ابتلع عشرين ومائتي رجلٍ
مجزأةُ بن ثور
مدينة تستر التي انحاز إليها الهرمزان وجلس فيها وهي من أجمل مدن الفرس جمالا وأبهاها طبيعة وأقواها تحصينا
وحولها سور كبير عالٍ يحيط بها إحاطة السور بالمعصم قال المؤرخون عنه :
إن أول واعظم سور بني على ظهر الأرض وقد حفر الهرمزان حول السور خندقاً عظيما يتعذر اجتيازه وعسكرة جيوش المسلمين حول الخندق وظلت ثمانية عشر شهرا لا تستطيع اجتيازه
وخاضت مع جيوش الفرس خلال تلك المدة الطويلة ثمانين معركة
وفي آخر معركة من تلك المعارك الثمانين حمل المسلمون على عدوهم حملة باسلة صادقة فأخلى الفرس لهم الجسور المنصوبة فوق الخندق ولاذوا بالمدينة واغلقوا عليهم أبواب حصنها المنيع
وانتقل المسلمون بعد هذا الصبر الطويل من حال سيئة إلى أخرى أشد سوءا فقد أخذ الفرس يمطرون من أعالي الأبراج بسهامهم الصائبة .
اشتد الكرب على المسلمين وأخذوا يسألون الله بقلوب ضارعة خاشعة أن يفرج عنهم وينصرهم على عدوه وعدوهم .
وجاء دور المهمة الصعبة إنها المهمة التي تذيب الجبال وتكسر قلوب الرجال عندما أخبر أبا موسى الأشعري رجل من الفرس عن النفق الذي تحت الأرض يصل بين النهر والمدينة
وكلف أبو موسى الأشعري هذه المهمة الصعبة للبطل الباسل مجزأة بن ثور ومضى مع دليله الفارسي تحت جنح الظلام فكان النفق يتسع تارة حتى يتمكن الخوض في مائة وهو ماش على قدميه ويضيق تارة أخرى حتى يحمله على السباحة حملا وكان يتشعب ويتعرج مرة ويستقيم مرة ثانية ..
وهكذا حتى بلغ به المنفذ الذي ينفذ منه إلى المدينة ثم عاد من حيث جاء قبل بزوغ الفجر .
وقد أعد أبو موسى ثلاثمائة من أشجع جند المسلمين قلباً وأشدهم جلدا وصبرا وأقدرهم على العوم وأمر عليهم مجزأة بن ثور وجعل التكبير علامة على دعوة جند المسلمين لاقتحام المدينة
ظل مجزأة بن ثور وجنده البواسل نحوا من ساعتين يصارعون عقبات هذا النفق الخطير فيصرعونها تارة وتصرعهم تارة أخرى.
ولما بلغوا المنفذ المؤدي إلى المدينة وجد مجزأة أن النفق قد ابتلع مائتين وعشرين رجلا من رجاله وأبقى له ثمانين .
وما إن وطئت أقدام مجزأة وصحبه أرض المدينة حتى جردوا سيوفهم وأنقضوا على حماة الحصن وأغمدوها في صدورهم ثم وثبوا على الأبواب وفتحوها وهم يكبرون فتلاقى تكبيرهم من الداخل مع تكبير إخوانهم من الخارج وتدفق المسلمون على المدينة عند الفجر .
ودارت بينهم وبين أعداء الله رحى معركة ضروس قلما شهد تاريخ الحروب مثلها هولا ورهبة وكثرة في القتلى
وخر البطل الكمي الباسل مجزأة بن ثور صريعا وعينه قريرة بما حقق الله على يديه من النصر والفتح المبين
الله أكبر إنها النفوس الأبية ماضرهم أن تذهب نفس في سبيل الله لكي تحيا نفوس وتفتح مدن وتعلى كلمة الله وتكسر شوكة الشيطان..
هم الرجال وعيب لمن لم *** يتصف بمثلهم أن يقال رجل
هكذا الرجال *** ذكوان بن عبد قيس
بعد غزوة بدر العظيمة عاد النبي
وأصحابه إلى المدينة المنورة وفي الطريق أدركهم غروب الشمس فنزل بهم رسول الله
في وادٍ يسمى ( وادي الأثيل ) وبعد أن وضع الصحابة رحالهم وجلسوا على الأرض وقد أصابهم التعب الشديد أراد النبي
أن يختار رجلا لكي يحرسهم في الليل فقال عليه الصلاة والسلام من رجل يحفظنا الليلة ؟
إنها مهمة من المهمات الصعبة التي لا تلقى إلا على أكتاف الرجال
عندما قال
من يحفظنا الليلة فقام رجل فقال له النبي صلى الله عليه سلم من أنت قال ذكوان بن عبد القيس فقال : اجلس .
ثم عاد النبي
السؤال مرة أخرى فقام رجل فقال النبي
من أنت ؟ قال ابن عبد قيس وبعد قليل قام رجل فسأله النبي
من أنت ؟ قال أبو سَبُع ثم جلس وبعد قليل قال النبي
قوموا ثلاثتكم .
فقام ذكوان بن عبد قيس وحده فقال النبي
فأين صاحباك ؟ فقال ذكوان
يا رسول الله أنا الذي أجبتك الليلة وحدي .
فدعا له النبي
وقال (حفظك الله ) فأين أصحاب الهمم وأين الفدائيون لهذا الدين وأين من يحمل على عاتقيه المهمات الصعبة ليرفع الأمة ..