بين عمر وعلي: وقد كان بين عمر وعلي ا بعض الاختلافات، ولكن في نطاق أدب رفيع. فقد أرسل عمر مرة إلى امرأة مغيبة (زوجها غائب) كان يدخل عليها فأنكر ذلك، فارسل اليها، فقيل لها أجيبي عمر. فقالت: يا ويلاه ما لها ولعمر؟ فبينما هي في الطريق (إليه) فزعت فضربها الطلق، فدخلت دارا فألقت ولدها، فصاح الصبي صيحتين ثم مات. فاستشار عمر صحب النبي فاشار عليه بعضهم: أنه ليس عليك شيء، إنما أنت وال مؤدب، وصمت علي ، فاقبل عليه عمر وقال: ما تقول؟ قال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحونا لك، أرى أن ديته عليك، فإنك أنت أفزعتها، والقت ولدها بسببك؛ فأمر عمر أن يقسم عقله (دية الصبي) على قومه(40). وهكذا نزل عمر على رأي علي ا ولم يجد غضاضة في العمل باجتهاده وهو أمر المؤمنين، وقد كان في رأي غيره له منجاة. بين عمر وعبد الله بن مسعود: عبد الله بن مسعود من اقرأ اصحاب رسول الله لكتاب الله، ومن أعلمهم بسنة رسول الله حتى كان كثير من الصحابة يعدونه من أهل بيت رسول الله لكثرة ملازمته له، قال أبو موسى الأشعري: بين ابن عبّاس وزيد بن ثابت: وحتى نتلمس المزيد من أدب الاختلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم نعرض القضايا الخلافية، فنقول: كان ابن عباس ا يذهب كالصدّيق وكثير من الصحابة إلى أن الجد يسقط جميع الإخوة والأخوات في المواريث كالادب، وكان زيد بن ثابت كعلي وابن مسعود وفريق آخر من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين يذهب إلى توريث الإخوة مع الجد ولا يحجبهم به، فقال ابن عباس يوما: ألا يتقي الله زيد، يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أب الأب أبا!: وقال: لوددت أني وهؤلاء الذين يخالفوني في الفريضة نجتمع، فنضع أيدينا على الركن، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين...(48). تلك أمثلة من اختلافات الصحابة الفقيهة، نوردها لا لنعمق الهوة ونؤصل الاختلاف بل لتنحصر ضالتنا في استقراء آداب نلتقي عليها في حل خلافاتنا الفقهية حتى يغدو أسلوب حياة لنا في تعاملنا مع الناس. إن ابن عباس ا الذي بلغت ثقته بصحة اجتهاده وخطأ اجتهاد زيد هذا الحد الذي رأيناه، رأى زيد بن ثابت يوما يركب دابته فأخذ بركابه يقود به، فقال زيد: تنحّ يا ابن عم رسول الله . فيقول ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا. فقال زيد: أرني يدك. فأخرج ابن عباس يده، فقبلها زيد وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا.(49) وحين توفي زيد قال ابن عباس: «هكذا يذهب العلم»(50) وفي رواية البيهقي في سننه الكبرى «هكذا ذهاب العلم، لقد دفن اليوم علم كثير»(51). وكان عمر يدعو ابن عباس للمعضلات من المسائل مع شيوخ المهاجرين والأنصار من البدريين وغيرهم(52). والحق لو أننا حاولنا تتبع القضايا الخلافية بين الصحابة في مسائل الفقه، وسلوكهم في عرض مذاهبهم لسودنا في ذلك كتبا، وهذا ليس مبتغانا هنا إنما نورد نماذج فقط نستشف منها الآداب التي تربى عليها جيل الصحابة رضوان الله عليهم، لتدل على مدى التزامهم بآداب الاختلاف في الظروف كلها. يتبع