يقول جل وعلا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ
إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }.
يقولُ ابنُ كثيرٍ – رحمه الله – في تفسيرِ قولِه تعالى : { وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }
: (( أي حاسبوا أنفسَكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ماذا ادخرتُم لأنفسِـكم من الأعمالِ الصالحةِ
ليومِ معادِكم وعرضِـكم على ربِكم ، واعلموا أنه عالمٌ بجميعِ أعمالِكم وأحوالِكم ،
لا تخفى عليهِ منكم خافيه )) انتهى كلامه رحمه الله .
* ويترتبُ – كذلكَ – على ترك محاسبة النفس أمرٌ هامٌ جداً ، ألا وهو هلاكُ القلب ،
هـلاكُ القلب ! يقولُ ابنُ القيّم – رحمه الله - :
" وهلاكُ القلب من إهمالِ النفسِ ومن موافقتها وإتباع هواها "
ولمحاسبةِ النفس نوعـان : نوعٌ قَبلَ العمل ، ونوعٌ بعدَه .
§ النوعُ الأول : محاسبة النفس قبل العمل :وهو أن ينظرَ العبدُ في هذا العمل ، هل هوَ مقدورٌ عليهِ فيعملَه ، مثل الصيام والقيام . أو غيرَ مقدورٍ عليهِ فيتركَه . ثم ينظر هل في فعله خيرٌ في الدنيا والآخرة فيعملَه ، أو في عملِه شرٌ في الدنيا والآخرة فيتركَه . ثم ينظر هل هذا العمل للهِ تعالى أم هو للبشر ، فإن كان سيعملُه لله فعلَه ، وإن كانت نيتَهُ لغيرهِ ترَكه .
§ النوع الثاني : محاسبة النفس بعد العمل : وهو ثلاثة أنواع :
* النوعُ الأول : محاسبة النفس على طاعاتٍ قصَّرتْ فيها .
كتركها للإخلاصِ أو للمتابعة ، أو تركِ العمل المطلوب كترك الذكر اليومي ، أو تركِ قراءةِ القرآن ، أو تركِ الدعوة أو ترك صلاةِ الجماعة أو ترك السننِ الرواتب . ومحاسبة النفس في هذا النوعِ يكون بإكمالِ النقص وإصلاح الخطأ ، والمسارعةِ في الخيرات وترك النواهي والمنكرات ، والتوبةِ منها ، والإكثارُ من الاستغفار ، ومراقبةُ اللهِ عز وجل ومحاسبة القلب والعمل على سلامتِه ومحاسبةُ اللسان فيمـا قالَه ، وإشغالِه إما بالخيرِ أو بالصمت ، وكذلك يكونُ بمحاسبة العين فيما نظرت ، فيطلقها في الحلالِ ويَغُضُّها عن الحرام ، وبمحاسبة الأُذن ما الذي سَمِعته ، وهكذا جميعِ الجوارح .
* النوعُ الثاني من أنواع محاسبة النفس بعد العمل :
أن يحاسبَ نفسَهُ على كلِّ عملٍ كانَ تركُهُ خيراً من فعله ؛ لأنهُ أطاعَ فيه الهوى والنفس ، وهو نافذةٌ على المعاصي ، ولأنهُ من المتشابه ،
يقولُ
: (( إن الحلال بَيِّن ! وإن الحرام بَيِّن، وبينهما أمور مشتبهات ، لا يعلمهن كثيرٌ من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقعَ في الشبهات وقع في الحرام )) . ويقولُ عليه الصلاة والسلام : (( دع ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك )) .
* والنوع الثالث :
أن يُحاسبَ الإنسانُ نفسَه على أمرٍ مباح أو معتاد : لـمَ فعله ؟ وهل أرادَ به الله والدارَ الآخرة فيربح ، أم أرادَ به الناسَ والدنيا فيخسر ذلك الربح ويفوتَهُ الظَفَرُ به .
· ولمحاسبة النفس فوائدٌ جمّةٌ ، منها :
أولاً : الإطلاعُ على عيوبِ النفس ، ومن لم يطلع على عيبِ نفسِه لم يمكنهُ معالجتُه وإزالته .
ثانيـاً : التوبةُ والندمُ وتدارك ما فات في زمنِ الإمكان .
ثالثـاً : معرفةُ حقُ اللهِ تعالى ، فإن أصلَ محاسبةُ النفس هو محاسبتُـها على تفريطها في حقِ الله تعالى .
رابعـاً : انكسارُ العبد وتذلُلَه بين يدي ربه تبارك وتعالى .
خامساً : معرفةُ كرَمِ الله سبحانه ومدى عفوهِ ورحمتهِ بعبادهِ في أنه لم يعجل لهم عقوبتَهم معَ ما هم عليه من المعاصي والمخالفات .
سادسـاً : الزهد ، ومقتُ النفس ، والتخلصُ من التكبرِ والعُجْب .
سابعـاً : تجد أنَّ من يحاسبُ نفسَهُ يجتهدُ في الطاعةِ ويترُكُ المعصية حتى تَسهُلَ عليهِ المحاسبةُ فيما بعد .
ثامنـاً : ردُ الحقوقِ إلى أهلِـها ، ومحاولةُ تصحيحِ ما فات .
· كيفَ أحاسبُ نفسي ؟
سؤالٌ يترددُ في ذِهن كل واحدٍ بعدَ قراءةِ ما مضى .
وللإجابة على هذا التساؤل :
ذكرَ ابنُ القيم أن محاسبةَ النفس تكون كالتالي :
أولاً : البدءُ بالفرائض ، فإذا رأى فيها نقصٌ تداركهُ .
ثانياً : النظرُ في المناهي ، فإذا عرَف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبةِ والاستغفارِ والحسناتِ الماحية .
ثالثاً : محاسبةُ النفس على الغفلةِ ، ويَتَدَاركُ ذلِك بالذكرِ والإقبالِ على ربِ السماوات ورب الأرض رب العرش العظيم .
رابعاً : محاسبةُ النفس على حركاتِ الجوارح ، وكلامِ اللسان ، ومشيِ الرجلين ، وبطشِ اليدين ، ونظرِ العينين ، وسماعِ الأذنين ، ماذا أردتُ بهذا ؟ ولمن فعلته ؟ وعلى أي وجه فعلته
.
.
.