نقْد التحقيقات لكتب أسباب النزول
يتكلم الباحث هنا عن بعض النماذج التحقيقيَّة التي صدَرتْ حتى الآن، والتي استَطاع الباحث الوُقوف عليها، وهذا النقد يقومُ على الحيدة التامَّة والموضوعيَّة، ولم يُرِد الباحث الإساءة لأحدٍ؛ إنما أراد أنْ يوضح بروز الإشكاليَّة التحقيقيَّة في العصر الحديث، والله المستعان.
لُباب النقول في أسباب النزول:
تحقيق وتعليق: د. حمزة النشرتي، الشيخ عبدالحفيظ فرغلي، د. عبدالحميد مصطفى، طبعة المكتبة القيمة، القاهرة.
قالوا ص10: "من أجل الالتزام بواجبنا، وحِرصنا على فائدة القارئ الكريم - رأينا أنْ نُقدِّم هذا الكتاب محقَّقًا ومعلَّقًا عليه بما يزيدُ من فائدته ويُحقِّق الانتفاعَ به، فإنَّه على الرغم من تعدُّد طبعاته السابقة إلا أنَّه لم يُعنَ أحدٌ بإخراجه في الصورة المُثلَى التي ينبغي أنْ يكون عليها، فقد طُبِعَ على هامش كتاب "تفسير الجلالين" في عدة مطابع، من بينها مطبعة بولاق في سنة 1289هـ، وسنة 1293هـ، 1298هـ، وفي مطبعة... وفي... وفي... وفي... جاء ذلك في الحصر في "معجم المطبوعات العربية" بالهيئة المصرية للكتاب.
وإنَّ ذلك لَيدلُّ على أهميَّة الكتاب وتطلُّع القارئين إليه، فتقديمه في الصورة اللائقة به من تحقيق وتعليق وتخريج للأحاديث، وترقيمٍ للآيات، وشرح للغويات - هو ميزة هذه الطبعة التي نُهدِيها للمسلمين..." إلى آخِر كلامهم.
يقول الباحث: هذا نصُّ كلامهم، ونقلته لأناقشهم:
هذه حدود عمَلهم في هذه الطبعة المحقَّقة!
هم لم يطَّلعوا على المخطوطات فضلاً عن المطبوعات، وهذا ظاهرٌ في كلامهم؛ فقد قالوا بعدما ذكروا طبعات الكتاب: جاء ذلك في الحصر في "معجم المطبوعات العربية" بالهيئة المصرية للكتاب.
وقدمتُ معنى التحقيق سابقًا، ورُحتُ أبحث في عملهم عن هذا المعنى، فلم أجدْه؛ إنما وجدت ترقيمًا للآيات، وتعليقًا لغويًّا هنا أو هناك، وبعض تخريجاتٍ لبعض الأحاديث الواردة في البخاري أو مسلم أو في تفسير ابن كثير والطبري، وكفى الله المؤمنين القتال، فهم لم يُحقِّقوا نسبة الكتاب، ولا عنوانه، ولا راجعوا النصوص على مخطوطات عدَّة لنفس الكتاب؛ ليخرج الكتاب دون خرومٍ تُقلِّل الفائدة منه؛ ولذلك أقول: كان حقيقًا بهم أنْ يقولوا: "قرأناه وعلقنا عليه بما نعرفه"، وأقارن عملَهم بعملِ الأستاذ: محمود محمد شاكر في تحقيقه لكتاب "دلائل الإعجاز"، قال: (قرأه وعلق عليه)، ومَن يُطالِع عملَه يجد دلائلَ ما بذَلَه في تحقيق الكتاب، ويجد مِقدار فائدة تعليقاته.
أقارن بين عمله وعمل الثالوث في هذا الكتاب، فلا أجد شيئًا إلا ما ذكرتُ.
وهذا لا يُقلِّل من جهدهم الجمعي، إذ جمعوا الكتاب من إحدى الطبعات التي على هامش الجلالين، فلهم الشكر، لكن كتاب "لباب النقول" يحتاج إلى جُهدٍ أكبر من هذا الذي بذَلُوه.
ولا أريدُ الغضَّ منهم، فأنا لا أعلمهم، بل أريدُ من كلامي هذا إحقاقَ الحق، وبيان أنَّ مصطلح التحقيق باتَ محرفًا عن معناه الذي هو له وحقيقٌ به، كما أوضح ذلك العلماء المحقِّقون تطبيقيًّا عبْر أعمالهم التحقيقيَّة، أو تنظيرهم عبْر كتب هذا الفن.
ودليلٌ على ذلك - أي: على خلوِّ عمل الأساتذة الثلاثة من الأعمال التحقيقيَّة - أنَّ الرِّوايات الموجودة في الكتاب كثيرة، وهم لم يُعلِّقوا إلاَّ على مرويَّات البخاري ومسلم وبعض ما جاء في كتاب ابن كثير.
وهم ذكروا مراجعهم، وهي قليةٌ جدًّا، ولم يذكروا الطبعات التي رجعوا إليها، ولا المخطوطات.
"فتقديمه في الصور اللائقة به من تحقيقٍ وتعليقٍ وتخريج للأحاديث" (والأساتذة لم يعتمدوا إلا على البخاري ومسلم، والكتاب به عن كتب السنة الكثير والكثير كما سوف يتَّضح في الكلام عن عمل ابن حجر في "عجابه"، وعمل السيوطي في لبابه) - "وترقيم للآيات، وشرح للغويات - هو ميزة هذه الطبعة..."، ا.هـ.
تعليق نعم.. تحقيق لا، تأمَّل معي: من تحقيق و... وتخريج للأحاديث... هكذا دون تقيُّد، وهذا تدليس فاحش على القارئ.
مع أنَّ الكتاب به روايات ضعيفة أو موضوعة، ولقارئ الكتاب بعملهم هذا يعرف مَدَى ما حقَّقه هؤلاء الأساتذة.
هذا نموذجٌ من تحقيقات هذا الكتاب المهم "لباب النقول"، وقد اطلعت على أكثر من طبعة، كلها تتَّسم بما وصفت بها هذه الطبعة، وربما زادت إحداهما قُبحًا وبَشاعةً، نجد ذلك في طبعة التوفيقيَّة، تحقيق الأستاذ: ياسر صلاح عزب، ويوجد في مسودة هذا البحث نقد مفصل، أحجمت عن تسطيره هنا خشية الإطالة، ولأنَّ ضرب المثال مغنٍ عن الاستفاضة.