قصتي مع الشهادة
بعد جلوس طويل أتابع فيه أحوال إخواننا في سورية الأبية ، سورية الإيمان ، لم أحتمل نفسي وأنا بعيد عنهم ! !
تثاقلتني الهموم والأحزان على إخوان لنا يموتون ؛ لأنهم نزعوا ثوب الخوف والوهَنْ ، وأحبوا الموت كما يحب اليهود حياة الدنيا الدنيئة . . .
تفكرت في أمرنا - نحن من يعيشون في الخارج - ! ! !
هل نحن نحب حياة الدنيا مثل اليهود ، أم أننا مثل المؤمنين ، الذين نفضوا عنهم غبار التخاذل والضياع ، وصمموا على انتزاع حريتهم رغماً عن الظالمين ؟
لم أستطع الفكاك ! ! !
صممتُ وعزمتُ ! !
لكن ! !
بدأت تراودني أفكار كثيرة :
الزوجة والأولاد والإخوة والأخوات ، أبي وأمي ! ! !
ما أصعب التفكير حين يملأ عقل الإنسان ، يأخذ منه كل مأخذ ! !
لكني صمَّمْتُ وعزمتُ ، ولن أتراجع ! ؟
حَزمتُ أمتعتي ، وجهزتُ ما أحتاجه للأيام الصعبة ! ! !
ركبتُ الطريق متوجهاً إلى سورية الحبيبة ! ! !
وصلتُ إلى بُغيتي ! ! !
آآآآآه آه آه ما أجملكم أيها الجنود الأوفياء ! !
جنود الجيش السوري الحر
نظرتُ إليهم بعزة وشموخ ، طلبتُ منهم الانضمام إليهم ، فقبلوا ذلك مني وهم فرحون .
ما أجمل أن يُقبَل المسلم في كتائب جند الله !!
فرحتُ فرحاً أفقدني صوابي ، حتى بدأت دموعي تنهمر على وجنتي .
أنا في موقع الجهاد في سبيل الله ، وفي صفوف المجاهدين الأوفياء .
طلبتُ من قائد الكتيبة أن يشركني في المعارك ضد جيش أنيسة الخسيسة ، وطلبتُ بإلحاح .
كنتُ أظن أنه لن يشركني بسبب عدم معرفتي بالأمور العسكرية ، لكنه قبلني مشكوراً ، على أن أكون مع الآخرين ، وألتزم بما يقول .
وافقتُ على الفور ، وفرحي لا يسعني !
دخلتُ مع الكتيبة المؤمنة - وكل الكتائب تعمل من غير راحة - وأنا متحفز للجهاد والشهادة في سبيل الله ، وكنت أنتظر هذه اللحظة الحاسمة .
راجعتُ نيتي ، ووجهتُ قلبي وكياني بالدعاء أن يرزقني الله الشهادة في سبيله ، عسى أن يغسل الله خطاياي وذنوبي كلها . كان فرحي كبيراً عندما كنا ننقذ الناس ونحميهم من بطش جيش أنيسة الخسيسة .
ولكن ! ! !
وفجأة وبدون سابق إنذار ! !
تحركت نحوي تلك التي ستأخذني إلى حيث أريد ! !
ما أجملها وأحسنها ! ! !
إنها رصاصة أرادتني أن أنتقل إلى ربي في أحسن الأحوال ! !
سقطتُ على الأرض !
لم أستطع أن أتحرك !
جاء رفاقي من حولي ، وصاروا يصيحون :
لقد أصيب ! !
لقد أصيب ! !
نظرتُ إليهم وأنا في كامل وعيي وصحوتي !
فرحتُ لوقوفهم بجانبي ، فقد حملوني كما لو كانوا يحملون شيئاً خفيفاً !
كنت بين أيديهم وهو يسرعون بي إلى مقر الكتيبة !
يا لها من ساعات ، أحسست بألم خفيف في قلبي ، بدأ هذا الألم يمتد .
لقد رأيتُه ! !
رأيتُ مَلَكَ الموت يأتي إلي ويقول لي : نلتَ ما تتمنى ! فاهنأ بخير جليس وخير مقام .
قلتُ له : أريد أن أخبرَ أحبابي المجاهدين قبل خروج روحي . . .
أصبحتُ أصيح بين رفاقي :
فُزتُ وربِّ الكعبة .
فُزتُ وربِّ الكعبة .
صار رفاقي يقولون لي : أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .
نظرتُ إليهم وأنا أبتسم في وجوههم ، علهم يعرفون أن ملك الموت بيننا ، وأنه جاء لقبض روحي ، وأنه كان يبشرني بنعيم الله الدائم مع أول قبض الروح .
نطقتُ الشهادتين ، وبعدها أحسست أن جسمي بدأ ينفكُّ عني .
صاروا يتهامسون فيما بينهم ( يقولون ) :
انظروا إليه ! ! إنه يبتسم ! !
إنها ابتسامة الرضا والقبول .
أحسست بروحي تخرج بأسرع مما كنت أتوقع !
خرجت روحي ولكني كنت أرى رفاقي حولي يقولون : الحمد لله ! !
نال الشهادة ، نسأل الله أن يلحقنا به في أعلى عليين ، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً . الغريب في الأمر أنني بعد قبض روحي كنت أسمع ما يقولون ، حتى عندما حملوني على أكتافهم ، ورأيتهم كيف يصلون عليّ .
رأيت كذلك كيف كانوا يقبلون جبيني ، وكنت أود أن أقبلهم كما يفعلون بي إلا أني أرى يدي من غير أن أستطيع تحريكها .
فرحت كثيراً ولم تسعني نفسي من الفرحة .
ولكن عندما حركوني قليلاً ، فإذا بي أرى دموعي على خدي ، وأنا في بيتي ، لم أذهب ولم أتحرك من مكاني ! ؟
حزنتُ كثيراً عندما رأيتُ أن هذه الشهادة كانت حلماً ، ولم تكن حقيقة . أسأل الله تعالى أن يرزقني ويرزقكم الشهادة في سبيله ، واللحاق بحبيبه . متى نلقى الأحبة
محمداً وصحبه
قصة وأشجان وحلم
د.ملهم بن هيثم الرغبان