وربما كانت الأمثلة على استخدام الحروف متوافقة مع معانٍ تؤديها هي خير دليل على ذلك .
فمن المعروف أن أصل الكلمة
العربية هي صيغة الفعل الماضي الثلاثي
مثل : أكل ، شرب ، ضرب ، زرع . ثم يتم اشتقاق الصيغ الأخرى من ذلك .
ولو أخذنا حرفين من الفعل الماضي الثلاثي لوجدناهما يؤديان معنى واحداً ثابتاً ،
ثم حين نضيف الحرف الثالث فإنه يحدد ماهية وكيفية هذا المعنى الثابت ،
وكمثال على ذلك نذكر الحرفين فاء وراء حيث نجدهما يحملان دائماً معنى التباعد
وحين نضيف إليهما حرفاً ثالثاً مختلفاً في كل مرة
فإن الحرف الثالث هذا هو الذي يحدد كيفية التباعد الذي هو أصل المعنى لاجتماع الفاء بالراء ،
ولو أخذت الحرفين ش ، ع وأضفت ثالثاً مختلفاً في كل مرة
لوجدت معنى متقارباً دائماً لأشياء دقيقة تجمعت معا لتصبح شيئاً واحداً كبيراً
في مثل الشَّعر والشِّعر والشَّعب وشعاب الجبل وأشعة الشمس وشَعث الشَّعر .
ولو أخذت الحرفين ق ، ذ وأضفت ثالثاً مختلفاً
لأعطوك معاني لأشياء مذمومة
مثل القذح ( الشتم ) والقذر والقذع ( الفاحش من السباب ) والقذف والقذى .
ولو أخذت الحرفين ك ، ث وأضفت ثالثاً لوجدت معنى الكثرة
في مثل كث الشعر والكثافة والكثرة والكثل ( الجمع ) والوعاء الأكثم ( المملوء ) وكثبان الرمل .
ورغم أن بعض المعاني دقيق ويحتاج الى تصوّر عميق أحياناً ،
ولكنها جميعاً لا تخرج عن نطاق المعنى المستقل لاجتماع حرفين معاً
ويقوم الحرف الثالث بتحديد الكيفية التي يكون عليها هذا المعنى ،
وأظن أن هذا النظام العجيب غير متوافر في لغات العالم الحية ،
وأن اللغة العربية تمتاز به عن سائر اللغات ،
فهل يعقل أن يكون العرب القدماء قد توافقوا على هذا النظام العجيب ؟