وكان عند أهل الجاهلية أنواع من الأنكحة تدل على حرية شخصية واسعة في هذا الجانب، ومن تلكم الأنكحة: 1- نكاح المقت: وهو أن يتزوج الرجل امرأة أبيه([14])ويسمّون فاعل ذلك الضيزن، ويسمَّون الابنَ من ذلك النكاح مَقيتا. ([15]) ولذا جاء القرآن بالنهي عنه والتشديد فيه؛ لأنه كان شائعا عندهم، قال الله تعالى [وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آَبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا] {النساء:22} فرغم مقت الجاهلية لهذا النوع من النكاح إلا أنهم لم يمنعوا منه، وهذا يدل على ما كان عندهم من حرية شخصية. 2- نكاح المتعة، وهو نكاح إلى أجل، فإذا انقضى وقعت الفرقة. وهذا النوع من الزواج كان معروفًا عند ظهور الإسلام. ومن دوافع حدوث هذا الزواج التنقل والأسفار والحروب، حيث يضطر المرء إلى الاقتران بامرأة لأجل معين على صداق. فإذا انتهى الأجل، انفسخ العقد. وعلى المرأة أن تعتدّ كما في أنواع الزواج الأخرى قبل أن يسمح لها بالاقتران بزوج آخر. وينسب أولاد المتعة إلى أمهاتهم في الغالب، وذلك بسبب اتصالهم المباشر بالأم ولارتحال الأب عن الأم في الغالب إلى أماكن أخرى قد تكون نائية، فتنقطع الصلات بين الأب والأم؛ ولهذا يأخذ الأولاد نسب الأم ونسب عشيرتها. وكان هذا النكاح مقرا في أول الإسلام؛ كما روى جَابِرِ بن عبد الله وَسَلَمَةَ بن الْأَكْوَعِ قالا: خَرَجَ عَلَيْنَا مُنَادِي رسول الله ^ فقال إِنَّ رَسُولَ الله ^ قد أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَسْتَمْتِعُوا يَعْنِي مُتْعَةَ النِّسَاءِ([16]) ثم حرم بعد ذلك كما ورد أَنَّ عَلِيًّا قال لابن عَبَّاسٍ ا: إِنَّ النبي ^ نهى عن الْمُتْعَةِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ.([17]) ونقل الجصاص رحمه الله تعالى عن ابن عمر ا أنه سئل عن المتعة فقال: ذلك السفاح، وقال عروة بن الزبير: كان نكاح المتعة بمنزلة الزنا.([18]) 3- نكاح البدل: وهو أن يقول الرجل للرجل: انزل لي عن امرأتك، وأنزل لك عن امرأتي، فهو زواج بطريق المبادلة بغير مهر. وقد كان موجودا في الجاهلية، وذكره المفسرون في تفسير قول الله تعالى [لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ] {الأحزاب:52} قال بن زيد رحمه الله تعالى: هذا شيء كانت العرب تفعله يقول أحدهم: خذ زوجتي وأعطني زوجتك.([19]) وظاهرة تبادل الزوجات موجودة في الغرب إذا تراضى أطراف المبادلة، وهي من الحرية الشخصية، سواء كانت المبادلة دائمة أم زمنا مخصوصا. 4- نكاح الاستبضاع: وفسرته عائشة ا بقولها: كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها: أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه...وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع.([20]) قال ابن عاشور: وفي الإسلام...بطل الاستبضاع؛ ولذلك تجد الزنا لا يقع إلاّ خفية؛ لأنّه مخالفة لقوانين الناس في نظامهم وأخلاقهم.([21]) 5- نكاح الرهط: وهو الذي فسرته عائشة ا بقولها: ونكاح آخر يجتمع الرهط دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها.([22]) وهذا موجود في الغرب وهو من الحرية الشخصية، وشرطهم فيه رضى الأطراف. 6- صاحبات الرايات، فسرته عائشة ا بقولها: يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمنع من جاءها، وهن البغايا كن ينصبن رايات على أبوابهن يكن علما، فمن أرادهن دخل عليهن. ([23]) وليس في هذا الزواج صداق ولا خطبة على عادة العرب، ومن يفعله من الرجال لم يكن يقصد به زواجًا... وإنما التسلية وتحقيق شهوة بثمن، ولهذا فهو من أبواب الزنا والسفاح. ([24])وهذا موجود في الغرب، وللبغايا علامات وأماكن معروفة عندهم يقصدهن من أرادهن. فهذه الأنكحة الكثيرة والغريبة عند أهل الجاهلية تدل على ما كان سائدا عندهم من الحرية الشخصية، وما كانوا يتمتعون به من حرية جنسية واسعة، ليس ما يوجد في الغرب مما هو من مظاهر الحرية الشخصية، والفوضى الجنسية إلا مماثلا لما كان عند أهل الجاهلية، وهو ما أبطله الإسلام كما قالت عائشة ا: فلما بعث الله النبي محمدا ^ هدم نكاح أهل الجاهلية كله إلا نكاح أهل الإسلام اليوم.([25])