بَعْدَ وَفاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذهَابِ أَصْحَابهِ ، وَتصَرُّمِ القرُوْن ِ المفضَّلةِ ، وَتخرُّمِ أَئِمَّةِ الإسْلامِ فِيْهَا – لهُوَ أَكثرُ وَأَكبر .

لِهَذَا لمّا حَذَّرَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ مِنْ فِتْنَةِ المسِيْحِ الدَّجّال ِ، وَبالغَ في التَّحْذِيْرِ حَتَّى قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«مَا بَعَثَ الله ُمِنْ نبيٍّ إلا َّ أَنذَرَ أُمَّتَهُ ، أَنذَرَهُ نوْحٌ وَالنَّبيُّوْنَ مِنْ بَعْدِهِ ، وَإنهُ يَخْرُجُ فِيْكمْ فمَا خَفِيَ عَليْكمْ مِنْ شَأْنِهِ ، فليْسَ يَخْفى عَليْكمْ أَنَّ رَبَّكمْ ليْسَ عَلى مَا يَخْفى عَليْكمْ (ثلاثا).

إنَّ رَبَّكمْ ليْسَ بأِعْوَرَ ، وَإنهُ أَعْوَرُ عَيْن ِ اليمْنَى ، كأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَة ٌ طافِيَة» رَوَاهُ البُخارِيُّ في«صَحِيْحِهِ»(4403)،(3057) ، (3337) وَمُسْلِمٌ (169) مِنْ حَدِيْثِ ابن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا .

فلمّا حَذَّرَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ ، وَخَشِيَ أَصْحَابهُ عَلى أَنفسِهمْ فِتْنَتهُ وَشَرَّهُ : قالَ لهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطمْئِنًا:«غيْرُ الدَّجّال ِ أَخْوَفنِي عَليْكمْ ، فإنْيخْرُجْ وَأَنا فِيْكمْ فأَنا حَجِيْجُهُ دُوْنكمْ . وَإنْ يَخْرُجْ وَلسْتُ فِيْكمْ ، فامْرُؤٌ حَجِيْجُ نفسِهِ ، وَالله ُ خَلِيْفتِي عَلى كلِّ مُسْلم .

إنهُ شَابٌّ جَعْدٌ قطط ٌ، عَيْنُهُ طافِيَة ٌ، وَإنهُ يَخْرُجُ مِنْ خلةٍ بينَ الشّامِ وَالعِرَاق ِ، فعاثٍ يَمِيْنًا وَشِمَالا ً، يَا عِبَادَ اللهِ اثبتوْا» رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في«مُسْنَدِهِ»(4/181) وَمُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ»(2937) وَالتِّرْمِذِيُّ(2240) وَأَبوْ دَاوُوْدَ(4321) وَابنُ مَاجَهْ(4075) مِنْ حَدِيْثِ النوّاس ِ بْن ِسَمْعَانَ رَضِيَ الله ُ عَنْه .

[1] - كأَحْمَدِ بْن ِمُحَمَّدِ بْن ِ الصِّدِّيْق ِالغمَارِيِّ المغرِبيّ(ت1380ه) في كِتَابهِ «إحْيَاءِ المقبوْر، مِنْ أَدِلةِ اسْتِحْبَابِ بناءِ المسَاجِدِ وَالقِبَابِ عَلى القبوْر».

وَقدْ بيَّنَ الشَّيْخُ الأَلبَانِيُّ رَحِمَهُ الله ُ في كِتَابهِ «تَحْذِيْرِ السّاجِد ، مِنَ اتِّخاذِ القبوْرِ مَسَاجِد»: فسَادَ ذلِك َ الكِتَابِ وَضَعْفهُ وَتنَاقضَ مُؤَلفِه .

وَمِنْ ذلِك َ: أَنَّ الغمَارِيَّ زَعَمَ فِيْهِ(ص18-19): أَنَّ الأَئِمَّة َ اتفقوْا عَلى تَعْلِيْل ِ النَّهْيِّ عَن ِ اتِّخَاذِ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ بعِلتَيْن ِ، قالَ:
(إحْدَاهُمَا : أَنْ يُؤَدِّيَ إلىَ تَنْجِيْس ِ المسْجِد .

وَثانِيْهمَا – وَهُوَ قوْلُ الأَكثرِيْنَ ، بَل ِ الجمِيْعِ حَتَّى مَنْ نصَّ عَلى العِلةِ السّابقةِ-: أَنَّ ذلِك َ قدْ يُؤَدِّي إلىَ الضَّلال ِ وَالفِتنةِ باِلقبْر).

ثمَّ زَعَمَ الغمَارِيُّ (ص20-21): أَنَّ هَذِهِ العِلة َ الأَخِيْرَة َ، قدِ انتفتْ برُسُوْخِ الإيْمَان ِ في نفوْس ِ المؤْمِنِيْنَ ، وَنشأَتِهمْ عَلى التَّوْحِيْدِ الخالِص ِ، وَاعْتِقادِهِمْ نفيَ الشَّرِيْكِ مَعَ اللهِ تَعَالىَ ، وَأَنهُ سُبْحَانهُ المنْفرِدُ باِلخلق ِ وَالإيْجَادِ وَالتَّصْرِيْف .

ثمَّ قالَ وَباِنتِفاءِ العِلةِ ، يَنْتفِي الحكمُ المترَتبُ عَليْهَا : وَهُوَ كرَاهَة ُ اتخاذِ المسَاجِدِ وَالقِبَابِ عَلى قبوْرِ الأَوْلِيَاءِ وَالصّالحِين).

وَقدْ رَدَّ عَليْهِ الشَّيْخُ الأَلبانِيُّ في كِتَابهِ السّابق ِ(ص112-134) ، وَبيَّنَ بُطلانَ زَعْمِهِ هَذَا، وَأَنَّ اعْتِقادَ الرَّجُل ِ انفِرَادَ اللهِ باِلخلق ِ وَالإيْجَادِ وَالتَّصْرِيْفِ ، دُوْنَ إفرَادِهِ وَحْدَهُ سُبْحَانهُ باِلعِبَادَةِ : لا يَنْفعُهُ ، كمَا أَنَّ إيْمَانَ مُشْرِكِي العَرَبِ المتقدِّمِيْنَ بذَلِك َ لمْ يَنْفعْهُمْ ، لِصَرْفِهمْ شَيْئًا مِنَ العِبَادَةِ لِغيْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، قالَ سُبْحَانهُ:{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِي اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِي اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ }.

وَقالَ سُبْحَانهُ: { قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنْ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ }.

فإنَّ كفرَهُمْ لمْ يَأْتِهمْ مِنْ إخْلالهِمْ بتوْحِيْدِ الرُّبوْبيَّةِ ، وَإنمَا جَاءَهُمْ مِنْ إشْرَاكِهمْ في تَوْحِيْدِ العِبَادَة .

ثمَّ بيَّنَ الشَّيْخُ الأَلبَانِيُّ(ص115) تنَاقضَ الغمَارِيِّ ، وَأَنهُ مَعَ زَعْمِهِ رُسُوْخَ الإيْمَان ِ في نفوْس ِ النّاس ِ، وَنشْأَتِهمْ عَلى التَّوْحِيْدِ الخالِص ِ: ناقضَ نفسَهُ بَعْدَ زَعْمِهِ ذلِك َ بصَفحَاتٍ ، فذَكرَ أَنَّ كثِيْرًا مِنَ العَامَّةِ باِلمغرِبِ ، يَعْتقِدُوْنَ وَينْطقوْنَ في حَقِّ جُمْلةٍ مِنَ الصّالحِيْنَ بمَا هُوَ كفرٌ صَرِيْحٌ مُخْرِجٌ مِنَ المِلة !

وَمِنْ ذلِك َ: قوْلُ الغمَارِيِّ(ص22) فإنَّ عِنْدَنا باِلمغرِبِ مَنْ يَقوْلُ عَن ِ القطبِ الأَكبَرِ مَوْلانا عَبْدِ السَّلامِ بْن ِمشّيْش رَضِيَ الله ُ عَنْهُ:«إنهُ الذِي خَلقَ الدِّيْنَ وَالدُّنيَا».

وَمِنْهُمْ : مَنْ قالَ وَالمطرُ نازِلٌ بشِدَّةٍ:«يَا مَوْلانا عَبْدَ السَّلامِ أُلطفْ بعِبَادِك»!: فهَذَا كفرٌ)اه كلامُه.

فمَعَ وُقوْفِ الغمَارِيِّ عَلى مَا تقدَّمَ ، وَسَمَاعِهِ لهُ: زَعَمَ مَا زَعَمَ! وَادَّعَى مَا ادَّعَى! فأَينَ توْحِيْدُ أُوْلئِك َ الخالِصُ ، وَشِرْكهُمْ باِللهِ ظاهِر؟!

بَلْ إنَّ شِرْكهُمْ أَعْظمُ مِنْ شِرْكِ مُشْرِكِي العَرَبِ القدَامَى ، فالمشْرِكوْنَ القدَامَى سَالمِوْنَ في تَوْحِيْدِ الرُّبوْبيَّةِ كمَا تقدَّمَ ، وَإشْرَاكهُمْ إنمَا هُوَ في تَوْحِيْدِ العِبَادَة . أَمّا إذا اضْطرُّوْا وَضَاقتْ عَليْهمُ السُّبُلُ : فيُخْلِصُوْنَ التَّوْحِيْدَ وَالعِبَادَة َللهِ ، كمَا قالَ عَنْهُمْ سُبْحَانهُ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } .

أَمّا مُشْرِكو زَمَانِنَا : فشِرْكهُمْ مُطرِدٌ مَعَهُمْ في أَحْوَالهِمْ كلهَا ! بَلْ إنهُمْ يُخْلِصُوْنَ الشِّرْك َ باِللهِ في شَدَائِدِهِمْ ، فإنهُمْ رُبَّمَا دَعَوا الله َوَمَعَهُ غيْرَهُ في الرَّخَاءِ ، فإذا اشْتَدَّ بهمُ الكرْبُ ، وَبعُدَ عَنْ ظنِّهمُ الفرَجُ : أَخْلصُوْا الدُّعَاءَ لِشُرَكائِهمْ مِنْ دُوْن ِ اللهِ ، وَلمْ يَدْعُوْهُ سُبْحَانه .

بَلْ إنَّ كثِيْرًا مِنْهُمْ : قدْ فسَدَ عِنْدَهُ تَوْحِيْدُ الرُّبوْبيَّةِ أَيضًا – فصَارَ شِرْكهُ وَكفرُهُ أَعْظمَ مِنْ كفرِ المتقدِّمِيْنَ مِنْ غيْرِ وَجْهٍ –: فيزْعُمُ أَنَّ فلانا لهُ تَصَرُّفٌ في الكوْن ِ! أَوْ خَلقُ الدُّنيا وَالدِّين ِ! كمَا في قوْل ِ ذلِك َ المشْرِكِ الذِي حَكى قوْلهُ الغمَارِيّ.

دآنـة وصآل 27-12-11 04:04 AM

وَهَذَا باطِلٌ ، بَلْ إنْ كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ خَشِيَ تِلك َ الفِتْنة َ عَلى أُمَّتِهِ وَصَحَابتهِ ، وَهُوَ فِيْهمْ بيْنَ أَظهُرِهِمْ ، وَفِيْهمْ أَصْحَابهُ ، وَهُمْ حَدِيثو عَهْدٍ باِلوَحْيِّ ، وَقدْ ظهرَ التَّوْحِيْدُ وَاسْتَقرَّ ، وَزَهَقَ الباطِلُ وَالشِّرْك ُ وَاندَحَرَ : فمَا يُخْشَى عَلى مَنْ بَعْدَهُمْ – بَعْدَ وَفاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَذهَابِ أَصْحَابهِ ، وَتصَرُّمِ القرُوْن ِ المفضَّلةِ ، وَتخرُّمِ أَئِمَّةِ الإسْلامِ فِيْهَا – لهُوَ أَكثرُ وَأَكبر .
لِهَذَا لمّا حَذَّرَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ مِنْ فِتْنَةِ المسِيْحِ الدَّجّال ِ، وَبالغَ في التَّحْذِيْرِ حَتَّى قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«مَا بَعَثَ الله ُمِنْ نبيٍّ إلا َّ أَنذَرَ أُمَّتَهُ ، أَنذَرَهُ نوْحٌ وَالنَّبيُّوْنَ مِنْ بَعْدِهِ ، وَإنهُ يَخْرُجُ فِيْكمْ فمَا خَفِيَ عَليْكمْ مِنْ شَأْنِهِ ، فليْسَ يَخْفى عَليْكمْ أَنَّ رَبَّكمْ ليْسَ عَلى مَا يَخْفى عَليْكمْ (ثلاثا).
إنَّ رَبَّكمْ ليْسَ بأِعْوَرَ ، وَإنهُ أَعْوَرُ عَيْن ِ اليمْنَى ، كأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَة ٌ طافِيَة» رَوَاهُ البُخارِيُّ في«صَحِيْحِهِ»(4403)،(3057) ، (3337) وَمُسْلِمٌ (169) مِنْ حَدِيْثِ ابن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا .
فلمّا حَذَّرَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ ، وَخَشِيَ أَصْحَابهُ عَلى أَنفسِهمْ فِتْنَتهُ وَشَرَّهُ : قالَ لهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُطمْئِنًا:«غيْرُ الدَّجّال ِ أَخْوَفنِي عَليْكمْ ، فإنْيخْرُجْ وَأَنا فِيْكمْ فأَنا حَجِيْجُهُ دُوْنكمْ . وَإنْ يَخْرُجْ وَلسْتُ فِيْكمْ ، فامْرُؤٌ حَجِيْجُ نفسِهِ ، وَالله ُ خَلِيْفتِي عَلى كلِّ مُسْلم .
إنهُ شَابٌّ جَعْدٌ قطط ٌ، عَيْنُهُ طافِيَة ٌ، وَإنهُ يَخْرُجُ مِنْ خلةٍ بينَ الشّامِ وَالعِرَاق ِ، فعاثٍ يَمِيْنًا وَشِمَالا ً، يَا عِبَادَ اللهِ اثبتوْا» رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في«مُسْنَدِهِ»(4/181) وَمُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ»(2937) وَالتِّرْمِذِيُّ(2240) وَأَبوْ دَاوُوْدَ(4321) وَابنُ مَاجَهْ(4075) مِنْ حَدِيْثِ النوّاس ِ بْن ِسَمْعَانَ رَضِيَ الله ُ عَنْه .



دآنـة وصآل 27-12-11 04:11 AM

فخشْيَة ُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العُظمَى كانتْ عَلى أُمَّتِهِ بَعْدَ وَفاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا في حَيَاتِه . مَعَ أَنَّ الدَّجّالَ يدَّعِي الإلهِيَّة َ! وَدَعْوَاهُ ظاهِرَة ُ البطلان ِ عِنْدَ المؤْمِنِينَ لا رَيْبَ فِي فسَادِهَا عِنْدَهُمْ وَلا شَك ّ.
فإذا كانتْ فِتْنتهُ عَظِيْمَة ً مَعَ ظهُوْرِ فسَادِهَا ، فكيْفَ بمَثيْلتِهَا شَرًّا وَخُبْثا ، مَعَ خفائِهَا عَلى كثِيرٍ مِنَ المسْلِمِينَ ، وَرَوَاجِهَا عِنْدَ طوَائِفَ مِنْهُمْ ؟!
وَقدْ خَشِيَ فِتْنَة َ الشِّرْكِ أَنبيَاءُ اللهِ وَرُسُلهُ – صَلوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليْهمْ- عَلى أَنفسِهمْ ، فكيْفَ بمَنْ دُوْنهُمْ؟! قالَ خَلِيْلُ الرَّحْمَن ِ إبْرَاهِيْمُ:{ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ }.
لِهَذَا كانَ يَقوْلُ إبْرَاهِيْمُ التَّيْمِيُّ رَحِمَهُ الله ُ:«مَنْ يَأْمَنُ مِنَ البَلاءِ بَعْدَ خَلِيْل ِاللهِ إبْرَاهِيْمَ حِيْنَ يَقوْلُ: رَبِّ { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ } » رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ جَرِيْرٍ الطبَرِيُّ في«تفسِيْرِه» عِنْدَهَا .
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ في«شَرْحِ العُمْدَةِ»(2/452) وَلعَلَّ بَعْضُ النّاس ِ يُخيَّلُ إليْهِ : أَنَّ ذلِك َ كانَ أَوَّلَ الأَمْرِ ، لِقرْبِ العَهْدِ بعِبَادَةِ الأَوْثان ِ، وَأَنَّ هَذِهِ المفسَدَة َ قدْ أُمِنَتِ اليَوْمَ ! وَليْسَ الأَمْرُ كمَا تخيَّله .
فإنَّ الشِّرْك َ وَتعَلقَ القلوْبِ بغيرِ اللهِ عِبَادَة ً وَاسْتغاثة ً، غالِبٌ عَلى قلوْبِ النّاس ِ في كلِّ وَقتٍ ، إلا َّ مَنْ عَصَمَ الله .
وَالشَّيْطانُ سَرِيْعٌ إلىَ دُعَاءِ النّاس ِ إلىَ ذلِك َ، وَقدْ قالَ الحكِيْمُ الخبيْرُ:{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ }.
وَقالَ إمَامُ الحنفاءِ : { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي } ... وَسَيَعُوْدُ الدِّينُ غرِيبا كمَا بدَأَ ، وَيَصِيْرُ الصَّغِيْرُ كبيْرًا ، فكيْفَ تؤْمَنُ الفِتْنَة؟! بَلْ هِيَ وَاقِعة ٌ كثِيْرَة .
فهَذِهِ هِيَ العِلة ُ المقصُوْدَة ُ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ في النَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ ، وَاتخاذِ القبوْرِ مَسَاجِدَ لِمَنْ تأَمَّلَ الأَحَادِيْثَ وَنظرَ فِيْهَا ،
وَقدْ نصَّ الشّارِعُ عَلى هَذِهِ العِلةِ كمَا تقدَّم)اه كلامُهُ رَحِمَهُ الله .
وَكمَا أَبطلتِ الأَدِلة ُ ظنَّ أُوْلئِك َ الظانيْنَ –لِجَهْلِهمْ- أَمْنَ الفِتْنَةِ : فقدْ أَبطلَ ظنَّهُمْ أَيضًا ، حَالُ المسْلِمِيْنَ بَعْدَ وَفاةِ نبيِّهمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتأَخُّرِ سِنِيِّهمْ .
فوَقعَ كثِيْرٌ مِنْهُمْ فِيْمَا حَذَّرَ مِنْهُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَشِيَهُ ، حَتَّى عَمَّ ذلِك َ كثِيْرًا مِنْ بلادِ المسْلِمِيْنَ ، فبُنِيَتِ المشاهِدُ عَلى القبوْرِ ، وَعُظمَ مَنْ فِيْهَا مِنْ مَقبُوْرٍ ، وَصُرِفتْ لهُ أَنوَاعٌ مِنَ العِبَادَاتِ ، فهُمْ يَدْعُوْنهُ ! وَيَسْتَغِيْثوْنَ وَيَسْتَشْفِعُوْنَ ، وَيتوَسَّلوْنَ إلىَ اللهِ بهِ ! وَيطوْفوْنَ حَوْلهُ ! وَيَذْبَحُوْنَ وَينْذُرُوْنَ لهُ ! وَيَحْلِفوْنَ بهِ ! يَرْجُوْنَ رَحْمَتَهُ وَيَخافوْنَ عِقابهُ ! حَتَّى أَصْبَحَ الرَّجُلُ لا يكادُ يجدُ في بلادٍ كثِيْرَةٍ مِنْ بلادِ المسْلِمِيْنَ ، مَسْجِدًا خالِيًا مِنْ قبْر .
بَلْ بَلغَ الحالُ بكثِيْرٍ مِنْ أَصْحَابهَا : أَنْ حَجُّوْا إليْهَا ، وَعَظمُوْا تُرْبتهَا ، وَتبرَّكوْا بجَنَبَاتِهَا ، وَفضلوْا الصَّلاة َ فِيْهَا عَلى كثِيْرٍ مِنْ بيوْتِ اللهِ الخالِيَةِ مِنْ ذلك .
بَلْ إنَّ حَالَ جَمَاعَاتٍ مِنْهُمْ ، يَقتضِي تفضِيْلهَا عَلى المسَاجِدِ الثلاثةِ التِي لا تشَدُّ الرِّحَالُ إلا َّ إليْهَا ، فمِنْهُمْ مَنْ يَحُجُّ إليْهَا كلَّ عَامٍ ، وَلمْ يَحُجَّ حَجَّة َ الإسْلامِ ! أَوْ حَجَّ مَرَّة ً وَكفته . أَمّا مَشَاهِدُ المشْرِكِيْنَ وَمَعَابدُهُمْ حَوْلَ القبوْرِ وَفِيْهَا : فلا تكفِيْهِ فِيْهَا مَرَّة ٌ، عِيَاذاً باِللهِ مِنَ الخذْلان .
وَمِمّا زَادَ مِنْ ضَلال ِهَؤُلاءِ وَإغوَائِهمْ ، وَتحَكمِ أَدْوَائِهمْ
بأِبدَانِهمْ : عُلمَاءُ السُّوْءِ ، وَشُيُوْخُ الضَّلالةِ ، نوّابُ إبْلِيْسَ ، وَأَئِمَّة ُ كلِّ مُفلِس ٍ بَئِيْس ٍ، الذِيْنَ زَينوْا لهمْ سُوْءَ أَعْمَالِهمْ ، وَقبيْحَ أَفعَالِهمْ .
إمّا تعَبُّدًا مِنْهُمْ للهِ تَعَالىَ بهَذِهِ الأَعْمَال ِ الشِّرْكِيَّةِ ، مِنْ جِنْس ِ تعَبُّدِ مُشْرِكِي الجاهِلِيَّة .
وَإمّا تكسُّبًا ، وَأَكلا ً لأَمْوَال ِ النّاس ِ باِلبَاطِل ِ، حِيْنَ يبْذُلوْنهَا لِتِلك َ الأَجْدَاثِ ، فإذا انصَرَفوْا – مُفلِسِيْنَ مِنْ دِيْنِهمْ وَمِنْ كرَائِمِ أَمْوَالهِمْ – خلصَ أُوْلئِكَ اللصُوْصُ المبْطِلوْنَ إليْهَا ، فأَخذُوْهَا وَاسْتَأْثرُوْا بهَا .

* * *

دآنـة وصآل 27-12-11 03:10 PM

فصل


في بيان ِ وَاجِبِ المسْلِمِيْنَ تِجَاهَ المشاهِدِ المبْنِيَّةِ عَلى القبور


إذا تقرَّرَ مَا سَبَقَ بدَلِيْلِهِ ، وَعَلِمْتَ أَنَّ سَببَ شِرْكِ قوْمِ نوْحٍ وَكثِيْرٍ مِنَ الأُمَمِ بَعْدَهُمْ : هُوَ غلوُّهُمْ في الصّالِحِيْنَ ، باِتخاذِهِمْ قبُوْرَهُمْ مَسَاجِدَ ، يُصَلوْنَ فِيْهَا وَإليْهَا ، أَوْ تَصْوِيْرِ تمَاثِيْلِهمْ مِمّا تقدَّمَ تَفصِيْلهُ ، حَتَّى بَالغَ وَشَدَّدَ الشّارِعُ في النَّهْيِّ عَنْ ذلِك َ، وَلعَنَ فاعِلهُ ، وَأَغلظ َ في الوَعِيْدِ ، وَزَادَ في التَّهْدِيد .

بَلْ بَلغتْ شِدَّة ُ خَطرِهِ إلىَ أَنْ حَذّرَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ مِنْ ذلِك َ، قبيْلَ وَفاتِهِ بخمْس ِ ليال ٍ وَهُوَ في السِّيَاق ِ، مَعَ مَا كانَ يُعَانِيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في تِلك َ الحال ِ، وَكانَ يُوْعَك ُ كمَا يُوْعَك ُ الرَّجُلان ِ مِنْ أُمتِهِ ، قالتْ أُمُّ المؤْمِنِيْنَ عَائِشَة ُ رَضِيَ الله ُ عَنْهَا : لمّا نزِلَ برَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طفِقَ يَطرَحُ خَمِيْصَة ً لهُ عَلى وَجْههِ ، فإذا اغتمَّ بهَا كشفهَا عَنْ وَجْههِ ، فقالَ وَهُوَ كذَلِك َ:«لعْنَة ُ اللهِ عَلى الْيَهُوْدِ وَالنَّصَارَى، اتخذُوْا قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِد» يحَذِّرُ مَا صَنعُوْا، وَلوْلا ذلِك َ أُبرِزَ قبْرُهُ ، غيْرَ أَنهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخذَ مَسْجِدًا) رَوَاهُ البُخارِيُّ فِي«صَحِيْحِهِ»(435) ، (1330)، (1390)،(3453)،(4441)،(5815) ومُسْلِم(531).

وَعَنْ جُنْدُبِ بْن ِ عَبْدِ اللهِ البجَلِيِّ رَضِيَ الله ُعَنْهُ قالَ : سَمِعْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبْلَ أَنْ يَمُوْتَ بخمْس ٍ وَهُوَ يَقوْلُ : «إني أَبرَأُ إلى اللهِ أَنْ يَكوْنَ لِي مِنْكمْ خَلِيْلٌ ، فإنَّ الله َ تَعَالىَ قدِ اتخذَني خَلِيْلا ً، كمَا اتخذَ إبْرَاهِيْمَ خَلِيْلا ً، وَلوْ كنتُ مُتخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيْلا ً، لاتخذْتُ أَبا بَكرٍ خَلِيْلا ً، أَلا وَإنَّ مَنْ كانَ قبْلكمْ كانوْا يتخذُوْنَ قبوْرَ أَنْبيَائِهمْ وَصَالِحِيْهمْ مَسَاجِدَ ، أَلا فلا تتخِذُوا الْقبُوْرَ مَسَاجِدَ ، إني أَنهَاكمْ عَنْ ذلك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ في«صَحِيْحِه»(532).

قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ في«شَرْحِ العُمْدَةِ»(2/448-449): (فإنمَا نهَى عَنْ ذلِك َ، لأَنَّ الصَّلاة َ عِنْدَهَا ، وَاتخاذهَا مَسَاجِدَ ، ضَرْبٌ مِنْ عِبَادَةِ الأَوْثان ِ، وَسَبَبٌ إليْهِ ، لأَنَّ عُبّادَ الأَوْثان ِ مَا كانوْا يقوْلوْنَ : إنَّ تِلك َ الحِجَارَة َ وَالخشَبَ خَلقتْهُمْ ! وَإنمَا كانوْا يقوْلوْنَ إنهَا تمَاثِيْلُ أَشْخاص ٍ مُعَظمِيْنَ مِنَ الملائِكةِ أَوِ النُّجُوْمِ أَوِ البشرِ ، وَإنهُمْ بعِبادَتِهمْ ، يتوَسَّلوْنَ إلىَ الله .

فإذا توَسَّلَ العَبْدُ باِلقبْرِ إلىَ اللهِ : فهُوَ عَابدُ وَثن ٍ، حَتَّى يَعْبُدَ الله َ مُخْلِصًا لهُ الدِّينَ ، مِنْ غيْرِ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شُفعَاءَ وَشُرَكاءَ ، كمَا أَمَرَ الله ُ تَعَالىَ بذَلِك َ في كِتَابهِ ، وَيَعْلمَ أَنهُ ليْسَ مِنْ دُوْن ِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيْعٌ كمَا أَخْبَرَ تعَالىَ .

وَلهذَا جَمَعَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيْنَ مَحْق ِ التَّمَاثِيْل ِ، وَتسْوِيةِ القبوْرِ المشْرِفةِ ، إذْ كانَ بكليْهمَا يتوَسَّلُ بعِبَادَةِ البَشَرِ إلىَ الله .

قالَ أَبوْ الهيّاجِ الأَسَدِيُّ : قالَ لِي عَلِيٌّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ :«أَلا أَبعَثك َ عَلى مَا بعَثنِي عَليْهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ أَلا َّ تدَعَ تِمْثالا ً إلا َّ طمَسْتهُ ،
وَلا قبْرًا مُشْرِفا إلا َّ سَوَّيته» رَوَاهُ الجمَاعَة ُ إلا َّ البخارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ ([1]))اه.

[1] - رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ في«مُسْنَدِهِ»(1/89و129) وَمُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ»(969) وَأَبوْ دَاوُوْدَ(3218) وَالتِّرْمِذِيُّ(1049) وَالنَّسَائِيّ(2031).

دآنـة وصآل 27-12-11 03:14 PM

وَقالَ شَيْخُ الإسْلامِ أَبوْ العَبّاس ِ ابْنُ تَيْمية َ في«اخْتِيَارَاتِهِ»(ص133): (وَيَحْرُمُ الإسْرَاجُ عَلى القبوْرِ ، وَاتّخاذُ المسَاجِدِ عَليْهَا ، وَبَيْنَهَا ، وَيتعَينُ إزَالتهَا ، وَلا أَعْلمُ فِيْهِ خِلافا بَيْنَ العُلمَاءِ المعْرُوْفِين)اه.

وَقالَ أَيضًا رَحِمَهُ الله ُ- كمَا في«مَجْمُوْعِ فتاوَاهُ»(17/454)-: (كذَلِك َ قالَ العُلمَاءُ : يَحْرُمُ بناءُ المسَاجِدِ عَلى القبوْرِ ، وَيَجِبُ هَدْمُ كلِّ مَسْجِدٍ بُنيَ عَلى قبر).

وَقالَ العَلامَة ُ أَبوْ عَبْدِ اللهِ ابْنُ قيِّمِ الجوْزِيةِ رَحِمَهُ الله ُ في«إغاثةِ اللهْفان»(1/209-210) فمِنَ الأَنْصَابِ: مَا قدْ نصَبهُ الشَّيْطانُ لِلمُشْرِكِيْنَ ، مِنْ شَجَرَةٍ ، أَوْ عَمُوْدٍ ، أَوْ وَثن ٍ، أَوْ قبْرٍ ، أَوْ خَشَبَةٍ ، أَوْ عَيْن ٍ وَنحْوِ ذلك .

وَالوَاجِبُ : هَدْمُ ذلِك َ كلهِ ، وَمَحْوُ أَثرِهِ ، كمَا أَمَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا رَضِيَ الله ُ عَنْهُ بهَدْمِ القبوْرِ المشْرِفةِ وَتَسْوِيَتِهَا باِلأَرْض ِ، كمَا رَوَى مُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ»(969) عَنْ أَبي الهيّاجِ الأَسَدِيِّ قالَ:قالَ لِي عَلِيٌّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ:«أَلا أَبعَثك َعَلى مَا بَعَثنِي عَليْهِ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنْ لا أَدَعَ تِمْثالا ً إلا َّ طمَسْتهُ ، وَلا قبْرًا مُشْرِفا إلا َّ سَوَّيته».

وَعَمَّى الصَّحَابة ُبأَمْرِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قبْرَ دَانيالَ وَأَخْفوْهُ عَن ِالنّاس .

وَلما بَلغهُ أَنَّ النّاسَ يَنْتَابوْنَ الشَّجَرَة َ التي بَايَعَ تَحْتَهَا رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابهُ : أَرْسَلَ فقطعَهَا .

رَوَاهُ ابْنُ وَضّاحٍ في كِتَابهِ فقالَ:سَمِعْتُ عِيْسَى بْنَ يُوْنسَ يَقوْلُ:«أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الخطابِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ بقطعِ الشَّجَرَةِ التي بوْيعَ تَحْتَهَا النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فقطعَهَا ، لأَنَّ النّاسَ كانوْا يَذْهَبُوْنَ فيصَلوْنَ تَحْتَهَا ، فخافَ عَليْهمُ الفِتْنة».

دآنـة وصآل 27-12-11 03:28 PM

قالَ عِيْسَى بْنُ يُوْنسَ:«وَهُوَ عِنْدَنا مِنْ حَدِيْثِ ابْن ِ عَوْن ٍ عَنْ نافِعٍ : أَنَّ النّاسَ كانوْا يَأْتوْنَ الشَّجَرَة َ، فقطعَهَا عُمَرُ رَضِيَ الله ُعَنْه» ([1]).

فإذا كانَ هَذَا فِعْلُ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ باِلشَّجَرَةِ التي ذكرَهَا الله ُ تَعَالىَ في القرْآن ِ، وَبايعَ تَحْتَهَا الصَّحَابة ُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فمَاذا حُكمُهُفِيْمَا عَدَاهَا مِنْ هَذِهِ الأَنْصَابِ وَالأَوْثان ِ، التي قدْ عَظمَتِ الفِتنة ُبهَا ، وَاشْتَدَّتِ البَلِيَّة ُ بهَا.

وَأَبلغُ مِنْ ذلِك َ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدَمَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ ، ففِي هَذَا دَلِيْلٌ عَلى هَدْمِ مَا هُوَ أَعْظمُ فسَادًا مِنْهُ ، كالمسَاجِدِ المبْنِيَّةِ عَلى القبوْر .

فإنَّ حُكمَ الإسْلامِ فِيْهَا : أَنْ تهْدَمَ كلهَا حَتَّى تُسَوَّى باِلأَرْض ِ، وَهِيَ أَوْلىَ باِلهدْمِ مِنْ مَسْجِدِ الضِّرَار.

وَكذَلِك َ القِبَابُ التي عَلى القبوْرِ : يَجِبُ هَدْمُهَا كلهَا ، لأَنهَا أُسِّسَتْ عَلى مَعْصِيَةِ الرَّسُوْل ِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لأَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ نهَى عَن ِ البنَاءِ عَلى القبوْرِ كمَا تقدَّم .

فبنَاءٌ أُسِّسَ عَلى مَعْصِيَتِهِ وَمُخالفتِهِ : بناءٌ غيْرُ مُحْتَرَمٍ ، وَهُوَ أَوْلىَ باِلهدْمِ مِنْ بناءِ الغاصِبِ قطعًا .

وَقدْ أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهَدْمِ القبوْرِ المشْرِفةِ كمَا تقدَّم .

فهَدْمُ القِبَابِ وَالبناءِ وَالمسَاجِدِ التي بُنِيَتْ عَليْهَا أَوْلىَ وَأَحْرَى ، لأَنهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعَنَ مُتَّخِذِي المسَاجِدِ عَليْهَا ، وَنهَى عَن ِ البناءِ عَليْهَا .

فيَجِبُ المبادَرَة ُ وَالمسَاعَدَة ُ إلىَ هَدْمِ مَا لعَنَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاعِلهُ ، وَنهَى عَنْه.

وَالله ُ عَزَّ وَجَلَّ يُقِيْمُ لِدِينِهِ وَسُنةِ رَسُوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَنْصُرُهُمَا ، وَيَذُبُّ عَنْهُمَا ، فهُوَ أَشدُّ غيْرَة ً ، وَأَسْرَعُ تَغْييْرًا .

وَكذَلِك َ يَجِبُ إزَالة ُ كلِّ قِنْدِيْل ٍ، أَوْ سِرَاجٍ عَلى قبْرٍ وَطفيه . فإنَّ فاعِلَ ذلِك َ مَلعُوْنٌ بلعْنَةِ رَسُوْل ِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلا يَصِحُّ هَذَا الوَقفُ ، وَلا يَحِلُّ إثباتهُ وَتنْفِيْذُه).

وَقالَ ابْنُ القيِّمِ رَحِمَهُ الله ُ أَيْضًا في«زَادِ المعَادِ» عِنْدَ ذِكرِهِ وَتعْدَادِهِ فوَائِدَ غزْوَةِ تبوْكٍ وَشَيْئًا مِنْ فِقههَا(3/571-572) قالَ: (وَمِنْهَا: تَحْرِيْقُ أَمْكِنَةِ المعْصِيَةِ التي يُعْصَى الله ُ وَرَسُوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيْهَا وَهَدْمُهَا ، كمَا حَرَقَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ ، وَأَمَرَ بهَدْمِهِ . وَهُوَ مَسْجِدٌ يُصَلى فِيْهِ ، وَيُذْكرُ اسْمُ اللهِ فِيْهِ ، لمّا كانَ بناؤُهُ ضِرَارًا ، وَتفرِيْقا بَيْنَ المؤْمِنِيْنَ ، وَمَأْوَىً لِلمُنَافِقِيْن .

[1]- «مَا جَاءَ في البدَعِ»(ص91) لابْن ِ وَضّاحٍ القرْطبيِّ رَحِمَهُ الله(ت287ه).

وَقالَ ابْنُ وَضّاحٍ بَعْدَهُ (ص91-92) وَكانَ مَالِك ُ بْنُ أَنس ٍ وَغيْرُهُ مِنْ عُلمَاءِ المدِيْنَةِ : يَكرَهُوْنَ إتيانَ تِلك َ المسَاجِدِ ، وَتِلك َ الآثارِ لِلنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَا عَدَا قباءً وَاحِدًا .

وَسَمِعْتُهُمْ يَذْكرُوْنَ : أَنَّ سُفيَانَ الثوْرِيَّ دَخَلَ مَسْجِدَ بَيْتِ المقدِس ِ فصَلى فِيْهِ ، وَلمْ يَتبعْ تِلك َ الآثارَ ، وَلا الصَّلاة َ فِيْهَا .

وَكذَلِك َ فعَلَ غيْرُهُ مِمَّنْ يُقتدَى به . وَقدِمَ وَكِيْعٌ أَيْضًا مَسْجِدَ بَيْتِ المقدِس ِ، فلمْ يَعْدُ فِعْلَ سُفيَان .

فعَليْكمْ باِلاتباعِ لأَئِمَّةِ الهدَى المعْرُوْفِيْنَ ، فقدْ قالَ بَعْضُ مَنْ مَضَى:«كمْ مِنْ أَمْرٍ هُوَ اليوْمَ مَعْرُوْفٌ عِنْدَ كثِيْرٍ مِنَ النّاس ِ: كانَ مُنْكرًا عِنْدَ مَنْ مَضَى ، وَمُتَحَبَّبٍ إليْهِ بمَا يُبْغِضُهُ عَليْهِ ، وُمُتقرَّبٍ إليْهِ بمَا يُبْعِدُهُ مِنْه» ، وَكلُّ بدْعةٍ عَليْهَا زِينة ٌ وَبَهْجَة)اه كلامُهُ رَحِمَهُ الله .

فإذا كانَ هَذَا حَالُ أَئِمَّةِ السَّلفِ ، وَأَئِمَّةِ الإسْلامِ أَئِمَّةِ الهدَى رَحِمَهُمُ الله ُ مَعَ آثارِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآثارِ الأَنبيَاءِ صَلوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليْهمْ : فكيْفَ بحَال ِ أُوْلئِك َ المبْطِلِينَ مَعَ آثارِ أَصَاغِرِهِمْ وَضُلاّلهِمْ؟!


الساعة الآن 01:32 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant