![]() |
القول السديد في مقاصد التوحيد ،، للشيخ عبد الرحمن السعدي
القول السديد في مقاصد التوحيد
الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم [مقدمة] الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله 0 أما بعد: فقد سبق أن كتبنا تعليقاً لطيفاً في موضوعات كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب قدّس الله روحه، فحصل فيه نفع ومعونة للمشتغلين، ومساعدة للمعلمين، لما فيه من التفصيلات النافعة مع الوضوح التام، وطبع بمطبعة الإمام ثم نفدت نسخه مع كثرة الطلب عليه، ودعت الحاجة الشديدة إلى إعادة طبعه ونشره، وفي هذه المرة بدا لي أن أقدم أمام ذلك مقدمة مختصرة تحتوي على مجملات عقائد أهل السنة في الأصول وتوابعها، فأقول مستعيناً بالله: |
مقدمة تشتمل على صفوة عقيدة أهل السنة وخلاصتها المستمدة من الكتاب والسنة وذلك أنهم يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر , والقدر خيره وشره , فيشهدون أن الله هو الرب الإله المعبود , المتفرد بكل كمال , فيعبدونه وحده , مخلصين له الدين , فيقولون إن الله هو الخالق البارئ المصور الرازق المعطي المانع المدبر لجميع الأمور , وأنه المألوه المعبود الموحد المقصود , وأنه الأول الذي ليس قبله شيء , الآخر الذي ليس بعده شيء , الظاهر الذي ليس فوقه شيء , الباطن الذي ليس دونه شيء , وأنه العلي الأعلى بكل معنى واعتبار , علو الذات , وعلو القدر , وعلو القهر , وأنه على العرش استوى , استواء يليق بعظمته وجلاله , ومع علوه المطلق وفوقيته , فعلمه محيط بالظواهر والبواطن , والعالم العلوي والسفلي : وهو مع العباد بعلمه , يعلم جميع أحوالهم , وهو القريب المجيب , وإنه الغني بذاته عن جميع مخلوقاته , والكل إليه مفتقرون في إيجادهم وإيجاد ما يحتاجون إليه في جميع الأوقات , ولا غنى لأحد عنه طرفة عين , |
وهو الرحمن الرحيم , الذي ما بالعباد من نعمة دينية ولا دنيوية ولا دفع نقمة إلا من الله , فهو الجالب للنعم , الدافع للنقم , ومن رحمته أنه ينـزل كل ليلة إلى السماء الدنيا يستعرض حاجات العباد حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول لا أسأل عن عبادي غيري , من ذا الذي يدعوني فأستجيب له , من ذا الذي يسألني فأعطيه , من ذا الذي يستغفرني فأغفر له : حتى يطلع الفجر . فهو ينـزل كما يشاء , ويفعل ما يريد , ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ويعتقدون أنه الحكيم , الذي له الحكمة التامة في شرعه وفي قدره , فما خلق شيئا عبثا , ولا شرع الشرائع إلا للمصالح والحكم , وأنه التواب العفو الغفور , يقبل التوبة من عباده , ويعفو عن السيئات : ويغفر الذنوب العظيمة للتائبين والمستغفرين والمنيبين , وهو الشكور الذي يشكر القليل من العمل , ويزيد الشاكرين من فضله . |
ويصفونه بما وصف به نفسه
ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات الذاتية , كالحياة الكاملة , والسمع والبصر , وكمال القدرة , والعظمة والكبرياء , والمجد والجلال والجمال , والحمد المطلق , ومن صفات الأفعال المتعلقة بمشيئته وقدرته كالرحمة والرضا , والسخط والكلام , وأنه يتكلم بما يشاء , كيف يشاء , وكلماته لا تنفد , ولا تبيد , وأن القرآن كلام الله غير مخلوق , منه بدا , وإليه يعود , وأنه لم يزل ولا يزال موصوفا بأنه يفعل ما يريد : ويتكلم بما يشاء , ويحكم على عباده بأحكامه القدرية , وأحكامه الشرعية , وأحكامه الجزائية , فهو الحاكم المالك , ومن سواه مملوك محكوم عليه , فلا خروج للعباد عن ملكه ولا عن حكمه . |
ويؤمنون بما جاء به الكتاب , وتواترت به السنة .
إن المؤمنين يرون ربهم تعالى عيانا جهرة , وإن نعيم رويته والفوز برضوانه أكبر النعيم وألذه , وإن من مات على غير الإيمان والتوحيد فهو مخلد في نار جهنم أبدا , وإن أرباب الكبائر إذا ماتوا على غير توبة ولا حصل لهم مكفر لذنوبهم ولا شفاعة , فإنهم وإن دخلوا النار لا يخلدون فيها , ولا يبقى في النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان إلا خرج منها , وإن الإيمان يشمل عقائد القلوب وأعمالها : وأعمال الجوارح وأقوال اللسان , فمن قام بها على الوجه الأكمل فهو المؤمن حقا , الذي استحق الثواب وسلم من العقاب , ومن انتقص منها شيئا نقص من إيمانه بقدر ذلك , ولذلك كان الإيمان يزيد بالطاعة وفعل الخير , وينقص بالمعصية والشر . ومن أصولهم السعي والجد فيما ينفع من أمور الدين والدنيا مع الاستعانة بالله , فهم يحرصون على ما ينفعهم ويستعينون بالله . وكذلك يحققون الإخلاص لله في جميع حركاتهم , ويتبعون رسول الله , فالإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول , والنصيحة للمؤمنين طريقهم . |
فصل
ويشهدون أن محمدا عبده ورسوله , أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله , وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم , وهو خاتم النبيين , أرسل إلى الإنس والجن بشيرا ونذيرا , وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا , أرسله بصلاح الدين وصلاح الدنيا , وليقوم الخلق بعبادة الله , ويستعينوا برزقه على ذلك . ويعلمون أنه أعلم الخلق وأصدقهم وأنصحهم , وأعظمهم بيانا , فيطيعونه ويحبونه , ويقدمون محبته على محبة الخلق كلهم , ويتبعونه في أصول دينهم وفروعه , ويقدمون قوله وهديه على قول كل أحد وهديه , ويعتقدون أن الله جمع له من الفضائل والخصائص والكمالات ما لم يجمعه لأحد , فهو أعلى الخلق مقاما , وأعظمهم جاها , وأكملهم في كل فضيلة : لم يبق خير إلا دل أمته عليه : ولا شر إلا حذرهم عنه . وكذلك يؤمنون بكل كتاب أنزله الله , وكل رسول أرسله الله , لا يفرقون بين أحد من رسله . |
ويؤمنون بالقدر كله ,
وأن جميع أعمال العباد - خيرها وشرها - قد أحاط بها علم الله , وجرى بها قلمه , ونفذت فيها مشيئته , وتعلقت بها حكمته , حيث خلق للعباد قدرة وإرادة , تقع بها أقوالهم وأفعالهم بحسب مشيئتهم , لم يجبرهم على شيء منها , بل جعلهم مختارين لها , وخص المؤمنين بأن حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم , وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان , وجعلهم من الراشدين بفضله ونعمته , وولى غيرهم ما تولوه ورضوه لأنفسهم من الكفر والفسوق والعصيان بعدله وحكمته . |
ومن أصول أهل السنة
أنهم يدينون بالنصيحة لله ولكتابه ورسوله , ولأئمة المسلمين وعامتهم , ويأمرون بالمعروف , وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة , ويأمرون ببر الوالدين , وصلة الأرحام , والإحسان إلى الجيران والمماليك والمعاملين , ومن له حق , وبالإحسان إلى الخلق أجمعين . ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسنها , وينهون عن مساوئ الأخلاق وأرذلها , ويعتقدون أن أكمل المؤمنين إيمانا , أعظمهم إيمانا ويقينا , وأحسنهم أعمالا وأخلاقا , وأصدقهم أقوالا , وأهداهم إلى كل خير وفضيلة : وأبعدهم من كل رذيلة . ويأمرون بالقيام بشرائع الدين , على ما جاء عن نبيهم فيها وفي صفاتها ومكملاتها , والتحذير عن مفسداتها ومنقصاتها , ويرون الجهاد في سبيل الله ماض مع البر والفاجر , وأنه ذروة سنام الدين , جهاد العلم والحجة , وجهاد السلاح , وأنه فرض على كل مسلم أن يدافع عن الدين بكل ممكن ومستطاع . |
ومن أصولهم
الحث على جمع كلمة المسلمين , والسعي في تقريب قلوبهم وتأليفها , والتحذير من التفرق والتعادي والتباغض , والعمل بكل وسيلة توصل إلى هذا . ومن أصولهم النهي عن أذية الخلق في دمائهم وأموالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم , والأمر بالعدل والإنصاف في جميع المعاملات , والندب إلى الإحسان والفضل فيها . ويؤمنون بأن أفضل الأمم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأفضلهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , خصوصا الخلفاء الراشدون , والعشرة المشهود لهم بالجنة , وأهل بدر , وبيعة الرضوان والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار , فيحبون الصحابة ويدينون الله بذلك , وينشرون محاسنهم ويسكتون عما قيل عن مساوئهم , ويدينون الله باحترام العلماء الهداة وأئمة العدل ومن لهم المقامات العالية في الدين والفضل المتنوع على المسلمين , ويسألون الله أن يعيذهم من الشك والشرك والشقاق والنفاق وسوء الأخلاق وأن يثبتهم على دين نبيهم إلى الممات . فهذه الأصول الكلية بها يؤمنون ولها يعتقدون وإليها يدعون . |
كتاب التوحيد قال المصنف رحمه الله : كتاب التوحيد هذه الترجمة تدل على مقصود هذا الكتاب من أوله إلى آخره , ولهذا استغنى بها عن الخطبة : أي أن هذا الكتاب يشتمل على توحيد الإلهية والعبادة بذكر أحكامه وحدوده وشروطه , وفضله وبراهينه , وأصوله وتفاصيله , وأسبابه وثمراته ومقتضياته , وما يزداد به ويقويه , أو يضعفه ويوهيه وما به يتم ويكمل . اعلم أن التوحيد المطلق العلم والاعتراف بتفرد الرب بصفات الكمال والإقرار بتوحده بصفات العظمة والجلال , وإفراده وحده بالعبادة , وهو ثلاثة أقسام : أحدها : توحيد الأسماء والصفات , وهو اعتقاد انفراد الرب جل جلاله بالكمال المطلق من جميع الوجوه بنعوت العظمة والجلال والجمال التي لا يشاركه فيها مشارك بوجه من الوجوه , وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من جميع الأسماء والصفات ومعانيها وأحكامها الواردة في الكتاب والسنة على الوجه اللائق بعظمته وجلاله , من غير نفي لشيء منها ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل , ونفي ما نفاه عن نفسه , أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من النقائص والعيوب , وعن كل ما ينافي كماله . الثاني : توحيد الربوبية بأن يعتقد العبد أن الله هو الرب المتفرد بالخلق والرزق والتدبير الذي ربى جميع الخلق بالنعم وربى خواص خلقه وهم الأنبياء وأتباعهم بالعقائد الصحيحة والأخلاق الجميلة والعلوم النافعة والأعمال الصالحة , وهذه التربية النافعة للقلوب والأرواح المثمرة لسعادة الدارين . الثالث : توحيد الإلهية ويقال له توحيد العبادة وهو العلم والاعتراف بأن الله ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين وإفراده وحده بالعبادة كلها وإخلاص الدين لله وحده وهذا الأخير يستلزم القسمين الأولين ويتضمنهما , لأن الألوهية التي هي وصفه تعم جميع أوصاف الكمال وجميع أوصاف الربوبية والعظمة , فإنه المألوه المعبود لما له من أوصاف العظمة والجلال ولما أسداه إلى خلقه من الفواضل والأفضال , فتوحده تعالى بصفات الكمال وتفرده بالربوبية يلزم منه أنه لا يستحق العبادة أحد سواه . ومقصود دعوة الرسل من أولهم إلى آخرهم الدعوة إلى هذا التوحيد . |
فذكر المصنف في هذه الترجمة من النصوص
ما يدل على أن الله خلق الخلق لعبادته والإخلاص له , وأن ذلك حقه الواجب المفروض عليهم , فجميع الكتب السماوية وجميع الرسل دعوا إلى هذا التوحيد , ونهوا عن ضده من الشرك والتنديد , وخصوصا محمد صلى الله عليه وسلم . وهذا القرآن الكريم فإنه أمر به , وفرضه وقرره أعظم تقرير , وبينه أعظم بيان , وأخبر أنه لا نجاة ولا فلاح ولا سعادة إلا بهذا التوحيد , وأن جميع الأدلة العقلية والنقلية والأفقية والنفسية أدلة وبراهين على الأمر بهذا التوحيد ووجوبه , فالتوحيد هو حق الله الواجب على العبيد , وهو أعظم أوامر الدين , وأصل الأصول كلها , وأساس الأعمال . |
باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب لما ذكر في الترجمة السابقة وجوب التوحيد , وأنه الفرض الأعظم على جميع العبيد ذكر هنا فضله وهو آثاره الحميدة ونتائجه الجميلة وليس شيء من الأشياء له من الآثار الحسنة والفضائل المتنوعة مثل التوحيد فإن خير الدنيا والآخرة من ثمرات هذا التوحيد وفضائله . فقول المؤلف رحمه الله : " وما يكفر من الذنوب " من باب عطف الخاص على العام فإن مغفرة الذنوب وتكفير الذنوب من بعض فضائله وآثاره كما ذكر شواهد ذلك في الترجمة . ومن فضائله أنه السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة ودفع عقوباتهما . ومن أجل فوائده أنه يمنع الخلود في النار إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل وأنه إذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية ومنها أنه يحصل لصاحبه الهدى الكامل والأمن التام في الدنيا والآخرة ومنها أنه السبب الوحيد لنيل رضا الله وثوابه وأن أسعد الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه . ومن أعظم فضائله أن جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها وفي ترتب الثواب عليها على التوحيد . فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت . ومن فضائله أنه يسهل على العبد فعل الخير وترك المنكرات ويسليه عن المصيبات : فالمخلص لله في إيمانه وتوحيده تخف عليه الطاعات لما يرجو من ثواب ربه ورضوانه ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي لما يخشى من سخطه وعقابه. ومنها أن التوحيد إذا كمل في القلب حبب الله لصاحبه الإيمان وزينه في قلبه وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان وجعله من الراشدين , ومنها أنه يخفف على العبد المكاره ويهون عليه الآلام , فبحسب تكميل العبد للتوحيد والإيمان يتلقى المكاره والآلام بقلب منشرح , ونفس مطمئنة , وتسليم ورضى بأقدار الله المؤلمة . |
ومن أعظم فضائله
أنه يحرر العبد من رق المخلوقين والتعلق بهم , وخوفهم ورجائهم , والعمل لأجلهم , وهذا هو العز الحقيقي , والشرف العالي , ويكون مع ذلك متألها متعبدا لله لا يرجو سواه ولا يخشى إلا إياه , ولا ينيب إلا إليه , وبذلك يتم فلاحه ويتحقق نجاحه . ومن فضائله التي لا يلحقه فيها شيء أن التوحيد إذا تم وكمل في القلب وتحقق تحققا كاملا بالإخلاص التام فإنه يصير القليل من عمله كثيرا وتضاعف أعماله وأقواله بغير حصر ولا حساب ورجحت كلمة الإخلاص في ميزان العبد بحيث لا تقابلها السماوات والأرض , وعمارها من جميع خلق الله كما في حديث أبي سعيد المذكور في الترجمة وفي حديث البطاقة التي فيها لا إله إلا الله التي وزنت تسعة وتسعين سجلا من الذنوب , كل سجل يبلغ مد البصر , وذلك لكمال إخلاص قائلها , وكم ممن يقولها ولا تبلغ هذا المبلغ , لأنه لم يكن في قلبه من التوحيد والإخلاص الكامل مثل ولا قريب مما قام بقلب هذا العبد . ومن فضائل التوحيد أن الله تكفل لأهله بالفتح والنصر في الدنيا والعز والشرف وحصول الهداية والتيسير لليسرى , وإصلاح الأحوال , والتسديد في الأقوال والأفعال . ومنها أن الله يدافع عن الموحدين أهل الإيمان شرور الدنيا والآخرة , ويمن عليهم بالحياة الطيبة والطمأنينة إليه والطمأنينة بذكره , وشواهد هذه الجمل من الكتاب والسنة كثيرة معروفة والله أعلم . |
باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب وهذا الباب تكميل للباب الذي قبله وتابع له , فإن تحقيق التوحيد تهذيبه وتصفيته من الشرك الأكبر والأصغر , ومن البدع القولية الاعتقادية , والبدع الفعلية العملية , ومن المعاصي , وذلك بكمال الإخلاص لله في الأقوال والأفعال والإرادات , وبالسلامة من الشرك الأكبر المناقض لأصل التوحيد , ومن الشرك الأصغر المنافي لكماله , وبالسلامة من البدع والمعاصي التي تكدر التوحيد وتمنع كماله , وتعوقه عن حصول آثاره . فمن حقق توحيده بأن امتلأ قلبه من الإيمان والتوحيد والإخلاص , وصدقته الأعمال بأن انقادت لأوامر الله طائعة منيبة مخبتة إلى الله , ولم يجرح ذلك بالإصرار على شيء من المعاصي , فهذا الذي يدخل الجنة بغير حساب : ويكون من السابقين إلى دخولها وإلى تبوء المنازل منها . ومن أخص ما يدخل في تحقيقه كمال القنوت لله وقوة التوكل على الله : بحيث لا يلتفت القلب إلى المخلوقين في شأن من شئونه , ولا يستشرف إليهم بقلبه , ولا يسألهم بلسان مقاله أو حاله , بل يكون ظاهره وباطنه وأقواله وأفعاله وحبه وبغضه , وجميع أحواله كلها مقصود بها وجه الله متبعا فيها رسول الله . والناس في هذا المقام العظيم درجات ( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ) [ سورة الأنعام : الآية 132 ] وليس تحقيق التوحيد بالتمني ولا بالدعاوي الخالية من الحقائق , ولا بالحلي العاطلة , وإنما ذلك بما وقر في القلوب من عقائد الإيمان وحقائق الإحسان وصدقته الأخلاق الجميلة , والأعمال الصالحة الجليلة , فمن حقق التوحيد على هذا الوجه حصلت له جميع الفضائل المشار إليها في الباب السابق بأكملها والله أعلم . |
باب الخوف من الشرك الشرك في توحيد الإلهية والعبادة ينافي التوحيد كل المنافاة وهو نوعان : شرك أكبر جلي , وشرك أصغر خفي , فأما الشرك الأكبر فهو أن يجعل لله ندا يدعوه كما يدعو الله , أو يخافه أو يرجوه أو يحبه كحب الله , أو يصرف له نوعا من أنواع العبادة , فهذا الشرك لا يبقي مع صاحبه من التوحيد شيء : وهذا المشرك الذي حرم الله عليه الجنة ومأواه النار , ولا فرق في هذا بين أن يسمي تلك العبادة التي صرفها لغير الله عبادة أو يسميها توسلا أو يسميها بغير ذلك من الأسماء فكل ذلك شرك أكبر لأن العبرة بحقائق الأشياء ومعانيها دون ألفاظها وعباراتها . وأما الشرك الأصغر فهو جميع الأقوال والأفعال التي يتوسل بها إلى الشرك كالغلو في المخلوق الذي لا يبلغ رتبة العبادة كالحلف بغير الله ويسير الرياء ونحو ذلك فإذا كان الشرك ينافي التوحيد ويوجب دخول النار والخلود فيها وحرمان الجنة إذا كان أكبر وأنه لا تتحقق السعادة إلا بالسلامة منه كان حقا على العبد أن يخاف منه أعظم خوف وأن يسعى في الفرار منه ومن طرقه ووسائله وأسبابه ويسأل الله العافية منه كما فعل ذلك الأنبياء والأصفياء وخيار الخلق وعلى العبد أن يجتهد في تنمية الإخلاص في قلبه وتقويته وذلك بكمال التعلق بالله تألها وإنابة وخوفا ورجاء وطمعا وقصدا لمرضاته وثوابه في كل ما يفعله وما يتركه من الأمور الظاهرة والباطنة فإن الإخلاص بطبيعته يدفع الشرك الأكبر والأصغر , وكل من وقع منه نوع من الشرك فلضعف إخلاصه . |
باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله وهذا الترتيب الذي صنعه المؤلف في هذه الأبواب في غاية المناسبة , فإنه ذكر في الأبواب السابقة وجوب التوحيد وفضله والحث عليه وعلى تكميله , والتحقق به ظاهرا وباطنا , والخوف من ضده : وبذلك يكمل العبد في نفسه . ثم ذكر في هذا الباب تكميله لغيره بالدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله فإنه لا يتم التوحيد حتى يكمل العبد جميع مراتبه ثم يسعى في تكميل غيره , وهذا هو طريق جميع الأنبياء , فإنهم أول ما يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له وهي طريقة سيدهم وإمامهم صلى الله عليه وسلم , لأنه قام بهذه الدعوة أعظم قيام , ودعا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن . ولم يفتر ولم يضعف حتى أقام الله به الدين وهدى به الخلق العظيم , ووصل دينه ببركة دعوته إلى مشارق الأرض ومغاربها , وكان يدعو بنفسه ويأمر رسله وأتباعه أن يدعوا إلى الله وإلى توحيده قبل كل شيء لأن جميع الأعمال متوقفة في صحتها وقبولها على التوحيد . فكما أن على العبد أن يقوم بتوحيد الله فعليه أن يدعو العباد إلى الله بالتي هي أحسن : وكل من اهتدى على يديه فله مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء وإذا كانت الدعوة إلى الله وإلى شهادة أن لا إله إلا الله فرضا على كل أحد كان الواجب على كل أحد بحسب مقدوره فعلى العالم من بيان ذلك والدعوة والإرشاد والهداية أعظم مما على غيره ممن ليس بعالم : وعلى القادر ببدنه ويده أو ماله أو جاهه وقوله أعظم مما على من ليست له تلك القدرة . قال تعالى : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) [ سورة التغابن : الآية 16 ] ورحم الله من أعان على الدين ولو بشطر كلمة , وإنما الهلاك في ترك ما يقدر عليه العبد من الدعوة إلى هذا الدين . |
باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله
هما بمعنى واحد , فهو من باب عطف المترادفين , وهذه المسألة أكبر المسائل وأهمها كما قال المصنف رحمه الله . وحقيقة تفسير التوحيد العلم والاعتراف بتفرد الرب بجميع صفات الكمال وإخلاص العبادة له . وذلك يرجع إلى أمرين : نفي الألوهية كلها عن غير الله بأن يعلم ويعتقد أنه لا يستحق الإلهية ولا شيئا من العبودية أحد من الخلق , لا نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا غيرهما , وأنه ليس لأحد من الخلق في ذلك حظ ولا نصيب . والأمر الثاني إثبات الألوهية لله تعالى وحده لا شريك له وتفرده بمعاني الألوهية كلها وهي نعوت الكمال كلها . ولا يكفي هذا الاعتقاد وحده حتى يحققه العبد بإخلاص الدين كله لله فيقوم بالإسلام والإيمان والإحسان وبحقوق الله وحقوق خلقه قاصدا بذلك وجه الله وطالبا رضوانه وثوابه , ويعلم أن من تمام تفسيرها وتحقيقها البراءة من عبادة غير الله وأن اتخاذ أنداد يحبهم كحب الله أو يطيعهم كطاعة الله أو يعمل لهم كما يعمل لله , ينافي معنى لا إله إلا الله أشد المنافاة , وبين المصنف , رحمه الله , أن من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله قوله صلى الله عليه وسلم : ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) , فلم يجعل مجرد التلفظ بها عاصما للدم والمال , بل ولا معرفة معناها مع لفظها بل ولا الإقرار بذلك , بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له , بل لا يحرم ماله ولا دمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله , فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه . فتبين بذلك أنه لا بد من اعتقاد وجوب عبادة الله وحده لا شريك له ومن الإقرار بذلك اعتقادا ونطقا , ولا بد من القيام بعبودية الله وحده طاعة لله وانقيادا ولا بد من البراءة مما ينافي ذلك عقدا وقولا وفعلا , ولا يتم ذلك إلا بمحبة القائمين بتوحيد الله وموالاتهم ونصرتهم , وبغض أهل الكفر والشرك ومعاداتهم , ولا تغني في هذا المقام الألفاظ المجردة ولا الدعاوي الخالية من الحقيقة , بل لا بد أن يتطابق العلم والاعتقاد والقول والعمل , فإن هذه الأشياء متلازمة متى تخلف واحد منها تخلفت البقية والله أعلم . |
باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما
لرفع البلاء أو دفعه وهذا الباب يتوقف فهمه على معرفة أحكام الأسباب , وتفصيل القول فيها أنه يجب على العبد أن يعرف في الأسباب ثلاثة أمور : أحدها أن لا يجعل منها سببا إلا ما ثبت أنه سبب شرعا أو قدرا . ثانيها أن لا يعتمد العبد عليها بل يعتمد على مسببها ومقدرها مع قيامه بالمشروع منها وحرصه على النافع منها . ثالثها أن يعلم أن الأسباب مهما عظمت وقويت فإنها مرتبطة بقضاء الله وقدره لا خروج لها عنه , والله تعالى يتصرف فيها كيف يشاء : إن شاء أبقى سببيتها جارية على مقتضى حكمته ليقوم بها العباد ويعرفوا بذلك تمام حكمته حيث ربط المسببات بأسبابها والمعلولات بعللها : وإن شاء غيرها كيف يشاء لئلا يعتمد عليها العباد وليعلموا كمال قدرته وأن التصرف المطلق والإرادة المطلقة لله وحده . فهذا هو الواجب على العبد في نظره وعمله بجميع الأسباب . إذا علم ذلك فمن لبس الحلقة أو الخيط ونحوهما قاصدا بذلك رفع البلاء بعد نزوله : أو دفعه قبل نزوله , فقد أشرك لأنه إن اعتقد أنها هي الدافعة الرافعة فهذا الشرك الأكبر وهو شرك في الربوبية , حيث اعتقد شريكا مع الله في الخلق والتدبير , وشرك في العبودية حيث تأله لذلك وعلق به قلبه طمعا ورجاء لنفعه وإن اعتقد أن الله هو الدافع الرافع وحده ولكن اعتقدها سببا يستدفع بها البلاء فقد جعل ما ليس سببا شرعيا ولا قدريا سببا وهذا محرم وكذب على الشرع وعلى القدر : أما الشرع فإنه ينهى عن ذلك أشد النهي وما نهى عنه فليس من الأسباب النافعة وأما القدر فليس هذا من الأسباب المعهودة ولا غير المعهودة التي يحصل بها المقصود ولا من الأدوية المباحة النافعة . وكذلك هو من جملة وسائل الشرك فإنه لا بد أن يتعلق قلب متعلقها بها وذلك نوع شرك ووسيلة إليه فإذا كانت هذه الأمور ليست من الأسباب الشرعية التي شرعها على لسان نبيه التي يتوسل بها إلى رضا الله وثوابه ولا من الأسباب القدرية التي قد علم أو جرب نفعها مثل الأدوية المباحة كان المتعلق بها متعلقا قلبه بها راجيا لنفعها فتعين على المؤمن تركها ليتم إيمانه وتوحيده فإنه لو تم توحيده لم يتعلق قلبه بما ينافيه وذلك أيضا نقص في العقل حيث تعلق بغير متعلق ولا نافع بوجه من الوجوه : بل هو ضرر محض . والشرع مبناه على تكميل أديان الخلق بنبذ الوثنيات والتعلق بالمخلوقين , وعلى تكميل عقولهم بنبذ الخرافات والخزعبلات , والجد في الأمور النافعة المرقية للعقول , المزكية للنفوس , المصلحة للأحوال كلها دينيها ودنيويها والله أعلم . |
باب ما جاء في الرقى والتمائم أما التمائم فهي تعاليق تتعلق بها قلوب متعلقيها والقول فيها كالقول في الحلقة والخيط كما تقدم فمنها ما هو شرك أكبر كالتي تشتمل على الاستغاثة بالشياطين أو غيرهم من المخلوقين فالاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك كما سيأتي إن شاء الله ومنها ما هو محرم كالتي فيها أسماء لا يفهم معناها لأنها تجر إلى الشرك . وأما التعاليق التي فيها قرآن أو أحاديث نبوية أو أدعية طيبة محترمة فالأولى تركها لعدم ورودها عن الشارع ولكونها يتوسل بها إلى غيرها من المحرم , ولأن الغالب على متعلقها أنه لا يحترمها ويدخل فيها المواضع القذرة . وأما الرقى ففيها تفصيل : فإن كانت من القرآن أو السنة أو الكلام الحسن فإنها مندوبة في حق الراقي لأنها من باب الإحسان , ولما فيها من النفع , وهي جائزة في حق المرقي إلا أنه لا ينبغي له أن يبتدئ بطلبها , فإن من كمال توكل العبد وقوة يقينه أن لا يسأل أحدا من الخلق لا رقية ولا غيرها : بل ينبغي له إذا سأل أحدا أن يدعو له أن يلحظ مصلحة الداعي والإحسان إليه بتسببه لهذه العبودية له مع مصلحة نفسه , وهذا من أسرار تحقيق التوحيد ومعانية البديعة التي لا يوفق للتفقه فيها والعمل بها إلا الكمل من العباد . وإن كانت الرقية يدعى بها غير الله ويطلب الشفاء من غيره فهذا هو الشرك الأكبر لأنه دعاء واستغاثة بغير الله , فافهم هذا التفصيل , وإياك أن تحكم على الرقى بحكم واحد مع تفاوتها في أسبابها وغاياتها . |
باب من تبرك بشجر أو حجر أو غيرهما أي فإن ذلك من الشرك ومن أعمال المشركين فإن العلماء اتفقوا على أنه لا يشرع التبرك بشيء من الأشجار والأحجار والبقع والمشاهد وغيرها فإن هذا التبرك غلو فيها وذلك يتدرج به إلى دعائها وعبادتها وهذا هو الشرك الأكبر كما تقدم انطباق الحد عليه وهذا عام في كل شيء حتى مقام إبراهيم وحجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصخرة بيت المقدس وغيرها من البقع الفاضلة . وأما استلام الحجر الأسود وتقبيله واستلام الركن اليماني من الكعبة المشرفة فهذا عبودية لله وتعظيم لله وخضوع لعظمته فهو روح التعبد فهذا تعظيم للخالق وتعبد له وذاك تعظيم للمخلوق وتأله له فالفرق بين الأمرين كالفرق بين الدعاء لله الذي هو إخلاص وتوحيد والدعاء للمخلوق الذي هو شرك وتنديد . |
باب ما جاء في الذبح لغير الله
أي أنه شرك , فإن نصوص الكتاب والسنة صريحة في الأمر بالذبح لله , وإخلاص ذلك لوجهه , كما هي صريحة بذلك في الصلاة فقد قرن الله الذبح بالصلاة في عدة مواضع من كتابه , وإذا ثبت أن الذبح لله من أجل العبادات وأكبر الطاعات , فالذبح لغير الله شرك أكبر مخرج عن دائرة الإسلام , فإن حد الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع أنواعه وأفراده أن يصرف العبد نوعا أو فردا من أفراد العبادة لغير الله . فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص , وصرفه لغيره شرك وكفر , فعليك بهذا الضابط للشرك الأكبر الذي لا يشذ عنه شيء , كما أن حد الشرك الأصغر هو كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة , فعليك بهذين الضابطين للشرك الأكبر والأصغر , فإنه مما يعينك على فهم الأبواب السابقة واللاحقة من هذا الكتاب , وبه يحصل لك الفرقان بين الأمور التي يكثر اشتباهها والله المستعان . |
باب لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله
ما أحسن اتباع هذا الباب بالباب الذي قبله , فالذي قبله من المقاصد وهذا من الوسائل . ذاك من باب الشرك الأكبر , وهذا من وسائل الشرك القريبة , فإن المكان الذي يذبح فيه المشركون لآلهتهم تقربا إليها وشركا بالله قد صار مشعرا من مشاعر الشرك , فإذا ذبح فيه المسلم ذبيحة ولو قصدها لله فقد تشبه بالمشركين وشاركهم في مشعرهم , والموافقة الظاهرة تدعو إلى الموافقة الباطنة والميل إليهم . ومن هذا السبب نهى الشارع عن مشابهة الكفار في شعارهم وأعيادهم وهيئاتهم ولباسهم وجميع ما يختص بهم إبعادا للمسلمين عن الموافقة لهم في الظاهر التي هي وسيلة قريبة للميل والركون إليهم , حتى أنه نهى عن الصلاة النافلة في أوقات النهي التي يسجد المشركون فيها لغير الله خوفا من التشبه المحذور |
باب من الشرك النذر لغير الله باب من الشرك الاستعاذة بغير الله باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره متى فهمت الضابط السابق في حد الشرك الأكبر , وهو أن من صرف شيئا من العبادة لغير الله فهو مشرك , فهمت هذه الأبواب الثلاثة التي والى المصنف بينها , فإن النذر عبادة مدح الله الموفين به : وأمر صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذر الطاعة , وكل أمر مدحه الشارع أو أثنى على من قام به أو أمر به فهو عبادة , فإن العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة , والنذر من ذلك . وكذلك أمر الله بالاستعاذة به وحده من الشرور كلها وبالاستغاثة به في كل شدة ومشقة , فهذه إخلاصها لله إيمان وتوحيد , وصرفها لغير الله شرك وتنديد . والفرق بين الدعاء والاستغاثة أن الدعاء عام في كل الأحوال , والاستغاثة هي الدعاء لله في حالة الشدائد , فكل ذلك يتعين إخلاصه لله وحده , وهو المجيب لدعاء الداعين المفرج لكربات المكروبين , ومن دعا غيره من نبي أو ملك أو ولي أو غيرهم , أو استغاث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر , وكما أنه خرج من الدين فقد تجرد أيضا من العقل , فإن أحدا من الخلق ليس عنده من النفع والدفع مثقال ذرة لا عن نفسه ولا عن غيره بل الكل فقراء إلى الله في كل شئونهم . |
باب قول الله تعالى "أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون” قول الله تعالى : ( أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ) [ سورة الأعراف : الآية 191 ] هذا شروع في براهين التوحيد وأدلته , فالتوحيد له من البراهين النقلية والعقلية ما ليس لغيره , فتقدم أن التوحيدين : توحيد الربوبية وتوحيد الأسماء والصفات من أكبر براهينه وأضخمها . فالمتفرد بالخلق والتدبير , والمتوحد في الكمال المطلق من جميع الوجوه , هو الذي لا يستحق العبادة سواه . وكذلك من براهين التوحيد معرفة أوصاف المخلوقين , ومن عبد مع الله , فإن جميع ما يعبد من دون الله من ملك وبشر ومن شجر وحجر وغيرها كلهم فقراء إلى الله , عاجزون ليس بيدهم من النفع مثقال ذرة , ولا يخلقون شيئا وهم يخلقون , ولايملكون ضرا ولانفعا , ولاموتا ولاحياة ولانشورا , والله تعالى هو الخالق لكل مخلوق , وهو الرازق لكل مرزوق , المدبر للأمور كلها , الضار النافع , المعطي المانع , الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه يرجع كل شيء وله يقصد ويصمد ويخضع كل شيء , فأي برهان أعظم من هذا البرهان الذي أعاده الله وأبداه في مواضع كثيرة من كتابه وعلى لسان رسوله , فهو دليل عقلي فطري كما أنه دليل سمعي نقلي على وجوب توحيد الله , وأنه الحق وعلى بطلان الشرك . وإذا كان أشرف الخلق على الإطلاق لا يملك نفع أقرب الخلق إليه وأمسهم به رحما فكيف بغيره : فتبا لمن أشرك بالله وساوى به أحدا من المخلوقين : لقد سلب عقله بعد ما سلب دينه : فنعوت الباري تعالى وصفات عظمته وتوحده في الكمال المطلق أكبر برهان على أنه لا يستحق العبادة إلا هو , وكذلك صفات المخلوقات كلها وما هي عليه من النقص والحاجة والفقر إلى ربها في كل شئونها وأنه ليس لها من الكمال إلا ما أعطاها ربها من أعظم البراهين على بطلان إلهية شيء منها , فمن عرف الله وعرف الخلق اضطرته هذه المعرفة إلى عبادة الله وحده , وإخلاص الدين له والثناء عليه , وحمده وشكره بلسانه وقلبه وأركانه وانصرف تعلقه بالمخلوقين خوفا ورجاء وطمعا والله أعلم . |
باب قول الله تعالى "حتى إذا فزع عن قلوبهم”
قول الله تعالى : ( حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ ) [ سورة سبأ : الآية 23 ] وهذا أيضا برهان عظيم آخر على وجوب التوحيد وبطلان الشرك , وهو ذكر النصوص الدالة على كبرياء الرب وعظمته التي تتضاءل وتضمحل عندها عظمة المخلوقات العظيمة , وتخضع له الملائكة والعالم العلوي والسفلي , ولا تثبت أفئدتهم عندما يسمعون كلامه أو تتبدى لهم بعض عظمته ومجده , فالمخلوقات بأسرها خاضعة لجلاله معترفة بعظمته ومجده خاضعة له خائفة منه , فمن كان هذا شأنه فهو الرب الذي لا يستحق العبادة والحمد والثناء والشكر والتعظيم والتأله إلا هو , ومن سواه ليس له من هذا الحق شيء , فكما أن الكمال المطلق والكبرياء والعظمة , ونعوت الجلال والجمال المطلق كلها لله لا يمكن أن يتصف بها غيره فكذلك العبودية الظاهرة والباطنة كلها حقه تعالى الخاص الذي لا يشاركه فيه مشارك بوجه . |
باب الشفاعة إنما ذكر المصنف الشفاعة في تضاعيف هذه الأبواب لأن المشركين يبررون شركهم ودعاءهم للملائكة والأنبياء والأولياء بقولهم نحن ندعوهم مع علمنا أنهم مخلوقون مملوكون , ولكن حيث أن لهم عند الله جاها عظيما ومقامات عالية ندعوهم ليقربونا إلى الله زلفى وليشفعوا لنا عنده كما يتقرب إلى الوجهاء عند الملوك والسلاطين ليجعلوهم وسائط لقضاء حاجاتهم وإدراك مآربهم. وهذا من أبطل الباطل , وهو تشبيه لله العظيم ملك الملوك الذي يخافه كل أحد , وتخضع له المخلوقات بأسرها , بالملوك الفقراء المحتاجين للوجهاء والوزراء في تكميل ملكهم ونفوذ قوتهم , فأبطل الله هذا الزعم وبين أن الشفاعة كلها له كما أن الملك كله له , وأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه , ولا يأذن إلا لمن رضي قوله وعمله , ولا يرضى إلا توحيده وإخلاص العمل له . فبين أن المشرك ليس له حظ ولا نصيب من الشفاعة , وبين أن الشفاعة المثبتة التي تقع بإذنه إنما هي الشفاعة لأهل الإخلاص خاصة وأنها كلها منه , رحمة منه وكرامة للشافع , ورحمة منه وعفوا عن المشفوع له , وأنه هو المحمود عليها في الحقيقة وهو الذي أذن لمحمد صلى الله عليه وسلم فيها وأناله المقام المحمود . فهذا ما دل عليه الكتاب والسنة في تفصيل القول في الشفاعة . وقد ذكر المصنف رحمه الله كلام الشيخ تقي الدين في هذا الموضع وهو كاف شاف , ( 1 ) فالمقصود في هذا الباب ذكر النصوص الدالة على إبطال كل وسيلة وسبب يتعلق به المشركون بآلهتهم , وأنه ليس لها من الملك شيء : لا استقلالا ولا مشاركة ولا معاونة ومظاهرة , ولا من الشفاعة شيء , وإنما ذلك كله لله وحده , فتعين أن يكون المعبود وحده . ================== 1/ قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون فنفى أن يكون لغيره مُلْك أو قسط منه، أو يكون عوناً لله، ولم يبق إلا الشفاعة: فبين أنـها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب كما قال: { ولا يشفعونَ إلا لمنِ ارتضَى } (الآية 28: الأنبياء). فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم : " أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده ـ لا يبدأ بالشفاعة أولاًـ ثم يقال له: ارفع رأسك وقل يُسمَع وسل تعط واشفع تشفَّع " [ البخاري (3/250) ، مسلم (1/184) ]. وقال أبو هريرة له صلى الله عليه وسلم: " من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه " [ البخاري (1/52) ]، فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله. وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع ليكرمه وينال المقام المحمود. فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك؛ ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع، وقد بيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم أنـها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. اهـ كلامه. |
باب قول الله تعالى "إنك لا تهدي من أحببت" قول الله تعالى : ( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) [ سورة القصص : الآية 56 ] وهذا الباب أيضا نظير الباب الذي قبله , وذلك أنه إذا كان صلى الله عليه وسلم هو أفضل الخلق على الإطلاق وأعظمهم عند الله جاها وأقربهم إليه وسيلة , لا يقدر على هداية من أحب هداية التوفيق وإنما الهداية كلها بيد الله , فهو الذي تفرد بهداية القلوب كما تفرد بخلق المخلوقات , فتبين أنه الإله الحق , وأما قوله تعالى : ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) [ سورة الشورى : الآية 52 ] فالمراد بالهداية هنا هداية البيان وهو صلى الله عليه وسلم المبلغ عن الله وحيه الذي اهتدى به الخلق . |
باب أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم
هو الغلو في الصالحين والغلو هو مجاوزة الحد بأن يجعل للصالحين من حقوق الله الخاصة به شيء , فإن حق الله الذي لا يشاركه فيه مشارك هو الكمال المطلق , والغنى المطلق , والتصرف المطلق من جميع الوجوه , وأنه لا يستحق العبادة والتأله أحد سواه , فمن غلا بأحد من المخلوقين حتى جعل له نصيبا من هذه الأشياء فقد ساوى به رب العالمين وذلك أعظم الشرك , ومن رفع أحدا من الصالحين فوق منـزلته التي أنزله الله بها فقد غلا فيه وذلك وسيلة إلى الشرك وترك الدين . والناس في معاملة الصالحين ثلاثة أقسام : أهل الجفاء الذين يهضمونهم حقوقهم ولا يقومون بحقهم من الحب والموالاة لهم والتوقير والتبجيل , وأهل الغلو الذين يرفعونهم فوق منـزلتهم التي أنزلهم الله بها , وأهل الحق الذين يحبونهم ويوالونهم ويقومون بحقوقهم الحقيقية ولكنهم يبرأون من الغلو فيهم وادعاء عصمتهم , والصالحون أيضا يتبرأون من أن يدعوا لأنفسهم حقا من حقوق ربهم الخاصة , كما قال الله عن عيسى صلى الله عليه وسلم : ( سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ) [ سورة المائدة : الآية 116 ] واعلم أن الحقوق ثلاثة : حق خاص لله لا يشاركه فيه مشارك وهو التأله له وعبادته وحده لا شريك له , والرغبة والإنابة إليه وحده حبا وخوفا ورجاء , وحق خاص للرسل وهو توقيرهم وتبجيلهم والقيام بحقوقهم الخاصة : وحق مشترك وهو الإيمان بالله ورسله , وطاعة الله ورسله , ومحبة الله , ومحبة رسله : ولكن هذه لله أصلا وللرسل تبعا لحق الله , فأهل الحق يعرفون الفرقان بين هذه الحقوق الثلاثة فيقومون بعبودية الله وإخلاص الدين له , ويقومون بحق رسله وأوليائه على اختلاف منازلهم ومراتبهم والله أعلم . |
باب ما جاء فيمن عبد الله عند قبر رجل صالح فكيف إذا عبده باب ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون الله ما ذكره المصنف في البابين يتضح بذكر تفصيل القول فيما يفعل عند قبور الصالحين وغيرهم : وذلك أن ما يفعل عندها نوعان : مشروع وممنوع . أما المشروع فهو ما شرعه الشارع من زيارة القبور على الوجه الشرعي من غير شد رحل : يزورها المسلم متبعا للسنة فيدعو لأهلها عموما ولأقاربه ومعارفه خصوصا فيكون محسنا إليهم بالدعاء لهم وطلب العفو والمغفرة والرحمة لهم , ومحسنا إلى نفسه باتباع السنة وتذكر الآخرة والاعتبار بها والاتعاظ . وأما الممنوع فإنه نوعان : أحدهما محرم ووسيلة للشرك , كالتمسح بها والتوسل إلى الله بأهلها والصلاة عندها وكإسراجها والبناء عليها والغلو فيها وفي أهلها إذا لم يبلغ رتبة العبادة . والنوع الثاني شرك أكبر كدعاء أهل القبور والاستغاثة بهم وطلب الحوائج الدنيوية والأخروية منهم , فهذا شرك أكبر وهو عين ما يفعله عباد الأصنام مع أصنامهم . ولا فرق في هذا بين أن يعتقد الفاعل لذلك أنهم مستقلون في تحصيل مطالبه أو متوسطون إلى الله , فإن المشركين يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله . فمن زعم أنه لا يكفر من دعا أهل القبور حتى يعتقد أنهم مستقلون بالنفع ودفع الضرر , وأن من اعتقد أن الله هو الفاعل وأنهم وسائط بين الله وبين من دعاهم واستغاث بهم فلا يكفر . من زعم ذلك فقد كذب ما جاء به الكتاب والسنة , وأجمعت عليه الأمة من أن من دعا غير الله فهو مشرك كافر في الحالين المذكورين , سواء اعتقدهم مستقلين أو متوسطين . وهذا معلوم بالضرورة من دين الإسلام , فعليك بهذا التفصيل الذي يحصل به الفرقان في هذا الباب المهم الذي حصل به من الاضطراب والفتنة ما حصل ولم ينج من فتنته إلا من عرف الحق واتبعه . |
باب حماية المصطفى حمى التوحيد
وسده كل طريق يوصل إلى الشرك من تأمل نصوص الكتاب والسنة في هذا الباب رأى نصوصا كثيرة تحث على القيام بكل ما يقوي التوحيد وينميه ويغذيه من الحث على الإنابة إلى الله وانحصار تعلق القلب بالله رغبة ورهبة وقوة الطمع بفضله وإحسانه والسعي لتحصيل ذلك وإلى التحرر من رق المخلوقين وعدم التعلق بهم بوجه من الوجوه أو الغلو في أحد منهم والقيام التام بالأعمال الظاهرة والباطنة وتكميلها وخصوصا حث النصوص على روح العبودية وهو الإخلاص التام لله وحده . ثم في مقابلة ذلك نهى عن أقوال وأفعال فيها الغلو بالمخلوقين ونهى عن التشبه بالمشركين لأنه يدعو إلى الميل إليهم ونهي عن أقوال وأفعال يخشى أن يتوسل بها إلى الشرك , كل ذلك حماية للتوحيد ونهى عن كل سبب يوصل إلى الشرك , وذلك رحمة بالمؤمنين ليتحققوا بالقيام بما خلقوا له من عبودية الله الظاهرة والباطنة وتكميلها لتكمل لهم السعادة والفلاح , وشواهد هذه الأمور كثيرة معروفة . |
باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان
مقصود هذه الترجمة الحذر من الشرك والخوف منه وأنه أمر واقع في هذه الأمة لا محالة والرد على من زعم أن من قال لا إله إلا الله وتسمى بالإسلام أنه يبقى على إسلامه ولو فعل ما ينافيه من الاستغاثة بأهل القبور ودعائهم وسمى ذلك توسلا لا عبادة فإن هذا باطل . فإن الوثن اسم جامع لكل ما عبد من دون الله لا فرق بين الأشجار والأحجار والأبنية ولا بين الأنبياء والصالحين والطالحين في هذا الموضع وهو العبادة , فإنها حق الله وحده فمن دعا غير الله أو عبده فقد اتخذه وثنا وخرج بذلك عن الدين ولم ينفعه انتسابه إلى الإسلام , فكم انتسب إلى الإسلام من مشرك وملحد وكافر ومنافق . والعبرة بروح الدين وحقيقته لا بمجرد الأسامي والألفاظ التي لا حقيقة لها . |
باب شيء من أنواع السحر
وجه إدخال السحر في أبواب التوحيد أن كثيرا من أقسامه لا يتأتى إلا بالشرك والتوصل بالأرواح الشيطانية إلى مقاصد الساحر فلا يتم للعبد توحيد حتى يدع السحر كله قليله وكثيره , ولهذا قرنه الشارع بالشرك , فالسحر يدخل في الشرك من جهتين : من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلق بهم وربما تقرب إليهم بما يحبون ليقوموا بخدمته ومطلوبه : ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في علمه وسلوك الطرق المفضية إلى ذلك , وذلك من شعب الشرك والكفر , وفيه أيضا من التصرفات المحرمة والأفعال القبيحة كالقتل والتفريق بين المتحابين والصرف والعطف والسعي في تغيير العقول , وهذا من أفظع المحرمات وذلك من الشرك ووسائله ولذلك تعين قتل الساحر لشدة مضرته وإفساده . ومن أنواعه الواقعة في كثير من الناس النميمة لمشاركتها للسحر في التفريق بين الناس وتغيير قلوب المتحابين وتلقيح الشرور . فالسحر أنواع ودركات بعضها أقبح وأسفل من بعض . |
باب ما جاء في الكهان ونحوهم
أي من كل من يدعي علم الغيب بأي طريق من الطرق وذلك أن الله تعالى هو المنفرد بعلم الغيب فمن ادعى مشاركة الله في شيء من ذلك بكهانة أو عرافة أو غيرها أو صدق من ادعى ذلك فقد جعل لله شريكا فيما هو من خصائصه وقد كذب الله ورسوله . وكثير من الكهانة المتعلقة بالشياطين لا تخلو من الشرك والتقرب إلى الوسائط التي تستعين بها على دعوى العلوم الغيبية , فهو شرك من جهة دعوى مشاركة الله في علمه الذي اختص به , ومن جهة التقرب إلى غير الله , وفيه إبعاد الشارع للخلق عن الخرافات المفسدة للأديان والعقول . |
بارك الله فيك وفيما قدمتي ,, موضوع رائع ومتكامل فجزاك الله كل خير وجعله في ميزان حسناتك ..
تستحقين التقييم ويثبت .. |
باب النشرة وهو حل السحر عن المسحور . ذكر فيه المصنف كلام ابن القيم في التفصيل بين الجائز منه والممنوع وفيه كفاية .( 1 ) ========================= 1-[ قال ابن القيم: النَّشْرةُ حلُّ السحر عن المسحور، وهي نوعان: * حلٌ بسحر مثله وهو الذي من عمل الشيطان وعليه يُحْمَلُ قولُ الحسن، فيتقرَّبُ الناشرُ والمنتشرُ إلى الشيطان بما يُحب فيبطل عمله عن المسحور 0 * والثاني: النشرة بالرقية والتعوذات والأدوية والدعوات المباحة فهذا جائز0] |
باب الطيرة
وهو التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع والأشخاص وغيرها فنهى الشارع عن التطير وذم المتطيرين وكان يحب الفال ويكره الطيرة , والفرق بينهما أن الفال الحسن لا يخل بعقيدة الإنسان ولا بعقله وليس فيه تعليق القلب بغير الله بل فيه من المصلحة النشاط والسرور وتقوية النفوس على المطالب النافعة , وصفة ذلك أن يعزم العبد على سفر أو زواج أو عقد من العقود أو على حالة من الأحوال المهمة ثم يرى في تلك الحال ما يسره : أو يسمع كلاما يسره مثل يا راشد أو سالم أو غانم , فيتفاءل ويزداد طمعه في تيسير ذلك الأمر الذي عزم عليه : فهذا كله خير , وآثاره خير , وليس فيه من المحاذير شيء . وأما الطيرة فإنه إذا عزم على فعل شيء من ذلك من الأمور النافعة في الدين أو في الدنيا , فيرى أو يسمع ما يكره أثر في قلبه أحد أمرين أحدهما أعظم من الآخر ( أحدهما ) أن يستجيب لذلك الداعي , فيترك ما كان عازما على فعله أو بالعكس فيتطير بذلك , وينكص عن الأمر الذي كان عازما عليه , فهذا كما ترى قد علق قلبه بذلك المكروه غاية التعليق وعمل عليه , وتصرف ذلك المكروه في إرادته وعزمه وعمله فلا شك أنه على هذا الوجه أثر على إيمانه , وأخل بتوحيده وتوكله . ثم بعد هذا لا تسأل عما يحدثه له هذا الأمر من ضعف القلب ووهنه وخوفه من المخلوقين وتعلقه بالأسباب وبأمور ليست أسبابا , وانقطاع قلبه من تعلقه بالله . وهذا من ضعف التوحيد والتوكل , ومن طرق الشرك ووسائله ومن الخرافات المفسدة للعقل . الأمر الثاني أن لا يستجيب لذلك الداعي ولكنه يؤثر في قلبه حزنا وهما وغما , فهذا وإن كان دون الأول لكنه شر وضرر على العبد , وضعف لقلبه وموهن لتوكله وربما أصابه مكروه فظن أنه من ذلك الأمر فقوي تطيره , وربما تدرج به إلى الأمر الأول , فهذا التفصيل يبين لك وجه كراهة الشارع للطيرة وذمها ووجه منافاتها للتوحيد والتوكل وينبغي لمن وجد شيئا من ذلك وخاف أن تغلبه الدواعي الطبيعية أن يجاهد نفسه على دفعها ويستعين الله على ذلك ولا يركن إليها بوجه ليندفع الشر عنه . |
باب ما جاء في التنجيم
التنجيم نوعان : نوع يسمى علم التأثير وهو الاستدلال بالأحوال الفلكية على الحوادث الكونية فهذا باطل ودعوى لمشاركة الله في علم الغيب الذي انفرد به , أو تصديق لمن ادعى ذلك وهذا ينافي التوحيد لما فيه من هذه الدعوى الباطلة ولما فيه من تعلق القلب بغير الله ولما فيه من فساد العقل , لأن سلوك الطرق الباطلة وتصديقها من مفسدات العقول والأديان . النوع الثاني علم التسيير وهو الاستدلال بالشمس والقمر والكواكب على القبلة والأوقات والجهات فهذا النوع لا بأس به بل كثير منه نافع قد حث عليه الشارع إذا كان وسيلة إلى معرفة أوقات العبادات أو إلى الاهتداء به في الجهات , فيجب التفريق بين ما نهى عنه الشارع وحرمه وبين ما أباحه أو استحبه أو أوجبه , فالأول هو المنافي للتوحيد دون الثاني . |
باب الاستسقاء بالنجوم لما كان من التوحيد الاعتراف لله بتفرده بالنعم ودفع النقم وإضافتها إليه قولا واعترافا واستعانة بها على طاعته كان قول القائل : مطرنا بنوء كذا وكذا ينافي هذا المقصود أشد المنافاة لإضافة المطر إلى النوء , والواجب إضافة المطر وغيره من النعم إلى الله فإنه الذي تفضل بها على عباده , ثم الأنواء ليست من الأسباب لنـزول المطر بوجه من الوجوه وإنما السبب عناية المولى ورحمته وحاجة العباد وسؤالهم لربهم بلسان الحال ولسان المقال فينـزل عليهم الغيث بحكمته ورحمته بالوقت المناسب لحاجتهم وضرورتهم , فلا يتم توحيد العبد حتى يعترف بنعم الله الظاهرة والباطنة عليه وعلى جميع الخلق ويضيفها إليه ويستعين بها على عبادته وذكره وشكره , وهذا الموضع من محققات التوحيد وبه يعرف كامل الإيمان وناقصه . |
باب قوله "ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله” قول الله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ) [ سورة البقرة : الآية 165 ] أصل التوحيد وروحه إخلاص المحبة لله وحده وهي أصل التأله والتعبد له بل هي حقيقة العبادة ولا يتم التوحيد حتى تكمل محبة العبد لربه , وتسبق محبته جميع المحاب وتغلبها ويكون لها الحكم عليها بحيث تكون سائر محاب العبد تبعا لهذه المحبة التي بها سعادة العبد وفلاحه . ومن تفريعها وتكميلها الحب في الله والبغض في الله فيحب العبد ما يحبه الله من الأعمال والأشخاص ويبغض ما يبغضه الله من الأشخاص والأعمال , ويوالي أولياءه ويعادي أعداءه : وبذلك يكمل إيمان العبد وتوحيده . أما اتخاذ أنداد من الخلق يحبهم كحب الله ويقدم طاعتهم على طاعة الله ويلهج بذكرهم ودعائهم فهذا هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله , وصاحب هذا الشرك قد انقطع قلبه من ولاية العزيز الحميد , وتعلق بغيره ممن لا يملك له شيئا , وهذا السبب الواهي الذي تعلق به المشركون سينقطع يوم القيامة أحوج ما يكون العبد لعمله وستنقلب هذه المودة والموالاة بغضا وعداوة . واعلم أن أنواع المحبة ثلاثة أقسام : الأول : محبة الله التي هي أصل الإيمان والتوحيد . الثاني : المحبة في الله وهي محبة أنبياء الله ورسله وأتباعهم ومحبة ما يحبه الله من الأعمال والأزمنة والأمكنة وغيرها وهذه تابعة لمحبة الله ومكملة لها . الثالث : محبة مع الله وهي محبة المشركين لآلهتهم وأندادهم من شجر وحجر وبشر وملك وغيرها وهي أصل الشرك وأساسه . وهنا قسم رابع وهو المحبة الطبيعية التي تتبع ما يلائم العبد ويوافقه من طعام وشراب ونكاح ولباس وعشرة وغيرها , وهذه إذا كانت مباحة إن أعانت على محبة الله وطاعته دخلت في باب العبادات , وإن صدت عن ذلك وتوسل بها إلى ما لا يحبه الله دخلت في المنهيات , وإلا بقيت من أقسام المباحات والله أعلم . |
باب قول الله تعالى "إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه "
قول الله تعالى : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ) [ سورة آل عمران : الآية 175 ] هذا الباب عقده المصنف رحمه الله لوجوب تعلق الخوف والخشية بالله وحده والنهي عن تعلقه بالمخلوقين وبيان أنه لا يتم التوحيد إلا بذلك : ولا بد في هذا الموضع من تفصيل يتضح به الأمر ويزول الاشتباه . اعلم أن الخوف والخشية تارة يقع عبادة وتارة يقع طبيعة وعادة , وذلك بحسب أسبابه ومتعلقاته , فإن كان الخوف والخشية خوف تأله وتعبد وتقرب بذلك الخوف إلى من يخافه وكان يدعو إلى طاعة باطنة وخوف سري يزجر عن معصية من يخافه كان تعلقه بالله من أعظم واجبات الإيمان , وتعلقه بغير الله من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله , لأنه شرك في هذه العبادة التي هي من أعظم واجبات القلب مع الله , وربما زاد خوفه من غير الله على خوفه لله , وأيضا فمن خشي الله وحده على هذا الوجه فهو مخلص موحد , ومن خشي غيره فقد جعله لله ندا في الخشية كمن جعل لله ندا في المحبة وذلك كمن يخشى من صاحب القبر أن يوقع به مكروها أو يغضب عليه فيسلبه نعمة أو نحو ذلك مما هو واقع من عباد القبور . وإن كان الخوف طبيعيا كمن يخشى من عدو أو سبع أو حية أو نحو ذلك مما يخشى ضرره الظاهري : فهذا النوع ليس عبادة وقد يوجد من كثير من المؤمنين ولا ينافي الإيمان , وهذا إذا كان خوفا محققا قد انعقدت أسباب الخوف فليس بمذموم , وإن كان خوفا وهميا كالخوف الذي ليس له سبب أصلا أو له سبب ضعيف , فهذا مذموم يدخل صاحبه في وصف الجبناء وقد تعوذ صلى الله عليه وسلم من الجبن فهو من الأخلاق الرذيلة , ولهذا كان الإيمان التام والتوكل والشجاعة تدفع هذا النوع , حتى أن خواص المؤمنين وأقوياءهم تنقلب المخاوف في حقهم أمنا وطمأنينة لقوة إيمانهم وشجاعتهم الشجاعة القلبية , وكمال توكلهم , ولهذا أتبعه بهذا الباب : قول الله تعالى : ( وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) [ سورة المائدة : الآية 23 ] |
الساعة الآن 02:28 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir