الضبطُ: الحفظُ، وهو قسمان: ضبطُ الصدرِ وهو أن يَحفظَ ما سمعهُ حفظاً يمكنهُ من استحضاره متى شاء، وضبطُ الكتابِ وهو صيانتهُ عنده منذ سمع فيه وصحّحه إلى أن يؤدّيه.
5- حكمُه :
وجوب : العمل به بإجماع أهل الحديث ومن يٌعْتَدَّ به من الأصوليين والفقهاء ، فهو حجة من حجج الشرع ، لا يَسَعٌ المسلم ترك العمل به .
أول مصنف في الصحيح المجرد صحيح البخاري . ثم صحيح مسلم . وهما أصح الكتب بعد القرآن الكريم ، وقد أجمعت الأمة على تلقي كتابيهما بالقَبول .
التعريف بالإمام البخاري:
أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ (ت، س)ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ بَرْدِزْبَه، وَقِيْلَ: بَذْدُزْبَه، وَهِيَ لَفْظَةٌ بخَارِيَّةٌ، معنَاهَا الزرَّاعُ.
أَسلَمَ المُغِيْرَةُ عَلَى يَدِي اليَمَان الجُعْفِيِّ وَالِي بُخَارَى، وَكَانَ مَجُوْسِيّاً، وَطَلَبَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العِلْمَ.
وُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ البَلْخِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذهبَتْ عينَا مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي صِغَرِهِ فرأَتْ وَالِدتُهُ فِي المَنَامِ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ - عَلَيْهِ السَّلاَم - فَقَالَ لَهَا: يَا هَذِهِ، قَدْ رَدَّ اللهُ عَلَى ابْنِكِ بصرَهُ لكَثْرَةِ بُكَائِكِ، أَوْ كَثْرَةِ دُعَائِكِ - شكَّ البَلْخِيُّ - فَأَصْبحْنَا وَقَدْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بصرَهُ.
وبَالسَّندِ المَاضِي إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمرِكَ؟
قَالَ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحَدِيْثِ وَأَنَا فِي الكُتَّابِ.
فَقُلْتُ: كم كَانَ سِنُّكَ؟
فَقَالَ: عشرُ سِنِيْنَ، أَوْ أَقَلّ، ثُمَّ خرجْتُ مِنَ الكُتَّابِ بَعْد العشرِ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إلى الدَّاخلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ يَوْماً فِيْمَا كَانَ يَقْرَأُ لِلنَّاسِ: سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ.
فَانْتَهَرنِي، فَقُلْتُ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى الأَصْلِ فَدَخَلَ فنظَرَ فِيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ هُوَ يَا غُلاَمُ؟
قُلْتُ: هُوَ الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَخَذَ القلمَ مِنِّي، وَأَحْكَمَ كِتَابَهُ، وَقَالَ: صدقْتَ.
فَقِيْلَ لِلْبُخَارِيِّ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ حِيْنَ رددتَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا طَعَنْتُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، كُنْتُ قَدْ حفظتُ كتبَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَكِيْعٍ، وَعرفتُ كَلاَمَ هَؤُلاَءِ، ثُمَّ خرجْتُ مَعَ أُمِّي وَأَخِي أَحْمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَجَجْتُ رَجَعَ أَخِي بِهَا! وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ تسمِيَة شُيوخِهِ وَأَصْحَابِهِ
سَمِعَ بِبُخَارَى و ثُمَّ سَمِعَ ببلخٍ وبِنَيْسَابُوْرَ وبِبَغْدَادَ وبِالبَصْرَةِ وبِالْكُوْفَةِ وَبِمَكَّةَ وبَالمَدِيْنَةِ وبمصرَ وبَالشَّامِ
رَوَى عَنْهُ خلقٌ كَثِيْرٌ.....
وعَنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُنَصِّبُوا آخَرَ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ: وَددْت أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يختمُ فِي رَمَضَانَ فِي النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَيقومُ بَعْدَ التّروَايحِ كُلَّ ثَلاَثِ لَيَالٍ بخَتْمَةٍ.
وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً.
صحيحُ البخاري:
هو أصح كتاب بعد القرآن الكريم ضمَّنَ فيه البخاريُّ أصح الأحاديث ، ووفّى بشرطه وأحاديثه بالمكرر حوالي (7563) حديث ونيّف عدا الأحاديث المعلقة والتي ليست على شرطه ، وهو مرتب على الأبواب الفقهية .
الإمام مسلم رحمه الله:
مُسْلِمٌ أَبُو الحُسَيْنِ بنُ الحَجَّاجِ بنِ مُسْلِمٍ القُشَيْرِيُّ هُوَ الإِمَامُ الكَبِيْرُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ، الحُجَّةُ، الصَّادِقُ، أَبُو الحُسَيْنِ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ بنِ مُسْلِمِ بنِ وَرْدِ بنِ كوشَاذَ القُشَيْرِيُّ، النَّيْسَابُوْرِيُّ، قِيْلَ: إِنَّهُ وُلِدَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمائَتَيْنِ،وَسَمِعَ بِالعِرَاقِ، وَالحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ.
صحيح الإمام مسلم:
يأتي في المرتبة الثانية بعد صحيح الإمام البخاري وأحاديثه حوالي (3033) حديثاً دون المكرر ، وبالمكرر حوالي (7748) حسب طبعة المكنز ، وشروطه دون شروط الإمام البخاري ، وأخرج في المتابعات لرواة لم يخرج لهم البخاري . وهو مرتب على الأبواب الفقهية ، وكل أحاديثه صحيحة ، ومجرد العزو إليه يعني الصحة ،إلا حديثاً واحداً انتقده أهل العلم ورجحوا وقفه ، ففي صحيح مسلم(7231 ) حَدَّثَنِى سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -
- بِيَدِى فَقَالَ « خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاَثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِى آخِرِ الْخَلْقِ وَفِى آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ ». المستخرجات:
أ) موضوع المستخرج : هو أن يأتي المصنِّف إلى كتاب من كتب الحديث ، فيخرِّج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب ، فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه .
ب) فوائد المستخرجات على الصحيحين :
1ً- عُلو الإسْنَاد .
2ً- زيادة الصَّحيح, فإن تلك الزيادات صحيحة لكونها بإسنادهما .
3ً- القُوة بكثرة الطُّرق للترجيح عند المُعَارضة .
4ً_ أن يروى في الصَّحيح عن مُدلِّس بالعنعنة, فيرويه المستخرج بالتَّصريح بالسَّماع .
5ٌ_ أن يروي عن مُبهم, كحدَّثنا فُلان, أو رجل, أو فُلان, أوغيره, أو غير واحد, فيُعَيِّنهُ المُستخرج .
مراتبُ الصحيح:
الأول: -وهو أصحُّها- ما أخرجَه البخاريُّ ومسلمٌ ، وهو الذي يُعبِّرُ عنه أهلُ الحديثِ بقولهم : (متفقٌ عليهِ) .
والثاني : ما انفردَ به البخاريُّ .
والثالثُ : ما انفردَ به مسلمٌ .
والرابعُ : ما هو على شَرْطِهِما ولم يخرِّجْهُ واحدٌ منهُما .
والخامسُ : ما هو على شرطِ البخاريِّ وَحْدَهُ .
والسادسُ : ما هو على شرطِ مسلمٍ وَحْدَهُ .
والسابعُ : ما هو صحيحٌ عند غيرِهما من الأئمةِ المعتمدينَ ، وليسَ على شرطِ واحدٍ منهُما .
شرط الشيخين:
لم يُفصح الشيخان عن شرط شرطاه أو عيناه زيادة على الشروط المتفق عليها في الصحيح، لكن الباحثين من العلماء ظهر لهم من التتبع والاستقراء لأساليبهما ما ظنه كل منهم أنه شرطهما أو شرط واحد منهما.
قال السيوطي :"وأعجب من ذلكَ ما ذَكَرهُ الميانجي في كتاب «ما لا يسع المُحدِّث جهله»: شرط الشَّيخين في «صحيحهما» أن لا يدخُلا فيه إلاَّ ما صَحَّ عندهما, وذلكَ ما رواهُ عن النَّبي - r - اثنان فصَاعدًا, وما نقلهُ عن كلِّ واحد من الصَّحابة أربعة من التَّابعين فأكثر, وأن يَكُون عن كلِّ واحد من التابعين أكثر من أربعة" انتهى.
الحديثُ الحَسَنُ:
1- تعريفُه:
لغة: هو صفة مشبهة من " الحٌسْن " بمعنى الجَمال.
اصطلاحاً: هو الحديث الذي يتصل سنده بنقل عدل خفّ ضبطه ، من غير شذوذ ولا علّة .
2- حكمُه :
الحسن كالصَّحيح في الاحتجاج به, وإن كان دُونه في القُوَّة, ولهذا أدرجته طائفة في نوع الصَّحيح كالحاكم وابن حبَّان وابن خُزيمة, مع قولهم بأنَّه دُون الصَّحيح المُبين أولاً.
يتبع