11- الحال التي وصلت إليها الأمة في زماننا:
من خلال سيرة الدكتور السميط، ظهرَ لنا حجمُ المعاناة التي وصلَتْ إليها الأمَّةُ في زماننا، وهي حالٌ إذا سمعها الإنسان المسلم، شعر بالأسى على نفسه في التَّخاذل عن إصلاحها، فيقول الدكتور عن حال الأمَّة الإفريقية: "سألتُ، قلت لهم: أيش دينكم؟ قالوا: الحمد الله نَحن مسلمون بروتستانت! قلتُ لهم: كيف تكونون مسلمين بروتستانت؟ قالوا: أجدادنا قالوا لنا: إنَّنا مسلمون، لكنَّنا لا نعرف كيف نصلِّي، ولا كيف نصوم، فجاءنا البروتستانت - جزاهم الله خيرًا! وعلَّمونا كيف نصلِّي، وبنَوْا لنا هذه الكنيسة - وأروني الكنيسة - وأعطونا الإنجيل"!
ويصوِّر الدكتور السميط مشهدًا من حال الأمَّة، فيقول: "في منطقة مكلوندي في جنوب النَّيجر، يوجد 200 ألف نسمة، نصفهم مسلمون، لا يعرفون الصَّلاة، ولا الصوم، بل لا يعرفون شهادة أنْ لا إله إلاَّ الله"!
هذا الواقع الأليم لواقع الأمَّة المرحومة، يحتِّم على أفرادها في زماننا الدعوةَ، ورفْعَ الجهل، والبذلَ والتعاون على كافَّة المستويات والأصعدة، ولعلَّه أيضًا يعيد النَّظر في بعض مسائل العقيدة؛ مثل: العُذْر بالجهل.
12- التلطُّف بالقول مع المدعوين:
قال الله لنبيِّه موسى - عليه السَّلام -: ﴿ فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ [النازعات: 18 - 19]، يُخاطب بذلك طاغيةَ الأرض في زمانه؛ فرعون مُدَّعي الرُّبوبية.
ولئن كانت الكلمة الفظَّةُ الغليظة تُغلِق القلب المفتوح، فإنَّ الكلمة الليِّنة تَفْتح القلب المغلق.
يقول الدكتور السميط وهو يُخاطب مدعُوِّيه: "وقلتُ لَهم: أنا من الكويت، والكويت في أرض مكَّة، وأهلي في مكة، قالوا لي: قبل ثمانمائة سنة خرج واحدٌ من عندنا إلى مدغشقر، فما سمعنا أخباره نهائيًّا، وأرسلوني حتَّى أطمئن عليكم، أطمئنُّ عليكم، على أبقاركم، على زرعكم، على أولادكم، على زوجاتكم".
13- الداعية العربي من بلاد العرب:
فضَّل الله جنس العرب على سائر الأجناس، وجعل التَّفاضُل بينهم بالتقوى، ومن يُتابع كتابات الدكتور السميط يَلْحظ أننا نملك وسيلةً دعويَّة لَم نلتفت لها، وهي:
أنَّنا عربٌ ومن بلاد العرب، إنَّ كلمة عربيّ لها دلالة خاصة عند كثيرٍ من الشعوب، ففي إفريقيا يقول الدكتور: "في مناطقَ بأكملها في شرق كينيا، إذا رأَوا الإنسان العربي يدخلون في الإسلام بدون سؤالٍ ولا جواب، وهم يحترمون العربيَّ ويقدِّرونه، بينما الآخَرون صار لهم مائة سنة وعشرة سنوات يَعملون عندهم"!
وقُلْ مثل ذلك في البلدان الشرقيَّة، وبشكلٍ أقلَّ في بلاد الغرب، فعلى الدُّعاة العرَب الالتفاتُ لِما فضَّلَهم الله به، وتسخيره لدعوتهم.
14- صناعة الدعاة (البلديِّين):
مِن أنجح مشاريع الدكتور السميط: صناعة دعاةٍ من أهل البلد نفسه، وهو بذلك يُقرِّر تجربةً رائدة للعمل الدعويِّ؛ أن يعمل على إخراج دعاةٍ من كلِّ بلد، فأهل البلد أعرَفُ ببلده، ويروي لنا الدكتور القصةَ التالية: "عندنا داعٍ اسمه عبدالرحمن ينجورو كان تاجِرَ (ألماظ)، وطلَّقَ التجارة، كان غنِيًّا جدًّا، وبيته الآن مفتوح كلَّما أسلم واحدٌ يجيء ويسكن عنده ثلاثة أشهر، ويَذْهب، عنده خلوةٌ للقرآن، يعلِّم القرآن، ويعلم مبادئ الإسلام، وتجد عنده مسلمين أشكالاً وألوانًا، ولكن هذا الرجل ربَّاني، هذا الرجل عنده طرقٌ غريبة في الدَّعوة".
وبِهذا نقرِّر نظريَّة في علم الدعوة: أنَّ صناعة دعاةٍ بلديِّين ضرورةٌ دعوية.
15- الداعية ومشاريع التعليم:
مجالات الدعوة متعدِّدة، إلاَّ أن مشاريع التعليم يجب تقديمُها في زماننا المعاصر، ففي كلِّ زمنٍ تَتفاضل الأعمال فيه، ونظرًا إلى الجهل العميم فإنَّ التعليم هو المقدَّم.
سُئِل مجدِّدُ إفريقيا الدكتور السميط: "ما هي باختصارٍ إستراتيجيَّة خُطَط عملكم في إفريقيا؟ فقال الدكتور: التعليم ثم التعليم ثم التعليم"، وقال: "نَحن اهتمَمْنا بالتعليم كثيرًا؛ لأنِّي تألَّمتُ جدًّا، وبكيت عندما علمتُ أنه ليس هناك خرِّيج مسلم واحد في كلِّ ملاوي، وكان الناس يسمُّون الناس غير المسلمين: (ألاسالي)، و(ألا سالي) معناها الرَّجُل المتخلِّف".
هذه التجربة الدعويَّة العميقة للدكتور تختصر علينا دراسةَ أولويات الدعوة، فعلى الدُّعاة أن يولوا البرامجَ التعليميَّة أولويَّة خاصة.
16- الشفافية الدعويَّة:
أهمُّ ما ينبغي مراعاتُه في قضايا الدَّعوة المعاصِرة هو: الشفافية الدعوية، ويُراد بها وضوحُ العمل الدعويِّ في جميع مراحله، وهنا سؤالٌ يَطرأ على ذهن المُتابع للعمل الخيريِّ في الفترة الماضية، وهو:
لماذا لَم تُغلَق مؤسَّسة العون التي يرأَسُها الدكتور، في حين أُغلِقَت بعض المؤسسات الخيريَّة؟
من حيث النتيجةُ فإنَّ إسلام الملايين على يد الدكتور وجمعيَّته ليس بأقلَّ خطرًا من المؤسسات التي تدعم الجهاد؛ لأنَّ الإرهاب في قاموس الولايات المتحدة يُرادف الإسلام، إلا أنَّ أحد أبرز أسباب حِفْظ الله لجمعية الدكتور هو: شفافيتها كما صرَّح به، قائلاً: "ضمانات الشَّفافية أنَّ عندنا درجاتٍ من الرقابة الماليَّة لا توجد في أيِّ مؤسَّسة في منطقتنا، عندنا ستُّ درجات من الرقابة ابتداءً من الميدان هناك، ثُم المُحاسبة الميدانيَّة عندنا في المقرِّ الرئيسي بالكويت، ثم المحاسبة العامَّة، ثم التدقيق الداخلي، ثم التدقيق الخارجي".
وبهذا نُقرِّر نتيجة دعويَّة هامة، مفادها: أنَّ الوضوح الدعويَّ ضمانٌ للاستمرار.
17- الداعية وإستراتيجيَّة اقتلاع اليأس:
الداعية الميدانيُّ يَعرف مقدار اليأس الَّذي خيَّم على قلوب بعض الدُّعاة حين يتذكَّرون حاجة مشاريعهم إلى الدَّعم المالي، وفَقْرهم في التواصل مع المتبرِّعين، وصعوبة الوصول لأهل البَذْل والإحسان، ثم صعوبة إقناعهم، وقلَّة ما يجودون به أحيانًا!
هذه العقَبات جعلَت البعض لا يفتَح مجالاً لنفسه بالتَّفكير في مشروعٍ دعوي، وهذا ما حدث للدكتور السميط في بداية العمل، فقد تفاجأ بأنَّ مجموع ما حصل عليه (1000 دولار في السنة)، فسقطَتْ من ذهنِه مشاريعُ بناء المساجد وحَفْر الآبار، وتشييد الجامعات، إلا أنَّ الدكتور أعطى الدُّعاة إستراتيجيَّة دعوية مهمَّة، وهي: تغيير سياسة جمع التبَرعات، واستبدال الطبقة الغنيَّة بالطبقة المتوسطة، فيقول: "نركِّز على متوسِّطي الدخل؛ شعرنا بأنَّ المرأة - مع كلِّ تقديرٍ واحترامٍ للرِّجال - أكثَرُ بركةً من الرَّجل، وقادرة عاطفيَّة، وتُعطي أكثرَ من الرجل، شعرنا بأنَّ المرأة الَّتي عمرها بين 25 و 45، وتَعْمل مُدرِّسة أو ممرِّضة أو طبيبةً، أو غيرها، تعطينا كلَّ شهر مائة ريال، أو مائتي ريال، أو خمسمائة ريال".
18- المبادرة الدعويَّة وعرض النفس:
في الحين الذي يَنتظر البعض من غيره أن يَرسم له عملاً دعويًّا يُناسبه، أو دعوة رسميَّة من الجهات الحكوميَّة، نجد أنَّ الداعية الموفَّق مَن يبحث عن مكانه الذي يَنفع فيه، ويُبادر الجهات الحكوميَّة، وهو ما حدث للدكتور السميط: "لما استكمَل دراسته العليا في الخارج، ورجع لبلده الكويت، وجد في نفسه طاقةً هائلة للعمل الخيريِّ، فعرض نفسه على وزارة الأوقاف للتطوُّع بالعمل الخيريِّ، وكادت البيروقراطية أن تحبطه".
ومن المتقرِّر في القواعد الدعويَّة: أن المبادرة تُكْسِبُ الفرصة، وقد ضاعت بعض المواقع الدعويَّة بسبب تأخُّر المبادرة ليس إلاَّ.
19- الداعية والعرف الدعوي:
من القواعد المقرَّرة شرعًا: العادة محكمة، وهي قاعدةٌ أعطَت العُرف أهميَّة للدِّراسة والمعرفة، وكما أنَّ القاعدة تنطبق على أبواب الفقه، فهي صالحةٌ للتطبيق في المجالات الدعويَّة، فالداعية عليه أن يدرس عُرف البلد والمدعُوِّين؛ ليدخل من خلال عرفهم إلى قلوبهم، وقد سار الدكتور السميط على "دراسة أعراف وتقاليد بلاد إفريقيا مُلمًّا بقبائلهم وأسمائها وأعدادها وحدودها الجغرافيَّة، وأعرافها وتاريخها القديم والمعاصر، بل يعرف تفاصيل دقيقةً لا يعرفها إلاَّ ذَوُو الاختصاص منهم، وقد ألَّف كتيبًا عن قبيلة الأنتيمور وتاريخها"، وقال: "تعلَّمتُ الكثير من إفريقيا، وأنا شاكرٌ لإخواني في إفريقيا، تعلَّمتُ أوَّلاً أنِّي أحترم عادات وتقاليدَ الآخرين وقِيَمهم ما لَم تتعارض مع أساسيَّات الدين".
ومن خلال ذلك يتقرَّر أن العُرف الدعويَّ مُحَكَمٌ في الدعوة، فلا يأتِ الداعية بما يخالف عرف المدعُوِّين فيما لا يتَعارض مع أحكام الله.
20- الوَرَع الدعوي:
الورع عملٌ قلبي إيماني عظيم، إلاَّ أن الورع الدعويَّ في العمل الخيريِّ يقوم على حفظ أموال المتبَرِّعين، ومراقبتها والعناية بها، وألاَّ تكون الدعوة مبَرِّرًا للتوسُّع في الأموال، يقول الدكتور السميط عن نفسه: "أموال الناس التي دفَعوها للعمل الخيريِّ لا يُمكن أن أفرِّط في ريالٍ واحد منها"، وكثير من مشاريعه يُحسَب (بالهلل السعوديِّ أو الفلس الكويتي)، وذلك يَنعكس على ثقة المتبرِّعين!
ومن الأخطاء في الساحة الدعويَّةِ التوسُّعُ قليلاً في التصرُّف في أموال المُحسِنين، وقد شدَّد أهلُ العلم في باب الوَقْف، ومنَعوا بيعه وهِبتَه، إلاَّ حين تعذُّرِ الاستفادة منه، ولهم تفصيلاتٌ في ذلك تقوم على تحقيق الورع الدعويِّ في أموال المحسنين.