زاد بينك وبين الناس
الإنسان في هذه الحياة لا يمكن له أن يعيش لوحده فلابد من الناس والاختلاط معهم والاحتكاك بهم, والناس طبقات, وأخلاقهم وطباعهم متفاوتة فعلى المسلم أن يعطي كل ذي حق حقه.
1-تعامل مع من حولك بخلق حسن, سواء في قولك أو فعلك, وقد أمر الله عز وجل بذلك فقال:{ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا } البقرة/83
وقال:{ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } الإسراء/53
فما وضع شيء في ميزان العبد أثقل من حسن الخلق, وهو يتمثل في القول اللين وانبساط الوجه وبذل المعروف.
2- كن داعيا إلى الله؛ فقد ذقت حلاوة الرجوع إلى الله فادعهم إلى هذا النبع الصافي الذي ارتويت منه؛ فإن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه, ووسائل الدعوة كثيرة جدا كالكتاب والشريط والرسالة وغيرها, فلا تبخل عليهم فلأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.
3-اعف عمن ظلمك, واعط من حرمك, وصل من قطعك, فإن هذا هو العز الذي يرفع صاحبه في الدنيا والآخرة, ولعلك ستجد مشقة في فعل هذا ولكن يهون هذه المشقة قول ربك تعالى:{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } الشورى/40
فما ظنك بالأجر؟.
4- لا تحمل في قلبك – للناس – إلا كل خير, لأنك في الحقيقة تعامل الله تعالى لا الناس فلا تنتظر منهم حمدا ولا شكورا ولا جزاء على ما تقدمه لهم من خير ومعروف, وليكن شعارك {إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا } الإنسان/9
5-ابتعد عن مجالس المنكر واللهو واللغو, ولا تظن أن من حسن الخلق مجاملة أهل المنكر والجلوس معهم, فإن هذا سوء خلق مع الله تعالى وإقرار منك على ما يفعلوه قال سبحانه:{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ } النساء/140
6- لا تكثر الضحك مع أقرانك, وفرق بين الضحك والتبسم, فإن التبسم هو هدي نبينا عليه الصلاة والسلام فقد كان لا يرى إلا متبسما, أما الضحك فقد جاء النهي عن كثرته لا عنه بذاته. قال
:" ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب"[1].
ومن أعجب المواقف في ذلك, قال الفضيل بن عياض: بلغني عن طلحة بن مصرف أنه ضحك يوما فوثب على نفسه وقال: ولم تضحك؟ إنما يضحك من قطع الأهوال وجاز الصراط’ ثم قال: آليت ألا أفترّ ضاحكا حتى أعلم بما تقع الواقعة. فما رئي ضاحكا حتى صار إلى الله[2]. وهذا ليس مبالغة منه – رحمه الله – فهو امتنع عن الضحك الذي يكون عن غفلة.
7- تأكد أيها التائب أن بعض الناس لن يتركوك وشأنك بل سيحاولون صدك عن التوبة وجذبك إلى ما كنت عليه, فاستعن على هؤلاء بالله القوي وحاول نصحهم بقدر ما تستطيع وإياك أن تميل إليهم وإن كانوا أعز إخوانك وأصدقائك وتذكر{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29} الفرقان
8- لا تعير أحدا بذنب ـ أياً كان ـ ولا تحتقر عاصياً، وتذكر أنك كنت كذلك فمنَّ الله عليك بالتوبة{كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا } النساء/94
ولتكن معه إيجابياً تنكر معصيته، وتدعوه إلى المعروف وتدعو له في الغيب بالرمة والهداية، فلعل عاصياً يهتدي بسبب دعائك له بالغيب.
9 ـ لا تستح من إظهار شعائر دينك، والجهر بسنة نبيك عليه الصلاة والسلام، سواء كنت رجلاً أو امرأة، فإن العز في إتباع الشريعة والذل في خلافها، ولا تُصغِ لكلام المستهزئين ولمز الطاعنين، يقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } المنافقين/8
وقال: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }المائدة/56
10 ـ إياك والرياء أمام الناس فإنه هلاك، ولا تغتر بمدحهم إياك فأنت أعلم بنفسك فإن الشأن أن يمدحك الله وإن ذمك الناس، وإن السوء أن يذمك الله وإن مدحك الناس، ولا تظهر لهم من الصلاح والتقوى والتخشع ما تعلم أنك لست متصفاً به كما ينبغي فاجعل تعاملك مع الله والله وبالله، فالناس لن يغنوا عنك من الله شيئاً، والله يغنيك عن الناس، ويدخل في هذا أن لا يخالف عملك قولك، فإن هذا مذموم وممقوت{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) } الصف
فلا تأمر بما لا تفعل ولا تنه عما تفعل، ولا تنهاهم عن منكر وتتعمد إتيانه، وأشد من ذلك من ترك المعروف ولم يأمر به، وارتكب المنكر ولم ينه عنه.
10 ـ عليك بالدعاء للمسلمين عامة، محسنهم ومسيئهم{ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } الحشر/10
فإن دعائك لهم دليل على سلامة صدرك ونقاوة سريرتك، ولك من الأجر مثل ما دعوت لهم.
11 ـ إن وجدت صديقاً ناصحاً فالزمه وتعاون معه على ما يحبه الله، فالصديق الحق هو الناصح لك،إن نسيت ذكرك، وإن جهلت علمك، وكن له كذلك، فالصداقة تبنى على النصيحة وليس المجاملة.
قال جعفر بن برقان: قل لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره[3].
13 ـ لا تكثر من مخالطة الناس إلا فيما ينفع من تعلم علم أو ذكر أو مالا بدّ منه، قال تعالى:{ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } النساء/114
هذا ما يسره الله تعالى من الزاد، والأمر أكبر من ذلك وما ذُكر إل إشارات يسيرة ينطلق منها طالب الحق.
نسأل الله أن يعيننا جميعا على التزود بالعلم النافع والعمل الصالح وأن يوصلنا إلى جنات الخلد بسلام.
[1] - رواه الترمذي وقال:حديث حسن.
[2] - سير أعلام النبلاءج 5 ص 192
[3] - سير أعلام النبلاء ج/5 ص 71
يتبع بإذن الله