مثال على الحديث الحسن: ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده رقم(16395) قال : حَدَّثَنَا عَفَّانُ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، قَالَ أَنْبَأَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : كَانَ مُعَاوِيَةُ قَلَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r شَيْئًا وَيَقُولُ هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ قَلَّمَا يَدَعُهُنَّ ، أَوْ يُحَدِّثُ بِهِنَّ فِي الْجُمَعِ عَنِ النَّبِيِّ r ، قَالَ : "مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُّ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوٌ خَضِرٌ فَمَنْ يَأْخُذْهُ بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّمَادُحَ فَإِنَّهُ الذَّبْحُ " .
هذا حديث متصل الإسناد ورواته ثقات . خلا معبد الجهني وحديثه حسن لكونه صدوقا في نفسه . قال أبو حاتم الرازي : كان صدوقا ، وكان رأسا في القدر . وقال الذهبي في الميزان : صدوق في نفسه ، ولكنه سنّ سنة سيئة ؛ فكان أول من تكلم بالقدر .
1- مراتبُ الحسن:
جعلها الذهبي مرتبتين فقال:
فأعْلَى مراتبه: بَهْز بن حَكِيم عن أبيه عن جدِّه، وعَمرو بن شُعيب عن أبيه عن جدِّه، وابن إسحق عن التيمي، وأمثال ذلك ممَّا قيل إنَّه صحيح, وهو من أدْنَى مراتب الصَّحيح.
ثمَّ بعد ذلك ما اختلف في تحسينه وتضعيفه, كحديث الحارث بن عبد الله، وحجاجُ بن أرطاة ،ففي تقريب التهذيب[ ج1 - ص 152 ](1119 ) حجاج بن أرطاة بفتح الهمزة بن ثور بن هبيرة النخعي أبو أرطاة الكوفي القاضي أحد الفقهاء صدوق كثير الخطأ والتدليس من السابعة مات سنة خمس وأربعين بخ م 4 .
2- ضوابط لمعرفة الحديث الحسن:
الحديث الحسن قسمان: حسن لذاته، وهو: ما استوفى شروط الصحة سوى الضبط، فإن راويه أنزل من راوي الحديث الصحيح وأرفع من راوي الحديث الضعيف، وهذا هو الذي قرره الحافظ ابن حجر ومشى عليه المتأخرون بعده.
وكذلك بالنسبة للحديث الحسن لغيره، وهو الضعيف الذي ينجبر بوروده من طرق أخرى، إذا تعددت طرق هذا الحديث، فإنه يكون حسناً لغيره .
معنى قول الترمذي وغيره " حديث حسن صحيح " :
يتحصل من أقوال العلماء المتعددة أن الإمام الترمذي رحمه الله له اصطلاحات خاصة في كتابه اجتهد العلماء في فهمها ، وخلاصتها :
أنه إذا قال هذا حديث حسن ، فهو يعني به الحسن لغيره
وإذا قال : هذا حديث حسن غريب ، فهو يعني به الحسن لذاته
وإذا قال : هذا حديث حسن صحيح ، فله أكثر من معنى :
منها أنه يعني حسن عند قوم صحيح عند آخرين
أو حسن السند صحيح المتن ، وهو الصحيح لغيره
أو أن هناك راويان اختلفا في الحكم عليه ما بين صدوق إلى ثقة
أو أنه ذكرها لزيادة القوة ، أي حسن بل صحيح ، ونحو ذلك . والله أعلم .
الصحيحُ لغيره:
تعريفُه:
هو الحسن لذاته إذا رُويَ من طريق آخر مِثْلُهُ أو أقوى منه . وسُميَ صحيحاً لغيره لأن الصحة لم تأت من ذات السند ، وإنما جاءت من انضمام غيره له .
الحَسَنُ لِغَيْره:
تعريفُه:
هو الضعيف ضعفاً يسيراً إذا تعددت طرقه، ولم يكن سببُ ضعفه فِسْقَ الراوي أو كَذِبَهُ.
مرتبتُه:
الحسن لغيره أدنى مرتبة من الحسن لذاته ،وينبني على ذلك أنه لو تعارض الحسن لذاته مع الحسن لغيرهِ قُدِّمَ الحسنُ لذاته .
حكمُه:
هو من المقبول الذي يُحْتَجُّ به عند جمهور السلف والخلف .
تقسيمُ الخبر المقبول إلى معمول به وغير معمول به:
ينقسم الخبر المقبول إلى قسمين: معمول به وغير معمول به، وينبثق عن ذلك نوعان من أنواع علوم الحديث وهما: " المحْكَم ومخْتَلفُ الحديث " و" الناسخ والمنسوخ "
المُحْكَم
تعريف المُحْكَم :
أ) لغة: هو اسم مفعول به " أَحْكَم " بمعنى أَتْقَنَ.
ب) اصطلاحاً: هو الحديث المقبول الذي سَلِمَ من معارضة مِثْلِهِ .
وأكثر الأحاديث من هذا النوع ، وأما الأحاديث المتعارضة المختلفة فهي قليلة بالنسبة لمجموع الأحاديث.
مُخْتَلِفُ الحديثِ:
لغةً: هو اسمُ فاعل منَ " الاختلاف " ضد الاتفاق ، ومعنى مختلف الحديث : أي الأحاديث التي تصلنا ويخالف بعضها بعضاً في المعنى ، أي يتضادَّان في المعنى
اصطلاحاً : هو الحديثُ المقبول المُعَارَض بمثله مع إمكان الجمع بينهما .
والمُختَلفُ قِسْمان:
أحدهُما يمكنُ الجمعُ بينهما بوجه صحيح ، فيتعيَّنُ ، ولا يُصَارُ إلى التَّعَارض, ولا النَّسخ ويجبُ العمل بهما .
والقسمُ الثَّاني: لا يُمكن بوجْهٍ, فإنْ عَلمنَا أحدهُمَا ناسخًا قدَّمناهُ, وإلاَّ عملنا بالرَّاجح, كالتَّرْجيح بصفَاتِ الرُّواة وكَثْرتهم في خمسين وجهاً،و البعض أوصلها إلى مئة،ونجملها في سبعة أقسام .
الأوَّل: التَّرجيح بحال الرَّاوي وذلك بوجُوه:
أحدها: كثرة الرُّواة, كما ذكر المُصنِّف, لأنَّ احتمال الكذب والوَهْم على الأكثر, أبعد من احتماله على الأقل.
ثانيها: قِلَّة الوسائط, أي: عُلو الإسْنَاد, حيث الرِّجال ثقات, لأنَّ احتمال الكذب والوهم فيه أقل.
ثالثها: فقه الرَّاوي, سَوَاء كان الحديث مَرْويًا بالمعنى, أو اللفظ, لأنَّ الفقيه إذا سمع ما يمتنع حملهُ على ظاهره بحث عنه, حتَّى يطلع على ما يزول به الإشْكَال, بخلاف العامي.
رابعها: علمه بالنَّحو, لأنَّ العالم به يتمكَّن من التحفُّظ عن مواقع الزَّلل ما لا يتمكَّن منهُ غيره.
خامسها: علمه باللُّغة.
سادسها: حفظهُ, بخلاف من يعتمد على كتابه.
سابعها: أفضليتهُ في أحد الثَّلاثة, بأن يكونَا فَقِيهين, أو نَحَويين, أو حافظين, وأحدهما في ذلك أفضل من الآخر.
ثامنها: زيادةُ ضبطه, أي اعتناؤه بالحديث, واهتمامه به.
تاسعها: شُهرته لأنَّ الشُّهرة تمنع الشَّخص من الكذب, كما تمنعهُ من ذلك التقوى.
عاشرها إلى العشرين: كونه ورعًا, أو حسن الاعتقاد - أي: غير مبتدع - أو جليسًا لأهل الحديث, أو غيرهم من العُلماء, أو أكثر مُجَالسة لهم, أو ذكرًا, أو حُرًّا, أو مشهور النَّسب, أو لا لبس في اسمه, بحيث يشاركه فيه ضعيف, وصعب التمييز بينهما, أو له اسم واحد, ولذلك أكثر ولم يختلط, أو له كتاب يُرجع إليه.
حادي عشرينها: أن تثبت عدالته بالإخبار, بخلاف من تثبت بالتَّزكية, أو العمل بروايته, أو الرِّواية عنه, إن قلنا بهما.
ثاني عشرينها إلى سابع عشرينها: أن يعمل بخبره من زكَّاه, ومعارضه لم يعمل به من زكَّاه, أو يتَّفق على عدالته, أو يُذكر سبب تعديله, أو يكثُر مُزكُّوه, أو يكُونوا عُلماء, أو كثيري الفحص عن أحْوَال النَّاس.
يتبع