شبكــة أنصــار آل محمــد

شبكــة أنصــار آل محمــد (https://ansaaar.com/index.php)
-   بـاب السيـرة النبـويـة (https://ansaaar.com/forumdisplay.php?f=88)
-   -   الفوائد الجنية من الهجرة النبوية (سلسلة دروس ) (https://ansaaar.com/showthread.php?t=18630)

بنت طيبه 30-12-11 05:32 PM

الفوائد الجنية من الهجرة النبوية (سلسلة دروس )
 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الفوائد الجنيه من الهجره النبويه ..
خامسا ً: جِنسيةُ المسلمِ ووطنُه عقيدته .
إن أغلى ما لدى الإنسانِ إذا تخلى عن مُقوِماتِ دينِه ، أهلُه وولدُه وماله وبلده ، فالصحابةُ رضوانُ الله عليهم لما وجدوا أن مكةَ ليستْ مقراًّ لدينِهم ؛ استأذنوا من الرسولِ صلى الله عليه وسلم بالهجرةِ ، فأذن لهم صلى الله عليه وسلم ، وهنا ارتفعوا عن مطالبِ الدنيا ، وعن حقارةِ الدنيا ، وعن ذُلِّ الدنيا ، وَنَجَوا بعقيدتِهم ؛ لأن المسلمَ وطنُه عقيدتُهُ ، فالصحابةُ رضوانُ الله عليهم ضحَّوا بالوطنِ ، وضحوا بالأهلِ ، وضحوا بالمالِ في سبيل هذه الهجرة في سبيلِ عقيدتِهم ، وانظر إلى صهيبٍ الرومي رضي الله عنه ، كان عبداً مملوكاً في مكةَ ، فلما جاء الله بالإسلام صدّقَ وأطاع ، فاشتدَ عليه عذاب الكفار ، ثم أَذِنَ النبيُ صلى الله عليه وسلم للمؤمنينَ بالهجرةِ إلى المدينة فهاجروا ، فلما أرادَ أن يهاجرَ معهم منعه سادةُ قريشٍ ، وجعلوا عنده بالليل والنهارِ من يحرُسُه ، خوفاً من أن يَهْرُبَ إلى المدينة ، فلما كان في إحدى الليالي ، خرجَ من فراشِه إلى الخلاء ، فخرجَ معه من يرْقُبُه ، ثم ما كادَ يعودُ إلى فراشهِ حتى خرجَ أخرى إلى الخلاءِ ، فخرج معه الرقيب ، ثم عاد إلى فراشه ، ثم خرجَ ، فخرجَ معه الرقيبُ ، ثم خرج كأنه يريد الخلاءَ ، فلم يخرُج معه أحد ، وقالوا : قد شغلَتُه اللاتُ والعزى ببطنه الليلةَ ، فتسَلَّلَ رضي الله عنه ، وخرَجَ من مكةَ ، فلما تأخَّرَ عنهم ، خرجوا يلتمسونَهُ ، فعلِمُوا بهربِه إلى المدينة ، فلحقوه على خَيْلِهم ، حتى أدركوُه في بعضِ الطريقِ ، فلما شَعُرَ بهم رقى على ثَنِيَّةِ جبلٍ ، ثم نَثَرَ كِنَانَةَ سِهَامِهِ بين يديه وقال : يا معشرَ قريشٍ ، لقد علمتُم واللهِ أنِّي أصوبُكُم رمياً ، ووالله لا تَصِلُونَ إليَّ حتى أَقْتُلَ بِكِلِّ سَهْمٍ بين يَدَيّ رجلاً منكم ، فقالوا : أتيتنا صُعْلُوكاً فقيراً ، ثم تخرجُ بنفسكَ ومالك ، فقال : أرأيتم إنْ دَلَلْتُكُم على موضِعِ ماليِ في مكةَ أتأخذونه وتدعوني ..؟ قالوا : نعم .. فقال : احفروا تحتَ أُسْكُفَّةِ بابِ كذا وكذا فإن بها أواقيَ من ذهب ، فخذوها واذهبوا إلى فلانةَ فخذوا الحُلَّتَيْن من ثيابٍ ، فرجعوا وتركوه ، ومضى يَطْوِي قِفَارَ الصحراءِ ، يحمله الشوقُ ويحدوهُ الأملُ في لقاءِ النبيِ عليه السلامُ وأصحابِه ، حتى إذا وصلَ المدينةَ ، أقبلَ إلى المسجدِ فدخلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أَثَرُ الطريق وَوَعْثَاءُ السفرِ ، فلما رآه النبيُ عليه الصلاةُ والسلام قال : ربِحَ البيعُ أبا يحيى .. ربحَ البيعُ أبا يحيى .. ربح البيعُ أبا يحيى .. نعم والله ربحَ البيع .. ولماذا لا يربح..؟ وهو الذي هانَ عليه أن يَتْرُكَ المالَ الذي جمعه بكَدِّ الليلِ وتَعَبِ النهار ، لماذا لا يربح وقد تركَ الأرضَ التي ألفها والبلدَ التي عرفها ، والدارَ التي سكنها ، في سبيل طلبِ عقيدته ومرضاةِ ربه.. أيها الأحبةُ الكرام ..


لا بد أن نوطنَّ أنفسنا ، وأن نفهم هذه الهجرةَ فهماً حقيقيا بأن جنسيةَ المسلمِ ووطنِه هي عقيدتُه ، فالمسلمُ تبعًا لهذا المبدأ ، فلا يَهِنُ ولا يستكين ولا يقبل الذلَّ ، ولا يقبلُ الخور والضعفَ " وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " ولما وجد الصحابةُ رضي الله عنهم أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا بهذا الدين إلا بالذل والمهانة والاستكانة ؛ تخلوا عن هذا الوطن ، وذهبوا إلى بلاد يرفعون فيها رؤوسهم عالية ، فرفع الله مقامهم ، وأعادهم إلى وطنهم منتصرين .


لقد أكدت دروسُ الهجرةِ النبويةِ أن عزة الأمة تكمُن في تحقيق كلمة التوحيد ، وتوحيدِ الكلمةِ عليها ، وأن أي تفريقٍ في أمر العقيدة أو تقصيرٍ في أخوةِ الدينِ مآلُه ضعفُ الأفرادِ وتفكُكُ المجتمعِ وهزيمةُ الأمة ، وإن المتأملَ في هزائمِ الأممِ وانتكاساتِ الشعوبِ عبر التأريخِ يجدُ أن مردّ ذلك إلى التفريطِ في أمر العقيدةِ والتساهلِ في جانب الثوابتِ المعنويةِ مهما تقدمتِ الوسائلُ المادية .

إن عقيدةَ التوحيدِ هي الرابطةُ التي تتضاءلُ أمامها الانتماءاتُ القوميةُ والتمايزاتُ القبليةُ والعَلاقاتُ الحزبية ، واستحقاقُ الأمةِ للتمجيدِ والتكريمِ مدينٌ بولائها لعقيدتها وارتباطِها بمبادئها ، كيف لا ..؟ وفي الأمةِ في أعقابِ الزمن منهزمونَ كثر أمامَ تياراتٍ إلحاديةٍ وافدةٍ ومبادئَ عصريةٍ زائفةٍ ترفعُ شعاراتٍ مصطنعةٍ وتُطْلِقُ نداءاتٍ خادعةً ، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذلّ والصغارَ والمهانةَ والتبارَ والشقاءَ والبوارَ ؛ فأهواءٌ في الاعتقاد ومذاهبُ في السياسةِ ومشاربُ في الاجتماع والاقتصادِ كانت نتيجتها التخلفَ المهينَ والتمزقَ المشين ، وفي خِضَّمِ هذا الواقعِ المُزري يَحِقُّ لنا أن نتساءلَ بحرقةٍ وأسى : أين دروسُ الهجرةِ في التوحيدِ والوحدة ؟ أين أخوةُ المهاجرينَ والأنصارِ مِن شعاراتِ حقوقِ الإنسانِ المعاصرةِ الزائفة ؟ قولوا لي بربكم أيُ نظامٍ راعى حقوقَ الإنسانِ وكرّمه أحسنَ تكريمٍ وكَفِلَ حقوقَه كهذا الدينِ القويم .

الرابع عشر : الداعية لا يمل ولا يكل .
المسلمُ ليسَ عنده توقُفٌ عن الدعوةِ لله عز وجل ، وعن السعيِ لنشرِ دينِ الله جل وعلا ، وهكذا كانَ النبيُ صلى الله عليه وسلمَ بعد أن وَجَدَ الصدَّ في مكةَ ، ذهبَ إلى الطائفِ عليه الصلاة والسلام ، وبعد أن وجدَ الصدَّ هناكَ فتحَ لأصحابِه بابَ الهجرةِ إلى الحبشةِ أولاً ثم جاءت بيعةُ العقبةِ ثانياً ثم بدأت بداياتُ الهجرة ، كلُ هذا طَرْقٌ لكلِ الأبوابِ والأسبابِ ومواصلةٌ للدعوة هناك وهناك ، وبعضُ الناس قد يَطْرُقُ باباً أو بابين أو يلتقي بفردٍ أو اثنين ثم يقولُ سُدَّتِ الأبوابُ وانقطعتِ السبلُ ويرجعُ ويقعُدُ في بيته ، لكنّ النبيَ صلى الله عليه وسلم حينما أدركَ تآمرَ قريشٍ ، وأن قريشا لا تريدُ الإسلامَ ؛ استخدمَ معها كلَّ الوسائِل ، وبذلَ معهم جميعَ الأساليب ، مع عُتُوِّهِم ونفورهِم وإصرارهِم وعِنادهِم ، فلم يخطرْ بباله العودةَ إلى الغارِ أو يَعْبُدَ اللهَ في مسجده ، لا .. بدأ يبذُلُ الوسائلَ والأسبابَ للانتقالِ بهذه الدعوةِ إلى أرضٍ خصبةٍ ، فإذا كانت هذه الأرضُ لا تقبلُ هذه الدعوةَ فأرضُ الله واسعةٌ بدأ بالبحث ، وبعرضِ نفسِه صلى الله عليه وسلم على القبائلِ شيئا فشيئا ، وموسما موسما حتى وَجَدَ من هُمْ أهلٌ لهذه الدعوةِ ، وبلادَهم خير بلادٍ لهذه الدولة ، فالمسلمُ لا يستكين ، والداعيةُ لا يمل ولا يكل .
كثيرٌ من الدعاةِ يُصابُ باليأس ، كثيرٌ من الدعاةِ يصاب بالقنوط ، يقول " دعوت ودعوت ، فلم يُسمع لي ، لم يُستجب لي " لكننا نجدُ في سيرةِ الرسول صلى الله عليه وسلم وفي هجرتِه المثلَ الرائع ، والقدوةَ المُثلى للداعيةِ الصابرِ المرابط .


مشكلةُ كثيرٍ منَ المسلمين اليومَ أنهم يستعجلونَ النتائجَ فيُصابون باليأس ، بل أسوأُ من ذلك أنهم ربما شككوا في مبادئِهم ، شكوا في نصرِ الله سبحانه وتعالى ، شكوا بوعد الله سبحانه وتعالى الذي وعد أولياءَه بالنصر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " فلا يصبرون ولا يتصبرون ، بل يستعجلون النتائجَ والثِمار ، ومن هنا حلَّت كثيرٌ من النكبات بكثيرٍ من المسلمين ، كثيرٌ من الدعواتِ أصيبتْ بالوهن ؛ لماذا ؟ لأنها استعجلتِ النتائجَ ؛ لأنها لم تصبِرْ على مقوماتِ الدعوة ، ولهذا جلسَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ عشرَ عامًا يدعو قومَه في مكةَ ومع ذلك لمَّا وصلَ إلى أمرٍ يقينِي بأنَّ هؤلاءِ القومَ لا يُريدون هذا الدين ، وأرادوا القضاءَ عليه ؛ بحث عن مأمْنٍ وأرضٍ ومخرج ، فبدأ بالاتصالِ بالقبائلِ ، وعَرَضَ نفسه عليها ومن هنا جاءَ ترتيبُ هذه الهجرةِ في بيعةِ العقبةِ الأولي ، وفي بيعةِ العقبةِ الثانيةِ ، وما تلا ذلك من مراحل ، حتى تمَّت هجرتُه صلى الله عليه وسلم .

سلسلة دروس ( صيد الفوائد )


خواطر موحدة 31-12-11 03:42 AM

جزاكم الله خيرآ كثيرآ وجعله في ميزان حسناتكم ..

بنت طيبه 31-12-11 03:58 AM

بارك الله بكِ وبمرورك ..جزاكِ الله خيراً أُ خيه ..

درر الشهد 31-12-11 06:44 PM

بارك الله فيكِ رائعه بنقلك
اخية الله يجزيكِ الفردوس

خالد من ليبيا 31-12-11 09:07 PM

اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت طيبه (المشاركة 151478)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الفوائد الجنيه من الهجره النبويه ..
خامسا ً: جِنسيةُ المسلمِ ووطنُه عقيدته .
إن أغلى ما لدى الإنسانِ إذا تخلى عن مُقوِماتِ دينِه ، أهلُه وولدُه وماله وبلده ، فالصحابةُ رضوانُ الله عليهم لما وجدوا أن مكةَ ليستْ مقراًّ لدينِهم ؛ استأذنوا من الرسولِ صلى الله عليه وسلم بالهجرةِ ، فأذن لهم صلى الله عليه وسلم ، وهنا ارتفعوا عن مطالبِ الدنيا ، وعن حقارةِ الدنيا ، وعن ذُلِّ الدنيا ، وَنَجَوا بعقيدتِهم ؛ لأن المسلمَ وطنُه عقيدتُهُ ، فالصحابةُ رضوانُ الله عليهم ضحَّوا بالوطنِ ، وضحوا بالأهلِ ، وضحوا بالمالِ في سبيل هذه الهجرة في سبيلِ عقيدتِهم ، وانظر إلى صهيبٍ الرومي رضي الله عنه ، كان عبداً مملوكاً في مكةَ ، فلما جاء الله بالإسلام صدّقَ وأطاع ، فاشتدَ عليه عذاب الكفار ، ثم أَذِنَ النبيُ صلى الله عليه وسلم للمؤمنينَ بالهجرةِ إلى المدينة فهاجروا ، فلما أرادَ أن يهاجرَ معهم منعه سادةُ قريشٍ ، وجعلوا عنده بالليل والنهارِ من يحرُسُه ، خوفاً من أن يَهْرُبَ إلى المدينة ، فلما كان في إحدى الليالي ، خرجَ من فراشِه إلى الخلاء ، فخرجَ معه من يرْقُبُه ، ثم ما كادَ يعودُ إلى فراشهِ حتى خرجَ أخرى إلى الخلاءِ ، فخرج معه الرقيب ، ثم عاد إلى فراشه ، ثم خرجَ ، فخرجَ معه الرقيبُ ، ثم خرج كأنه يريد الخلاءَ ، فلم يخرُج معه أحد ، وقالوا : قد شغلَتُه اللاتُ والعزى ببطنه الليلةَ ، فتسَلَّلَ رضي الله عنه ، وخرَجَ من مكةَ ، فلما تأخَّرَ عنهم ، خرجوا يلتمسونَهُ ، فعلِمُوا بهربِه إلى المدينة ، فلحقوه على خَيْلِهم ، حتى أدركوُه في بعضِ الطريقِ ، فلما شَعُرَ بهم رقى على ثَنِيَّةِ جبلٍ ، ثم نَثَرَ كِنَانَةَ سِهَامِهِ بين يديه وقال : يا معشرَ قريشٍ ، لقد علمتُم واللهِ أنِّي أصوبُكُم رمياً ، ووالله لا تَصِلُونَ إليَّ حتى أَقْتُلَ بِكِلِّ سَهْمٍ بين يَدَيّ رجلاً منكم ، فقالوا : أتيتنا صُعْلُوكاً فقيراً ، ثم تخرجُ بنفسكَ ومالك ، فقال : أرأيتم إنْ دَلَلْتُكُم على موضِعِ ماليِ في مكةَ أتأخذونه وتدعوني ..؟ قالوا : نعم .. فقال : احفروا تحتَ أُسْكُفَّةِ بابِ كذا وكذا فإن بها أواقيَ من ذهب ، فخذوها واذهبوا إلى فلانةَ فخذوا الحُلَّتَيْن من ثيابٍ ، فرجعوا وتركوه ، ومضى يَطْوِي قِفَارَ الصحراءِ ، يحمله الشوقُ ويحدوهُ الأملُ في لقاءِ النبيِ عليه السلامُ وأصحابِه ، حتى إذا وصلَ المدينةَ ، أقبلَ إلى المسجدِ فدخلَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أَثَرُ الطريق وَوَعْثَاءُ السفرِ ، فلما رآه النبيُ عليه الصلاةُ والسلام قال : ربِحَ البيعُ أبا يحيى .. ربحَ البيعُ أبا يحيى .. ربح البيعُ أبا يحيى .. نعم والله ربحَ البيع .. ولماذا لا يربح..؟ وهو الذي هانَ عليه أن يَتْرُكَ المالَ الذي جمعه بكَدِّ الليلِ وتَعَبِ النهار ، لماذا لا يربح وقد تركَ الأرضَ التي ألفها والبلدَ التي عرفها ، والدارَ التي سكنها ، في سبيل طلبِ عقيدته ومرضاةِ ربه.. أيها الأحبةُ الكرام ..


لا بد أن نوطنَّ أنفسنا ، وأن نفهم هذه الهجرةَ فهماً حقيقيا بأن جنسيةَ المسلمِ ووطنِه هي عقيدتُه ، فالمسلمُ تبعًا لهذا المبدأ ، فلا يَهِنُ ولا يستكين ولا يقبل الذلَّ ، ولا يقبلُ الخور والضعفَ " وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " ولما وجد الصحابةُ رضي الله عنهم أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا بهذا الدين إلا بالذل والمهانة والاستكانة ؛ تخلوا عن هذا الوطن ، وذهبوا إلى بلاد يرفعون فيها رؤوسهم عالية ، فرفع الله مقامهم ، وأعادهم إلى وطنهم منتصرين .


لقد أكدت دروسُ الهجرةِ النبويةِ أن عزة الأمة تكمُن في تحقيق كلمة التوحيد ، وتوحيدِ الكلمةِ عليها ، وأن أي تفريقٍ في أمر العقيدة أو تقصيرٍ في أخوةِ الدينِ مآلُه ضعفُ الأفرادِ وتفكُكُ المجتمعِ وهزيمةُ الأمة ، وإن المتأملَ في هزائمِ الأممِ وانتكاساتِ الشعوبِ عبر التأريخِ يجدُ أن مردّ ذلك إلى التفريطِ في أمر العقيدةِ والتساهلِ في جانب الثوابتِ المعنويةِ مهما تقدمتِ الوسائلُ المادية .

إن عقيدةَ التوحيدِ هي الرابطةُ التي تتضاءلُ أمامها الانتماءاتُ القوميةُ والتمايزاتُ القبليةُ والعَلاقاتُ الحزبية ، واستحقاقُ الأمةِ للتمجيدِ والتكريمِ مدينٌ بولائها لعقيدتها وارتباطِها بمبادئها ، كيف لا ..؟ وفي الأمةِ في أعقابِ الزمن منهزمونَ كثر أمامَ تياراتٍ إلحاديةٍ وافدةٍ ومبادئَ عصريةٍ زائفةٍ ترفعُ شعاراتٍ مصطنعةٍ وتُطْلِقُ نداءاتٍ خادعةً ، لم يجنِ أهلها من ورائها إلا الذلّ والصغارَ والمهانةَ والتبارَ والشقاءَ والبوارَ ؛ فأهواءٌ في الاعتقاد ومذاهبُ في السياسةِ ومشاربُ في الاجتماع والاقتصادِ كانت نتيجتها التخلفَ المهينَ والتمزقَ المشين ، وفي خِضَّمِ هذا الواقعِ المُزري يَحِقُّ لنا أن نتساءلَ بحرقةٍ وأسى : أين دروسُ الهجرةِ في التوحيدِ والوحدة ؟ أين أخوةُ المهاجرينَ والأنصارِ مِن شعاراتِ حقوقِ الإنسانِ المعاصرةِ الزائفة ؟ قولوا لي بربكم أيُ نظامٍ راعى حقوقَ الإنسانِ وكرّمه أحسنَ تكريمٍ وكَفِلَ حقوقَه كهذا الدينِ القويم .

الرابع عشر : الداعية لا يمل ولا يكل .
المسلمُ ليسَ عنده توقُفٌ عن الدعوةِ لله عز وجل ، وعن السعيِ لنشرِ دينِ الله جل وعلا ، وهكذا كانَ النبيُ صلى الله عليه وسلمَ بعد أن وَجَدَ الصدَّ في مكةَ ، ذهبَ إلى الطائفِ عليه الصلاة والسلام ، وبعد أن وجدَ الصدَّ هناكَ فتحَ لأصحابِه بابَ الهجرةِ إلى الحبشةِ أولاً ثم جاءت بيعةُ العقبةِ ثانياً ثم بدأت بداياتُ الهجرة ، كلُ هذا طَرْقٌ لكلِ الأبوابِ والأسبابِ ومواصلةٌ للدعوة هناك وهناك ، وبعضُ الناس قد يَطْرُقُ باباً أو بابين أو يلتقي بفردٍ أو اثنين ثم يقولُ سُدَّتِ الأبوابُ وانقطعتِ السبلُ ويرجعُ ويقعُدُ في بيته ، لكنّ النبيَ صلى الله عليه وسلم حينما أدركَ تآمرَ قريشٍ ، وأن قريشا لا تريدُ الإسلامَ ؛ استخدمَ معها كلَّ الوسائِل ، وبذلَ معهم جميعَ الأساليب ، مع عُتُوِّهِم ونفورهِم وإصرارهِم وعِنادهِم ، فلم يخطرْ بباله العودةَ إلى الغارِ أو يَعْبُدَ اللهَ في مسجده ، لا .. بدأ يبذُلُ الوسائلَ والأسبابَ للانتقالِ بهذه الدعوةِ إلى أرضٍ خصبةٍ ، فإذا كانت هذه الأرضُ لا تقبلُ هذه الدعوةَ فأرضُ الله واسعةٌ بدأ بالبحث ، وبعرضِ نفسِه صلى الله عليه وسلم على القبائلِ شيئا فشيئا ، وموسما موسما حتى وَجَدَ من هُمْ أهلٌ لهذه الدعوةِ ، وبلادَهم خير بلادٍ لهذه الدولة ، فالمسلمُ لا يستكين ، والداعيةُ لا يمل ولا يكل .
كثيرٌ من الدعاةِ يُصابُ باليأس ، كثيرٌ من الدعاةِ يصاب بالقنوط ، يقول " دعوت ودعوت ، فلم يُسمع لي ، لم يُستجب لي " لكننا نجدُ في سيرةِ الرسول صلى الله عليه وسلم وفي هجرتِه المثلَ الرائع ، والقدوةَ المُثلى للداعيةِ الصابرِ المرابط .


مشكلةُ كثيرٍ منَ المسلمين اليومَ أنهم يستعجلونَ النتائجَ فيُصابون باليأس ، بل أسوأُ من ذلك أنهم ربما شككوا في مبادئِهم ، شكوا في نصرِ الله سبحانه وتعالى ، شكوا بوعد الله سبحانه وتعالى الذي وعد أولياءَه بالنصر " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " فلا يصبرون ولا يتصبرون ، بل يستعجلون النتائجَ والثِمار ، ومن هنا حلَّت كثيرٌ من النكبات بكثيرٍ من المسلمين ، كثيرٌ من الدعواتِ أصيبتْ بالوهن ؛ لماذا ؟ لأنها استعجلتِ النتائجَ ؛ لأنها لم تصبِرْ على مقوماتِ الدعوة ، ولهذا جلسَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ عشرَ عامًا يدعو قومَه في مكةَ ومع ذلك لمَّا وصلَ إلى أمرٍ يقينِي بأنَّ هؤلاءِ القومَ لا يُريدون هذا الدين ، وأرادوا القضاءَ عليه ؛ بحث عن مأمْنٍ وأرضٍ ومخرج ، فبدأ بالاتصالِ بالقبائلِ ، وعَرَضَ نفسه عليها ومن هنا جاءَ ترتيبُ هذه الهجرةِ في بيعةِ العقبةِ الأولي ، وفي بيعةِ العقبةِ الثانيةِ ، وما تلا ذلك من مراحل ، حتى تمَّت هجرتُه صلى الله عليه وسلم .

سلسلة دروس ( صيد الفوائد )


بارك الله فيكي
وحفظكي عن يمنيك وعن شمالك ومن فوقك ومن تحتك
وجزاكي عظيم الجزاء

دآنـة وصآل 01-01-12 04:11 AM

بارك الله فيك وجعل ماقدمت بموازين حسناتك

عزتي بديني 01-01-12 10:28 PM

جزاك الله خير وأثابك الفردوس الأعلى من الجنان

رسالتي نت 03-01-12 11:07 PM

اللهم صلي وسلم على نبينا محمد

جارة المصطفى 03-01-12 11:32 PM

http://www.p-yemen.com/highstar/arog...0%28118%29.gif

الرزان 04-01-12 02:03 AM

جزاك الله خير ونفع بك

عبدالعزيز الحربي 04-01-12 03:07 AM

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته


جزاكِ الله خيراً أختي

بنت طيبه 12-01-12 12:35 PM

جزاكم الله خيرآ على مروركم ..

البارقة 12-01-12 02:06 PM



جزاكِ الله خير أخية وجعله في ميزان حسناتك , ,

طلائع الغد 13-01-12 12:04 AM

بارك الله فيكم ..

بنت طيبه 15-01-12 07:14 PM

بارك الله بكم وبمروكم الرائع ..


الساعة الآن 07:20 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
This Forum used Arshfny Mod by islam servant