

قَالتْ يا أبتِ اسمعْني *** هل تأذَنُ لي بِنقود؟
ابتَاعُ شَيئاً يَلزَمُني*** ستراهُ حين أعُود
أسِرَّاً أخفيتي عنِّي*** لأحَارَ وراءَ المقصُود؟
لا بأسَ وماذا يَمنعُني؟*** فَتمَنَّي يا بِدْءَ العُنقُود
وفُضولٌ ظلَّ يُراوِدُني*** فتَناهى النظَرُ لِشُرُود !
وأفَقتُ لِصَوتٍ هامَسَني *** مِن خلفِ نِقابٍ مَسدُود
أسألُكَ باللهِ أتَعرِفُني*** أم غابتْ عَنكَ رُدود؟
فأجَبتُ وقد دمعَتْ عيْني *** أوَيخفى أولُ مَولود؟
أوَلستِ بِحَديثةِ سِنِّ *** أوَمرَّت أيَّامُ وعُقود؟
كأنِّي ما زلتُ كأنِّي *** أحمِلُكِ والأهلُ رُقود

قَالتْ لا تعجَبْ للزَّمنِ *** خَدَّاعٌ يُوهِمُ بِجُمُود !
وأقبَلَ ذُو وُدٍّ هَنَّئني *** وتزيَّلَ كلُّ لدُود
غَمزُونا بِحديثٍ أدهَشني *** قَالوا بلِسانِ حقود
صَحْراءُ مدَّت للوَطنِ *** وبَعْثٌ من عادٍ وثَمود
فِكرٌ يَعصِفُ بالذِّهنِ *** وعَقلٌ من صخرٍ جُلمُود
أين الحُرِّية في الُمدُنِ *** وحقُّ إنسانٍ وعُهُود؟
لو حَكَمُوا بالشرعِ المَعنِي *** لأُقيمَت فِينا حُدُود
قَانونٌ من فقهِ المُغنِي*** نَأبَاهُ حَتمَاً بِصُدُود]
من يُذعِنْ مِنكَ أو مِنِّي *** مَقطُوعٌ مَرجُومٌ مَجلُود !
وتَناجَوا بكلامٍ أزعَجَني *** قَالوا غِربانٌ سُود
ونِقابٌ يَذهَبُ بالحُسنِ *** وبَريقٌ يَرْدَى لِخُمُود
أزياءٌ أشبَهُ بالكَفَنِ *** تَشتَاقُ لضَمَّتِها لُحُود
وخِيامٌ تَبدو كالسِّجنِ *** الداخِلُ فيها مَفقُود !

سَدَدْتُ الأنفَ مِن العَطَنِ *** لأُفَنِّدَ في الزَّعمِ المَسرُود
فَهَتَفَتْ يا أبتِ دَعْني*** فَالرَّدُّ عِندي مَوجُود
لِسانُ الحَقِّ سَيُنطِقُني *** ولِسانُ الباطلِ مَعقُود
ذَرْني يا أبتِ ذَرْني *** أسْخَرُ مِنهم بِبُرود
أضْحَكْتُم حَقَّاً سِنِّي *** بفيلمٍ مِن صُنعِ هُنود
كُلٌ بالكَذِبِ يُغَنِّي *** ويَعزِفُ أوتاراً بالعُود
تَعرِفُهم في القَولِ بِلحنِ ***يُنبِئُ بنِفَاقٍ مَشهُود
مَا خَيَّبتُم ظَنِّي *** بِغَبَاءٍ فِيكم مَعهُود
من لا يُعْجِبُه شَأني *** فَليَصدِمْ رَأسَاً بِعَمُود
إن كان سَفِيهٌ آسَفَني*** فَقَد جَّاءَ لِتَهْنِئتي وُفُود

بإسْلامي أفخَرُ لا أحنِي *** الرَّأسَ إلاَّ لِسُجُود
بِنهْجِ السَّلَفِ المُؤتَمَنِ *** نَحيَا لليومِ المَوعُود
أسْدَلتُ سِدَالاً يَستُرُني *** بأمرِ اللهِ المعبُود
أشبَهَ للأعيُنِ بالجِّفنِ *** يُنَافِحُ عَنها ويَزُود
يَدفَعُ خَائِنةَ العَينِ *** ولِحَاظاً تَنهشُ كأسُود
في دُنيا حُفَّتْ بالفِتَنِ *** آخِرُها أجَلٌ مَعْدُود
العاقِلُ فيها من يَبنِي *** للأُخرَى دَارَ خُلُود
والعاجِزُ تَعصِي بالبَدَنِ *** غَافِلةً عن نَخْرِ الدُّود
يا دارٌ ليسَت للسَّكَنِ*** في الجَنَّةِ ظِلٌّ مَمدُود
سَأعَضُّ اليَومَ على السُّنَنِ *** بنَواجِذَ كالصَّخرِ المَنضُود
قُرْبَى لإلهي ذِي المِنَنِ *** فَتَقَبَّلْ مِنِّي ذا الجُود

فَقَليلٌ مِنكَ يُسعِدُني *** والعَفوُ مِنكَ مَنشُود
أفْحمْتِ الخِصمَ ذاالإحَنِ *** دَحَضتِ الزَّعمَ المَنْقود
من نُّشِّئَ في الحِليةِ شرَّفَني *** وكَفاني ذَاكَ المَجهُود
فَكَتبْتُ كتَاباً للضَّغِنِ *** قُلتُ لِذي الأفقِ المَحدُود
آياتُالله في الكونِ *** تُوحِي بِحيَاءٍمَحمُود
أغَنَامٌ تَتغطّى بالعِهْنِ *** أنْعامٌ تَتوَارى بِجلُود
والوَرَقُ تَدَلَّى للغُصْنِ *** لِتَنمُو في الدِّفءِ وُرُود
إنْ لم تدرِك ما أعنِي *** سَأقودَ الأمثالَ أقود
الحَلوَى المَكشوفَةُ فيالصَّحْنِ *** يَغشَاها ذُبابٌ بِحُشُود
إن عُرِضَت للنَّاسِ بلاثَمَنِ *** نَبذُوها كالشَّيئِ المَزهُود
واللُّؤلؤُ في الصَّدَفِ المُحْتَضِنِ *** دُرٌّ للصفْوةِ مَرصود
ونَصَحتُ لمن يَنقِل عنِّي*** أنْ يُعنَى بالمَعنَى المَحصُود
فَتَنَبَّهْ ذَا العَقلِ الفَطِنِ *** لِسُمُومٍ يَنفُثُها جَحُود

وَأبشِرْ مِن بَعدِالمِحَنِ *** شَرْعُ اللهِ سَيسُود
يا سارّةَ قَلبِي إنِّي ***فَخورٌ بالسَّمتِ المَحمُود
وثَنائي عَانقَ للمُزْنِ***فَسَالا بالعَنبرِ والعود
لِقَلبٍ أبيضَ كاللَّبنِ*** فَامتزجَ بِشهدٍ مَشهُود
بَنِيَّ لِتدْنومِنِّي*** أُوصي كلاً بِعهُود
سارَّةُ ومُصْطفَى مِنِّي*** ومَرْيمُ وعَبدُ اللهِ الودُود
سَتَبقَى الطِّفْلَ بِعَينِي*** مهمَا اشتدَّ العود
إنْ جِئتَ بِيومٍتَسألُنِي *** أُجِبتَ ولَسْتَ بِمرْدُود
يَحْبُوكَ أبُوكَ بلا منِّ *** ويَجودُ بالعُمرِ يَجودُ
فَأعِرْنِي للعيْنِ وللأُذُنِ *** فَأملِي فيكَ مَعقُود
اخْشعْ في السِّرِّ كَمَاالعَلَنِ *** وتَوَدَّدْ فاللَّهُ ودود
وأعِدَّ لِيومٍ ذِيشَجَنِ *** الفَائِزُ فِيه مَسعُود
النَّاجِي فيه مِنالحَزَنِ *** يَنْعمُ في سِدْرٍ مَخضُود
وبِلذَّةِ نَظَرٍ يا إبنِي *** لِوَجهِالرَّبِّ المَعبُود
فَاجْمعْنا بِنَبينَا في عَدْنِ *** وبَنِينَا يا ذَا الجود
وأزوَاجٍ والإخوَةِتَثْنِي *** وآباءٍ سَبقَتْ وَجُدُود

المصدر : صيد الفوائد
كم أعجبتني فقمت بنقلها