و مكفرات الذنوب قد تكون من فعل العبد نفسه – وهذا ما يعنينا هنا – ومنها ما يكون من الله تعالى. قال ابن القيم:التمحيص في الدنيا بأربعة أشياء بالتوبة والاستغفار وعمل الحسنات الماحية والمصائب المكفرة فإن محصته هذه الأربعة وخلصته كان من الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يبشرونهم بالجنة وإن لم تف هذه الأربعة فلم تكن التوبة نصوحا ولم يكن الاستغفار كاملا تاما ولم تكن الحسنات في كميتها وكيفيتها وافية بالتكفير ولا المصائب محص في البرزخ بثلاثة أشياء
أحدها صلاة أهل الإيمان واستغفارهم له وشفاعتهم فيه
الثاني تمحيصه بفتنة القبر وروعة الفتان والعصرة والانتهار
الثالث ما يهدي إخوانه إليه من الدعاء فإن لم تف هذه بالتمحيص محص بين يدي ربه في الموقف بأربعة أشياء أهوال القيامة وشدة الموقف وشفاعة الشفعاء وعفو الله عز وجل فإن لم تف فلا بد له من دخول الكير رحمة في حقه ليتخلص ويتمحص ويتطهر في النار ويمكث فيها على كثرة الخبث وقلته فإذا صفى وصار خالصا طيبا أخرج من النار وأدخل الجنة[1]. وبهذا يتبين الحاجة الشديدة إلى الإكثار من مكفرات الذنوب, والله عز وجل جعل المغفرة لمن تاب وأحسن بعد توبته بصالح العمل والآيات في ذلك كثيرة منها: قال تعالى:{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } النحل/119
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} طه/82
{إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } الفرقان/70
{إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} النمل/11
فمن هذه الكفارات: المحافظة على أركان الإسلام التي لن يقبل الله منك عملا مهما كان إلا بأداء ما فترض عليك.
1- الصلاة: عن أبي هريرة
قال: سمعت رسول الله
يقول:" أرأيتم لو أن نهرا باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء. قال:" فذلك مثل الصلوات يمحو الله بهن الخطايا"[2]. 2- الصوم: عن أبي هريرة
عن النبي
قال:" من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"[3]. أي إيمانا بأن الله افترضه وأوجبه, واحتسابا للأجر عند الله. 3- الحج: عن أبي هريرة
قال: قال عليه الصلاة والسلام:" من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"[4]. 4- الوضوء: عن عثمان بن عفان
قال: قال رسول الله
:" من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره"[5]. 5- صلاة الجماعة: عن أبي هريرة
قال: قال عليه الصلاة والسلام:" من تطهر في بيته ثم مضى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداها تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة"[6]. 6- اجتناب الكبائر: قال الله تعالى:{ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا } النساء/31
وعن أبي هريرة
قال: قال رسول الله
:"الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر"[7]. وتنبه أيها المسلم إلى ان بعض العلماء عدّ الإصرار على صغائر الذنوب يجعلها كبائر.
7- الذكر وهو أنواع كثيرة منها: أذكار الصباح والمساء, وأذكار ما بعد الصلاة, و أذكار الخروج والدخول واللباس والطعام وغيرها؛ فالمحافظة عليه يكفر الخطايا ويرفع الدرجات ومما جاء في ذلك عن أبي هريرة
قال: قال رسول الله:" من قال سبحان الله وبحمده في اليوم مئة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"[8]. فاحرص أيها المسلم التائب على هذه الأذكار وهي متوفرة ولله الحمد بأشكال مختلفة في كتيبات وبطاقات سهلة المحمل.
ومن مكفرات الذنوب كذلك الإحسان إلى الخلق ناطقهم وأعجميهم, وحضور مجالس الذكر, والصدقة, وقيام ليلة القدر, وكثرة الاستغفار, على غير ذلك من أعمال البر. فعليك أيها المسلم الإكثار من ذلك؛ فالعمل يسير والأجر عظيم والعمر قصير فكن عالي الهمة قوي العزيمة صادق النية.