عرض مشاركة واحدة
قديم 26-03-12, 10:31 PM   المشاركة رقم: 15
المعلومات
الكاتب:
همة داعية
اللقب:
عضو
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية همة داعية


البيانات
التسجيل: Jan 2012
العضوية: 7030
المشاركات: 167 [+]
الجنس:
المذهب:
بمعدل : 0.03 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 14
نقاط التقييم: 47
همة داعية على طريق التميز

الإتصالات
الحالة:
همة داعية غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : همة داعية المنتدى : بيت الكتاب والسنة
افتراضي

تفسير سورة الأعلى



‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى‏}‏‏.‏

البسملة سبق الكلام عليها، وإنها آية من كتاب الله مستقلة ليست من الفاتحة ولا من البقرة، ولا من آل عمران، ولا من أي سورة من القرآن، لكنها آية مستقلة تنزل في ابتداء كل سورة سوى سورة ‏(‏براءة‏)‏‏.‏ ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى‏}‏ الخطاب هنا للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والخطاب الموجه للرسول في القرآن الكريم على ثلاثة أقسام‏:‏ القسم الأول‏:‏ أن يقوم الدليل على أنه خاص به فيختص به‏.‏ القسم الثاني‏:‏ أن يقوم الدليل على أنه عام فيعم‏.‏ القسم الثالث‏:‏ أن لا يدل دليل على هذا ولا على هذا، فيكون خاصًّا به لفظًا، عامًّا له وللأمة حكمًا‏.‏ مثال الأول‏:‏ قوله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ‏}‏ ‏[‏الشرح‏:‏ 1، 2‏]‏‏.‏ ومثاله أيضًا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 79‏]‏‏.‏ فإن هذا من المعلوم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم‏.‏ ومثال الثاني الموجه للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وفيه قرينة تدل على العموم‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 1‏]‏‏.‏ فوجه الخطاب أولًا للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ‏}‏ ولم يقل ‏"‏يا أيها الذين آمنوا إذا طلقتم‏"‏ قال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ‏}‏، ولم يقل‏:‏ ‏(‏يا أيها النبي إذا طلقت‏)‏ قال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ‏}‏ فدل هذا على أن الخطاب الموجه للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - موجه له وللأمة‏.‏ وأما أمثلة الثالث‏:‏ فهي كثيرة جدًا يوجه الله الخطاب للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - والمراد الخطاب له لفظًا وللعموم حكمًا‏.‏ هنا يقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى‏}‏ ‏{‏سَبِّحِ‏}‏ يعني نزه الله عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته، فإن التسبيح يعني التنزيه، إذا قلت‏:‏ سبحان الله، يعني أنني أنزه الله عن كل سوء، عن كل عيب، عن كل نقص، ولهذا كان من أسماء الله تعالى ‏(‏السلام، القدوس‏)‏ لأنه منزه عن كل عيب‏.‏ وأضرب أمثلة‏:‏ من صفات الله تعالى‏:‏ الحياة ليس فيها نقص بوجه من الوجوه، وحياة المخلوق فيها نقص، أولًا‏:‏ لأنها مسبوقة بالعدم فالإنسان ليس أزليًا‏.‏ وثانيًا‏:‏ أنها ملحوقة بالفناء ‏{‏كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 26‏]‏‏.‏ مثال آخر‏:‏ سمع الله عز وجل ليس فيه نقص يسمع كل شيء، حتى إن المرأة التي جاءت تشتكي إلى النبي - صلى الله عليه وسلّم - والتي ذكر الله تعالى قصتها في سورة المجادلة، كانت تُحدث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعائشة في الحجرة يخفى عليها بعض حديثها، والله تعالى يقول في كتابه‏:‏ ‏{‏قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا‏}‏ ‏[‏المجادلة‏:‏ 1‏]‏‏.‏ ولهذا قالت عائشة‏:‏ ‏(‏الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات‏)‏، إن المرأة المجادلة لتشتكي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنه ليخفى علي بعض حديثها‏.‏ إذن معنى ‏{‏سَبِّح‏}‏ نزه الله عن كل عيب ونقص‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى‏}‏ قال بعض المفسرين‏:‏ إن قوله ‏{‏اسْمَ رَبِّكَ‏}‏ يعني مسمى ربك؛ لأن التسبيح ليس للاسم بل لله نفسه، ولكن الصحيح أن معناها‏:‏ سبح ربك ذاكرًا اسمه، يعني لا تسبحه بالقلب فقط بل سبحه بالقلب واللسان، وذلك بذكر اسمه تعالى، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ‏}‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 96‏]‏‏.‏ يعني سبح تسبيحًا مقرونًا باسم، وذلك لأن تسبيح الله تعالى قد يكون بالقلب، بالعقيدة، وقد يكون باللسان، وقد يكون بهما جميعًا، والمقصود أن يسبح بهما جميعًا بقلبه لافظًا بلسانه‏.‏ وقوله ‏{‏رَبِّكَ‏}‏ الرب معناه الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، فالله تعالى هو الخالق، وهو المالك، وهو المدبر لجميع الأمور، والمشركون يقرون بذلك ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 25‏]‏‏.‏ ‏{‏وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 87‏]‏‏.‏ وأخبر الله سبحانه وتعالى أنهم إذا سئلوا ‏{‏أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ‏}‏ ‏[‏يونس‏:‏ 31‏]‏‏.‏ فهم يقرون بأن الله له الملك، وله التدبير، وله الخلق، لكن يعبدون معه غيره، وهذا من الجهل، كيف تقر بأن الله وحده هو الخالق، المالك، المدبر للأمور كلها وتعبد معه غيره‏!‏‏!‏ إذن معنى الرب هو الخالق، المالك، المدبر لجميع الأمور، وكل إنسان يقر بذلك يلزمه أن لا يعبد إلا الله، كما تدل عليه الآيات الكثيرة‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 21‏]‏‏.‏ قال‏:‏ ‏{‏اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ‏}‏ يعني لا تعبدون غيره‏.‏ ‏{‏الأَعْلَى‏}‏ من العلو، وعلو الله عز وجل نوعان‏:‏ علو صفة، وعلو ذات، أما علو الصفة‏:‏ فإن أكمل الصفات لله عز وجل، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 60‏]‏‏.‏ وأما علو الذات‏:‏ فهو أن الله تعالى فوق عباده مستو على عرشه، والإنسان إذا قال‏:‏ يا الله أين يتجه‏؟‏ يتجه إلى السماء إلى فوق، فالله جل وعلا فوق كل شيء مستو على عرشه‏.‏ إذن ‏{‏الأَعْلَىَ‏}‏ إذا قرأتها فاستشعر بنفسك أن الله عال بصفاته، وعال بذاته، ولهذا كان الإنسان إذا سجد يقول‏:‏ سبحان ربي الأعلى، يتذكر بسفوله هو، لأنه هو الان نزل، فأشرف ما في الإنسان وأعلى ما في الإنسان هو وجهه ومع ذلك يجعله في الأرض التي تداس بالأقدام، فكان من الحكمة أن تقول‏:‏ سبحان ربي الأعلى، يعني أنزه ربي الذي هو فوق كل شيء، لأني نزلت أنا أسفل كل شيء، فتسبح الله الأعلى بصفاته، والأعلى بذاته، وتشعر عندما تقول‏:‏ سبحان ربي الأعلى، أن ربك تعالى فوق كل شيء، وأنه أكمل كل شيء في الصفات‏.‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى‏}‏ ‏{‏خَلَقَ‏}‏ يعني أوجد من العدم، كل المخلوقات أوجدها الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 23‏]‏‏.‏ وهو مثل عظيم، كل الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا، ولو اجتمعوا له، لو يجتمع جميع الالهة التي تعبد من دون الله وجميع السلاطين وجميع الرؤساء وجميع المهندسين على أن يخلقوا ذبابًا واحدًا ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، ونحن في هذا العصر وقد تقدمت الصناعة هذا التقدم الهائل لو اجتمع كل هؤلاء الخلق أن يخلقوا ذبابًا ما استطاعوا، حتى لو أنهم كما يقولون‏:‏ صنعوا آدميًا آليًا ما يستطيعون أن يخلقوا ذبابة، هذا الادمي الالي ما هو إلا الالات تتحرك فقط، لكن لا تجوع، ولا تعطش، ولا تحتر، ولا تبرد، ولا تتحرك إلا بتحريك، الذباب لا يمكن أن يخلقه كل من سوى الله، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق وبماذا يخلق‏؟‏ بكلمة واحدة ‏{‏إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 59‏]‏‏.‏ ‏{‏إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 82‏]‏‏.‏ كلمة واحدة، الخلائق كلها تموت وتفنى وتأكلها الأرض، وتأكلها السباع، وتحرقها النيران، وإذا كان يوم القيامة زجرها الله زجرة واحدة أخرجي فتخرج‏.‏ ‏{‏فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ‏}‏ ‏[‏النازعات‏:‏ 13‏]‏‏.‏ ‏{‏إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 53‏]‏‏.‏ كل العالم من إنس وجن، ووحوش وحشرات وغيرها كلها يوم القيامة تحشر بكلمة واحدة‏.‏ إذن فالله عز وجل وحده هو الخالق ولا أحد يخلق معه، والخلق لا يعسره ولا يعجزه وهو سهل عليه ويكون بكلمة واحدة‏.‏ وقوله ‏{‏فَسَوَّى‏}‏ يعني سوى ما خلقه على أحسن صورة، وعلى الصورة المتناسبة، الإنسان مثلًا قال الله تعالى في سورة الانفطار‏:‏ ‏{‏الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ‏}‏ ‏[‏الانفطار‏:‏ 7، 8‏]‏ ‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏}‏ ‏[‏التين‏:‏ 4‏]‏‏.‏ لا يوجد في الخلائق شيء أحسن من خلقة الإنسان، رأسه فوق، وقلبه في الصدر، وعلى هيئة تامة، ولهذا أول من يدخل في قوله‏:‏ ‏{‏فَسَوَّى‏}‏ هو تسوية الإنسان ‏{‏الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى‏}‏ كل شيء يسوى على الوجه الذي يكون لائقًا به‏.‏ ‏{‏وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى‏}‏ قدر كل شيء عز وجل كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 2‏]‏‏.‏ قدره في حاله، وفي مآله، وفي ذاته، وفي صفاته، كل شيء له قدر محدود، فالاجال محدودة، والأحوال محدودة، والأجسام محدودة، وكل شيء مقدر تقديرًا كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا‏}‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فَهَدَى‏}‏ يشمل الهداية الشرعية، والهداية الكونية، الهداية الكونية‏:‏ أن الله هدى كل شيء لما خلق له، قال فرعون لموسى‏:‏ ‏{‏فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 49، 50‏]‏‏.‏ تجد كل مخلوق قد هداه الله تعالى لما يحتاج إليه، فالطفل إذا خرج من بطن أمه وأراد أن يرضع يهديه الله عز وجل إلى هذا الثدي يرتضع منه، وانظر إلى أدنى الحشرات النمل مثلًا لا تصنع بيوتها إلا في مكان مرتفع على ربوة من الأرض تخشى من السيول تدخل بيوتها فتفسدها، وإذا جاء المطر وكان في جحورها، أو في بيوتها طعام من الحبوب تخرج به إذا طلعت الشمس تنشره لئلا يعفن، وهي قبل أن تدخره تأكل أطراف الحبة لئلا تنبت فتفسد عليهم، هذا الشيء مشاهد مجرب من الذي هداها لذلك‏؟‏ إنه الله عز وجل، وهذه هداية كونية أي‏:‏ أنه هدى كل مخلوق لما يحتاج إليه‏.‏ أما الهداية الشرعية - وهي الأهم بالنسبة لبني آدم - فهي أيضًا بينها الله عز وجل حتى الكفار قد هداهم الله يعني بيّـن لهم، قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى‏}‏ ‏[‏فصلت‏:‏ 17‏]‏‏.‏ والهداية الشرعية هي المقصود من حياة بني آدم ‏{‏وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ‏}‏ ‏[‏الذاريات‏:‏ 56‏]‏‏.‏ وإنما أخبرنا الله بذلك لأجل أن نلجأ إليه في جميع أمورنا، إذا علمنا أنه هو الخالق بعد العدم وأصابنا المرض نلجأ إلى الله لأن الذي خلقك وأوجدك من العدم قادر على أن يصحح بدنك، إذًا الجأ إلى ربك، اعتمد عليه، ولا حرج أن تتناول ما أباح لك من الدواء، لكن مع اعتقاد أن هذا الدواء سبب من الأسباب جعله الله عز وجل، وإذا شفيت بهذا السبب فالذي شفاك هو الله عز وجل، هو الذي جعل هذا الدواء سببًا لشفائك، ولو شاء لجعل هذا الدواء سببًا لهلاكك، فإذا علمنا أن الله هو الخالق فنحن نلجأ في أمورنا كلها إلى الله عز وجل، إذا علمنا أنه هو الهادي فإننا نستهدي بهدايته، بشريعته حتى نصل إلى ما أعد لنا ربنا عز وجل من الكرامة‏.‏ ‏{‏سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى‏}‏ هذا وعد من الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه يقرئه القرآن ولا ينساه الرسول، وكان الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - يتعجل إذا جاء جبريل يُلقي عليه الوحي فقال الله له‏:‏ ‏{‏لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ‏}‏ ‏[‏القيامة‏:‏ 16 - 19‏]‏‏.‏ فصار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينصت حتى ينتهي جبريل من قراءة الوحي ثم يقرأه، وهنا يقول‏:‏ ‏{‏سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ‏}‏ يعني إلا ما شاء أن تنساه فإن الأمر بيده عز وجل ‏{‏يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 39‏]‏‏.‏ ‏{‏مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 106، 107‏]‏‏.‏ وربما نُسّي النبي صلى الله عليه وآله وسلم آية من كتاب الله ولكنه سرعان ما يذكرها - صلى الله عليه وآله وسلم - وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ‏}‏ أي أن الله تعالى يعلم الجهر، والجهر‏:‏ ما يجهر به الإنسان ويتكلم به مسموعًا‏.‏ ‏{‏وَمَا يَخْفَى‏}‏ أي ما يكون خفيًّا لا يُظهر فإن الله يعلمه كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ‏}‏ ‏[‏ق‏:‏ 16‏]‏‏.‏ فهو يعلم عز وجل الجهر ويعلم أيضًا ما يخفى‏.‏ ‏{‏وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى‏}‏ وهذا أيضًا وعد من الله عز وجل لرسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن ييسره لليسرى، واليسرى أن تكون أموره ميسرة، ولاسيما في طاعة الله عز وجل، ولما أخبر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه ما من أحد من الناس إلا وقد كتب مقعده من الجنة، ومقعده من النار، كل بني آدم مكتوب مقعده من الجنة إن كان من أهل الجنة، ومقعده من النار إن كان من أهل النار، قالوا‏:‏ ‏(‏يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل - يعني على ما كتب - قال‏:‏ ‏(‏لا‏.‏ اعملوا فكلٌّ ميسر لما خلق له‏)‏ فأهل السعادة ييسرون لعمل أهل السعادة، وأهل الشقاوة ييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى‏}‏ وهذا الحديث يقطع حُجة من يحتج بالقدر على معاصي الله فيعصي الله ويقول‏:‏ هذا مكتوب علي‏.‏ وهذا ليس بحجة؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قال‏:‏ ‏(‏اعملوا فكلٌّ ميسر لما خلق له‏)‏ هل أحد يحجزك عن العمل الصالح لو أردته‏؟‏ أبدًا‏.‏ هل أحد يجبرك على المعصية لو لم تردها‏؟‏ أبدًا لا أحد، ولهذا لو أن أحدًا أجبرك على المعصية وأكرهك عليها لم يكن عليك إثم، ولا يترتب على فعلك لها ما يترتب على فعل المختار لها، حتى إن الكفر وهو أعظم الذنوب، قال الله تعالى فيه‏:‏ ‏{‏مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 106‏]‏‏.‏ إذن نقول اعمل أيها الإنسان، اعمل الخير وتجنب الشر، حتى ييسرك الله لليسرى ويجنبك العسرى، فرسول الله - صلى الله عليه وسلّم - وعده الله بأن ييسره لليسرى فيسهل عليه الأمور، ولهذا لم يقع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شدة وضنك إلا وجد له مخرجًا - صلى الله عليه وآله وسلم ـ‏.‏ ثم أمره تعالى أن يذكر فقال‏:‏ ‏{‏فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى‏}‏ يعني ذكر الناس، ذكرهم بآيات الله، ذكرهم بأيام الله، عظهم، ‏{‏إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى‏}‏ يعني في محل تنفع فيه الذكرى، وعلى هذا فتكون ‏{‏إِن‏}‏ شرطية والمعنى إن نفعت الذكرى فذكر، وإن لم تنفع فلا تذكر، لأنه لا فائدة من تذكير قوم نعلم أنهم لا ينتفعون، هذا ما قيل في هذه الآية‏.‏ وقال بعض العلماء‏:‏ المعنى ذكر على كل حال، إن كان هؤلاء القوم تنفع فيهم الذكرى فيكون الشرط هنا ليس المقصود به أنه لا يُذكر إلا إذا نفعت، بل المعنى ذكر إن كان هؤلاء القوم ينفع فيهم التذكير، فالمعنى على هذا القول‏:‏ ذكر بكل حال، والذكرى سوف تنفع‏.‏ تنفع المؤمنين، وتنفع الُمذكِّر أيضًا، فالمذكر منتفع على كل حال، والمذكر إن انتفع بها فهو مؤمن، وإن لم ينتفع بها فإن ذلك لا ينقص من أجر المذكر شيئًا، فذكر سواء نفعت الذكرى أم لم تنفع‏.‏ وقال بعض العلماء‏:‏ إن ظن أن الذكرى تنفع وجبت، وإن ظن أنها لا تنفع فهو مخير إن شاء ذكر وإن شاء لم يذكر‏.‏ ولكن على كل حال نقول‏:‏ لابد من التذكير حتى وإن ظننت أنها لا تنفع، فإنها سوف تنفعك أنت، وسوف يعلم الناس أن هذا الشيء الذي ذكرت عنه إما واجب، وإما حرام، وإذا سكتَّ والناس يفعلون المحرم، قال الناس‏:‏ لو كان هذا محرمًا لذكَّر به العلماء، أو لو كان هذا واجبًا لذكَّر به العلماء، فلابد من التذكير ولابد من نشر الشريعة سواء نفعت أم لم تنفع‏.‏ ثم ذكر الله عز وجل من سيذكر ومن لا يتذكر فقال‏:‏ ‏{‏سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى‏}‏ فبين تعالى أن الناس ينقسمون بعد الذكرى إلى قسمين‏:‏ القسم الأول‏:‏ من يخشى الله عز وجل، أي يخافه خوفًا عن علم بعظمة الخالق جل وعلا، فهذا إذا ذكر بآيات ربه تذكر كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا‏}‏ ‏[‏الفرقان‏:‏ 73‏]‏‏.‏ فمن يخشى الله ويخاف الله إذا ذكر ووعظ بآيات الله اتعظ وانتفع‏.‏ أما القسم الثاني‏:‏ فقال‏:‏ ‏{‏وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى‏}‏ أي يتجنب هذه الذكرى ولا ينتفع بها الأشقى و‏{‏الأَشْقَى‏}‏ هنا اسم تفضيل من الشقاء وهو ضد السعادة كما في سورة هود‏:‏ ‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 106‏]‏‏.‏ ‏{‏وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 108‏]‏‏.‏ فالأشقى المتصف بالشقاوة يتجنب الذكرى ولا ينتفع بها، والأشقى هو البالغ في الشقاوة غايتها وهذا هو الكافر، فإن الكافر يذكر ولا ينتفع بالذكرى، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى‏}‏ الذي يصلى النار الموصوفة بأنها ‏{‏الْكُبْرَى‏}‏ وهي نار جهنم؛ لأن نار الدنيا صغرى بالنسبة لها، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم‏:‏ ‏(‏أن نار الدنيا جزء من سبعين جزءًا من نار الآخرة‏)‏، أي أن نار الاخرة فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءًا، والمراد بنار الدنيا كلها أشد ما يكون من نار الدنيا فإن نار الاخرة فضلت عليها بتسعة وستين جزءًا ولهذا وصفها بقوله‏:‏ ‏{‏النَّارَ الْكُبْرَى‏}‏ ثم إذا صلاها ‏{‏لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيى‏}‏ المعنى لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياة سعيدة، وإلا فهم أحياء في الواقع لكن أحياء يعذبون ‏{‏كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 56‏]‏‏.‏ كما قال الله عز وجل ‏{‏وَنَادَوْا يَا مَالِكُ‏}‏ وهو خازن النار ‏{‏لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ‏}‏ يعني ليهلكنا ويريحنا من هذا العذاب ‏{‏قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ‏}‏ ولا راحة ويقال لهم‏:‏ ‏{‏لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 78‏]‏‏.‏ هذا معنى قوله‏:‏ ‏{‏لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى‏}‏ لأنه قد يشكل على بعض الناس كيف يكون الإنسان لا حي ولا ميت‏؟‏ والإنسان إما حي وإما ميت‏؟‏ فيقال‏:‏ لا يموت فيها ميتة يستريح بها، ولا يحيى حياة يسعد بها، فهو في عذاب وجحيم، وشدة يتمنى الموت ولكن لا يحصل له، هذا هو معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى‏}‏‏.‏

‏{‏قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى‏}‏‏.‏

‏{‏قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى‏}‏ ‏{‏أَفْلَحَ‏}‏ مأخوذ من الفلاح، والفلاح كلمة جامعة، وهو‏:‏ الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب، هذا هو معنى الفلاح فهي كلمة جامعة لكل خير، دافعة لكل شر‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏مَن تَزَكَّى‏}‏ مأخوذة من التزكية وهو التطهير، ومنه سميت الزكاة زكاة؛ لأنها تطهر الإنسان من الأخلاق الرذيلة، أخلاق البخل كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 103‏]‏‏.‏ إذن ‏{‏تَزَكَّى‏}‏ يعني تطهر، ظاهره وباطنه، يتزكى أولًا من الشرك بالنسبة لمعاملة الله، فيعبد الله مخلصًا له الدين، لا يرائي، ولا يسمع، ولا يطلب جاهًا، ولا رئاسة فيما يتعبد به الله عز وجل، وإنما يريد بهذا وجه الله والدار الاخرة‏.‏ تزكى في اتباع الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بحيث لا يبتدع في شريعته لا بقليل ولا كثير، لا في الاعتقاد، ولا في الأقوال ولا في الأفعال، وهذا أعني التزكي بالنسبة للرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو اتباعه من غير ابتداع لا ينطبق تمامًا إلا على الطريقة السلفية طريقة أهل السنة والجماعة الذين يؤمنون بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، على الطريقة السلفية الذين لا يبتدعون في العبادات القولية، ولا في العبادات الفعلية شيئًا في دين الله، تجدهم يتبعون ما جاء به الشرع، خلافًا لما يصنعه بعض المبتدعة في الأذكار المبتدعة، إما في نوعها، وإما في كيفيتها وصفتها، وإما في أدائها كما يفعله بعض أصحاب الطرق من الصوفية وغيرهم‏.‏ كذلك يتزكى بالنسبة لمعاملة الخلق بحيث يطهر قلبه من الغل والحقد على إخوانه المسلمين فتجده دائمًا طاهر القلب يحب لإخوانه ما يحب لنفسه لا يرضى لأحد أن يمسه سوء، بل يود أن جميع الناس سالمون من كل شر، موفقون لكل خير‏.‏ فـ‏{‏مَن تَزَكَّى‏}‏ أي من تطهر ظاهره وباطنه، فتطهر باطنه من الشرك بالله عز وجل، ومن الشك، ومن النفاق، ومن العداوة للمسلمين والبغضاء، وغير ذلك مما يجب أن يتطهر القلب منه، وتطهر ظاهره من إطلاق لسانه وجوارحه في العدوان على عبادالله عز وجل، فلا يغتاب أحدًا، ولا ينم عن أحد، ولا يسب أحدًا، ولا يعتدي على أحد بضرب، أو جحد مال أو غير ذلك، فالتزكي كلمة عامة تشمل التطهر من كل درن ظاهر أو باطن، فصارت التزكية لها ثلاث متعلقات‏:‏ الأول‏:‏ في حق الله‏.‏ والثاني‏:‏ في حق الرسول‏.‏ والثالث‏:‏ في حق عامة الناس‏.‏ في حق الله تعالى يتزكى من الشرك فيعبد الله تعالى مخلصًا له الدين‏.‏ في حق الرسول يتزكى من الابتداع فيعبد الله على مقتضى شريعة النبي - صلى الله عليه وسلّم - في العقيدة، والقول، والعمل‏.‏ في معاملة الناس يتزكى من الغل والحقد والعداوة والبغضاء، وكل ما يجلب العداوة والبغضاء بين المسلمين يتجنبه، ويفعل كل ما فيه المودة والمحبة ومن ذلك‏:‏ إفشاء السلام الذي قال فيه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ‏:‏ ‏(‏لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم‏:‏ أفشوا السلام بينكم‏)‏، فالسلام من أقوى الأسباب التي تجلب المحبة والمودة بين المسلمين وهذا الشيء مشاهد، لو مر بك رجل ولم يسلم عليك صار في نفسك شيء، وإذا لم تسلم عليه أنت صار في نفسه شيء، لكن لو سلمت عليه، أو سلم عليك صار هذا كالرباط بينكما يوجب المودة والمحبة، وقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في السلام‏:‏ ‏(‏وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف‏)‏، وأكثر الناس اليوم إذا سلم يسلم على من يعرف، وأما من لا يعرفه فلا يسلم عليه، وهذا غلط، لأنك إذا سلمت على من تعرف لم يكن السلام خالصًا لله، سلم على من عرفت ومن لم تعرف من المسلمين حتى تنال بذلك محبة المسلمين بعضهم لبعض، وتمام الإيمان، والنهاية دخول الجنة جعلنا الله من أهلها‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى‏}‏ أي‏:‏ ذكر الله، ولكنه ذكر سبحانه وتعالى الاسم من أجل أن يكون الذكر باللسان؛ لأنه ينطق فيه باسم الله فيقول مثلًا‏:‏ سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، فيذكر اسم الله، ويعني أيضًا ذكر اسم الله تعالى بالتعبد له، ويدخل في ذكر اسم الله الوضوء، فالوضوء من ذكر اسم الله، أولًا‏:‏ لأن الإنسان لا يتوضأ إلا امتثالًا لأمر الله‏.‏ وثانيًا‏:‏ أنه إذا ابتدأ وضوءه قال‏:‏ بسم الله، وإذا انتهى قال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين‏.‏ ومن ذكر الله عز وجل خطبة الجمعة، فإن خطبة الجمعة من ذكر الله، لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ‏}‏ ‏[‏الجمعة‏:‏ 9‏]‏‏.‏ وعلى هذا قال بعض العلماء‏:‏ ‏{‏وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ‏}‏ يعني الخطيب يوم الجمعة ‏{‏فَصَلَّى‏}‏ أي صلاة الجمعة‏.‏ فهذه الآية تشمل كل الصلوات التي يسبقها ذكر، وما من صلاة إلا ويسبقها ذكر؛ لأن الإنسان يتوضأ قبيل الصلاة فيذكر اسم الله ثم يصلي‏.‏ لكن الصحيح‏:‏ أنها أعم من هذا، وأن المراد به كل ذكر لاسم الله عز وجل، أي كلما ذكر الإنسان اسم الله اتعظ وأقبل إلى الله وصلى‏.‏ والصلاة معروفة هي عبادة ذات أقوال وأفعال، مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم‏.‏ ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى‏}‏ ‏{‏بَلْ‏}‏ هنا للإضراب الانتقالي، لأن ‏{‏بَلْ‏}‏ تأتي للإضراب الإبطالي، وتأي للإضراب الانتقالي، أي أنه سبحانه وتعالى انتقل ليبين حال الإنسان أنه مؤثر للحياة الدنيا لأنها عاجلة، والإنسان خلق من عجل، ويحب ما فيه العجلة، فتجده يؤثر الحياة الدنيا، وهي في الحقيقة على وصفها دنيا، دنيا زمنًا، ودنيا وصفًا، أما كونها دنيا زمنًا فلأنها سابقة على الاخرة فهي متقدمة عليها، والدنو بمعنى القرب‏.‏ وأما كونها دنيا ناقصة فكذلك هو الواقع فإن الدنيا مهما طالت بالإنسان فإن أمدها الفناء، ومنتهاها الفناء، ومهما ازدهرت للإنسان فإن عاقبتها الذبول، ولهذا لا يكاد يمر بك يوم في سرور إلا وعقبه حزن، وفي هذا يقول الشاعر‏:‏ فيوم علينا ويوم لنا ويوم نساء ويوم نسر تأمل حالك في الدنيا تجد أنه لا يمر بك وقت ويكون الصفو فيه دائمًا بل لابد من كدر، ولا يكون السرور دائمًا بل لابد من حزن، ولا تكون راحة دائمًا بل لابد من تعب، فالدنيا على اسمها دنيا‏.‏ ‏{‏وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى‏}‏ الآخرة خير من الدنيا وأبقى، خير بما فيها من النعيم والسرور الدائم الذي لا ينغص بكدر ‏{‏لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 48‏]‏‏.‏ كذلك أيضًا هي أبقى من الدنيا؛ لأن بقاء الدنيا كما أسلفنا قليل زائل مضمحل، بخلاف بقاء الاخرة فإنه أبد الابدين‏.‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى‏}‏ ‏{‏إِنَّ هَذَا‏}‏ أي ما ذكر من كون الإنسان يؤثر الحياة الدنيا على الاخرة وينسى الاخرة، وكذلك ما تضمنته الآيات من المواعظ ‏{‏فِي الصُّحُفِ الأُولَى‏}‏ أي السابقة على هذه الأمة ‏{‏صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى‏}‏ وهي صحف جاء بها إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام، وفيها من المواعظ ما تلين به القلوب وتصلح به الأحوال، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن أوتي في الدنيا حسنة، وفي الاخرة حسنة، ووقاه الله عذاب النار، إنه جواد كريم‏.‏










توقيع : همة داعية

رحم الله بوح قلمي



يقظة الضمير بقلم الداعية بوح قلمي رحمها الله




هااااااااام وعااااااااجل لكل غيور


رحمكِ الله وأسكنكِ فسيح جناته

عرض البوم صور همة داعية   رد مع اقتباس