عرض مشاركة واحدة
قديم 10-03-12, 07:12 PM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
تألق
اللقب:
عضو
الرتبة


البيانات
التسجيل: Apr 2011
العضوية: 2735
المشاركات: 6,427 [+]
الجنس: انثى
المذهب: سني
بمعدل : 1.26 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 33
نقاط التقييم: 729
تألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدعتألق مبدع

الإتصالات
الحالة:
تألق غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : تألق المنتدى : بيت الـلـغـة العــربـيـة
افتراضي

فالعربية إذًا وسيلةٌ من وسائلِ الاهتداء إلى بعضِ الأحكام الفقهية من نصوصِ الشريعة، وقد نبَّه العلماءُ الأوائل على هذه الأهميةِ في استنباط الأحكامِ الشرعية، ومن هؤلاء على سبيل المثال:
1- القرافي (ت 682 هـ) في كتابِه "الاستغناء في أحكام الاستثناء".
2- الإسنوي (ت 772 هـ) في كتابِه "الكوكب الدري".
3- أبو بكر محمد بن عبدالله؛ المعروف بابنِ العربي، صاحب كتاب "أحكام القرآن الكريم".
4- القرطبي في تفسيره؛ حيث إنه كثيرًا ما يعبِّرُ في الردِّ على بعض الأقوال بقوله: "وهذا كلُّه جَهْلٌ باللسانِ والسنة ومخالفة لإجماع الأمة"[77].

ولا أدلَّ على ذلك من جَعْل النحو أحد ثلاثة مصادر منها استمداد أصول الفقه، وهذه المصادر: علم الكلام، وعلم العربية، والأحكام الشرعية، بل إنَّ تحديدَ الدلالةِ اللفظية قد يتوقَّفُ عليها تقرير الحكم الشرعي؛ لأنَّ الأسلوبَ العربي في لغةِ القرآن الكريم يتميَّزُ بالتصرفِ في فنون القول، وتكثر فيه الألفاظُ التي تمثل أكثر من معنى، ومن ذلك على سبيلِ المثال:
1- لفظة (اللَّمس) الواردة في قولِه - تعالى -: ﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ [النساء: 43]، فمن الفقهاءِ من حدَّدَ معنى (اللمس) بالاتصالِ بالمرأة، ومنهم من حدَّده بمعنى المسِّ فقط.

2- ومن ذلك أيضًا ما ورد في حديثِ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أسرعكنَّ لحاقًا بي أطولكنَّ يدًا))[78]، قاله لنسائه، فحسبْنه من الطولِ الذي هو ضد القصر، فظنت سَوْدة إحدى زوجاته أنَّها المرادة، فلما ماتت زينب - نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةا - قبلها، علمْنَ حينئذٍ أنَّ المراد بالطولِ هو الفضل والكرم، وكانت زينبُ أكثرهنَّ صدقة، وهذا يوافق كلامَ العرب؛ فهم يقولون: فلان أطول يدًا، في حالةِ الكرم[79].

وقد فطنَ بعضُ العلماء إلى أهمية تلك المعرفة؛ ومنهم الراغب الأصفهاني (ت552 هـ) في كتابه "المفردات في غريب القرآن"؛ حيث تناولَ في هذا الكتابِ التحديدَ الدقيق بين دلالاتِ الألفاظ في القرآن الكريم، وكذلك فعل الزمخشري في كتابه "أساس البلاغة"؛ حيث وضَّحَ الاستعمالاتِ المختلفةَ للفظ، وما يضيفه الاستعمالُ من دلالةٍ حقيقية أو مجازية، كما فطن إلى ذلك أيضًا الإمامُ الشافعي - رحمه الله - في كتابه "الرسالة"[80]، وذكر ابن السيد البطليوسي في كتابه "التنبيه على الأسبابِ التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين"[81] أنَّ الإعرابَ له تأثير بيِّنٌ في الأحكامِ الفقهية وتوجيهها؛ فالمعاني تختلفُ باختلافِ وجوه الإعراب، ويختلف الحكم تبعًا لذلك؛ وعلى سبيل المثال:
لو قال شخصٌ: له عندي مائةٌ غيرُ درهم، برفع (غير) لكان مقرًّا بالمائةِ كاملة؛ لأنَّ غير هنا صفة للمائة، وصفتها لا تنقص شيئًا منها[82]، ولو قال: له عندي مائةٌ غيرَ درهم، بنصب (غير) لكان مقرًّا بتسعةٍ وتسعين درهمًا؛ لأنه استثناء، والاستثناء إخراجُ ما بعد حرف الاستثناء من أن يتناولَ ما قبله.

ولو قال لزوجتِه: أنت طالق إن دَخَلْتِ الدار، بكسر همزة (إن)، لم تطلق حتى تدخلَ الدَّار؛ لأنَّ (إن) للشرط، ولو قال: أنت طالق أن دَخَلْتِ الدار، بفتح همزة (أن)، وقع الطلاق في الحال؛ لأن معنى الكلام: أنت طالقٌ لأن دخلت الدار؛ أي: من أجلِ أنك دخلتِ الدار؛ فصار دخولُ الدارِ علة طلاقها، لا شرطًا في وقوعِ طلاقها[83].

بل إنَّ الحكم يختلف باختلافِ تصاريف الكلمة؛ فلو أنَّ رجلاً حلف ألا يلبسَ مما غزلته فلانة، فلا يحنثُ إلا بما غزلته قبل اليمين، ولو قال: مما تغزله فلا يحنثُ إلا بالذي تغزله بعد اليمين، فلو قال: من غَزْلِها دخل فيه الماضي والمستقبل[84].

مميزات اللغة وخصائصها:
اللغةُ العربية ذات ميزات عديدة، فهي أوسعُ اللغات وأصلحها؛ في جمع معانٍ، وإيجازِ عبارة، وسهولةِ جريٍ على اللسان، وجمالِ وقْعٍ في الأسماع، وسرعةِ حفظ.

ومن مميزات لغتنا الجميلة ما يلي:
1- سعة اللغة العربية:
مفرداتها وفيرة، وكلُّ مرادفٍ ذو دلالة جديدة، فالأسدُ له أسماء كثيرة لكلِّ واحد منها معنى يختصُّ به، وللناقةِ كذلك، وما من حيوان أو جماد أو نبات إلا وله الكثير من الأسماءِ والصفات، مما يدلُّ على غنى هذه اللغةِ الرائعة، ولأنواعِ الحزن والترح والأسى معانٍ متعددة، ولليوم الآخر - على سبيل المثال - أكثر من ثمانين اسمًا، عددها ابنُ قيم الجوزية - رحمه الله - في مدارج السالكين، لكلٍّ منها سبب ومعنى يختصُّ به، وهذا ما لا نجدُه في أكثر اللغات الأخرى.

قال الإمام الشافعي - رحمه الله -: "لسانُ العربِ أوسع الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيط بجميعِ علمه إنسانٌ غير نبي، ولكنَّه لا يذهبُ منه شيء على عامَّتها، حتى لا يكونَ موجودًا فيها مَنْ يعرِفه، والعلمُ به عند العربِ كالعِلم بالسُّنة عند أهلِ الفقه، لا نعلم رجلاً جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء، فإذا جمع علم عامة أهل العلم بها أتى على السُّنن، وإذا فُرّق عِلْم كلِّ واحد منهم، ذهب عليه الشيءُ منها"[85].

وأكثر مواد اللغة العربية غير مستعملة، وكثيرٌ منه غير معروف؛ قال الكسائي: "قد دَرَس من كلامِ العرب كثير"[86]، وقال أبو عمرو بن العلاء: "ما انتهى إليكم مما قالت العربُ إلا أقله، ولو جاءكم وافرًا، لجاءكم علمٌ وشعر كثير"[87]، وذكر الزبيدي في مختصر "العين" أنَّ عدةَ مستعمَلِ الكلامِ كله ومهمله ستة آلاف ألف وتسعة وخمسون ألفًا وأربعمائة (6059400)؛ والمستعملُ منها خمسةُ آلافٍ وستمائة وعشرون (5620)، والمهمل ستة آلاف ألف وستمائة ألف وثلاثة وتسعون (6600093).

وذكر عبدالغفور عطار أنَّ المستعملَ في العربية في عصرِنا الحاضر لا يكادُ يزيد على عشرةِ آلاف مادة، مع أنَّ "الصِّحاحَ" للجوهري يضم أربعين ألف مادة، و"القاموس" ستين ألف مادة، و"التكملة" ستين ألف مادة، و"اللسان" ثمانين ألف وأربعمائة، و"التاج" عشرين ومائة ألف مادة؛ حتى قال السيوطي: "وأين سائرُ اللغاتِ من السَّعة ما للغة العرب؟!"[88].

ومع أنَّ المستعمل من موادِّ اللغة العربية ليس إلا أقل القليل منها، فإنها لم تضقْ عن حاجة الإنسان وتجاربه، وخواطره وعلومه، وفنونه وآدابه؛ بل وسعت روافدَ الحضارةِ والعلوم غير المعروفة عند العربِ في أزهى العصور الإسلامية، حتى صار لسانُ حالِ لغتنا الحبيبة كما قال حافظ إبراهيم:

وَسِعْتُكِتَابَ اللهِ لَفْظًا وَغَايَةً
وَمَا ضِقْتُ عَنْ آيٍبِهِ وَعِظَاتِ
فَكَيْفَأَضِيقُ اليَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلَةٍ
وَتَنْسِيقِ أَسْمَاءٍلَمُخْتَرَعَاتِ؟!
أَنَاالْبَحْرُ فِي أَحْشَائِهِ الدُّرُّ كَامِنٌ
فَهَلْ سَاءَلُواالغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِي؟

وصدق حافظُ إبراهيم في كلماتِه، ولو أنها نطقتْ لتكلَّمَت بأعجب من ذلك.

2- ولغتنا قائمة على جذور متناسقة لا تجدها في اللغات الأخرى قاطبة:
فالفعلُ الماضي ذهب، ومضارعه يذهبُ، وأمره اذهب، من جذرٍ واحد، أمَّا مثيله في الإنجليزية فماضيه "went" ومضارعه وأمره "go" كلمتان مختلفتان كليًّا، وخذ مثلاً الفعل "cut" بمعنى قطع، يقطع، اقطع، تجده رسمًا واحدًا في الأزمنةِ الثلاثة كلِّها، وتضطر إلى وضعِها في جملٍ كي تعرفَ الزَّمنَ لكلٍّ منها، بينما زمن الفعل في العربية معروف.

3- كما أنَّ للأفعال المتقاربة الجذور في العربية معانيَ متشابهةً لا ترى أمثالها في اللغات الأخرى:
فالفعل (قطع) إذا بدل الحرف الأخير فقط قيل: قط، قطم، قطف، قطش، تجد فيها اشتراكًا في قضمِ الشيء إلى قطع، وفي الفعل (سما) المفتوح العين ثلاثة حروف كذلك، بدِّل الحرفَ الأخير وقلْ مثلاً: سمج، سمر، سمح، سمك، سمق، سمط، تجد اشتراكها في العلوِّ، وهكذا.

4- يذكر الدكتور عبدالله الدنان المهتم بتعليمِ اللغة العربية للناشئةِ منذ الصغر أشياءَ عجيبة عن لغتِنا الحبيبة فيقول:
"إنَّ كثيرًا من الكلماتِ الإنجليزية مأخوذةٌ من اللغةِ العربية؛ ومن ذلك (الباكلوريوس) أو كما يُقال: باكلوريا في بلادِ الشام لشهادة الثانوية، بأنَّ أصلَها جاء من العربيةِ؛ حيث إنَّ العلماءَ من المحدثين ومقرئي القرآن كانوا إذا أجازوا الطالبَ كتبوا له في الإجازة: (أجزناك بحقِّ الرِّواية)، فأخذوها منَّا ثم حُرِّفت: (بحقِّ الرواية، بهك الرواية، بك رواية، باكلوريا)، وقد ذكر أمثلة عديدة من هذا القبيل.

5- وقام مؤلفُ كتاب "اللغة العربية أصل اللغات كلها" في القسم الثاني من الكتابِ بدراسةٍ معجمية مقارنة، أجراها الباحث على نحو خمسمائة كلمة إنجليزية متسلسلة حسب الترتيب الهجائي في قاموس المورد، بدءًا من أولِ كلمة في حرف Aوهي (Aard) التي أصلها العربي (أرض)، وهكذا ستجد العجبَ في هذه اللغة الأم، ومن أمثلة ما جاء في الموردِ لفظ الجلالة (الله) صار لديهم (allah)، وعباءة (aba)، ولفظة (algebra) مأخوذة من علمِ الجبر، حتى عفريت أصلها عربي فيكتبونها (afreet)، وكلمات كثيرة كالفلاح (fellah)، والفلس (fils)، والقطن (cotoon)، والحنَّاء (henna)، ومومياء (mummy)، والزَّعفران (saffron)، والسبانخ (spinach)... إلخ.

6- إنَّ اللغةَ العربية تميز بين المذكر والمؤنث، سواء في العددِ أو في غيره، بعكس اللغاتِ الأخرى، وتسيرُ العربية على عنصرِ المخالفة للتمييزِ بين المؤنَّثِ والمذكر في العدد، وليس في هذا تعقيدٌ ما دام هناك نظامٌ مطرد.

7- وقال الخفاجي في "سر الفصاحة": "وقد خبرني أبو داود المطران - وهو عارف باللغتين العربية والسريانية - أنه إذا نقلَ الألفاظ الحسنة إلى السرياني، قبُحت وخسَّت، وإذا نُقل الكلام المختار من السرياني إلى العربي، ازداد طلاوةً وحُسنًا"[89].

وفي هذا دليلٌ على ما تمتلكه اللغةُ العربية من طاقاتٍ هائلة، ومؤهلات مطلقة: صوتية، وصرفية، ومعجمية، ونحوية، وبلاغية، ودلالية.

ومن الطَّريفِ ما ذكره محمد الخضر حسين قال: "كتب (جون فرن) قصةً خيالية بناها على سياح يخترقون طبقاتِ الكرة الأرضية حتى يصلوا أو يدنوا من وسطِها، ولما أرادوا العودةَ إلى ظاهرِ الأرض بدا لهم هنالك أن يتركوا أثرًا يدلُّ على مبلغِ رحلتهم، فنقشوا على الصخرِ كتابة باللغة العربية، ولما سُئل (جون فرن) عن اختيارِه للغة العربية، قال: إنها لغةُ المستقبل، ولا شكَّ أنه يموتُ غيرها، وتبقى حية حتى يرفع القرآن نفسه".










توقيع : تألق

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة

عرض البوم صور تألق   رد مع اقتباس