فصل
في تَحْقِيْق ِ العِلةِ الكبْرَى للنَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْر
اخْتَلفَ أَهْلُ العِلمِ مِنَ المحَرِّمِيْنَ لِلصَّلاةِ في المقابرِ في عِلةِ ذلِك َ وَسَبَبهِ :
فقالَ جَمَاعَة ٌمِنْهُمْ :«عِلة ُ ذلِك َ وَسَبَبُهُ : نجَاسَة ُ ترَابِ المقبَرَةِ ، أَوْ مَظِنَّة ُ ذلِك َ، لاخْتِلاطِهِ بلحُوْمِ الموْتى ، وَمَا فضُلَ عَنْهُمْ مِنْ نجَاسَات».
لهِذَا فرَّقَ هَؤُلاءِ بَيْنَ الصَّلاةِ في مَقبَرَةٍ عَتيْقةٍ ، وَبينَ الصَّلاةِ في مَقبَرَةٍ جَدِيْدَةٍ ، فحَرَّمُوْا الصَّلاة َ في الأُوْلىَ وَأَجَازُوْهَا في الثّانِيَة .
وَفرَّقوْا بيْنَ الصَّلاةِ في المقبَرَةِ عَلى بُسُطٍ وَفرُش ٍ ، تَحُوْلُ دُوْنَ أَرْضِهَا وَبينَ الصَّلاةِ عَليْهَا دُوْنَ حَائِل ٍ، فأَجَازُوْا الأُوْلىَ ، وَحَرَّمُوْا الأُخْرَى . وَفي حَالاتٍ أُخْرَى جَرَى عِنْدَهُمْ فِيْهَا التَّفرِيْقُ ، مُرَاعَاة ً لِلعِلةِ التِي ظنُّوْهَا .
وَقالَ جَمَاعَة ٌ آخَرُوْنَ – وَهُوَ قوْلُ المحَققِيْنَ ، وَعَليْهِ الأَدِلة ُ- : إنَّ عِلة َ ذلِك َ وَسَبَبَهُ أَمْرَان ِ:
أَحَدُهُمَا : كوْنهَا ذرِيْعَة ً إلىَ الشِّرْكِ بعِبَادَةِ أَصْحَابهَا ، بصَرْفِ شَيْءٍ مِنْ أَنوَاعِ العِبَادَةِ لهمْ ، أَوْ ظنِّ فضْل ِ الصَّلاةِ في تِلك َ البقاعِ عَلى غيْرِهَا لأَجْل ِ ذلِك َ القبْرِ ، وَنحْوِ ذلِك َ مِنَ الأُمُوْرِ الفاسِدَة .
وَالآخَرُ: مُشَابَهَة ُ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى المتخِذِيْنَ قبوْرَ أَنبيَائِهمْ وَصَالِحِيْهمْ مَسَاجِدَ ، وَقدْ نهيْنَا عَنْ مُشَابَهَتِهمْ في دَقِيْق ِ الأُمُوْرِ ، فكيْفَ بعَظِيْمِهَا؟!
وَقدِ اسْتَدَلَّ هَؤُلاءِ المحَققوْنَ عَلى صِحَّةِ عِلتِهمْ تِلك َ، بأَدِلةٍ كثِيْرَةٍ قوِيةٍ ، وَرَدُّوْا قوْلَ السّابقِيْنَ وَضَعَّفوْه .
وَلا شَك َّ وَلا رَيْبَ : أَنَّ العِلة َ الحقِيْقيَّة َ الكبْرَى لِلنَّهْيِّ عَن ِ الصَّلاةِ في المقابرِ وَعِنْدَ القبوْرِ : هِيَ مَا ذكرَهُ هَؤُلاءِ المحَققوْنَ مِنْ كوْنِهَا ذرِيْعَة ً إلىَ الشِّرْكِ ، وَفتْحَ بَابٍ لهُ ، وَمُشَابَهَة ً لأَهْل ِ الكِتَاب .
أَمّا قوْلُ المعَللِيْنَ بنجَاسَةِ التُّرَابِ : فهُوَ قوْلٌ ضَعِيْفٌ مُطرَحٌ ، يُبَيِّنُ ذلِك َ أُمُوْرٌ عِدَّة ٌ، سَاقهَا شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمية َ رَحِمَهُ الله ُ فقالَ :
(وَأَبلغُ مِنْ هَذَا : أَنهُ نهَى عَن ِ الصَّلاةِ إلىَ القبْرِ ، فلا يَكوْنُ القبْرُ بَيْنَ المصَلي وبَيْنَ القِبْلةِ ، فرَوَى مُسْلِمٌ في«صَحِيْحِهِ»(972) عَنْ أَبي مَرْثدٍ الغنوِيِّ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «لا تَجْلِسُوْا عَلى القبوْرِ، وَلا تُصَلوْا إليْهَا».