عرض مشاركة واحدة
قديم 14-03-11, 11:29 AM   المشاركة رقم: 35
المعلومات
الكاتب:
بنت الديره
اللقب:
عضوة مميزة
الرتبة


البيانات
التسجيل: Dec 2010
العضوية: 347
العمر: 33
المشاركات: 1,485 [+]
الجنس:
المذهب:
بمعدل : 0.28 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 17
نقاط التقييم: 35
بنت الديره على طريق التميز

الإتصالات
الحالة:
بنت الديره غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : بنت الديره المنتدى : بيت القصـص والعبـــــــر
افتراضي

الحلقات ( 31-32-33-34-35 ) :

ــ


الحلقة الواحدة والثلاثون

قادنا للمطار هذه المرة ابن الشيخ عبد الله وشيعنا للمطار تقريبا جميع أبناءه
كان الشيخ متوترا على غير العادة وقليل الحديث وأنا أتفهم سبب ذلك!!
فلقد كان غالب أبناءه متوجسين من وجودي ويعتبروني دخيلا غير مرغوب فيه..
وصلنا للمطار على موعد الإقلاع تقريبا ...
سألني الشيخ ونحن متجهون للطائرة أين إحرامك؟
فقلت له في الكيس الذي أحمله في يدي..
قال : لو أنك لبسته في بيتك كان أسهل عليك ...
لاحظت أن الشيخ يلبس الإزار من تحت ثوبه بحيث أنه إذا حاذى الميقات خلع ثوبه ثم يلبس الرداء ...
وهذا ما كان ...
بقيت أنا وعبد العزيز ابن الشيخ متجاورين في الدرجة السياحية ..
ووالده شيخنا في الدرجة الأولى حيث هو مستضاف من مركز الدعوة في جده لإلقاء
محاضرات وندوات ولقاءات عامة ونحو ذلك مما سيأتي ذكره ..
كان لعامل السن دور كبير في تسهيل التعامل مع الأخ عبد العزيز ..
وكذلك لين جانبه وتمتعه بالأخلاق السامية جعلا من رفقته مكسبا لي ..
حاولت جاهدا أن أغير الصورة التي رسمها ذلك الرجل عني في مخيلة جميع أبناء الشيخ وأقاربه ، غير أنني لم افلح فهو بهم أوثق ومنهم أقرب وعلاقته أرسخ وأقدم!!
وأنا في موضع تهمة وغريب وثبت علي ما يخل بوضعي !!
ولكنها بالتفحص والنظر المنصف ليست مبررا للهجران والقطيعة أو الظلم والإيذاء!!
بقيت أتحدث أنا وعبد العزيز في أمور عامة وتجنبنا الحديث في الأمور الخاصة فقد كان كلانا متحفظا!!
سمعت كابتن الطائرة يقول على الميكرفون ..
نرحب بفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين المرافق لنا على هذه الطائرة ..
بعد انقضاء أكثر وقت السفر واقترابنا من الميقات جاء إلينا الشيخ بنفسه ..
وهو لابس للإحرام ولحيته تقطر من طيب الدهان .. ويرى أثره على لحيته البيضاء..
فقال لنا : قوما والبسا إحرامكما ولبيا للعمرة ...
لبسنا الإحرام ولبينا ودخلنا في النسك..
هبطت الطائرة لمطار جده ...
وتوقفت وفتحت أبوابها ...
خرجت أنا وعبد العزيز من الباب الخلفي للطائرة .. وكان همنا أن نجد الشيخ..
ونحن ننزل من الدرج لاحظنا عددا من السيارات الفارهة تقف أمام سلم الطائرة لتستقبل ضيوفا لا نعلم أننا نحن المقصودون بذلك!!
كان الشيخ واقفا يصافح حشدا من الناس أمام السلم مباشرة ..
توجهنا للشيخ فأشار لابنه عبد العزيز وإلي أن أركبا مع أحد السيارات..
ركبنا في السيارة وخرجنا من المطار..
وتوجهنا لحي الروضة في جده..
توقفت السيارات أمام بيت فاره كبير ذا لون أبيض ..
أنزلنا حقائبنا وثقلنا ودخلنا البيت لكي نرتاح قليلا..
هذا المنزل هو المكان الذي اعتاد شيخنا النزول فيه كل مرة ينزل لجده..
وهو منزل الوجيه الشيخ صالح بن إبراهيم الزامل..
هذا الرجل الكريم صاحب المرؤة العالية والنبل النادر المحب للعلماء ..
رجل قد أغناه الله من واسع فضله .. فهو من أثرياء ووجهاء جده يقول لي أحد معارفه:
كان أبو إبراهيم رجلا مقبلا على الدنيا يملك القصور والفلل في سويسرا ولندن وأمريك
ثم إنه تاب إلى الله تعالى وتوجه للطاعة فتصدق بجزء كبير جدا من ماله ..
يحبه شيخنا حبا جما ، ويكرمه بالنزول في ضيافته كل مرة ..
سمعت من شيخنا ثناء عاطرا على هذا الرجل ونعم الرجل أبو إبراهيم ..
بارك الله له في ماله وولده..
مكثنا قليلا ووضع لنا الغداء وبعدها توجهنا لمكة لأداء العمرة...
كان مرافقنا بالإضافة إلى الشيخ صالح الزامل هو دليلنا الآخر الأخ علي السهلي..
وهو شاب محب للعلماء من سكان جده ويتحفك بالحديث والطرائف ..
فيكون النصب والإرهاق في صحبته متعة!!
بارك الله فيه وجزاه الله خير الجزاء...
كان الشيخ طوال الطريق يلبي ويرفع صوته بالتلبية .. حتى يكاد يبح صوته من ذلك..
كنت أراقبه وأفعل مثل ما يفعل وأقول مثلما يقول...
وكان يقطع أحيانا ذلك بالحديث معنا والسؤال عن شيء يهم..
غير أنه في الغالب لا ينقطع عن الذكر والتسبيح...


ــ


الحلقة الثانية والثلاثون

وصلنا للحرم قريبا من أذان العصر
صلينا العصر في الحرم ...
كان الشيخ يقول : سبحان الله، انظروا، توضأنا في عنيزة وهانحن نصلي في مكة!!
اضطبعنا كما هي السنة ثم بدأنا بالطواف..
كان الشيخ يسرع في خطاه حتى يكاد أن يجري .. وهو ما يسمى الرمل
وكنا نفعل مثل ما يفعله خلافا لكثير من الطائفين ..
لاحظنا أحد العاملين في تنظيم المعتمرين حول الكعبة ..
وهو رجل كبير في السن عليه عباءة مزررة باللون الذهبي..
مر بجواره الشيخ فلم يعرفه فنادى على الشيخ : إن ما تفعله بدعة وخلاف السنة..!!
فلم يلتفت إليه الشيخ ولم يرد عليه..
وحينما مر بجواره المرة التالية كرر عليه الكلام ..
حينها رد عليه الشيخ وهو يسير (والرجل يلهث خلفه ويمسك بمنكب الشيخ يريد إيقافه!!) قائلا : قد ثبت بالنص أن ذلك من السنة وروى له الحديث .. ثم دفع يده واستمر.. ثم قام الشيخ صالح الزامل وهمس في أذن الرجل وقال له : الشخص الذي تتكلم معه ، هو الشيخ محمد بن صالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء!!
تأفف الرجل وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ،والله ما عرفت الشيخ ..
بعد انقضاء الأشواط الثلاثة التي يرمل فيها ، مشينا مشيا عاديا ولحق ذلك الرجل بنا واعتذر من الشيخ ..
لا يحب شيخنا أن يعرف نفسه لأحد فذلك ليس من شيمه ..
إلا إن رأى حاجة لذلك ..
من المواقف التي أذكرها جيدا ..
في سنة من السنوات كنت أسعى بين الصفا والمروة معه ...
وكان الشيخ بطبيعة الحال محرما ..وكثير من الناس لا يميز جيد ا حينما يكون محرما..فهو بخلاف الشكل المعتاد له..
مررنا بجوار رجل في الخمسينيات يحمل مصحفا في يده ويلبس نعلا في المسعى..
فاقترب شيخنا منه وقال له: لا ينبغي لك يا أخي أن تسير في المسعى بنعلك..
فالتفت للشيخ ولم يعرفه وأخذه طولا وعرضا وقال: هذا من السنة!!
فقال له الشيخ : نعم هذا من السنة حينما كان الصفا والمروة واديا مفروشا بالحصى والتراب.. أما الآن فهو مبلط ولو لبس الناس النعال مثلك لتأذى المصلون من ذلك ..
فقال الرجل : هذا أمر لا يعنيك وانصرف وترك الشيخ !!
فلحقه شيخنا وقال له : أريد أعرفك بنفسي ، أنا أخوك في الله محمد بن صالح العثيمين!!
فقال : هو أنت ؟؟
الشيخ؟؟
قال : نعم أنا !!
فانحنى الرجل وحمل نعله وقال : والله ياشيخ ما عرفتك سامحني!!
وقبل رأس الشيخ واعتذر منه ... وهي تحية تعورف أنها للعلماء!!
فقال الشيخ : سامحك الله يا أخي .. لو أنك عرفت الرجال بالحق خير من أن تعرف الحق بالرجال!!
ومن المواقف التي أذكرها جيدا .. أنه ذات مرة كان الشيخ خارجا من باب الصفا من الدور الثاني بعد صلاة العشاء .. فلمح عاملا سعوديا في البلدية يطارد امرأة تكر ونية ممن يبعن أمام الحرم بعض الخردوات والزينة والنعال.. كانت تجري وتحمل متاعها الملفوف في قطعة قماش وتصيح وتولول.. والرجل يجري خلفها يريد الإمساك بها..
وكانت امرأة كبيرة في السن وهو شاب نشيط فلحقها على درج أحد البيوت فأمسك بمتاعها.. فأخذت تصيح وتترجاه وتبكي بصوت محزن يقطع الفؤاد ..
وهو لا يلتفت إليها ولا يرد عليها..
فرأيت الشيخ أحمر وجهه وامتلئ غضبا وتوجه لذلك الرجل ..
فأمسك به بشدة ونزع القماش من يده وألقاه في يد العجوز فطارت به واختفت عن ناظرنا..
وقال لذلك الشاب الذي صعق من الموقف ولم يتوقعه ويستعد له.. وكانت علامات الخوف والتعجب ظاهرة على ومحياه قال له: اذهب لمديرك وقل له إن ابن عثيمين قد أطلق تلك المرأة وسوف أتحمل المسئولية عن ذلك !!
أعتذر من الشيخ وقبل يده ورأسه وانصرف ...



ــ


الحلقة الثالثة والثلاثون

وهكذا انتهينا من مناسك العمرة وكانت سهلة ميسرة ..
واعتمرت عمرتي التي أعتبرها أول عمرة أعملها قريبة أو هي على السنة على الإطلاق..
توجهنا للحلاقين اللذين على باب المروة ..
وكعادتهم يصرخون على المعتمرين كل ينادي على محله..
فاختار الشيخ رجلا كبيرا في السن من الباكستان ولحيته حمراء ..
وقال ذلك الرجل له : أنا أعرفك أنت فيه مطوع كبير !!
حلق الشيخ وحلقت، وأبى عبد العزيز أن يحلق بل كان يريد التقصير ..
فقال له الشيخ : ياولدي أكسب دعوة رسول الله حيث دعا مرتين للمحلقين ، ففعل..
انتهينا من الحلق ، وتوجهنا للسكن وهي عبارة عن شقة تابعة لأحد أصحاب الشيخ
تقع أمام باب المروة مباشرة ، وقد هدت لاحقا ...
حصل لي في تلك العمارة موقفان لا أنساهما أبدا .. ولعل فيهما طرفة !!
واسمحوا لي أن أحكيه لكم فيها لا تخلوا من فائدة ودعابة !!
كانت الشقة التي نقيم فيها في الدور الأخير وهو العاشر ..
وذات مرة في إحدى الزيارات لمكة .. صعدت مع الشيخ .. على مصعد الشقق الوحيد
وصعد برفقتنا الشيخ سعد البريك الداعية المعروف والمقيم في نفس العمارة ..
نزل الشيخ سعد في طابقه وغادرناه لطابقنا العاشر..
وفجأة توقف المصعد عن العمل وبقينا معلقين بين طابقين..
ضغطت على زر النداء فلم يجبنا أحد وكدنا نختنق من الحر وقلة الهواء..
عندها قمت بدفع بابي المصعد وفتحتهما بعد محاولات عديدة وبالكاد فتح!!
ولكن تبقى المشكلة أنه معلق بين طابقين، ولكن من رحمة الله بنا أن بقيت في أسفله
فتحة بسيطة .. يمكن المرور منه
ولكن بمشقة ، وفيها خطورة حيث من الممكن أن يتحرك المصعد في أي لحظة فيحصل
مالا يحمد عقباه !!
نزلت أنا أولا فخرجت بنجاح ، وبقيت ألح على شيخنا بالنزول حتى وافق على
مضض..فتدلى من الباب فخرج والحمد لله !!
ولولم نفعل ذلك لهلكنا بلا شك ..
والموقف الآخر ،
ذات مرة جئنا لنفس السكن ولكن هذه المرة كان المصعد عطلانا بالمرة ولا يعمل..
فكان الواجب علينا الصعود على الدرج لعشر طوابق ..!!
صعد الشيخ بكل خفة ورشاقة أما أنا فتعثرت مرارا وهممت أن أرجع للحرم وأترك
الشيخ!!
فكان الشيخ يسحبني ويجرني وهو ابن السبعين حتى وصلت وكاد نفسي ينقطع!!
غير أن الشيخ حينما وصل للسكن تذكر أن لديه مكالمة مع الأمير عبد الله ولي العهد ..
وهي ضرورية ولا يمكن تأخيرها ..
فقال لي : احضر الهاتف لكي اتصل .. فبحثت عن جهاز الهاتف في كل غرف الشقة..
فلم أجده فتتبعت سلك الهاتف الموصل بالفيش فوجدته موصولا بغرفة مغلقة وليس لدينا لها مفتاح!!
علمت من وجه الشيخ وملامحه أن لا خيار لديه ..
فقررت النزول لشراء جهاز له ..
فقال لي: سوف انزل معك ..
قلت له : أبدا ، وكنت أعلم أنه سينزل معي مجاملة لي تخفيفا للمشقة!!
وخوفا علي من أن أموت قبل الرجوع!!
فأصر على النزول معي فأذعنت لذلك ..
نزلنا وما أسهل النزول كما ما أسهل الهدم !!
نحن أهل الدعوة نبني ونتعب ونعاني أما أهل الشر من أهل العلمنة والنفاق فيهدمون وما أسهل ذلك فالكل يقدر على الهدم لمن لا ضمير له أما البناء فهي مهنة الشرفاء ..
جعلنا الله منهم..
بحثنا في المحلات فوجدنا أجهزة متعددة ومختلفة الأسعار ..
فكنت أريد شراء جهاز معقول الثمن حيث أنني علمت أن حاجتنا إليه لمكالمة واحدة فقط..
غير أن الشيخ له رأي آخر !!
بحث عن أرخص جهاز بالسوق وقيمته عشرة ريالات وهو أشبه بلعب الأطفال!!
فقلت له : ياشيخنا هذا ما ينفع لشيء !!
قال : ياولدي مكالمة واحدة فقط !!
فأخذناه واستحييت والله من شراءه ولكن هذه هي رغبة الشيخ ..
وليس هذا بخلا منه كما قد يظن بعض أهل الغفلة بل الشيخ من أكرم الناس
كما يشهد بذلك من عرفه ولكنه مقتصد على نفسه بأقصى الحدود رحمه الله وعفا عنه..
صعدنا الدرج ويا للعذاب !!
فظن شرا ولا تسأل عن الخبر..
وصلت للشقة فرميت نفسي تحت دش الماء واغتسلت من العرق والجهد!!
دخل شيخنا وأراد إصلاح خط التلفون فما استطاع فانتظرني حتى خرجت من الحمام..
فقال : تعال أصلح لي الهاتف..
فتأملت ... ثم
قلت له : ليس من سبيل سوى بقطع سلك تلفون صاحب المنزل وتوصيله..
فأبى الشيخ وقال : هذا ليس من المرؤة هل تريده يقول : أفسدوا سلك تلفوني!!
فقلت له : ما العمل ؟؟
فبحثنا وتتبعنا السلك حتى وصلنا لفيش التلفون ..
فقمت بفكه بسكين ووصلت أسلاك تلفوننا المبتذل ولكن أين اللاصق الذي يثبته!!
فقلت : ياشيخ التلفون يعمل ولكن نحتاج للاصق فهل سننزل من اجله للسوق ؟؟
فقال : كلا بل أوصل السلك بيديك وأمسك به حتى أنهي المكالمة!!
كانت فكرة شاقة ولكنها أهون على نفسي من النزول من الدرج ..
اتصل شيخنا على مكتب الأمير .. فرد عليه عامل البدالة .. فعرف الشيخ بنفسه ..
فرحب به الرجل وقال له سأوصلك بطويل العمر..!!
فاستمر في الانتظار دقائق معدودة حتى يوصلوه بالأمير وكنت خائفا والله ..
أن يرد طويل العمر فيسقط السلك من يدي فأحاسب حسابا عسيرا !!
ولكن الله سلم ..
كلم شيخنا الأمير وقضى منه ما يريد ثم لففنا التلفون وأهديناه لأولاد صاحب البيت لكي يتسلوا به!!


ــ


الحلقة الرابعة والثلاثون

كما سبق وذكرت فقد نزلنا بشقتنا الواقعة مقابل المروة..
ولم نشعر بالتعب والإرهاق خاصة بوجود الأخ علي السهلي اللذي وهبه الله موهبة الطرافة الفطرية ، فهو يتلفظ بكلمات تجبرك على الضحك والوناسة إجبارا!!
نمنا ليلتنا تلك في مكة...
صلينا الفجر في الحرم وفي وقت الضحى توجهنا لجده...
كان معنا في سيارة الشيخ صالح جهاز تلفون سيار قبل معرفة أجهزة الجوال..
اتصل شيخنا على شخص .. فسمعته يكنيه بأبي محمد !!
ثم التفت الشيخ إلي .. ففهمت من نظراته أنني معني بمن يتحدث معه..
أوشك قلبي على التوقف من الرعب !!
وتصببت عرقا ، وصار الدم يغلي في عروقي ...
حيث علمت انه يكلم والدي !!
غير أنني لا حظت شيخنا يتكلم معه بكل هدوء فخفف ذلك علي هول الصدمة..
ثم سلم شيخنا سماعة التلفون للشيخ صالح حتى يصف له منزله في جده!!
لا أستطيع أن أصف مشاعري في تلك اللحظات ..
كانت مشاعر متضاربة ... ولكن يطغى عليها الخوف ..
لا أدعي أنني كنت مسرورا أو متشوقا للموقف!!
فقد كنت كسجين هرب من سجنه!!
منذ حوالي الخمسة شهور..
لا أقصد أن حياتي كانت سجنا بل التوصيف القريب أن تسمى انعتاقا وتحررا من القيود!!
وإن كان ولا شك أن والدي عليه الرحمة والرضوان لا يقصد من وراء ذلك سوى مصلحتي
ولكن ... هل كل من قصد شيئا وفق؟؟
هل كل صاحب دعوى هو مقبول على الإطلاق؟؟
أليس كل أحد معرض للخطأ في التوصيف والملاحظة مما يبنى عليه
خطأ في اتخاذ القرارات..
أليس رسولنا نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة وهو سيد البشر أخطأ؟؟
كما فعل مع ابن أم مكتوم فعاتبه رب الجلالة من فوق سبع سماوات؟؟
ولكنني لو رجعت للوراء لكان تصرفي مختلفا للغاية ، فالحمد لله على ما قدر...
لم يظهر على شيخنا أي ارتباك أو حرج من ذلك الاتصال كما هو حالي..
وصلنا لجده فوجدنا حشدا كبيرا من الناس في انتظارنا..
جده هذه هي مدينة الشيخ محمد العثيمين!!
يحب شيخنا أهلها وهم أشد حبا له..
وسمعت شيخنا مرارا يقول ذلك
ولذلك حينما يعاتب على حظ جدة منه بخلاف المدن الأخرى
يقول هؤلاء هم جيران الحرم فلا تلومونا بحبهم!!
ولذلك من الملاحظ كثرة طلبة الشيخ في عنيزة من أهل جده ..
وأما الحضور الكثيف لمحاضرات الشيخ في جده فذلك لا ينافسهم عليه أحد..
نزلنا في منزل الشيخ صالح ..
فبدا أن المجلس يغص بالناس .. غير أن هناك ضيفا مميزا في تلك الجلسة لاأنساه!!
دخل علينا رجل حجازي الطلعة ، هادي الطباع ، حليق الذقن .. مؤدب ..
فيه سكون لا تكاد تسمع له حسا ...
تقدم في المجلس ، وحينما رآه الشيخ .. قام له .. وصافحه بحرارة..
لم يكن وجهه غريبا علي ، فقد سبق أن رأيته ...
ولكنني لم أميز شخصه؟؟
فبقيت أحملق فيه وهو جالس بجوار الشيخ لا يكاد يرفع رأسه من الخجل..
وبعد التدقيق والتمحيص ، انكشفت لي شخصيته ...
فصعقت ، وتعجبت ، وما توقعت أن أرى ذلك أل....!!!
بجوار الشيخ !!
إنه المغني المشهور محمد عبده !!
مالذي أتى به ؟؟
ومن دعاه؟؟
يقيم محمد عبده بجوار منزل الشيخ صالح الزامل وله جامع كبير هناك قد بناه محمد عبده على نفقته ..
سمعنا جميعا بتوبة هذا المغني ..
وكان لقاءنا به في تلك الأيام التي أعلن توبته من الغناء واعتزاله له وليته استمر بذلك..!!
غير أنه مورست عليه ضغوط من جهات معروفة..
فسوغت له الباطل فعاد له والله حسيبنا وحسيبه..
زينوا له أن الغناء مباح خاصة منه ما يسمى بالغناء الوطني ..
كان شيخنا مهتما بمحمد وزاره في بيته مرارا ..
تثبيتا له على الحق ولكن الله لم يرد ذلك ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء)
ورأيته مرة يجلس مع الشيخ لوحده وكان يشتكي له من شدة الضغوط عليه ويبكي فكان شيخنا يصبره ويذكره بالله ..
ولقد تبرع لنا الأخ محمد بتبرعات جليلة لقضايا إسلامية عديدة عفا الله عنا وعنه لعلي أذكرها لاحقا..


ــ


الحلقة الخامسة والثلاثون

كان ذلك اليوم فيما أذكر يوم خميس
ووضع لنا الغداء في الفيلا المجاورة والتي هي أيضا تابعة لفلل الشيخ صالح الزامل
وذلك لكثرة الضيوف وازدحام الملحق بهم ..
غير أني لم أجد لذلك الطعام أي لذة رغم تنوعه وفخامته و لكن لم يطب لي الحال!!
فقد كنت قلقا للغاية ، فوالدي قد يدخل علينا في أي لحظة..
ولا شك أنني لم أكن أحب رؤيته وأنا في جمع من الناس ..
كنت أراقب الباب وأراقب الشيخ محمد حيث أن التلفون الثابت وضع بجواره وينتظر مكالمة الوالد...
انتهينا من الغداء وقدم لنا الشاي وبدا المجلس بالانفضاض..
ولم يكن أحد يعلم بقدوم الوالد سواي والشيخ محمد والشيخ صالح ..
بقيت مع الشيخ محمد وذهب الآخرون للقيلولة ..
وأجهد الشيخ من الانتظار فدخل غرفته ونام..
أذن العصر وتوجهنا للمسجد..
وبعد الصلاة عدنا للبيت ..
وبعد نصف ساعة من الصلاة .. رن جرس الهاتف...
فرد الشيخ صالح الزامل .. فعرفت من كلامه أنه الوالد ..
وصف له المنزل وصفا دقيقا.. ثم أغلق السماعة..
ناداه شيخنا وهمس في أذنه وطلب منه أن يوفر لنا مكانا منعزلا عن الآخرين ..
كان التوتر على أشده مني ، بينما شيخنا كأن على فؤاده قالب ثلج!!
وهكذا الرجال اللذين طحنتهم الحياة طحنا وتعلموا من دروسها يواجهون المصاعب بكل ثبات وروية واتزان...
ذهبت برفقة الشيخ صالح للفيلا المجاورة حيث سأستقبل الوالد قبل قدوم الشيخ..
بقيت في الخارج واقفا في الشمس .. ولا يقر لي قرار..
كنت أتصور غضب الوالد وهو رجل غضوب من طبعه فكيف وهو في هذا الحال؟؟
حيث مضى على هروبي من المنزل حوالي الخمسة شهور ...
بعد دقائق تقدم حارس الفيلا وفتح الأبواب الضخمة ودخلت سيارة جمس كبيرة لونها احمر وأسود وهي سيارة الوالد التي عهدت..
حينما دخلت مقدمة السيارة وكان بلاط الفناء مرتفعا عن مستوى الشارع لم يظهر لي وجه الوالد..
و لكن حينما استوت السيارة رأيت وجهه ..
لحيته بيضاء مختلطة بالسواد كما عهدته ووجهه عابس بل عليه علامات الغضب والانفعال.. وهذا ما توقعته بالتأكيد !!
كان مشهدا مضطربا يصعب علي وصفه ..
تقدمت لباب السيارة بعد أن استدار بها وأوقفها تحت المظلات ..
ففتحت الباب فانكببت على يد والدي وقبلتها وقبلت جبهته ..
فأشاح بوجهه عني ولم يرد السلام علي ..
لم أتضايق مما فعل فأنا أستحق منه أكثر من ذلك !!
لم ألاحظ أن معه شخصا آخر سوى حينما سلم علي، فاستدرت للصوت..
فرأيت أحد أصدقاء والدي اللذين يحبهم ويثق فيهم وهو الأستاذ مشرف الزهراني الأستاذ مشرف رجل عاقل ورزين ويثق والدي بنصحه ولذلك كانت صحبته للوالد ذلك اليوم من رحمة الله بي...
دخلنا لغرفة صغيرة ملحقة بالفيلا حيث تضمن لنا خصوصية كاملة..
جاء الشيخ صالح حينما علم بقدوم الوالد فصافح الوالد بحرارة شديدة كما هي عادته مع ضيوفه ولم يكن يعلم بالموضوع الذي بيني وبين الوالد ، فأخذ الشيخ صالح يثني علي وعلى حرصي على العلم وأن أعظم توفيق لله لي أن جعل لي قبولا لدى إمام الأمة الشيخ بن عثيمين .
لاشك أن تلك العبارات الصادقة التي نطق بها الشيخ صالح والتي خرجت منه بدون قصد حيث هو لا يعلم عن القصة أصلا ولم يخبره أحد بها ،كان لتلك الكلمات أثر في الموضوع فكأن معناها .. يا أبا محمد لا داعي للقلق فقد حفظ الله لك ابنك فليس هو كمن هم من أترابه من الشباب اللذين اشغلهم اللهو فأضاعوا دينهم ودنياهم
بل إن الله هيأ لابنكم مكانا لا تستطيع أنت ولا غيرك أن يضعه فيه بل هو فضل خالص من الله عز وجل !!
أحضر لنا القهوة والشاي وكنت أخدم الوالد وصاحبه ...
ولم نكن نتحدث بل كان الصمت رهيبا والهدوء منذر بشر مستطير ..!!
هذا ما تخيلته وتوقعته...










توقيع : بنت الديره

ask.fm/Nasooora20
اسالني وكذا يعنينقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

تابعني على تويتر
nsooora20@

عرض البوم صور بنت الديره   رد مع اقتباس