ـ حكم تقليد الحجاج للمطوفين في الطواف والسعي . * ـ أيضا ذكرتم من الأخطاء التي تقع في السعي الدعاء من خلال كتاب فهل ينطبق هذا أيضا على الذين يطوفون بالناس ويسعون بهم، ويقولون أدعية ويرددها الناس خلفهم ؟ * ـ الجواب : * نعم ، هو ينطبق على هؤلاء، لأن هؤلاء أيضا كانوا قد حفظوا هذه الأدعية من هذا الكتاب ، ولعلك لو ناقشت بعضهم - أي : بعض هؤلاء المطوفين - لو ناقشته عن معاني ما يقول لم يكن عنده من ذلك خبر، ولكن مع ذلك قد يكون الذين خلفه لا يعلمون اللغة العربية ولا يعرفون معنى ما يقول، وإنما يرددونه تقليدا لصوته فقط، وهذا من الخلل الذي يكون من المطوفين، ولو أن المطوفين أمسكوا الحجاج الذين يطوفونهم، وعلموهم تعليما عند كل طواف وعند كل سعي، فيقولون لهم مثلا : أنتم الآن ستطوفون فقولوا كذا وافعلوا كذا وادعوا بما شئتم، ونحن معكم نرشدكم إن ضللتم، فهذا طيب، وهو أحسن من أن يرفعوا أصواتهم بتلقينهم الدعاء الذي لا يعرفون معناه، والذي قد يكون فيه تشويش على الطائفين . وهم إذا قالوا : نحن أمامكم وأنتم افعلوا كذا، أشيروا مثلاً إلى الحجر، أو استلموه إذا تيسر لكم، أو ما أشبه ذلك، وقولوا كذا، وكبروا عند محاذاة الحجر الأسود، وقولوا بينه وبين الركن اليماني : (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) إلى غير ذلك من التوجيهات لكان ذلك أنفع للحاج وأخشع، أما أن يؤتى بالحاج وكأنه ببغاء يقلد بالقول والفعل هذا المطوف، ولا يدري عن شيء أبداً، وربما لو قيل له بعد ذلك : طف .. ما استطاع أن يطوف ولا يعرف الطواف، لأنه كان يمشي ويردد وراء هذا المطوف .. فهذا هو الذي أرى أنه أنفع للمطوفين وأنفع للطائفين أيضاً . ـ أخطاء الحاج التي تقع في منى وفي المبيت فيه . * ـ نود أيضاً أن نعرف الأخطاء التي تكون في منى وفي المبيت فيه ؟ * ـ الجواب : * من الأخطاء التي تكون في الذهاب إلى منى ما سبق ذكره من الخطأ في التلبية، حيث إن بعض الناس لا يجهر بالتلبية مع مشروعية الجهر بها، فتمر بك أفواج الحجاج، ولا تكاد تسمع واحداً يلبي، وهذا خلاف السنة، وخلاف ما أمر به النبي أصحابه، فالسنة للإنسان في التلبية أن يجهر بها وأن يرفع صوته بذلك، ما لم يشق عليه، وليعلم أنه لا يسمعه شيء من حجر أو مدر، إلا شهد له يوم القيامة عند الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك أيضاً : أن بعض الحجاج يذهب رأساً إلى عرفة ولا يبيت في منى، وهذا وإن كان جائزاً - لأن المبيت في منى ليس بواجب - لكن الأفضل للإنسان أن يتبع السنة التي جاءت عن رسول الله ، بحيث ينزل في منى من ضحى اليوم الثامن، إلى أن تطلع الشمس من اليوم التاسع، فإن رسول الله فعل ذلك وقال : (لتأخذوا عني مناسككم) . لكنه لو تقدم إلى عرفة ولم يبت في منى في ليلة التاسع فلا حرج عليه، لحديث عروة بن المضرس أنه أتى إلى النبي في صلاة الفجر يوم العيد في مزدلفة وقال : يا رسول الله، أكللت راحلتي وأتعبت نفسي، فلم أر جبلاً إلا وقفت عنده - يعني : فهل لي من حج ؟ - فقال النبي : من شهد صلاتناً هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً فقد تم حجة وقضى تفثه .. ولم يذكر النبي المبيت بمنى ليلة التاسع، وهذا يدل على أنه ليس بواجب . ومن الأخطاء في بقاء الناس في منى في اليوم الثامن، أن بعض الناس يقصر ويجمع في منى، فيجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، وهذا خلاف السنة، فإن المشروع للناس في منى أن يقصروا الصلاة بدون جمع، هكذا جاءت السنة عن رسول الله ، وإن كان الجمع جائزاً لأنه في سفر، والمسافر يجوز له الجمع حالاً وسائراً، لكن الأفضل لمن كان حالاً ونازلاً من المسافرين، الأفضل ألا يجمع إلا لسبب، ولا سبب يقتضي الجمع في منى، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجمع في منى، ولكن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، فيصلي الظهر ركعتين في وقتها، والعصر ركعتين في وقتها، والمغرب ثلاثا في وقتها، والعشاء ركعتين في وقتها، والفجر في وقتها، هذا ما يحضرني الآن فيما يكون من الأخطاء في الذهاب إلى منى والمكث فيها في اليوم الثامن . ـ أخطاء الحجاج التي تقع في الطريق إلى مزدلفة وفي مزدلفة . * ـ بعد أن عرفنا أهم الأخطاء التي تقع من الحجاج في عرفة نود أن نعرف أيضاً إذا كان هناك أخطاء يقع فيها بعض الحجاج في الطريق إلى المزدلفة وفي المزدلفة نفسها ؟ * ـ الجواب : * ـ تقع أخطاء في الانصراف إلى المزدلفة، منها ما يكون في ابتداء الانصراف، وهو ما أشرنا إليه سابقاً من انصراف بعض الحجاج من عرفة قبل غروب الشمس، ومنها أنه في دفعهم من عرفة إلى المزدلفة تحدث المضايقات بعضهم لبعض، والإسراع الشديد حتى يؤدي ذلك أحياناً إلى تصادم السيارات، وقد دفع النبي من عرفة بسكينة، وكان عليه الصلاة والسلام دفع وقد شنق لناقته القصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب موضع رحله، وهو يقول بيد الكريمة : (أيها الناس : السكينة السكينة) ولكنه مع ذلك إذا أتى فجوة أسرع، وإذا أتى حبلاً من الحبال أرخى لناقته الزمام حتى تصعد فكان عليه الصلاة والسلام يراعي الأحوال في مسيره هذا، ولكن إذا دار الأمر بين كون الإسراع أفضل أو التأني، فالتأني أفضل . * ـ ومن الأخطاء في مزدلفة والدفع إليها : * ـ أن بعض الناس ينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ولا سيما المشاة منهم، يعييهم المشي ويتعبهم، فينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ويبقون هنالك حتى يصلوا الفجر ثم ينصرفوا منه إلى منى، ومن فعل هذا فإنه قد فاته المبيت في المزدلفة، وهذا أمر خطير جداً لأن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج عند بعض أهل العلم، وواجب من واجباته عند جمهور أهل العلم، وسنة في قول بعضهم، ولكن الصواب أنه واجب من واجبات الحج، وأنه يجب على الإنسان أن يبيت في مزدلفة، وألا ينصرف إلا في الوقت الذي أجاز الشارع له فيه الانصراف كما سيأتي إن شاء الله تعالى، المهم : أن بعض الناس ينزلون قبل أن يصل إلى المزدلفة . ومن الأخطاء أيضاً : أن بعض الناس يصلي المغرب والعشاء في الطريق على العادة، قبل أن يصل إلى مزدلفة، وهذا خلاف السنة، فإن النبي لما نزل في أثناء الطريق وبال وتوضأ، قال له أسامة بن زيد وكان رديفه : الصلاة يا رسول الله .. قال : (الصلاة أمامك) وبقي عليه الصلاة والسلام ولم يصل إلا حين وصل إلى مزدلفة، وكان قد وصلها بعد دخول وقت العشاء فصلى فيها المغرب والعشاء جمع تأخير الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الرمي . * ـ نود لو حدثتمونا عن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الرمي ؟ * ـ الجواب : * ـ من المعلوم أن الحاج يوم العيد يقدم إلى منى من مزدلفة، وأول ما يبدأ به أن يرمي جمرة العقبة، والرمي يكون بسبع حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، كما فعل النبي ، وبين رسول الله الحكمة من رمي الجمار في قوله : (إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله) هذه هي الحكمة من مشروعية رمي الجمرات . * ـ الخطأ الذي يرتكبه بعض الناس في رمي الجمرات يكون من وجوه متعددة : * ـ فمن ذلك : أن بعض الناس يظنون أنه لا يصح الرمي إلا إذا كانت الحصى من مزدلفة، ولهذا تجدهم يتعبون كثيرا في لقط الحصى من مزدلفة، قبل أن يذهبوا إلى منى، وهذا ظن خاطئ، فالحصى يؤخذ من أي مكان، من مزدلفة، من منى، من أي مكان كان يؤخذ، المقصود أن يكون حصى . ولم يرد عن النبي أنه التقط الحصى من مزدلفة حتى نقول : إنه من السنة، إذن فليس من السنة، ولا من الواجب أن يلتقط الإنسان الحصى من مزدلفة، لأن السنة إما قول الرسول عليه الصلاة والسلام أو فعله أو إقراره، وكل هذا لم يكن في لقط الحصى من مزدلفة . ومن الخطأ أيضاً أن بعض الناس إذا لقط الحصى غسله، إما احتياطا لخوف أن يكون أحد قد بال عليه، وإما تنظيفاً لهذا الحصى؛ لظنه أن كونه نظيفاً أفضل، وعلى كل حال فغسل حصى الجمرات بدعة، لأن الرسول لم يفعله، والتعبد بشيء لم يفعله الرسول بدعة، وإذا فعله الإنسان من غير تعبد كان سفها وضياعاً للوقت . ومن الأخطاء أيضاً : أن بعض الناس يظنون أن هذه الجمرات شياطين، وأنهم يرمون شياطين، فتجد الواحد منهم يأتي بعنف شديد وحنق وغيظ، منفعلاً انفعالاً عظيماً، كأن الشيطان أمامه، ثم يرمي هذه الجمرات، ويحدث من ذلك مفاسد . ـ أولاً : أن هذا ظن خاطئ فإنما نرمي هذه الجمرات إقامة لذكر الله تعالى، واتباعاً لرسول الله ، وتحقيقاً للتعبد، فإن الإنسان إذا عمل طاعة وهو لا يدري فائدتها، إنما يفعلها تعبدا لله، كان هذا أدل على كمال ذله وخضوعه لله عز وجل . ـ ثانياً : مما يترتب على هذا الظن، أن الإنسان يأتي بانفعال شديد وغيظ وحنق وقوة واندفاع، فتجده يؤذي الناس إيذاء عظيما، حتى كأن الناس أمامه حشرات لا يبالي بهم، ولا يسأل عن ضعيفهم، وإنما يتقدم كأنه جمل هائج . ـ ثالثاً : مما يترتب على هذه العقيدة الفاسدة : أن الإنسان لا يستحضر أنه يعبد الله عز وجل أو يتعبد لله عز وجل بهذا الرمي، ولذلك يعدل عن الذكر المشروع إلى قول غير مشروع، فتجده يقول حين يرمي : اللهم غضبا على الشيطان ورضا للرحمن .. مع أن هذا ليس بمشروع عند رمي الجمرة، بل المشروع أن يكبر كما فعل النبي . ـ رابعاً : أنه بناء على هذه العقيدة الفاسدة تجده يأخذ أحجاراً كبيرة يرمي بها، بناء على ظنه أنه كلما كان الحجر أكبر كان أشد أثرا وانتقاماً من الشيطان .. وتجده أيضاً يرمي بالنعال والخشب وما أشبه ذلك مما لا يشرع الرمي به، ولقد شاهدت رجلا قبل بناء الجسور على الجمرات جالساً على زبرة الحصى التي رمى بها في وسط الحوض، وامرأة معه يضربان العمود بأحذيتهما، بحنق وشدة، وحصى الرامين تصيبهما، ومع ذلك فكأنهما يريان أن هذا في سبيل الله، وأنهما يصبران على هذا الأذى وعلى هذه الإصابة ابتغاء وجه الله عز وجل .. إذن : إذا قلنا إن هذا الاعتقاد اعتقاد فاسد، فما الذي نعتقده في رمي الجمرات ؟ نعتقد في رمي الجمرات أننا نرمي الجمرات تعظيما لله عز وجل، وتعبدا له واتباعاً لسنة رسول الله . يتبع