السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عرفنا مسبقا الطريقة التي يكتب العَروض وهو الخاص بالشعر ، وجئنا الآن للتبويب الذي يليه وهو ما يهمنا في الكلام عن الشعر .
(جـ) - وجوه الإختلاف بين الكتابة الإملائية للشعر والكتابة الإملائية للنثر :
- ثمة مواضع يختلف فيها الرسم الإملائي للشعر عما ألفناه في النثر ، ومن ذلك :
1 - حين يكون بعض الكلمة الواحدة في آخر الشطر الأول وبعضها الآخر في أول الشطر الثاني * ، فُصل بينهما بالمسافة التي تكون بين الشطرين ، وهو ما يُعرف بالتدوير أو ( المدمج ) ، هكذا : لي مقْوَلٌ يَفْري الحديــــــــ ـــــــدَ ، ويصرعُ الخصم المكابرْ
2 - يقتضي الوزن أحيانا أن ينقسم الحرف المشدد بين الشطرين ، كقول الشاعر :
لانَ حتى لو مشى الذرُّ عليه كاد يُدميه
فحرف الراء في كلمة ( الذرُّ ) تُكتب عروضياً ( رْ رُ ) الشطر الأول ينتهي وزنه بالراء الساكنه ، بينما يبدأ الشطر الثاني بالراء المضمومة ، وفي هذه الحالة يمكنك أن تكتب البيت بإحدى الطريقتين ، الأولى :
لانَ حتى لو مشى الذرّ ُ (م) عليه كاد أن يدميه
والميم التي بين الشطرين رمز لكلمة ( مدور ) لتفيد تعذر فك التشديد .
والطريقة الأخرى : يفك فيها التشديد ، حيث ينتهي الشطر الأول بالراء الساكنة ، ويبدأ الشطر الثاني بالراء المضمومة هكذا :
لان حتى لو مشى الذرْ رُ عليه كاد أن يدميه
ولا تثريب عليك في هذه الحالة : تبعا للرسم الإملائي الخاص بالشعر .
3 - رد الياء إلى المنقوص في حالتي الرفع والجر متى جاء في القافية ، من مثل ما جاء بديوان علي الجارم :
وإذا بكى القلب الحزين فما له *** راقٍ ، ولا لبكائه من شافي
فكلمة (( شافي )) أصلها شافٍ ، والتنوين تنوين العوض عن الياء المحذوفة ، فحين حذف التنوين ردت الياء .
وبعضهم لا يرد الياء ، مكتفيا بحذف التنوين ، من مثل ما جاء بالمفضليات :
ألا يا دار الحيّ بالبَرَدان *** خلت حججُ بعدي لهن ثمانِ
فأنت مخير أن تكتب (( شافي )) أو (( شافِ )) مع إشباع الكسرة ، وكذلك ثماني أو ثمانِ
4 - إذا كان في آخر البيت تاء مربوطة ساكنة ، فأنت مخير أيضا في أن تضع نقطتيها أو تهملهما ، هكذا :
حمامة كانت بأعلى الشجرة *** آمنة في عشها مستترة
أو هكذا :
................. الشجره *** ............ مستتره
5 - ألف الوصل لا تثبت معها الهمزة نثرا وشعرا ، ولكن يجوز للشاعر عند الضرورة ( أي ضرورة سلامة الوزن ) أن يقطع هذه الهمزة ، مثل :
(( أغماتُ )) هذي الملهاة أحملها *** وفي غدٍ ، ألملهاة تكتملُ
فكلمة (( ألملهاة )) أصلها (( الملهاة )) بألف وصل ، ولكنها قطعت ليستقيم الوزن * .
6 - متى كان الحرف الأخير من البيت مفتوحا ، وجب إتباعه بألف تسمى ألف الإطلاق ، نحو قول الشاعر :
يعود في الكون كل شيء *** وذاهب العمر لن يعودا
والشاهد (( يعودا )) فلو كتب في النثر ، لما وضعت الألف ، إذ نكتب : (( ذاهب العمر لن يعود )) ، وكذلك نحو :
تجارة الرق قد تولت *** فما لنا نلمح القيودا
والشاهد (( القيودا )) إذ نكتب في النثر : (( نلمح القيود )) ومثل ذلك قول الشاعر :
إلام الخلف بينكم إلاما *** وهذي الضجة الكبرى علاما
والشاهد (( إلاما )) في آخر الشطر الأول ، (( وعلامة )) في آخر السطر الثاني ، وهما في الأصل (( إلام )) أي إلى متى ؟! و (( علام )) أي على ماذا ؟
لاحظ أن (( إلام )) كتبت على الأصل في أول البيت .
---------------------------------------
*- فضلا عن أثر ذلك في إظهار الأسى والحزن حين نسكت سكتة خفيفة بعد كلمة (( غدٍ )) ، لأن (( أغمات )) هنا رمز لغزو دولة إسلامية (( الموحدين )) لدولة إسلامية أخرى ، وكان المعتمد ابن عباد كبير ملوك الطوائف في الأندلس في القرن الخامس وصاحب إشبيلية وقرطبة ، وهو الذي هزم الروم في موقعة الزلاقة مستعينا بجيوش أمراء الأندلس ، وجيش يوسف بن تاشفين أمير الموحدين بمراكش ، وبعد النصر طمع ابن تاشفين في ملك المعتمد ، فأثار الفتن وحارب أشبيلية ، وأسر المعتمد وحمله مع أهله حيث سجنهم ببلدة أغمات ، وهو أمر لا يفيد غير الأعداء ، قطع همزة الوصل إذن ضرورة لإقامة الوزن ، وقلما يلجأ إليها الشعراء ، وقد يكون له ضرورة أخرى تتعلق بالشعور أو العاطفة كما رأينا .