·
رَبَّاهُ مَا طعمُ الكرَامَةِ والسِّيادةِ والظفَرْ؟
مَا لوْنُ أيَّامِ السَّعادةِ والأمَانِ فقدْ غَبَرْ؟
يَتَحَدَّثُونَ بَأنَّها مِيْرَاثُ أُمَّتِنا الأَغَرْ
يَتَسَامَرُونَ بِسَرْدِها شِبْهَ التَناجِي فيْ السَّمَرْ
مِثْلَ الأَسَاطِيْرِ الخَوَاليْ لا يُسَاوِرُها الضَّجَرْ
يَرْووْنَ أنَّ جُدُودَنا كَانُوا فَخَاراً للبِشَرْ
كُانُوا غُزَاةً أهلَ حَقٍّ لم يُوَالوا مَنْ كَفَرْ
سَادُوا بِعِزَّةَ دِيْنِنَا ، نُورٌ تَمَدَّدَ وَانتَشَرْ
مَجْدٌ أَضَاءَ الأَرْضَ فَانْشَرَحَتْ بِأضَواءِ القَمَرْ
وَالشَّمْسُ تَحْمِلُ دِفأَهُ عِنْدَ الغُرُوبِ وَفِيْ السَّحَرْ
تُلقِيْ مَدَارَ اليَوْمِ آياتٍ بِهَا الكُفْرُ انْحَسَرْ
يَرْوُونَ أنَّ وُلاتَنَا شَقُّوا لَنا دَرْبَ الظَّفَرْ
كُنَّا بُنَاةً لِلحَضَارَةِ بالجَدَارَةِ وَالفِكَرْ
كُنَّا حُمَاةً لِلعَدَالَةِ لا نُحَابِيْ مَنْ ظَهَرْ
وَبِأَنَّنَا كُنَّا كِرَاماً فِيْ البَدَاوَةِ وَالحَضَرْ
وَبِأَنَّنَا كُنَّا نَبِيْتُ وَلا يُدَاهِمُنَا الخَطَرْ
فِيْ سِرْبِنَا أَوْ حَيِّنَا ، فِيْ حِلِّنا أَوْ فِيْ السَّفَرْ
وَأَمِيْرُنَا المُخْتَارُ يَفْتَرِشُ الثَّرَىْ تَحْتَ الشَّجَرْ
يَرْعَىْ الرَّعِيَّةَ مُخْلِصاً لا كِبْرِياءَ وَلا بَطَرْ
وَيُوَزِّعُ الأَفْياءَ عَدْلاً وَالعَطَايا وَالثَّمَرْ
مَا خَاضَ فِيْ مَالِ الغَنَائِمِ وَالزَّكَاةِ وَمَا عَشَرْ
وَيَقُوْلُ لَوْ شَاةٌ تَرَدَّتْ أَوْ إِذَا بَغْلٌ عَثَرْ
لَخَشِيْتُ أُسْأَلُ: كَيْفَ تَتْرُكُهَا فَتَعْثَرَ يَا عُمَرْ؟
يَرْوُوْنَ أَنَّ جُيُوْشَنَا دَحَرَتْ هِرَقْلَ إِلىْ المَفَرّْ
أَنَّا انْتَصَرْنا فِيْ الحُرُوْبِ عَلىَ الفِرَنْجَةِ وَالتَّتَرْ
وَبِأَنَّنَا الجَيْشُ الذِيْ سَبَقَ المَسَافَةَ وَالأَثَرْ
وَخُيُوْلُنَا تَغْدُوْ وَتَعْدُوْ فِيْ الوَغَىْ كَرّاً وَفَرّْ
قَدَحَتْ سَنَابِكُهَا عَلىْ صَخْرِ الجَهَالَةِ بِالشَّرَرْ
فَأَضَاءَتِ الأَمْصَارُ نُوْراً كَالصَّبَاحِ إِذَا انْفَجَرْ
وَالبَرُّ تَحْفَظُهُ العَسَاكِرُ وَالثُّغُوْرُ لَهُمْ مَقَرّْ
وَالبَحْرُ تَحْمِيْهِ الأَسَاطِيْلُ العَظِيْمَةُ وَالخَفَرْ
فِيْ الشَّرْقِ أَوْ فِيْ الغَرْبِ سَارَتْ حَيْثُمَا حَطَّ البَصَرْ
حَتَّى بَلَغْنَا الشَّرْقَ وَالشَّعْبَ الذِّيْ عَبَدَ البَقَرْ
وَالصِّيْنُ تُرْسِلُ لِلأَمِيْرِ تُرَابَها حَتَّىْ يَبَرّْ
وَجُنُوْدُنا غَرْباً عَلىْ أَسْوَارِ فِيْنا كَالزُّمَرْ
وَحَوَاضِرُ الوَادِيْ الكَبِيْرِ شُهُوْدُ تَصْدِيْقِ الخَبَرْ
قَالُوا بِأَنَّ رِجَالَنَا كَانُوا هُدَاةً لِلْبَشَرْ
حَمَلُوا عَقِيْدَتَهُمْ مَنَاراً لِلأَوَائِلِ وَالأُخَرْ
وَالعِلْمُ يَسْعَىْ بَيْنَهُمْ نُوْرٌ بِهِ الجَهْلُ انْدَحَرْ
نَصَحُوا وُلاةَ الأَمْرِ صِدْقاً لمَ يُحَابُوا مَنْ غَدَرْ
حَتَّىْ رَأَيْنَا العَدْلَ سُلطاناً يُقَوِّمُ مَنْ خَتَرْ
وَيَرُدُّهُ لِلْحَقِّ وَالدِّيْنِ السَّوِيِّ المُعْتَبَرْ
وَنِسَاؤُنَا يَرْفُلْنَ بِالسِّتْرِ المُدَلَّلِ كَالدُّرَرْ
مَكْنُوْنَةٌ فِيْ الحِفْظِ عِرْضاً لا يُهَانُ وَلا يُضَرّْ
شَرَفاً مَصُوناً دُوْنَهُ حَدُّ السُّيُوفِ إِذَا انْهَتَرْ
يَأْمَنَّ مِنْ خَطَرِ الطَّرِيْقِ وَقَدْ خَرَجْنَ عَلَىْ خَفَرْ
فَوَلَدْنَ أَجْيَالاً تَوَشَّحَتِ الشَّهَامَةَ مُؤْتَزَرْ
وَشَبَابُنَا نَشَأُوْا عَلَى فَهْمِ الشَّرِيْعَةِ فِيْ الصِّغَرْ
فَتَحَلَّقُوْا لِلدَّرْسِ مِنْ حَوْلِ الإِمَامِ بِلا ضَجَرْ
يَتْلُوْنَ آيَاتِ الكِتَابِ وَيَحْفَظُوْنَ مِنَ السُّوَرْ
وَتَرىْ المَسَاجِدَ زَاخِرَاتٍ بِالعُلُوْمِ وَبِالعِبَرْ
فَأَظَلَّتِ النِّعَمُ البِلادَ وَفَاضَ خَيْرٌ وَانْهَمَرْ
كَتَبُوْا لَنَا التَّارِيْخَ أَمْجَاداً بِأَنْوَارِ القَمَرْ
كَالتَّاجِ مِنْ مَاسٍ عَلىْ هَامَاتِ أرْبَابِ السِّيَرْ
وَمَفَاخِراً كَالمِسْكِ تَعْبِقُ عِبْرَ سَاعَاتِ السَّحَرْ
رَبَّاهُ أَيْنَ اليَوْمَ مِنَّا مَا عَرَضْتُ مِنَ الصُّوَرْ
صَارَتْ حُرُوْفاً فِيْ صِحَافٍ لا يُرَىْ مِنْها الأَثَرْ
لا.. بَلْ نَقِيْضاً بَاهِتاً لا لَوْنَ فِيهِ سِوَىْ الكَدَرْ
وَمَذَاقُها مُرٌّ كَجُرْعَةِ عَلْقَمٍ ، لا .. بَلْ أَمَرّْ
وَيْحَاهُ مَا ليَ لا أَرىْ إِلا التَّعَاسَةَ وَالذُّعَرْ
وَيْلاهُ مَا هَذا الشَّقَاءُ أَطاحَنا فِيْ المُنْحَدَرْ
وَاليَوْمَ نَلتَمِسُ الطَّريْقَ فَلا نَرىْ غَيْرَ الحُفَرْ
وَإِذَا شَكَوْنَا لِلوَزِيْرِ يَقُوْلُ: "مَنْ بَثَّ الخَبَرْ"؟!
مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ عَلا ظُلْمٌ وَفِيْ الأَرْضِ انْتَشَرْ
وَأَحَاطَنا قَهْرٌ تَلَفَّحَ بِالسَّوَادِ وَبِالغَبَرْ
لا الدِّيْنُ يُحْفَظُ أَو بَنو الإِنْسَانِ أَو حَتَّىْ الشَّجَرْ
وَرَئِيْسُنا المِغْوَارُ يَفْتَرِشُ الحَرِيْرَ وَقَدْ فَجَرْ
يَبْنيْ القُصُوْرَ وَيُنْفِقُ الأَمْوالَ فِي لَيْلِ السَّمَرْ
وَعَلىْ صُدُوْرِ الغَانِيَاتِ وَوَقْعِ أنْغَامِ الوَتَرْ
وَيَقُوْلُ لا تُرْخُوا الحِزَامَ بَلِ ارْبِطُوهُ عَلىْ الحَجَرْ
وَالنَّاسُ جَوْعَىْ لا مَلاذَ يَضُمُّهُمْ أَوْ مُسْتَقَرْ
مِلْيَارُ مَحْرُوْمٍ يَعِيْشُ بِلا إِوَاءٍ أَو وَزَرْ
تَاهُوْا عَنِ الدَّرْبِ السَّوَيِّ وَسَادَ فِيْهِمْ مَنْ فَجَرْ
هَتَكَ العُلوْجُ ذِمَارَنا وَأَقَرَّهُمْ فِيْ المُؤْتَمَرْ
فَاجْتَاحَنا بِدَمَارِهِ وَبِكُلِّ شَرٍّ مُبْتَكَرْ
وَمَليْكُنَا الخَوَّارُ يُعْطِيهِ الأَمَانَ بِلا نَظَرْ
يَبْنِيْ القَوَاعِدَ فِيْ الرِّياضِ وَفِيْ عَسِيْرٍ وَالخُبَرْ
وَجُنُودُهُ عَاثُوا فَسَاداً فِيْ الكُوَيْتِ وَفِيْ قَطَرْ
وَأقَامَ فِيْ أرْضِ الجَزِيْرَةِ حَفْلَةً حِيْنَ انْتَصَرْ
وَبِلادُنا أَلْفَتْ بَوَاحاً لِلعُلوْجِ وَمُتَّجَرْ
أَرْواحُنا وَدِمَاؤُنا صَارَتْ بِلا ثَأْرٍ هَدَرْ
وَنِسَاؤُنا رَهْنُ السُّجُونِ بِقَبْضَةِ الكَلْبِ اَلأَعَرّْ
يَلهُو بِهِنَّ وَعِرْضِهِنَّ عَلىْ هَواهُ إذا بَسَرْ
وَذُكُوْرُنا رَهْنُ الرَدَىْ نَحَتُوا قُلُوباً مِنْ حَجَرْ
وَجُنُوْدُنا يَسْتَعْرِضُوْنَ وَيَهْتِفُوْنَ لِمَنْ ظَهَرْ
لا يَسْمَعُونَ وَلا يَعُوْنَ وَلا يُهَزُّ لَهُمْ شَعَرْ
ضَاعَتْ كَرَامَتُهُمْ وَمَاتَ العِزُّ فِيْهِمْ وَانْقَبَرْ
وَزَعِيْمُهُمْ خَوَلٌ تَخَنَّثَ بَلْ تَشَبَّهَ بِالذَّكَرْ
لَوْ كَانَ يَدْرِيْ مَا الإِبَاءُ لَكَانَ لِلعِرْضِ انْتَصَرْ
وَشَبابُنَا ضَلُّوْا عَلىْ سُبُلِ الخَدِيْعَةِ وَالغَرَرْ
يَتَحَسَّسُونَ ضَيَاعَهُمْ بَيْنَ المَهَالِكِ والخَطَرْ
لاهُوْنَ فِيْ التُّرُهَاتِ مِنْ طَرَبٍ عَلىْ ضَرْبِ الوَتَرْ
يَتَهَافَتُوْنَ عَلىْ المُخَدِّرِ وَالحَشِيْشَةِ وَالإِبَرْ
مِثْلَ الخِرَافِ يَسُوْقُهُمْ لِلذَبْحِ جَزَّارٌ أَشِرْ
غَفُلُوْا عَنِ الحَقِّ المُبِيْنِ فَضَلَّ عَنْهُمْ وَانْحَسَرْ
فَتَمَكَّنَ الأَعْدَاءُ مِنْهُمْ حِيْنَما الجَهْلُ انْتَشَرْ
وَمِنَ الظَّواهِرِ أَنْ تَرىْ فَاهَ السَّفِيْهِ إِذَا فَغَرْ
لِيَقولَ مَدْحاً لِلوَزِيْرِ وَللرَئِيْسِ المُفْتَخَرْ
مُتَمَنِّياً طُوْلَ البَقَاءِ ، وَبِالدُّعاءِ لَهُ جَأَرْ
فَيَنَالَ حَظّاً وَافِراً وَهُوَ الفَقِيْهُ المُعْتَبَرْ
وَإِذا سَأَلْتَ عَنِ الحَرامِ يَقُوْلُ: لا نَرْضىْ الضَرَرْ
وَإِذا سَأَلْتَ عَنِ الجِهَادِ يُجِيْدُ تَلْفِيْقَ السُّوَرْ
فَالدِّيْنُ يَدْعُو لِلسَّلامِ وَلِلحِوارِ بِمُؤْتَمَرْ
لا سَيْفَ فِيْهِ وَلا قِتالَ بِذاكَ "رَبِّيْ" قَدْ أَمَرْ
لَولا قَلِيلٌ مِنْ حَياءٍ ، قَالَ صُوْمُوا فِيْ صَفَرْ
يَا حَسْرَتِيْ .. يَا لَوْعَتيْ .. فَالدَّمْعُ مِنْ عَيْنِيْ قَطَرْ
مِنْ حَالِ أُمَّتِنا التيْ كَانَتْ مَنَاراً لِلْبَشَرْ
رَبَّاهُ مَا كَانَ اعْتِراضاً أَوْ جُحُوداً بِالقَدَرْ
لَكِنَّها أَصْداءُ قَلْبٍ فَاضَ شَوْقاً فَانْفَجَرْ
مَا زَالَ يَنْبِضُ بِاليَقِيْنِ وَبِالحَقِيْقَةِ قَدْ أَقَرّْ
هِيَ سُنَّةٌ أَيْقَنْتُها ، لِلدَّهْرِ يَا قَلبِيْ غِيَرْ
وَغَداً سَنَعْلَمُ مَا مَذَاقُ النَّصْرِ ، مَا طَعْمُ الظَّفَرْ
سَنُعِيْدُ أَلوَانَ السَّعَادَةِ مِثْلَما الصُّبْحُ انْفَطَرْ
وَنُجَدِّدُ الدُّنْيا كَمَا كَانَتْ بِأَنْغَامِ السَّحَرْ
وَنَرُدُّ لِلكَوْنِ المُلَوَّثِ صَفْوُهُ بَعْدَ الكَدَرْ
فَتَفِيْضُ بِالخَيْرِ السَّمَاءُ وَبِالبِشَارَةِ وَالمَطَرْ
هَذَا جَزَاءُ العَامِليْنَ بِهِ يُكَلَّلُ مَنْ صَبَرْ
وَعَطَاءُ رَبِّ العَالمَيْنَ هِيَ الجِنَانُ لِمَنْ شَكَرْ
وَقُلْ اعْمَلُوْا وَتَيَقْنُوْا .. فَلَسَوْفَ يَحْصِدُ مَنْ بَذَرْ