الموضوع
:
واجبنا تجاه الصحابة رضي الله عنهم جزء من واجبنا تجاه ديننا
عرض مشاركة واحدة
16-11-12, 10:38 PM
المشاركة رقم:
2
المعلومات
الكاتب:
تألق
اللقب:
عضو
الرتبة
البيانات
التسجيل:
Apr 2011
العضوية:
2735
المشاركات:
6,427 [
+
]
الجنس:
انثى
المذهب:
سني
بمعدل :
1.26 يوميا
اخر زياره :
[
+
]
معدل التقييم:
33
نقاط التقييم:
729
الإتصالات
الحالة:
وسائل الإتصال:
كاتب الموضوع :
تألق
المنتدى :
بيت الآل والأصحاب من منظور أهل السنة والجماعة
وَاجِبُنَا تِجَاهَ الصَّحَابَة
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستَعينُه ونستَغفره ، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسِنا وسيِّئات أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلَّا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه ، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلَّم تسليمًا كثيرًا ؛ أمَّا بعد:
أيها الإخوة المؤمنون : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وأسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يكتب لنا في جمعنا هذا الخير والنفع والبركة ، وأن يمنَّ علينا بالعلم النافع وأن ينفعنا بما علّمنا وأن يزيدنا علما .
أيها الإخوة الأكارم موضوع هذا اللقاء عن :
« واجبُنا نحو الصَّحابة الكرام
وأرضاهم »
وهُو واجبٌ عظيمٌ ومطلَبٌ جليلٌ يجدُر بنا جميعًا أن نُرعيه اهتمامَنا وأن نعتنيَ به غايةَ العناية ؛ واجبُنا نحو أصحاب النبي الكريم عليه الصلاة والسلام .
ولنعلَم أيها الإخوة : أنَّ واجبنا نحو الصَّحابة هو جزءٌ من واجبنا نحو دينِنا دينِ الإسلام دين الله تبارك وتعالى الَّذي رضيَه الله لعباده ولا يقبل منهُم دينًا سواه ، كما قال الله جلَّ وعلا : ﴿
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران: 19]
، وكما قال جلَّ وعلا : ﴿
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85]
، وكما قال الله تعالى: ﴿
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا
﴾ [المائدة:3] .
هذا الدِّين القَويم والصِّراط المستَقيم دينُ الله عز وجل قد اختَار الله له مبَلِّغًا أمينًا وناصحًا حكيمًا ورسولًا كريمًا ألا وهُو محمَّد
، فبلَّغ هذا الدِّين أتمَّ البلاغ ، وبيَّنه أكمَل البيان ، وقام بما أمرَهُ به ربُّه تبارك وتعالى على أتمِّ وجهٍ وأكمَل حالٍ ، قال الله له: ﴿
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: 67] ، فبلَّغ الرِّسالة ، وأدَّى الأمانةَ ، ونصحَ الأمَّة ، وجاهد في الله حقَّ جهادِه حتَّى أتاه اليقين ، وما تركَ خيرًا إلَّا دلَّ الأمَّة عليه ، ولا شرًّا إلَّا حذَّرها منه ، قال الله تعالى ممتنًّا على عباده: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة:2] ؛ بلَّغ رسولُنا
دينَ الله على التَّمام والكَمال ، ونصحَ للأمَّة غايةَ النُّصح ، وأوضَح لهم المحجَّة وأبانَ لهم السَّبيل - صلواتُ الله وسلامُه عليه - .
وقد اختَار الله جلَّ وعلا لهذا الرَّسول الكريم صحابةً كرامًا ، وأنصارًا عدولًا ، وأئمَّةً ثقاتًا ؛ نصروه وعزَّروه وأيَّدوه، ونصروا دينَ الله تبارك وتعالى ، فكانوا
وأرضاهم خيرَ صَحْبٍ لخيرِ مَن مشى على وجهِ الأرضِ رسولِ الله
، كانوا صحابةً بَرَرَةً ، وإخوَةً كِرامًا ، وأعوانًا أقوياءَ أشدَّاءَ ، نصروا دينَ الله عز وجل وأيَّدوه، وكانوا خيرَ أعوانٍ لنشره ونصره ؛ فأَنْعِمْ بِهِمْ وأَكْرِمْ ؛ أنعِم بهم ما أعلى قدرَهم ! وما أجلَّ مكانتَهم ! وما أشرَفَ الجُهدَ الَّذي قاموا به لنُصرة دين الله تبارك وتعالى !
واللهُ عز وجل اختار هَؤلاء الصَّحابة لنبيِّه
عن علمٍ وحكمةٍ ، اختار له خيارًا عدولًا ، كانوا بشهادة ربِّ العالمينَ وشهادةِ الرَّسولِ الكريم
خيرَ النَّاس بعدَ الأنبياءِ ، كما قال الله تعالى : ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:110] ، وأوَّل مَن يدخُل في ذلك صحابةُ النَّبيِّ
؛ فهُم يدخُلونَ في هذا الثَّناء دخولًا أوَّليًّا ، وجاء في الصَّحيحيْن عن النَّبيِّ
أنَّه قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ؛ فهذه خيريَّة للصَّحابة شهِد لهم بها ربُّ العالمين ، وشهِد لهم بها رسولُه الكريمُ
، وكانوا حقًّا خيارًا عدولًا ثقاتًا أثباتًا أئمَّةً هداةً -
وأرضاهم - .
ولهذا – أيها الإخوة - يجبُ علينَا أن نعيَ أنَّ الحديثَ عن الصَّحابة وأن الواجب نحو الصحابة هُو جزءٌ من الدِّينِ، جزءٌ من العقيدة الإسلاميَّة ، جزءٌ من الإيمان الَّذي تعبَّدَنا الله تبارك وتعالى به؛
لماذا الحديث عن الصحابة وعن واجبنا نحو الصحابة جزء من الإسلام ؟ وإذا طالعتَ كُتُبَ العقيدةِ الَّتي كتبَها أئمَّةُ السَّلف في القَديم والحديثِ لا تجد كتابًا منها يخلو من بيانِ العقيدةِ نحو الصَّحابة . لماذا هذا الاهتمام بالصحابة ؟ ولماذا كان واجبُنا نحوَ الصَّحابَة جُزءًا من واجبِنا نحوَ دِينِنا ؟!
إنَّ الصَّحابة - أيها الإخوة - هُم حملَةُ هذا الدِّين ونقلتُه للأمَّة ؛ منَّ الله عليهم وشرَّفهم وأكرمَهُم بسماع دينِ الله من رسُولِ الله
، شرَّفهم الله برؤيةِ طَلْعَته ومشاهَدتِه
، وشرَّفَهُم بسَماع حديثِه
منه بدُون واسطة ، رَأوه وسَمِعوا حديثَه وحفظُوه ووَعَوْه ونقَلُوه لأمَّة الإسلام.
أيها الإخوة : أيوجَد حديثٌ عن النَّبيِّ
- سواءً القوليَّة أو الفعليَّة - وصَل إلينَا من غير طريقِ الصَّحابة ؟! إذا فتَحت كُتُب السُّنَّة ؛ «صحيح البُخاري» ، «صحيح مسلم» ، «السُّنَن» ، «المسانيد» ، «المجَاميع» ، الأجزَاء الحديثيَّة تجدُ الإسناد يبدأ من المؤلِّف : حدَّثنا فلانٌ عن فلانٍ عن فلانٍ إلى أن يصِلَ إلى الصَّحابي ثمَّ الصَّحابيُّ يَروي عن النَّبيِّ ؛ جميع الأحاديثِ الَّتي صَحَّت وثَبتَت عن رسولِ الله في طريقِنا إلى النَّبيِّ
صحابيٌّ جليلٌ.
والصَّحابة عُدولٌ ، عدَّلهم الله جلَّ وعلا ووثَّقهم في كتابه ، ووثَّقهم نبيُّه عليه الصَّلاة والسَّلام ، ولهذا جرت طريقة أئمَّة السَّلف وعلماء السُّنَّة في الأحاديث الَّتي تُروى عن النَّبيِّ
أن يبحثوا في عدالة رُواتِها ومنزلتِهم منَ الثِّقة والضَّعف ، كل رجلٍ من رجال الإسناد يبحثُون في حاله ؛ هل هو ثقةٌ أو ضعيفٌ ؛ هل هو عدلٌ أو ليس بعَدلٍ ؛ وإذا وصل الإسناد إلى الصَّحابي لا يبحَث في هذه المسألة ؛ لأنَّ الصَّحابة كلهم عُدولٌ كلهم ثقاتٌ ، الذي وثقهم هو رب العالمين ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام ؛ ولهذا إذا نظرتَ في كُتُب العِلل وكُتُب الرِّجال بدءًا من زمن التَّابعين فمَن بعدَهُم تجد كلَّ واحد منهُم يتكلَّمون عن حاله ، يقولون: فلانٌ ثقةٌ ، فلانٌ ثبتٌ، فلانٌ حافظٌ، فلانٌ ضعيفٌ، فلانٌ كذَا .. إلَّا الصَّحابة ، الصحابة لا يتكلَّم أحدٌ ، هَل هُم عدول أو ليسوا بعدول ؛ هل هُم ثقاتٌ أو ليسوا بثقات؟ لأنهم كلُّهم معدَّلين ، والذي عدَّلهم هو ربُّ العالمين جلَّ وعلا ورسُوله
، وذلكَ في آياتٍ كثيرةٍ من القُرآن ، وفي أحاديثَ عديدةٍ عن الرَّسول الكريمِ عليه الصَّلاة والسَّلام.
الصَّحابة نقَلَةُ هذا الدِّين ؛ سمعُوا الدين من رسولِ الله عليه الصلاة والسلام ، وحفظُوه كما سَمعوه، وبلَّغوه للأمَّة بكلِّ أمانةٍ وثقةٍ ، ولسانُ حال كلِّ واحدٍ منهُم يقول : هذَا ما سَمعناه من رسولِ الله
وها نحنُ نبلِّغُه لكُم وافيًا تامًّا كاملًا كما سمعنَاه . ولهم الحظَّ الوافر والنَّصيب الكامل من دعوةِ النَّبيِّ
حينَ قال: «نَضَّرَ اللهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ» ؛ أتعلمون أحدًا من هذه الأمَّة ظفر بهذه الدَّعوة العظيمة مثلمَا ظفر بها الصَّحابة
وأرضاهم ؟ حفظوا الدِّينَ وحفظوا أحاديثَ الرَّسولِ الكريمِ عليه الصَّلاة والسَّلام وبلَّغوها للأمَّة صافيةً نقيَّةً ، تامَّةً كاملةً ، بكلِّ أمانةٍ وبكل ثقةٍ ، وبكلِّ دقَّةٍ وعنايةٍ ، هكذا كان شأنُهم
.
وكانوا معَ النَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام يحرصُون على مجالسه، ويتَنافسون على حضُورِ دروسه وسماع أحاديثِه ، ويحفظونها وتَعيَها قلوبُهم، وينقلُونها لأمَّة الإسلام ؛ إذا كان الصَّحابة بهذه الرُّتبة وبهذه المكانة ؛ أليس الحديثُ عنهم جزءًا من الحديثِ عن الدِّين ؛ وهُم نقَلتُه وحملته للأمَّة ؟ كلُّ حَديثٍ يبلغُنا عن النَّبيِّ
يتَوسَّط في إبلاغِ الحديث إلينَا أحدُ الصَّحابة ؛ واسطة بيننا وبين النبي عليه الصلاة والسلام في إبلاغ الدين ، ولهذا الحديث عنهم جزءٌ منَ الحديثِ في هذا الدِّين.
وبالمقابل ؛ فإنَّ الطَّعن فيهم
طعنٌ في الدِّين نفسِه ؛ كما قال العلماء: «الطَّعنُ في النَّاقل طعنٌ في المنقُول» ، إذا كان مَن نقَل لنا الدِّينَ وهُم الصَّحابة مطعونٌ فيهم متكَلَّمٌ في عدالتِهم، متكلَّمٌ في ثقتِهم وأمانتِهم؛ فالدين ما شأنُه إذا كانَ مَن نقَل لنا الدِّين مطعونٌ فيه ؟ يكون الدِّينُ ذاتُه مطعونًا فيه ، ولهذا قال العلماء «الطَّعنُ في النَّاقل طعنٌ في المنقُول» ، إذا طُعن في الصحابة وشُكك في قدر الصحابة ومكانتهم فهذا طعن في الدين ذاته ، ولهذا قال الإمام الجليل والحافظ النَّبيل أبو زُرْعَة الرَّازي رحمه الله : «إذا رأيتُم الرَّجُلَ ينتقصُ أحدًا من أصحاب النَّبيِّ
، فاعلموا أنَّه زنديق؛ وذلك أنَّ الرَّسُولَ
عندنَا حقٌّ، والقُرآن حقٌّ، وإنَّما أدَّى إلينَا هَذا القُرآنَ والسُّنَن أصحابُ رسولِ الله
؛ وإنَّما يُريدون أنْ يجرَحُوا شهُودَنا ليُبطِلُوا الكتابَ والسُّنَّة، والجَرْحُ بهم أوْلَى، وهُم زنادقةٌ» ؛ يعني هؤلاء الذين يطعنون في الصحابة ويتكلمون فيهم أرادوا أن يجرحوا شهودنا الذين نقلوا لنا الدين وبلغوه فإذا طُعن فيهم طُعن في الدين الذي بلغوه ، إذا كان الصَّحابة ليسو ثقات وليسو عدول ، أين الدِّين الَّذي نعبدُ اللهَ به؟ أين الدِّين الَّذي نطيع الله عز وجل ونمتثله به إذا كان الناقل مطعون فيه ومُتكلمٌ فيه !!
ويُوغل فئامٌ من النَّاس في الضَّلال فيَطعن في الصَّحابة كلِّهم إلَّا نفرًا قليلًا منهم يُعَدُّون على رؤوس الأصابع ؛ إذا كان الأمر بهذا الحال؛ فأينَ الدِّين؟! كيفَ يُعلَم دينُ الله؟! كيف يُعبَد الله؟! كيف يصلَّى له ويُسجَد؟! كيف تؤدَّى فرائضه؟! كيف يحجُّ إلى بيته؟! كيف يُقام بطاعته؟! كيف ينتهي عن نهيه ؟! إذا طُعن في حملتِه ونقلتِه صحابة النَّبيِّ الكريمِ عليه الصَّلاة والسَّلام.
ولهذا يجب أن نعي أنَّ الطَّعن في نقلةِ الدِّين وهم الصَّحابة طعنٌ في الدِّين نفسِه ، ونعِي تمامًا أنَّ واجبَنا نحو الصَّحابة جزءٌ من واجبِنا نحو دينِنا ؛لماذا ؟ لأنَّهم هُم الَّذين نقلُوه ، هُم الَّذين بلغوه ، هُم الَّذين سمعوه من النبي عليه الصلاة والسلام ، سمعته آذانهم ووعته قلوبهم وبلغوه للأمة وافياً تاماً صافياً نقياً ، فإذا طُعِنَ فِيهم طُعِنَ في الدِّين نفسه .
وكيف يُطعن فيهم !! والَّذي عدَّلهم ربُّ العالمين في كتابه المبين في آي كثيرة منه
، بل أخبر جلَّ وعلا أنَّه رضي عنهم وأنهم رضوا عنه ؛ قال الله تعالى: ﴿
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ [التوبة:100] ، أخبر جلَّ وعلا أنَّه رضي عنهُم ، أيرضى عمَّن لا يكونُ ثقةً في نقل الدِّين ؟! أَيَرضى جلَّ وعلا عمَّن يكونُ خائنًا في إبلاغ كلام الرَّسول الكَريم عليه الصَّلاة والسَّلام ؟! هيهاتَ وهيهاتَ! وحاشا وكلَّا ؛ رضيَ الله عنهم ؛ لأنَّهم ثقاتٌ لأنهم عدولٌ، لأنَّهم أئمَّةٌ خيارٌ، لأنَّهم مبلِّغون لدِينِه على أتَمِّ وجهٍ وأحسنِ حالٍ، ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾. في الآية الأخرى قال جل وعلا : ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ﴾ [الفتح: 18] ، وكان عدَدُهم يتجاوز الألفَ بكثير ، وكلُّهم قد رضيَ الله عنهم. وقال عليه الصَّلاة والسَّلام في شأنِ أهلِ بدرٍ : «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ؛ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ» .
تزكِيةٌ من وَراءِ تزكية، وثَناءٌ من وراءِ ثَناءٍ، ومدحٌ عظيمٌ في القرآن الكريم وفي سنَّة النَّبيِّ
، ولا تَكادُ الآيات والأحاديث الَّتي في الثَّناءِ على الصَّحابة تحُصَى . بل – أيها الإخوة - لم يأت الثَّناءُ على الصَّحابة في القرآن فقط، بل إنَّ الثَّناءَ على الصحابة سَبَقَ الصحابة وسبق وجودَهم على الأرض ؛ جاء الثَّناء عليهم في التَّوراة وفي الإنجيلِ من قبلِ أن يُخلَقُوا ومِن قبلِ أن يوجَدُوا، أثنى الله عليهم في التوراة وأثنى الله عليهم في الإنجيل ، واقرأوا ذلك في آخر آية من سورة الفتح ماذا قال الله عن الصَّحابة ؟ ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ } من هم ؟ الصحابة { وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ } الرب عز وجل يثني على الصحابة {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ أين هذا المثل ؟ في أيِّ كتاب؟ ﴿ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ } هذا الثناء على الصحابة في التوراة ، ذُكِروا هذا الذكر في التوراة ، وأيضا في الإنجيل قال { وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ } من هم ؟ الصحابة { وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح:29] ، هذه الآية الكريمة تبيِّنُ لك - أخي المسلم - أنَّ الرَّبَّ العظيمَ والخالق الجليل تبارك وتعالى أثنى على الصَّحابةِ وزَكَّاهم وعدَّلهم أين ؟ في التَّوراة ، وفي الإنجيل ، وفي القرآن؛ ثناءٌ عظيمٌ ، مدحٌ جليلٌ ، تزكية عالية لهؤلاء الخيار لهؤلاء الأئمَّةِ العدولِ، أثنى جل وعلا عليهم من قبل أن يوجَدوا ، ومدَحَهم مِن قبل أن يُخلَقوا حينما أنزَلَ كتابَه التَّوراة على موسى ، وحينَما أنزَل كتابَه الإنجيلَ على عيسى ، ثمَّ أثنى عليهم وهُم على وجهِ الأرضِ في كتابِه القُرْآنِ الكريمِ الَّذي أنزَلَه على محمَّد
.
واسمع أيضًا إلى ثناء آخَر على الصَّحابةِ مِن ربِّ العالمين في سورَة الحشر
، قال الله جلَّ وعلا: ﴿
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ [الحشر:8] ، هكذا وصفهم الله : ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ
﴾ من هم ؟ المهاجرين ، ثمَّ قال عن الأنصار: ﴿
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ }يعني المدينة { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ } يحبون المهاجرين{ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر:9] ؛ هذا ثناءٌ على من ومن ؟ على المهاجرين والأنصار من الصحابة ، والصَّحابة - كما تعلمون – قسمين : مهاجرين وأنصار ؛ المهاجرون : أهل مكَّة الَّذين تركُوا أموالَهم وتركوا ديارَهم وتركوا بيوتهم وهاجروا لله ، ماذا يبتغون بهجرتهم ﴿ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾، البيت تركوه، المال تركوه ، كلَّ شيء تركُوه ، جاء بجسمه إلى المدينة وترك كل شيء يبتغي فضلاً من الله ورضواناً ، وماذا ؟ {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} لأجل هذا جاءوا ، قال ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ في إيمانهم ، في صُحبتهم ، في طاعتهم ، في اتِّباعهم لدين الله تبارك وتعالى ؛ صدق ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ } هكذا يصفهم الله
{ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
﴾ [الأحزاب: 23] ؛ هؤلاء هُم الصَّحابة ، يُثني الرَّبُّ جلَّ وعلا عليهم هذا الثَّناء المبارك الثناء العاطر.
أثنى الله تعالى على المهاجرين وأثنى على الأنصار
، قال في الأنصار : ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ ﴾ المراد بالدَّار أي المدينة ، ومن أسماء المدينة الدار ، والأنصار تبوَّءوا الدار أي تبوءوا المدينة مِن قبلِ المهاجرين ، لَكِن مَاذا فَعَلَ الأنصارُ عندما جاءَهم المهاجِرون ؟ قسموا لهم في أملاكهِم ؛ يُعطي الأنصارِيُّ المهاجِرَ نصفَ بَيْتِهِ، نصفَ مالِه، وهذا الإيثارُ الَّذي مدَحَهم الله به: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ واجتمع الأنصارُ والمهاجِرين على نُصرةِ دينِ الله تبارك وتعالى ؛ كلُّهم أنصارٌ لدِينِ الله، وكُلُّهم أعوانٌ لدين الله، ﴿
وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
﴾ هذا شأنهم .
ثم ما شأن الَّذين جاءوا مِن بعدِهم ؟ ما شأن المؤمنين الَّذين اتَّبعُوهم بإِحسَان ؟ لابدَّ أَنْ نَنْتَبِهَ هُنا ؛ لأنَّ الله عز وجل سيُبَيِّنُ لنا المنهجَ الَّذي عليه المؤمن بعد المهاجِرينَ والأنصارِ بعدَ زمنِ الصحابة ، ماذا يفعل المؤمن ؟ ما شأنه مع هؤلاء ؟ ماذا قال الله ؟ ﴿
وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ
﴾ مِن بعدِ المهاجِرين والأنصارِ ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا
وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر:10] ؛ هذه الآية تُبَيِّنُ لكم المنهجَ الَّذي يكونَ عليه كلُّ مؤمِنٍ تُجَاهَ الصَّحابة
.
توقيع :
تألق
التعديل الأخير تم بواسطة الشـــامـــــخ ; 14-04-18 الساعة
08:03 PM
تألق
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى تألق
البحث عن كل مشاركات تألق