لكي تكوني مـُـصلِـحة حقيقية ..
يجب أن تكوني مستمعة جيدة لما يُقال لكِ ..
نستخدم كثيراً مِن الألفاظ التي تعطي رسائل للآخرين أنه ( محدش أحسن مِن حد !! )
على سبيل المثال ..
قولنا :
كلنا ذوو هموم و لستِ وحدكِ ! و أنا حصل لي كذا و كذا و لازلتُ أعاني ...... إلخ
مِن الألفاظ
التي تعطي شحنات سلبية للطرف الآخر مما يجعلها تشعرُ بإحباط أنها اختارتكِ لتشكو لك ..
تعوّدي على أن تقـْـبـِـلي على من تشكو إليكِ ، اجعلي قسمات وجهكِ تعبّر عن حِرص و شدة انتباه
استمعي منها حتى النهاية ،
و إن أردتِ أن تستشهدي ، فقولي لها حكايات لكِ على سبيل التعريض
يعني لا تصرحّي لها بأنكِ مثلاً مررتِ بما مرّتْ به ..
و إنما قولي لها :
أعرف امرأةً حصل لها كذا و كذا ..
انسجمي مع شكوى الشاكية و إذا فرغتْ هوّني عليها و أسمـِـعيها عباراتِ الحُب لها و عباراتٍ أخرى ..
تـَـشعُرُ معها أنكِ تشعرين بها ..
إن أسوأ ما يمكن أن تواجهه مَن تشتكي مِن أمرٍ يؤلمها أن يُقال لها : لا تهتمي بالأمر و اتركيه !
أو أن يُقال لها : أنتِ تبالغين في ردة فعلك ..
أو أن نبدأ بسرْ قِصص معاناتنا على مسمعها ..

وقفتُ كثيراً متأملة سيرة الرسول عليه الصلاة و السلام في جانب الإصغاء و الاستماع
إلى محدّثــِـه دون أن يقطع حديثهم فوجدتُ السيرة مليئة على صاحبها أفضلُ الصلاة و التسليم ..
مِن ذلك قصة عائشة –
ا – لمـّـا أخبرتُه بحديث أبي زَرْع ..
و قِصته عليه الصلاة و السلام مع عُتبة بن ربيعة حين أتى يناقشه في أمرِ الرسالة
رُغـْـم أنَّ الرجُل كافِر و حجته باطلة ، إلا أنه عليه الصلاة و السلام استمعَ إليه حتى إذا انتهى قال عليه الصلاة و السلام : أوَ قد فرغتَ يا أبا الوليد ؟؟
بل و الأعجب أنه عليه الصلاة و السلام كان يقرأ قسمات الوجوه فيعلمُ ما قد حلَّ بصاحبها ..
و لا أدلَّ على ذلك مِن قصة أبي هريرة لمّا خرجَ جائعاً فلقي أبا بكر ثم عمر و سأل كل واحدٍ منهما عن آية
و ما كان يقصِد إلا أن يدعوانه لبيوتهما لعله يحظى بلقمةٍ يسدُ بها جوعه
فلم يفهما –
ا ذلك –
فلمّا أتى رسول الله عرَفَ في وجهِ أبي هريرة ما يريد و دعاه لبيته ليعطيه لبناً قد أُهدي إلى أهله
و لم يشرب عليه الصلاة و السلام قبل أبي هريرة
إنها أخلاق النبوة بأبي هو و أمي عليه الصلاة و السلام ..
تأتيه خولة بنت ثعلبة فتشكو له فيسمع منها
و تأتيه عجوز تكلمه في الطريق فيسمع منها
لا يردُّ أحداً ، و لا يستعجِل أحداً بالحديث ، لأنَّ لديه مشاغِل أعظم
و لا ينفّر أحدً و يقول : أوذيتُ بأكثرِ ممِا أوذيتم و أخرجوني مِن أرضي و ... و ... و
فما هذا مِن أخلاقه عليه الصلاة و السلام
بل هو يسمع و ينصت ، و يواسي ، و يساعِد و يصلِح ..
تأملي الأحداث السابقة و تأملي كذلك قصته عليه الصلاة و السلام حين أتاه بعض الصحابة
خائفين يشكون إليه أنهم أتوا نساءهم في ليلة رمضان
فلم يعنفّهم عليه الصلاة و السلام و لم يوبخّهم ، بل استمعَ إليهم ثم تنزل الآية { نساؤكم حرثٌ لكم }
فلــِـمَ لا نتعلّم فن الإصغاء و الاحتواء ..
لماذا حين يأتينا أحدٌ يشكي حاله ، يخرُجُ منكسِر النفس مجروح الخاطِر ؟!
فإما أن نعنفّه على شكواه ، و إما أن لا نبالي به ، و إما أن نبدأ بالشكوى إليه مِن حالنا السيئ ..
يقول ديفيد فيسكوت في كتابه (( فجّر طاقتك الكامنة في الأوقات الصعبة )) صفحة 94 :
استمع ، فعندما يتحدّث الآخرون ، دعهم يعبّــرون عن أفكارهم و آرائهم و مشاعرهم ..
استمع ، و ليس لزاماً عليك أن توافقهم في آرائهم ..
استمع ، دون التربّص لفرصة كي تتحدث أو تنقضّ على الشخص الآخـَـر أو تصحح أخطاءه ..
حاوِل أن تستوعب ما يقوله الآخرون و إن لم تستطـِـع ، يمكنك حينئذٍ أن تسأل المتحدث ..
" هل يمكنك أن تشرحَ لي " ؟؟ أو " ماذا تعني بالضبط " ..
لكن لا تطرح رأيك بينما يتحدّث الآخرون ..
فقط دع لهم الفرصة كي يتحدثوا ..
إن المستمع الجيّد يستطيع سماع الأفكار غير الشفهية ، لِذا فحينما ينتهي الشخصُ الآخر مِن الحديث ..
اذكر له تلك الفِكرة الداخلية التي راودتك أثناء حديثه .. فحينئذٍ سيشعُرُ المتحدّث أنك سمعتَ
و فهمتَ ما يقول ..
و هكذا سوف يتلاشى الضغط و تستطيع الانسجام مع إيقاع الحياة ..
منقول