كاتب هذه الكلمات خان الأمانة العلمية ؛ لأن الأمانة العلمية تقتضي أن يَكون مُنْصِفا ، وأن يعتمد على مصادر مُعتَمَدة ، وأن يُنقِّح ما يَنقل ، ولا يكون كَحَاطِب ليل !
وهذه طريقة أهل الأهواء في إثارة الشبهات والطعن في خيار هذ هالأمة بهذه الطريقة ، وبالأخبار الواهية .
وما أوْرَده ليس فيه ما يُعتمَد عليه ؛ لأنه ينقل مِن مصادر تاريخية ، ليس مِن شرطها صِحّة كل ما يُروى ، ولا ثبوته .
والذي في مستدرك الحاكم :
وَمَاتَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ بَعْدَ صَلاةِ الْوِتْرِ، وَدُفِنَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا بِالْبَقِيعِ لِخَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَصَلَّى عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكَانَ مَرْوَانُ غَائِبًا ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَخْلُفُهُ .
وفي إسناد الحاكم : عَبد اللَّهِ بْن
معاوية . قال عنه الإمام البخاري : في بعض أحاديثه مناكير . قال ابن عديّ : وفي موضعٍ آخر : منكر الحديث . وذَكَر ابن عديّ تضعيف الإمام النسائي له .
ولو صَحّت هذه الرواية فليس فيها شيء مما ذُكِر عن المؤامرة والقَتْل غِيلة .
فَعَزْو المؤامرة والقِتْل إلى مُستدرك الحاكم تلبيس وتدليس وكَذِب وتَضليل للقُرّاء .
ففي المستدرَك أيضا عَنْ سَالِمٍ سَبَلانَ ، قَالَ: مَاتَتْ عَائِشَةُ لَيْلَةَ السَّابِعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الْوِتْرِ، فَأَمَرَتْ أَنْ تُدْفَنَ مِنْ لَيْلَتِهَا، وَاجْتَمَعَ الأَنْصَارُ وَحَضَرُوا ، فَلَمْ تُرَ لَيْلَةً أَكْثَرَ نَاسًا مِنْهَا ، نَزَلَ أَهْلُ الْعَوَالِي ، فَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ .
كما نَقَل صاحب المقال عن كُتب التراجِم ، مثل : تهذيب الكمال ، ولبّس على القُرّاء حينما عَزَا قوله :
(وللتغطية على اغتيالها أشاع الأمويون بأنها أمرت أن تدفن ليلا فدفنوها ليلا مثلما دفنوا أباها !) وقد عَزَاه إلى تهذيب الكمال ، وليس فيه شيء مِن هذا .
فإن النصّ في " تهذيب الكمال " للمزِّي (35 / 235) :
وقِيلَ : توفيت ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان سنة ثمان وخمسين، وأَمَرَتْ أن تُدْفَن ليلا، فَدُفِنَتْ بعد الوتر بالبقيع ، وصلى عليها أبو هُرَيْرة ونزل في قبرها خمسة: عَبد
الله بن الزبير، وعروة بْن الزبير، والقاسم بْن محمد بن أَبي بكر، وأخوه عَبد
الله بْن مُحَمَّد بْن أَبي بكر، وعبد
الله بن عبد الرحمن بن أَبي بكر . اهـ .
وهذا حكاية قول بِصِيغة التمريض ، وهي
( قيل ) .
ومعلوم أن صِيغة التمريض لا يُثبَت بها حُكم ، كأنه قال : يُقال كذا .
ومثله ما نَقَله عن
" البداية والنهاية " لابن كثير ، فإن النص الذي ذَكَرَه ابن كثير غير معزوّ لأحَد ، بل يحكيه ابن كثير حكاية السَّرْد التاريخي دون إسناد .
وهو النصّ الذي في تهذيب الكمال ، وليس فيه أي ذِكْر لِمؤامرة على قتل أم المؤمنين

ا .
وقريب منه ما في الطبقات الكبرى .
مع أن ما ذَكره عن " الطبقات الكبرى " لابن سعد إنما يَرْويه ابن سعد مِن طريق الواقدي ، وهو إخباري متروك ، بل قال عنه الإمام أَحْمَد بْن حنبل: كذَّاب .
ومن كان هذا حاله ، فلا يُمكن اعتماد أخباره في مقام الاستدلال والاستشهاد وإثبات الحقائق التاريخية .
ومع ذلك فليس في هذه النصوص المذكورة في كُتب أهل السنة إلاّ أن
عائشة 
ا أوْصَت أن تُدْفَن ليلا ، وقد تكون اختارت أن تُدْفَن ليلا ؛ لأنه أسْتَر للمرأة .
ولعلها أرادت أن لا تُؤخِّر جنازتها ؛ لأنها ماتت ليلا – كما تقدَّم – ولعلها فعلت ذلك لبيان جواز الدفن ليلا .
وفي رواية الحاكم : فَأَمَرَتْ أَنْ تُدْفَنَ مِنْ لَيْلَتِهَا . وهذا لو صحّ لَكان سبب الدفن ليلا أنها أرادت تعجيل جنازتها .
ولم يَفْهَم أحدٌ أن الدفن ليلا مِن أجل أنها قُتِلت غِيلة ، ولا لِيُخفَى قبرها ، فإن موضع قبرها معلوم غير مجهول .
وكيف يكون مجهولا وقد حضره أمير المدينة أوْ مَن ينوب عنه ؟! وحضَره الْجَمْع الغفير .
مع أن في " البداية والنهاية " : أن عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فَمَاتَ بِهَا .
كما ذَكَر ابن كثير
الاختلاف في وفاة عَبْد الرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ
.
قال ابن كثير في " البداية والنهاية " : وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي هَذَا الْعَامِ فِي قَوْلِ كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّارِيخِ ، وَيُقَالُ : إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَخَمْسِينَ ، قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ وَكَاتِبُهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ ، وَقِيلَ : سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ . فالله أعلم . اهـ .
وكلّ هذا لم يلتفت إليه ! بل جَعَله قولا واحدا : أنه مات هو وعائشة

ا في سنة واحدة .
مع الاختلاف أيضا في سَنَةِ وَفاة عائشة
ا .
قال ابن عبد البر في " الاستيعاب (4 / 1885) : وتُوفّيت
عائشة سنة سبع وخمسين، ذكره المدائني ، عَنْ سُفْيَان بْن عيينة، عَنْ هشام بْن عروة عَنْ أبيه . وَقَالَ خليفة بن خياط : وقد قيل: إنها تُوفّيت سنة ثمان وخمسين ، ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان . اهـ .
وقال ابن كثير : وَقَدْ كَانَتْ وَفَاتُهَا فِي هَذَا الْعَامِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ . وَقِيلَ : قَبْلَهُ بِسَنَةٍ، وَقِيلَ : بَعْدَهُ بِسَنَةٍ، وَالْمَشْهُورُ فِي رَمَضَانَ مِنْهُ . وَقِيلَ : فِي شَوَّالٍ ، وَالأَشْهَرُ لَيْلَةَ الثُّلاثَاءِ السَّابِعُ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ . اهـ .
مع أنه لو كانت وفاة
عائشة 
ا ووفاة أخيها بسبب مكر ومكيدة ، لم يخْفَ ذلك على الناس في ذلك الزمان ، مع قيامهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما هو دون ذلك ، والتشديد في الإنكار على الولاة .
فقد أنْكر كعب بن عجرة

على عبد الرحمن بن أم الحكم حين خَطب قاعدا ، فقال كعب

: انظروا إلى هذا الْخَبِيث يَخْطُب قَاعِدًا ، وقال
الله تعالى : (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا) . رواه مسلم .
وأنْكر عمارة بن رؤيبة على بِشْر بنِ مروان حينما رآه على المنبر رافعا يديه ، فقال : قبح
الله هاتين اليدين ! لقد رأيت رسول
الله 
ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بإصبعه المسبحة .
وهذا إنكار علني يوم الجمعة أمام الناس على أمير من الأمراء .
كما نقل الكاتب عن مصادر رَافضية ، مثل : كتاب حبيب السير ! والكتاب مطبوع ومُحقق في إيران !
وفي كتاب " الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام " أن غياث الدين بن همام الدين الهروي مؤلِّف كتاب حبيب السير : ومن مصنفاته : " خلاصة الأخبار في أحوال الأخيار " ألَّفَه لِـ مير على شير ، ورَتَّبَه على مقدمة وعشر مقالات وخاتمة ، المقدمة في بدء الخلق، والمقالات في الأنبياء والحكماء وملوك العجم والتتر والخلفاء من بني أمية والعباسية ومعاصريهم وآل جنكيز خان وآل تيمور . اهـ .
فما أعَجب هذا ! أن يَذمّ
معاوية 
، في حين يَجعل مِن " الأخيار " آل جنكيز خان وملوك العجم والتتر !!
وذِكْر المؤامرة إنما يُنقل عن مصادر الرافضة ، وإلاّ فإن أهل السنة أعفّ وأعقل مِن أن ينقلوا مثل هذا السَّخف والكذب !
وليس في المصادر السُّـنِّـيَّة التي ذَكَرها شيء عن المؤامرة التي ينتحلها ويصنعها وينسج خيوطها الرافضة ؛ لأنهم اعتادوا على حياكة المؤامرات ، فيُريدون أن يَصِفوا الناس بِقبيح صِفاتِهم ! على قاعدة : وَدَّت الزانية لو أن كل النساء زواني !
وإنما عزا ذلك إلى المصادر السنيَّة ليُوهِم القُرّاء ويُلبِّس على العوام ، وهذا هو ديدن الرافضة !
ومِن الْمُضْحِكات قوله :
(والآن وبعد معرفة هذه الحقائق التي طالما حاولوا أن يخفوها هل يستطيعون الآن أن يقولوا : إن سيدنا معاوية قتل أمنا عائشة ؟ والاثنان بالجنة؟)
يُقال لمثل هذا : أثْبِت العَرْش ثم انقُش !
أثْبِت أوّلاً ما زَعَمْته حقائق ! وإنما هي أباطيل وظُلمات وأكاذيب !