بقلم/ همام عبدالرحمن الحارثي
التربية الاحتسابية:
هي عملية تنشئة اجتماعية للطفل على شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعويد
الطفل على القيام بهذا الواجب، وتدريبه على الفاعلية في مجتمعه، وتهيئته لمركزه ودوره الاجتماعي الذي ينشأ له في حالة اكتمال بناء وتكوين شخصيته.
التربية ككل ومن ضمنها التربية
الاحتسابية تبدأ من ولادة الطفل، ولكن في حال صغر الإنسان لا يكون لديه الإدراك الكامل للمفاهيم والمصطلحات كالاحتساب.. وغيره.
إذاً: كيف يكون ذلك؟
الجواب: يكون ذلك عن طريق توفير بيئة صحية سليمة وخالية من المنكرات، فينشأ
الطفل في بيئة محبة للخير وآمرة به، مبغضة للشر وناهية عنه، فيتولد بذلك عن
الطفل محبة الخير وأهله، وبغض الشر وأهله، فنكون خطونا أولى الخطوات في
تربية الطفل على الاحتساب، وتأتي بقية المراحل تبعاً للمرحلة العمرية التي يعيشها المتربي.
لا شك أن هناك عوامل تساعد على نجاح التربية
الاحتسابية للطفل، وذلك من ضمن النقاط التالية:
• توفير بيئة خالية من المنكرات، ومليئة بالخير.
• إيجاد البدائل الشرعية للمنكرات التي يعج بها المجتمع، ووجودها قد يؤثِّر في
تربية الطفل، كالتلفاز والأناشيد الإسلامية والرفقة الصالحة.
• التدرج في تعليم
الطفل المعاني الشرعية المهمة في حياته، وذلك تبعاً لإدراكه ومرحلته العمرية وسماته الشخصية، كالصلاة والصيام وأركان الإسلام، وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• ممارسة الابن لهذه الشعيرة تحت نظر والديه وفي حدود ضيقة؛ وذلك لتدريبه على القيام بهذا الواجب الشرعي.
• مكافأته في حال القيام بأمر محمود؛ وذلك لتحبيبه في الخير، ومعاقبته في حال القيام بأمر خاطئ؛ وذلك لتكريهه في الشر.
• إخباره بالقصص المحببة لهذه الشعيرة من واقع سيرة الرسول -

-، والصحابة

، والسلف الصالح.
قد تواجه الوالدين بعضُ العقبات المتوقعة، ومن تلك العقبات:
• معارضة الأهل والمجتمع، بحجة صغر
الطفل أو عدم فهمه.. أو غيرها من الحجج التي لا تقدم البديل ولا تترك المجال لتنشئة
الطفل على الخير.
• عناد
الطفل وعدم رغبته في القيام ببعض الواجبات؛ وذلك لعدم إدراكه الميزة العظيمة التي يقوم بها والواجب الشرعي الذي يلتزم به.
• ملل
الطفل من تكرار الأمر، وهذا أمر يطرأ على
الطفل لطبيعته.
• كثرة الملهيات التي تلهي عن القيام بهذا الواجب العظيم؛ وذلك لحب الأطفال في هذا المرحلة للعب وميلهم الفطري له.
و سيحصد المجتمع كثيراً من النتائج الإيجابية من تفعيل التربية
الاحتسابية في نفوس الصغار، ومن ذلك:
• أبناء فاعلون في المجتمع، وهذا هو المراد من أبناء المجتمع، كما جاء في حديث أم المؤمنين زينب بنت جحش لما سألت رسول الله -

-:
"أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث" فنحتاج إلى أبناء مصلحين فاعلين في مجتمعهم يعودون عليه بالنفع والتأثير الإيجابي.
• إشغالهم الأطفال بأشياء تعود عليهم بالنفع، وقال العلماء رحمهم الله:
"النفس إن لم تشغلها بالطاعة، شغلتك بالمعصية" فأفضل ما يشغل المؤمن به وقته هو فعل الخير.
• اكتسابهم خبرات حياتية، فهو في ممارستهم لهذه الشعيرة العظيمة يمرون بخبرات ومواقف من شأنها أن تكسبهم خبرات، فبعض الناس متقبل والآخر رافض وثالث مستهزئ.. وهكذا فهو مع الوقت يستطيع التعامل مع جميع الأصناف وإيصال الحق لهم.
• تعويدهم على حمل مسئولية هذا الدين، جاء عن البغوي في تفسير قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة:105]. روينا عن أبي بكر الصديق

أنه قال: "يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة:105]. وتضعونها في غير موضعها، ولا تدرون ما هي، وإني سمعت رسول الله -

- يقول:
إن الناس إذا رأوا منكراً فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه" فتحمل
الطفل لهذه المسئولية مبكراً أحد أهداف هذه التربية.
• غرس الثقة في الطفل، فالطفل يستطيع أن يواجه الناس ويرشدهم ويعلمهم على مستوى إدراكه وعلمه ومعرفته.
• غرس العزة لدى
الطفل بهذا الدين، فهو لا ينحرج من كونه متمسكاً بدينه، ملتزماً بشريعته، آمراً بالمعروف، ناهياُ عن المنكر، داعياً إلى الله عزَّ وجلَّ.
في موقف نبوي نجد الرسول الكريم -

- ينكر على ابن له طفل صغير وهو الحسن بن علي

ا
تربية له، كما جاء في صحيح مسلم أن أبا هريرة يقول: "أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله -

-:
كخ كخ! ارم بها؛ أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟!!" وهذا الحديث فيه فوائد تربوية يطول المجال عن ذكرها، لكن الذي يهمنا أن الرسول -

- لم يقل: إن الحسن بن علي صغير وهو لا يفقه، بل كان من واجب الرسول -

- تعليم الصغير مثل هذه المعاني؛ حتى ينشأ ويتربى عليها.
ضربنا مثالاً في النهي عن المنكر وسنضرب مثالاً في الأمر بالمعروف:
عن ابن عباس

قال:
"أهدي إلى النبي -
- بغلة، أهداها له كسرى، فركبها بحبل من شعر، ثم أردفني خلفه، ثم سار بي مليًّا، ثم التفت فقال: يا غلام! قلت: لبيك يا رسول الله! قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، قد مضى القلم بما هو كائن، فلو جهد الناس أن ينفعوك بما لم يقضه الله لك لم يقدروا عليه، ولو جهد الناس أن يضروك بما لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل بالصبر مع اليقين فافعل، فإن لم تستطع فاصبر؛ فإن في الصبر على ما تكرهه خيراً كثيراً، واعلم أن مع الصبر النصر، واعلم أن مع الكرب الفرج، واعلم أن مع العسر اليسر؛ فالرسول -

- يربي عبد الله بن العباس

ا ويأمره بالمعروف بهذا الحديث الإيماني التربوي العظيم التي لا تنقضي فوائده، لكني أكتفي بقول: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من
الطفل وإلى
الطفل يعكس صوراً إيجابية في نفس الطفل، وهي أكثر من أن تحصر في تاريخنا الإسلامي الزاخر.