والثاني: أنه ذهب إلى قول أبي حاتم مع تصريح عبد الرحمن بن أبي عميرة بالسماع من النبي لهذا الحديث، ولا أظن أنه فعل ذلك إلا ليعل الحديث بأي طريقة كانت. الثالث: أنه جعل قول أبي حاتم قولاً لأهل الشأن، مع أنه لم يذكر أحداً صرح بعدم سماع عبد الرحمن بن أبي عميرة لهذا الحديث من النبي ، ولا يتوهم ان ابن عبد البر ممن قال بذلك، فان عبد البر ضعف الإسناد، ونفى عن عبد الرحمن الصحبة أصلاً، فتنبه، ورواه أحمد من حديث العرباض بن سارية، ورواه ابن جرير من حديث ابن مهدي. ورواه أسد بن موسى وبشر السري وعبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح بإسناده، وزاد في رواية بشر بن السري (وأدخله الجنة)[1] ومنها أنه ، دخل على زوجته أم حبيبة، ورأس معاوية في حجرها وهل تقبله –فقال لها أتحبيه؟ قالت: ومالي لا أحب أخي؟ فقال : فإن الله ورسوله يحبانه –وفي سنده مقال- ومنها قوله : (دعوا أصحابي وأصهاري، فإن من حفظني فيهم كان معه من الله حافظ، ومن لم يحفظني فيهم تخل الله عنه ومن تخل الله عنه يوشك أن يأخذه) –رواه الحافظ أحمد بن منيع. وقال : (عزيمة من ربي وعهد عهده إلي أن لا أتزوج إلى أهل بيت ولا أزوج بنتاً من بناتي لأحد إلا كانوا رفقائي في الجنة). رواه الحارث بن أبي أسامة، وفي رواية: (سألت ربي لا أتزوج إلى أحد من أمتي إلا كان معي في الجنة فأعطاني ذلك). ففضائله ثابتة في السنة عموماً وخصوصاً –منها الصحيح ومنها الضعيف، كما سيأتي –فأما عمومه: فلما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً: (لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه). وأهل العلم مجمعون قاطبة –على أن معاوية من أصحاب النبي ولا شك أنه داخل في عموم هذا النص، فمن سبه أو طعن فيه آثم بلا ريب بل سب الصحابة –- من الكبائر. وأما خصوصاً: فلحديثين أحدهما احتج به السقاف على ذم معاوية ولم يصب، والثاني ضعفه، تقليداً لأشياخه الغماريين. فأما الأول رواه مسلم من حديث ابن عباس : قال: كنت ألعب مع الصبيان، فجاء رسول الله ، فتواريت خلف باب، فجاء فحطأني حطأة، وقال: (اذهب وادع لي معاوية). قال: فجئت فقلت: هو يأكل، قال: ثم قال: (اذهب فادع لي معاوية). قال: فجئت فقلت: هو يأكل، فقال: (لا أشبع الله بطنه). قال الحافظ الذهبي: (لعل هذه منقبة معاوية. لقول النبي : (اللهم من لعنته أو شتمته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة)[2] وقال النووي في (شرح مسلم)[3] (قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقاً للدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله غيره من مناقب معاوية، لأنه في الحقيقة يصير دعاء له). قلت: وهذا الحديث أخرجه مسلم في باب[4]: (من لعنه النبي أو سبه أو دعا عليه، وليس هو أهلاً لذلك كان له زكاة وأجراً ورحمة). (وقد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعناً في معاوية ، وليس فيه ما يساعدهم على ذلك، كيف وفيه أنه كان كاتب النبي ؟". ويمكن أن يكون ذلك منه ، بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه ، في أحاديث كثيرة متواترة منها حديث عائشة ا: (.... أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته، فاجعله له زكاة وأجراً)[5] وأما الحديث الثاني: فهو بلفظ: (اللهم اجعله هادياً ومهدياً واهد به). أو (اللهم اجعله هادياً مهدياً واهده وأهد به) أو (اللهم علمه الكتاب والحساب وقه العذاب وأدخله الجنة). وقد سبق تخريجه قريباً. ومعاوية من أعدل ملوك الأرض وقد ذكر عند الأعمش عمر بن عبد العزيز وعدله: فقال: (كيف لو أدركتم معاوية؟). قالوا: في حلمه؟ قال: (لا والله، بل في عدله). وقد مدح أبو الدرداء صلاته لأهل الشام فقال: (ما رأيت أحداً أشبه صلاة بصلاة رسول الله من إمامكم هذا). يعني: معاوية[6] قال ابن عباس : (ما رأيت رجلاً أخلص بالملك من معاوية). وقال عمير بن سعد الأنصاري الأوسي، وقد عزله عمر بن الخطاب عن حمص وولى معاوية: (لا تذكروا معاوية إلا بخير، فإني سمعت رسول الله يقول: (اللهم اهد به...). وهذا من إنصاف عمير . وقد روى ابن قتيبة عن عتبة بن مسعود قال: (إنه لما مر بنا نعي معاوية، قمنا فأتينا ابن عباس فوجدناه جالساً قد وضع له الخوان وعنده نفر، فأخبرناه الخبر، فقال: يا غلام ارفع الخوان، ثم سكن ساعة ثم قال: (جبل تزعزع ثم مال كلكله. أما والله ما كان كمن قبله، ولكن لن يكون بعده مثله، وإن كان ابنه خير أهله)[7] وقيل أيضاً لابن عباس: (هل لك في أمير المؤمنين معاوية، فإنه ما أوتر إلا بواحدة، فقال: إنه فقيه)[8] روى الحافظ ابن عساكر عن الإمام أبي زرعة الرازي أنه قال له رجل: (إني أبغض معاوية، فقال له: ولم؟ قال: لأنه قاتل علياً. فقال له أبو زرعة: ويحك إن رب معاوية رحيم، وخصم معاوية خصم كريم، فإيش دخولك أنت بينهما ا). فمعاوية يعتبر خليفة لحديث الشعبي عن مسروق بن الأجدع الهمداني الإمام القدوة قال: (كنا جلوساً عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، هل سألتم رسول الله ، كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني أحد منذ قدمت العراق قبلك. ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول الله ، فقال: (اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل)[9] وصححه شيخ الإسلام في (قاعدة) كما في حاشية (العواصم من القواصم). للحافظ ابن العربي (208/209). ولحديث جابر بن سمرة قال: دخلت مع أبي على النبي ، فسمعته يقول: (إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة). قال: ثم تكلم بكلام خفي عليّ فقلت لأبي: ما قال؟ قال: (كلهم من قريش)[10] ومعاوية منهم بلا شك، لأن الأئمة قد اتفقوا على أن عمر بن عبد العزيز منهم، ومعاوية أفضل منه. لما نقله القاضي عياض أن رجلاً قال للمعافي بن عمران: أين عمر بن عبد العزيز من معاوية، فغضب غضباً شديداً، وقال: لا يقاس بأصحاب النبي ، أحد، معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحيه. وسئل ابن المبارك قيل له يا أبا عبد الرحمن: أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: والله إن الغبار الذي دخل في أنف فرس معاوية مع رسول الله ، أفضل من عمر بألف مرة، صلى معاوية خلف رسول الله ، فقال رسول الله : سمع الله لمن حمده فقال معاوية: ربنا ولك الحمد، فما بعد هذا الشرف الأعظم. وفي لفظ: (الخلافة ثلاثون سنة ثم تكون بعد ذلك ملكاً). صححه الحافظ في (التقريب). وحسنه الترمذي، وابن حبان وغيرهم. قال الخلال في (السنة). (659): (أخبرني محمد بن أبي هارون، ومحمد بن جعفر، أن أبا الحارث حدثهم، قال: وجهنا رقعة إلى أبي عبد الله، ما تقول رحمك الله فيمن قال: لا أقول إن معاوية كاتب الوحي، ولا أقول إنه خال المؤمنين، فإنه أخذها بالسيف غصباً؟ قال أبو عبد الله: هذا قول سوء رديء، يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون، ونبين أمرهم لللناس). وسنده صحيح. وروى الخلال (660): (أخبرنا أبو بكر المروذي، قال: قلت لأبي عبد الله أيهما أفضل: معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: معاوية أفضل، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله ، أحداً، قال النبي : (خير الناس قرني الذي بعثت فيهم). وسنده صحيح، كيف يأمر بقتل ابن عباس ثم هو يمدحه ويقول: (ما رأيت رجلاً أخلق للملك من معاوية، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب، لم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب –يعني: ابن الزبير –وسيأتي- ومنها أنه بشره رسول الله ، بالخلافة حيث قال: نظر إلي رسول الله فقال: يا معاوية إذا ملكت فأحسن. فقال: ما زلت أطمع في الخلافة منذ قال رسول الله: (إذا ملكت فأحسن). رواه أحمد بسند صحيح لكن فيه إرسال وصله أبو يعلى بسنده الصحيح. ولفظه: عن معاوية أنه ، قال لأصحابه: توضؤوا فلما توضؤا نظر إلي فقال: (يا معاوية إن وليت أمراً فاتق الله وأعدل). وفي رواية للطبراني في الأوسط: (فاقبل من محسنهم واعف عن مسيئهم). وروى أحمد بسند حسن آخر يقاربه أن معاوية أخذ الإداوة لما اشتكى أبو هريرة أي: لأنه كان هو الذي يحملها، وسار معاوية بها مع النبي ، فبينما هو يوضئ رسول الله ، رفع رأسه إليه مرة أو مرتين، وهو يتوضأ، فقال: يا معاوية إن وليت أمراً فاتق الله وأعدل. قال معاوية: فما زلت أظن أني سألي الخلافة حتى وليت). فمعاوية لم يكن يطلب الملك كما قال عبد السلام ياسين في كتابه (الشورى والديمقراطية). (ص241): (ويتصادم جيشا علي ومعاوية طالب الملك في صِفين). ولم يغير مجرى تاريخ الإسلام –فمن فعل فقد كفر- كما زعم الشيعي ياسين في (ص243): (خرج معاوية بن أبي سفيان بالسيف والبطش والقوة، ونقض أعلى عرى الإسلام). ثم ذكر حديث: (لتنقضن عرا الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها. وأولهن نقضاً الحكم). فقال: (... ثم نستعرض العملية النقضية بسيف معاوية، ومن تبع سنته السيئة، لتتجلى أمام أعيننا المحجة التي زاغ عنها الزائغون). ما أرى (الزائغون)[11] عن المحجة إلا الروافض ومن دافع عنهم من أمثالك. ثم طفق يذكر من تاريخ الشيعة أباطيل وأكاذيب على خال المؤمنين وكاتب وحي رب العالمين، فيقول:-فض الله فاه- (كان مع سيف معاوية لهج بالشريعة وسيادتها). وقال في (ص246) من نفس المصدر متهماً معاوية بقتل الحسن مسموماً: (ولم يلبث أن سمّوه فمات رحمه الله). ويجيب شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة). على ما قاله عبد السلام وغيره من الشيعة، من أن معاوية سم الحسن: (لم يثبت ذلك ببينة شرعية، ولا إقرار معتبر، ولا نقل يجزم به. وهذا مما لا يمكن العلم به، فالقول به قول بلا علم). قال: (وقد رأينا في زماننا من يقال عنه سم ومات مسموما من الأتراك وغيرهم. ويختلف الناس في ذلك حتى في نفس الموضع الذي مات فيه والقلعة التي مات فيها، فتجد كلا منهم يحدث بالشيء بخلاف ما يحدث به الآخر). وبعد أن ذكر ابن تيمية أن الحسن مات بالمدينة، وأن معاوية كان بالشام، ذكر للخبر احتمالات -على فرض صحته- منها أن الحسن كان مطلاقاً لا يدوم مع امرأة... الخ[12] وقال عبد السلام ياسين في نفس المصدر (ص246-247): (ما صفت الساحة لمعاوية بن أبي سفيان حين أراد إرغام المسلمين على بيعة ابنه يزيد. ثم ذكر –فض الله فاه- كلاماً لا خطام له، من وضع الروافض الخبثاء، وينقل هذه الترهات من ابن الأثير الشيعي دون حياء ولا خجل. ثم طعن في شيخ الإسلام ابن تيمية، بأسلوب خفي، أسلوب شيطاني، وكذا فعل مع الحافظ ابن العربي، حيث يقول: (فخطب معاوية الناس، بعد أن أمر رئيس حرسه قائلاً: (أقم على رأس كل رجل من هؤلاء (الأربعة المعارضين). رجلين، ومع كل واحد منهما سيف، فإن ذهب رجل منهم يرد علي كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بالسيف)، السيوف منتضاة على الأربعة الرؤوس، ومعاوية يخطب الناس ويقول مهدداً مرعداً: (إنه من أعذر فقد أنذر! كنت أخطب فيكم فيقوم إلي القائم منكم فيكذبني على رؤوس الناس، فأحمل ذلك وأصفح، وإني قائم بمقالة، فأقسم بالله لئن رد علي أحدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى رأسه، فلا يبقين رجل على نفسه!)، نترك الإمام أحمد جبل السنة يرد على الشيعي ياسين قال الخلال في (السنة)، (659): (أخبرني محمد بن أبي هارون، ومحمد بن جعفر، أن أبا الحارث حدثهم، قال: وجهنا رقعة إلى أبي عبد الله، ما تقول رحمك الله فيمن قال: لا أقول إن معاوية كاتب الوحي، ولا أقول إنه خال المؤمنين، فإنه أخذها بالسيف غصباً؟ قال أبو عبد الله: هذا قول سوء رديء، يجانبون هؤلاء القوم ولا يجالسون، ونبين أمرهم للناس). وسنده صحيح، وروى الخلال (660): (أخبرنا أبو بكر المرّوذي، قال: قلت لأبي عبد الله أيهما أفضل: معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: معاوية أفضل، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله ، أحداً، قال النبي : (خير الناس قرني الذي بعثت فيهم). وسنده صحيح. كيف يأمر بقتل ابن عباس ثم هو يمدحه ويقول: (ما رأيت رجلاً أخلق للملك من معاوية، كان الناس يردون منه على أرجاء واد رحب، لم يكن بالضيق الحصر العصعص المتغضب-يعني: ابن الزبير)[13] قال الذهبي: (حسبك بمن يؤمّره عمر، ثم عثمان –وهو ثغر- فيضبطه ويقوم به أتم قيام، ويرضى الناس بسخائه وحلمه، وإن كان بعضهم تألم مرة منه، وكذلك فليكن الملك، وإن كان غيره من أصحاب رسول الله صلى لله عليه وسلم، خيراً منه بكثير، وأفضل وأصلح، فهذا الرجل ساد، وساس العالم بكمال عقله، وفرط حلمه، وسعة نفسه، وقوة دهائه ورأيه، وله هنات وأمور، والله الموعد. وكان محبباً إلى رعيته، عمل نيابة الشام عشرين سنة، والخلافة عشرين سنة، ولم يهجه أحد في دولته، بل دانت له الأمم، وحكم على العرب والعجم، وكان ملكه على الحرمين، ومصر، والشام، والعراق، وخراسان، وفارس، والجزيرة، واليمن، والمغرب، وغير ذلك)[14] ثم ذكر أثراً عن الحسن البصري لا أساس له من الصحة ليطعن في يزيد وقبله في خال المؤمنين معاوية –وعلى من يشتم معاوية بهلة الله- فقال في (ص252): (روى ابن الأثير مقالة الإمام، قال: أربع خصال كنّ في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه (أي: وثوبه) على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة، وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه بعده ابنه سكّيراً خمّيراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير. وادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله : (الولد للفراش وللعاهر الحجَر). وقتله حجراً وأصحاب حجر، ويا ويلاً له من حجر وأصحاب حُجر!). قال جامع هذه الرسالة، أثر ابن عباس هذا (ذكره ابن الأثير الشيعي في كتابه (الكامل) (3/487) وهو مكذوب وموضوع من وضع الشيعة، فهم لا يتورعون عن الكذب. ----------------------