![]() |
أم ملدم .. وزيارة نهاية العام
أ.د. عمر بن عبدالله المقبل أم ملدم .. وزيارة نهاية العام زارتني هذه الأمُّ زيارةً أعاقتني عن كثير مما أريد فعلَه وإنجازَه، ومع ذلك فقد وقع من زيارتها ـ غير المرغوب فيها ـ بعضُ الفوائد، سوى ما يرجوه الإنسانُ من كونها سبباً في حطّ الذنوب والأوزار. نحن في هذه الحياة ربما عاش أحدُنا ربع قرن أو نصفه أو أكثر، هو في غالب أيامه يغدو ويروح، ويُصبح ويمسي، بل ربما مرّت عليه أهلّةٌ كثيرة وما مُرِضَ، أو ألجأَه فراش، أو دخل مشفى ـ ولله الحمد والفضل ـ فإذا ما حصل مثلُ هذا العارض؛ تمّنى ما كان عليه من قوة ونشاط، وتذكّر تلك المقولة الشهيرة: "الصحةُ تاجٌ على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى". والسؤال: لماذا لا تتوارد هذه المعاني عند أكثر الناس إلا عند فقد أضدادها؟ قد يبدو حضورُها بقوة ـ في هذه الحال ـ أمراً موافقاً للفطرة، لكن الذي لا ينبغي هو غيابُ هذا المعنى وعدمُ استحضاره حالَ القوةِ والنشاط، فترى الإنسانَ تمضي عليه الأيامُ والسنون دون هدفٍ يسعى لتحقيقه، كالذي يمضي قِبَلَ وجهه لا يلوي على شيء، فإذا سألته: إلى أين تتجه؟ قال: لا أدري! فيلتفت وراءه ـ وهو ابن الثلاثين والأربعين بل الستين ـ وإذا به لم يصنع شيئاً ذا بالٍ ينفع به نفسَه وأمّته. ولهذا لما كانت هذه الحقيقة ـ حقيقة العيش في هذه الحياة وهدفها الأكبر ـ حاضرةً في نفوس الجيل الأول من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ووعَوْها جيداً، وفهموا وصايا النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه الأكمل؛ ظهر أثرُها على حياتهم العلميةِ والعمليةِ، ومن ذلك: ما حكاه عبدُالله بنُ عمر رضي الله عنهما، قال: أخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل» وكان ابن عمر يقول: «إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك»([1]). فابنُ عمر لما سمع هذه الوصية القصيرة البليغة، ترجمها لتلميذه، ولكل من يأتي بعده بوصيةٍ أخرى، تفيد ـ وبوضوح ـ الحثَّ على اغتنام فترات النشاط والقوة، وتحذّر من التسويف والمماطلة في اغتنام ساعات الزمن، فلا يدري الإنسانُ متى ينقطع؟ بلْه أن يرحل! سمعتُ شاباً أُصيب بشلل رباعي يتمنى ثلاث أمنيات، هي من أيسر ما يفعله الإنسانُ، ولكن...! تمنّى أن يسجد، وأن يُقلِّب ورقات المصحف بيده، وأن يَضمّ أمّه التي تعبت عليه كثيرًا ضمّة يعبِّر فيها عن شكره وامتنانه! وآخَر مثلُه، يتمنى العافيةَ ليستطيع الصلاة مع الجماعة في المسجد. وثالث أصابه السرطان.. يتمنّى العافيةَ ليفعلَ ويفعلَ من الطاعات والقربات، لكن المرض أنهكه، وحال بينه وبين ما يشتهي.. سائلاً الله تعالى أن يَشفي كلَّ مسلم، وأن يبلّغ هؤلاء ما نووا من الخير. لقد قدّر اللهُ أن تكون زيارةُ أمّ مِلْدَم في نهاية العام، وهو وقتٌ اعتاد فيه الناسُ على الحديث عن التخطيط، وعن مراجعة كشف حساب العام، ونحو هذه العبارات التي تتردد في مثل هذا الوقت، فجاء اللهُ بهذه الزائرةِ لتوقظَ أمثالَ هذه المعاني، ولتُذِكِّرنا أن الحياة قصيرة، والسعيدَ من اغتنم أيام صحته ونشاطه في بناء مستقبله الأخروي، غير غائبٍ عنه: ﴿وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾[القصص: 77]. |
جزاكِ الله خيراً
|
قال صلى الله عليه وسلـم "من صنع إليه معروفا فقال: جزاك الله خيرا، فقد أبلغ في الثناء" سنن الترمذي حكم الحديث: صحيح فجزاكم الله خيراً ونفع الله بكم وبما قدمتم وجعله في موازين حسناتكم ولابأس طهور إن شاء الله |
الساعة الآن 02:58 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir