عائشة وخير الأزواج. ما عائشة!
فداءٌ لها كلُّ وجه عبوسٍ إذا.......ما أتتها الوجوه الوِضا
معلوم أن خديجة أول أزواج خير البرية أجمعين، أسعدها الله بالصادق الأمين، فكانت خير معين له مذ تزوجها وهو في الخامسة والعشرين، ووزيرة صدق مذْ نزل الوحي عليه وهو في الأربعين، إلى أن لقيت رب العالمين، ولما لقيت ربها لم يكد يُعلم أنه حزن على أحد قط أشدَّ من حزنه عليها، ولا أطال الذكرى لأحد بعد وفاته كما أطال ذكرها.
واقترن ذالك بموت عمه الذي كفِله صغيرًا، وحدب عليه كبيرًا.
لو أصاب الجبال بعض الذي........عاناه من فقدهم لهدَّ الجبال.
وشق على أصحابه ما يرون من عظيم أحزانه، فعرضوا عليه من تصلح له ومنهن عائشة. وكان زواجه منها بإحاء من الله، في الصحيح أنه
قال لعائشة: (أريتُكِ في المنام ثلاثَ ليال، جاء الملك بك في سرقة من حرير، يقول هذه امرأتك. فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي. فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه)، وعند الترمذي: أن جبريل جاء بصورتها في حريرة خضراء وقال لرسول الله
: (هذه زوجك في الدنيا والآخرة). جاء الأمين إلى الأمين مبشِّرًا.....وبراحتيْه حريرة خضراءُ
رُسمت عليها صورة لـمليحة.....ما في المِلاح كمثلها حسناءُ
سأل الحبيب المصطفى جبريل من هذهِ.....فقال خريدة حوراءُ
لك في الحياة وفي الجنان حليلة.....قد شاءها من لا سواه يشاء
ولما أراد الله أن يُمضي ما رآه رسوله، ذهبت إليه خَولة امرأة عثمان بن مظعون واقترحت عليه الخِطبة، حالها والمقال:
(لم لا تتزوج من تكون لك عن خديجة عِوضا؟ إن شئت بكرًا وإن شئت ثيبًا). فسأل عن البِكر، فقالت: (أحق خلق الله بك عائشة بنت أبي بكر)، قال: (فاذهبي فاذكريها عليّ). ذهبت خولة لدار أبي بكر وقالت: (يا أم رومان! ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة، أرسلني رسول الله أخطب له عائشة)، قالت أم رومان: (انتظري حتى يأتي أبو بكر)، وجاء أبو بكر
فأخبرته، فقال: (وهل تصلح له؟ إنما هي ابنة أخيه)، فقال رسول الله لخولة: (هو أخي وابنته تصلح لي). رجعت فأخبرت أبا بكر فقال: (انتظري) ومضى. وحال خولة: "أفي تزويج رسول الله انتظار؟"، فقالت أم رومان تجلو الموقف لخولةَ زوجِ عثمان: (إن المُطعم قد ذكر عائشة على ابنه، ووالله ما وعد أبو بكر وعدًا قطُّ فأخلفه). ووالله إما أن تكون خِلالُه من السحر.......أو فالسحر خامَرَ مسمعي
ذهب أبو بكر إلى المطعم، وقال: (ما تقول في أمر هذه الجارية؟)، قال: (لعلنا إن أنكحنا إليك هذا الفتى تدخله في الدين الذي أنت عليه). فوقعت تلك الكلمات على قلبه وقوع الرحمة على أيوب، وقميص يوسف على عين يعقوب، تحرر بها من وعده وحاله:
مالت لها أذني من بعد جفوتها....وكم حديث تمنت عنده الصَّممَ
وعاد من فوره إلى خولة، لتخبر رسول الله
، ثم عَقد له على عائشة وهي بنت ست سنين، وأمضى الله أمره بكون عائشة للحبيب، وسعد الصديق بهذا النسب الذي زاده طيبا إلى طيب. حُيِّيت حيِّيت من حيٍّ ومن نادِ.....وحبذا حبذا واديك من وادِ
ثم هاجر رسول الله
يصحبه أبو بكر
إلى المدينة، ولما استقر بالمدينة بعثوا من جاء بأهلهم، فنزلت عائشة رضي الله عنها في حي بني الحارث مع أهلها. كأنما يوسفٌ في كل راحلةٍ.....والحي في كل بيت منه يعقوبُ
كانت المدينة يومئذ أرضا وبِئَة، فتأثر المهاجرون بمناخها، وحنوا لمكة وشعابها، وأصابتهم الحمى بأوْصابها، وكان فيمن حمَّ أبو بكر
، فكانت تأتيه عائشة فتقول: (يا أبي كيف تجدك؟)، فيقول وقد أخذه نافض الحمى: كل امرئ مُصبَّحٌ في أهله.....والموت أدنى من شِراك نعله
وتأثرت عائشة
ا كذالك فمرضت شهرًا، ضعُف جسدها، وتَمَرَّق وتساقط شعرها حتى صار لا يجاوز أذُنيْها، وخيف على سلامتها؛ فكان يدخل أبو بكر عليها كل يوم يعودها ويُقَبلها ويقول: (كيف أنت اليوم يا بنيتي؟)؛ ثم شفاها الله وأخذت أمها تُعنى بها وللزواج تهيئها ليبني بها رسول الله وهي بنت تسع سنين في شوال. فكان انتقالها لبيت النبوة أعظم حدث في حياتها، أحبت من أجله شهر شوال.
تحبه حب الشحيح ماله......قد كان ذاق الفقر ثم ناله
فكانت تقول: (تزوجني رسول الله في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله كانت أحظى عنده مني)، لقد ظل يوم بنائه بها ماثلا في ذهنها، تقول في وصفه
ا: (فأتتني أمي وأنا ألعب مع صواحبي على أُرْجوحة لي فصرخت بي، فأتيتها وأنا أنهج؛ فأخذتني بيدي وعلى الباب أوقفتني حتى ذهب نَفَسي، ومسحت بشيئ من الماء وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار فإذا نسوة من الأنصار يقلن على الخير والبركة وعل خير طائر). يلوح في الدار سنا وجهها.....كالبدر أو كالذهب الذائبِ
قالت: (فأسلمتني إليهن، فغسلن رأسي وأصلحنني، فلم يرعني إلا ورسول الله ضحى، فأسلمنني إليه)، وحال الطاهرة:
يا لحظة ستظل في قلبي شعار العافية.....وتُذيب كل أسًى وتغمض كل عين جافية
فما نُحرت جزور ولا ذبحت شاة، إنما هي جفنة من سعد بن عبادة، وشيئ من لبن.
هذه أسماء بنت يزيد، تحكي لنا ما رأت من قِرًى قُدم في حفل زفاف عائشة، تقول: (وقد كنت في من جهزها وزفها، ووالله ما وجدنا عند رسول الله
إلا قَدحًا من لبن، شرب منه ثم ناوله عائشة، فاستحيت الجارية وخفضت رأسها، فانتهرتها وقلتُ لها خذي من يد رسول الله! لفأخذته على حياء وشربت منه، فقال رسول الله
: ناولي صواحبك. فقلن لا نشتهيه. فقال: لا تجمعن جوعا وكذبا). عليه صلاة من الله ما.....بدا النجم في أفقه أو خفا
يتبع