ألا ترى إلى سيد العباد.. وزينة الزهاد، عامر بن عبد قيس كان رحمه الله لا ينتفل في المسجد مع أنه كان يصلي في كل يوم ألف ركعة!
وهذا الفقيه الرباني.. متين الإيمان، أبو وائل شقيق بن سلمة كان إذا صلى في بيته نشج نشجيًا، ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ما فعله.. رحمه الله.
وعلى هذا الطريق كان الربيع بن خثيم الثوري.. صاحب الهدى النبوي.. تلميذ ابن مسعود.. وصاحب الخط المسعود. كان عمله رحمه الله كله سرًا، فربما دخل عليه الداخل وقد نشر المصحف،/ فيغطيه بثوبه.
وكان أيوب السختياني رحمه الله إذا غلبه البكاء في مجلسه قام.. حتى لا يفطن أحد لذلك.
وهذا ابن سيرين (رحمه الله) كان يضحك بالنهار ويبكي بالليل.
أخي: وأعجب معي من داود بن أبي هند رحمه الله.. صام عشرين سنة، ولم يعلم به أهله، وكان يأخذ غذاءه ويخرج إلى السوق، فيتصدق به في الطريق، فأهل السوق يظنون أنه قد أكل في البيت، وأهل البيت يظنون أنه قد أكل في السوق!!
أخي المسلم: ذاك هو خُلُق المخلصين.. ومسلك الأوابين.. انقطعوا بقلوبهم عن الخلق.. فربحوا بتجارة الصدق. فاتوا من ذلك بالأعاجيب.. فوآاهٍ لها من غايات لكل أريب.
فعن عبدة بن سليمان قال: «كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو فلما التقى الصفان، خرج رجل من العدو فدعا إلى البراز فهرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثم آخر فقتله ثم آخر فطعنه فقتله ثم أخر فقتله، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه الرجل فقتله، فازدحم الناس عليه، فكنت فيمن ازدحم عليه، فإذا هو ملثم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته فإذا هو عبد الله بن المبارك!
فقال: «وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا؟!».
قال الإمام ابن الجوزي: «فانظروا رحمكم الله إلى هذا السيد المخلص كيف خاف على إخلاص برؤية الناس له، ومدحهم إياه فستر نفسه».