عرض مشاركة واحدة
قديم 03-12-11, 06:03 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
الشاهين
اللقب:
محاور مشارك
الرتبة


البيانات
التسجيل: Oct 2011
العضوية: 5905
العمر: 41
المشاركات: 721 [+]
الجنس: ذكر
المذهب: أهل السنة
بمعدل : 0.15 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 16
نقاط التقييم: 124
الشاهين سيصبح متميزا في وقت قريبالشاهين سيصبح متميزا في وقت قريب

الإتصالات
الحالة:
الشاهين غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : الشاهين المنتدى : بيت التـاريـخ الإسلامي
افتراضي

التتمه .

ولكن كان فيه شهامة عظيمة وقوة جسيمة في القتال وحصار الأعداء ومصابرة الروم وحصرهم، وقتل رجالهم وسبي نسائهم، وكان يقول: كان لعمر بن عبد العزيز وعبد الملك حجَّاب وأنا بنفسي.
وكان يتحرى العدل ويتولى بنفسه الحكم بين الناس والفصل.
جاءته امرأة ضعيفة قد تظلمت على ابنه العباس وهو قائم على رأسه، فأمر الحاجب فأخذه بيده فأجلسه معها بين يديه، فادَّعت عليه بأنه أخذ ضيعة لها واستحوذ عليها، فتناظرا ساعة فجعل صوتها يعلو على صوته، فزجرها بعض الحاضرين، فقال له المأمون: اسكت فإن الحق أنطقها والباطل أسكته.
ثم حكم لها بحقها وأغرم ابنه لها عشرة آلاف درهم.

وكتب إلى بعض الأمراء: ليس المروءة أن يكون بيتك من ذهب وفضة وغريمك عار، وجارك طاوٍ و الفقير جائع.
ووقف رجل بين يديه فقال له المأمون: والله لأقتلنك.
فقال: يا أمير المؤمنين ! تأنَّ علي فإن الرفق نصف العفو.
فقال: ويلك ويحك ! قد حلفت لأقتلنك.
فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن تلق الله حانثا خير من أن تلقاه قاتلا.
فعفا عنه.

وكان يقول: ليت أهل الجرائم يعرفون أن مذهبي العفو حتى يذهب الخوف عنهم ويدخل السرور إلى قلوبهم.
وركب يوما في حراقة فسمع ملاحا يقول لأصحابه: ترون هذا المأمون ينبل في عيني وقد قتل أخاه الأمين - يقول ذلك وهو لا يشعر بمكان المأمون - فجعل المأمون يتبسم ويقول: كيف ترون الحيلة حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل القدر؟
وحضر عند المأمون هدبة بن خالد ليتغدى عنده فلما رفعت المائدة جعل هدبة يلتقط ما تناثر منها من اللباب وغيره.
فقال له المأمون: أما شبعت يا شيخ؟
فقال: بلى، حدثني حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله قال: «من أكل ما تحت مائدته أمن من الفقر».
قال: فأمر له المأمون بألف دينار.

وروى ابن عساكر أن المأمون قال يوما لمحمد بن عباد بن المهلب: يا أبا عبد الله ! قد أعطيتك ألف ألف، وألف ألف، وألف ألف، وأعطيك دينارا.
فقال: يا أمير المؤمنين ! إن منع الموجود سوء ظن بالمعبود.
فقال: أحسنت يا أبا عبد الله ! أعطوه ألف ألف، وألف ألف، وألف ألف.

ولما أراد المأمون أن يدخل ببوران بنت الحسن بن سهل جعل الناس يهدون لأبيها الأشياء النفيسة، وكان من جملة من يعتز به رجل من الأدباء.
فأهدى إليه مزودا فيه ملح طيب، ومزودا فيه أشنان جيد، وكتب إليه: إني كرهت أن تطوى صحيفة أهل البر ولا أذكر فيها، فوجهت إليك بالمبتدأ به ليمنه وبركته، وبالمختوم به لطيبه ونظافته.
وكتب إليه:
بضاعتي تقصر عن همتي *** وهمّتي تقصر عن مالي
فالملح والأشنان يا سيدي *** أحسن ما يهديه أمثالي

قال: فدخل بها الحسن بن سهل على المأمون فأعجبه ذلك وأمر بالمزودين ففرغا وملئا دنانير وبعث بهما إلى ذلك الأديب.
وولد للمأمون ابنه جعفر فدخل عليه الناس يهنئونه بصنوف التهاني، ودخل بعض الشعراء فقال يهنيه بولده:
مدّ لك الله الحياة مدّا *** حتى ترى ابنك هذا جدا
ثم يفدّى ما تفدّى *** كأنه أنت إذا تبدَّى
أشبه منك قامةً وقدا *** مؤزّرا بمجده مردّا

قال: فأمر له بعشرة آلاف درهم.
وقدم عليه وهو بدمشق مال جزيل بعد ما كان قد أفلس وشكى إلى أخيه المعتصم ذلك، فوردت عليه خزائن من خراسان ثلاثون ألف ألف درهم، فخرج يستعرضها وقد زينت الجمال والأحمال، ومعه يحيى بن أكثم القاضي، فلما دخلت البلد قال: ليس من المروءة أن نحوز نحن هذا كله والناس ينظرون.
ثم فرق منه أربعة وعشرين ألف ألف درهم ورجله في الركاب لم ينزل عن فرسه.
ومن لطيف شعره:
لساني كتوم لأسراركم *** ودمعي نموم لسرّي مذيع
فلولا دموعي كتمت الهوى *** ولولا الهوى لم تكن لي دموع

بعث خادما ليلة من الليالي ليأتيه بجارية فأطال الخادم عندها المكث، وتمنعت الجارية من المجيء إليه حتى يأتي إليها المأمون بنفسه، فأنشأ المأمون يقول:
بعثتك مشتاقا ففزت بنظرة *** وأغفلتني حتى أسأت بك الظنّا
فناجيت من أهوى وكنت مباعدا *** فياليت شعري عن دنّوك ما أغنى
وردّدت طرفا في محاسن وجهها *** ومتّعت باستسماع نغمتها أذنا
أرى أثرا منه بعينيك بيّنا *** لقد سرقت عيناك من عينها حسنا

ولما ابتدع المأمون ما ابتدع من التشيع والاعتزال، فرح بذلك بشر المريسي - وكان بشر هذا شيخ المأمون - فأنشأ يقول:
قد قال مأموننا وسيدنا *** قولا له في الكتب تصديق
إن عليا أعني أبا حسن ٍ*** أفضل من قد أقلت النّوق
بعد نبي الهدى وإن لنا *** أعمالنا، والقرآن مخلوق

فأجابه بعض الشعراء من أهل السنة:
يا أيها الناس لا قول ولا عمل *** لمن يقول: كلام الله مخلوق
ما قال ذاك أبو بكر ولا عمر *** ولا النبي ولم يذكره صديق
ولم يقل ذاك إلا كل مبتدعٍ *** على الرسول وعند الله زنديق
بشر أراد به إمحاق دينهم *** لأن دينهم والله ممحوق
يا قوم أصبح عقل من خليفتكم *** مقيدا وهو في الأغلال موثوق

وقد سأل بشر بن المأمون أن يطلب قائل هذا فيؤدبه على ذلك، فقال: ويحك !
لو كان فقيها لأدبته ولكنه شاعر فلست أعرض له.

ولما تجهز المأمون للغزو في آخر سفرة سافرها إلى طرسوس استدعى بجارية كان يحبها وقد اشتراها في آخر عمره، فضمها إليه فبكت الجارية وقالت: قتلتني يا أمير المؤمنين بسفرك، ثم أنشأت تقول:
سأدعوك دعوة المضطّر ربا *** يثيب على الدّعاء ويستجيب
لعل الله أن يكفيك حربا *** ويجمعنا كما تهوى القلوب
فضمها إليه، وأنشأ يقول متمثلا:
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها *** وإذ هي تذري الدمع منها الأنامل
صبيحة قالت في العتاب قتلتني *** وقتلي بما قالت هناك تحاول

ثم أمر مسرورا الخادم بالإحسان إليها والاحتفاط عليها حتى يرجع، ثم قال: نحن كما قال الأخطل:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم *** دون النساء ولو باتت بأطهار

ثم ودعها وسار فمرضت الجارية في غيبته هذه، ومات المأمون أيضا في غيبته هذه، فلما جاء نعيه إليها تنفست الصعداء وحضرتها الوفاة، وأنشأت تقول وهي في السياق:
إن الزمان سقانا من مرارته *** بعد الحلاوة كاسات فأروانا
أبدى لنا تارةً منه فأضحكنا *** ثم انثنى تارةً أخرى فأبكانا
إنا إلى الله فيما لا يزال بنا *** من القضاء ومن تلوين دنيانا
دنيا تراها ترينا من تصرفها *** ما لا يدوم مصافاةً وأحزانا
ونحن فيها كأنا لا يزالينا *** للعيش أحيا وما يبكون موتانا

كانت وفاة المأمون بطرسوس في يوم الخميس وقت الظهر، وقيل: بعد العصر، لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب من سنة ثماني عشرة ومائتين، وله من العمر نحو من ثمان وأربعين سنة، وكانت مدة خلافته عشرين سنة وأشهرا.
وصلى عليه أخوه المعتصم وهو ولي العهد من بعده، ودفن بطرسوس في دار خاقان الخادم.
وقيل: كانت وفاته يوم الثلاثاء.
وقيل: يوم الأربعاء لثمان بقين من هذه السنة.
وقيل: إنه مات خارج طرسوس بأربع مراحل فحمل إليها فدفن بها.
وقيل: إنه نقل إلى أذنة في رمضان فدفن بها، فالله أعلم.
وقد قال أبو سعيد المخزومي:
هل رأيت النجوم أغنت عن المأ *** مون شيئا أو ملكه المأسوس
خلّفوه بعرصتي طرسوس *** مثل ما خلفوا أباه بطوس

وقد كان أوصى إلى أخيه المعتصم وكتب وصيته بحضرته وبحضرة ابنه العباس وجماعة القضاة والأمراء والوزراء والكتاب.
وفيها: القول بخلق القرآن ولم يتب من ذلك بل مات عليه وانقطع عمله وهو على ذلك لم يرجع عنه ولم يتب منه، وأوصى أن يكبر عليه الذي يصلى عليه خمسا، وأوصى المعتصم بتقوى الله عز وجل والرفق بالرعية، وأوصاه أن يعتقد ما كان يعتقده أخوه المأمون في القرآن، وأن يدعو الناس إلى ذلك، وأوصاه بعبد الله بن طاهر، وأحمد بن إبراهيم، وأحمد ابن أبي داود.

وقال: شاوره في أمورك ولا تفارقه، وإياك ويحيى بن أكثم أن تصحبه، ثم نهاه عنه وذمه وقال: خانني ونفَّر الناس عني ففارقته غير راض عنه.
ثم أوصاه بالعلويين خيرا، أن يقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم، وأن يواصلهم بصلاتهم في كل سنة.
وقد ذكر ابن جرير للمأمون ترجمة حافلة أورد فيها أشياء كثيرة لم يذكرها ابن عساكر مع كثرة ما يورده، وفوق كل ذي علم عليم.


منقول من كتاب البداية والنهاية الجزء العاشر لابن كثير رحمه الله .










توقيع : الشاهين

(( الطاعات الخفية من أعظم أسباب صلاح النية ، فاحرص رعاك الله على الإكثار من العبادات الخفية حتى تكون من أصحاب القلوب السليمة والأحوال المستقيمة ))
د . سليمان الرحيلي

عرض البوم صور الشاهين   رد مع اقتباس