عرض مشاركة واحدة
قديم 26-03-12, 10:29 PM   المشاركة رقم: 14
المعلومات
الكاتب:
همة داعية
اللقب:
عضو
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية همة داعية


البيانات
التسجيل: Jan 2012
العضوية: 7030
المشاركات: 167 [+]
الجنس:
المذهب:
بمعدل : 0.03 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 14
نقاط التقييم: 47
همة داعية على طريق التميز

الإتصالات
الحالة:
همة داعية غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : همة داعية المنتدى : بيت الكتاب والسنة
افتراضي

تفسير سورة الطارق



‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ‏}‏‏.‏

البسملة سبق الكلام عليها‏.‏ ‏{‏وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ‏}‏ ابتدأالله عز وجل هذه السورة بالقسم، أقسم الله تعالى بالسماء والطارق وقد يشكل على بعض الناس كيف يقسم الله سبحانه وتعالى بالمخلوقات مع أن القسم بالمخلوقات شرك لقول النبي - صلى الله عليه وسلّم - ‏:‏ ‏(‏من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك‏)‏، وقال - صلى الله عليه وآله وسلم - ‏:‏ ‏(‏من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت‏)‏‏.‏ فلا يجوز الحلف بغير الله لا بالأنبياء، ولا بالملائكة، ولا بالكعبة، ولا بالوطن، ولا بأي شيء من المخلوقات‏؟‏ والجواب على هذا الإشكال أن نقول‏:‏ إن الله سبحانه وتعالى له أن يقسم بما شاء من خلقه، وإقسامه بما يقسم به من خلقه يدل على عظمة الله عز وجل، لأن عِظم المخلوق يدل على عِظم الخالق، وقد أقسم الله تعالى بأشياء كثيرة من خلقه، ومن أحسن ما رأيته تكلم على هذا الموضوع ابن القيم رحمه الله في كتابه ‏(‏التبيان في أقسام القرآن‏)‏ وهو كتاب جيد ينفع طالب العلم كثيرًا، فهنا يقسم الله تعالى بالسماء، والسماء هو كل ما علاك، فكل ما علاك فهو سماء، حتى السحاب الذي ينزل منه المطر يسمى سماءً، كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 17‏]‏‏.‏ وإذا كان يطلق على كل ما علاك فإنه يشمل ما بين السماء والأرض ويشمل السماوات كلها لأنها كلها قد علتك وهي فوقك‏.‏ وأما قوله‏:‏ ‏{‏وَالطَّارِقِ‏}‏ فهو قسم ثان، أي أن الله أقسم بالطارق فما هو الطارق‏؟‏ ليس الطارق هو الذي يطرق أهله ليلًا بل فسره الله عز وجل بقوله‏:‏ ‏{‏النَّجْمُ الثَّاقِبُ‏}‏ هذا هو الطارق، والنجم هنا يحتمل أن يكون المراد به جميع النجوم فتكون ‏(‏ال‏)‏ للجنس، ويحتمل أنه النجم الثاقب، أي‏:‏ النجم اللامع، قوي اللمعان، لأنه يثقب الظلام بنوره، وأيًّا كان فإن هذه النجوم من آيات الله عز وجل الدالة على كمال قدرته، في سيرها وانتظامها، واختلاف أشكالها واختلاف منافعها أيضًا، قال الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 16‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ‏}‏ ‏[‏الملك‏:‏ 5‏]‏‏.‏ فهي زينة للسماء، ورجومًا للشياطين، وعلامات يهتدى بها‏.‏ ثم بين الله المقسم عليه بقوله‏:‏ ‏{‏إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ‏}‏ ‏{‏إِن‏}‏ هنا نافية يعني ما كل نفس، و‏{‏لَمَّا‏}‏ بمعنى ‏(‏إلا‏)‏ يعني ما كل نفس إلا عليها حافظ من الله، وبين الله سبحانه وتعالى مهمة هذا الحافظ بقوله‏:‏ ‏{‏وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ‏}‏ ‏[‏الانفطار‏:‏ 10 - 12‏]‏‏.‏ هؤلاء الحفظة يحفظون على الإنسان عمله، ما له وما عليه، ويجده يوم القيامة كتابًا منشورًا يقول له‏:‏ ‏{‏اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 14‏]‏‏.‏ هؤلاء الحفظة يكتبون ما يقوم به الإنسان من قول، وما يقوم به من فعل، سواء كان ظاهرًا كأقوال اللسان، وأعمال الجوارح، أو باطنًا حتى ما في القلب مما يعتقده الإنسان فإنه يكتب عليه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ‏}‏ ‏[‏ق 16 - 18‏]‏‏.‏ هذا الحافظ يحفظ عمل بني آدم، وهناك حفظة آخرون ذكرهم الله في قوله‏:‏ ‏{‏لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 11‏]‏‏.‏ ‏{‏فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ‏}‏ ‏(‏اللام‏)‏ هنا للأمر، والمراد بالنظر هنا نظر الاعتبار وهو النظر بالبصيرة، يعني ليفكر الإنسان مما خلق‏؟‏ هل خلق من حديد‏؟‏ هل خلق من فولاذ‏؟‏ هل خلق من شيء قاسٍ قوي‏؟‏ والجواب على هذه التساؤلات‏:‏ أنه ‏{‏خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ‏}‏ وهو ماء الرجل، ووصفه الله تعالى في آيات أخرى بأنه ماء مهين ضعيف السيلان ليس كالماء العادي المنطلق، ووصفه الله تعالى في آية أخرى أنه نطفة أي قليل من الماء، هذا الذي خلق منه الإنسان، والعجب أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين، ثم يكون قلبه أقسى من الحجارة - والعياذ بالله - إلا من ألان الله قلبه لدين الله، ثم بين أن هذا الماء الدافق ‏{‏يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ‏}‏ من بين صلب الرجل وترائبه أعلى صدره، وهذا يدل على عمق مخرج هذا الماء، وأنه يخرج من مكان مكين في الجسد، وقال بعض العلماء‏:‏ ‏{‏يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ‏}‏ أي صلب الرجل ‏{‏وَالتَّرَائِبِ‏}‏ ترائب المرأة‏.‏ ولكن هذا خلاف ظاهر اللفظ، والصواب أن الذي يخرج من بين الصلب والترائب هو ماء الرجل، لأن الله تعالى وصفه بذلك‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ‏}‏ ‏{‏إِنَّهُ‏}‏ أي الله عز وجل‏.‏ ‏{‏عَلَى رَجْعِهِ‏}‏ أي على رجع الإنسان ‏{‏لَقَادِرٌ‏}‏ وذلك يوم القيامة لقوله ‏{‏يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ‏}‏ فالذي قدر على أن يخلق الإنسان من هذا الماء الدافق المهين، قادر على أن يعيده يوم القيامة، وهذا من باب الاستدلال بالمحسوس على المنظور المترقب، وهو قياس عقلي، فإن الإنسان بعقله يقول إذا كان الله قادرًا على أن يخلق الإنسان من هذا الماء المهين ويحييه قادر على أن يعيده مرة ثانية ‏{‏وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏الروم‏:‏ 27‏]‏‏.‏ ولهذا يستدل الله عز وجل بالمبدأ على المعاد لأنه قياس جلي واضح، ينتقل العقل من هذا إلى هذا بسرعة وبدون كلفة، وقوله‏:‏ ‏{‏يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ‏}‏ أي تختبر السرائر، وهي القلوب، فإن الحساب يوم القيامة على ما في القلوب، والحساب في الدنيا على ما في الجوارح، ولهذا عامل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المنافقين معاملة المسلمين حيث كان يُستأذن في قتلهم فيقول‏:‏ ‏(‏لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه‏)‏، فكان لا يقتلهم وهو يعلم أن فلانًا منافق، وفلانًا منافق، لكن العمل في الدنيا على الظاهر ويوم القيامة على الباطن ‏{‏يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ‏}‏ أي تختبر وهذا كقوله‏:‏ ‏{‏أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ‏}‏ ‏[‏العاديات‏:‏ 9، 10‏]‏‏.‏ ولهذا يجب علينا العناية بعمل القلب أكثر من العناية بعمل الجوارح، عمل الجوارح علامة ظاهرة، لكن عمل القلب هو الذي عليه المدار، ولهذا أخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الخوارج يخاطب الصحابة يقول‏:‏ ‏(‏يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم - يعني أنهم يجتهدون في الأعمال الظاهرة لكن قلوبهم خالية والعياذ بالله - لا يتجاوز الإسلام حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية‏)‏، قال الحسن البصري رحمه الله‏:‏ ‏(‏والله ما سبقهم أبو بكر بصلاة ولا صوم، وإنما سبقهم بما وقر في قلبه من الإيمان‏)‏ والإيمان إذا وقر في القلب حمل الإنسان على العمل، لكن العمل الظاهر قد لا يحمل الإنسان على إصلاح قلبه، فعلينا أن نعتني بقلوبنا وأعمالها، وعقائدها، واتجاهاتها، وإصلاحها وتخليصها من شوائب الشرك والبدع، والحقد والبغضاء، وكراهة ما أنزل الله على رسوله وكراهة الصحابة نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة، وغير ذلك مما يجب تنزيه القلب عنه‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ‏}‏ يعني يوم القيامة ما للإنسان من قوة ذاتية ‏{‏وَلا نَاصِرٍ‏}‏ وهي القوة الخارجية، هو بنفسه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، ولا أحد يستطيع أن يدافع عنه، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ‏}‏ ‏[‏المؤمنون‏:‏ 101‏]‏‏.‏ في الدنيا يتساءلون، يسأل بعضهم بعضًا، ويحتمي بعضهم ببعض، لكن يوم القيامة لا أنساب يعني لا قرابة، لا تنفع القرابة ولا يتساءلون‏.‏

‏{‏وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا‏}‏‏.‏

بعد أن ذكر الله تعالى الإقسام ‏{‏وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ‏}‏ إلى آخره‏.‏‏.‏‏.‏ إلى قوله ‏{‏يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ‏}‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ‏}‏ هذا هو القسم الثاني للسماء، والقسم الأول ما كان في أول السورة، فهناك قال‏:‏ ‏{‏وَالسَّمَاء وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ‏}‏ هنا قال‏:‏ ‏{‏وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ‏}‏ والمناسبة بين القسمين - والله أعلم - أن الأول فيه إشارة إلى الطارق الذي هو النجم، والنجم تُرمى به الشياطين الذين يسترقون السمع، وفي رمي الشياطين بذلك حفظ لكتاب الله عز وجل، أما هنا فأقسم بالسماء ذات الرجع أن هذا القرآن قول فصل، فأقسم على أن القرآن قول فصل، فصار القسم الأول مناسبته أن فيه الإشارة إلى ما يحفظ به هذا القرآن حال إنزاله، وفي القسم الثاني الإشارة إلى أن القرآن حياة، يعني يقال‏:‏ ‏{‏وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ‏}‏ الرجع هو المطر، يسمى رجعًا لأنه يرجع ويتكرر، ومعلوم أن المطر به حياة الأرض‏.‏ ‏{‏وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ‏}‏ الصدع هو الانشقاق يعني الشتقق بخروج النبات منه، فأقسم بالمطر الذي هو سبب خروج النبات، وبالتشقق الذي يخرج منه النبات، وكله إشارة إلى حياة الأرض بعد موتها، والقرآن به حياة القلوب بعد موتها، كما قال الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 52‏]‏‏.‏ فسمى الله القرآن روحًا لأنه تحيى به القلوب‏.‏ يقول عز وجل‏:‏ ‏{‏وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ‏}‏ أي ذات المطر‏.‏ ‏{‏وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ‏}‏ أي ذات الانشقاق لخروج النبات منها‏.‏ ‏{‏إِنَّهُ‏}‏ أي القرآن ‏{‏لَقَوْلٌ فَصْلٌ‏}‏ وصفه الله تعالى بأنه قول فصل، وهو قول الله عز وجل، فهو الذي تكلم به وألقاه إلى جبريل - صلى الله عليه وآله وسلم - ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد أضاف الله القرآن قولًا إلى جبريل، وإلى محمد عليهما الصلاة والسلام، فقال تعالى في الأول‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ‏}‏ ‏[‏التكوير‏:‏ 19 - 21‏]‏‏.‏ وقال في الثاني إضافته إلى الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏الحاقة‏:‏ 40، 41‏]‏‏.‏ ففي الأول أضاف القول إلى جبريل - صلى الله عليه وآله وسلم - لأنه بلغه عن الله إلى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفي الثاني أضافه إلى محمد - صلى الله عليه وسلّم - لأنه بلغه إلى الناس، وإلا فإن الذي قاله ابتداءً هو الله سبحانه وتعالى‏.‏ ‏{‏إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ‏}‏ فصل يفصل بين الحق والباطل، وبين المتقين والظالمين، بل إنه فصل أي قاطع لكل من ناوأه وعاداه، ولهذا نجد المسلمين لما كانوا يجاهدون الكفار بالقرآن نجدهم غلبوا الكفار، وقطعوا دابرهم، وقضي بينهم، فلما أعرضوا عن القرآن هُزموا وأذلوا بقدر بُعدهم عن القرآن، وكلما أبعد الإنسان عن كتاب الله ابتعدت عنه العزة، وابتعد عنه النصر حتى يرجع إلى كتاب الله عز وجل‏.‏ ‏{‏وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ‏}‏ أي ما هو باللعب والعبث واللغو، بل هو حق، كلماته كلها حق، أخباره صدق، وأحكامه عدل، وتلاوته أجر، لو تلاه الإنسان كل أوانه لم يمل منه، وإذا تلاه بتدبر وتفكر فتح الله عليه من المعاني ما لم يكن عنده من قبل، وهذا شيء مشاهد، اقرأ القرآن وتدبره، كلما قرأته وتدبرته حصل لك من معانيه ما لم يكن يحصل لك من قبل، كل هذا لأنه فصل وليس بالهزل، لكن الكلام اللغو من كلام الناس كلما كررته مججته وكرهته ومللته أما كتاب الله فلا‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا‏}‏ ‏{‏إِنَّهُمْ‏}‏ يعني الكفار المكذبين للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ‏{‏يَكِيدُونَ كَيْدًا‏}‏ أي كيدًا عظيمًا، يكيدون للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ويكيدون لمن اتبعه، وانظر ماذا كانوا يفعلون بالمؤمنين أيام كانوا في مكة من التعذيب والتوبيخ والتشريد، هاجر المسلمون مرتين إلى الحبشة، ثم هاجروا إلى المدينة كل ذلك فرارًا بدينهم من هؤلاء المجرمين، الذين آذوهم بكل كيد، وأعظم ما فعلوه بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حين الهجرة حيث اجتمع رؤساؤهم وأشرافهم يتشاورون ماذا يفعلون بمحمد‏؟‏ فكلما ذكروا رأيًا نقضوه، قالوا هذا لا يصلح، حتى أشار إليهم فيما ذكره أهل التاريخ الشيطان الذي جاء بصورة رجل وقال لهم‏:‏ إني أرى أن تختاروا عشرة شبان من قبائل متفرقة، وتعطوا كل واحد منهم سيفًا حتى يقتلوا محمدًا قتلة رجل واحد، فإذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل، فلم تستطع بنو هاشم أن تقتص من القبائل كلها فيرضخون إلى أخذ الدية‏.‏ وهذا هو الذي يريدون، فأجمعوا على هذا الرأي واستحسنوا هذا الرأي، وفعلًا جلس الشبان العشرة ينتظرون خروج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليقتلوه، ولكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج من الباب وهم جلوس ولم يشاهدوه، وذكر التاريخ أنه جعل يذر التراب على رؤوسهم إذلالًا لهم، ويقرأ قول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 9‏]‏‏.‏ ولا تتعجب كيف خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بينهم ولم يشاهدوه، لا تعجب من هذا، فها هم قريش حين اختبأ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الغار لما خرج من مكة يريد المدينة اختبأ في الغار ثلاثة أيام ليخف عنه الطلب؛ لأن قريش صارت تطلبه، وجعلت لمن جاء به مئة بعير، ولمن جاء به مع أبي بكر مئتي بعير، وهذه جائزة كبيرة، فوقفوا على الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر، وكلنا يعلم أن الغار المفتوح إذا كان فيه أحد فسوف يُرى، ولكنهم لم يروا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا أبا بكر نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة، فقال‏:‏ يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى قدمه لأبصرنا‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏لا تحزن إن الله معنا، ما ظنك باثنين الله ثالثهما‏)‏‏.‏ فاطمأن أبو بكر‏.‏ هؤلاء القوم الذين وقفوا على الغار ليس عندهم قصور في السمع، ولا قصور في البصر، ولا قصور في الذكاء، ولكن أعمى الله أبصارهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وصاحبه، فلا تعجبوا أن خرج من بين هؤلاء الشبان العشرة كما قال أهل التاريخ، وجعل يذر التراب على رؤوسهم ويقول‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ‏}‏‏.‏ وقال الله تعالى في سورة الأنفال‏:‏ ‏{‏وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ‏}‏ يعني يحبسوك ‏{‏أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 30‏]‏‏.‏ ‏{‏إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا‏}‏ ثم قال عز وجل‏:‏ ‏{‏فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا‏}‏ مهل وأمهل معناهما واحد يعني انتظر بمهلة ولا تنتظر بمهلة طويلة، ‏{‏رُوَيْدًا‏}‏ أي قليلًا، ورويدًا تصغير رود أو إرواد، والمراد به الشيء القليل‏.‏ وفي هذه الآية تهديد لقريش، وتسلية للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ووعد له بالنصر‏.‏ وحصل الأمر كما أخبر الله عز وجل، خرج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مهاجرًا منهم، وحصل بينه وبينهم حروب، وفي السنة الثانية من الهجرة قُتل من صناديد قريش وكبرائهم وزعمائهم نحو أربعة وعشرين رجلًا، منهم قائدهم أبو جهل، وبعد ثماني سنوات بل أقل من ثماني سنوات دخل النبي - صلى الله عليه وسلّم - مكة فاتحًا منصورًا ظافرًا، حتى إنه قال كما جاء في التاريخ وهو ممسك بعضادتي باب الكعبة وقريش تحته قال لهم‏:‏ ‏(‏ما ترون أني فاعل بكم‏)‏‏؟‏ لأن أمرهم أصبح بيده - صلى الله عليه وآله وسلم - ‏(‏ما ترون أني فاعل بكم‏"‏‏؟‏ قالوا‏:‏ أخٌ كريم، وابن أخ كريم‏.‏ فقال‏:‏ ‏"‏إني أقول لكم كما قال يوسف لأخوته‏:‏ ‏{‏لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ‏}‏ ‏[‏يوسف‏:‏ 92‏]‏‏.‏ اذهبوا فأنتم الطلقاء‏)‏، وإنما منّ عليهم هذه المنة - صلى الله عليه وآله وسلم - لأنهم أسلموا، وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 38‏]‏‏.‏ نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته، وأن ينفعنا به، وأن يجعله شفيعًا لنا يوم القيامة، إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين‏.‏










توقيع : همة داعية

رحم الله بوح قلمي



يقظة الضمير بقلم الداعية بوح قلمي رحمها الله




هااااااااام وعااااااااجل لكل غيور


رحمكِ الله وأسكنكِ فسيح جناته

عرض البوم صور همة داعية   رد مع اقتباس